ÓõæÑóÉõ ÇáÑøõæãö ãóßøöíøóÉñ

æóåöíó ÓöÊøõæäó ÂíóÉð

سورة الرّوم

مكية إلا قوله فسبحان اللّه الآية وهي ستون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

الم الكلام فيه كالذى مرفى أمثاله من الفواتح الكريمة

٢

  انظر تفسير الآية: ٣

٣

غلبت الروم في أدنى الارض أي ادنى ارض العرب منهم إذ هي الارض المعهودة عندهم وهي أطراف الشام او في ادنى ارضهم من العرب على ان اللام عوض عن المضاف اليه قال مجاهد هي ارض الجزيرة وهي ادنى ارض الروم الى فارس وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما الأردن وفلسطين وقرىء ادانى الارض

وهم أي الروم

من بعد غلبهم أي من بعد مغلوبيتهم وقرىء بسكون اللام وهي لغة كالجلب والجلب

سيغلبون أي سيغلبون فارس

٤

في بضع سنين روى ان فارس غزوا الروم فوافوهم بأذرعات وبصرى

وقيل بالجزيرة كما مر فغلبوا عليهم وبلغ الخبر مكة ففرح المشركون وشمتوا بالمسلمين وقالوا انتم والنصارى واهل كتاب ونحن وفارس اميون وقد ظهر اخواننا على اخوانكم فلنظهرن عليكم فقال ابو بكر رضي اللّه عنه لا يقرر اللّه اعينكم فو اللّه ليظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين فقال له ابي بن خلف اللعين كذبت اجعل بيننا اجلا انا حبك عليه فناحبه على عشر قلائص من كل منهما وجعلا الاجل ثلاث سنين فأخبربه ابو بكر رسول اللّه فقال البضع ما بين الثلاث الى التسع فزيدوه في الخطر وماده في الاجل فجعلاها مائة قلوص الى تسع سنين ومات ابي من جرح رسول اللّه وظهرت الروم على فارس عند راس سبع سنين وذلك يوم الحديبية

وقيل كان النصر للفريقين يوم بدر فأخذ ابو بكر الخطر من ذرية ابي فجاء به رسول اللّه فقال تصدق به وكان ذلك قبل تحريم القمار وهذه الآيات من البينات الباهرة الشاهدة بصحة النبوة وكون القرآن من عند اللّه عز و جل حيث اخبرت عن الغيب الذي لا يعلمه الا العليم الخبير وقرىء غلبت على البناء للفاعل وسيغلبون على البناء للمفعول والمعنى ان الروم

 غلبت على ريف الشام وسيغلبهم المسلمون وقد غزاهم المسلمون

في السنة التاسعة من نزولها ففتحوا بعض بلادهم فإضافة الغلب حينئذ الى الفاعل

للّه الامر من قبل ومن بعد أي في اول الوقتين وفي آخرهما حين غلبوا وحين يغلبون كأنه قيل من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين والمعنى ان كلا من كونهم مغلوبين اولا وغالبين آخرا ليس الا بأمر اللّه تعالى وقضائه وتلك الايام نداولها بين الناس وقرىء من قبل ومن بعد بالجر من غير تقدير مضاف اليه واقتطاعه كأنه قيل قبلا وبعدا بمعنى اولا وآخرا

ويومئذ أي يوم اذ يغلب الروم على فارس ويحل ما وعده اللّه تعالى من غلبتهم

يفرح المؤمنون

٥

بنصر اللّه وتغليبه من له كتاب على من لا كتاب له وغيظ من شمت بهم من كفار مكة وكون ذلك من دلائل غلبة المؤمنين على الكفار

وقيل نصر اللّه اظهار صدق المؤمنين فيما اخبروا به المشركين من غلبة الروم على فارس

وقيل نصره تعالى انه ولى بعض الظالمين بعضا وفرق بين كلمتهم حتى تناقصوا وتفانوا وفل كل منهم شوكة الآخر وفي ذلك قوة وعن ابي سعيد الخدري رضي اللّه عنه انه وافق ذلك يوم بدر وفيه من نصر اللّه العزيز للمؤمنين وفرحهم بذلك مالا يخفي والاول هو الانسب لقوله تعالى

ينصر من يشاء أي من يشاء ان ينصره من عباده على عدوه ويغلبه عليه فإنه استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى للّه الامر من قبل ومن بعد

وهو العزيز المبالغ في العزة والغلبة فلا يعجزه من يشاء ان ينصر عليه كائنا من كان

الرحيم المبالغ في الرحمة فينصر من يشاء ان ينصره أي فريق كان والمراد بالرحمة هي الدنيوية اما على القراءة المشهورة فظاهر لما ان كلا الفريقين لا يستحق الرحمة الاخروية

وأما على القراءة الاخيرة فلان المسلمين وان كانوا مستحقين لها لكن المراد ههنا نصرهم الذي هو من آثار الرحمة الدنيوية وتقديم وصف العزة لتقدمه في الاعتبار

٦

وعد اللّه مصدر مؤكد لنفسه لان ما قبله في معنى الوعد كأنه قيل وعد اللّه وعدا

لا يخلف اللّه وعده أي وعد كان مما يتعلق بالدنيا والآخرة لاستحالة الكذب عليه سبحانه واظهار الاسم الجليل في موقع الاضمار لتعليل الحكم وتفخيمه والجملة استئناف مقرر لمعنى المصدر وقد جوز ان تكون حالا منه فيكون كالمصدر الموصوف كأنه قيل وعدا اللّه غير مخلف

ولكن اكثر الناس لا يعلمون أي ما سبق من شئونه تعالى

٧

يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهو ما يشاهدونه من زخارفها وملاذها وسائر احوالها الموافقة لشهواتهم الملائمة لاهوائهم المستدعية لانهما كهم فيها وعكوفهم عليها لا تمتعهم بزخارفها وتنعمهم بملاذها كما قيل فإنهما ليسا مما علموه منها بل من افعالهم المترتبة على علومهم وتنكير ظاهرا للتحقير والتخسيس دون الواحدة كما توهم أي يعلمون ظاهرا حقيرا خسيسا من الدنيا

وهم عن الآخرة التي هي الغاية القصوى والمطلب الاسنى

هم غافلون لا يخطرونها بالبال ولا يدركون من الدنيا ما يؤدي الى معرفتها من احوالها ولا يتفكرون فيها كما سيأتي والجملة معطوفة على يعلمون وايرادها اسمية للدلالة على استمرار غفلتهم ودوامها وهم الثانية تكرير للاولى او مبتدا وغافلون خبره والجملة خبر للاولى وهو على الوجهين مناد على تمكن غفلتهم عن الآخرة المحققة لمقتضى الجملة المتقدمة تقريرا لجهالتهم وتشبيها لهم بالبهائم المقصور ادراكاتها من الدنيا على ظواهرها الخسيسة دون احوالها التي هي مبادى العلم بأمور الآخرة واشعارا بأن العلم المذكور وعدم العلم راسا سيان

٨

او لم يتفكروا انكار واستقباح لقصر نظرهم على ما ذكر من ظاهر الحياة الدنيا مع الغفلة عن الآخرة والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام وقوله تعالى

في انفسهم ظرف للتفكر وذكره مع ظهور استحالة كونه في غيرها لتحقيق امره وتصوير حال المتفكرين وقوله تعالى

ما خلق اللّه السموات والارض وما بينهما الخ متعلق اما بالعلم الذي يؤدي اليه التفكر ويدل عليه او بالقول الذي يترتب عليه كما في قوله تعالى ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا أي اعلموا ظاهر الحياة الدنيا فقط او اقصروا النظر عليه ولم يحدثوا التفكر في قلوبهم فيعلموا انه تعالى ما خلقهما وما بينهما من المخلوقات التي هم من جملتها ملتبسة بشيء من الاشياء

الا ملتبسة

بالحق او يقولوا هذا القول معترفين بمضمونه اثر ما علموه والمراد بالحق هو الثابت الذي يحق ان يثبت لا محالة لابتنائه على الحكمة البالغة والغرض الصحيح الذي هو استشهاد المكلفين بذواتها وصفاتها واحوالها المتغيرة على وجود صانعها عز و جل ووحدته وعلمه وقدرته وحكمته واختصاصه بالمعبودية وصحة اخباره التي من جملتها احياؤهم بعد الفناء بالحياة الابدية ومجازاتهم بحسب اعمالهم غب ما تبين المحسن من المسيء وامتازت درجات افراد كل من الفريقين حسب امتياز طبقات علومهم واعتقاداتهم المترتبة على انظارهم فيما نصب في المصنوعات من الآيات والدلائل والامارات والمخايل كما نطق به قوله تعالى وهو الذي خلق السموات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا فإن العمل غير مختص بعمل الجوارح ولذلك فسره بقوله ايكم احسن عقلا واورع عن محارم اللّه واسرع في طاعة اللّه وقد مر تحقيقه في اوائل سورة هود عليه السلام وقوله تعالى

واجل مسمى عطف على الحق أي وبأجل معين قدرة اللّه تعالى لبقائها لا بد لها من ان تنتهي اليه لا محالة وهو وقت قيام الساعة هذا وقد جوز ان يكون قوله تعالى في انفسهم صلة للتفكر على معنى او لم يتفكروا في انفسهم التي هي اقرب المخلوقات اليهم وهم اعلم بشئونها واخبر بأحوالها منهم بأحوال ما عداها فيتدبروا ما اودعها اللّه تعالى ظاهرا وباطنا من غرائب الحكم الدالة على التدبير دون الاهمال وانه لابد لها من انتهاء الى وقت يجازيها فيه الحكيم الذي دبر امرها على الاحسان احسانا وعلى الاساءة مثلها حتى يعلموا عند ذلك ان سائر الخلائق كذلك امرها جار على الحكمة والتدبير وانه لا بد لها من الانتهاء الى ذلك الوقت وانت خبير بأن امر معاد الانسان ومجازاته بما عمل من الاساءة والاحسان هو المقصود بالذات والمحتاج الى الاثبات فجعله ذريعة الى اثبات معاد ما عداه مع كونه بمعزل من الجزاء تعكيس للامر فتدبر قوله تعالى

وان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون تذييل مقرر لما قبله ببيان ان اكثرهم غير مقتصرين على ما ذكر من الغفلة عن احوال الآخرة والاعراض عن التفكر فيما يرشدهم الى معرفتها من خلق السموات والارض وما بينهما من المصنوعات بل هم منكرون جاحدون بلقاء حسابه تعالى وجزائه بالبعث

٩

او لم يسيروا توبيخ لهم بعدم اتعاظهم بمشاهدة احوال امثالهم الدالة على عاقبتهم ومآ لهم والهمزة لتقرير المنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي اقعدوا في اماكنهم ولم يسيروا

في الارض وقوله تعالى

فينظروا عطف على يسيروا داخل في حكم التقرير والتوبيخ والمعنى انهم قد ساروا في اقطار الارض وشاهدوا

كيف كان عاقبة الذين من قبلهم من الامم المهلكة كعاد وثمود وقوله تعالى

كانوا اشد منهم قوة الخ بيان لمبدا احوالهم ومآ لها يعني انهم كانوا اقدر منهم على التمتع بالحياة الدنيا حيث كانوا اشد منهم

قوة واثاروا الارض أي قلبوها للزراعة والحرث

وقيل لاستنباط المياه واستخراج المعادن وغير ذلك

وعمروها أي عمرها اولئك بفنون العمارات من الزراعة والغرس والبناء وغيرها مما يعد عمارة لها

اكثر مما عمروها أي عمارة اكثر كما وكيفا وزمانا من عمارة هؤلاء اياها كيف لا وهم اهل واد غير ذي زرع لاتبسط لهم في غيره وفيه تهكم بهم حيث كانوا مغترين بالدنيا مفتخرين بمتاعها مع ضعف حالهم وضيق عطنهم اذ مدار امرها على التبسط في البلاد والتسلط على العباد والتقلب في اكناف الارض بأصناف التصرفات وهم ضعفة ملجئون الى واد لا نفع فيه يخافون ان يتخطفهم الناس

وجاءتهم رسلهم بالبينات بالمعجزات او الآيات الواضحات

فما كان اللّه ليظلمهم أي فكذبوهم فأهلكهم فما كان اللّه ليهلكهم من غير جرم يستدعيه من قبلهم والتعبير عن ذلك بالظلم مع ان اهلاكه تعالى اياهم بلا جرم ليس من الظالم في شيء على ما تقرر من قاعدة اهل السنة لاظهار كمال نزاهته تعالى عن ذلك بإبرازه في معرض ما يستحيل صدروه عنه تعالى وقد مر في سورة الانفال وسورة آل عمران

ولكن كانوا انفسهم يظلمون بأن اجترءوا علىاقتراف ما يوجبه من المعاصي العظيمة

١٠

ثم كان عاقبة الذين اساءوا أي عملوا السيئات

 وضع الموصول موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بالاساءة والاشعار بعلة الحكم السواي أي العقوبة التي هي اسوا العقوبات وافظعها التي هي العقوبة بالنار فإنها تأنيث الاسوا كالحسنى تأنيث الاحسن او مصدر كالبشري وصف به العقوبة مبالغة كأنها نفس

السوأى وهي مرفوعة على انها اسم كان وخبرها عاقبة وقرىء على العكس وهو ادخل في الجزالة وقوله تعالى

ان كذبوا بآيات اللّه علة لماء اشير اليه من تعذيبهم الدنيوي والاخروي أي لان كذبوا او بأن كذبوا بآيات اللّه المنزلة على رسله عليهم الصلاة والسلام ومعجزاته الظاهرة على ايديهم وقوله تعالى

وكانوا بها يستهزءون عطف على كذبوا داخل معه في حكم العلية وايراد الاستهزاء بصيغة المضارع للدلالة على استمراره وتجدده هذا هو اللائق بجزالة النظم الجليل وقد قيل

وقيل

١١

اللّه يبدأ الخلق أي ينشئهم

ثم يعيده بعد الموت بالبعث

ثم اليه ترجعون الى موقف الحساب والجزاء والالتفات للمبالغة في الترهيب وقرىء بالياء

١٢

ويوم تقوم الساعة التي هي وقت اعادة الخلق ورجعهم اليه

يبلس المجرمون أي يسكتون متحيرين لا ينبسون يقال ناظرته فأبلس اذا سكت وايس من ان يحتج وقرىء بفتح اللام من ابلسه اذا افحمه واسكته

١٣

ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء يجيرونهم من عذاب اللّه تعالى كما كانوا يزعمونه وصيغة الجمع لوقوعها في مقابلة الجمع أي لم يكن لواحد منهم شفيع اصلا

وكانوا بشركائهم كافرين أي بإلهيتهم وشركتهم للّه سبحانه حيث وقفوا على كنه امرهم وصيغة الماضي للدلالة على تحققه

وقيل كانوا في الدنيا كافرين بسببهم وليس بذاك اذ ليس في الاخبار به فائدة يعتد بها

١٤

ويوم تقوم الساعة اعيد لتهويله وتفظيع ما يقع فيه وقوله تعالى

يومئذ يتفرقون تهويل له اثر تهويل وفيه رمز الى ان التفرق يقع في بعض منه وضمير يتفرقون لجميع الخلق المدلول عليهم بما تقدم من بدئهم واعادتهم ورجعهم لا المجرمون خاصة وليس المراد بتفرقهم افتراق كل فرد منهم عن الآخر بل تفرقهم الى فريقي المؤمنين والكافرين كما في قوله تعالى فريق في الجنة وفريق في السعير وذلك بعد تمام الحساب وقوله تعالى

١٥

فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون تفصيل وبيان لاحوال ذينك الفريقين والروضة كل ارض ذات نبات وماء ورونق ونضارة وتنكيرها للتفخيم والمراد بها الجنة والحبور السرور يقال حبره اذا سره سرورا تهلل له وجهه

وقيل الحبرة كل نعمة حسنة والتحبير التحسين واختفلت فيه الاقاويل لاحتماله وجوه جميع المسارفعن ابن عباس ومجاهد يكرمون وعن قتادة ينعمون وعن ابن كيسان يحلون وعن بكر بن عياش التيجان على رءوسهم وعن وكيع السماع في الجنة وعن النبي انه ذكر الجنة وما فيها من النعيم وفي آخر القوم اعرابي فقال يا رسول اللّه هل في الجنة من سماع قال يا اعرابي ان في الجنة لنهرا حافتاه لابكار من كل بيضاء خوصانية يتغنين بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها قط فذلك افضل نعيم الجنة قال الراوي فسألت ابا الدرداء رضي اللّه عنه بم يتغنين قال بالتسبيح وروى ان في الجنة لاشجارا عليها اجراس من فضة فإذا اراد اهل الجنة السماع بعث اللّه تعالى ريحا من تحت العرش فتقع في تلك الاشجار فتحرك تلك الاجراس بأصوات لو سمعها اهل الدنيا لماتوا طربا

١٦

وأما

الذين كفروا وكذبوا بآياتنا التي من جملتها هذه الآيات الناطقة بما فصل

ولقاء الآخرة صرح بذلك مع اندارجه في تكذيب الآيات للاعتناء بأمره وقوله تعالى

فأولئك اشارة الى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة من الكفر والتكذيب بآياته تعالى وبلقاء الآخرة للايذان بكمال تميزهم بذلك عن غيرهم وانتظامهم في سلك المشاهدات وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار اليه للاشعار ببعد منزلتهم في الشر أي اولئك الموصوفون بما فصل من القبائح

في العذاب محضرون على الدوام لا يغيبون عنه ابدا

١٧

١٨

فسبحان اللّه حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والارض وعشيا وحين تظهرون اثر ما بين حال فربقي المؤمنين العاملين للصالحات والكافرين المكذبين بالآيات وما لهما من الثواب والعذاب امروا بما ينجي من الثاني ويفضي الى الأول من تنزيه اللّه عز و جل عن كل مالا يليق بشأنه سبحانه ومن حمده تعالى على نعمة العظام وتقديم الأول على الثاني لما ان التخلية متقدمة على التحلية والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها أي اذا علمتم ذلك فسبحوا اللّه تعالى أي نزهوه عما ذكر سبحانه أي تسبيحه اللائق في هذه الاوقات واحمدوه فإن الاخبار بثبوت الحمد له تعالى ووجوبه على المميزين من اهل السموات والارض في معنى الامر به على أبلغ وجه وآكده وتوسيطه بين اوقات التسبيح للاعتناء بشأنه والاشعار بأن حقهما ان يجمع بينهما كما ينبىء عنه قوله تعالى ونحن نسبح بحمدك وقوله تعالى فسبح بحمد ربك وقوله من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان اللّه وبحمده مائة مرة حطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر وقوله من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان اللّه وبحمده مائة مرة لم يأت احد يوم القيامة بأفضل مما جاء به الا احد قال مثل ما قال اوزاد عليه وقوله كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان اللّه وبحمده سبحان اللّه العظيم وغير ذلك مما لا يحصى من الآيات والاحاديث وتخصيصهما بتلك الاوقات للدلالة على ان ما يحدث فيها من آيات قدرته واحكام

رحمته ونعمته شواهد ناطقة بتنزهه تعالى واستحقاقه الحمد وموجبة لتسبيحه وتحميده حتما وقوله تعالى وعشيا عطف على حين تمسون وتقديمه على حين تظهرون لمراعاة الفواصل وتغيير الاسلوب لما انه لا يجيء منه الفعل بمعنى الدخول في العشى كالمساء والصباح والظهيرة ولعل السر في ذلك انه ليس من الاوقات التي تختلف فيها احوال الناس وتتغير تغيرا ظاهرا مصححا لوصفهم بالخروج عما قبلها والدخول فيها كالاوقات المذكورة فإن كلا منها وقت تتغير فيه الاحوال تغيرا ظاهرا اما في المساء والصباح فظاهر

وأما في الظهيرة فلانها وقت يعتاد فيه التجرد عن الثياب للقيلولة كما مر في سورة النور

وقيل المراد بالتسبيح والحمد الصلاة لاشتمالها عليهما وقد روى عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما ان الآية جامعة للصلوات الخمس تمسون صلاتا المغرب والعشاء وتصبحون صلاة الفجر وعشيا صلاة العصر وتظهرون صلاة الظهر ولذلك ذهب الحسن الى انها مدنية اذ كان يقول ان الواجب بمكة ركعتان في أي وقت اتفقتا وانما فرضت الخمس بالمدينة والجمهور على انها فرضت بمكة وهو الحق لحديث المعراج وفي آخره هن خمس صلوات كل يوم وليلة عن النبي من سره ان يكال له بالقفيز الأوفي فليقل فسبحان اللّه حين تمسون وحين تصبحون الآية وعنه من قال حين يصبح فسبحان اللّه حين تمسون وحين تصبحون الى قوله تعالى وكذلك تخرجون أدرك ما فاته في يومه ومن قالها حين يمسي ادرك ما فاته في ليلته وقرىء حينا تمسون وحينا تصبحون أي تمسون فيه وتصبحون فيه

١٩

يخرج الحي من الميت كالانسان من النطفة والطير من البيضة ويخرج الميت

من الحي النطفه والبيضة من الحيوان

ويحيي الارض بالنبات

بعد موتها يبسها

وكذلك ومثل ذلك الاخرا

ج تخرجون من قبوركم وقرىء تخرجون بفتح التاء وضم الراء وهذا نوع تفصيل لقوله تعالى اللّه يبدا الخلق ثم يعيده

٢٠

ومن آياته الباهره الداله على انكم تبعثون دلاله اوضح مما سبق فإن دلاله بدء خلقهم على إعادتهم اظهر من دلالة اخراج الحي من الميت واخراج الميت من الحي ومن دلالة احياء الارض بعد موتها عليها

أن خلقكم أي في ضمن خلق آدم عليه السلام لما مر مرارا من أن خلقه منطو على خلق ذرياته انطواء اجماليا

من تراب لم يشم رائحة الحياة قط ولا مناسبة بينه وبين ما انتم عليه في ذاتكم وصفاتكم

ثم اذا انتم بشر تنتشرون أي فاجأتم بعد ذلك وقت كونكم بشرا تنتشرون في الارض وهذا مجمل ما فصل في قوله تعالى يا يها الناس ان كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة الآية

٢١

ومن آياته الدالة على ما ذكر من البعث وما بعده من الجزاء

ان خلق لكم أي

لاجلكم

من انفسكم ازواجا فإن خلق اصل ازواجكم حواء من ضلع آدم عليه السلام متضمن لخلقهن من انفسكم على ما عرفته من التحقيق او من جنسكم لا من جنس آخر وهو الاوفق لقوله تعالى

لتسكنوا اليها أي لتألفوها وتميلوا اليها وتطمئنوا بها فإن المجانسة من دواعي التضام والتعارف كما ان المخالفة من اسباب التفرق والتنافر

وجعل بينكم أي بين الازواج اما على تغليب الرجال على النساء في الخطاب او على حذف ظرف معطوف على الظرف المذكور أي جعل بينكم وبينهن كما مر في قوله تعالى لا نفرق بين احد من رسله

وقيل او بين افراد الجنس أي بين الرجال والنساء ويأباه قوله تعالى

مودة ورحمة فإن المراد بهما ما كان منهما بعصمة الزواج قطعا أي جعل بينكم بالزواج الذي شرعه لكم توادا وتراحما من غير ان يكون بينكم سابقة معرفة ولا رابطة مصححة للتعاطف من قرابة او رحم قيل المودة والرحمة من قبل اللّه تعالى والفرك من الشيطان وعن الحسن رحمه اللّه المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد كما قال تعالى ورحمة منا

ان في ذلك أي فيما ذكر من خلقهم من تراب وخلق ازواجهم من انفسهم والقاء المودة والرحمة بينهم وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار اليه للاشعار ببعد منزلته لآيات عظيمة لا يكتنه كنهها كثيرة لا يقادر قدرها

لقوم يتفكرون في تضاعيف تلك الافاعيل المتينة المبنية على الحكم البالغة والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله مع التنبيه على ان ما ذكر ليس بآية فذة كما ينبىء عنه قوله تعالى

٢٢

و من آياته بل هى مشتملة على آيات شتى ومن آياته الدالة على ما ذكر من امر البعث وما يتلوه من الجزاء

خلق السموات والارض اما من حيث ان القادر على خلقهما بما فيهما من المخلوقات بلا مادة مستعدة لها اظهر قدرة على إعادة ما كان حيا قبل ذلك

وأما من حيث ان خلقهما ومافيهما ليس الا لمعاش البشر ومعادة كما يفصح عنه قوله تعالى هو الذى خلق لكم ما فى الارض جميعا و قوله تعالى وهو الذى خلق السموات والارض فى ستة ايام وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا

واختلاف السنتكم أي لغاتكم بأن علم كل صنف لغته والهمه وضعها واقدره عليها او اجناس نطقكم وإشكاله فإنك لا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفية من كل وجه والوانكم ببياض الجلد وسواده وتوسطه فيما بينهما او تخطيطات الاعضاء وهيآتها والوانها وحلاها بحيث وقع بها التمايز بين الاشخاص حتى ان التوامين مع توافق موادهما واسبابهما والامور المتلاقية لهما في التخليق يختلفان في شيء من ذلك لا محالة وان كانا في غاية التشابه وانما نظم هذا في سلك الآيات الآفافية من خلق السموات والارض مع كونه من الآيات الانفسية الحقيقة بالانتظام في سلك ما سبق من خلق انفسهم وازواجهم للايذان باستقلاله والاحتراز عن توهم كونه من تتمات خلقهم

ان في ذلك أي فيما ذكر من خلق السموات والارض واختلاف الالسنة والالوان

لآيات عظيمة في انفسها كثيرة في عددها

للعالمين أي المتصفين بالعلم كما في قوله تعالى وما يعقلها

 الا العالمون وقرىء بفتح اللام وفيه دلالة على كمال وضوح الآيات وعدم خفائها على احد من الخلق كافة

٢٣

ومن آياته منامكم بالليل والنهار لاستراحة القوى النفسانية وتقوى القوى الطبيعية

وابتغاؤكم من فضله فيهما فإن كلا من المنام وابتغاء الفضل يقع في الملوين وان كان الاغلب وقوع الأول في الأول والثاني في الثاني او منامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار كما هو المعتاد والموافق لسائر الآيات الواردة في ذلك خلا انه فصل بين القرينين الاولين بالقرينين الاخيرين لانهما زمان والزمان مع ما وقع فيه كشيء واحد مع اعادة اللف على الاتحاد

ان في ذلك لآيات لقوم يسمعون أي شأنهم ان يسمعوا الكلام سماع تفهم واستبصار حيث يتأملون في تضاعيف هذا البيان ويستدلون بذلك على شئونه تعالى

٢٤

ومن آياته يريكم البرق الفعل اما مقدر بأن كما في قول من قال الا ابهذا الزاجري احضر الوغي أي ان احضر او منزل منزلة المصدروبه فسر المثل المشهور تسمع بالمعيدي خير من ان تراه او هو على حاله صفة لمحذوف أي آية يريكم بها البرق كقول من قال ... وما الدهر الا نارتان فمنها اموت واخرى ابتغي العيش اكدح ... أي فمنهما تارة اموت فيها واخرى ابتغي فيها او ومن آياته شيء او سحاب يريكم البرق

خوفا من الصاعقة او للمسافر

وطمعا في الغيث او للمقيم ونصبهما على العلة لفعل يستلزمه المذكور فإن اراءتهم البرق مستلزمة لرؤيتهم اياه او للمذكور نفسه على تقدير مضاف نحو اراءة خوف وطمع او على تأويل الخوف والطمع بالاخافة والاطماع كقولك فعلنه رغما للشيطان او على الحال نحو كلمته شفاها وينزل من السماء ماء وقرىء بالتخفيف

فيحي به الارض بالنبات

بعد موتها يبسها

ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون فإنها من الظهور بحيث يكفي في ادراكها مجرد العقل عند استعماله في استنباط اسبابها وكيفية تكونها

٢٥

ومن آياته ان تقوم السماء والارض بأمره أي بإرادته تعالى لقيامهما والتعبير عنها بالامر للدلالة على كمال القدرة والغني عن المبادى والاسباب وليس المراد بإقامتهما انشاءهما لانه قد بين حاله بقوله تعالى ومن آياته خلق السموات والارض ولا اقامتهما بغير مقيم محسوس كما قيل فإن ذلك من تتمات انشائهما وان لم يصرح به تعويلا على ما ذكر في غير موضع من قوله تعالى خلق السموات بغير عمد ترونها الآية

 بل قيامهما واستمرارهما على ما هما عليه الى اجلهما الذي نطق به قوله تعالى فيما قبل ما خلق السموات والارض وما بينهما الا بالحق واجل مسمى وحيث كانت هذه الآية متأخرة عن سائر الآيات المعدودة متصلة بالبعث في الوجود اخرت عنهن وجعلت متصلة به في الذكر ايضا فقيل

ثم اذا دعاكم دعوة من الارض اذا انتم تخرجون فإنه كلام مسوق للاخبار بوقوع البعث ووجوده بعد انقضاء اجل قيامهما مترتب على تعداد آياته الدالة عليه غير منتظم في سلكها كما قيا كأنه قيل ومن آياته قيام السموات والارض على هيآتهما بأمره تعالى الى اجل مسمى قدرة اللّه تعالى لقيامهما ثم اذا دعاكم أي بعد انقضاء الاجل من الارض وانتم في قبوركم دعوة واحدة بأن قال ايها الموتى اخرجوا فاجأتم الخروج منها وذلك قوله تعالى يومئذ يتبعون الداعي ومن الارض متعلق بدعاكم اذ يكفي في ذلك كون المدعو فيها يقال دعوته من اسفل الوادي فطلع الى لا بتخرجون لان ما بعد اذا لا يعمل فيما قبلها

٢٦

وله خاصة

من في السموات والارض من الملائكة والثقلين خلقا وملكا وتصرفا ليس لغيره شركة في ذلك بوجه من الوجوه

كل له قانتون أي منقادون لفعله لا يمتنعون عليه في شأن من شئونه تعالى

٢٧

وهو الذي يبدا الخلق ثم يعيده بعد موتهم وتكريره لزياة التقرير والتمهيد لما بعده من قوله تعالى

وهو اهون عليه أي بإضافة الى قدركم والقياس على اصولكم والا فهما عليه سواء

وقيل اهون بمعنى هين وتذكير الضمير مع رجوعه الى الاعادة لما انها مؤولة بأن يعيد

وقيل هو راجع الى الخلق وليس بذاك

وأما ما قيل من ان الانشاء بطريق التفضل الذي يتخير فيه الفاعل بين الفعل والترك والاعادة من قبيل الواجب الذي لا بد من فعله حتما فكان اقرب الى الحصول من الانشاء المتردد بين الحصول وعدمه فبمعزل من التحصيل اذ ليس المراد بأهونية الفعل اقربيته الى الوجود باعتبار كثرة الامور الداعية للفاعل الى ايجاده وقوة اقتضائها لتعلق قدرته به بل اسهلية تأتيه وصدوره عنه بعد تعلق قدرته بوجوده وكونه واجبا بالغير ولا تفاوت في ذلك بين ان يكون ذلك التعليق بطريق الايجاب او بطريق الاختيار وله المثل الاعلى أي الوصف الاعلى العجيب الشأن من القدرة العامة والحكمة التامة وسائر صفات الكمال التي ليس لغيره ما يدانيها فضلا عما يساويها ومن فسره بقول لا اله الا اللّه اراد به الوصف بالواحدانية

في السموات والارض متعلق بمضمون الجملة المتقدمة على معنى انه تعالى قد وصف به وعرف فيهما على السنة الخلائق والسنة الدلائل

وقيل متعلق بالا على

وقيل بمحذوف هو حال منه او من المثل او من ضميره في الأعلى

وهو العزيز القادر الذي لا يعجز عن بدء ممكن واعادته

الحكيم الذي يجري الافعال على سنن الحكمة والمصلحة

٢٨

ضرب لكم مثلا يتبين به بطلان الشرك

من انفسكم أي منتزعا من احوالها التي هي اقرب الامور اليكم واعرفها عندكم واظهرها دلالة على ما ذكر من بطلان الشرك لكونها بطريق الاولوية وقوله تعالى

هل لكم الخ تصوير للمثل أي هل لكم

مما ملكت ايمانكم من العبيد والاماء

من شركاء فيما رزقناكم من الاموال وما يجري مجراها مما تتصرفون فيها فمن الاولى ابتدائية والثانية تبعيضية والثالثة مزيدة لتأكيد النفي المستفاد من الاستفهام فقوله تعالى

فأنتم فيه سواء تحقيق لمعنى الشركة وبيان لكونهم وشركائهم متساوين في التصرف فيما ذكر من غير مزية لهم عليها على ان هناك محذوفا معطوفا على انتم لا انه عام للفريقين بطريق التغليب أي هل ترضون لانفسكم والحال ان عبيدكم امثالكم في البشرية واحكامها ان يشاركوكم فيما رزقناكم وهو معار لكم فأنتم وهم فيه سواء يتصرفون فيه كتصرفكم من غير فرق بينكم وبينهم

تخافونهم خبر آخر لانتم او حال من ضمير الفاعل في سواء أي تهابون ان تستبدوا بالتصرف فيه بدون رايهم

كخيفتكم انفسكم أي خيفة كائنة مثل خيفتكم من الاحرار المساهمين لكم فيما ذكر والمعنى نفي مضمون ما فصل من الجملة الاستفهامية أي لا ترضون بأن يشارككم فيما هو معار لكم مماليككم وهم امثالكم في البشرية غير مخلوقين لكم بل للّه تعالى فكيف تشركون به سبحانه في المعبودية التي هي من خصائصه الذاتية مخلوقه بل مصنوع مخلوقه حيث تصنعونه بأيديكم ثم تعبدونه

كذلك أي مثل ذلك التفصيل الواضح

نفصل الآيات أي نبينها ونوضحها لا تفصيلا ادنى منه فإن التمثيل تصوير للمعاني المعقولة بصورة المحسوس وابراز لأوابد المدركات على هيئة المأنوس فيكون في غاية الايضاح والبيان

لقوم يعقلون أي يستعملون عقولهم في تدبر الامور وتخصيصهم بالذكر مع عموم تفصيل الآيات للكل لانهم المنتفعون بها

٢٩

بل اتبع الذين ظلموا اعراض عن مخاطبتهم ومحاولة ارشادهم الى الحق بضرب المثل وتفصيل الآيات واستعمال المقدمات الحقة المعقولة وبيان لاستحالة تبعيتهم للحق كأنه قيل لم يعقلوا شيئا من الآيات المفصلة بل اتبعوا

اهواءهم الزائغة ووضع الموصول موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بأنهم في ذلك الاتباع ظالمون واضعون للشيء في غير موضعه او ظالمون لانفسهم بتعريضها للعذاب الخالد

بغير علم أي جاهلين ببطلان ما اتوا مكبين عليه لا يلويهم عنه صارف حسبما يصرف العالم اذا اتبع الباطل علمه ببطلانه

فمن يهدي من اضل اللّه أي خلق فيه الضلال بصرف اختياره الى كسبه أي لا يقدر على هدايته احد

وما لهم أي لمن اضله اللّه تعالى والجمع باعتبار المعنى

من ناصرين يخلصونهم من الضلال ويحفظونهم من تبعانه وآفاته على معنى ليس لواحد منهم ناصر واحد على ما هو قاعدة مقابلة الجمع بالجمع

٣٠

فأقم وجهك الدين تمثيل لاقباله على الدين واستقامته وثباته عليه واهتمامه بترتيب اسبابه فإن من اهتم بشيء محسوس بالبصر عقد عليه طرفه وسدد اليه نظره وقوم له وجهة مقبلا به عليه أي فقوم وجهك له وعدله غير ملتفت يمينا وشمالا وقوله تعالى

حنيفا حال من المأمور او من الدين

فطرة اللّه الفطرة الخلقة وانتصابها على الاغراء أي الزمورا او عليكم فطرة اللّه فإن الخطاب للكل كما يفصح عنه قوله تعالى منيبين والافراد في اقم لما ان الرسول امام الامة فأمره مستتبع لامرهم والمراد بلزومها الجريان على موجبها وعدم الاخلال به باتباع الهوى وتسويل الشياطين

وقيل على المصدر أي فطر اللّه فطرة وقوله تعالى

التي فطر الناس عليها صفة لفطرة اللّه مؤكدة لوجوب الامتثال بالامر فإن خلق اللّه الناس على فطرته التي هي عبارة عن قبولهم للحق وتمكنهم من ادراكه او عن ملة الاسلام من موجبات لزومها والتمسك بها قطعا فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه ادى بهم اليها وما اختاروا عليها دينا آخر ومن غوي منهم فبإغواء شياطين الانس والجن ومنه قوله حكاية عن رب العزة كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وامروهم ان يشركوا بي غيري وقوله كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون ابواه هما اللذان يهودانه وينصرانه وقوله تعالى

لا تبديل لخلق اللّه تعليل للامر بلزوم فطرته تعالى او لوجوب الامتثال به أي لا صحة و لا استقامة لتبديله بالاخلال بموجبه و عدم ترتيب مقتضاه عليه باتباع الهوى وقبول وسوسة الشيطان

وقيل لا يقدر احد على ان يغير فلا بد حينئذ من حمل التبديل على تبديل نفس الفطرة بازالتها راسا ووضع فطرة اخرى مكانها غير مصححة لقبول الحق والتمكن من ادراكه ضرورة ان التبديل بالمعنى الأول مقدور بل واقع قطعا فالتعليل حينئذ من جهة ان سلامة الفطرة متحققة فى كل احد فلا بد من لزومها بترتيب مقتضاها عليها و عدم الاخلال به بما ذكر من اتباع الهوى وخطوات الشيطان

ذلك اشارة الى

الدين المامور باقامة الوجه له او الى لزوم فطرة اللّه المستفاد من الاغراء او الى الفطرة ان فسرت بالملة والتذكير بتأويل المذكور او باعتبار الخبر الدين القيم المستوى الذي لا عوج فيه

ولكن اكثر الناس لا يعلمون ذلك فيصدون عنه صدودا

  ٣١

منيبين اليه حال من الضمير في الناصب المقدر لفطرة اللّه او في اقم لعمومه للامة حسبما اشير اليه وما بينهما اعتراض أي راجعين اليه من اناب اذا رجع مرة بعد اخرى وقوله تعالى

واتقوه أي من مخالفة امره عطف على المقدر المذكور وكذا قوله تعالى

واقيموا الصلاة و لا تكونوا من المشركين المبدلين لفطرة اللّه تعالى تبديلا

٣٢

من الذين فرقوا دينهم بدل من المشركين باعادة الجار و تفريقهم لدينهم اختلافهم فيما يعبدونه على اختلاف اهوائهم وفائدة الابدال التحذير عن الانتماء الى حزب من احزاب المشركين ببيان ان الكل على الضلال المبين وقرىء فارقوا اى تركوا دينهم الذى امروا به

وكانوا شيعا اى فرقا تشايع كل منها امامها الذى اضلها

كل حزب بما لديهم من الدين المعوج المؤسس على الراى الزائغ والزعم الباطل

فرحون مسرورون ظنا منهم انه حق وانى له ذلك فالجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبله من تفريق دينهم وكونهم شيعا وقد جوز ان يكون فرحون صفة لكل على ان الخبر هو الظرف المقدم اعنى من الذين فرقوا ولا يخفي بعده

٣٣

واذا مس الناس ضر أي شدة

دعوا ربهم منيبين اليه راجعين اليه من دعاء غيره

ثم اذا اذاقهم منه رحمة خلاصا من تلك الشدة

اذا فريق منهم بربهم الذي كانوا دعوه منيبين اليه

يشركون أي فاجأ فريق منهم الإشراك وتخصيص هذا الفعل ببعضهم لما أن بعضهم ليسوا كذلك كما في قوله تعالى فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد أي مقيم على الطريق القصد أو متوسط في الكفر لأنزجاره في الجملة

٣٤

ليكفروا بما آتيناهم اللام فيه للعاقبة

وقيل للأمر التهديدي كقوله تعالى

فتمتعوا غير أنه التفت فيه للمبالغة وقرىء وليتمتعوا

فسوف تعلمون عاقبة تمتعكم وقرىء بالياء على أن تمتعوا ماض والالتفات إلى الغيبة في قوله تعالى

٣٥

أم أنزلنا عليهم للإبذان بالإعراض عنهم وتعديد جناياتهم لغيرهم بطريق المباثة سلطانا أي حجة واضحة

وقيل ذا سلطان أي ملكا معه برهان

فهو يتكلم تكلم دلالة كما في قوله تعالى هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق أو تكلم نطق

بما كانوا به يشركون باشراكهم به تعالى أو بالأمر الذي بسببه يشركون

٣٦

وإذا أذقنا الناس رحمة أي نعمة من صحة وسعة

فرحوا بها بطرا وأشرا لا حمدا وشكرا

وإن تصبهم سيئة شدة بما قدمت أيديهم بشؤم معاصيهم

إذا هم يقنطون فاجئوا القنوط من رحمته تعالى وقرىء بكسر النون

٣٧

أو لم يروا أي ألم ينظروا ولم يشاهدوا أن اللّه

يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر فما لهم لم يشكروا ولم يحتسبوا في السراء والضراء كالمؤمنين

إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون فيستدلون

 بها على كمال القدرة والحكمة

٣٨

فآت ذا القربى حقه من الصلة والصدقة وسائر المبرات

والمسكين وابن السبيل ما يستحقانه والخطاب للنبي أو لمن بسط له كما تؤذن به الفاء

ذلك خير للذين يريدون وجه اللّه ذاته او جهته ويقصدون بمعروفهم إياه تعالى خالصا أو جهة التقرب إليه لا جهة أخرى

وأولئك هم المفلحون حيث حصلوا بما بسط لهم النعيم المقيم

٣٩

وما آتيتم من ربا زيادة خالية عن العوض عند المعاملة وقرىء أتيتم بالقصر أي غشيتموه أو رهقتموه من إعطاء ربا

ليربوا في أموال الناس ليزيد ويزكو في أموالهم

فلا يربوا عند اللّه أي لايبارك فيه وقرىء لتربوا أي لتزيدوا أو لتصيروا ذوي ربا

وما آتيتم من زكاة تريدون وجه اللّه أي تبتغون به وجهه تعالى خالصا فأولئك هم المضعفون أي ذووا الأضعاف من الثواب ونظير المضعف المقوى والموسر لذى القوة واليسار أو الذين ضعفوا ثوابهم وأموالهم بالبركة وقرىء بفتح العين وفي تغيير النظم الكريم والالتفات من الجزالة مالايخفي

٤٠

اللّه الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء أثبت له تعالى لوازم الألوهية وخواصها ونفاها رأسا عما اتخذوه شركاء له تعالى من الأصنام وغيرها مؤكدا بالإنكار على ما دل عليه البرهان والعيان ووقع عليه الوفاق ثم استنتج منه تنزهه عن الشركاء بقوله تعالى

سبحانه وتعالى عما يشركون وقد جوز أن يكون الموصول صفة والخبر هل من شركائكم والرابط قوله تعالى من ذلكم لأنه بمعنى من أفعاله ومن الأولى والثانية تفيدان شيوع الحكم في جنس الشركاء والأفعال والثالثة مزيده لتعميم المنفى وكل منها مستقلة بالتأكيد وقرىء تشركون بصيغة الخطاب

٤١

ظهر الفساد في البر والبحر كالجدب والموتان وكثرة الحرق والغرق وإخفاق الغاصة ومحق البركات وكثرة المضار أو الضلالة والظلم

وقيل المراد بالبحر قرى السواحل وقرى البحور

بما كسبت أيدي الناس بشؤم معاصيهم أو بكسبهم إياها

وقيل ظهر الفساد في البر بقتل قابيل أخاه هابيل وفي البحر بأن جلندي كان يأخذ كل سفينة غصبا

ليذيقهم بعض الذي عملوا أي بعض جزائه فإن اتمامه في الآخرة واللام للعلة او للعاقبة وقرىء لنذيقهم بالنون

لعلهم يرجعون عما كانوا عليه

٤٢

قل سيروا في الارض فانظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبل ليشاهدوا آثارهم

كان اكثرهم مشركين استئناف للدلالة على ان ما اصابهم لفشو الشرك فيما بينهم او كان الشرك في اكثرهم وما دونه من المعاصي في قليل منهم

٤٣

فأقم وجهك للدين القيم أي البليغ الاستقامة

من قبل ان يأتي يوم لا مرد له لا يقدر احد على ارده من اللّه متعلق بيأني او بمرد لانه مصدر والمعنى لا يرده اللّه تعالى لتعلق ارادته القديمة بمجيئه

يومئذ يصدعون اصله يتصدعون أي يتفرقون فريق في الجنة وفريق في السعير

٤٤

من كفر فعليه كفره أي وبال كفر وهو النار المؤبدة

ومن عمل صالحا فلا نفسهم يمهدون أي يسوون منزلا في الجنة وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على الاختصاص

٤٥

ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله متعلق بيصدعون

وقيل بيمهدون أي يتفرقون بتفريق اللّه تعالى فريقين ليجزي كلا منهما بحسب اعمالهم وحيث كان جزاء المؤمنين هو المقصود بالذات ابرز ذلك في معرض الغاية وعبر عنه بالفضل لما ان الاثابة بطريق التفضل لا الوجوب واشير الى جزاء الفريق الآخر بقوله تعالى

انه لا يحب الكافرين فإن عدم محبته تعالى كناية عن بغضه الموجب لغضبه المستتبع للعقوبة لا محالة

٤٦

ومن آياته أن يرسل الرياح أي الشمال والصبا والجنوب فإنها رياح الرحمة

وأما الدبور فريح العذاب ومنه قوله اللّهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا وقرىء الريح على إرادة الجنس مبشرات بالمطر وليذيقكم من رحمته وهي المنافع التابعة لها

وقيل الخصب التابع لنزول المطر المسبب عنها أو الروح الذي هو مع هبوبها واللام متعلقة بيرسل والجملة معطوفة على مبشرات على المعنى كأنه قيل ليبشركم بها

وليذقكم أو بمحذوف يفهم من ذكر الإرسال تقديره وليذيقكم وليكون كذا وكذا يرسلها لا لأمر آخر لا تعلق له بمنافعكم

ولتجري الفلك بسوقها

بأمره ولتبتغوا من فضله بتجارة البحر

ولعلكم تشكرون ولتشكروا نعمة اللّه فيما ذكر من

الغايات الجليلة

٤٧

ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم كما أرسلناك إلى قومك فجاءوهم بالبينات أي جاء كل رسول قومه بما يخصه من البينات كما جئت قومك ببيناتك والفاء في قوله تعالى

فانقمنا من الذين أجرموا فصيحة أي فكذبوهم فانتقمنا منهم وإنما وضع ضميرهم الموصول للتنبيه على مكان المحذوف والإشعار بكونه علة للانتقام وفي قوله تعالى

وكان حقا علينا نصر المؤمنين مزيد تشريف وتكرمة للمؤمنين حيث جعلوا مستحقين على اللّه تعالى أن ينصرهم وإشعار بأن الانتقام من الكفرة لأجله وقد يوقف على حقا على أنه متعلق بالانتقام ولعل توسيط الآية الكريمة بطريق الاعتراض بين ما سبق وما لحق من أحوال الرياح وأحكامها لإنذار الكفرة وتحذيرهم عن الإخلال بمواجب الشكر المطلوب بقوله تعالى لعلكم تشكرون بمقابلة النعم المعدودة المنوطة بإرسالها كيلا يحل بهم مثل ماحل بأولئك الأمم من الانتقام

٤٨

اللّه الذي يرسل الرياح استئناف مسوق لبيان ما أجمل فيما سبق من أحوال الرياح

فتثير سحابا فيبسطه متصلا تارة

في السماء في جوها

كيف يشاء سائرا وواقفا مطبقا وغير مطبق من جانب دون جانب إلى غير ذلك

ويجعله كسفا تارة أخرى أي قطعا وقرىء بسكون السين على أنه مخفف جمع كسفة أو مصدر وصف به فترى الودق المطر

يخرج من خلاله في التارتين

فإذا أصاب به من يشاء من عباده أي بلادهم وأراضيهم

إذا هم يستبشرون فاجئوا الاستبشار بمجيء الخصب

٤٩

وإن كانوا إن مخففة من إن وضمير الشأن الذي هو اسمها محذوف أي وإن الشأن كانوا

من قبل أن ينزل عليهم أي المطر

 من قبله تكرير للتأكد والايذان بطول عهدهم بالمطر واستحكام يأسهم منه

وقيل الضمير للمطر او السحاب او الارسال

وقيل للكسف على القراءة بالسكون وليس بواضح وأقرب من ذلك ان يكون الضمير للاستبشار ومن متعلقة بينزل لتفيد سرعة تقلب قلوبهم من اليأس الى الاستبشار بالاشارة الى غاية تقارب زمانيهما ببيان اتصال اليأس بالئزيل المتصل بالاستبشار بشهادة اذا الفجائية

لمبلسين خبر كانوا واللام فارقة أي آيسين

٥٠

فانظر الى آثار رحمة اللّه المترتبة على تنزيل المطر من النبات والاشجار وانواع الثمار والفاء للدلالة على سرعة ترتبها عليه وقرىء أثر

بالتوحيد وقوله تعالى

كيف يحيى أي اللّه تعالى

الأرض بعد موتها في حيز النصب بنزع الخافض وكيف معلق لانظر أي فانظر الى احيائه البديع للارض بعد موتها

وقيل على الحالية بالتأويل وايا ما كان فالمراد بالامر بالنظر التنبيه على عظم قدرته تعالى وسعة رحمته ما فيه من التمهيد لما يعقبه من امر البعث وقرىء تحي بالتأنيث على الاسناد الى ضمير الرحمة

ان ذلك العظيم الشأن الذي ذكر بعض شئونه

لمحي الموتى لقادر على احيائهم فإنه احداث لمثل ما كان في مواد ابدانهم من القوى الحيوانية كما ان احياء الارض احداث لمثل ما كان فيها من القوى النباتية او لمحييهم البتة وقوله تعالى

وهو على كل شيء قدير تذييل مقرر لمضمون ما قبله أي مبالغ في القدرة على جميع الاشياء التي من جملتها احياؤهم لما ان نسبة قدرته الى الكل سواء

٥١

ولئن ارسلنا ريحا فراوه أي الاثر المدلول عليه بالآثار او النبات المعبر عنه بالآثار فإنه اسم جنس يعم القليل والكثير مصفرا بعد خضرته وقد جوز ان يكون الضمير للسحاب لانه اذا كان

مصفرا لم يمطر ولا يخفي بعده واللام في لئن موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط والفاء في فراوه فصيحة واللام في قوله تعالى لظلموا لام جواب القسم ساد مسد الجوابين أي وباللّه لئن ارسلنا ريحا حارة او باردة فضربت زرعهم بالصفار فراوه مصفرا

ليظلن من بعده يكفرون من غير تلعثم وفيه من ذمهم بعد تثبيتهم وسرعة تزلزلهم بين طرفي الافراط والتفريط مالا يخفي حيث كان الواجب عليهم ان يتوكلوا على اللّه تعالى في كل حال ويلجئوا اليه بالاستغفار اذا احتبس عنهم القطر ولا ييأسوا من روح اللّه تعالى ويبادروا الى الشكر بالطاعة اذا اصابهم برحمته ولا يفرطوا في الاستبشار وان يصبروا على بلائه اذا اعترى زرعهم آفة ولا يكفروا بنعمائه فعكسوا الامر وابوا ما يجديهم واتوا بما يرديهم

٥٢

فإنك لا تسمع الموتى لما انهم مثلهم لانسداد مشاعرهم عن الحق

ولا تسمع الصم الدعاء اذا ولوا مدبرين تقييد الحكم بما ذكر لبيان كمال سوء حال الكفرة والتنبيه على انهم جامعون لخصلتي السوء نبو اسماعهم عن الحق واعراضهم عن الاصغاء اليه ولو كان فيهم احداهما لكفاهم ذلك فكيف وقد جمعوهما فإن الاصم المقبل الى المتكلم ربما يفطن من اوضاعه وحركاته لشيء من كلامه وان لم يسمعه اصلا

وأما اذا كان معرضا عنه فلا يكاد يفهم منه شيئا وقرىء بالياء المفتوحة ورفع الصم

٥٣

وما انت بهادي العمى عن ضلالتهم سموا عميا اما لفقدهم المقصود الحقيقي من الابصار او لعمى قلوبهم وقرىء تهدي العمى

ان تسمع أي ما تسمع

الا من يؤمن بآياتنا فإن ايمانهم يدعوهم الى التدبر فيها وتلقيها بالقبول او الا من يشارف الايمان بها ويقبل عليها اقبالا لائقا

فهم مسلمون منقادون لما تأمرهم به من الحق

٥٤

اللّه الذي خلقكم من ضعف مبتدا وخبر أي ابتداكم ضعفاء وجعل الضعف اساس امركم كقوله تعالى وخلق الانسان ضعيفا أي خلقكم من اصل ضعيف هو النطفة

ثم جعل من بعد ضعف قوة وذلك عند بلوغكم الحلم او تعلق الروح بأبدانكم

ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة اذا اخذ منكم السن وقرىء بضم الضاد في الكل وهو اقوى لقول ابن عمر رضي اللّه عنهما قراتها على رسول اللّه فأقرأني من ضعف وهما لغتان كالفقر والفقر والتنكير مع التكرير لان المتقدم غير المتأخر

يخلق ما يشاء من الاشياء التي من جملتها ما ذكر من الضعف والقوة والشيبة

وهو العليم القدير المبالغ في العلم والقدرة فإن الترديد فيما ذكر من الاطوار المختلفة من اوضح دلائل العلم والقدرة

٥٥

ويوم تقوم الساعة أي القيامة سميت بها لانها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا او لانها تقع بغتة وصارت علما لها كالنجم للثريا والكوكب للزهرة

يقسم المجرمون ما لبثوا أي في القبور او في الدنيا والاول هو الاظهر لان لبثهم مغيا بيوم البعث كما سيأتي وليس لبثهم في الدنيا كذلك

وقيل فيما بين فناء الدنيا والبعث وانقطاع عذابهم وفي الحديث ما بين فناء الدنيا والبعث اربعون وهو محتمل للساعات والايام والاعوام

وقيل لا يعلم اهي اربعون سنة او اربعون الف سنة

غير ساعة استقلوا مدة لبثهم نسيانا او كذبا او تخمينا

كذلك كانوا يؤفكون مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون في الدنيا عن الحق والصدق

٥٦

وقال الذين اوتوا العلم والايمان في الدنيا من الملائكة والانس

لقد لبثم في كتاب اللّه في علمه او قضائه او ما كتبه وعينه او في اللوح او القرآن وهو قوله تعالى ومن ورائهم برزخ

الى يوم البعث ردوا بذلك ما قالوه وايدوه باليمين كأنهم من فرط حيرتهم لم يدروا ان ذلك هو البعث الموعود الذي كانوا ينكرونه وكانوا يسمعون انه يكون بعد فناء الخلق كافة ويقدرون لذلك زمانا مديدا وان لم يعتقدوا تحققه فرد العالمون مقالتهم ونبهوهم على انهم لبثوا الى غاية بعيدة كانوا يسمعونها وينكرونها وبكتوهم بالاخبار بوقوعها حيث قالوا

فهذا يوم البعث الذي كنتم توعدون في الدنيا

ولكنكم كنتم لا تعلمون انه حق فتستعجلون به استهزاء والفاء جواب شرط محذوف كما في قول من قال ... قالوا خراسان اقصى ما يرادبنا ... ثم القفول فقد جئنا خراسانا ...

٥٧

فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم أي عذرهم وقرىء تنفع بالتاء محافظة على ظاهر اللفظ وان توسط

بينهما فاصل

ولاهم يستعتبون لا يدعون الى ما يقتضى اعتابهم أي ازالة عتبهم من التوبة والطاعة كما دعوا اليه في الدنيا من قولهم استعتبني فلان فأعتبته أي استرضاني فأرضيته

٥٨

ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل أي وباللّه لقد بينا لهم كل حال ووصفنالهم كل صفة كأنها في غرابتها مثل وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشأن كصفة المبعوثين يوم القيامة وقصتهم وما يقولون وما يقال لهم ويفعل بهم من رد اعتذارهم

ولئن جئتهم بآية من آيات القرآن الناطقة بأمثال ذلك

ليقولن الذين كفروا لفرط عتوهم وعنادهم وقساوة قلوبهم مخاطبين للنبي والمؤمنين

ان انتم الا مبطلون أي مزورون

٥٩

كذلك مثل ذلك الطبع الفظيع

يطبع اللّه على قلوب الذين لا يعلمون لا يطلبون العلم ولا يتحرون الحق بل يصرون على خرافات اعتقدوها وترهات ابتدعوها فإن الجهل المركب يمنع ادراك الحق ويوجب تكذيب المحق

٦٠

فاصبر على ما نشاهد منهم من الاقوال الباطلة والافعال السيئة

ان وعد اللّه حق وقد وعدك بالنصرة واظهار الدين واعلاء كلمة الحق ولا بد من انجازه والوفاء به لا محالة

ولا يستخفنك لا يحملنك على الخفة والقلق الذين لا يوقنون بما تتلو عليهم من الايات البينة بتكذيبهم اياها وايذائهم لك بأباطيلهم التي من جملتها قولهم ان انتم الا مبطلون فإنهم شاكون ضالون ولا يستبعد منهم امثال ذلك وقرىء بالنون المخففة وقرىء ولا يستحقنك من الاستحقاق أي لا يفتننك فيملكوك وبكونوا احق بك من المؤمنين وايا ما كان فظاهر النظم الكريم وان كان نهيا للكفرة عن استخفافه واستحقاقه لكنه في الحقيقة نهى له عن التأثر من استخفافهم والافتتان بفتنتهم على طريق الكناية كما في قوله تعالى ولا يجر منكم شنآن قوم على ان لا تعدلوا عن رسول اللّه من قرا سورة الروم كان له من الاجر عشر حسنات بعدد كل ملك يسبح اللّه تعالى بين السماء والارض وادرك ما ضيع في يومه وليلته

﴿ ٠