٧

وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام السموات في يومين والأرض في يومين وما عليها من أنواع الحيوانات والنبات وغير ذلك في يومين حسبما فعل في سورة حم السجدة ولم يذكر خلق ما في الأرض لكونه من تتمات خلقها وهو السر في جعل الزمان خلقه تتمة لزمان خلقها في قوله تعالى في أربعة أيام في تتمة أربعة أيام والمراد بالأيام الأوقات كما في قوله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره أي في ستة أوقات أو مقدار ستة أيام فإن اليوم في المتعارف زمان كون الشمس فوق الأرض ولا يتصور ذلك حين لا لأرض ولا سماء وفي خلقها مدرجا مع القدرة التامة على خلقها دفعة دليل على أنه قادر مختار وحث على التأني في الأمور

وأما تخصيص ذلك بالعدد المعين فأمر استأثر بعلم ما يقتضيه علم الغيوب جلت حكمته وإيثار صيغة الجمع في السموات لما هو المشهور من الإشارة إلى كونها أجراما مختلفة الطبائع ومتفاوتة الآثار والأحكام

وكان عرشه قبل خلقهما

على الماء ليس تحته شيء غيره سواء كان بينهما فرجة وكان موضوعا على متنه كما ورد في الأثر فلا دلالة فيه على إمكان الخلاء كيف لا ولو دل لدل على وجوده لا على إمكانه فقط ولا على كون الماء أول ما حدث في العالم بعد العرش وإنما يدل على أن خلقهما أقدم من خلق السموات والأرض من غير تعرض للنسبة بينهما

ليبلوكم متعلق بخلق أي خلق السموات والأرض وما فيهما من المخلوقات التي من جملتها أنتم ورتب فيهما جميع ما تحتاجون إليه من مبادى وجودكم وأسباب معايشكم وأودع في تضاعيفهما من تعاجيب الصنائع والعبر ما تستدلون به على مطالبكم الدينية ليعاملكم معاملة من يبتليكم

أيكم أحسن عملا فيجازيكم بالثواب والعقاب غب ما تبين المحسن من المسيء وامتازت درجات أفراد كل من الفريقين حسب امتياز طبقات علومهم واعتقاداتهم المترتبة على أنظارهم فيما نصب من الحجج والدلائل والإمارات والمخايل ومراتب أعمالهم المتفرعة على ذلك فإن العمل غير مختص بعلم الجوارح ولذلك فسره صلى اللّه عليه و سلم بقوله أيكم

أحسن عقلا وأورع عن محارم اللّه وأسرع في طاعة اللّه فإن لكل من القلب والقالب عملا مخصوصا به فكما أن الأول أشرف من الثاني فكذا الحال في عمله كيف لا ولا عمل بدون معرفة اللّه عز و جل الواجبة على العباد آثر ذي أثير وإنما طريقها النظرى التفكر في بدائع صنائع الملك الخلاق والتدبر في آياته البينات المنصوبة في الأنفس والآفاق ولا طاعة بدون فهم ما في مطاوى الكتاب الحكيم من الأوامر والنواهي وغير ذلك مما له مدخل في الباب وقد روى عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أنه قال لا تفضلوني على يونس بن متى فإنه كان يرفع له كل يوم مثل عمل أهل الأرض قالوا وإنما كان ذلك التفكر في أمر اللّه عز و جل الذي هو عمل القلب لأن أحدا لا يقدر على أن يعمل في اليوم بجوارحه مثل علم أهل الأرض وتعليق فعل البلوى أي تعقيبه بحرف الاستفهام لا التعليق المشهور الذي يقتضى عدم إيراد المفعول أصلا مع اختصاصه بأفعال القلوب لما فيه من معنى العلم باعتبار عاقبته كالنظر ونظائره ولذلك أجرى مجراه بطريق التمثيل أو الاستعارة التبعية وإيراد صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل للفريقين باعتبار أعمالهم المقسمة إلى الحسن والقبيح أيضا لا إلى الحسن والأحسن فقط للإيذان بأن المراد بالذات والمقصود الأصلى مما ذكر من إبداع تلك البدائع على ذلك النمط الرائع إنما هو ظهور كمال إحسان المحسنين وأن ذلك لكونه على أتم الوجوه اللائقة وأكمل الأساليب الرائقة يوجب العمل بموجبه بحيث لا يحيد أحد عن سننه المستبين بل يهتدى كل فرد إلى ما يرشد إليه من مطلق الإيمان والطاعة وإنما التفاوت بينهم في مراتبهما بحسب القوة والضعف والكثرة والقلة

وأما الإعراض عن ذلك والوقوع في مهاوى الضلال فبمعزل من الاندراج تحت الوقوع فضلا عن أن ينظم ظهوره في سلك العلة الغائبة لذلك الصنع البديع وإنما هو عمل يصدر عن عاملة بسوء اختياره من غير مصحح له ولا تقريب ولا يخفى ما فيه من الترغيب في الترقى إلى معارج العلوم ومدارج الطاعات والزجر عن مباشرة نقائضها واللّه تعالى أعلم

ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت على ما يوجبه قضية الابتلاء ليترتب عليه الجزاء المتفرع على ظهور مراتب الأعمال

ليقولن الذين كفروا إن وجه الخطاب في قوله تعالى إنكم إلى جميع المكلفين فالموصول مع صلته للتخصيص أي ليقولن الكافرون منهم وإن وجه إلى الكافرين منهم فهو وارد على طريقة الذم

إن هذا إلا سحر مبين أي مثله في الخديعة أو البطلان وهذا إشارة إلى القول المذكور أو إلى القرآن فإن الإخبار عن كونهم مبعوثين وإن لم يجب كونه بطريق الوحى المتلو إلا أنهم عند سماعهم ذلك تخلصوا إلى القرآن لانبائه عنه في كل موضع وكونه علما عندهم في ذلك فعمدوا إلى تكذيبه وتسميته سحرا تماديا منهم في العناد وتفاديا عن سنن الرشاد

وقيل هو إشارة إلى نفس البعث ولا يلائمه التسمية بالسحر فإنه إنما يطلق على شيء موجود ظاهرا لا أصل له في الحقيقة ونفس البعث عندهم معدوم بحت وتعلق الآية الكريمة بما قبلها إما من حيث أن البعث كما أشير إليه من تتمات الابتلاء المذكور فكأنه قيل الأمر كما ذكر ومع ذلك إن أخبرتهم بمقدمة فذة من مقدماته وقضية فرده من تتماته لا يتلعثمون في الرد ويعدون ذلك من قبيل ما لا صحة له أصلا فضلا عن تصديق ما هذه من تتماته

وأما من حيث أن البعث خلق جديد فكأنه قيل وهو الذي خلق جميع المخلوقات ابتداء لهذه الحكمة البالغة ومع ذلك إن أخبرتهم بأنه يعيدهم تارة أخرى وهو

أهون عليه يقولون ما يقولون فسبحان اللّه عما يصفون وقرأ حمزة والكسائى إلا ساحر على ان الإشارة إلى القاتل أو إلى القرآن على اسلوب شعر شاعر وقرئ بالفتح على تضمين قلت معنى ذكرت أو على أن أنك بمعنى عنك في علك أى ولئن قلت لعلكم مبعوثون على أن الرجاء والتوقع باعتبار حال المخاطبين أي توقعوا ذلك ولا تبتوا القول بإنكاره أو على أنه مجاراة معهم في الكلام على نهج المساعدة لئلا يسارعوا إلى اللجاج والعناد ريثما قرع أسماعهم بت القول بخلاف ما ألفوا وألفوا عليه آباءهم من إنكار البعث ويكون ذلك أدعى لهم إلى التأمل والتدبر وما فعلوه قاتلهم اللّه أنى يؤفكون

﴿ ٧