ÓõæÑóÉõ ÇáÓøóÌúÏóÉö ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ËóáÇóËõæäó ÂíóÉð سورة السجدة مكية وهي ثلاثون آية وقيل تسع وعشرون بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١ الم اما اسم للسورة فمحله الرفع على انه خبر لمبتدا محذوف أي هذا مسمى ب الم والاشارة اليها قبل جريان ذكرها قد عرفت سرها وأما مسرود على نمط التعديد فلا محل له من الاعراب وقوله تعالى ٢ تنزيل الكتاب على الأول خبر بعد خبر على انه مصدر اطلق على المفعول مبالغة وعلى الثاني خبر لمبتدا محذوف أي المؤلف من جنس ما ذكر تنزيل الكتاب وقيل خبرا الم أي المسمى به تنزيل الكتاب وقد مر مرارا ان ما يجعل عنوانا للموضوع حقه ان يكون قبل ذلك معلوم الانتساب اليه واذ لا عهد بالتسمية قبل فحقها الاخبار بها وقوله تعالى لا ريب فيه خبر ثالث على الوجه الأول وثان على الاخيرين وقيل خبر لتنزيل الكتاب فقوله تعالى من رب العالمين متعلق بمضمر هو حال من الضمير المجرور أي كائنا منه تعالى لا بتنزيل لان المصدر لا يعمل فيما بعد الخبر والاوجه حينئذ انه الخبر ولا ريب فيه حال من الكتاب او اعتراض والضمير في فيه راجع الى مضمون الجملة كأنه قيل لا ريب في ذلك أي في كونه منزلا من رب العالمين ويؤيده قوله تعالى ٣ ام يقولون افتراه فإن قولهم هذا انكار منهم لكونه من رب العالمين فلا بد ان يكون مورده حكما مقصود الافادة لا قيدا للحكم بنفي الريب عنه وقد رد عليهم ذلك وابطل حيث جىء بأم المنقطعة انكارا له وتعجيبا منه لغاية ظهور بطلانه واستحالة كونه مفترى ثم اضرب عنه الى بيان حقية ما انكروه حيث قيل بل هو الحق من ربك بإضافة اسم الرب الى ضميره بعد اضافته فيما سبق الى العالمين تشريفا له ثم ايد ذلك ببيان غايته حيث قيل لتنذر قوما ما اتاهم من نذير من قبلك لعلم يهتدون فإن بيان غاية الشيء وحكمته لا سيما عند كونها غاية حميدة مستتبعة لمنافع جليلة في وقت شدة الحاجة اليها مما يقرر وجود الشيء ويؤكده لا محالة ولقد كانت قريش اضل الناس واحوجهم الى الهداية بإرسال الرسول وتنزيل الكتاب حيث لم يبعث اليهم من رسول قبله أي ما اتاهم من نذير من قبل انذارك او من قبل زمانك والترجي معتبر من جهته أي لتنذرهم راجيا لاهتدائهم او لرجاء اهتدائهم واعلم ان ما ذكر من التأييد انما يتسنى على ما ذكر من كون تنزيل الكتاب مبتدا وأما على سائر الوجوه فلا تأييد اصلا لان قوله تعالى من رب العالمين خبر رابع على الوجه الأول وخبر ثالث على الوجهين الاخيرين واياما كان فكونه من رب العالمين حكم مقصود الافادة لاقيد لحكم آخر فتدبر ٤ اللّه الذي خلق السموات والارض وما بينهما في ستة ايام ثم استوى على العرش مر بيانه فيما سلف ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أي ما لكم اذا جاوزتم رضاه تعالى احد ينصركم ويشفع لكم ويجيركم من بأسه أي ما لكم سواه ولي ولا شفيع بل هو الذي يتولى مصالحكم وينصركم في مواطن النصر على ان الشفيع عبارة عن الناصر مجازا فإذا خذلكم لم يبق لكم ولي ولا نصير افلا تتذكرون أي الا تسمعون هذه المواعظ فلا تتذكرون بها او اتسمعونها فلا تتذكرون بها فالانكار على الأول متوجه الى عدم السماع وعدم التذكر معا وعلى الثاني على عدم التذكر مع تحقق ما يوجبه من السماع ٥ يدبر الامر من السماء الى الارض قيل يدبر امر الدنيا بأسباب سماوية من الملائكة وغيرها نازلة آثارها واحكامها الى الارض ثم يعرج اليه أي يثبت في علمه موجودا بالفعل في يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون أي في برهة من الزمان متطاولة والمراد بيان طول امتداد ما بين تدبير الحوادث وحدوثها من الزمان وقيل يدبر امر الحوادث اليومية بإثباتها في اللوح المحفوظ فينزل بها الملائكة ثم تعرج اليه في زمان هو كألف سنة مما تعدون فإن ما بين السماء والارض مسيرة خمسمائة عام وقيل يقضى قضاء الف سنة فينزل به الملك ثم يعرج بعد الالف لالف آخر وقيل يدبر امر الدنيا جميعا الى قيام الساعة ثم يعرج اليه الامر كله عند قيامها وقيل يدبر المأمور به من الطاعات منزلا من السماء الى الارض بالوحي ثم لا يعرج اليه خالصا الا في مدة متطاولة المخلصين والاعمال الخلص وانت خبير بأن قلة الاعمال الخالصة لا تقتضي بطء عروجها الى السماء بل قلته وقرىء يعدون بالياء ذلك اشارة الى اللّه عز و جل باعتبار اتصافه بما ذكر من خلق السموات والارض والاستواء على العرش وانحصار الولاية والنصرة فيه وتدبير امر الكائنات على ما ذكر من الوجه البديع وهو مبتدا خبره ما بعده أي ٦ ذلك العظيم الشأن عالم الغيب والشهادة فيدبر امرهما حسبما تقتضيه الحكمة العزيز الغالب على امره الرحيم على عباده وهما خبران آخران وفيه ايماء الى انه تعالى متفضل في جميع ما ذكر فاعل بالاحسان ٧ الذي احسن كل شيء خلقه خبر آخر او نصب على المدح أي حسن كل مخلوق خلقه اذ ما من مخلوق خلقه الا وهو مرتب على ما تقتضيه الحكمة واوجبته المصلحة فجميع المخلوقات حسنة وان تفاوتت الى حسن واحسن كما قال تعالى لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم وقيل علم كيف يخلقه من قوله قيمة المرء ما يحسن أي يحسن معرفته أي يعرفه معرفة حسنة بتحقيق وايقان وقرىء خلقه على انه بدل اشتمال من كل شيء والضمير للمبدل منه أي حسن خلق كل شيء وقيل بدل الكل على ان الضمير للّه تعالى والخلق بمعنى المخلوق أي حسن كل مخلوقاته وقيل هو مفعول ثان لاحسن على تضمينه معنى اعطى أي اعطى كل شيء خلقه اللائق به بطريق الاحسان والتفضل وقيل هو مفعوله الأول وكل شيء مفعوله الثاني والخلق بمعنى المخلوق وضميره للّه سبحانه على تضمين الاحسان معنى الالهام والتعريف والمعنى الهم خلقه كل شيء مما يحتاجون اليه وقال ابو البقاء عرف مخلوقاته كل شيء يحتاجون اليه فيؤول الى معنى قوله تعالى الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى وبدا خلق الانسان من بين جميع المخلوقات من طين على وجه بديع تحار العقول في فهمه حيث برا آدم عليه السلام على فطرة عجيبة منطوية على فطرة سائر افراد الجنس انطواء اجماليا مستتبعا لخروج كل فرد منها من القوة الى الفعل بحسب استعداداتها المتفاوتة قربا وبعدا كما ينبىء عنه قوله تعالى ٨ ثم جعل نسله الخ أي ذريته سميت بذلك لانها تنسل وتنفصل منه من سلالة من ماء مهين هو المني الممتهن ٩ ثم سواه أي عدله بتكميل اعضائه في الرحم وتصويرها على ما ينبغي ونفخ فيه من روحه اضافه اليه تعالى تشريفا له وايذانا بأنه خلق عجيب وصنع بديع وان له شأنا له مناسبة الى حضرة الربوبية وان اقصى ما تنتهي اليه العقول البشرية من معرفته هذا القدر الذي يعبر عنه تارة بالاضافة اليه تعالى واخرى بالنسبة الى امره تعالى كما في قوله تعالى قل الروح من امر ربي وجعل لكم السمع والابصار والافئدة الجعل ابداعي واللام متعلقة به والتقديم على المفعول الصريح لما مر مرات من الاهتمام بالمقدم والتشويق الى المؤخر مع ما فيه من نوع طول يخل تقديمه بجزالة النظم الكريم أي خلق لمنفعتكم تلك المشاعر لتعرفوا انها مع كونها في انفسها نعما جليلة لا يقادر قدرها وسائل الى التمتع بسائر النعم الدينية والدنيوية الفائضة عليكم وتشكروها بأن تصرفوا كلا منها الى ما خلق هو له فتدركوا بسمعكم الآيات التنزيلية الناطقة بالتوحيد والبعث وبأبصاركم الآيات التكوينية الشاهدة بهما وتستدلوا بأفئدتكم على حقيقتهما وقوله تعالى قليلا ما تشكرون بيان لكفرهم بتلك النعم بطريق الاعتراض التذييلي على ان القلة بمعنى النفي كما ينبىء عنه ما بعده أي شكرا قليلا او زمانا قليلا تشكرون وفي حكاية احوال الانسان من مبدأ فطرته الى نفخ الروح فيه بطريق الغيبة وحكاية احواله بعد ذلك بطريق الخطاب المنبىء عن استعداده للفهم وصلاحيته له من الجزالة مالا غاية وراءه ١٠ وقالوا كلام مستأنف مسوق لبيان اباطيلهم بطريق الالتفات ايذانا بأن ما ذكر من عدم شكرهم بتلك النعم موجب للاعراض عنهم وتعديد جناياتهم لغيرهم بطريق المباثة ائذا ضللنا في الارض أي صرنا ترابا مخلوطا بترابها بحيث لا نتميز منه او غبنا فيها بالدفن وقرىء ضللنا بكسر اللام من باب علم وصللنا بالصاد المهملة من صل اللحم اذا انتن وقيل من الصلة وهي الارض أي صرنا من جنس الصلة قيل القائل ابي بن خلف ولرضاهم بقوله اسند القول الى الكل والعامل في اذا ما يدل عليه قوله تعالى ائنا لفي خلق جديد وهو نبعث او يجدد خلقنا والهمزة لتذكير الانكار السابق وتأكيده وقرىء انا على الخبر وايا ما كان فالمعنى على تأكيد الانكار لا انكار التأكيد كما هو المتبادر من تقدم الهمزة على ان فإنها مؤخرة عنها في الاعتبار وانما تقديمها عليها لاقتضائها الصدارة بل هم بلقاء ربهم كافرون اضراب وانتقال من بيان كفرهم بالبعث الى بيان ما هو ابلغ واشنع منه وهو كفرهم بالوصول الى العاقبة وما يلقونه فيها من الاحوال والاهوال جميعا ١١ قل بيانا للحق وردا على زعمهم الباطل يتوفاكم ملك الموت لا كما تزعمون أن الموت من الأحوال الطبيعية العارضة للحيوان بموجب الجبلة أي يقبض أرواحكم بحيث لايدع فيكم شيئا أو لا يترك منكم أحدا على أشد مايكون من الوجوه وافظعها من ضرب وجوهكم وادباركم الذي وكل بكم أي بقبض ارواحكم واحصاء آجالكم ثم الى ربكم ترجعون بالبعث للحساب والجزاء ١٢ ولو ترى اذ المجرمون وهم القائلون ائذا ضللنا في الارض الآية او جنس المجرمين وهم من جملتهم ناكسوا رءوسهم عند ربهم من الحياء والخزي عند ظهور قبائحهم التي اقترفوها في الدنيا ربنا أي يقولون ربنا ابصرنا وسمعنا أي صرنا ممن يبصر ويسمع وحصل لنا الاستعداد لادراك الآيات المبصرة والآيات المسموعة وكنا من قبل عميا وصما لا ندرك شيئا فارجعنا الى الدنيا نعمل عملا صالحا حسبما تقتضيه تلك الآيات وقوله تعالى انا موقنون ادعاء منهم لصحة الافئدة والاقتدار على فهم معاني الآيات والعمل بموجبها كما ان ما قبله ادعاء لصحة مشعري البصر والسمع كأنهم قالوا وايقنا وكنا من قبل لا نعقل شيئا اصلا وانما عدلوا الى الجملة الاسمية المؤكدة اظهارا لثباتهم على الايقان وكمال رغبتهم فيه وكل ذلك للجد في الاستدعاء طمعا في الاجابة الى ما سألوه من الرجعة وانى لهم ذلك ويجوز ان يقدر لكل من الفعلين مفعول مناسب له مما يبصرونه ويسمعونه فإنهم حينئذ يشاهدون الكفر والمعاصي على صور منكرة هائلة ويخبرهم الملائكة بأن مصيرهم الى النار لا محالة فالمعنى ابصرنا قبح اعمالنا وكنا نراها في الدنيا حسنة وسمعنا ان مردنا الى النار وهو الانسب لما بعده من الوعد بالعمل الصالح هذا وقد قيل المعنى وسمعنا منك تصديق رسلك وانت خبير بأن تصديقه تعالى لهم حينئذ يكون بإظهار مدلول ما اخبروا به من الوعد والوعيد لا بالاخبار بأنهم صادقون حتى يسمعوه وقيل وسمعنا قول الرسل أي سمعناه سمع طاعة واذعان ولا يقدر لترى مفعول اذ المعنى لو تكون منك رؤية في ذلك الوقت او يقدر ما ينبىء عنه صلة اذ والمضي فيها وفي لو باعتبار ان الثابت في علم اللّه تعالى بمنزلة الواقع وجواب لو محذوف أي لرايت امرا فظيعا لا يقادر قدره والخطاب لكل احد ممن يصلح له كائنا من كان اذ المراد بيان كمال سوء حالهم وبلوغها من الفظاعة الى حيث لا يختص استغرابها واستفظاعها براء دون راء ممن اعتاد مشاهدة الامور البديعة والدواهي الفظيعة بل كل من يتأتى منه الرؤية يتعجب من هولها وفظاعتها هذا ومن علل عموم الخطاب بالقصد الى بيان ان حالهم قد بلغت من الظهور الى حيث يمتنع خفاؤها البتة فلا تختص رؤية راء دون راء بل كل من يتأتي منه الرؤية فله مدخل في هذا الخطاب فقد نأى عن تحقيق الحق لان المقصود بيان كمال فظاعة حالهم كما يفصح عنه الجواب المحذوف لا بيان كمال ظهورها فإنه مسوق مساق المسلمات فتدبر ١٣ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها مقدر بقول معطوف على ما قدر قبل قوله تعالى ربنا ابصرنا الخ أي ونقول لو شئنا أي لو تعلقت مشيئتنا تعلقا فعليا بأن نعطي كل نفس من النفوس البرة والفاجرة ما تهتدي به الى الايمان والعمل الصالح لاعطيناها اياه في الدنيا التي هي دار الكسب وما اخرناه الى دار الجزاء ولكن حق القول مني أي سبقت كلمتي حيث قلت لابليس عند قوله لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين فالحق والحق اقول لأملأن جهنم منك وممن اتبعك منهم اجمعين وهو المعنى بقوله تعالى لأملأن جهنم من الجنة والناس اجمعين كما يلوح به تقديم الجنة على الناس فبموجب ذلك القول لم نشأ اعطاء الهدى على العموم بل منعناه من اتباع ابليس الذين انتم من جملتهم حيث صرفتم اختياركم الى الغي بإغوائه ومشيئتنا لافعال العباد منوطة باختيارهم اياها فلما لم تختاروا الهدى واخترتم الضلالة لم نشأ اعطاءه لكم وانما اعطيناه الذين اختاروه من النفوس البرة وهم المعنيون بما سيأتي من قوله تعالى انما يؤمن بآياتنا الآية فيكون مناط عدم مشيئة اعطاء الهدى في الحقيقة سوء اختيارهم لا تحقق القول وانما قيدنا المشيئة بما مر من التعليق الفعلى بأفعال العباد عند حدوثها لان المشيئة الازلية من حيث تعلقها بما سيكون من افعالهم اجمالا متقدمة على تحقق كلمة العذاب فلا يكون عدمها منوطا بتحققها وانما مناطه علمه تعالى ازلا بصرف اختيارهم فيما سيأتي إلى الغى وإيثارهم له على الهدى فلو أريدت هي من تلك الحيثية لاستدرك بعدمها ونيط ذلك بما ذكر من المناط على منهاج قوله تعالى ولو علم اللّه فيهم خيرا لأسمعهم فمن توهم أن المعنى ولو شئنا لأعطينا كل نفس ما عندنا من اللطف الذي لو كان منهم اختياره لاهتدوا ولكن لم نعطهم لما علمنا منهم اختيار الكفر وإيثاره فقد اشتبه عليه الشئون والفاء في قوله تعالى ١٤ فذوقوا لترتيب الامر بالذوق على ما يعرب عنه ما قبله من نفي الرجع الى الدنيا او على الوعيد المحكى والباء في قوله تعالى بما نسيتم لقاء يومكم هذا للإيذان بأن تعذيبهم ليس لمجرد سبق الوعيد به فقط بل هو وسبق الوعيد ايضا بسبب موجب له من قبلهم كأنه قيل لا رجع لكم الى الدنيا أو حتى وعيدي فذوقوا بسبب نسيانكم لقاء هذا اليوم الهائل وترككم التفكر فيه والاستعداد له بالكلية إنا نسيناكم أي تركناكم في العذاب ترك المنسى بالمرة وقوله تعالى وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون تكرير للتأكيد والتشديد وتعيين المفعول المطوى للذوق والاشعار بأن سببه ليس مجرد ما ذكر من النسيان بل له اسباب أخر من فنون الكفر والمعاصي التي كانوا مستمرين عليها في الدنيا وعدم نظم الكل في سلك واحد للتنبيه على استقلال كل منها في استيجاب العذاب وفي إبهام المذوق أولا وبيانه ثانيا بتكرير الامر وتوسيط الاستئناف المنبئ عن كمال السخط بينهما من الدلالة على غاية التشديد في الانتقام منهم ما لا يخفى وقوله تعالى ١٥ إنما يؤمن بآياتنا استئناف مسوق لتقرير عدم استحقاقهم لإيتاء الهدى والاشعار بعدم إيمانهم لو أوتوه بتعيين من يستحقه بطريق القصر كأنه قيل إنكم لا تؤمنون بآياتنا ولا تعملون بموجبها عملا صالحا ولو رجعناكم الى الدنيا كما تدعون حسبما ينطق به قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنما يؤمن بها الذين إذا ذكروا بها أي وعظوا خروا سجدا آثر ذى اثير من غير تردد ولا تلعثم فضلا عن التسويف الى معاينة ما نطقت به من الوعد والوعيد أي سقطوا على وجوههم وسبحوا بحمد ربهم أي ونزهوه عند ذلك عن كل ما لا يليق به من الأمور التي من جملتها العجز عن البعث ملتبسين بحمده تعالى على نعمائه التي اجلها الهداية بإيتاء الآيات والتوفيق للاهتداء بها والتعرض لعنوان الربوبية بطريق الالتفات مع الاضافة الى ضميرهم للإشعار بعلة التسبيح والتحميد وبأنهم يفعلونهما بملاحظة ربوبيته تعالى لهم وهم لا يستكبرون أي والحال انهم خاضعون له تعالى لا يستكبرون عما فعلوا من الخرور والتسبيح والتحميد ١٦ تتجافى جنوبهم أي تنبو وتتنحى عن المضاجع أي الفرش ومواضع المنام والجملة مستأنفة لبيان بقية محاسنهم وهم المتهجدون بالليل قال أنس رضي اللّه عنه نزلت فينا معاشر الانصار كنا نصلي المغرب فلا نرجع الى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي وعن انس ايضا رضي اللّه عنه انه قال نزلت في أناس من اصحاب النبي كانوا يصلون من صلاة المغرب الى صلاة العشاء وهي صلاة الاوابين وهو قول ابي حازم ومحمد بن المنكدر وهو مروى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما وقال عطاءهم الذين لا ينامون حتى يصلو العشاء الآخرة والفجر في جماعة والمشهور ان المراد منه صلاة الليل وهو قول الحسن ومجاهد ومالك والاوزاعي وجماعة لقوله أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر اللّه المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل وعن النبي في تفسيرها قيام العبد من الليل وعنه إذا جمع اللّه الاولين والاخرين جاء مناد ينادي بصوت يسمع الخلائق كلهم سيعلم أهل الجمع اليوم من اولى بالكرم ثم يرجع فينادي ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل ثم يرجع فينادي ليقم الذين كانوا يحمدون اللّه في السراء والضراء فيقومون وهم قليل فيسرحون جميعا الى الجنة ثم يحاسب سائر الناس وقوله تعالى يدعون ربهم حال من ضمير جنوبهم أي داعين له تعالى على الاستمرار خوفا من سخطه وعذابه وعدم قبول عبادته وطمعا في رحمته ومما رزقناهم من المال ينفقون في وجوه البر والحسنات ١٧ فلا تعلم نفس من النفوس لاملك مقرب ولا نبي مرسل فضلا عمن عداهم ما أخفى لهم أي لأولئك الذين عددت نعوتهم الجليلة من قرة أعين مما تقر به أعينهم وعنه يقول اللّه عز و جل اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رات ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما أطلعتم عليه اقرءوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة اعين وقرئ ما أخفى لهم وما نخفى لهم وما أخفيت لهم على صيغة المتكلم وما أخفى لهم على البناء للفاعل وهو اللّه سبحانه وقرئ قرات اعين لاختلاف أنواعها والعلم بمعنى المعرفة وما موصولة أو استفهامية علق عنها الفعل جزاء بما كانوا يعملون أي جزوا جزاء او أخفى لهم للجزاء بما كانوا يعملونه في الدنيا من الاعمال الصالحة قيل هؤلاء القوم أخفوا أعمالهم فأخفى اللّه تعالى ثوابهم أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا أي أبعد ظهور ما بينهما من التباين البين يتوهم كون المؤمن الذي حكيت أوصافه الفاضلة كالفاسق الذي ذكرت احواله لا يستوون التصريح به مع إفادة الانكار لنفى المشابهة بالمرة على أبلغ وجه وآكده لبناء التفصيل الآتي عليه والجمع باعتبار معنى من كما أن الإفراد فيما سبق باعتبار لفظها وقوله تعالى ١٩ أما الذي آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى تفصيل لمراتب الفريقين في الاخرة بعد ذكر أحوالهما في الدنيا واضيفت الجنة الى المأوى لانها المأوى الحقيقي وإنما الدنيا منزل مرتحل عنه لا محالة وقيل المأوى جنة من الجنات وأيا ما كان فلا يبعد أن يكون فيه رمز الى ما ذكر من تجافيهم عن مضاجعهم التي هي مأواهم في الدنيا نزلا أي ثوابا وهو في الاصل ما يعد النازل من الطعام والشراب وانتصابه على الحالية بما كانوا يعملون في الدنيا من الاعمال الصالحة أو بأعمالهم ٢٠ وأما الذين فسقوا أي خرجوا عن الطاعة فمأواهم أي ملجؤهم ومنزلهم النار مكان جنات المأوى للمؤمنين كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها اسئناف لبيان كيفية كون النار مأواهم يروى انه يضربهم لهب النار فيرتفعون الى طبقاتها حتى إذا قربوا من بابها وأرادوا أن يخرجوا منها يضربهم اللّهب فيهوون إلى قعرها وهكذا يفعل بهم ابدا وكلمة في للدلالة على أنهم مستقرون فيها وإنما الاعادة من بعض طبقاتها الى بعض وقيل لهم تشديدا عليهم وزيادة في غيظهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به أي بعذاب النار تكذبون على الاستمرار في الدنيا ٢١ ولنذيقنهم من العذاب الادنى أي عذاب الدنيا وهو ما محنوا به من السنة سبع سنين والقتل والاسر دون العذاب الاكبر الذي هو عذاب الآخرة لعلهم لعل الذين يشاهدونه وهم في الحياة يرجعون يتوبون عن الكفر روى أن الوليد بن عقبة فاخر عليا رضى اللّه عنه يوم بدر فنزلت هذه الايات ٢٢ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها بيان إجمالى لحال من قابل آيات اللّه تعالى بالإعراض بعد بيان حال من قابلها بالسجود والتسبيح والتحميد وكلمة ثم لاستبعاد الإعراض عنها عقلا مع غاية وضوحها وإرشادها الى سعادة الدارين كما في بيت الحماسة ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة يرى غمرات الموت ثم يزورها أي هو اظلم من كل ظالم وإن كان سبك التركيب على نفى الاظلم من غير تعرض لنفى المساوى وقد مر مرارا إنا من المجرمين أي من كل من اتصف بالإجرام وإن هانت جريمته منتقمون فكيف ممن هو أظلم من كل ظالم وأشر جرما من كل مجرم ٢٣ ولقد آتينا موسى الكتاب أي التوراة عبر عنها باسم الجنس لتحقيق المجانسة بينها وبين الفرقان والتنبيه أن إيتاءه لرسول اللّه كإبنائها لموسى عليه السلام فلا تكن في مرية من لقائه من لقاء الكتاب الذي هو الفرقان كقوله وإنك لتلقى القرآن والمعنى إنا آتينا موسى مثل ما آتيناك من الكتاب ولقيناه من الوحي مثل ما لقيناك من الوحي فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله ونظيره وقيل من لقاء موسى الكتاب أو من لقائك موسى وعنه رأيت ليلة اسرى بي موسى رجلا آدم طوالا وجعدا كأنه من رجال شنوأة وجعلناه أي الكتاب الذي آتيناه موسى هدى لبني إسرائيل قيل لم يتعبد بما في التوراة ولد إسمعيل ٢٤ وجعلنا منهم أئمة يهدون بقيتهم بما في تضاعيف الكتاب من الحكم والاحكام الى طريق الحق او يهدونهم الى ما فيه من دين اللّه وشرائعه بأمرنا إياهم بذلك او بتوفيقنا له لما صبروا هي لما التي فيها معنى الجزاء نحو أحسنت إليك لما جئتنى والضمير للائمة تقديره لما صبروا جعلناهم أئمة أو هي ظرف بمعنى الحين أي جعلناهم ائمة حين صبروا والمراد صبرهم على مشاق الطاعات ومقاسات الشدائد في نصرة الدين أو صبرهم عن الدنيا وقرئ لما صبروا أي لصبرهم وكانوا بآياتنا التي في تضاعيف الكتاب يوقنون لإمعانهم فيها النظر والمعنى كذلك لنجعلن الكتاب الذي آتيناكه هدى لأمتك ولنجعلن منهم أئمة يهدون مثل تلك الهداية ٢٥ إن ربك هو يفصل أي يقضى بينهم قيل بين الانبياء وأممهم وقيل بين المؤمنين والمشركين يوم القيامة فيميز بين المحق والمباطل فيما كانوا فيه يختلفون من أمور الدين ٢٦ أو لم يهد لهم الهمزة فلإنكار والواو للعطف على منوى يقتضيه المقام وفعل الهداية إما من قبيل فلان يعطى في أن المراد إيقاع نفس الفعل بلا ملاحظة المفعول وأما بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل ما دل عليه قوله تعالى كم أهلكنا أي أغفلوا ولم يفعل الهداية لهم أو ولم يبين لهم مآل أمرهم كثرة إهلاكنا من قبلهم من القرون مثل عاد وثمود وقوم لوط وقرئ نهد لهم بنون العظمة وقد جوز أن يكون الفاعل على القراءة الاولى أيضا ضميره تعالى فيكون قوله تعالى كم أهلكنا الخ استئنافا مبينا لكيفية هدايته تعالى يمشون في مساكنهم أي يمرون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم ويشاهدون آثار هلاكهم والجملة حال من ضمير لهم وقرئ يمشون للتكثير إن في ذلك أي فيما ذكر من كثرة إهلاكنا للأمم الخالية العاتية أو في مساكنهم للآيات عظيمة في أنفسها كثيرة في عددها أفلا يسمعون هذه الايات سماع تدبر ٢٧ أولم يروا أنا نسوق الماء الى الارض الحرز أي التي جرز نباتها أي قطع وأزيل بالمرة وقيل هو اسم موضع باليمن فنخرج به من تلك الارض زرعا تأكل أي من ذلك الزرع أنعامهم كالتبن والقصيل والورق وبعض الحبوب المخصوصة بها وقرئ يأكل بالياء وأنفسهم كالحبوب التي يقتاتها الإنسان والثمار أفلا يبصرون أي الا ينظرون فلا يبصرون ذلك ليستدلوا به على كمال قدرته تعالى وفضله ٢٨ ويقولون كان المسلمون يقولون اللّه سيفتح لنا على المشركين أو يفصل بيننا وبينهم وكان أهل مكة إذا سمعوه يقولون بطريق الاستعجال تكذيبا واستهزاء متى هذا الفتح أي النصر او الفصل بالحكومة إن كنتم صادقين في أن اللّه تعالى ينصركم أو يفصل بيننا وبينكم ٢٩ قل تبكيتا لهم وتحقيقا للحق يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون يوم الفتح يوم القيامة وهو يوم الفصل بين المؤمنين وأعدائهم ويوم نصرهم عليهم وقيل هو يوم بدر وعن مجاهد والحسن يوم فتح مكة والعدول عن تطبيق الجواب على ظاهر سؤالهم للتنبيه على أنه ليس مما ينبغي ان يسأل عنه لكونه امرا بينا غنيا عن الاخبار به وكذا إيمانهم وأستنظارهم يومئذ وإنما المحتاج الى البيان عدم نفع ذلك الايمان وعدم الانظار كانه قيل لا تستعجلوا فكأنى بكم قد آمنتم فلم ينفعكم واستنظرتم فلم تنظروا وهذا على الوجه الأول ظاهر وأما على الأخيرين فالموصول عبارة عن المقتولين يؤمئذ لا عن كافة الكفرة كما في الوجه الأول كيف لا وقد نفع الايمان الطلقاء يوم الفتح وناسا آمنوا يوم بدر ٣٠ فأعرض عنهم ولا تبال بتكذيبهم وانتظر النصرة عليهم وهلاكهم إنهم منتظرون قيل أي الغلبة عليكم كقوله تعالى فتربصوا إنا معكم متربصون والأظهر أن يقال إنهم منتظرون هلاكهم كما في قوله تعالى هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظلل من الغمام الآية ويقرب منه ما قيل وانتظر عذابنا إنهم منتظرون فإن استعجالهم المذكور وعكوفهم على ما هم عليه من الكفر والمعاصى في حكم انتظارهم العذاب المترتب عليه لا محالة وقرئ على صيغة المفعول على معنى أنهم أحقاء بأن ينتظر هلاكهم أو فإن الملائكة ينتظرونه عن النبي من قرأ الم تنزيل وتبارك الذي بيده الملك أعطى من الاجر كأنما أحيا ليلة القدر وعنه من قرأ الم تنزيل في بيته لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام |
﴿ ٠ ﴾