١

سبحان الذي أسرى بعبده سبحان علم للتسبيح كعثمان للرجل وحيث كان المسمى معنى لاعينا وجنسا لا شخصا لم تكن إضافته من قبيل ما في زيد المعارك أو حاتم طئ وانتصابه بفعل متروك الإظهار تقديره أسبح اللّه سبحان الخ وفيه ما لا يخفي من الدلالة على التنزيه البليغ من حيث الاشتقاق من السبح الذي هو الذهاب والإبعاد في الأرض ومنه فرس سبوح أي واسع الجري ومن جهة النقل إلى التفعيل ومن جهة العدول من المصدر إلى الاسم الموضوع له خاصة لا سيما وهو علم يشير إلى الحقيقة الحاضرة في الذهن ومن جهة قيامه مقام المصدر مع الفعل

وقيل هو مصدر كغفران بمعنى التنزه ففيه مبالغة من حيث إضافة التنزه إلى ذاته المقدسة ومناسبة تامة بين المحذوف وبين ما عطف عليه في قوله تعالى سبحانه وتعالى كأنه قيل تنزه بذاته وتعالى والإسراء السير بالليل خاصة كالسري وقوله تعالى

ليلا لإفادة قلة زمان الإسراء لما فيه من التنكير الدال على البعضية من حيث الأجزاء دلالته على البعضية من حيث الأفراد فإن قولك سرت ليلا كما يفيد بعضية زمان سيرك من الليالي يفيد بعضيته من فرد واحد منها بخلاف ما إذا قلت سرت الليل فإنه يفيد استيعاب السير له جميعا فيكون معيارا للسير لا ظرفا له ويؤيده قراءة من الليل أي بعضه وإيثار لفظ العبد للإيذان بتمحضه عليه الصلاة و السلام في عبادته سبحانه وبلوغه في ذلك غاية الغايات القاصية ونهاية النهايات النائية حسبما يلوح به مبدأ الإسراء ومنتهاه وإضافة التنزيه أو التنزه إلى الموصول المذكور للإشعار بعلية ما في حيز الصلة للمضاف فإن ذلك من أدلة كمال قدرته وبالغ حكمته ونهاية تنزهه عن صفات المخلوقين

من المسجد الحرام اختلف في مبدأ الإسراء فقيل هو المسجد الحرام بعينه وهو الظاهر فإنه روى عنه صلى اللّه عليه و سلم أنه قال بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل عليه الصلاة و السلام بالبراق

وقيل هو دار أم هانئ بنت أبي طالب والمراد بالمسجد الحرام الحرم لإحاطته بالمسجد والتباسه به أو لأن الحرم كله مسجد فإنه روى عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه صلى اللّه عليه و سلم كان نائما في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فكان ما كان فقصه عليها فلما قام ليخرج

إلى المسجد تشبثت بثوبه صلى اللّه عليه و سلم لتمنعه خشية أن يكذبه القوم قال صلى اللّه عليه و سلم وإن كذبوني فلما خرج جلس إليه أبو جهل فأخبره صلى اللّه عليه و سلم بحديث الإسراء فقال أبو جهل يا معشر كعب بن لؤي بن غالب هلم فحدثهم فمن مصفق وواضع يده على رأسه تعجبا وإنكارا وارتد ناس ممن كان آمن به وسعى رجال إلى أبي بكر فقال إن كان قال ذلك لقد صدق قالوا أتصدقه على ذلك قال إني أصدقه على أبعد من ذلك فسمى الصديق وكان فيهم من يعرف بيت المقدس فاستنعتوه المسجد فجلى له بيت المقدس فطفق ينظر إليه وينعته لهم فقالوا أما النعت فقد أصابه فقالوا أخبرنا عن عيرنا فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها وقال تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق فخرجوا يشتدون ذلك اليوم نحو الثنية فقال قائل منهم هذه واللّه الشمس قد أشرقت فقال آخر هذه واللّه العير قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد ثم لم يؤمنوا قاتلهم اللّه أنى يؤفكون واختلف في وقته أيضا فقيل كان قبل الهجرة بسنة وعن أنس والحسن أنه كان قبل البعثة واختلف أيضا أنه في اليقظة أو في المنام فعن الحسن أنه كان في المنام وأكثر الأقاويل بخلافه والحق أنه كان في المنام قبل البعثة وفي اليقظة بعدها واختلف أيضا أنه كان جسمانيا أو روحانيا فعن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت ما فقد جسد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ولكن عرج بروحه وعن معاوية أنه قال إنما عرج بروحه والحق أنه كان جسمانيا على ما ينبئ عنه التصدير بالتنزيه وما في ضمنه من التعجب فإن الروحاني ليس في الاستبعاد والاستنكار وخرق العادة بهذه المثابة ولذلك تعجبت منه قريش وأحالوه ولا استحالة فيه فإنه قد ثبت في الهندسة أن قطر الشمس ضعف قطر الأرض مائة ونيفا وستين مرة ثم إن طرفها الأسفل يصل إلى موضع طرفها الأعلى بحركة الفلك الأعظم مع معاوقة حركة فلكها لها في أقل من ثانية وقد تقرر أن الأجسام متساوية في قبول الأعراض التي من جملتها الحركة وأن اللّه سبحانه قادر على كل ما يحيط به حيطة الإمكان فيقدر على أن يخلق يخلق مثل تلك الحركة بل أسرع منها في جسد النبي صلى اللّه عليه و سلم أو فيما يحمله ولو لم يكن مستبعدا لم يكن معجزة إلى المسجد

الأقصى أي بيت المقدس سمى به إذ لم يكن حينئذ وراءه مسجد وفي ذلك من تربية معنى التنزيه والتعجب مالا يخفى

الذي باركنا حوله ببركات الدين والدنيا لأنه مهبط الوحي ومتعبد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

لنريه غاية للإسراء

من آياتنا العظيمة التي من جملتها ذهابه في برهة من الليل مسيرة شهر ولا يقدح في ذلك كونه قبل الوصول إلى المقصد ومشاهدة بيت المقدس وتمثل الأنبياء له ووقوفه على مقاماتهم العلية عليهم الصلاة والسلام والالتفات إلى التكلم لتعظيم تلك البركات والآيات وقرئ ليريه بالياء

إنه هو السميع لأقواله عليه الصلاة و السلام بلا أذن

البصير بأفعاله بلا بصر حسبما يؤذن به القصر فيكرمه ويقربه بحسب ذلك وفيه إيماء إلى أن الإسراء المذكور ليس إلا لتكرمته عليه الصلاة و السلام ورفع منزلته وإلا فالإحاطة بأقواله وأفعاله حاصلة من غير حاجة إلى التقريب والالتفات إلى الغيبة لتربية المهابة

﴿ ١