١٥

من كان يظن أن لن ينصره اللّه فى الدنيا والآخرة تحقيقا لها وتقريرا لثبوتها على أبلغ وجه وآكده وفيه إيجاز بارع واختصار رائع والمعنى أنه تعالى ناصر لرسوله فى الدنيا والآخرة لا محالة من غير صارف بلويه ولا عاطف يثنيه فمن كان يغيظه ذلك من اعاديه وحساده ويظن أن لن يفعله تعالى بسبب مدافعته ببعض الامور ومباشرة ما يرده من المكايد فليبالغ فى استفراغ المجهود وليجاوز فى الجد كل حد معهود فقصارى أمره وعاقبة مكره أن يختنق حنقا مما يرى من ضلال مساعيه وعدم إنتاج مقدماته ومباديه

فليمدد بسبب الى السماء فليمدد حبلا الى سقف بيته

ثم ليقطع أى ليختنق من قطع إذا اختنق لأنه يقطع نفسه بحبس مجاريه

وقيل ليطع الحبل بعد الاختناق على أن المراد به فرض القطع وتقديره كما أن المراد بالنظر فى قوله تعالى

فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ تقدير النظر وتصويره أى فليصور فى نفسه النظر هل يذهبن كيده ذلك الذى هو أقصى ما انتهت إليه قدرته فى باب المضادة والمضارة ما يغيظه من النصرة كلا ويجوز أن يراد فلينظر الآن أنه إن فعل ذلك هل يذهب ما يغيظه

وقيل المعنى فليمدد حبلا الى السماء المظلة وليصعد عليه ثم ليقطع الوحى

وقيل ليقطع المسافة حتى يبلغ عنانها فيجتهد فى دفع نصره ويأباه أن مساق النظم الكريم بيان أن الأمورالمفروضة على تقدير وقوعها وتحققها بمعزل من إذهاب ما يغيظ ومن البين أن لا معنى لفرض وقوع الأمور الممتنعة وترتيب الأمر بالنظر عليه لاسيما قطع الوحى فإن فرض وقوعه مخل بالمرام قطعا

وقيل كان قوم من المسلمين لشدة غيظهم وحنقهم على المشركين يستبطئون ما وعد اللّه ورسوله صلى اللّه عليه و سلم من النصر وآخرون من المشركين يريدون اتباعه صلى اللّه عليه و سلم ويخشون أن لا يثبت أمره فنزلت وقد فسر النصر بالرزق فالمعنى أن الرزاق بيد اللّه تعالى لا تنال إلا بمشيئته تعالى فلا بد للعبد من الرضا بقسمته فمن ظن أن اللّه تعالى غير رازقه ولم يصبر ولم يستسلم فليبلغ غاية الجزع وهو الاختناق فإن ذلك لا يغلب القسمة ولا يرده مرزوقا

﴿ ١٥