٥٣

وما أبرىء نفسي أي لا أنزهها عن السوء قاله عليه السلام هضما لنفسه الكريمة البريئة عن كل سوء وربأ بمكانها عن التزكية والإعجاب بحالها عند ظهور كمال نزاهتها على أسلوب قوله عليه السلام أنا سيد ولد آدم ولا فخر أو تحديثا بنعمة اللّه عز و جل عليه وإبرازا لسره المكنون في شأن أفعال العباد أي لا أنزهها عن السوء من حيث هي هي ولا أسند هذه الفضيلة إليها بمقتضى طبعها من غير توفيق من اللّه عز وعلا

إن النفس البشرية التي من جملتها نفسي في حد ذاتها

لأمارة بالسوء مائلة إلى الشهوات مستعملة للقوى والآلات في تحصيلها بل إنما ذلك بتوفيق اللّه تعالى وعصمته ورحمته كما يفيده قوله

إلا ما رحم ربي من النفوس التي يعصمها من الوقوع في المهالك ومن جملتها نفسي أو هي أمارة بالسوء في كل وقت إلا وقت رحمة ربي وعصمته لها

وقيل الإستثناء منقطع أي لكن رحمة ربي هي التي تصرف عنها السوء كما في قوله تعالى ولا هم ينقذون إلا رحمة

إن ربي غفور رحيم عظيم المغفرة لما يعتري النفوس بموجب طباعها ومبالغ في الرحمة لها بعصمتها من الجريان بمقتضى ذلك وإيثار الإظهار في مقام الإضمار مع التعرض لعنوان الربوبية لتربية مبادى المغفرة والرحمة

وقيل إلى هنا من كلام امرأة العزيز والمعنى ذلك الذي قلت ليعلم يوسف عليه السلام أني لم أخنه ولم أكذب عليه في حال الغيبة وجئت بما هو الحق الواقع وما أبرىء نفسي مع ذلك من الخيانة حيث قلت في حقه ما قلت وفعلت به ما فعلت إن كل نفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي أي إلا نفسا رحمها اللّه بالعصمة كنفس يوسف إن ربي غفور لمن استغفر لذنبه واعترف به رحيم له فعلى هذا يكون تأنيه عليه السلام في الخروج من السجن لعدم رضاه عليه السلام بملاقاة الملك وأمره بين بين ففعل ما فعل حتى يتبين نزاهته وأنه إنما سجن بظلم عظيم مع ما له من الفضل ونباهة الشأن ليتلقاه الملك بما يليق به من الإعظام والإجلال وقد وقع

﴿ ٥٣