ÓõæÑóÉõ ÇáúÞóÕóÕö ãóßøöíøóÉñ

æóåöíó ËóãóÇäò æóËóãóÇäõæäó ÂíóÉð

سورة القصص

مكية وقيل إلا قوله الذين آتيناهم الكتاب إلى قوله الجاهلين وهي ثمان وثمانون آية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

طسم

٢

تلك آيات الكتاب المبين قد مر ما يتعلق به من الكلام بالإجمال والتفصيل في أشباهه

٣

نتلوا عليك أي نقرأ بواسطة جبريل عليه السلام ويجوز أن تكون التلاوة مجازا من التنزيل

من نبأ موسى وفرعون مفعول نتلو أي نتلوا عليه بعض نبئهما

بالحق متعلق بمحذوف هو حال من فاعل نتلو أو من مفعولة أو صفة لمصدره أي بعض نبئهما ملتبسين أو متلبسا بالحق أو تلاوة ملتبسة بالحق

لقوم يؤمنون متعلق بنتلو وتخصيصهم بذلك مع عموم الدعوة والبيان للكل لأنهم المنتفعون به

٤

إن فرعون علا في الأرض استثناف جار مجرى التفسير للمجمل الموعود وتصديره بحرف التأكيد للاعتناء بتحقيق مضمون ما بعده أي إنه تجبر وطغا في ارض مصر وجاوز الحدود المعهودة في الظلم والعدوان

وجعل أهلها شيعا أي فرقا يشيعونه في كل ما يريده من الشر والفساد أو يشيع بعضهم بعضا في طاعته أو أصنافا في استخدامه يستعمل كل صنف في عمل ويسخره فيه من بناء وحرث وحفر وغير ذلك من الأعمال الشاقة ومن لم يستعمله ضرب عليه الجزية أو فرقا مختلفة قد أغرى بينهم العداوة والبغضاء لئلا تتفق كلمتهم

يستضعف طائفة منهم وهم بنو إسرائيل والجملة إما حال من فاعل جعل أو صفة لشيعا أو استئناف وقوله تعالى

يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم بدل منها وكان ذلك لما أن كاهنا قال له يولد في بني إسرائيل مولود يذهب ملكك على يده وما ذاك إلا لغاية حمقة إذ لو صدق فما فائدة القتل وإن كذب فما وجهه

إنه كان من المفسدين أي الراسخين في الإفساد ولذلك اجترأ على مثل تلك العظيمة من قتل المعصومين من أولاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

٥

ونريد أن نمن أي نتفضل

على الذين استضعفوا في الأرض على الوجه المذكور بإنجائهم من بأسه وصيغة المضارع في نريد حكاية حال ماضية وهو معطوف على إن فرعون علا الخ لتناسبهما في الوقوع في في حيز التفسير للنبأ أو حال من يستضعف بتقدير المبتدأ أي يستضعفهم فرعون ونحن نريد أن نمن عليهم وليس من ضرورة مقارنة الإرادة للاستضعاف مقارنة المراد له لما أن تعلق الارادة للمن تعلق استقبال على ان منة اللّه تعالى عليهم بالخلاص لما كانت في شرف الوقوع جاز إجراؤها مجرى الواقع المقارن له ووضع الموصول موضع الضمير لإبانة قدر النعمة في المنة بذكر حالتهم السابقة المباينة لها

ونجعلهم أئمة يقتدى بهم في أمور الدين بعد أن كانوا أتباعا مسخرين لآخرين

ونجعلهم الوارثين لجميع ما كان منتظما في سلك ملك فرعون وقومه وراثة معهودة فيما بينهم كما ينبئ عنه تعريف الوارثين وتأخير ذكر وراثتهم له عن ذكر جعلهم أئمة مع تقدمها عليه زمانا لانحطاط رتبتها عن الإمامة ولئلا ينفصل عنه ما بعده مع كونه من روادفة أعنى قوله تعالى

٦

ونمكن لهم في الأرض الخ أي نسلطهم على مصر والشام يتصرفون فيهما كيفما يشاءون واصل التمكين أن تجعل للشيء مكانا يتمكن فيه

ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم أي من أولئك المستضعفين

ما كانوا يحذرون ويجتهدون في دفعة من ذهاب ملكهم وهلكهم على يد مولود منه وقرئ يرى بالياء ورفع ما بعده على الفاعلية

٧

وأوحينا إلى أم موسى بإلهام أو رؤيا

أن ارضعيه ما أمكنك إخفاؤه

فإذا خفت عليه بأن يحس به الجيران عند بكائه وينموا عليه

فألقيه في اليم في البحر وهو النيل

ولا تخافي عليه ضيعة بالغرق ولا شدة

ولا تحزني إنا رادوه إليك عن قريب بحيث تأمنين عليه

وجاعلوه من المرسلين والجملة تعليل للنهي عن الخوف والحزن وإيثار الجملة الاسمية وتصديرها بحرف التحقيق للاعتناء بتحقيق مضمونها أي إنا فاعلون لرده وجعله من المرسلين لا محالة روى أن بعض القوابل الموكلات من قبل فرعون بحبالى بني إسرائيل كانت مصافية لأم موسى عليه السلام فقالت لها لينفعني حبك اليوم فعالجتها فلما وقع على الأرض هالها نور بين عينية وارتعش كل مفصل منها ودخل حبة في قلبها ثم قالت ما جئتك إلا لأقبل مولودك وأخبر فرعون ولكني وجدت لابنك في قلبي محبة ما وجدت مثلها لأحد فأحفظية فلما خرجت جاء عيون فرعون فلفته في خرقة فألقته في تنور مسجور لم تعلم ما تصنع لما طاش من عقلها فطلبوا فلم يلقوا شيئا فخرجوا وهي لا تدري مكانه فسمعت بكاءه من التنور فانطلقت إليه وقد جعل اللّه تعالى النار عليه بردا وسلاما فلما ألح فرعون في طلب الولدان أوحى اللّه تعالى إليها ما أوحى وقد روي أنها أرضعته ثلاثة أشهر في تابوت من بردى مطلي بالقار من داخله والفاء في قوله تعالى

٨

فالتقطه آل فرعون فصيحة مفصحة عن عطفه على جملة مترتبة على ما قبلها من الأمر بالإلقاء قد حذفت تعويلا على دلالة الحال وإيذانا بكمال سرعة الامتثال أي فألقته في اليم بعد ما جعلته في التابوت حسبما أمرت فالتقطه آل فرعون أي أخذوه اعتناء به وصيانة له عن الضياع قال ابن عباس رضي اللّه عنهما وغيره كان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها وكانت من اكرم الناس إليه وكان بها برص شديد عجزت الأطباء عن علاجه فقالوا لا تبرا إلا من قبل البحر يؤخذ منه شبه الأنس يوم كذا وساعة كذا من شهر كذا حين تشرق الشمس فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرا فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون في مجلس له على شفير النيل ومعه امراته آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف الصديق عليه السلام

وقيل كانت من بني إسرائيل من سبط موسى عليه الصلاة و السلام

وقيل كانت عمته حكاه السهيلي وأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل فإذا بتابوت في النيل تضربه الامواج فتعلق بشجرة فقال فرعون ائتوني به فابتدروا بالسفن فأحضروه بين يديه فعالجوا فتحه فلم يقدروا عليه وقصدوا كسره فأعياهم فنظرت آسية فرأت نورا في جوف التابوت لم يره غيرها فعالجته ففتحته فإذا هي بصبي صغير في مهده وإذا نور بين عينيه وهو يمص إبهامه لبنا فألقى اللّه تعالى محبته في قلوب القوم وعمدت ابنة فرعون الى ريقة فلطخت به برصها فبرأت من ساعتها

وقيل لما نظرت الى وجهه برأت فقالت الغواة من قوم فرعون إنا نظن أن هذا هو الذي نحذر منه رمى في البحر فرقا منك فامتله فهم فرعون بقتله فاستوهبته آسية فتركه كما سيأتي واللام في قوله تعالى

ليكون لهم عدوا وحزنا لام العاقبة أبرز مدخولها في معرض العلة لالتقاطهم تشبيها له في الترتب عليه بالغرض الحامل عليه وقرئ حزنا وهما لغتان كالسقم والسقم جعل عليه الصلاة و السلام نفس الحزن إيذانا بقوة سببيته لحزنهم

إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين أي في كل ما يأتون وما يذرون فلا غرو في أن قتلو الاجله ألوفاثم أخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون روى أنه ذبح في طلبه عليه الصلاة و السلام تسعون ألف وليد أو كانوا مذنبين فعاقبهم اللّه تعالى بأن ربي عدوهم على أيديهم فالجملة اعتراضية لتأكيد خطئهم أو لبيان الموجب لما ابتلوا به وقرئ خاطين على انه تخفيف خاطئين أو على انه بمعنى متعدين الصواب الى الخطأ

٩

وقالت امرأة فرعون أي لفرعون حين اخرجته من التابوت

قرة عين لي ولك أي هو قرة عين لنا لما أنهما لما رأياه أحباه أو لما ذكر من برء ابنته من البرص بريقه وفي الحديث أنه قال لك لالى ولو قال كما هو لك لهداه اللّه تعالى كما هداها

لا تقتلوه خاطبته بلفظ الجمع تعظيما ليساعدها فيما تريده

عسى أن ينفعنا فإن فيه مخايل اليمن ودلائل النجابة وذلك لما رأت فيه من العلامات المذكورة أو نتخذه ولدا أي نتبناه فإنه خليق بذلك وهم لا يشعرون حال من آل فرعون والتقدير فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا وقالت امرأته كيت وكيت وهم لا يشعرون بأنهم على خطأ عظيم فيما صنعوا من الالتقاط ورجاء النفع منه والتبني له وقوله تعالى إن فرعون الآية اعتراض وقع بين المعطوفين لتأكيد خطئهم

وقيل حال من أحد ضميري نتخذه على أن الضمير للناس أي وهم لا يعلمون انه لغيرنا وقد تبنيناه

١٠

وأصبح فؤاد أم موسى فارغا صفرا من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه في يد فرعون لقوله تعالى وأفئدتهم هواء أي خلاء لا عقول فيها ويعضده أنه قرئ فرغا من قولهم دماؤهم بينهم فرغ أي هدر

وقيل فارغا من الهم والحزن لغاية وثوقها بوعد اللّه تعالى أو لسماعها أن فرعون عطف عليه وتبناه وقرئ مؤسى بالهمز إجراء للضمة في جارة الواو مجرى ضمتها فهمزت كما في وجوه

إن كادت لتبدي به أي إنها كادت لتظهر بموسى أي بأمره وقصته من فرط الحيرة والدهشة أو الفرح

بتبنيه لولا أن ربطنا على قلبها بالصبر والثبات

لتكون من المؤمنين أي المصدقين بوعد اللّه تعالى أو من الواثقين بحفظه لا بتبني فرعون وتعطفه وهو علة الربط وجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه

١١

وقالت لاخته مريم والتعبير عنها بأخوته عليه الصلاة و السلام دون أن يقال لبنتها للتصريح بمدار المحبة الموجبة للامتثال بالامر قصيه أي اتبعي أثره وتتبعي خبره

فبصرت به أي أبصرته

عن جنب عن بعد وقرئ بسكون النون وعن جانب والكل بمعنى

وهم لا يشعرون انها تقصه وتتعرف حاله أو انها أخته

١٢

وحرمنا عليه المراضع أي منعناه ان يرتضع من المرضعات والمراضع جمع مرضع وهي المرأة التي ترضع أو مرضع وهو الرضاع أو موضعه اعني الثدي

من قبل أي من قبل قصها أثره

فقالت عند رؤيتها لعدم قبوله الثدي واعتناء فرعون بأمره وطلبهم من يقبل ثديها

هل أدلكم على أهل بيت بكفلونه لكم أي لاجلكم

وهم له ناصحون لا يقصرون في إرضاعه وتربيته روى أن هامان لما سمعه منها قال إنها لتعرفه وأهله فخذوها حتى تخبر بحاله فقالت إنما أردت وهم للملك ناصحون فأمرها فرعون بأن تأتي بمن يكفله فأتت بأمه وموسى على يد فرعون يبكي وهو يعللّه فدفعه اليها فلما وجد ريحها استأنس والتقم ثديها فقال من أنت منه فقد ابى كل ثدى إلا ثديك فقالت إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا اوتي بصبي إلا قبلني فقرر في يدها وأجرى عليها فرجعت به الى بيتها من يومها وذلك قوله تعالى

١٣

فرددناه الى امه كي تقر عينها بوصول ولدها اليها

ولا تحزن بفراقه

ولتعلم ان وعد اللّه أي جميع ما وعده من رده وجعله من المرسلين حق لاخلف فيه بمشاهدة بعضه وقياس بعضه عليه

ولكن أكثرهم لا يعلمون أن الامر كذلك فيرتابون فيه أو أن الغرض الاصلى من الرد علمها بذلك وما سواه تبع وفيه تعريض بما فرط منها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون

١٤

ولما بلغ اشده أي المبلغ الذي لا يزيد عليه نشؤه وذلك من ثلاثين الى أربعين فإن العقل يكمل حينئذ وروى أنه لم يبعث نبي إلا على رأس الاربعين

واستوى أي اعتدل قده أو عقله

آتيناه حكما أي نبوة

وعلما بالدين أو علم الحكماء والعلماء وسمتهم قبل استنبائه فلا يقول ولا يفعل ما يستجهل فيه وهو أوفق لنظم القصة لأنه تعالى استنبأه بعد الهجرة في المراجعة

وكذلك ومثل ذلك الذي فعلنا بموسى وأمه

نجزي المحسنين على إحسانهم

١٥

ودخل المدينة أي مصر من قصر فرعون

وقيل منف أو حابين أو عين شمس من نواحيها

على حين غفلة من أهلها في وقت لا يعتاد دخولها أو لا يتوقعونه فيه قيل كان وقت القيلولة

وقيل بين العشاءين

فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته أي ممن شايعه على دينه وهم بنو إسرائيل

وهذا من عدوه أي من مخالفيه دنياوهم القبط والاشارة على الحكاية

فاستغاثه الذي من شيعته أي سأله أن يغيثه بالاعانة كما ينبيء عنه تعديته بعلى وقرئ استعانه

على الذي من عدوه فوكزه موسى أي ضرب القبطي بجمع كفه وقرى فلكزه أي فضرب به صدره

فقضى عليه فقتله واصله أنهى حياته من قوله تعالى وقضينا اليه ذلك الامر

قال هذا من عمل الشيطان لانه لم يكن مأمورا بقتل الكفار أو لانه كان مأمونا فيما بينهم فلم يكن له اغتيالهم ولا يقدح ذلك في عصمته لكونه خطأ وإنما عدة من عمل الشيطان وسماه ظلما واستغفر منه جريا على سنن المقربين في استعظام ما فرط منهم ولو كان من محقرات الصغائر

إنه عدو مضل مبين ظاهر العداوة والاضلال

١٦

قال توسيطه بين كلاميه لإبانه ما بينهما من المخالفة من حيث إنه مناجاة ودعاء بخلاف الأول

رب إني ظلمت نفسي أي بقتله

فاغفر لي ذنبي

فغفر له ذلك

إنه هو الغفور الرحيم أي المبالغ في مغفرة ذنوب عباده ورحمتهم

١٧

قال رب بما أنعمت علي إما قسم محذوف الجواب أي أقسم بانعامك على بالمغفرة لأتوبن

فلن أكون بعد هذا أبدا

ظهيرا للمجرمين وما استعطاف أي بحق إنعامك على اعصمني فلن أكون معينا لمن تؤدي معاونته إلى الحرم وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه عليه الصلاة و السلام لم يستثن فابتلى به مرة أخرى وهذا يؤيد الأول

وقيل معناه بما أنعمت علي من القوة أعين أولياءك فلن أستعملها في مظاهرة أعدائك

١٨

فأصبح في المدينة خائفا يترقب يترصد الاستقادة أو الأجناد

فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه أي يستغيثه برفع الصوت من الصراخ

قال له موسى إنك لغوي مبين أي بين الغواية تسببت لقتل رجل وتقاتل آخر

١٩

فلما أن أراد موسى أن يبطش بالذي هو عدو لهما أي لموسى وللإسرائيلي إذ لم يكن على دينهما ولأن القبط كانوا أعداء لبني إسرائيل على الإطلاق وقرىء يبطش بضم الطاء

قال أي الإسرائيلي ظانا أنه يبطش به حسبما يوهمه تسميته إياه غوبا

يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس قالوا لما سمع القبطي قول الإسرائيلي علم أن موسى هو الذي قتل ذلك الفرعوني فانطلق إلى فرعون فأخبره بذلك وأمر فرعون بقتل موسى عليه السلام

وقيل قاله القبطي

إن تريد أي ما تريد

إلا أن تكون جبارا في الأرض وهو الذي يفعل كل ما يريده من الضرب والقتل ولا ينظر في العواقب

وقيل المتعظم الذي لا يتواضع لأمر اللّه تعالى

وما تريد أن تكون من المصلحين بين الناس بالقول والفعل

٢٠

وجاء رجل من أقصى المدينة أي كائن من آخراها أو جاء من آخرها

يسعى أي يسرع صفة لرجل أو حال منه على أن الجار والمجرور صفة له لا متعلق بجاء فإن تخصصه يلحقه بالمعارف قيل هو مؤمن آل فرعون واسمه حزقيل

وقيل شمعون

وقيل شمعان

قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلونك أي يتشاورون بسببك فإن كلا من المتشاورين بأمر الآخرين ويأتمر

فاخرج أي من المدينة

إني لك من الناصحين اللام للبيان لما أن معمول الصلة لا يتقدمها

٢١

فخرج منها أي من المدينة

خائفا يترقب لحوق الطالبين

قال رب نجني من القوم الظالمين خلصني منهم واحفظني من لحوقهم

٢٢

ولما توجه تلقاء مدين أي نحو مدين وهي قرية شعيب عليه السلام سميت باسم مدين بن إبراهيم ولم تكن تحت سلطان فرعون وكان بينها وبين مصر مسيرة ثمانية أيام

قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل توكلا على اللّه تعالى وثقة بحسن توفيقه وكان لا يعرف الطرق فعن له ثلاث طرائق فأخذ في الوسطى وجاء الطلاب فشرعوا في الاخريين

وقيل خرج حافيا لا يعيش إلا بورق الشجر فما وصل حتى سقط خف قدميه

وقيل جاء ملك على فرس وبيده عنزة فانطلق به الى مدين

٢٣

ولما ورد ماء مدين أي وصل اليه وهو بئر كانوا يسقون منه

وجد عليه أي فوق شفيرها أمة جماعة كثيفة

من الناس يسقون أي مواشيهم

ووجد من دونهم أي في موضع أسفل منهم

امرأتين تذودان أي تمنعان ما معهما من الاغنام عن التقدم الى البئر كيلا تختلط بأغنامهم مع عدم الفائدة في التقدم

قال عليه السلام لهما حين رآهما على ماهما عليه من التأخر والذود

ما خطبكما ما شأنكما فيما انتما عليه من التأخر والذود ولم لا تباشران السقي كدأب هؤلاء

قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء أي عادتنا ان لا نسقي حتى يصرف الرعاة مواشيهم بعدريها عن الماء عجزا عن مساجلتهم وحذرا عن مخالطة الرجال لا أنا لا نسقي اليوم الى تلك الغاية وحذف مفعول السقي والذود والاصدار لما أن الغرض هو بيان تلك الافعال انفسها إذ هي التي دعت موسى عليه السلام الى ما صنع في حقهما من المعروف فإنه عليه الصلاة و السلام إنما رحمهما لكونهما على الذياد للعجز والعفة وكونهم على السقي غير مبالين بهما وما رحمهما لكن مذودهما غنما ومسقيهم إبلا مثلا وقرىء لا نسقى من الاسقاء ويصدر من الصدور والرعاء بضم الراء وهو اسم جمع كالرخاء وأما الرعاء فجمع قياسي كصيام وقيام وقوله تعالى

وأبونا شيخ كبير إبراء منهم للعذر إليه عليه السلام في توليهما للسقي بأنفسهما كأنهما قالتا إنا أمرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مساجلة الرجال ومزاحمتهم وما لنا رجل يقوم بذلك وابونا شيخ كبير السن قد اضعفه الكبر فلا بد لنا من تأخير السقي الى أن يقضي الناس أوطارهم من الماء

٢٤

فسقى لهما رحمة عليهما والكلام في حذف مفعوله كما مر آنفا روى أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال

وقيل عشرة

وقيل أربعون

وقيل مائة فأفله وحده مع ما كان به من الوصب والجراحة والجوع ولعله عليه الصلاة و السلام زاحمهم في السقى لهما فوضعوا الحجر على البئر لتعجيزه عليه الصلاة و السلام عن ذلك فإن الظاهر أنه عليه الصلاة و السلام غب ما شاهد حالهما شارع الى السقى لهما وقدروى أنه دفعهم عن الماء إلى أن سقى لهما

وقيل كانت هناك بئر أخرى عليها الصخرة المذكورة وروى أنه عليه الصلاة و السلام سألهم دلوا من ماء فاعطوه دلوهم وقالوا استق بها وكان لا ينزعها إلا أربعون فاستقى بها وصبها في الحوض ودعا بالبركة وروى غنمهما وأصدرهما

ثم تولى الى الظل الذي كان هناك

فقال رب إني لما أنزلت الى أي أي شيء أنزلته الي

من خير جل أو قل وحمله الأكثرون على الطعام بمعونة المقام

فقير أي محتاج ولنضمنه معنى السؤال والطلب جئ بلام الدعامة لتقوية العمل

وقيل المعنى لما أنزلت الى من خير عظيم هو خير الدارين صرت فقيرا في الدنيا لانه كان في سعة من العيش عند فرعون قاله عليه الصلاة و السلام إظهارا للبجح والشكر على ذلك

٢٥

فجاءته إحداهما قيل هي كبراهما واسمها صفوراء أو صفراء

وقيل صغراهما واسمها صفيراء أي جاءته عقيب ما رجعتا الى أبيها روى انهما لما رجعتا الى أبيهما قبل الناس وأغنامهما حفل بطان قال لهما ما أعجلكما قالتا وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا فقال لإحداهما أذهبي فادعيه لي وقوله تعالى

تمشى حال من فاعل جاءت وقوله تعالى

على استحياء متعلق بمحذوف هو حال من ضمير تمشى أي جاءته تمشي كائنة على استحياء فمعناه انها كانت على استحياء حالتي المثى والمجيء معا لا عند المجيء فقط وتنكير استحياء للتفخيم قيل جاءته متخفرة أي شديدة الحياء

وقيل قد أستترت بكم درعها

قالت استئاف مبنى على سؤال نشأ من حكاية مجيئها إياه عليه الصلاة و السلام كأنه قيل فماذا قالت له عليه الصلاة و السلام فقيل

قالت إن ابي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا أي جزاء سقيك لنا أسندت الدعوة إلى أبيها وعللنها بالجزاء لئلا يوهم كلامها ريبة وفيه من الدلالة على كمال العقل والحياء والعفة ما لا يخفى روى أنه عليه الصلاة و السلام أجابها فانطلقا وهي أمامه فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها امشي خلفي وانعتى لي الطريق ففعلت حتى أتيا دار شعيب عليهما السلام

فلما جاءه وقص عليه القصص أي ما جرى عليه من الخبر المقصوص فإنه مصدر سمى به المفعول كالعلل

قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين الذي يلوح من ظاهر النظم الكريم أن موسى عليه السلام إنما أجاب المستدعية من غير تلعثم ليتبرك برؤية شعيب عليه السلام ويستظهر برأيه لا ليأخذ بمعروفه أجرا حسبما صرحت به ألا يرى إلى ما روى أن شعيبا لما قدم إليه طعاما قال إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بطلاع الارض ذهبا ولا نأخذ على المعروف ثمنا ولم يتناول حتى قال شعيب عليه السلام هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا فتناول بعد ذلك على سبيل التقبل لمعروف مبتدأ كيف لا وقد قص عليه قصصه وعرفه أنه من بيت النبوة من أولاد يعقوب عليه السلام ومثله حقيق بأن يضيف ويكرم لا سيما في دار نبي من انبياء اللّه تعالى عليهم الصلاة والسلام

وقيل ليس بمستنكر منه عليه الصلاة و السلام أن يقبل الاجر لاضطرار الفقر والفاقة وقد روى عن عطاء بن السائب انه عليه السلام رفع صوته بدعائه ليسمعها ولذلك قيل له ليجزيك الخ ولعله عليه السلام إنما فعله ليكون ذريعة الى استدعائه لا الى استيفاء الاجر

٢٦

قالت إحداهما وهي التي استدعته الى ابيها وهي التي زوجها من موسى عليهما السلام

يا أبت أستأجره أي لرعى الغنم والقيام بأمرها

إن خير من أستأجرت القوى الامين تعليل جار مجرى الدليل على انه حقيق بالاستئجار وللمبالغة في ذلك جعل خير اسما لان وذكر الفعل على صيغة الماضي للدلالة على انه أمين مجرب روى أن شعيبا عليه السلام قال لها وما أعلمك بقوته وأمانته فذكرت ما شاهدت منه عليه السلام من إقلال الحجر ونزع الدلو وأنه صوب رأسه حتى بلغته رسالته وأمرها بالمشي خلفه

٢٧

قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على ان تأجرني أي تكون أجير الى أو تثيبني من أجرت كذا إذا أثبته إياه فقوله تعالى

ثماني حجج على الأول ظرف وعلى الثاني مفعول به على تقدير مضاف أي رعية ثماني حجج ونقل عن المبرد أنه يقال أجرت داري ومملوكي غير ممدود وآجرت ممدودا والأول أكثر فعلى هذا يكون المفعول الثاني محذوفا والمعنى على أن تأجرني نفسك وقوله تعالى ثماني حجج ظرف كالوجه الأول

فإن أتممت عشرا في الخدمة والعمل

فمن عندك أي فهو من عندك بطريق التفضل لا من عندي بطريق الإلزام عليك وهذا من شعيب عرض لرأيه على موسى عليهما السلام واستدعاء منه للعقد لا إنشاء وتحقيق له بالفعل

وما أريد أن أشق عليك بإلزام إتمام العشر أو المناقشة في مراعاة الأوقات واستيفاء الاعمال واشتقاق المشقة من الشق فإن ما يصعب عليك يشق عليك اعتقادك في إطاقته ويوزع رايك في مزاولته

ستجدني إن شاء اللّه من الصالحين في حسن المعاملة ولين الجانب والوفاء بالعهد ومراده عليه الصلاة و السلام بالاستثناء التبرك به وتفويض امره الى توفيقه تعالى لا تعليق صلاحه بمشيئته تعالى

٢٨

قال ذلك بيني وبينك مبتدأ وخبر أي ذلك الذي قلته وعاهدتنى فيه وشارطتنى عليه قائم وثابت بيننا جميعا لا يخرج عنه واحد منا لا أناعما شرطت على ولا أنت عما شرطت على نفسك وقوله تعالى

أيما الاجلين أي أكثرهما أو أقصرهما

قضيت أي وفتيكه بأداء الخدمة فيه

 فلا عدوان على تصريح بالمراد وتقرير لأمر الخيرة أي لا عدوان على بطلب الزيادة على ما قضيته من الاجلين وتعميم انتفاء العدوان لكلا الاجلين بصدد المشارطة مع عدم تحقق العدوان في أكثرهما رأسا للقصد الى التسوية بينهما في الانتفاء أي كما لا أطالب بالزيادة على العشر لا اطالب بالزيادة على الثمان او ايما الاجلين قضيت فلا اثم علي يعني كما لا اثم علي في قضاء الاكثر لا اثم علي في قضاء الاقصر فقط وقرىء أي الاجلين ما قضيت فما مزيدة لتأكيد القضاء كما انها في القراءة الاولى مزيدة لتأكيد ابهام أي وشياعها وقرىء ايما بسكون الياء كقول من قال تنظرت نصرا والسماكين أيهما على من الغيث استهلت مواطره

واللّه على ما نقول من الشروط الجارية بيننا

وكيل شاهد وحفظ فلا سبيل لاحد منا الى الخروج عنه اصلا وليس ما حكى عنهما عليهما الصلاة والسلام تمام ما جرى بينهما من الكلام في انشاء عقد النكاح وعقد الاجارة وايقاعهما بل هو بيان لما عز ما عليه واتفقا على ايفاعه حسبما يتوقف عليه مساق القصة اجمالا من غير تعرض لبيان مواجب العقدين في تلك الشريعة تفصيلا روى انهما لما اتما العقد قال شعيب لموسى عليهما السلام ادخل ذلك البيت فخذ عصا من تلك العصى وكانت عنده عصى الانبياء عليهم الصلاة والسلام فأخذ عصا هبط بها آدم عليه الصلاة و السلام من الجنة ولم يزل الانبياء يتوارثونها حتى وقعت الى شعيب عليه السلام فمسها وكان مكفوفا فضن بها فقال خذ غيرها فما وقع في يده الا هي سبع مرات فعلم ان له شأنا

وقيل اخذها جبريل عليه السلام بعد موت آدم عليه السلام فكانت معه حتى لقى بها موسى عليه السلام ليلا

وقيل اودعها شعيبا ملك في صورة رجل فأمر بنته ان تأتيه بعصا فأتته بها فردها سبع مرات فلم يقع في يدها غيرها فدفعها اليه ثم ندم لانها وديعة فتبعه فاختصما فيها ورضيا ان يحكم بينها اول طالع فأتاهما الملك فقال القياها فمن رفعها فهي له فعالجها الشيخ فلم يطقها ورفعها موسى عليه السلام وعن الحسن رضي اللّه تعالى عنه ما كانت الا عصا من الشجر اعترضها اعتراضا وعن الكلبي رحمة اللّه الشجرة التي منها نودي شجرة العوسج ومنها كانت عصاه ولما اصبح قال له شعيب صلوات اللّه وسلامه عليهما اذا بلغت مفرق الطريق فلا تأخذ على يمينك فإن الكلا وان كان بها اكثر الا ان فيها تنينا اخشاه عليك وعلى الغنم فأخذت الغنم ذات اليمين فلم يقدر على كفها ومشى على اثرها فإذا عشب وريف لم ير مثله فنام فإذا بالتنين قد اقبل فحاربته العصا حتى قتلته وعادت الى جنب موسى عليه السلام دامية فلما ابصرها دامية والتنين مقتولا ارتاح لذلك ولما رجع الى شعيب عليهما السلام مس الغنم فوجدها ملأى البطون غزيرة اللبن فأخبره موسى عليه السلام بالشأن ففرح وعلم أن لموسى والعصا شأنا وقال له إنى وهبت لك من نتاج غنمى هذا العام كل أدرع ودعاء فأوحى إليه في المنام أن اضرب بعصاك مستقى الغنم ففعل ثم سقى فما أخطأت واحدة إلا وضعت ادرع ودرعاء فوفى له بشرطه والفاء في قوله تعالى

٢٩

فلما قضى موسى الاجل فصيحة أي فعقدا العقدين وباشر موسى ما لتزمه فلما أتم الأجل

وسار بأهله نحو مصر بإذن من شعيب عليهما السلام روى انه عليه الصلاة و السلام قضى ابعدالا جلين ومكث عنده بعد ذلك عشر سنين ثم عزم على العود الى مصر فاستأذنه في ذلك فأذن له فخرج بأهله

آنس من جانب الطور أي أبصر من الجهة التي تلي الطور

نارا قال لأهله امكثوا إنى آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أي بخبر الطريق وقد كانوا ضلوه

أو جذوة أي عود غليظ سواء كانت في رأسه نارا ولا قال قائلهم باتت حواطب ليلى يلتمسن لها جزل الجذى غير حوار ولا دعر وقال وألقى على قبس من النار جذوة شديدا عليها حرها وإلتهابها ولذلك بين بقوله تعالى

من النار وقرئ بكسر الجيم وبضمها وكلها لغات

لعلكم تصطلون أي تستدفئون

٣٠

فلما أتاها أى النار التي آنسها

نودي من شاطيء الوادي الأيمن أي أتاه النداء من الشاطئ الايمن بالنسبة الى موسى عليه السلام

في البقعة المباركة متصل بالشاطئ أو صلة لنودى

من الشجرة بدل اشتمال من شاطئ لأنها كانت نابتة على الشاطئ

أن يا موسى إنى أنا اللّه رب العالمين وهذ وإن خالف لفظا لما في طه والنمل لكنه موافق له في المعنى المراد

٣١

وأن الق عصاك عطف على أن يا موسى وكلاهما مفسر لنودي والفاء في قوله تعالى

فلما رآها تهتز فصيحة مفصحة عن جمل قد حذفت تعويلا على دلالة الحال عليها وإشعارا بغاية سرعة تحقق مدلولاتها أي فألقاها نصارت ثعبانا فاهتزت فلما رآها تهتز

كأنها جان أي في سرعة الحركة مع غاية عظم جئتها

ولى مدبرا أي منهزما من الخوف

ولم يعقب أي لم يرجع يا موسى أي قيل يا موسى

أقبل ولا تخف إنك من الامنين من المخاوف فإنه لا يخاف لدي المرسلون

٣٢

أسلك يدك في جيبك أي أدخلها فيه

تخرج بيضاء من غير سوء أي عيب

واضمم اليك جناحك أي يديك المبسوطتين لتتقي بهما الحية كالخائف الفزع بإدخال اليمنى تحت العضد الأيسر واليسرى تحت الأيمن أو بإدخالهما في الجيب فيكون تكريرا لغرض آخر هو أن يكون ذلك في وجه العدو إظهار جراءة ومبدأ لظهور معجزة ويجوز ان يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا ثعبانا استعارة من حال الطائر فإنه إذا خاف نشر جناحيه وإذا أمن واطمأن ضمهما اليه

من الرهب أي من أجل الرهب أي إذا عراك الخوف فافعل ذلك تجلدا وضبطا لنفسك وقريء بضم الراء وسكون الهاء وبضمهما والكل لغات فذانك إشارة الى العصا واليد وقريء بتشديد النون فالمخفف مثنى ذاك والمشد مثنى

ذلك برهانان حجتان نيرتان وبرهان فعلان لقولهم أبره الرجل إذا جاء بالبرهان من قولهم بره الرجل إذا ابيض ويقال للمرأة البيضاء برهاء وبرهرهة ونظيره تسمية الحجة سلطانا من السليط وهو الزيت لإنارتها وقيل هو فعلال لقولهم برهن ومن في قوله تعالى

من ربك متعلقة بمحذوف هو صفة لبرهانان أي كائنان منه تعالى

الى فرعون وملئه واصلان ومنتهيان إليهم

إنهم كانوا قوما فاسقين خارجين عن حدود الظلم والعدوان فكانوا أحقاء بأن نرسلك إليهم بهاتين المعجزتين الباهرتين قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون بمقابلتها

٣٤

وأخى هرون هو أفصح منى لسانا فأرسله معي ردءا أي معينا وهو في الاصل اسم ما يعان به كالدفء وقرئ ردأ بالتخفيف يصدقني بتخليص الحق وتقرير الحجة بتوضيحها وتزييف الشبهة

إنى أخاف أن يكذبون ولسانى لا يطاوعنى عند المحاجة

وقيل المراد تصديق القوم لتقريره وتوضيحه لكنه أسند إليه إسناد الفعل الى السبب وقرئ يصدقني بالجزم على انه جواب الأمر

٣٥

قال سنشد عضدك بأخيك أي سنقويك به فإن قوة الشخص بشدة اليد على مزاولة الامور ولذلك يعبر عنه باليد وشدتها بشدة العضد

ونجعل لكما سلطانا أي تسلطا وغلبة

وقيل حجة وليس بذاك

فلا يصلون إليكما باستيلاء أو محاجة

بآياتنا متعلق بمحذوف قد صرح به في مواضع أخر أي اذهبا بآياتنا أو بنجعل أي نسلطكما بآياتنا أو بمعنى

لا يصلون أي تمتنعون منهم بها

وقيل هو قسم وجوابه لا يصلون

وقيل هو بيان للغالبون في قوله تعالى

أنتما ومن أتبعكما الغالبون بمعنى انه صلة لما يبينه أوصلة له على ان اللام للتعريف لا بمعنى الذي

٣٦

فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات أي واضحات الدلالة على صحة رسالة موسى عليه السلام منه تعالى والمراد بها العصا واليد إذ هما اللتان أظهرهما موسى عليه السلام إذ ذاك والتعبير عنهما بصيغة الجمع قد مر سره في سورة طه

قالوا ما هذا إلا سحر مفترى أي سحر مختلق لم يفعل قبل هذا مثله او سحر تعمله ثم تفتريه على اللّه تعالى أو سحر موصوف بالافتراء كسائر أصناف السحر

وما سمعنا بهذا أي السحر أو ادعاء النبوة

في آبائنا الاولين أي واقعا في أيامهم

٣٧

وقال موسى ربى اعلم بمن جاء بالهدى من عنده يريد به نفسه وقرئ قال بغير واولانه جواب عن مقألهم ووجه العطف ان المراد حكاية القولين ليوازن السامع بينهما فيميز صحيحهما من الفاسد

ومن تكون له عاقبة الدار أي العاقبة المحمودة في الدار وهي الدنيا وعاقبتها الاصلية هي الجنة لانها خلقت مجازا إلى الاخرة ومزرعة لها والمقصود بالذات منها الثواب

وأما العقاب فمن نتائج اعمال العصاه وسيئات الغواة وقرئ يكون بالياء التحتانية

إنه لا يفلح الظالمون أي لا يفوزون بمطلوب ولا ينجون عن محذور

٣٨

وقال قرعون يايها الملأ ما علمت لكم من إله غيري قاله اللعين بعد ما جمع السحرة وتصدى للمعارضة فكان من أمرهم ما كان

فأوقد لي يا هامان على الطين أي اصنع آجرا

فاجعل لى منه صرحا أي قصرا رفيعا

لعلى اطلع الى إله موسى كأنه توهم أنه لو كان لكان جسما في السماء يمكن الرقي اليه ثم قال

وإنى لأظنه من الكاذبين أو أراد ان يبنى له رصدا يترصد منه أوضاع الكواكب فيرى هل فيها ما يدل على بعثه رسول وتبدل دولته

وقيل المراد بنفى العلم نفى المعلوم كما في قوله تعالى قل أتنبئون اللّه بما لا يعلم في السموات ولا في الارض فإن معناه بما ليس فيهن وهذا من خواص العلوم الفعلية فإنها لازمة لتحقق معلوماتها فيلزم من انتفائها انتفاء معلوماتها ولا كذلك العلوم الانفعالية قيل أول من اتخذ الاجر فرعون ولذلك امر باتخاذه على وجه يتضمن تعليم الصنعة مع ما فيه من تعظيم ولذلك نادى هامان باسمه بيافي وسط الكلام

٣٩

واستكبر هو وجنوده في الارض ارض مصر

بغير الحق بغير استحقاق

وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون بالبعث للجزاء وقرئ بفتح الياء وكسر الجيم من رجع رجوعا والاول من رجع رجعا وهو الانسب بالمقام

٤٠

فأخذناه وجنوده عقيب ما بلغوا من الكفر والعتو اقصى الغايات

فنبذناهم في اليم قدمر تفصيله وفيه من تفخيم شأن الأخذ وتهويله واستحقار المأخوذين المنبوذين ما لا يخفى كأنه تعالى أخذهم مع كثرتهم في كف وطرحهم في البحر ونظيره قوله تعالى وما قدروا اللّه حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه

فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وبينها للناس ليعتبروا بها

٤١

وجعلناهم أي صيرناهم في عهدهم

أئمة يدعون الناس الى النار الى ما يؤدي إليها من الكفر والمعاصي أي قدوة يقتدى بهم اهل الضلال لما صرفوا أختيارهم الى تحصيل تلك الحالة

وقيل

سميناهم أئمة دعاة الى النار كما في قوله تعالى وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا فالانسب حينئذ أن يكون الجعل بعدهم فيما بين الامم وتكون الدعوة الى نفس البار

وقيل معنى الجعل منع الالطاف الصارفة عن ذلك

ويوم القيامة لا ينصرون بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه

٤٢

واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة طردا وإبعادا من الرحمة ولعنا من اللاعنين حيث لا يزال يلعنهم الملائكة عليهم الصلاة والسلام والمؤمنون خلفا عن سلف

ويوم القيامة هم من المقبوحين من المطرودين المبعدين

وقيل من الموسومين بعلامة منكرة كزرقة العيون وسواد الوجه قاله ابن عباس رضى اللّه عنهما يقال قبحه اللّه وقبحه إذا جعله قبيحا وقال ابو عبيدة من المقبوحين من المهلكين ويوم القيامة إما متعلق بالمقبوحين على أن اللام للتعريف لا بمعنى الذي أو بمحذوف يفسره ذلك كأنه قيل وقبحوا يوم القيامة نجو لعملكم من القالين

٤٣

ولقد آتينا موسى الكتاب أي التوراة

من بعد ما أهلكنا القرون الاولى هم أقوام نوح وهود وصالح ولوط عليهم السلام والتعرض لبيان كون إبتائها بعدإهلاكهم للإشعار بمساس الحاجة الداعية إليه تمهيدا لما يعقبه من بيان الحاجة الداعية الى إنزال القرآن الكريم على رسول اللّه فإن إهلاك القرون الأولى من مواجبات اندراس معالم الشرائع وانطماس آثارها وأحكامها المؤديين الى اختلال نظام العالم وفساد أحوال الامم المستدعيين للتشريع الجديد بتقرير الأصول الباقية على مر الدهور وترتيب الفروع المتبدلة بتبدل العصور وتذكير أحوال الامم الخالية الموجبة للاعتبار كأنه قيل ولقد آتينا موسى التوراة على حين حاجة إلى إيتائها

بصائر للناس أي أنوارا لقلوبهم تبصر بها الحقائق وتميز بين الحق والباطل حيث كانت عميا عن الفهم والادراك بالكلية فإن البصيرة نور القلب الذي به يستبصر كما أن البصر نور العين الذي به تبصر

وهدى أي هداية الى الشرائع والاحكام التي هي سبل اللّه تعالى ورحمة حيث ينال من عمل به رحمة اللّه تعالى وانتصاب الكل على الحالية من الكتاب على انه نفس البصائر والهدى والرحمة أو على حذف المضاف أي ذا بصائر الخ

وقيل على العلة أي آتيناه الكتاب للبصائر والهدى والرحمة

لعلهم يتذكرون ليكونوا على حال يرجى منه التذكر وقد مر تحقيق القول في ذلك عند قوله تعالى لعلكم تتقون من سورة البقرة وقوله تعالى

٤٤

وما كنت بجانب الغربي شروع في بيان أن إنزال القرآن الكريم ايضا واقع في زمان شدة مساس الحاجة اليه واقتضاء الحكمة له البتة وقد صدر بتحقيق كونه وحيا صادقا من عند اللّه عز و جل ببيان ان الوقوف على ما فصل من الاحوال لا يتسنى  إلا بالمشاهدة أو التعلم ممن شاهدها وحيث انتفى كلاهما تبين انه بوحى من علام الغيوب لا محالة على طريقة قوله تعالى وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم الآية أي وما كنت بجانب الجبل الغربي او المكان الغربي الذي وقع فيه الميقات على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه أو الجانب الغربي على إضافة الموصوف الى الصفة كمسجد الجامع

إذ قضينا الى موسى الامر أي عهدنا إليه وأحكمنا امر نبوته بالوحي وإيتاء التوراة

وما كنت من الشاهدين أي من جملة الشاهدين للوحي وهم السبعون المختارون للميقات حتى تشاهد ما جرى من امر موسى في ميقانه وكتبة التوراة له في الالواح فتخبره للناس

٤٥

ولكنا أنشأنا قرونا أي ولكنا خلقنا بين زمانك وزمان موسى قرونا كثيرة فتطاول عليهم العمر وتمادى الامد فتغيرت الشرائع والاحكام وعميت عليهم الأنباء لا سيما على آخرهم فافتضى الحال التشريع الجديد فأوحينا إليك فحذف المستدرك اكتفاء بذكر ما يوجبه ويدل عليه وقوله تعالى

وما كنت ثاويا في أهل مدين نفى لاحتمال كون معرفته عليه الصلاة و السلام للقصة بالسماع ممن شاهدها أي وما كنت مقيما في أهل مدين من شعيب والمؤمنين به وقوله تعالى

تتلوا عليهم أي تقرأ على أهل مدين بطريق التعلم منهم

آياتنا الناطقة بالقصة إما حال من المستكن في ثاويا أو خبر ثان لكنت ولكنا كنا مرسلين إياك وموحين اليك تلك الايات ونظائرها

٤٦

وما كنت بجانب الطور إذ نادينا أي وقت ندائنا موسى إني انا اللّه رب العالمين واستنبائنا إياه وإرسالنا له الى فرعون

ولكن رحمة من ربك أي ولكن ارسلناك بالقرآن الناطق بما ذكر وبغيره لرحمة عظيمة كائنة منا لك وللناس

وقيل علمناك

وقيل عرفناك ذلك وليس بذاك كما ستعرفه والالتفات الى اسم الرب للإشعار بعلة الرحمة وتشريفه بالإضافة وقد اكتفى عن ذكر المستدرك ههنا بذكر ما يوجبه من جهته تعالى كما اكتفى عنه في الأول بذكر ما يوجبه من جهة الناس وصرح به فيما بينهما تنصيصا على ما هو المقصود وإشعارا بأنه المراد فيهما أيضا وللّه در شأن التنزيل وقوله تعالى

لتنذر قوما متعلق بالفعل المعلل بالرحمة فهو ما ذكرنا من إرساله بالقرآن حتما لما أنه المعلل بالإنذار لا تعليم ما ذكر وقرئ رحمة بالرفع على انه خبر مبتدأ محذوف وقوله تعالى

ما أتاهم من نذير من قبلك صفة لقوما أي لم يأتهم نذير لوقوعهم في فترة بينك وبين عيسى وهي خمسمائة وخمسون سنة أو بينك وبين اسمعيل بناء على أن دعوة موسى عيسى عليهما السلام كانت مختصة ببني إسرائيل لعلهم يتذكرون أي يتعظون بإنذارك وتغيير الترتيب الوقوعي بين

 قضاء الأمر والنواء في أهل مدين والنداء للتنبيه على أن كلا من ذلك برهان مستقل على أن حكايته للقصة بطريق الوحي الإلهي

ولو ذكر أولا نفى ثوائه من أهل مدين ثم نفى حضوره عند النداء ثم نفى حضوره عند قضاء الامر كما هو الموافق للترتيب الوقوعي لربما توهم أن الكل دليل واحد على ما ذكر كما مر في سورة البقرة

٤٧

ولولا أن تصيبهم مصيبة أي عقوبة بما

قدمت ايديهم أي ما اقترفوا من الكفر والمعاصي

فيقولوا عطف على تصيبهم داخل في حيز لولا الامتناعية على ان مدار انتفاء ما يجاب به هو امتناعه لا امتناع المعطوف عليه وإنما ذكره في حيزها للإبذان بأنه السبب الملجئ لهم الى قولهم

ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا أي هلا ارسلت إلينا رسولا مؤيدا من عندك بالآيات

فتبع آياتك الظاهرة على يده وهو جواب لولا الثانية

ونكون من المؤمنين بها وجواب لولا الاولى محذوف ثقة بدلالة الحال عليه والمعنى لولا قولهم هذا عند إصابة عقوبة جاياتهم التي قدموها ما أرسلناك لكن لما كان قولهم ذلك محققا لا محيد عنه أرسلناك قطعا لماذيرهم بالكلية

٤٨

فلما جاءهم أي أهل مكة

الحق من عندنا وهو القرآن المنزل عليه

قالوا تعنتا واقتراحا

لولا أوتي يعنونه

مثل ما أوتى موسى من الكتاب المنزل جملة

وأما اليد والعصا فلا تعلق لهما بالمقام كسائر معجزاته عليه الصلاة و السلام وقوله تعالى

أولم يكفروا بما اوتى موسى من قبل رد عليهم وإظهار لكون ما قالوه تعنتا محضا لا طلبا لما يرشدهم الى الحق أي ألم يكفروا من قبل هذا القول بما أوتى موسى من الكتاب كما كفروا بهذا الحق وقوله تعالى

قالوا استئناف مسوق لتقرير كفرهم المستفاد من الإنكار السابق وبيان كيفيته وقوله تعالى

سحران خبر لمبتدأ محذوف أي هما يعنون ما اوتى محمد وما أوتى موسى عليهما السلام

سحران تظاهرا أي تعاونا بتصديق كل واحد منهما الاخر وذلك أنهم بعثوا رهطا منهم الى رؤساء اليهود في عيدلهم فسألوهم عن شأنه فقالوا إنا نجده في التوارة بنعته وصفته فلما رجع الرهط وأخبروهم بما قالت اليهود قالوا ذلك وقوله تعالى

وقالوا إنا بكل أي بكل واحد من الكتابين

كافرون تصريح بكفرهم بهما وتأكيد لكفرهم المفهوم من تسميتهما سحرا وذلك لغاية عتوهم وتماديهم في الكفر والطغيان وقرئ ساحران تظاهران يعنون موسى ومحمدا هذا هو الذي تستدعيه جزالة النظم الجليل فتأمل ودع عنك ما قيل

وقيل ألا ترى الى قوله تعالى

٤٩

قل فأتوا بكتاب من عند اللّه هو أهدى منهما مما أوتياه

 من التوراة والقرآن وسميتموهما سحرين فإنه نص فيما ذكر وقوله تعالى

أتبعه جواب للأمر أي إن تأتوا به أتبعه ومثل هذا الشرط مما يأتي به من يدل بوضوح حجته وسنوح محجته لأن الإتيان بما هو اهدى من الكتابين امر بين الاستحالة فيوسع دائرة الكلام للتبكيت والافحام

إن كنتم صادقين أي في أنهما سحران مختلقان وفي إيراد كلمة إن مع امتناع صدقهم نوع تهكم بهم

٥٠

فإن لم يستجيبوا لك أي فإن لم يفعلوا ما كلفتهم من الاتيان بكتاب أهدي منهما كقوله تعالى فإن لم تفعلوا وإنما عبر عنه بالاستجابة إيذانا بأنه على كمال أمن من أمره كأن أمره لهم بالإتيان بما ذكر دعاء لهم الى امر يريد وقوعه والاستجابة تتعدى الى الدعاء بنفسه والى الداعي باللام فيحذف الدعاء عند ذلك غالبا ولا يكاد يقال استجاب اللّه له دعاءه

فاعلم أنما يتبعون أهواءهم الزائفة من غير أن يكون لهم متمسك ما أصلا إذ لو كان لهم ذلك لأتوا به

ومن أضل ممن أتبع هواه استفهام إنكاري للنفي أي لا أضل ممن اتبع هواه

بغير هدى من اللّه أي هو اضل من كل ضال وإن كان ظاهر السبك لنفى الاصل لا لنفى المساوي كما مر في نظائره مرارا وتقييد اتباع الهوى بعدم الهدى من اللّه تعالى لزيادة التقريع والاشباع في التشنيع والتضليل وإلا فمقارنته لهدايته تعالى بينة الاستحالة

إن اللّه لا يهدي القوم الظالمين الذين ظلموا انفسهم بالانهماك في اتباع الهوى والاعراض عن الايات الهادية الى الحق المبين

٥١

ولقد وصلنالهم القول وقرئ بالتخفيف أي انزلنا القرآن

عليهم متواصلا بعضه إثر بعض حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة او متتابعا وعدا ووعيدا قصصا وعبرا ومواعظ ونصائح

لعلهم يتذكرون فيؤمنون بما فيه

٥٢

الذين آتيناهم الكتاب من قبله أي من قبل إيتاء القرآن

هم به يؤمنون وهم مؤمنو أهل الكتاب

وقيل اربعون من أهل الانجيل اثنان وثلاثون جاءوا مع جعفر من الحبشة وثمانةي من الشام

٥٣

وإذا يتلى أي القرآن

عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا أي الحق الذي كما نعرف حقيته وهو استئناف لييان ما أوجب إيمانهم وقوله تعالى

إنا كنا من قبلة أي من قبل نزوله

مسلمين بيان لكون إيمانهم به أمرا متقادم العهد لما شاهدوا ذكره في الكتب المنقدمة وأنهم على دين الاسلام قبل نزول القرآن

٥٤

أولئك الموصوفون بما ذكر من النعوت

يؤتون أجرهم مرتين مرة على إيمانهم بكتابهم ومرة على إيمانهم بالقرآن

بما صبروا بصبرهم وثباتهم على الايمانين أو على الايمان بالقرآن قبل النزول وبعده أو على اذى من هاجرهم أهل دينهم ومن المشركين ويدرءون بالحسنة السيئة أي يدفعون بالطاعة المعصية لقوله وأتبع السيئة الحسنة تمحها

ومما رزقناهم ينفقون في سبيل الخير وإذا سمعوا اللغو من اللاغين أعرضوا عنه عن اللغو تكرما كقوله تعالى

٥٥

وإذا مروا باللغو مروا كراما

وقالوا لهم

لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم بطريق المتاركة والتوديع لا نبتغي الجاهلين لا نطلب صحبتهم ولا نريد مخالطتهم

٥٦

إنك لا تهدى هداية موصلة الى البغية لا محالة

من أحببت من الناس ولا تقدر على أن تدخله في الاسلام وإن بذلت فيه غاية المجهود وجاوزت في السعي كل حد معهود

ولكن اللّه يهدي من يشاء أن يهديه فيدخله في الاسلام

وهو أعلم بالمهتدين بالمستعدين لذلك والجمهور على أنها نزلت في ابي طالب فإنه لما احتضر جاءه رسول اللّه وقال له يا عم قل لا إله إلا اللّه كلمة أحاج بها لك عند اللّه قال له يا ابن اخي قد علمت أنك لصادق ولكنى أكره ان يقال جزع عند الموت ولولا أن يكون عليك وعلى بنى أبيك غضاضة بعدي لقلتها ولآقررت بها عينك عند الفراق لما أرى من شدة وجدك ونصيحتك ولكنى سوف اموت على ملة الاشياخ عبد المطلب وهاشم وعبد مناف

٥٧

وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من ارضنا نزلت في الحرث بن عثمان ابن نوفل بن عبد مناف حيث أتى النبي فقال نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب وإنما نحن أكلة رأس أن يتخطفونا من أرضنا فرد عليهم بقوله تعالى

أولم نمكن لهم حرما آمنا أي ألم نعصمهم ولم نجعل مكانهم حرما ذا أمن لحرمة البيت الحرام الذي تتناحر العرب حوله وهو آمنون يجبى اليه وقرئ تجبى أي تجمع وتحمل

إليه ثمرات كل شئ من كل أوب والجملة صفة اخرى لحرما دافعة لما عسى يتوهم من تضررهم بانقطاع الميرة

رزقا من لدنا فإذا كان حالهم ما ذكروهم عبدة أصنام فكيف يخافون التخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد

ولكن أكثرهم لا يعلمون أي جهلة لا ينفطنون له ولا يتفكرون ليعلموا ذلك

وقيل هو متعلق بقوله تعالى من لدنا أي قليل منهم بتدبرون فيعلمون أن ذلك رزق من عند اللّه تعالى إذ لو علموا لما خافوا غيره وانتصاب رزقا على انه مصدر مؤكد لمعنى يجبى او حال من ثمرات على أنه بمعنى مرزوق لتخصصها بالاضافة ثم بين ان الامر بالعكس

وأنهم أحقاء بأن يخافوا بأس اللّه تعالى بقوله

٥٨

وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها أي وكثير من اهل قرية كانت حالهم كحال هؤلاء في الأمن وخفض العيش والدعة حتى أشروا فدمرنا عليهم وخربنا ديارهم

فتلك مساكنهم خاوية بما ظلموا

لم تسكن من بعدهم من بعد تدميرهم

إلا قليلا أي إلا زمانا قليلا إذ لا يسكنها إلا المارة يوما أو بعض يوم أولم يبق من يسكنها إلا قليلا من شؤم معاصيهم

وكنا نحن الوارثين منهم إذ لم يخلفهم أحد يتصرف تصرفهم في ديارهم وسائر ذات أيديهم وانتصاب معيشتها بنزع الخافض أو يجعلها ظرفا بنفسها كقولك زيد ظنى مقيم او بإضمار زمان مضاف اليه او يجعله مفعولا لبطرت بتضمين معنى كفرت

٥٩

وما كان ربك مهلك القرى بيان للعناية الربانية إثر بيان إهلاك القرى المذكورة أي وما صح وما استقام بل استحال في سنته المبنية على الحكم البالغة أو ما كان في حكمه الماضي وقضائه السابق أن يهلك القرى قبل الانذار بل كانت عادته ان لا يهلكها

حتى يبعث في أمها أي في أصلها وقصبتها التي هي أعمالها وتوابعها لكون اهلها افطن وأنبل

رسولا يتلو عليهم آياتنا الناطقة بالحق ويدعوهم اليه بالترغيب والترهيب وذلك لإلزام الحجة وقطع المعذرة بأن يقولوا لولا أرسلت الينا رسولا فنتبع آياتك والالتفات الى نون العظمة لتربية المهابة وإدخال الروعة وقوله تعالى

وما كنا مهلكى القرى عطف على ما كان ربك وقوله تعالى

إلا وأهلها ظالمون استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي وما كنا مهلكين لأهل القرى بعد ما بعثنا في أمها رسولا يدعوهم الى الحق ويرشدهم اليه في حال من الاحوال إلا حال كونهم ظالمين بتكذيب رسولنا والكفر بآياتنا فالبعث غاية لعدم صحة الاهلاك بموجب السنة الالهية لا لعدم وقوعه حتى يلزم تحقق الإهلاك عقيب البعث وقد مر تحقيقه في سورة بني إسرائيل

٦٠

وما أوتيتم من شئ من امور الدنيا

فمتاع الحياة الدنيا وزينتها أي فهو شئ شانه ان يتمتع ويتزين به أياما قلائل

وما عند اللّه وهو الثواب

خير في نفسه من ذلك لانه لذة خالصة عن شوائب الألم وبهجة كاملة عارية عن سمة الهم وابقى لأنه أبدى

افلا تعقلون ألا تتفكرون فلا تعقلون هذا الامر الواضح فتستبدلون الذي هو ادنى بالذي هو خير وقرئ بالياء على الالنفات المبنى على اقتضاء سوء صنيعهم الاعراض عن مخاطبتهم

٦١

أفمن وعدناه وعدا حسنا أي وعدا بالجنة فإن حسن الوعد بحسن الموعود فهو لاقيه أي مدركة لا محالة لاستحالة الخلف في وعده تعالى ولذلك جئ بالجملة الاسمية المفيدة لتحققه البتة وعطفت بالفاء المنبئة عن معنى السببية

كمن متعناه متاع الحياة الدنيا الذي هو مشوب بالآلام منغص بالأكدار مستتبع للتحسر على الانقطاع ومعنى الغاء الاولى ترتيب إنكار التشابه بين أهل الدنيا وأهل الآخرة على ما قبلها من ظهور التفاوت بين متاع الحياة الدنيا وبين ما عند اللّه تعالى أي أبعد هذا التفاوت الظاهر يسوى بين الفريقين وقوله تعالى

ثم هو يوم القيامة من المحضرين عطف على متعناه داخل معه في حيز الصلة مؤكد لإنكار التشابه ومقرر له كأنه قيل كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم نحضره أو أحضرناه يوم القيامة النار أو العذاب وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على التحقق حتما وفي جعله من جلمة المحضرين من التهويل ما لا يخفى وثم للنراخى في الزمان او في الرتبة وقرئ ثم هو بسكون الهاء تشبيها للمنفصل بالمتصل

٦٢

ويوم يناديهم منصوب بالعطف على يوم القيامة لاختلافهما عنوانا وإن اتحدا ذاتا أو بإضمار اذكر

فيقول تفسير للنداء

أين شركائي الذين كنتم تزعمون أي الذين كنتم تزعمونهم شركائي فحذف المفعولان معا ثقة بدلالة الكلام عليهما قال استئناف مبنى على حكاية السؤال كأنه قيل فماذا صدر عنهم حينئذ فقيل

٦٣

قال الذين حق عليهم القول وهم شركاؤهم من الشياطين أو رؤساؤهم الذين اتخذوهم أربابا من دون اللّه تعالى بأن اطاعوهم في كل ما أمروهم به ونهوا عنه ومعنى حق عليهم القول أنه ثبت مقتضاه وتحقق مؤداه وهو قوله تعالى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وغيره من آيات الوعيد وتخصيصهم بهذا الحكم مع شموله للأتباع ايضا لأصالتهم في الكفر واستحقاق العذاب حسبما يشعر به قوله تعالى لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم ومسارعتهم الى الجواب مع كون السؤال للعبدة إما لتفطنهم أن السؤال عنهم لاستحضارهم وتوبيخهم بالاضلال وجزمهم بأن العبدة سيقولون هؤلاء اضلونا

وأما لأن العبدة قد قالوه اعتذار أو هؤلاء إنما قالوا ما قالوا ردا لقولهم إلا أنه لم يحك قول العبدة إيجازا لظهوره

ربنا هؤلاء الذين أغوينا أي هم الذين

أغويناهم فحذف الراجع الى الموصول ومرادهم بالاشارة بيان أنهم يقولون ما يقولون بمحضر منهم وانهم غير قادرين على إنكاره ورده وقوله تعالى أغويناهم

كما غوينا هو الجواب حقيقة وما قبله تمهيد له أي

 ما أكرهناهم على الغى وإنما أغويناهم بطريق الوسوسة والتسويل لا بالقسر والالجاء فغووا باختيارهم غيا مثل غينا باختيارنا ويجوز أن يكون الذين صفة لاسم الاشارة وأغويناهم الخبر

تبرأنا إليك منهم ومما اختاروه من الكفر والمعاصي هوى منهم وهو تقرير لما قبله ولذلك لم يعطف عليه وكذا قوله تعالى

ما كانوا إيانا يعبدون أي ما كانوا يعبدوننا وإنما كانوا يعبدون أهواءهم

وقيل ما مصدريه متصلة بقوله تعالى تبرأنا أي تبرأنا من عبادتهم إيانا

٦٤

وقيل ادعوا شركاءكم إما تهكما بهم أو إتبكيتا لهم

فدعوهم لفرط الحيرة

فلم يستجيبوا لهم ضرورة عدم قدرتهم على الاستجابة والنصرة

ورأوا العذاب قد غشيهم

لو أنهم كانوا يهتدون لوجه من وجوه الحيل يدفعون به العذاب أو إلى الحق لما لقوا ما لقوا

وقيل لو للتمني أي تمنوا لو أنهم كانوا مهتدين

٦٥

ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين عطف على ما قبله سئلوا أولا عن إشراكهم وثانيا عن جوابهم للرسل الذين نهوهم عن ذلك

٦٦

فعميت عليهم الأنباء يومئذ أي صارت كالعمي عنهم لا تهتدي إليهم وأصله فعموا عن الأنباء وقد عكس للمبالغة والتنبيه على أن ما يحضر الذهن يفيض عليه ويصل إليه من خارج فإذا أخطأ لم يكن له حيلة إلى استحضاره وتعدية الفعل بعلى لتضمنه معنى الخفاء والاشتباه والمراد بالأنباء إما ما طلب منهم مما آجابوا به الرسل أو جميع الأنباء وهي داخله فيه دخولا أوليا وإذا كانت الرسل عليهم الصلاة والسلام يفوضون العلم في ذلك المقام الهائل إلى علام الغيوب مع نزاهتهم عن غاية المسئول فما ظنك بأولئك الضلال من الأمم

فهم لا يتساءلون لا يسأل بعضهم بعضا عن الجواب الفرط الدهشة او العلم بأن الكل سواء في الجهل

٦٧

فأما من تاب من الشرك

وآمن وعمل صالحا أي جمع بين الايمان والعمل الصالح

فعسى ان يكون من المفلحين أي الفائزين بالمطلوب عنده تعالى الناجين عن المهروب وعسى للتحقيق على عادة الكرام او للترجي من قبل التائب بمعنى فليتوقع الافلاح

٦٨

وربك يخلق ما يشاء ان يخلقه

ويختار ما يشاء اختياره من غير ايجاب عليه ولا منع له اصلا

ما كان لهم الخيرة أي التخير كالطيرة بمعنى التطير والمراد نفي الاختيار المؤثر عنهم وذلك مما لاريب فيه

وقيل المراد انه ليس لاحد من خلقه ان يختار عليه ولذلك خلا عن العاطف ويؤيده ما روى انه نزل في قول الوليد بن المغيرة لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم والمعنى

 لا يبعث اللّه تعالى الرسل باختيار المرسل اليهم

وقيل معناه ويختار الذي كان لهم فيه الخير والصلاح

سبحان اللّه أي تنزه بذاته تنزها خاصا به من ان ينازعه احد او يزاحم اختياره اختيار

وتعالى عما يشركون عن اشراكهم او عن مشاركة ما يشركونه به

٦٩

وربك يعلم ما تكن صدورهم كعداوة رسول اللّه وحقدهم عليه

وما يعلنون كالطعن فيه

٧٠

وهو اللّه أي المستحق للعبادة

لا اله الا هو لا احد يستحقها الا هو

له الحمد في الاولى والآخرة لانه المولى للنعم كلها عاجلها وآجلها على الخلق كافة يحمده المؤمنون في الآخرة كما حمدوه في الدنيا بقولهم الحمد اللّه الذي اذهب عنا الحزن الحمد للّه الذي صدقنا وعده ابتهاجا بفضله والتذاذا بحمده

وله الحكم أي القضاء النافذ في كل شيء من غير مشاركة فيه لغيره واليه ترجعون بالبعث لا الى غيره

٧١

قل تقريرا لما ذكر

أرأيتم أي اخبروني

ان جعل اللّه عليكم الليل سرمدا دائما من السرد وهو المتابعة والاطراد والميم مزيدة كما في دلاء مص من الدلاص يقال درع دلاص أي ملساء لينة

الي يوم القيامة بإسكان الشمس تحت الارض او تحريكها حول الأفق الغائر

من إله غير اللّه صفة لإله

يأتيكم بضياء صفة أخرى له عليها يدور امر التبكيت والالزام كما في قوله تعالى قل من يرزقكم من السماء والارض وقوله تعالى فمن يأتيكم بماء معين ونظائرهما خلا أنه قصد بيان انتفاء الموصوف انتفاء الصفة ولم يقل هل إله الخ لإيراد التبكيت والالزام على زعمهم وقرئ بضئاء بهمزتين

أفلا تسمعون هذا الكلام الحق سماع تدبر واستبصار حتى تذعنوا له وتعملوا بموجبه

٧٢

قل أرأيتم إن جعل اللّه عليكم النهار سرمدا الى يوم القيامة بإسكانها في وسط السماء أو بتحريكها على مدار فوق الافق

من إله غير اللّه يأتيكم بليل تسكنون فيه استراحة من متاعب الاشغال ولعل تجريد الضياء عن ذكر منافعه لكونه مقصودا بذاته ظاهر الاستتباع لما نيط به من المنافع

أفلا تبصرون هذه المنفعة الظاهرة التي لا تخفى على من له بصر

٧٣

ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه أي في الليل

ولتبتغوا من

فضله في النهار بأنواع المكاسب

ولعلكم تشكرون ولكى تشكروا نعمته تعالى فعل ما فعل أو لكى تعرفوا نعمته تعالى وتشكروه عليها

٧٤

ويوم يناديهم منصوب باذكر فيقول

اين شركائي الذين كنتم تزعمون تقريع إثر تقريع للاشعار بانه لا شئ اجلب لغضب اللّه عزوجل من الاشراك كما لا شئ أدخل في مرضاته من توحيده سبحانه وقوله تعالى

٧٥

ونزعنا عطف على يناديهم وصيغة الماضي للدلالة على التحقق أو حال من فاعله بإضمار قد والالتفات الى نون العظمة لإبراز كمال الاعتنا بشأن النزع وتهويله أي أخرجنا

من كل امة من الامم

شهيدا نبيا يشهد عليهم بما كانوا عليه كقوله تعالى فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد

فقلنا لكل امة من تلك الامم

هاتوا برهانكم على صحة ما كنتم تدينون به

فعلموا يومئذ

أن الحق للّه في الالهية لا يشاركه فيها أحد

وضل عنهم أي غاب عنهم غيبة الضائع

ما كانوا يفترون في الدنيا من الباطل

٧٦

إن قارون كان من قوم موسى كان ابن عمه يصهر بن قاهث ابن لاوي بن يعقوب عليه السلام وموسى عليه السلام ابن عمران بن قاهث

وقيل كان موسى عليه السلام ابن اخيه وكان يسمى المنور لحسن صورته

وقيل كان أقرأ بني إسرائيل للتوارة ولكنه نافق كما نافق السامري وقال إذا كانت النبوة لموسى والمذبح والقربان لهرون فما لي وروى انه لما جاوز بهم موسى عليه السلام البحر وصارت الرسالة والحبورة والقربان لهرون وجد قارون في نفسه وحسدهما فقال لموسى الامر لكما ولست على شئ الى متى اصبر قال موسى عليه السلام هذا صنع اللّه تعالى قال لا أصدقك حتى تأتي بآية فامر رؤساء بني إسرائيل أن يجئ كل واحد بعصاه فحزمها وألقاها في القبة التي كان الوحي ينزل إليه فيها فكانوا يحرسون عصيهم بالليل فأصبحوا فإذا بعصا هرون تهتز ولها ورق أخضر فقال قارون ما هو بأعجب مما تصنع من السحر وذلك قوله تعالى

فبغى عليهم فطلب الفضل عليهم وان يكونوا تحت أمره أو ظلمهم قيل وذلك حين ملكه فرعون على بني إسرائيل

وقيل حسدهم وذلك ما ذكر منه في حق موسى وهرون عليهما السلام

وآتيناه من الكنوز أي الاموال المدخرة

ما ان مفاتحه أي مفاتح صناديقه وهو جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به

وقيل خزائنه وقياس واحدها المفتح بالفتح

لتنوء بالعصبة اولى القوة خبر ان والجملة صلة ما وهو ثاني مفعولى آتى وناء به الحمل اذا اثقله حتى اماله والعصبة والعصابة الجماعة الكثيرة وقرىء لينوء بالياء على اعطاء المضاف حكم المضاف اليه كما مر في قوله تعالى ان رحمة اللّه

 قريب من المحسنين

اذ قال له قومه منصوب بتنوء

وقيل ببغي ورد بأن البغي ليس مقيدا بذلك الوقت

وقيل بآنيناه ورد بأن الايتاء ايضا غير مقيد به

وقيل بمضمر فقيل هو اذكر

وقيل هو اظهر الفرح ويجوز ان يكون منصوبا بما بعده من قوله تعالى قال انما اوتيته وتكون الجملة مقررة لبغيه لا تفرح أي لا تبطر والفرح في الدنيا مذموم مطلقا لانه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقة لا محالة يوجب الترح حتما ولذلك قال تعالى ولا تفرحوا بما آتاكم وعلل النهي ههنا بكونه مانعا من محبته عز وعلا فقيل

ان اللّه لا يحب الفرحين أي بزخارف الدنيا وابتغ وقرىء

٧٧

واتبع فيما آتاك اللّه من الغنى

الدار الآخرة أي ثواب اللّه تعالى فيها يصرفه الى ما يكون وسيلة اليه ولا تنس أي لا تترك ترك المنسي

نصيبك من الدنيا وهو ان تحصل بها آخرتك وتأخذ منها ما يكفيك وأحسن أي الى عباد اللّه تعالى

كما أحسن اللّه اليك فيما انعم به عليك

وقيل أحسن بالشكر والطاعة كما احسن اللّه اليك بالانعام

ولا تبغ الفساد في الارض نهى عما كان عليه من الظلم والبغي

ان اللّه لا يحب المفسدين لسوء افعالهم

٧٨

قال مجيبا لناصحيه

انما اوتيته على علم عندي كأنه يريد به الرد على قولهم كما احسن اللّه اليك لانبائه عن انه تعالى انعم عليه بتلك الاموال والذخائر من غير سبب واستحقاق من قبله أي فضلت به على الناس واستوجبت به التفوق عليهم بالمال والجاه وعلى علم في موقع الحال وهو علم التوراة وكان اعلمهم بها

وقيل علم الكيمياء

وقيل علم النجارة والدهقنة وسائر المكاسب

وقيل علم فتح الكنوز والدفائن وعندي صفة له او متعلق بأوتيته كقولك جاز هذا عندي او في ظني ورايى

او لم يعلم ان اللّه قد اهلك من قبله من القرون من هو اشد منه قوة واكثر جمعا توبيخ له من جهة اللّه تعالى على اغتراره بقوته وكثرة ماله مع علمه بذلك قراءة في التوراة وتلقيا من موسى عليه السلام وسماعا من حفاظ التواريخ وتعجب منه فالمعنى الم يقرأ التوراة ولم يعلم ما فعل اللّه تعالى بأضرابه من اهل القرون السابقة حتى لا يغتر بما اغتروا به اورد لا دعائه العلم وتعظمه به بنفي هذا العلم منه فالمعنى اعلم ما ادعاه ولم يعلم هذا حتى بقي به نفسه مصارع الهالكين

ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون سؤال استعلام بل يعذبون بها بغتة كأن قارون لما هدد بذكر اهلاك من قبله ممن كان اقوى منه واغنى اكد ذلك بأن بين ان ذلك لم يكن مما يخص اولئك المهلكين بل اللّه تعالى مطلع على ذنوب كافة المجرمين يعاقبهم عليها لا محالة

٧٩

فخرج على قومه عطف على قال وما بينهما اعتراض وقوله تعالى في زينته اما متعلق بخرج او بمحذوف هو حال من فاعله أي فخرج عليهم كائنا في زينته قيل خرج على بغلة شهباء عليه الارجوان وعليها سرج من ذهب ومعه اربعة آلاف على زيه

وقيل عليهم وعلى خيولهم الديباج الاحمر وعن يمينه ثلثمائة غلام وعن يساره ثلثمائة جارية بيض عليهن الحلى والديباج

وقيل في تسعين الفا عليهم المعصفرات وهو اول يوم رئى فيه المعصفر

قال الذين يريدون الحياة الدنيا من المؤمنين جريا على سنن الجبلة البشرية من الرغبة في السعة واليسار

ياليت لنا مثل ما أوتى قارون وعن قتادة أنهم تمنوه ليتقربوا به الى اللّه تعالى وينفقوه في سبل الخير

وقيل كان المتمنون قوما كفارا

إنه لذو حظ عظيم تعليل لتمنيهم وتأكيد له

٨٠

وقال الذين أوتوا العلم أي بأحوال الدنيا والاخرة كما ينبغى وإنما لم يوصفوا بإرادة ثواب الاخرة تنبيها على أن العلم بأحوال النشأتين يقتضي الاعراض عن الأولى والاقبال على الثانية حتما وأن تمنى المتمنين ليس إلا لعدم علمهم بهما كما ينبغي ويلكم دعاء بالهلاك شاع استعماله في الزجر عمالا لا يرتضى

ثواب اللّه في الآخرة

خير مما تتمنونه

لمن آمن وعمل صالحا فلا يليق بكم أن تتمنوه غير مكتفين بثوابه تعالى

ولا يلقاها أي هذه الكلمة التي تكلم بها العلماء أو الثواب فإنه بمعنى المثوبة او الجنة أو الايمان والعمل الصالح فإنهما في معنى السيرة والطريقة

إلا الصابرون أي على الطاعات وعن الشهوات

٨١

فخسفنا به وبداره الارض روى أنه كان يؤذى موسى عليه السلام كل وقت وهو يداريه لقرابته حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل الف على واحد فحسبه فاستكثره فعمد الى ان يفضح موسى عليه السلام بين بني إسرائيل فجعل لبغى من بغايا بني إسرائيل ألف دينار

وقيل طشتا من ذهب مملوءة ذهبا فلما كان يوم عيد قام موسى عليه السلام حطيبا فقال من سرق قطعناه ومن زنى غير محصن جلدناه ومن زنى محصنا رجمناه فقال قارون ولو كنت قال ولو كنت قال إن بني اسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة فأحضرت فناشدها عليه السلام أن تصدق فقالت جعل لي قارون جعلا على أن أرميك بنفسي فخر موسى ساجدا لربه يبكى ويقول يا رب إن كنت رسولك فاغضب لي فأوحى إليه أن مر الارض بما شئت فإنها مطيعة لك فقال يا بني إسرائيل إن اللّه بعثني الى قارون كما بعثنى الى فرعون فمن كان معه فليلزم مكانه ومن كان معى فليعتزل

 عنه فاعتزلوا جميعا غير رجلين ثم قال يا ارض خذيهم فأخذتهم الى الركب ثم قال خذيهم فأخذتهم الى الاوساط ثم قال خذيهم فأخذتهم الى الاعناق وهم يناشدونه عليه الصلاة و السلام باللّه تعالى وبالرحم وهو لا يلتفت اليهم لشدة غيظه ثم قال خذيهم فانطبقت عليهم فأصبحت بنو اسرائيل يتناجون بينهم انما دعا عليه موسى عليه الصلاة و السلام ليستبد بداره وكنوزه فدعا اللّه تعالى حتى خسف بداره وامواله فما كان له من فئة جماعة مشفقة ينصرونه

من دون اللّه بدفع العذاب عنه

وما كان من المنتصرين أي الممتنعين منه بوجه من الوجوه يقال نصره من عدوه فانتصر أي منعه فامتنع

٨٢

واصبح الذين تمنوا مكانه منزلته

بالامس منذ زمان قريب

يقولون ويكأن اللّه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر أي يفعل كل واحد من البسط والقدر بمحض مشيئته لا لكرامة توجب البسط ولا لهوان يقتضى القبض وويكأن عند البصريين مركب من وى للتعجيب وكان للتشبيه والمعنى ما اشبه الامر ان اللّه يبسط الخ وعند الكوفيين من ويك بمعنى ويلك وان وتقديره ويك اعلم ان اللّه وانما يستعمل عند التنبه على الخطأ والتندم والمعنى انهم قد تنبهوا على خطئهم في تمنيهم وتندموا على ذلك

لولا ان من اللّه علينا بعدم اعطائه ايانا ما تمنيناه واعطائنا مثل ما اعطاه اياه وقرىء لولا من اللّه علينا لخسف بنا كما خسف به وقرىء لخسف بنا على البناء للمفعول وبنا هو القائم مقام الفاعل وقرىء لا تخسف بنا كقولك انقطع به وقرىء لتخسف بنا

ويكأنه لا يفلح الكافرون لنعمة اللّه تعالى او المكذبون برسله وبما وعدوا من ثواب الآخرة

٨٣

تلك الدار الآخرة اشارة تعظيم وتفخيم كأنه قيل تلك التي سمعت خبرها وبلغك وصفها

نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض أي غلبة وتسلطا

ولا فسادا أي ظلما وعدوانا على العباد كداب فرعون وقارون وفي تعليق الموعد بترك ارادتهما لا بترك انفسهما مزيد تحذير منهما وعن على رضى اللّه عنه ان الرجل ليعجبه ان يكون شراك نعله اجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها

والعاقبة الحميدة

للمتقين أي الذين يتقون مالا يرضاه اللّه تعالى من الافعال والاقوال

٨٤

من جاء بالحسنة فله بمقابلتها

خير منها ذاتا ووصفا وقدرا

ومن جاء بالسيئة فلا يجزي الذين عملوا السيئات وضع فيه الموصول والظاهر موضع الضمير لتهجين حالهم بتكرير اسناد السيئة اليهم

الا ما كانوا يعملون أي الا مثل ما كانوا يعملون فحذف المثل واقيم مقامه ما كانوا يعملون مبالغة في المماثلة

٨٥

ان الذي فرض عليك القرآن اوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل به لرادك الى معاد أي معاد معاد تمتد اليه اعناق الهمم وترنو اليه احداق الامم وهو المقام المحمود الذي وعدك ان يبعثك فيه

وقيل هو مكة المعظمة على انه تعالى قد وعده وهو بمكة في اذية وشدة من اهلها انه يهاجر به منها ثم يعيده اليها بعز ظاهر وسلطان قاهر

وقيل نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجره وقد اشتقاق الى مولده ومولد آبائه وحرم ابراهيم عليه السلام فنزل جبريل عليه السلام فقال له اتشتاق الى مكة قال نعم فأوحاها اليه

قل ربي اعلم من جاء بالهدى وما يستحقه من الثواب والنصر ومن منتصب بفعل يدل عليه اعلم أي يعلم

وقيل بأعلم على انه بمعنى عالم

ومن هو في ضلال مبين وما استحقه من العذاب والاذلال يعنى بذلك نفسه والمشركين وهو تقرير للوعيد السابق وكذا قوله تعالى

٨٦

وما كنت ترجو ان يلقى اليك الكتاب أي سيردك الى معادك كما القي اليك الكتاب وما كنت ترجوه

الا رحمة من ربك ولكن الفاه اليك رحمة منه ويجوز ان يكون استثناء محمولا على المعنى كأنه قيل وما القي اليك الكتاب الا رحمة أي لاجل الترحم فلا تكونن ظهيرا للكافرين بمداراتهم والتحمل عنهم والاجابة الى طلبتهم

٨٧

ولا يصدنك أي الكافرون

عن آيات اللّه أي عن قراءتها والعمل بها

بعد اذا أنزلت اليك وفرضت عليك وقرىء يصدنك من اصد المنقول من صد اللازم

وادع الناس

الى ربك الى عبادته وتوحيده

ولا تكونن من المشركين بمساعدتهم في الامور

٨٨

ولا تدع مع اللّه اله آخر هذا وما قبله للتهييج والالهاب وقطع اطماع المشركين عن مساعدته عليه الصلاة و السلام لهم واظهار ان المنهى عنه في القبح والشرية بحيث ينهى عنه من لا يمكن صدروه عنه اصلا

لا اله الا هو وحده

كل شيء هالك الا وجهه الا ذاته فإن ما عداه كائنا ما كان ممكن في حد ذاته عرضة للّهلاك والعدم له الحكم أي القضاء النافذ في الخلق

واليه ترجعون عند البعث للجزاء بالحق والعدل عن النبي من قرا طسم القصص كان له من الاجر بعدد من صدق موسى وكذب ولم يبق ملك في السموات والارض الا شهد له يوم القيامة انه كان صادقا

﴿ ٠