ÓõæÑóÉõ ÇáúÚóäúßóÈõæÊö ãóßøöíøóÉñ

æóåöíó ÊöÓúÚñ æó ÓöÊøõæäó ÂíóÉð

سورة العنكبوت

مكية وهي تسع وستون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

الم الكلام فيه كالذي مر مرارا في نظائره من الفواتح الكريمة خلا ان ما بعده لا يحتمل أن يتعلق به تعلقا اعرابيا احسب الناس الحسبان ونظائره لا يتعلق بمعاني المفردات بل بمضامين الجمل المفيدة لثبوت شيء لشيء او انتفاء شيء بحيث يتحصل منها مفعولاه اما بالفعل كما في عامة المواقع

وأما بنوع تصرف فيها كما في الجمل المصدرة بأن والواقعة صلة للموصول الاسمى او الحرفي فإن كلا منها صالحة لان يسبك منها مفعولاه لان قوله تعالى

٢

احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمناوهم لا يفتنون في قوة ان يقال احسبوا انفسهم متروكين بلا فتنة بمجرد ان يقولوا آمنا أوان يقال احسبوا تركهم غير مفتونين بقولهم آمنا حاصلا متحققا والمعنى انكار الحسبان المذكور واستبعاده وتحقيق انه تعالى يمتحنهم بمشاق التكاليف كالمهاجرة والمجاهدة ورفض ما تشتهيه النفس ووظائف الطاعات وفنون المصائب في الانفس والاموال ليتميز المخلص من المنافق والراسخ في الدين من المتزلزل فيه ويجازيهم بحسب مراتب اعمالهم فإن مجرد الايمان وان كان عن خلوص لا يقتضى غير الخلاص من الخلود في النار روى انها نزلت في ناس من الصحابة رضوان اللّه تعالى عليهم اجمعين جزعوا من اذية المشركين

وقيل في عمار قد عذب في اللّه

وقيل في مهجع مولى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنهما رماه عامر بن الحضرمي بسهم يوم بدر فقتله فجزع عليه ابواه وامراته وهو اول من استشهد يومئذ من المسلمين فقال رسول اللّه سيد الشهداء مهجع وهو اول من يدعي الى باب الجنة من هذه الامة

٣

ولقد فتنا الذين من قبلهم متصل بقوله تعالى احسب او بقوله تعالى لا يفتنون والمعنى ان ذلك سنة قديمة مبنية على الحكم البالغة جارية فيما بين الامم كلها فلا ينبغي ان يتوقع خلافها والمعنى ان الامم الماضية قد اصابهم من ضروب الفتن والمحن ما هو اشد مما اصاب هؤلاء فصبروا كما يعرب عنه قوله تعالى وكاين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استكانوا الآيات وعن النبي قد كان من قبلكم يؤخذ فيوضع المنشار على رأسه فيفرق فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه

فليعلمن اللّه الذين صدقوا أي في قولهم آمنا

وليعلمن الكاذبين في ذلك والفاء لترتيب ما بعدها على ما يفصح عنه ما قبلها من وقوع الامتحان واللام جواب القسم والالتفات إلى الاسم الجليل لإدخال الروعة وتربية المهابة وتكرير الجواب لزيادة التأكيد والتقرير أي فو اللّه ليتعلقن علمه بالامتحان تعلقا حاليا يتميز به الذين صدقوا في الإيمان الذي أظهروه والذين هم كاذبون فيه مستمرون على الكذب ويترتب عليه أجزيتهم من الثواب والعقاب ولذلك قيل المعنى ليميزن أو ليجازين وقرىء وليعلمن من الأعلام أي وليعرفنهم الناس أو ليسمنهم بسمة يعرفون بها يوم القيامة كبياض الوجوه وسوادها

٤

أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا أي يفوتونا فلا نقدر على مجازاتهم بمساوى أعمالهم وهو ساد مفعولى حسب لا شتماله على مسند ومسند اليه وام منقطعة وما فيها من معنى بل للإضراب والانتقال عن التوبيخ بإنكار حسبانهم متروكين غير مفتونين الى التوبيخ بإنكار ما هو أبطل من الحسبان الأول وهو حسبانهم أن لا يجازوا بسيئاتهم وهم وإن لم يحسبوا أنهم يفوتونه تعالى ولم يحدثوا نفوسهم بذلك لكنهم حيث أصروا على المعاصي ولم يتفكروا في العاقبة نزلوا منزلة من يطمع في ذلك كما في قوله تعالى يحسب أن ماله أخلده

ساء ما يحكمون أي بئس الذي يحكمونه حكمهم ذلك أو بئس حكما يحكمونه حكمهم ذلك

٥

من كان يرجو لقاء اللّه أي يتوقع ملاقاة جزائه ثوابا أو عقابا أو ملاقاة حكمه يوم القيامة

وقيل يرجو لقاء اللّه عز و جل في الجنة

وقيل يرجو ثوابه

وقيل يخاف عقابه

وقيل لقاؤه تعالى عبارة عن الوصول الى العاقبة من تلقى ملك الموت والبعث والحساب والجزاء على تمثيل تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل وقد علم مولاه بجميع ما كان يأتى ويذر فإما أن يلقاه ببشر وكرامة لما رضى من أفعاله أو بضده لما سخطه

فإن أجل اللّه الاجل عبارة عن غاية زمان ممتد عينت لأمر من الامور وقد يطلق على كل ذلك الزمان والاول هو الاشهر في الاستعمال أي فإن الوقت الذي عينه تعالى لذلك لآت لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه لأن أجزاء الزمان على التقضى والتصرم دائما فلا بد من إتيان ذلك الجزاء ايضا البتة وإتيان وقته موجب لإتيان اللقاء حتما والجواب محذوف أي فليختر من الأعمال ما يؤدي الى حسن الثواب وليحذر ما يسوقه الى سوء العذاب كما في قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا وفيه من الوعد والوعيد ما لا يخفى

وقيل فليبادر الى ما يحقق أمله ويصدق رجاءه أو ما يوجب القربة والزلفى

وهو السميع لأقوال العباد

العليم بأحوالهم من الاعمال الظاهرة والعقائد

٦

ومن جاهد في طاعة اللّه عز و

جل فإنما يجاهد لنفسه لعود منفعتها

إليها

إن اللّه لغني عن العالمين فلا حاجة له إلى طاعتهم وإنما أمرهم بها تعريضا لهم للثواب بموجب رحمته

٧

والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم الكفر بالايمان والمعاصي بما يتبعها من الطاعات

ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون أي أحسن جزاء أعمالهم لا جزاء أحسر أعمالهم فقط

٨

ووصينا الانسان بوالديه حسنا أي بإيتاء والديه وإيلائهما فعلا ذا حسن أو ما هو في حد ذاته حسن لفرط حسنة كقوله تعالى وقولوا للناس حسنا ووصى يجرى مجرى أمر معنى وتصرفا غير انه يستعمل فيما كان في المأمور به نفع عائد الى المأمور أو غيره

وقيل هو بمعنى قال فالمعنى وقلنا أحسن بوالديك حسنا

وقيل انتصاب حسنا بمضمر على تقدير قول مفسر للتوصية أي وقلنا أولهما أو أفعل بهما حسنا وهو أوفق لما بعده وعليه يحسن الوقف على بوالديه وقرئ حسنا وإحسانا

وإن جاهداك لتشرك ما ليس لك به علم أي بالهيته عبر عن نفيها بنفى العلم بها للإيذان بان ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه وإن لم يعلم بطلانه فكيف بما علم بطلانه فلا تطعهما في ذلك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولا بد من إضمار القول إن لم يضمر فيما قبل وفي تعليق النهى عن طاعتهما بمجاهدتهما في التكاليف إشعار بأن موجب النهى فيما دونها من التكليف ثابت بطريق الاولوية

الى مرجعكم أي مرجع من آمن منكم ومن أشرك ومن بر بوالديه ومن عق

فأنبئكم بما كنتم تعملون بأن أجازى كلا منكم بعمله إن خيرا فخير وإن شرأ فشر والآية نزلت في سعد بن ابي وقاص رضى اللّه تعالى عنه عند إسلامه حيث حلفت امه حمنة بنت ابي سفيان ابن أمية ان لا تنتقل من الضح الى الظل ولا تطعم ولا تشرب حتى يرتد فلبثت ثلاثة ايام كذلك وكذا التي في سورة لقمان وسورة الاحقاف

وقيل نزلت في عياش بن ابي ربيعة المخزومي وذلك انه هاجر مع عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه حتى نزلا المدينة فخرج أبو جهل والحرث أخواه لأمه أسماء فنزلا بعياش وقالا له إن من دين محمد صلة الأرحام وبر الوالدين وقد تركت امك لا تطعم ولا تشرب ولا تأوى بيتا حتى تراك فاخرج معنا وفتلا منه في الذروة والغارب واستشار عمر رضي اللّه عنه فقال هما يخدعانك ولك على أن أقسم مالى بيني وبينك فما زالا به حتى أطاعهما وعصى عمر رضي اللّه عنه فقال عمر رضي اللّه عنه أما إذا عصيتني فخذنا فتى فليس في الدنيا بعير يلحقها فإن رابك منهما ريب فارجع فلما انتهوا الى البيداء قال ابو جهل إن ناقتي قد كلت فاحملني معك فنزل ليوطئ لنفسه وله فأخذاه فشداه وثاقا وجلده كل واحد مائه جلده وذهبا به الى امه فقالت لا تزال في عذاب حتى ترجع عن دين محمد

٩

والذين آمنوا وعملوا  الصالحات لندخلنهم في الصالحين أي في زمرة الراسخين في الصلاح والكمال في الصلاح منتهى درجات المؤمنين وغاية مأمول انبياء اللّه المرسلين قال اللّه تعالى حكاية عن سليمان عليه السلام وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين وقال في حق إبراهيم عليه السلام وإنه في الآخرة لمن الصالحين أو في مدخل الصالحين وهو الجنة

١٠

ومن الناس من يقول آمنا باللّه فإذا أوذى في اللّه أي في شانه تعالى بأن عذبهم الكفرة على الايمان

جعل فتنة الناس أي ما يصيبه من أذيتهم

كعذاب اللّه في الشدة والهول فيرتد عن الدين مع انه لا قدر لها عند نفحة من عذابه تعالى أصلا

ولئن جاء نصر من ربك أي فتح وغنيمة

ليقولن بضم اللام نظرا الى معنى من كما أن الإفراد فيما سبق بالنظر الى لفظها وقرئ بالفتح

إنا كنا معكم أي مشايعين لكم في الدين فأشر كونا في المغنم وهم ناس من ضعفة المسلمين كانوا إذا مسهم أذى من الكفار وافقوهم وكانوا يكتمونه من المسلمين فرد عليهم ذلك بقوله تعالى

أوليس اللّه بأعلم بما في صدور العالمين أي بأعلم منهم بما في صدورهم من الاخلاص والنفاق حتى يفعلوا ما يفعلون من الارتداد والاخفاء عن المسلمين وأدعاء كونهم منهم لنيل الغنيمة وهذا هو الاوفق لما سبق ولما لحق من قوله تعالى

١١

وليعلمن اللّه الذين آمنوا أي بالاخلاص

وليعلمن المنافقين سواء كان كفرهم بأذية الكفرة أولا أي ليجزينهم بما لهم من الايمان والنفاق

١٢

وقال الذين كفروا للذين آمنوا بيان لحملهم للمؤمنين على الكفر بالاستمالة بعد بيان حملهم لهم عليه بالاذية والوعيد وصفهم بالكفر ههنا دون ما سبق لما ان مساق الكلام لبيان جناياتهم وفيما سبق لبيان جناية من اضلوه واللام للتبليغ أي قالوا مخاطبين لهم

اتبعوا سبيلنا أي اسلكوا طريقتنا التي نسلكها في الدين عبر عن ذلك بالاتباع الذي هو المشي خلف ماش آخر تنزيلا للمسلك منزلة السالك فيه او اتبعونا في طريقتنا

ولنحمل خطاياكم أي ان كان ذلك خطيئة يؤاخذ عليها بالبعث كما تقولون وانما امروا انفسهم بالحمل عاطفين له على امرهم بالاتباع للمبالغة في تعليق الحمل بالاتباع والوعد بتخفيف الاوزار عنهم ان كان ثمة وزر فرد عليهم بقوله تعالى

وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء وقرىء من خطيآتهم أي وما هم بحاملين شيئا من خطاياهم التي التزموا ان يحملوا كلها على ان من الاولى للتبيين والثانية مزيدة للاستغراق والجملة اعتراض او حال

انهم لكاذبون حيث اخبروا في ضمن وعدهم بالحمل بأنهم قادرون على انجاز ما وعدوا فإن الكذب كما يتطرق الى الكلام باعتبار

منطوقه يتطرق اليه باعتبار ما يلزم مدلوله كما مر في قوله تعالى انبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين

١٣

وليحملن اثقالهم بيان لما يستتبعه قولهم ذلك في الآخرة من المضرة لانفسهم بعد بيان عدم منفعته لمخاطبيهم اصلا والتعبير عن الخطايا بالاثقال للابذان بغاية ثقلها وكونها فادحة واللام جواب قسم مضمر أي وباللّه ليحملن اثقال انفسهم كاملة

واثقالا اخر

مع اثقالهم لما تسببوا بالاضلال والحمل على الكفر والمعاصي من غير ان ينتقص من اثقال من اضلوه شيء ما اصلا

وليسألن يوم القيامة سؤال تقريع وتبكيت

عما كانوا يفترون أي يختلقونه في الدنيا من الاكاذيب والأباطيل التي من جملتها كذبهم هذا

١٤

ولقد ارسلنا نوحا الى قومه فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما شروع في بيان افتتان الانبياء عليهم الصلاة والسلام بأذية اممهم اثر بيان افتتان المؤمنين بأذية الكفار تأكيدا للانكار على الذين يحسبون ان يتركوا بمجرد الايمان بلا ابتلاء وحثا لهم على الصبر فإن الانبياء عليهم الصلاة والسلام حيث ابتلوا بما اصابهم من جهة اممهم من فنون المكاره وصبروا عليها فلان يصبر هؤلاء اولى واحرى قالوا كان عمر نوح عليه السلام الفا وخمسين عاما بعث على راس اربعين سنة ودعا قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد

الطوفان ستين سنة وعن وهب انه عاش الفا واربعمائة سنة ولعل ما عليه النظم الكريم للدلالة على كمال العدد فإن تسعمائة وخمسين قد يطلق على ما يقرب منه ولما في ذكر الالف من تخييل طول المدة فإن المقصود من القصة تسلية رسول اللّه وتثبيته على ما كان عليه من مكابدة ما يناله من الكفرة واظهار ركاكة راى الذين يحسبون انهم يتركون بلا ابتلاء واختلاف المميز لما في التكرير من نوع بشاعة

فأخذهم الطوفان أي عقب تمام المدة المذكورة والطوفان يطلق على كل ما يطوف بالشيء على كثرة وشدة من السيل والريح والظلام وقد غلب على طوفان الماء

وهم ظالمون أي والحال انهم مستمرون على الظلم لم يتأثروا بما سمعوا من نوح عليه السلام من الآيات ولم يرعووا عما هم عليه من الكفر والمعاصي هذه المدة المتمادية

١٥

فأنجيناه أي نوحا عليه السلام

واصحاب السفينة أي ومن ركب فيها معه من اولاده واتباعه وكانوا ثمانين

وقيل ثمانية وسبعين

وقيل عشرة

وقيل ثمانية نصفهم ذكور ونصفهم اناث

وجعلناها أي السفينة او الحادثة والقصة

آية للعالمين يتعظون بها

١٦

وابراهيم نصب بالعطف على نوحا

وقيل بإضمار اذكر وقرىء بالرفع على تقدير ومن المرسلين ابراهيم

اذ قال لقومه على الأول ظرف للارسال أي ارسلناه حين تكامل عقله وقدر على النظر والاستدلال وترقى من رتبة الكمال الى درجة التكميل حيث تصدى لارشاد الخلق الى طريق الحق وعلى الثاني بدل اشتمال من ابراهيم

اعبدوا اللّه أي وحده

واتقوه ان تشركوا به شيئا

ذلكم أي ما ذكر من العبادة والتقوى

خير لكم أي مما انتم عليه ومعنى التفضيل مع انه لا خيرية فيه قطعا باعتبار زعمهم الباطل

ان كنتم تعلمون أي الخير والشر وتميزون احدهما من الآخر او ان كنتم تعلمون شيئا من الاشياء بوجه من الوجوه فإن ذلك كاف في الحكم بخيرية ما ذكره من العبادة والتقوى

١٧

انما تعبدون من دون اللّه أوثانا بيان لبطلان دينهم وشريته في نفسه بعد بيان شريته بالنسبة الى الدين الحق أي انما تعبدون من دونه تعالى اوثانا هي في نفسها تماثيل مصنوعة لكم ليس فيها وصف غير ذلك وتخلقون افكا أي وتكذبون كذبا حيث تسمونها آلهة وتدعون انها شفعاؤكم عند اللّه تعالى او تعملونها وتنحتونها للافك وقرىء تخلقون بالتشديد للتكثير في الخلق بمعنى الكذب والافتراء وتخلقون بحذف احدى التاءين من تخلق بمعنى تكذب وتخرص وقرىء افكا على انه مصدر كالكذب واللعب او نعت بمعنى خلقا ذا افك

ان الذين تعبدون من دون اللّه بيان لشرية ما يعبدونه من حيث انه لا يكاد يجديهم نفعا

لا يملكون لكم رزقا أي لا يقدرون على ان يرزقوكم شيئا من الرزق فابتغوا عند اللّه الرزق كله فإنه هو الرزاق ذو القوة المتين

واعبدوه وحده

واشكروا له على نعمائه متوسلين الى مطالبكم بعبادته مقيدين بالشكر للعتيد ومستجلبين للمزيد

واليه ترجعون أي بالموت ثم بالبعث لا الى غيره فافعلوا ما امرتكم به وقرىء ترجعون من رجع رجوعا

١٨

وان تكذبوا أي تكذبوني فيما اخبرتكم به من انكم اليه ترجعون بالبعث

فقد كذب امم من قبلكم تعليل للجواب أي فلا تضرونني بتكذيبكم فإن من قبلكم من الامم قد كذبوا من قبلى من الرسل وهم شيث وادريس ونوح عليهم السلام فلم يضرهم تكذيبهم شيئا وانما ضر انفسهم حيث تسبب لما حل بهم من العذاب فكذا تكذيبكم

وما على الرسول الا البلاغ المبين أي التبليغ الذي لا يبقى معه شك وما عليه ان يصدقه قومه البتة وقد خرجت عن عهدة التبليغ بما لا مزيد عليه فلا يضرني تكذيبكم بعد ذلك اصلا

١٩

او لم يروا كيف يبدىء اللّه الخلق كلام مستأنف مسوق من جهته تعالى للانكار على تكذيبهم بالبعث مع وضوح دليله وسنوح سبيله والهمزة لانكار عدم رؤيتهم الموجب لتقريرها والواو للعطف على مقدر أي الم ينظروا ولم يعلموا علما جاريا مجرى الرؤية في الجلاء والظهور كيفية خلق اللّه تعالى الخلق ابتداء من مادة ومن غير مادة أي قد علموا ذلك وقرىء بصيغة الخطاب لتشديد الانكار وتأكيده وقرىء يبدا وقوله تعالى

ثم يعيده عطف على او لم يرو الا على يبدىء لعدم وقوع الرؤية عليه فهو اخبار بأنه تعالى يعيد الخلق قياسا على الابداء وقد جوز العطف على يبدىء بتأويل الاعادة بإنشائه تعالى كل سنة مثل ما أنشاه في السنة السابقة من النبات والثمار وغيرهما فإن ذلك مما يستدل به على صحة البعث ووقوعه من غير ريب

إن ذلك أي ما ذكر من الإعادة

على اللّه يسير إذ لا يفتقر الى شئ اصلا

٢٠

قل سيروا في الارض أمر لإبراهيم عليه السلام أن يقول لهم ذلك أي سيروا فيها

فانظروا كيف بدأ الخلق أي كيف خلقهم ابتداءعلى أطوار مختلفة وطبائع متغايرة وأخلاق شتى فإن ترتيب النظر على السير في الارض مؤذن بتتبع أحوال أصناف الخلق القاطنين في أقطارها

ثم اللّه ينشئ النشأة الاخرة بعد النشأة الاولى التي شاهدتموها والتعبير عن الاعادة التي هي محل النزاع بالنشأة الاخرة المشعرة بكون البدء نشأة أولى للتنبيه على أنهما شأن واحد من شؤون اللّه تعالى حقيقة واسما من حيث إن كلامنهما اختراع وإخراج من العدم الى الوجود ولا فرق بينهما إلا بالاولية والاخرية وقرئ النشأءة بالمد وهما لغتان كالرأفة والرآفة ومحلها النصب على انها مصدر مؤكد لينشئ بحذف الزوائد والأصل الإنشاءة أو بحذف العامل أي ينشئ فينشأون النشأة الاخرة كما في قوله تعالى وأنبتها نباتا حسنا والجملة معطوفة على جملة سيروا في الارض داخلة معها في حيز القول وإظهار الاسم الجليل وإيقاعه مبتدأ مع إضماره في بدأ لإبراز مزيد الاعتناء ببيان تحقق الاعادة بالاشارة الى علة الحكم وتكرير الاسناد وقوله تعالى

إن اللّه على كل شئ قدير تعطيل لما قبله بطريق التحقيق فإن من علم قدرته تعالى على جميع الاشياء التي من جملتها الاعادة لا يتصور أن يتردد في قدرته عليها ولا في وقوعها بعد ما أخبر به

٢١

يعذب أي بعد النشأة الاخرة

من يشاء أن يعذبه وهم المنكرون لها حتما

ويرحم من يشاء أن يرحمه وهم المصدقون بها والجملة تكملة لما قبلها وتقديم التعذيب لما أن الترهيب أنسب بالمقام من الترغيب

واليه تقلبون عند ذلك لا الى غيره فيفعل بكم ما يشاء من التعذيب والرحمة

٢٢

وما انتم بمعجزين له تعالى عن إجراء حكمه وقضائه عليكم

في الارض ولا في السماء أي بالتوارى في الارض أو الهبوط في مهاويها ولا بالتحصن في السماء التي هي أفسح منها لو أستطعتم الرقي فيها كما في قوله تعالى إن استطعتم ان تنفذوا من أقطار السموات والارض فانفذوا او القلاع الذاهبة فيها

وقيل في السماء صفة لمحذوف معطوف على أنتم أي و لامن في السماء

وما لكم من دون اللّه من ولي ولا نصير يحرسكم مما يصيبكم من بلاء يظهر من الارض او ينزل من السماء ويدفعه عنكم

٢٣

والذين كفروا بآيات اللّه أي بدلائله التكوينية والتنزيلية الدالة على ذاته وصفاته وافعاله فيدخل فيها النشأة الاولى الدالة على تحقق البعث والايات الناطقة به دخولا اوليا وتخصيصها بدلائل وحدانيته تعالى لا يناسب المقام

ولقائه الذي تنطق به تلك الآيات

أولئك الموصوفون بما ذكر من الكفر بآياته تعالى ولقائه يئسوا من رحمتي أي ييأسون منها يوم القيامة وصيغة الماضي للدلالة على تحققه أو يئسوا منها في الدنيا لإنكارهم البعث والجزاء وأولئك

لهم عذاب أليم وفي تكرير اسم الاشارة وتكرير الاسناد وتنكير العذاب ووصفه بالاليم من الدلالة على كمال فظاعة حالهم ما لا يخفى أي أولئك الموصوفون بالكفر بآيات اللّه تعالى ولقائه وباليأس من رحمته الممتازون بذلك عن سائر الكفرة لهم بسبب تلك الاوصاف القبيحة عذاب لا يقادر قدره في الشدة والايلام

٢٤

فما كان جواب قومه بالنصب على أنه خبر كان واسمها قوله تعالى

إلا ان قالوا اقتلوه أو حرقوه وقرئ بالرفع على العكس وقد مر ما فيه في نظائره وليس المراد انه لم يصدر عنهم بصدد الجواب عن حجج ابراهيم عليه السلام إلا هذه المقالة الشنيعة كما هو المتبادر من ظاهر النظم الكريم بل إن ذلك هو الذي استقر عليه جوابهم بعد اللتيا والتي في المرة الاخيرة وإلا فقد صدر عنهم من الخرافات والاباطيل ما لا يحصى

فأنجاه اللّه من النار الفاء فصيحة أي فألقوه في النار فأنجاه اللّه تعالى منها بأن جعلها عليه الصلاة و السلام بردا وسلاما حسبما بين في مواضع أخر وقد مر في سورة الانبياء بيان كيفية إلقائه عليه الصلاة و السلام فيها وإنجائه تعالى إياه تفصيلا قيل لم ينتفع يومئذ بالنار في موضع أصلا

إن في ذلك أي في إنجائه منها

لآيات بينة عجيبة هي حفظه تعالى إياه من حرها وإخمادها في زمان يسير وإنشاء روض في مكانها

لقوم يؤمنون وأما من عداهم فهم عن اجتلائها غافلون ومن الفوز بمغانم آثارها محرومون

٢٥

وقال أي ابراهيم عليه السلام مخاطبا لهم

إنما اتخذتم من دون اللّه أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا أي لتتوادوا بينكم وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها وائتلافكم وثاني مفعولى اتخذتم مخذوف أي أوثانا آلهة ويجوز أن يكون مودة هو المفعول بتقدير المضاف أو بتأويلها بالمودودة أو يجعلها نفس المودة مبالغة أي اتخذتم أو ثانا سبب المودة بينكم أو مودودة أو نفس المودة وقرئ مودة منونة منصوبة ناصبة الظرف وقرئت بالرفع والاضافة على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هي مودودة أو نفس المودة او سبب مودة بينكم والجملة صفة او ثانا أو خبر إن على أن ما مصدرية أو موصولة قد حذف عائدها وهو المفعول الأول وقرئت مرفوعة منونة ومضافة بفتح بينكم كما قرئ لقد تقطع بينكم على أحد الوجهين وقرئ إنما مودة بينكم والمعنى ان اتخاذكم إياها مودة بينكم ليس إلا في الحياة وقد أجريتم أحكامه حيث فعلتم بي ما فعلتم لاجل مودتكم لها انتصارا منى كما ينبئ عنه قوله تعالى وانصروا آلهتكم

ثم يوم القيامة تنقلب الامور ويتبدل التواد تباغضا والتلاطف تلاعنا حيث

يكفر بعضكم وهم العبدة

ببعض وهم الاوثان

ويلعن بعضكم بعضا أي يلعن كل فريق منكم ومن الاوثان حيث ينطقها اللّه تعالى الفريق الآخر

ومأواكم النار أي هي منزلكم الذي تأوون اليه ولا ترجعون منه ابدا وما لكم من ناصرين يخلصونكم منها كما خلصني ربي من النار التي القيتموني فيها وجمع الناصر لوقوعه في مقابلة الجمع أي ما لاحد منكم من ناصر اصلا

٢٦

فآمن له لوط أي صدقه في جميع مقالاته لا في نبوته وما دعا اليه من التوحيد فقط فإنه كان منزها عن الكفر وما قيل انه آمن له حين راى النار لم تحرقه ينبغي ان يحمل على ما ذكرنا او على ان يراد بالايمان الرتبة العالية منها وهي التي لا يرتقي اليها الا هم الافراد الكمل ولوط هو ابن اخيه عليهما السلام

وقال اني مهاجر أي من قومي

الى ربي الى حيث امرني ربي

انه هو العزيز الغالب على امره فيمنعني من اعدائي

الحكيم الذي لا يفعل فعلا الا وفيه حكمة ومصلحة فلا يأمرني الا بما فيه صلاحي روى انه هاجر من كوثى سواد الكوفة مع لوط وسارة ابنة عمه الى حران ثم منها الى الشام فنزل فلسطين ونزل لوط سدوم

٢٧

ووهبنا له اسحاق ويعقوب ولدا ونافلة حين ايس من عجوز عافر وجعلنا في ذريته النبوة فكثر منهم الانبياء

والكتاب أي جنس الكتاب المتناول للكتب الاربعة

وآتيناه اجره بمقابلة هجرته الينا

في الدنيا بإعطاء الولد والذرية الطيبة واستمرار النبوة فيهم وانتماء اهل الملل اليه والثناء والصلاة عليه الى آخر الدهر

وانه في الآخرة لمن الصالحين أي الكاملين في الصلاح

٢٨

ولوطا منصوب اما بالعطف على نوحا او على ابراهيم والكلام في قوله تعالى

اذ قال لقومه كالذي مر في قصة ابراهيم عليه السلام

انكم لتأتون الفاحشة أي الفعلة المتناهية في القبح وقرىء ائنكم

ما سبقكم بها من احد من العالمين استئناف مقرر لكمال قبحها فإن اجماع جميع افراد العالمين على التحاشي عنها ليس الا لكونها مما تشمئز منه الطباع وتنفر منه النفوس

٢٩

ائنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتتعرضون للسابلة أي الفاحشة حيث روى انهم كانوا كثيرا ما يفعلونها بالغرباء

وقيل تقطعون سبيل النساء بالاعراض عن الحرث واتيان ما ليس بحرث

وقيل تقطعون السبيل بالقتل واخذ المال

وتأتون في ناديكم أي تفعلون في مجلسكم الجامع لاصحابكم

المنكر كالجماع والضراط وحل الازار وغيرها مما لا خير فيه من الافاعيل المنكرة وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما هو الحذف بالحصى والرمي بالبنادق والفرقعة ومضغ العلك والسواك بين الناس وحل الازار والسباب والفحش في المزاح

وقيل السخرية بمن مر بهم

وقيل المجاهرة في ناديهم بذلك العمل

فما كان جواب قومه الا ان قالوا ائتنا بعذاب اللّه ان كنت من الصادقين أي فما كان جوابا من جهتهم شيء من الاشياء الا هذه الكلمة الشنيعة أي لم يصدر عنهم في هذه المرة من مرات مواعظ لوط عليه السلام وقد كان اوعدهم فيها بالعذاب

وأما ما في سورة الاعراف من قوله تعالى وما كان جواب قومه الا ان قالوا اخرجوهم من قريتكم الآية وما في سورة النمل من قوله تعالى فما كان جواب قومه الا ان قالوا اخرجوا آل لوط من قريتكم الآية فهو الذي صدر عنهم بعده هذه المرة وهي المرة الاخيرة من مرات المقاولات الجارية بينهم وبينه عليه الصلاة و السلام وقد مر تحقيقه في سورة الاعراف

٣٠

قال رب انصرني أي بإنزال العذاب الموعود

على القوم المفسدين بابتداع الفاحشة وسنها فيمن بعدهم والاصرار عليها واستعجال العذاب بطريق الاستهزاء وانما وصفهم بذلك مبالغة في استنزال العذاب عليهم

٣١

ولما جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى أي بالبشارة بالولد والنافلة

قالوا أي لابراهيم عليه السلام في تضاعيف الكلام حسبما فصل في سورة هود وسورة الحجر

انا مهلكوا اهل هذه القرية أي قرية سدوم والاضافة لفظية لان المعنى على الاستقبال

ان اهلها كانوا ظالمين تعليل للاهلاك بإصرارهم على الظلم وتماديهم في فنون الفساد وانواع المعاصي

٣٢

قال ان فيها لوطا فكيف تهلكونها

قالوا نحن اعلم بمن فيها لننجينه واهله ارادوا انهم غير غافلين عن مكان لوط عليه السلام فيها بل عمن لم يتعرض له ابراهيم عليه السلام من اتباعه المؤمنين وانهم معتنون بشأنهم اتم اعتناء حسبما ينبىء عنه تصدير الوعد بالتنجية بالقسم أي واللّه لننجينه واهله

الا امراته كانت من الغابرين أي الباقين في العذاب او القرية

٣٣

ولما ان جاءت رسلنا المذكورون بعد مفارقتهم لابراهيم عليه السلام لوطا سيء بهم اعتراه المساءة بسبهم مخافة ان يتعرض لهم قومه بسوء وكلمة ان صلة لتأكيد ما بين الفعلين من الاتصال

وضاق بهم ذرعا أي ضاق بشأنهم وتدبير امرهم ذرعه أي طاقته كقولهم ضاقت يده وبإزائه رحب ذرعه بكذا اذا كان مطيقا به قادرا عليه وذلك أن طويل الذراع ينال ما لا يناله قصير الذراع

وقالوا ريثما شاهدوا فيه مخايل التضجر من جهتهم وعاينوا أنه عجز عن مدافعة قومه بعد اللتيا والتي حتى آلت به الحال إلى أن قال لو أن لي بكم قوة أو آوى الى ركن شديد

لا تخف أي من قومك علينا

ولا تحزن أي على شئ

وقيل بإهلاكنا إياهم

إنا منجوك وأهلك مما يصيبهم من العذاب

إلا امرأتك كانت من الغابرين وقرئ لننجينك ومنجوك من الإنجاء وأيا ما كان فمحل الكاف الجر على المختار ونصب أهلك بإضمار فعل أو بالعطف على محلها باعتبار الاصل

٣٤

إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء استئساف مسوق لبيان ما أشير اليه بوعد التنجية من نزول العذاب عليهم والرجز العذاب الذي يقلق المعذب أي يزعجه من قولهم ارتجز إذا ارتجس واضطرب وقرئ منزلون بالتشديد

بما كانوا يفسقون بسبب فسقهم المستمر

٣٥

ولقد تركنا منها أي من القرية

آية بينة هي قصتها العجيبة وآثار ديارها الخربة

وقيل الحجارة الممطورة فإنها كانت باقية بعدها

وقيل الماء الاسود على وجه الارض

لقوم يعقلون يستعملون عقولهم في الاستبصار والاعتبار وهو متعلق إما بتركنا أو بينة

٣٦

والى مدين أخاهم شعيبا متعلق بمضمر معطوف على أرسلنا قي قصة نوح عليه السلام أي وأرسلنا الى مدين شعيبا

فقال يا قوم اعبدوا اللّه وحده

وارجوا اليوم الاخر أي توقعوه وما سيقع فيه من فنون الاهوال وافعلوا اليوم من الاعمال ما تأمنون غائلته

وقيل وارجوا ثوابه بطريق إقامة المسبب مقام السبب

وقيل الرجاء بمعنى الخوف

ولا تعثوا في الارض مفسدين

٣٧

فكذبوه فأخذتهم الرجفة أي الزلزلة الشديدة وفي سورة هود وأخذت الذين ظلموا الصيحة أي صيحة جبريل عليه السلام فإنها الموجبة للرجفة بسبب تمويجها للّهواء وما يجاورها من

الارض

فأصبحوا في دراهم أي بلدهم أو منازلهم والافراد لأمن اللبس جاثمين باركين على الركب ميتين

٣٨

وعادا وثمودا منصوبان بإضمار فعل ينبئ عنه ما قبله أي أهلكنا وقرئ ثمودا بتأويل الحي

وقد تبين لكم من مساكنهم أي وقد ظهر لكم إهلا كنا إياهم من جهة مساكنهم بالنظر إليها عند اجتيازكم بها ذهابا الى الشام وإيابا منه

وزين لهم الشيطان أعمالهم من فنون الكفر والمعاصي

فصدهم عن السبيل السوى الموصل الى الحق

وكانوا مستبصرين متمكنين من النظر والاستدلال ولكنهم لم يفعلوا ذلك أو متبينين أن العذاب لا حق بهم بإخبار الرسل عليهم الصلاة والسلام لهم ولكنهم لجوا حتى لقوا ما لقوا

٣٩

وقارون وفرعون وهامان معطوف على عادا قيل تقديم قارون لشرف نسبه

ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الارض وما كانوا سابقين مفلتين فائتين من قولهم سبق طالبه إذا فانه ولم يدركه ولقد أدركهم أمر اللّه عزوجل أي إدراك فتداركوا نحو الدمار والهلاك

٤٠

فكلا تفسير لما ينيئ عنه عدم سبقهم بطريق الابهام أي فكل واحد من المذكورين

أخذنا بذنبه أي عاقبناه بجنايته لا بعضه دون بعض كما يشعر به تقديم المفعول

فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا تفصيل للاخذ أي ريحا عاصفا فيها حصباء

وقيل ملكا رماهم بهاؤهم قوم لوط

ومنهم من أخذته الصيحة كمدين وثمود

ومنهم من خسفنابه الارض كقارون

ومنهم من أغرقنا كقوم نوح وفرعون وقومه

وما كان اللّه ليظلمهم بما فعل بهم فإن ذلك محال من جهته تعالى

ولكن كانوا انفسهم يظلمون بالاستمرار على مباشرة ما يوجب ذلك من أنواع الكفر والمعاصي

٤١

مثل الذين اتخذوا من دون اللّه اولياء أي فيما اتخذوه متعمدا ومتكلا كمثل العنكبوت اتخذت بيتا فيما نسجته في الوهن والخور بل ذلك أوهن من هذا لأن له حقيقة وانتفاعا في الجملة او مثلهم بالاضافة الى الموحد كمثله بالاضافة الى رجل بني بيتا من حجر وجص والعنكبوت يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث والغالب في الاستعمال التأنيث وتاؤه كتاء طاغوت ويجمع على عناكب وعنكبوتات

وأما العكاب والعكب والإعكب فأسماء الجموع

وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت حيث لا يرى شئ يدانيه في الوهن والوهى

لو كانوا يعلمون أي شيئا من الاشياء لجزموا ان هذا مثلهم او ان دينهم أو هي من ذلك ويجوز ان يجعل بيت العنكبوت عبارة عن دينهم تحقيقا للتمثيل فالمعنى وإن أوهن ما يعتمد به في الدين دينهم

٤٢

إن اللّه يعلم ما يدعون من دونه من شئ على إضمار الفول أي قل للكفرة إن اللّه الخ وما استفهامية منصوبة بيدعون معلقة ليعلم ومن للتبيين أو نافية ومن مزيدة وشئ مفعول يدعون أو مصدرية وشئ عبارة عن المصدر أو موصولة مفعول ليعلم ومفعول يدعون عائده المحذوف وقرئ تدعون بالتاء والكلام على الاولين تجهيل لهم وتأكيد للمثل وعلى الاخيرين وعيدلهم

وهو العزيز الحكيم تعليل على المعنيين فإن إشراك ما لا يعد شيئا بمن هذا شأنه من فرط الغباوة وان الجماد بالنسبة الى القادر القاهر على كل شئ البالغ في العلم وإتقان الفعل الغاية القاصية كالمعدوم البحت وأن من هذه صفاته قادر على مجازاتهم

٤٣

وتلك الامثال أي هذا المثل وأمثاله

تضربها للناس تقريبا لما بعد من أفهامهم

وما يعقلها على ما هي عليه من الحسن واستتباع الفوائد

إلا العالمون الراسخون في العلم المتدبرون في الاشياء على ما ينبغي وعنه انه تلا هذه فقال العالم من عقل عن اللّه تعالى وعمل بطاعته واجتنب سخطه

٤٤

خلق اللّه السموات والارض بالحق أي محقا مراعيا للحكم والمصالح على أنه حال من فاعل خلق أو ملتبسة بالحق الذي لا محيد عنه مستتبعة للمنافع الدينية والدنيوية على انه حال من مفعوله فإنها مع اشتمالها على جميع ما يتعلق به معايشهم شواهد دالة على شئونه تعالى المتعلقة بذاته وصفاته كما يفصح عنه قوله تعالى

إن في ذلك لاية للمؤمنين دالة لهم على ما ذكر من شئونه سبحانه وتخصيص المؤمنين بالذكر مع عموم الهداية والارشاد في خلقهما للكل لأنهم المنتفعون بذلك

٤٥

أتل ما أوحى اليك من الكتاب تقربا الى اللّه تعالى بقراءته وتذكرا لما في تضاعيفه من المعاني وتذكيرا للنا س وحملا لهم على العمل بما فيه من الاحكام ومحاسن الآداب ومكارم الاخلاق

وأقم الصلاة أي داوم على إقامتها وحيث كانت الصلاة منتظمة للصلوات المكتوبة المؤداة بالجماعة وكان امره عليه الصلاة و السلام بإقامتها متضمنا لامر الامة بها علل بقوله تعالى

إن الصلاة تنهى عن الفحشاء

والمنكر كأنه قيل وصل بهم إن الصلاة تنهاهم عن الفحشاء والمنكر ومعنى نهيها عنهما أنها سبب للانتهاء عنهما لانها مناجاة للّه تعالى فلا بد أن تكون مع إقبال تام على طاعته وإعراض كلى عن معاصيه قال ابن مسعود وابن عباس رضى اللّه تعالى عنهما في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي اللّه تعالى فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم يزدد بصلاته من اللّه تعالى إلا بعدا وقال الحسن وقتادة من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه وروى أنس رضى اللّه عنه أن فتى من الانصار كان يصلي مع رسول اللّه ثم لا يدع شيئا من الفواحش إلا ركبه فوصف له حاله فقال إن صلاته ستنهاه فلم يلبث ان تاب وحسن حاله ولذكر اللّه أكبر أي للصلاة أكبر من سائر الطاعات وإنما عبر عنها به كما في قوله تعالى فاسعوا الى ذكر اللّه للإيذان بأن ما فيها من ذكر اللّه تعالى هو العمدة في كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيئات

وقيل ولذكر اللّه تعالى عند الفحشاء والمنكر وذكر نهيه عنهما ووعيده عليهما أكبر في الزجر عنهما

وقيل ولذكر اللّه إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته واللّه يعلم ما تصنعون منه ومن سائر الطاعات فيجازيكم بها أحسن المجازاة

٤٦

ولا تجادلوا أهل الكتاب من اليهود والنصارى

إلا بالتي هي احسن أي بالخصلة التي هي احسن كمقابلة الخشونة باللين والغضب بالكظم والمشاغبة بالنصح والسورة بالاناة على وجه لا يدل على الضعف ولا يؤدي الى إعطاء الدنية

وقيل منسوخ بآية السيف

إلا الذين ظلموا منهم بالافراط في الاعتداء والعناد او بإثبات الولد وقولهم يد اللّه مغلولة ونحو ذلك فإنه يجب حينئذ المدافعة بما يليق بحالهم وقولوا آمنا بالذي انزل إلينا من القرآن

وأنزل اليكم أي وبالذي انزل اليكم من التوراة والانجيل وقد مر تحقيق كيفية الايمان بهما في خاتمة سورة البقرة وعن النبي لا تصدقوا اهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا باللّه وبكتبه وبرسله فإن قالوا باطلالم تصدقوهم وإن قالوا حقا لم تكذبوهم

وإلهنا وإلهكم واحد لا شريك له في الالوهية

ونحن له مسلمون مطيعون خاصة وفيه تعريض بحال الفريقين حيث اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه

٤٧

وكذلك تجريد للخطاب الى رسول اللّه وذلك إشارة الى مصدر الفعل الذي بعده وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار اليه في الفضل أي مثل ذلك الانزال البديع الموافق لانزال سائر الكتب

أنزلنا اليك الكتاب أي القرآن الذي من جملته هذه الآية الناطقة بما ذكر من المجادلة بالحسنى

فالذين آتيناهم الكتاب من الطائفتين

يؤمنون به أريدبهم عبداللّه بن سلام وأضرابه من أهل الكتابين خاصة كأن من عداهم لم يؤتوا الكتاب حيث لم يعملوا بما فيه أو من تقدم عهد رسول اللّه منهم حيث كانوا مصدقين بنزوله حسبما شاهدوا في كتابيهما وتخصيصهم بإيتاء الكتاب للإيذان بأن من بعدهم من معاصري رسول اللّه قد نزع عنهم الكتاب بالنسخ فلم يؤتوه والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن إيمانهم به مترتب على إنزاله على الوجه المذكور

ومن هؤلاء أي ومن العرب أو أهل مكة على الأول أو ممن في عصره على الثاني

من يؤمن به أي بالقرآن

وما يجحد بآياتنا عبر عن الكتاب بالآيات للتنبيه على ظهور دلالتها على معانيها وعلى كونها من عند اللّه تعالى وأضيفت الى نون العظمة لمزيد تفخيمها وغاية تشنيع من يجحد بها

إلا الكافرون المتوغلون في الكفر المصممون عليه فإن ذلك يصدهم عن التأمل فيما يؤديهم الى معرفة حقيتها

وقيل هم كعب بن الاشرف وأصحابه

٤٨

وما كنت تنلو من قبله أي ما كنت قبل إنزالنا اليك الكتاب تقدر على ان تتلو شيئا

من كتاب ولا تخطه أي ولا تقدر على ان تخطه بيمينك حسبما هو المعتاد أو ما كانت عادتك أن تتلوه ولا أن تخطه

إذا لارتاب المبطلون أي لو كنت ممن يقدر على التلاوة والخط او ممن يعتادهما لارتابوا وقالوا لعله التقطه من كتب الأوائل وحيث لم تكن كذلك لم يبق في شأنك منشأ ريب أصلا وتسميتهم مبطلين في ارتيابهم على التقدير المفروض لكونهم مبطلين في اتباعهم للاحتمال المذكور مع ظهور نزاهته عن ذلك

٤٩

بل هو أي القرآن

آيات بينات واضحات ثابته راسخه

في صدور الذين أوتوا العلم من غير أن يلتقط من كتاب يحفظونه بحيث لا يقدر أحد على تحريفه

وما يجحد بأياتنا مع كونها كما ذكر

إلا الظالمون المتجاوزون للحدود في الشر والمكابرة والفساد

٥٠

وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه مثل ناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى عليهم السلام وقرئ آية

قل إنما الآيات عند اللّه ينزلها حسبما يشاء من غير دخل لأحد في ذلك قطعا

وإنما أنا نذير مبين ليس من شأني إلا الإنذار بما اوتيت من الايات

٥١

أو لم يكفهم كلام مستأنف وارد من جهته تعالى ردا على اقتراحهم وبيانا لبطلانه والهمزة للانكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي اقصر ولم يكفهم آية مغنية عن سائر الآيات

أنا أنزلنا عليك الكتاب الناطق بالحق المصدق لما بين يديه من الكتب السماوية وأنت بمعزل عن مدارستها وممارستها

يتلى عليهم في كل زمان ومكان فلا يزال معهم آية ثابتة لا تزول ولا تضمحل كما تزول كل آية بعد كونها وتكون في مكان دون مكان أو يتلى على اليهود بتحقيق ما في ايديهم من نعتك ونعت دينك

إن في ذلك الكتاب العظيم

الشأن الباقي على مر الدهور

لرحمة أي نعمة عظيمة

وذكرى أي تذكرة

لقوم يؤمنون أي لقوم همهم الايمان لا التعنت كأولئك المقترحين

وقيل إن ناسا من المؤمنين أتوا رسول اللّه بكتف فيها بعض ما يقوله اليهود فقال كفى بها ضلالة قوم ان يرغبوا عما جاء به نبيهم الى ما جاء به غير نبيهم فنزلت

٥٢

قل كفى باللّه بينى وبينكم شهيدا بما صدر عني وعنكم

يعلم ما في السموات والارض أي من الامور التي من جملتها شأني وشأنكم فهو تقرير لما قبله من كفايته تعالى شهيدا

والذين آمنوا بالباطل وهو ما يعبد من دون اللّه تعالى

وكفروا باللّه مع تعاضد موجبات الايمان به

أولئك هم الخاسرون المغبونون في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالايمان بأن ضيعوا الفطرة الاصلية والادلة السمعية الموجبة للايمان والآية من قبيل المجادلة بالتي هي احسن حيث لم يصرح بنسبة الايمان بالباطل والكفر باللّه والخسران إليهم بل ذكر على منهاج الابهام كما في قوله تعالى وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين

٥٣

ويستعجلونك بالعذاب على طريقة الاستهزاء بقولهم متى هذا الوعد وقولهم امطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ونحو ذلك

ولولا أجل مسمى قد ضربه اللّه تعالى لعذابهم وبينه في اللوح

لجاءهم العذاب المعين لهم حسبما استعجلوا به قيل المراد بالاجل يوم القيامة لما روى انه تعالى وعد رسول اللّه أن لا يعذب قومه بعذاب الاستئصال وأن يؤخر عذابهم الى يوم القيامة

وقيل يوم بدر

وقيل وقت فنائهم بآجالهم وفيه بعد ظاهر لما أنهم ما كانوا يوعدون بفنائهم الطبيعي ولا كانوا يستعجلون به

وليأتينهم جملة مستأنفة مبينة لما اشير اليه في الجملة السابقة من مجئ العذاب عند محل الاجل أي وباللّه لياتينهم العذاب الذي عين لهم عند حلول الاجل

بغته أي فجأة

وهم لا يشعرون أي بإتيانه ولعل المراد بإتيانه كذلك انه لا يأتيهم بطريق التعجيل عند استعجالهم والاجابة الى مسئولهم فإن ذلك إتيان برأيهم وشعورهم لا أنه يأتيهم وهم غارون آمنون لا يخطرونه بالبال كدأب بعض العقوبات النازلة على بعض الامم بياتا وهم نائمون أو ضحى وهم يلعبون لما ان إتيان عذاب الاخرة وعذاب يوم بدر ليس من هذا القبيل

٥٤

يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين استئناف مسوق لغاية تجهيلهم وركاكة رايهم وفيه دلالة على أن ما استعجلوه عذاب الاخرة أي يستعجلونك بالعذاب والحال أن محل العذاب الذي لاعذاب فوقه محيط بهم كانه قيل يستعجلونك بالعذاب وإن العذاب لمحيط بهم أي سيحيط بهم وإنما جئ بالجملة الاسمية دلالة على تحقق الاحاطة واستمرارها او تنزيلا لحال السبب منزلة حال المسبب فإن الكفر والمعاصي الموجبة لدخول جهنم محيطة بهم

وقيل إن الكفر والمعاصى هي النار في الحقيقة لكنها ظهرت في هذه النشأة بهذه الصورة وقد مر تفصيله في سورة الاعراف عند قوله تعالى والوزن يومئذ الحق ولام الكافرين إما للعهد ووضع الظاهر موضع المضمر للاشعار بعلة الحكم أو للجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا

٥٥

يوم يغشاهم العذاب ظرف لمضمر قد طوى ذكره إيذانا بغاية كثرته وفظاعته كأنه قيل يوم يغشاهم العذاب الذي اشير اليه بإحاطة جهنم بهم يكون من الاحوال والاهوال ما لا يفى به المقال

وقيل ظرف للاحاطة

من فوقهم ومن تحت ارجلهم أي من جميع جهاتهم

ويقول أي اللّه عز و جل ويعضده القراءة بنون العظمة او بعض ملائكته بأمره

ذوقوا ما كنتم تعملون أي جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا على الاستمرار من السيئات التي من جملتها الاستعجال

٥٦

عبادي الذين آمنوا خطاب تشريف لبعض المؤمنين الذين لا يتمكنون من إقامة امور الدين كما ينبغي لممانعة من جهة الكفرة وإرشاد لهم الى الطريق الاسلم

إن أرضى واسعة فإياي فاعبدون أي إذا لم يتسهل لكم العبادة في بلد ولم يتيسر لكم إظهار دينكم فهاجروا الى حيث يتسنى لكم ذلك وعنه من فربدينه من ارض الى ارض ولو كان شبرا استوجب الجنة وكان رفيق ابراهيم ومحمد عليهما السلام والفاء جواب شرط محذوف إذ المعنى إن ارضى واسعة إن لم تخلصوا العبادة لي في ارض فاخلصوها في غيرها ثم حذف الشرط وعوض عنه تقديم المفعول مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والاخلاص

٥٧

كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون جملة مستأنفة جئ بها حثا على المسارعة في الامتثال بالامر أي كل نفس من النفوس واجدة مرارة الموت وكربه فراجعة الى حكمنا وجزائنا بحسب أعمالها فمن كانت عاقبته هذه فليس له بد من التزود والاستعداد لها وقرئ يرجعون

٥٨

والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم لننزلنهم

من الجنة غرفا أي علالى وهو مفعول ثان للتبوئة وقرئ لثوينهم من الثواء بمعنى الاقامة فانتصاب غرفا حينئذ إما بإجرائه مجرى لننزلنهم أو بنزع الخافض او بتشببه الظرف الموقت بالمبهم كا في قوله تعالى لأقعدن لهم صراطك المستقيم

تجري من تحتها الانهار صفة لغرفا

خالدين فيها أي في الغرف أو في الجنة

نعم أجر العاملين أي الاعمال الصالحة والمخصوص بالمدح محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه وقرئ فمنعم

٥٩

الذين صبروا إما صفة للعاملين أو نصب على المدح أي صبروا على أذية المشركين وشدائد المهاجرة وغير ذلك من المحن والمشاق

وعلى ربهم يتوكلون أي ولم يتوكلوا فيما يأتون ويذرون إلا على اللّه تعالى

٦٠

وكأين من دابة لا تحمل رزقها روى ان النبي لما أمر المؤمنين الذين كانوا بمكة بالمهاجرة الى المدينة قالوا كيف نقدم بلدة ليس لنا فيها معيشة فنزلت أي وكم من دابة لا تطيق حمل رزقها لضعفها أولا تدخره وإنما تصبح ولا معيشة عندها

اللّه يرزقها وإياكم ثم إنها مع ضعفها وتوكلها وإياكم مع قوتكم واجتهادكم سواء في أنه لا يرزقها وإياكم إلا اللّه تعالى لأن رزق الكل بأسباب هو المسبب لها وحده فلا تخافوا الفقر بالمهاجرة

وهو السميع المبالغ في السمع فيسمع قولكم هذا

العليم المبالغ في العلم فيعلم ضمائركم

٦١

ولئن سألتهم أي اهل مكة

من خلق السموات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن اللّه إذ لا سبيل لهم الى إنكاره ولا الى النردد فيه

فأنى يؤفكون إنكار واستبعاد من جهته تعالى لتركهم العمل بموجبه أي فكيف يصرفون عن الاقرار بتفرده تعالى في الالهية مع إقرارهم بتفرده تعالى فيما ذكر من الخلق والتسخير

٦٢

اللّه يبسط الرزق لمن يشاء أن يبسطه له

من عباده ويقدر له أي يقدر لمن يشاء أن يقدر له منهم كائنا من كان على ان الضمير مبهم حسب إبهام مرجعة أو يقدر لمن ببسطه له على التعاقب

إن اللّه بكل شئ عليم فيعلم من يليق ببسط الرزق فيبسطه له ومن يليق بقدره فيقدره له أو فيعلم ان كلا من البسط والقدر في أي وقت يوافق الحكمة والمصلحة فيفعل كلا منها في وقته

٦٣

ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الارض من بعد موتها ليقولن اللّه معترفين بأنه الموجد للمكنات بأسرها أصولها وفروعها ثم إنهم يشركون به بعض مخلوقاته الذي لا يكاد يتوهم منه القدرة على شئ ما أصلا

قل الحمد للّه على أن جعل الحق بحيث لا يجترئ المبطلون على حجوده وأنه اظهر حجتك عليهم

وقيل على ان عصمك من أمثال هذه الضلالات ولا يخفى بعده

بل اكثرهم لا يعلمون أي شيئا من الاشياء فلذلك لا يعلمون بمقتضى قولهم هذا فيشركون به سبحانه اخس مخلوقاته

وقيل لا يعقلون ما تريد بتحميدك عند مقالهم ذلك

٦٤

وما هذه الحياة الدنيا إشارة تحقير وازدراء الدنيا وكيف لا وقد قال رسول اللّه لو كانت الدنيا تزن عند اللّه جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء

إلا لهو ولعب أي إلاكما يلهى ويلعب به الصبيان يجتمعون عليه ويبتهجون به ساعة ثم يتفرقون عنه

وإن الدار الاخرة لهي الحيوان أي لهي دار الحياة الحقيقية لا متناع طريان الموت والفناء عليها أوهي في ذاتها حياة للمبالغة والحيوان مصدر حي سمى به ذو الحياة واصله حييان فقلبت الياء الثانية واوا لما في بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب اللازم للحيوان ولذلك اختير على الحياة في هذا المقام المقتضى للمبالغة

لو كانوا يعلمون أي لما آثروا عليها الدنيا التي أصلها عدم الحياة ثم ما يحدث فيها من الحياة عارضة سريعة الزوال وشيكة الاضمحلال

٦٥

فإذار كبوا في الفلك متصل بما دل عليه شرح حالهم والركوب هو الاستعلاء على الشئ المتحرك وهو متعد بنفسه كما في قوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها واستماله ههنا وفي امثاله بكلمة في للإيذان بأن المركوب في نفسه من قبيل الامكنة وحركته قسرية غير إرادية كما مر في سورة هود والمعنى انهم على ما وصفوا من الاشراك فإذا ركبوا في البحر ولقواشدة

دعوا اللّه مخلصين له الدين أي كائنين على صورة المخلصين لدينهم من المؤمنين حيث لا يدعون غير اللّه تعالى لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد عنهم إلا هو

فلما نجاهم الى البر إذا هم يشركون أي فاجئوا المعاودة الى الشرك

٦٦

ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا أي يفاجئون الاشراك ليكونوا كافرين بما آتيناهم من نعمة الانجاء التي حقها ان يشكروها

فسوف يعلمون أي عاقبة ذلك وغائلته حين يرون العذاب

٦٧

اولم يروا أي الم ينظروا ولم يشاهدوا

أنا جعلنا أي بلدهم

حرما آمنا مصونا من النهب والتعدي سالما أهله من كل سوء ويتخطف الناس من حولهم أي والحال أنهم يختلسون من حولهم قتلا وسبيا إذ كانت العرب حوله في تغاور وتناهب

أفبالباطل يؤمنون أي ابعد ظهور الحق الذي لا ريب فيه بالباطل خاصة يؤمنون دون الحق

وبنعمة اللّه يكفرون وهي المستوجبة للشكر حيث يشركون به غيره وتقديم الصلة في الموضعين لاظهار كمال شناعة ما فعلوا

٦٨

ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا زعم ان له شريكا أي هو أظلم من كل ظالم وإن كان سبك النظم دالا على نفى الاظلم من غير تعرض لنفى المساوى وقد مر مرارا 

أو كذب بالحق لما جاءه أي بالرسول أو بالقرآن وفي لما تسفيه لهم بأن لم يتوقفوا ولم يتأملوا حين جاءهم بل سارعوا الى التكذيب آثر ذي اثير

اليس في جهنم مثوى للكافرين تقرير لثوائهم فيها كقول من قال الستم خير من ركب المطايا أي ألا يستوجبون الثواء فيها وقد فعلوا ما فعلوا من الافتراء على اللّه تعالى والتكذيب بالحق الصريح أو إنكار واستبعاد لاجترائهم على ما ذكر من الافتراء والتكذيب مع علمهم بحال الكفرة أي الم يعلموا أن في جهنم مثوى للكافرين حتى اجترءوا هذه الجراءة

٦٩

والذين جاهدوا فينا أي في شاننا ولوجهنا خالصا اطلق المجاهدة ليعم جهاد الاعادي الظاهرة والباطنة

لنهدينهم سبلنا سبل السير إلينا والوصول الى جنابنا او لنزيدنهم هداية الى سبل الخير وتوفيقها لسلوكها كقوله تعالى والذين اهتدوا زادهم هدى وفي الحديث من عمل بما علم ورثه اللّه علم ما لم يعلم

وإن اللّه لمع المحسنين معية النصر والمعونة عنه

من قرأ سورة العنكبوت كان له من الاجر عشر حسنات بعدد كل المؤمنين والمنافقين

﴿ ٠