١٠٢

وإذا كنت فيهم بيان لما قبله من النص المجمل الوارد في مشروعية القصر بطريق التفريع وتصوير لكيفيته عند الضرورة التامة وتخصيص البيان بهذه الصورة مع الاكتفاء فيما عداها بالبيان بطريق السنة لمزيد حاجتها اليه لما فيها من كثرة التغيير عن الهيئة الاصلية ومن ههنا ظهر لك ان مورد النص الشريف على المقصورة وحكم ما عداها مستفاد من حكمها والخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بطريق التجريد وبظاهره يتعلق من لا يرى صلاة الخوف بعده ولا يخفى ان الأئمة بعده نوابه قوام بما كان يقوم به فيتناولهم حكم الخطاب الوارد له كما في قوله تعالى خذ من اموالهم صدقة وقد روى ان سعيد بن العاص لما اراد

أن يصلي بطيرستان صلاة الخوف قال من شهد منكم صلاة الخوف مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقام حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه فوصف له ذلك فصلى بهم كما وصف وكان ذلك بحضرة الصحابة رضي اللّه عنهم فلم ينكره احد فحل محل الإجماع وروى في السنن انهم غزوا مع عبد الرحمن بن سمرة بابل فصلى بهم صلاة الخوف

فأقمت لهم الصلاة أي اردت أن تقيم بهم الصلاة

فلتقم طائفة منهم معك بعد أن جعلتهم طائفتين و لتقف الطائفة الأخرى بإزاء العدو ليحرسوكم منهم و إنما لم يصرح به لظهوره

وليأخذوا أي الطائفة القائمة معك

اسلحتهم أي لا يضعوها ولا يلقوها وإنما عبر عن ذلك بالأخذ للإيذان بالاعتناء باستصحابها كأنهم يأخذونها ابتداء

فإذا سجدوا أي القائمون معك واتموا الركعة

فليكونوا من ورائكم أي فلينصرفوا الى مقابلة العدو للحراسة

ولتأت طائفة اخرى لم يصلوا بعد وهي الطائفة الواقفة تجاه العدو للحراسة وإنما لم تعرف لما أنها لم تذكر فيما قبل

فليصوا معك الركعة الباقية ولم يبين في الآية الكريمة حال الركعة الباقية لكل من الطائفتين وقد بين ذلك بالسنة حيث روى عن ابن عمرو ابن مسعود رضى اللّه عنهم أن النبى حين صلى صلاة الخوف صلى بالطائفة الأولى ركعة وبالطائفة الأخرى ركعة كما في الآية الكريمة ثم جاءت الطائفة الأولى وذهبت هذه إلى مقابلة العدو حتى قضت الأولى الركعة الأخيرة بلا قراءة وسلموا ثم جاءت الطائفة الأخرى وقضوا الركعة الأولى بقراءة حتى صار لكل طائفة ركعتان

وليأخذوا أى هذه الطائفة

حذرهم وأسلحتهم لعل زيادة الأمر بالحذر في هذه المرة لكونها مظنة لوقوف الكفرة على كون الطائفة القائمة مع النبى في شغل شاغل

وأما قبلها فربما يظنونهم قائمين للحرب وتكليف كل من الطائفتين بما ذكر لما أن الاشتغال بالصلاة مظنة لإلقاء السلاح والإعراض عن غيرها ومئنة لهجوم العدو كما ينطق به قوله تعالى

ود الذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة فإنه اسئناف مسوق لتعليل الأمر المذكور والخطاب للفريقين بطريق الالتفات اى تمنوا أن ينالوا غرة وينتهزوا فرصة فيشدوا عليكم شدة واحدة والمراد بالأمتعة ما يتمتع به في الحرب لا مطلقا وهذا الأمر الموجوب لقوله تعالى

ولا جناح عليكم إن كان بكم اذى من مطرا أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم حيث رخص لهم في وضعها إذا ثقل عليهم استصحابها بسبب المطر أو مرض وأمروا مع ذلك بالتيقظ والاحتياط فقيل

وخذوا حذركم لئلا يهجم العدو عليكم غيلة روى الكلبى عن أبى صالح ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم غزا محاربا وبنى إنما فنزلوا ولا يرون من العدو احدا فوضع الناس اسلحتهم وخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لحاجة له وقد وضع سلاحه حتى قطع الوادى والسماء ترش فحال الوادى بينه وبين أصحابه فجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فبصر به غورث بن الحرث المحاربى فقال قتلنى اللّه إن لم أقتلك ثم انحدر من الجبل ومعه السيف فلم يشعر به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلا وهو قائم على رأسه وقد سل سيفه من غمده فقال يا محمد من يعصمك منى الآن فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اللّه عز و جل ثم قال اللّهم اكفنى غورث بن الحرث بما شئت ثم أهوى بالسيف إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليضربه فأكب لوجهه من زلخة زلخها بين كتفيه فبدر سيفه فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فأخذه ثم قال يا غورث من يمنعك منى الآن قال لا أحد قال تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا عبده ورسوله وأعطيك سيفك قال لا ولكن أشهد أن لا أقاتلك أبدا ولا أعين عليك عدوا فأعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سيفه فقال غورث واللّه لأنت خير منى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنا أحق بذلك منك فرجع غورث إلى أصحابه فقص عليهم قصته فآمن بعضهم قال وسكن الوادى فقطع عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى أصحابه وأخبرهم بالخبر وقوله تعالى

إن اللّه أعد للكافرين عذابا مهينا تعليل للأمر بأخذ الحذر أعد لهم عذابا مهينا بأن يخذلهم وينصركم عليهم فاهتموا باموركم ولا تهملوا في مباشرة الأسباب كى يحل بهم عذابه بأيديكم

وقيل لما كان الأمر بالحذر من العدو موهما لتوقع غلبته واعتزازه نفى ذلك الإيهام بان اللّه تعالى ينصرهم ويهين عدوهم لتقوى قلوبهم

﴿ ١٠٢