|
٥ يا آيها الناس إثر ما حكى أحوال المجادلين بغير علم وأشير إلى ما يؤول إليه أمرهم أقيمت الحجة الدالة على تحقيق ما جادلوا فيه من البعث إن كنتم في ريب من البعث من إمكانه وكونه مقدروا له تعالى أو من وقوعه وقرىء من البعث بالتحريك كالجلب في الجلب والتعبير عن اعتقادهم في حقه بالريب مع التنكير المنبىء عن القلة مع انهم جازمون باستحالته وإيراد كلمة الشك مع تقرر حالهم في ذلك وإيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال إن ارتبتم في البعث فقد مر تحقيقه في تفسير قوله تعالى وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فإنا خلقناكم أي فانظروا إلى مبدا خلقكم ليزول ريبكم فانا خلقناكم أي خلقنا كل فرد منكم من تراب في ضمن خلق آدم منه خلقا إجماليا فإن خلق كل فرد من أفراد البشر له خظ من خلقه عليه السلام إذا لم تكن فطرته الشريفة مقصورة على نفسه بل كانت أنموذجا منطويا على فطرة سائر أفراد الجنس انطواء إجماليا مستتبعا لجريان آثارها على الكل فكان خلقه عليه السلام من التراب خلقا للكل منه كما مر تحقيقه مرارا ثم من نطفة أي ثم خلقناكم خلقا تفصيليا من نطفة أي من منى من النطف الذي هو الصب ثم من علقة أي قطعة من الدم جامدة متكونه من المنى ثم من مضغة أي من قطعة اللحم متكونه من العلقة وهي في الأصل مقدار ما يمضغ مخلقة بالجر صفة مضغة أي مستبينة الخلق مصورة وغير مخلقة أي لم يستبن خلقها وصورتها بعد والمراد تفصيل حال المضغة وكونها أولا قطعة لم يظهر فيها شيء من الأعضاء ثم ظهرت بعد ذلك شيئا فشيئا وكان مقتضى الترتيب السابق المبنى على التدرج من المبادىء البعيدة إلى القريبة أن يقدم غير المخلقة على المخلقة وإنما أخرت عنها لأنها عدم الملكة هذا وقد فسرتا بالمسواة وغير المسواة وبالتامة والساقطة وليس بذاك وفي جعل كل واحدة من هذه المراتب مبدأ لخلقهم لا لخلق ما بعدها من المراتب كما في قوله تعالى ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة الآية مزيد دلالة على عظيم قدرته تعالى وكسر لسورة استبعادهم لنبين لكم متعلق بخلقنا وترك المفعول لتفخيمه كما وكيفا أي خلقناكم على هذا النمط البديع لنبين لكم بذلك مالا تحصره العبارة من الحقائق والدقائق التي من جملتها سر البعث فإن من تأمل فيما ذكر من الخلق التدريجي تأملا حقيقيا جزم جزما ضروريا بان على خلق البشر أو لا من تراب لم يشم رائحة الحياة قط وإنشائه على وجه مصحح لتوليد مثله مرة بعد أخرى بتصريفه في أطوار الخلقة وتحويله من حال إلى حال مع ما بين تلك الأطوار والأحوال من المخالفة والتباين فهو قادر على إعادته بل هو أهو في القياس نظرا إلى الفاعل والقابل وقرىء ليبين بطريق الالتفات وقوله تعالى ونقر في الأرحام ما نشاء استئناف مسوق لبيان حالهم بعد تمام خلقهم وعدم نظم هذا وما عطف عليه في سلك الخلق المعلل بالتبين مع كونهما من متمماته ومن مبادى التبيين أيضا لما ان دلالة الأول على كمال قدرته تعالى على جميع المقدورات التي من جملتها البعث المبحوث عنه أجلى وأظهر أي ونحن نقر في الأرحام بعد ذلك ما نشاء ان نقره فيها إلى أجل مسمى هو وقت الوضع وأدناه ستة أشهر وأقصاه سنتان وقيل أربع سنين وفيه إشارة إلى أن بعض ما في الأرحام لا يشاء اللّه تعالى إقراره فيها بعد تكامل خلقه فتسقطه والتعرض للإزلاق لا يناسب المقام لأن الكلام فيما جرى عليه أطوار الخلق وهذا صريح في ان المراد بغير المخلقة ليس من ولد ناقصا أو معيبا وأن ما فصل إلى هنا هو الأطوار المتواردة على المولود قبل الولادة وقرىء يقر بالياء ونقر ويقر بضم القاف من قررت الماء إذا أصببته ثم نخرجكم أي من بطون أمهاتكم بعد إقراركم فيها عند تمام الأجل المسمى طفلا اي حال كونكم أطفالا والإفراد باعتبار كل واحد منهم أو بإرادة الجنس المنتظم للواحد والمتعدد وقرىء يخرجكم بالياء وقوله تعالى ثم لتبلغوا أشدكم علة لنجرجكم معطوفة على علة اخرى له مناسبة لها كأنه قيل ثم نخرجكم لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا كمالكم في القوة والعقل والتمييز وقيل التقدير ثم تمهلكم لتبلغوا الخ وما قيل إنه معطوف على نبين مخل بجزالة النظم الكريم هذا وقد قرىء مما قبله من الفعلين بالنصب حكاية وغيبة فهو حينئذ عطف على نبين مثلهما والمعنى خلقناكم على التدريج المذكور لغايتين مترتبتين عليه إحداهما ان نبين شئوننا والثانية أن نقركم في الأرحام ثم نخرجكم صغارا ثم لتبلغوا اشدكم وتقديم التبيين على ما بعده مع ان حصوله بالفعل بعد الكل للإبذان بانه غاية الغايات ومقصود بالذات وإعادة اللام ههنا مع تجريد الاولين عنها للإشعار بأصالته في الغرضية بالنسبة إليهما إذ عليه يدور التكليف المؤدى إلى السعادة والشقاوة وإيثار البلوغ مسندا إلى المخاطبين على التبليغ مسندا إليه تعالى كالأفعال السابقة لانه المناسب لبيان حال اتصافهم بالكمال واستقلالهم بمبدئية الآثار والأفعال والأشد من ألفاظ الجموع التي لم يستعمل لها واحد كالأسد والقتود وكأنها حين كانت شدة في غير شيء بنيت على لفظ الجمع ومنكم من يتوفى أي بعد بلوغ الأشد أو قبله وقرىء يتوفى مبنيا للفاعل اي يتوفاه اللّه تعالى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر وهو الهرم والخوف وقرىء بسكون الميم وإيراد الرد والتوفى على صيغة المبنى للمفعول للجرى على سنن الكبرياء لتعيين الفاعل لكيلا يعلم من بعد علم أي علم كثير شيئا أي شيئا من الأشياء أو شيئا من العلم مبالغة في انتفاص علمه وانتكاس حاله أي ليعود إلى ما كان عليه في أوان الطفولية من ضعف البنية وسخافة العقل وقلة الفهم فينسى ما علمه وينكر ما عرفه ويعجز عما قدر عليه وفيه من التنبيه على صحة البعث مالا يخفى وترى الأرض هامدة حجة أخرى على صحة البعث والخطاب لكل أحد ممن يتأتى منه الرؤية وصيغة المضارع للدلالة على التجدد والاستمرار وهي بصرية وهامدة حال من الارض أي ميتة يابسة من همدت النار إذا صارت رمادا فإذا انزلها عليها الماء أي المطر اهتزت تحركت بالنبات وربت انتفخت وازدادت وقرىء ربأت أي ارتفعت وأنبتت من كل زوج أي صنف بهيج حسن رائق يسر ناظره |
﴿ ٥ ﴾