٢٨

قال يا قوم أرأيتم أي أخبروني وفيه إيماء إلى ركاكة رأيهم المذكور

إن كنت على بينة برهان ظاهر

من ربي وشاهد يشهد بصحة دعواي

وآتاني رحمة من عنده هي النبوة ويجوز أن تكون هي البينة نفسها جيء بها إيذانا بأنها مع كونها بينة من اللّه تعالى رحمة ونعمة عظيمة من عنده فوجه إفراد الضمير في قوله تعالى

فعميت عليكم حينئذ ظاهر وإن أريد بها النبوة وبالبينة البرهان الدال على صحتها فالإفراد لإرادة كل واحدة منهما أو لكون الضمير للبينة والإكتفاء بذلك لاستلزام خفائها خفاء النبوة أو لتقدير فعل آخر بعد البينة ومعنى عميت اخفيت وقريء عميت ومعناه خفيت وحقيقته أن الحجة كما تجعل مبصرة وبصيرة تجعل عمياء لأن الاعمى لا يهتدي ولا يهدى غيره وفي قراءة أبي فعماها عليكم علىالإسناد إلى اللّه عز و جل

أنلزمكموها أي أنكرهكم على الإهتداء بها وهو جواب أرأيتم وساد مسد جواب الشرط وقرأ أبو عمرو بإخفاء حركة الميم وحيث اجتمع ضميران منصوبان وقد قدم أعرفهما جاز في الثاني الوصل والفصل فوصل كما في قوله تعالى فسيكفيكهم اللّه

وأنتم لها كارهون لاتختارونها ولا تتأملون فيها ومحصول الجواب أخبروني إن كنت على حجة ظاهرة الدلالة على صحة دعواي إلا أنها خافية عليكم مسلمة عندكم أيمكننا أن نكرهكم على قبولها وأنتم معرضون عنها غير متدبرين فيها أي لا يكون ذلك وظاهره مشعر بصدوره عنه صلى اللّه عليه و سلم بطريق إظهار اليأس عن إلزامهم والقعود عن محاجتهم كقوله تعالى ولا ينفعكم نصحي الخ لكنه محمول على أن مراده صلى اللّه عليه و سلم ردهم عن الإعراض عنها وحثهم على التدبر فيها بصرف الإنكار إلى الإلزام حال كراهتهم لها لا إلى الإلزام مطلقا هذا ويجوز أن يكون المراد بالبينة دليل العقل الذي هو ملاك الفضل وبحسبه يمتاز أفراد البشر بعضها من بعض وبه يناط الكرامة عند اللّه عز و جل والإجتباء للرسالة وبالكون عليها التمسك به والثبات عليه وبخفائها على الكفرة على أن الضمير للبينة عدم إدراكهم لكونه صلى اللّه عليه و سلم عليها وبالرحمة النبوة التي أنكروا اختصاصه صلى اللّه عليه و سلم بها بين ظهرانيهم والمعنى أنكم زعمتم أن عهد النبوة لا يناله إلا من له فضيلة على سائر الناس مستتبعة لاختصاصه به دونهم أخبروني إن امتزت عنكم بزيادة مزية وحيازة فضيلة من ربي وآتاني بحسبها نبوة من عنده فخفيت عليكم تلك البينة ولم تصيبوها ولم تنالوها ولم تعلموا حيازتي لها وكوني عليها إلى الآن حتى زعمتم إني مثلكم وهي متحققة في نفسها أنلزمكم قبول نبوتي التابعة لها والحال أنكم كارهون لذلك فيكون الإستفهام للحمل على الإقرار وهو الأنسب بمقام المحاجة وحينئذ يكون كلامه صلى اللّه عليه و سلم جوابا عن شبههم التي أدرجوها في خلال مقالهم من كونه صلى اللّه عليه و سلم بشرا قصارى أمره أن يكون مثلهم من غير فضل له عليهم وقطعا لشأفة آرائهم الركيكة

﴿ ٢٨