ÓõæÑóÉõ ÇáúÃóÍúÒóÇÈö ãóÏóäöíøóÉñ æóåöíó ËóáÇóËñ æóÓóÈúÚõæäó ÂíóÉð سورة الاحزاب بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١ يأيها النبي اتق اللّه في ندائه بعنوان النبوة تنويه بشأنه وتنبيه على سمو مكانه والمراد بالتقوى المأمور به الثبات عليه والازدياد منه فإن له بابا واسعا وعرضا عريضا لا ينال مداه و لاتطع الكافرين أي المجاهرين بالكفر والمنافقين المضمرين له أي فيما يعود بوهن في الدين وإعطاء دنية فيما بين المسلمين روى أن أبا سفيان بن حرب وعكرمة بن ابي جهل وأبا الاعور السلمى قدموا عليه في الموادعة التي كانت بينه وبينهم وقام معهم عبداللّه بن ابي ومعتب بن قشير والجد بن قيس فقالوا لرسول اللّه ارفض ذكر آلهتنا وقل إنها تشفع وتنفع وندعك وربك فشق ذلك على النبي والمؤمنين وهموا بقلتهم فنزلت أي اتق اللّه في نقض العهد ونبذ الموادعة ولا تساعد الكافرين من أهل مكة والمنافقين من اهل المدينة فيما طلبوا اليك ان اللّه كان عليما حكيما مبالغا في العلم والحكمة فيعلم جميع الاشياء من المصالح والمفاسد فلا يأمرك الا بما فيه مصلحة ولا ينهاك الا عما فيه مفسدة ولا يحكم الا بما تقتضيه الحكمة البالغة فالجملة تعليل للامر والنهي مؤكد لوجوب الامتثال بهما ٢ واتبع أي في كل ما تأتي وتذر من امور الدين ما يوحي اليك من ربك من الآيات التي من جملتها هذه الآية الآمرة بتقوى اللّه الناهية عن مساعدة الكفرة والمنافقين والتعرض لعنوان الربوبية لتأكيد وجوب الامتثال بالامر ان اللّه كان بما يعملون خبيرا قيل الخطاب للرسول والجمع للتعظيم وقيل له وللمؤمنين وقيل للغائبين بطريق الالتفات ولا يخفى بعده نعم يجوز ان يكون للكل على ضرب من التغليب وايا ما كان فالجملة تعليل للامر وتأكيد لموجبه اما على الوجهين الأولين فبطريق الترغيب والترهيب كأنه قبل ان اللّه خبير بما تعملونه من الامتثال وتركه فيرتب على كل منهما جزاءه ثوابا وعقابا وأما على الوجه الاخير فبطريق الترغيب فقط كأنه قيل ان اللّه خبير بما يعمله كلا الفريقين فيرشدك الى ما فيه صلاح حالك وانتظام امرك ويطلعك على ما يعملونه من المكايد والمفاسد ويأمرك بما ينبغي لك ان تعمله في دفعها وردها فلا بد من اتباع الوحي والعمل بمقتضاه حتما ٣ وتوكل على اللّه أي فوض جميع أمورك إليه وكفى باللّه وكيلا حافظا موكولا إليه كل الامور ٤ ما جعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه شروع في إلقاء الوحي الذي أمر باتباعه وهذا مثل ضربه اللّه تعالى تمهيدا لما يعقبه من قوله تعالى وما جعل أزواجكم اللائى تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم ابناءكم وتنبيها على أن كون المظاهر منها اما وكون الدعى ابنا أي بمنزلة الام والابن في الاثار والاحكام المعهودة فيما بينهم في الاستحالة بمنزلة اجتماع قلبين في جوف واحد وقيل هو رد لما كانت العرب تزعم من أن اللبيب الأريب له قلبان ولذلك لأبي معمر أو لجميل بن سيد الفهري ذو القلبين أي ما جمع اللّه تعالى قلبين في رجل وذكر الجوف لزيادة التقرير كما في قوله تعالى ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ولا زوجية ولا أمومة في امراة ولا دعوة وبنوة في شخص لكن لا بمعنى نفى الجمع بين حقيقة الزوجية والأمومة ونفى بين حقيقة الدعوة والنبوة كما في القلب ولا بمعنى نفى الجمع بين أحكام الزوجية وأحكام الامومة ونفى الجمع بين أحكام الدعوة وأحكام النبوة على الاطلاق بل بمعنى نفى الجمع بين حقيقة الزوجية واحكام الامومة ونفى الجمع بين حقيقة الدعوة واحكام النبوة لإبطال ما كانوا عليه من إجراء أحكام الامومة على المظاهر منها وإجراء احكام النبوة على الدعى ومعنى الظهار ان يقول لزوجته أنت على كظهر امي مأخوذ من الظهر باعتبار اللفظ كالتلبية من لبيك وتعديته بمن لتضمنه معنى التجنب لأنه كان طلاقا في الجاهلية وهو في الاسلام يقتضى الطلاق أو الحرمة الى أداء الكفارة كما عدى آلى بها وهو بمعنى حلف وذكر الظهار للكناية عن البطن الذي هو عموده فإن ذكره قريب من ذكر الفرج أو التغليظ في التحريم فإنهم كانوا يحرمون إتيان الزوجة وظهرها الى السماء وقرئ اللاء وقرئ تظاهرون بحذف إحدى التاءين من تتظاهرون وتظاهرون بإدغام التاء الثانية في الظاء وتظهرون من اظهر بمعنى تظهر وتظهرون من ظهر بمعنى ظاهر كعقد بمعنى عاقد وتظهرون من ظهر ظهورا وادعياء جمع دعى وهو الذي يدعى ولدا على الشذوذ لاختصاص افعلاء بفعيل بمعنى فاعل كتقى واتقياء كأنه شبه به في اللفظ فجمع جمعه كقتلاء وأسراء ذلكم إشارة إلى ما يفهم مما ذكر من الظهار والدعاء أو الى الاخير الذي هو المقصود من مساق الكلام أي دعاءكم بقولكم هذا إبنى قولكم بافواهكم فقط من غير أن يكون له مصداق وحقيقة في الاعيان فإذن هو بمعزل من استتباع أحكام البنوة كما زعمتم واللّه يقول الحق المطابق للواقع وهو يهدى السبيل أي سبيل الحق لا غير فدعوا أقوالكم وخذوا بقوله عز و جل ٥ ادعوهم لآبائهم أي انسبوهم إليهم وخصوهم بهم وقوله تعالى هو اقسط عند اللّه تعليل له والضمير لمصدر ادعوا كما في قوله تعالى أعدلوا هو أقرب للتقوى واقسط أفعل قصد به الزيادة مطلقا من القسط بمعنى العدل أي الدعاء لآبائهم بالغ في العدل والصدق في حكم اللّه تعالى وقضائه فإن لم تعلموا آباءهم فتنسبوهم إليهم فإخوانكم فهم إخوانكم في الدين ومواليكم وأولياؤكم فيه أي فادعوهم بالاخوة الدينية والمولوبة وليس عليكم جناح أي إثم فيما خطأتم به أي فيما فعلتموه من ذلك مخطئين بالسهو أو النسيان أو سبق اللسان ولكن ما تعمدت قلوبكم أي ولكن الجناح فيما تعمدت قلوبكم بعد النهى أو ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح وكان اللّه غفورا رحيما لعفوه عن المخطئ وحكم التبني بقوله هو ابني إذا كان عبدا للفائل العتق على كل حال ولا يثبت نسبه منه إلا إذا كان مجهول النسب وكان بحيث يولد مثله لمثل المتبنى ولم يقر قبله بنسبه من غيره ٦ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم أي في كل امر من امور الدين والدنيا كما يشهد به الإطلاق فيجب عليه ان يكون احب اليهم من أنفسهم وحكمه انفذ عليهم من حكمها وحقة اثر لديهم من حقوقها وشفقتهم عليه اقدم من شفقتهم عليها روى انه أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج فقال ناس نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت وقرئ وهو أب لهم أي في الدين فإن كل نبي اب لامته من حيث إنه اصل فيما به الحياة الابدية ولذلك صار المؤمنون أخوة وأزواجه أمهاتهم أي منزلات منزلة الامهات في التحريم واستحقاق التعظيم وأما فيما عدا ذلك فهن كالاجنبيات ولذلك قالت عائشة رضى اللّه عنها لسنا أمهات النساء وأولوا الارحام أي ذو القرابات بعضهم أولى ببعض في التوارث وهو نسخ لما كان في صدر الإسلام من التوارث بالهجرة والموالاة في الدين في كتاب اللّه في اللوح أو فيما أنزله وهو هذه الآية أو آية المواريث أو فيما فرض اللّه تعالى من المؤمنين والمهاجرين بيان لأولى الارحام أو صلة لأولى أي أولو الارحام بحق القرابة اولى بالميراث من المؤمنين بحق الدين ومن المهاجرين بحق الهجرة إلا أن تفعلوا الى أوليائكم معروفا استثناء من أعم ما تقدر الأولوية فيه من النفع والمراد بفعل المعروف التوصية او منقطع كان ذلك في الكتاب مسطورا أي كان ما ذكر من الايتين ثابتا في اللوح أو القرآن وقيل في التوارة ٦ وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم أي اذكر وقت أخذنا من النبيين كافة عهودهم بتبليغ الرسالة والدعاء الى الدين الحق ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وتخصيصهم بالذكر مع اندارجهم في النبيين اندارجا بينا للإيذان بمزيد مزيتهم وفضلهم وكونهم من مشاهير ارباب الشرائع واساطين اولى العزم من الرسال وتقديم نبينا عليهم عليهم الصلاة والسلام لابانة خطره الجليل واخذنا منهم ميثاقا غليظا أي عهدا عظيم الشأن او مؤكدا باليمين وهذا هو الميثاق الأول بعينه واخذه هو اخذه والعطف مبني على تنزيل التغاير العنواني منزلة التغاير الذاتي تفخيما لشأنه كما في قوله تعالى ونجيناهم من عذاب غليظ اثر قوله تعالى فلما جاء امرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا وقوله تعالى ٨ ليسأل الصادقين عن صدقهم متعلق بمضمر مستأنف مسوق لبيان ما هو داع الى ما ذكر من اخذ الميثاق وغاية له لا بأخذنا فإن المقصود تذكير نفس الميثاق ثم بيان الغرض منه بيانا قصديا كما ينبىء عنه تغيير الاسلوب بالالتفات الى الغيبة أي فعل اللّه ذلك ليسأل يوم القيامة الانبياء ووضع الصادقين موضع ضميرهم للايذان من اول الامر بأنهم صادقون فيما سئلوا عنه وانما السؤال لحكمة تقتضيه أي ليسأل الانبياء الذين صدقوا عهدهم عما قالوه لقومهم او عن تصديقهم اياهم تبكيتا لهم كما في قوله تعالى يوم يجمع اللّه الرسل فيقول ماذا اجبتم او المصدقين لهم عن تصديقهم فإن مصدق الصادق صادق وتصديقه صدق وأما ما قيل من ان المعنى ليسأل المؤمنين الذين صدقوا عهدهم حين اشهدهم على انفسهم عن صدقهم عهدهم فيأباه مقام تذكير ميثاق النبيين وقوله تعالى واعد للكافرين عذابا اليما عطف ما ذكر من المضمر لا على اخذنا كما قيل والتوجيه بأن بعثة الرسل واخذ الميثاق منهم لاثابة المؤمنين او بأن المعنى ان اللّه تعالى اكد على الانبياء الدعوة الى دينه لاجل اثابة المؤمنين تعسف ظاهر انه مفض الى كون بيان اعداد العذاب الاليم للكافرين غير مقصود بالذات نعم يجوز عطفه على ما دل عليه قوله تعالى ليسأل الصادقين كأنه قيل فأثاب المؤمنين واعد للكافرين الآية ٩ يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم ان جعل النعمة مصدرا فالجار متعلق بها والا فهو متعلق بمحذوف هو حال منها أي كائنة عليكم اذ جاءتكم جنود ظرف لنفس النعمة او لثبوتها لهم وقيل منصوب باذكروا على انه بدل اشتمال من نعمة اللّه والمراد بالجنود الاحزاب وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير وكانوا زهاء اثنى عشر الفا فلما سمع رسول اللّه بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة بإشارة سلمان الفارسي ثم خرج في ثلاثة الاف من المسلمين فضرب معسكره والخندق بينه وبين القوم وامر بالذراري والنساء فرفعوا في الآطام واشتد الخوف وظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق في المنافقين حتى قال معتب بن قشير كان محمد يعدنا كنوز كسرى وقيصر ولا نقدر ان نذهب الى الغائط ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم الا ان فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود وعكرمة بن ابي جهل وهبيرة بن ابي وهب ونوفل بن عبد اللّه وضرار بن الخطاب ومرداس اخو بني محارب قد ركبوا خيولهم وتيمموا من الخندق مكانا مضيقا فضربوا خيولهم فاقتحموا فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع فخرج علي بن ابي طالب رضي اللّه عنه في نفر من المسلمين حتى اخذ عليهم الثغرة التي اقتحموا منها فأقبلت الفرسان نحوهم وكان عمرو معلما ليرى مكانه فقال له علي رضي اللّه عنه يا عمر واني ادعوك الى اللّه ورسوله والاسلام قال لا حاجة لي اليه فإني ادعوك الى النزال قال يا ابن اخي واللّه لا احب ان اقتلك قال على لكني واللّه احب ان اقتلك فحمى عمرو عند ذلك وكان غيورا مشهورا بالشجاعة واقتحم عن فرسه فعقره او ضرب وجهه ثم اقبل على علي فتناولا وتجاولا فضربه علي رضي اللّه عنه ضربة ذهبت فيها نفسه فلما قتله انهزمت خيله حتى اقتحمت من الخندق هاربة وقتل مع عمرو رجلين منبه بن عثمان ابن عبد الدار ونوفل بن عبد اللّه بن المغيرة المخزومي قتله أيضا علي رضي اللّه عنه وقيل لم يكن بينهم الا الترامي بالنبل والحجارة حتى انزل اللّه تعالى النصر وذلك قوله تعالى فأرسلنا عليهم ريحا عطف على جاءتكم مسوق لبيان النعمة اجمالا وسيأتي بقيتها في آخر القصة وجنودا لم تروها وهم الملائكة عليهم السلام وكانوا الفا بعث اللّه عليهم صبا باردة في ليلة شاتية فأخصرتهم وسفت التراب في وجوههم وامر الملائكة فقلعت الاوتاد وقطعت الاطناب واطفأت النيران واكفأت القدور وماجت الخيل بعضها في بعض وقذف في قلوبهم الرعب وكبرت الملائكة في جوانب عسكرهم فقال طليحة بن خويلد الاسدي اما محمد فقد بداكم بالسحر فالنجاء النجاء فانهزموا من غير قتال وكان اللّه بما تعملون من حفر الخندق وترتيب مبادي الحرب وقيل من التجائكم اليه ورجائكم من فضله وقرىء بالياء أي بما يعمله الكفار أي من التحرز والمحاربة او من الكفر والمعاصي بصيرا ولذلك فعل ما فعل من نصركم عليهم والجملة اعتراض مقرر لما قبله ١٠ اذ جاءوكم بدل من اذ جاءتكم من فوقكم من اعلى الوادي من جهة المشرق وهم بنو غطفان ومن تابعهم من اهل نجد قائدهم عيينة بن حصن وعامر بن الطفيل في هوازن وضامتهم اليهود من قريظة والنضير ومن اسفل منكم أي من اسفل الوادي من قبل المغرب وهم قريش ومن شايعهم من الاحابيش وبني كنانة واهل تهامة وقائدهم ابو سفيان وكانوا عشرة آلاف واذ زاغت الابصار عطف على ما قبله داخل معه في حكم التذكير أي حين مالت عن سننها وانحرفت عن مستوى نظرها حيرة وشخوصا وقيل عدلت عن كل شيء فلم تلتفت الا الى عدوها لشدة الروع وبلغت القلوب الحناجر لان الرئة تنتفخ من شدة الفزع فيرتفع القلب بارتفاعها الى راس الحنجرة وهي منتهى الحلقوم وقيل هو مثل في اضطراب القلوب ووجيبها وان لم تبلغ الحناجر حقيقة والخطاب في قوله تعالى وتظنون باللّه الظنونا لمن يظهر الايمان على الاطلاق أي تظنون باللّه تعالى انواع الظنون المختلفة حيث ظن المخلصون الثبت القلوب ان اللّه تعالى ينجز وعده في اعلاء دينه كما يعرب عنه ما سيحكي عنهم من قولهم هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله الآية او يمتحنهم فخافوا الزلل وضعف الاحتمال والضعاف القلوب والمنافقون ما حكى عنهم مما لا خير فيه والجملة معطوفة على زاغت وصيغة المضارع لاستحضار الصورة والدلالة على الاستمرار وقرىء الظنون بغير الف وهو القياس وزيادتها لمراعاة الفواصل كما تزاد في القوافي ١١ هنالك ظرف زمان او ظرف مكان لما بعده أي في ذلك الزمان الهائل او المكان الدحض ابتلى المؤمنون أي عوملوا معاملة من يختبر فظهر المخلص من المنافق والراسخ من المتزلزل وزلزلوا زلزالا شديدا من الهول والفزع وقرىء بفتح الزاى ١٢ واذ يقول المنافقون عطف على اذ زاغت وصيغة المضارع لما مر من الدلالة على استمرار القول واستحضار صورته والذين في قلوبهم مرض أي ضعف اعتقاد ما وعدنا اللّه ورسوله من إعلاء الدين والظفر الا غرورا أي وعد غرور وقيل قولا باطلا والقائل معتب بن قشير واضرابه راضون به قال يعدنا محمد بفتح كنوز كسرى وقيصر واحدنا لا يقدر ان يتبرز فرقا ما هذا الا وعد غرور ١٣ واذ قالت طائفة منهم هم اوس بن قيظي واتباعه وقيل عبد اللّه بن ابي واشياعه يأهل يثرب هو اسم المدينة المطهرة وقيل اسم بقعة وقعت المدينة في ناحية منها وقد نهى النبي ان تسمى بها كراهة لها وقال هي طيبة او طابة كأنهم ذكروها بذلك الاسم مخالفة له ونداؤهم اياهم بعنوان اهليتهم لها ترشيح لما بعده من الامر بالرجوع اليها لامقام لكم لا موضع اقامة لكم او لا اقامة لكم ههنا يريدون المعسكر وقرىء بفتح الميم أي لا قيام اولا موضع قيام لكم فارجعوا أي الى منازلكم بالمدينة مرادهم الامر بالفرار لكنهم عبروا عنه بالرجوع ترويجا لمقالهم وايذانا بأنه ليس من قبيل الفرار المذموم وقيل المعنى لاقيام لكم في دين محمد فارجعوا الى ما كنتم عليه من الشرك او فارجعوا عما يعتموه عليه واسلموه الى اعدائه اولا مقام لكم في يثرب فارجعوا كفارا ليتسنى لكم المقام بها والاول هو الانسب لما بعده فإن قوله تعالى ويستأذن فريق منهم النبي معطوف على قالت وصيغة المضارع لما مر من استحضار الصورة وهم بنو حارثة وبنو سلمة استأذنوه في الرجوع ممتثلين بأمرهم وقوله تعالى يقولون بدل من يستاذن او حال من فاعله أو استئناف مبنى على السؤال عن كيفية الاستئذان إن بيوتنا عورة أي غير حصينة معرضة للعدو والسراق فأذن لنا حتى نحصنها ثم نرجع الى العسكر والعورة في الاصل الخلل أطلقت على المختل مبالغة وقد جوز أن تكون تخفيف عورة من عورة الدار إذا اختلت وقد قرئ بها والاول هو الانسب بمقام الاعتذار كما يفصح عنه تصدير مقالهم بحرف التحقيق وما هي بعورة والحال أنها ليست كذلك
إن يريدون ما يريدون بالاستئذان إلا فرارا من القتال ١٤ ولو دخلت عليهم أسند لدخول إلى بيوتهم واوقع عليهم لما ان المراد فرض وهم فيها الا فرض دخولها مطلقا كما هو المفهوم لو لم يذكر الجار والمجرور ولا فرض الدخول عليهم مطلقا كما هو المفهوم لو أسند الى الجار والمجرور من أقطارها أي من جميع جوانبها لا من بعضها دون بعض فالمعنى لو كانت بيوتهم مختلة بالكلية ودخلها كل من أراد من اهل الدعارة والفساد ثم سئلوا من جهة طائفة أخرى عند تلك النازلة والرجفة الهائلة الفتنة أي الردة والرجعة الى الكفر مكان ما سئلوا الان من الايمان والطاعة لآتوها لاعطوها غير مبالين بما دهاهم من الداهية الدهياء والغارة الشعواء وقرىء لاتوها بالقصر أي لفعلوها وجاءوها وما تلبثوا بها بالفتنة أي ما البثوها وما اخروها الا يسيرا ريثما يسع السؤال والجواب من الزمان فضلا عن التعلل باختلال البيوت مع سلامتها كما فعلوا الان وقيل ما لبثوا بالمدينة بعد الارتداد الا يسيرا والاول هو اللائق بالمقام هذا وأما تخصيص فرض الدخول بتلك العساكر المتحزبة فمع منافاته للعموم المستفاد من تجريد الدخول عن الفاعل ففيه ضرب من فساد الوضع لما عرفت من ان مساق النظم الكريم لبيان انهم اذا دعوا الى الحق تعللوا بشيء يسير وان دعوا الى الباطل سارعوا اليه اثر ذي اثير من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم ففرض الدخول عليهم من جهة العساكر المذكورة واسناد سؤال الفتنة والدعوة الى الكفر الى طائفة اخرى مع ان العساكر هم المعروفون بعداوة الدين المباشرون لقتال المؤمنين المصرون على الاعراض عن الحق المجدون في الدعاء الى الكفر والضلال بمعزل من التقريب ١٥ ولقد كانوا عاهدوا اللّه من قبل لا يولون الادبار فإن بني حارثة عاهدوا رسول اللّه يوم احد حين فشلوا ان لا يعودوا لمثله وقيل هم قوم غابوا عن وقعة بدر وراوا ما اعطى اللّه اهل بدر من الكرامة والفضيلة فقالوا لئن اشهدنا اللّه قتالا لنقاتلن وكان عهد اللّه مسؤلا مطلوبا مقتضى حتى يوفي به وقيل مسئولا عن الوفاء به ومجازي عليه ١٦ قل لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت او القتل فإنه لا بد لكل شخص من حتف انف او قتل سيف في وقت معين سبق به القضاء وجرى عليه القلم واذن لا تمتعون الا قليلا أي وان نفعكم الفرار مثلا فمتعتم بالتأخير لم يكن ذلك التمتيع الا تمتيعا قليلا او زمانا قليلا ١٧ قل من ذا الذي يعصمكم من اللّه ان اراد بكم سوءا او اراد بكم رحمة أي او يصيبكم بسوء ان اراد بكم رحمة فاختصر الكلام او حمل الثاني على الأول لما في العصمة من معنى المنع ولا يجدون لهم من دون اللّه وليا ينفعهم ولا نصيرا يدفع عنهم الضرر ١٨ قد يعلم اللّه المعوقين منكم أي المثبطين للناس عن رسول اللّه وهم المنافقون والقائلين لاخوانهم من منافقي المدينة هلم الينا وهو صوت سمي به فعل متعد نحوا أحضر او قرب ويستوي فيه الواحد والجماعة على لغة اهل الحجاز وأما بنو تميم فيقولون هلم يا رجل وهلموا يا رجال أي قربوا انفسكم الينا وهذا يدل على انهم عند هذا القول خارجون من المعسكر متوجهون نحو المدينة ولا يأتون البأس أي الحراب والقتال الا قليلا أي اتيانا او زمانا او بأسا قليلا فإنهم يعتذرون ويثبطون ما امكن لهم ويخرجون مع المؤمنين يوهمونهم انهم معهم ولا تراهم يبارزون ويقاتلون الا شيئا قليلا اذا اضطروا اليه كقوله تعالى ما قاتلوا الا قليلا وقيل انه من تتمة كلامهم معناه ولا يأتي اصحاب محمد حرب الاحزاب ولا يقاومونهم الا قليلا ١٩ اشحة عليكم أي بخلاء عليكم بالمعاونة او النفقة في سبيل اللّه او الظفر والغنيمة جمع شحيح ونصبه على الحالية من فاعل يأنون او من المعوقين او على الذم فإذا جاء الخوف رايتهم ينظرون اليك تدور اعينهم في احداقهم كالذي يغشى عليه من الموت صفة لمصدر ينظرون او حال من فاعله او لمصدر تدور او حال من اعينهم أي ينظرون نظرا كائنا كنظر المغشى عليه من معالجة سكرات الموت حذرا وخورا ولو اذا بك او ينظرون كائنين كالذي الخ او تدور اعينهم دورانا كائنا كدوران عينه او تدور اعينهم كائنة كعينه فإذا ذهب الخوف وحيزت الغنائم سلقوكم ضربوكم بألسنة حداد وقالوا وفروا قسمتنا فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم وبمكاننا غلبتم عدوكم وبنا نصرتم عليه والسلق البسط بقهر باليد او باللسان وقرىء صلقوكم اشحة على الخير نصب على الحالية او الذم ويؤيده القراءة بالرفع اولئك الموصوفون بما ذكر من صفات السوء لم يؤمنوا بالاخلاص فأحبط اللّه اعمالهم أي اظهر بطلانها اذ لم يثبت لهم اعمال فتبطل او ابطل تصنعهم ونفاقهم فلم يبق مستتبعا لمنفعة دنيوية اصلا وكان ذلك الاحباط على اللّه يسيرا هينا وتخصيص يسره بالذكر مع ان كل شيء عليه تعالى يسير لبيان ان اعمالهم حقيقة بأن يظهر حبوطها لكمال تعاضد الدواعي وعدم الصوارف بالكلية ٢٠ يحسبون الاحزاب لم يذهبوا أي هؤلاء لجبنهم يظنون ان الاحزاب لم ينهزموا ففروا الى داخل المدينة وإن يأت الاحزاب كرة ثانية يودوا لو أنهم بادون في الأعراب تمنوا أنهم خارجون الى البدو حاصلون بين الاعراب وقرئ بدي جمع باد كغاز وغزى يسألون كل قادم من جانب المدينة وقرئ يساءلون أي يتساءلون ومعناه يقول بعضهم لبعض ماذا سمعت ماذا بلغك أو يتساءلون الأعراب كما يقال رايت الهلال وتراءيناه فإن صيغة التفاعل قد تجرد عن معنى كون ما أسندت إليه فاعلا من وجه ومفعولا من وجه ويكتفى بتعدد الفاعل كما في المثال المذكورة ونظائره عن أنبائكم عما جرى عليكم ولو كانوا فيكم هذه الكرة ولم يرجعوا الى المدينة وكان قتال ما قاتلوا إلا قليلا رياء وخوفا من التعيير ٢١ لقد كان لكم في رسول اللّه اسوة حسنة خصلة حسنة حقها يؤتسى بها كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد او هو في نفسه قدوة يحق النأسي به كقولك في البيضة عشرون منا حديدا أي هي في نفسها هذا القدر من الحديد وقرئ بكسر الهمزة وهي لغة فيها لمن كان يرجو اللّه واليوم الاخر أي ثواب اللّه او لقاءه أو أيام اللّه واليوم الاخر خصوصا وقيل هو مثل قولك أرجو زيدا وفضله فإن اليوم الاخر من أيام اللّه تعالى ولمن كان صلة لحسنة او صفة لها وقيل بدل من لكم والاكثرون على أن ضمير المخاطب لا يبدل منه وذكر اللّه أي وقرن بالرجاء ذكر اللّه كثيرا أي ذكرا كثيرا أو زمانا كثيرا فإن المثابرة على ذكره تعالى تؤدي الى ملازمة الطاعة وبها يتحقق الائتساء برسول اللّه ٢٢ ولما راى المؤمنون الاحزاب بيان لما صدر عن خلص المؤمنين عند اشتباه الشئون واختلاف الظنون بعد حكاية ما صدر عن غيرهم أي لما شاهدوهم حسبما وصفوا لهم قالوا هذا مشيرين الى ما شاهدوه من حيث هو من غير أن يخطر ببالهم لفظ يدل عليه فضلا عن تذكيره وتأنيثه فإنهما من أحكام اللفظ كما مر في قوله تعالى فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى وجعله إشارة الى الخطب او البلاء من نتائج النظر الجليل فتدبر نعم يجوز التذكير باعتبار الخبر بالذي هو ما وعدنا اللّه ورسوله فإن ذلك العنوان اول ما يخطر ببالهم عند المشاهدة ومرادهم بذلك ما وعدوه بقوله تعالى أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء الى قوله تعالى ألا إن نصر اللّه قريب وقوله سيشتد الامر باجتماع الاحزاب عليكم والعاقبة لكم عليهم وقوله إن الاحزاب سائرون إليكم بعد تسع ليال أو عشر وقرئ بكسر الراء وفتح الهمزة وصدق اللّه ورسوله أي ظهر صدق خبر اللّه تعالى ورسوله أو صدقا في النصرة والثواب كما صدقا في البلاء وإظهار الاسم للتعظيم وما زادهم أي ما رأوه إلا إيمانا باللّه تعالى وبمواعيده وتسليما لأوامره ومقاديره ٢٣ من المؤمنين أي المؤمنين بالإخلاص مطلقا لا الذين حكيت محاسنهم خاصة رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه من الثبات مع الرسول والمقاتلة لأعداء الدين وهم رجال من الصحابة رضى اللّه عنهم نذروا انهم إذا لقوا حربا مع رسول اللّه ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا وهم عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد اللّه وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وحمزة ومصعب ابن عمير وانس بن النضر وغيرهم رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين ومعنى صدقوا أتوا بالصدق من صدقنى إذا قال لك الصدق ومحل ما عاهدوا النصب إما بطرح الخافض عنه وإيصال الفعل إليه كما في قولهم صدقنى سن بكره أي في سنة وأما يجعل المعاهد عليه مصدوقا على المجاز كأنهم خاطبوه خطاب من قال لكرمائه نحرتنى الاعداء إن لم تنحرى وقالوا له سنفى بك وحيث وفوا به فقد صدقوه ولو كانوا نكثوه لكذبوه ولكان مكذوبا فمنهم من قضى نحبه تفصيل لحال الصادقين وتقسيم الى قسمين والحب النذر وهو أن يلتزم الانسان شيئا من أعماله ويوجبه على نفسه وقضاؤه الفراغ منه والوفاء به ومحل الجار والمجرور الرفع على الابتداء على أحد الوجهين المذكورين في قوله تعالى ومن الناس من يقول آمنا باللّه الآية أي فبعضهم أو فبعض منهم من خرج عن العهدة كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر عم أنس ابن مالك وغيرهم رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين فإنهم قد قضوا نذورهم سواء كان النذر على حقيقته بأن يكون ما نذروه افعالهم الاختيارية التي هي المقاتلة المغياة بما ليس منها ولا يدخل تحت النذر وهو الموت شهيدا أو كان مستعارا لالتزامه على ما سيأتي ومنهم أي وبعضهم أو وبعض منهم من ينتظر أي قضاء نحبه لكونه موقتا كعثمان وطلحة وغيرهما ممن استشهد بعد ذلك رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين فإنهم مستمرون على نذورهم قد قضوا بعضها وهو الثبات مع رسول اللّه والقتال الى حين نزول الآية الكريمة ومنتظرون لقضاء بعضها الباقي وهو القتال الى الموت شهيدا هذا ويجوز ان يكون النحب مستعارا لالتزام الموت شهيدا إما بتنزيل اسبابه التي هي أفعال اختيارية للناذر منزلة الالتزام نفسه وأما بتتزيل نفسه منزلة اسبابه وإيراد الالتزام عليه وهو الانسب بمقام المدح وأياما كان في وصفهم بالانتظار المنبئ عن الرغبة في المنتظر شهادة حقة بكمال اشتياقهم الى الشهادة وأما ما قيل من أن النحب استعير للموت لانه كنذر لازم في رقبة كل حيوان فمسخ للاستعارة وذهاب برونقها وإخراج للنظم الكريم عن مقتضى المقام بالكلية وما بدلوا عطف على صدقوا وفاعله فاعله أي وما بدلوا عهدهم وما غيروه تبديلا أي تبديلا ما لا اصلا ولا وصفا بل ثبتوا عليه راغبين فيه مراعين لحقوقه على أحسن ما يكون أما الذين قضوا فظاهر وأما الباقون فيشهد به انتظارهم اصدق شهادة وتعميم عدم التبديل للفريق الأول مع ظهور حالهم للإيذان بمساواة الفريق الثاني لهم في الحكم ويجوز أن يكون ضمير بدلوا للمنتظرين خاصة بناء على ان المحتاج الى البيان حالهم وقد روى أن طلحة رضى اللّه عنه ثبت مع رسول اللّه يوم أحد حتى أصيبت يده فقال اوجب طلحة الجنة وفي رواية أوجب طلحة وعنه في رواية جابر رضى اللّه عنه من سره ان ينظر الى شهيد يمشي على الارض فلينظر الى طلحة بن عبيد اللّه وفي رواية عائشة رضى اللّه عنها من سره أن ينظر الى شهيد يمشى على الارض وقد قضى نحبه فلينظر الى طلحة وهذا يشير الى انه من الاولين حكما ٢٤ ليجزى اللّه الصادقين بصدقهم متعلق بمضمر مستأنف مسوق بطريق الفذلكة لبيان ما هو داع الى وقوع ما حكى من الاحوال والاقوال على التفصيل وغاية له كما مر في قوله تعالى ليسأل الصادقين عن صدقهم كأنه قيل وقع جميع ما وقع ليجزى اللّه الصادقين بما صدر عنهم من الصدق والوفاء قولا وفعلا ويعذب المنافقين بما صدر عنهم من الاعمال والاقوال المحكية إن شاء تعذيبهم أو يتوب عليهم إن تابوا وقيل متعلق بما قبله من نفي التبديل المنطوق وإثباته المعرض به كأن المنافقين قصدوا بالتبديل عاقبة السوء كما قصد المخلصون بالثبات والوفاء العاقبة الحسنى وقيل تعليل لصدقوا وقيل لما يفهم من قوله تعالى وما زادهم إلا إيمانا وتسليما وقيل لما يستفاد من قوله تعالى ولما رأى المؤمنون الاحزاب كأنه قيل ابتلاهم اللّه تعالى برؤية ذلك الخطيب ليجزي الآية فتأمل وباللّه التوفيق إن اللّه كان غفورا رحيما أي لمن تاب وهو اعتراض فيه بعث الى التوبة وقوله تعالى ورد اللّه الذين كفروا رجوع الى حكاية بقية القصة وتفصيل تتمة النعمة المشار اليها اجمالا بقوله تعالى فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها معطوف إما على المضمر المقدر قبل قوله تعالى ليجزى اللّه كأنه قيل إثر حكاية الأمور المذكورة وقع ما وقع من الحوادث ٢٥ ورد اللّه الخ و إما على أرسلنا وقد وسط بينهما بيان كون ما نزل بهم واقعة طامة تحيرت بها العقول والافهام وداهية تامة تحاكت منها الركب وزلت الاقدام وتفصيل ما صدر عن فريقي اهل الايمان وأهل الكفر والنفاق من الاحوال والاقوال لإظهار عظم النعمة إبانه خطرها الجليل ببيان وصولها إليهم عند غاية احتياجهم إليها أي فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ورددنا بذلك الذين كفروا والالتفات الى الاسم الجليل لتربية المهابة وإدخال الروعة وقوله تعالى بغيظهم حال من الموصول أي ملتبسين به وكذا قوله تعالى لم ينالوا خيرا بتداخل أو تعاقب أي غير ظافرين بخير أو الثانية بيان للاولى او استئناف وكفى اللّه المؤمنين القتال بما ذكر من إرسال الريح والجنود وكان اللّه قويا على إحداث كل ما يريد عزيزا غالبا على كل شئ ٢٦ وأنزل الذين ظاهر وهم أي عاونوا الاحزاب المردودة من أهل الكتاب وهم بنو قريظة من صياصيهم من حصونهم جميع صيصية وهي ما يتحصن به ولذلك يقال لقرن الثور والظبى وشوكة الديك وقذف في قلوبهم الرعب الخوف الشديد بحيث اسلموا أنفسهم للقتل وأهليهم وأولادهم للأسر حسبما ينطق به قوله تعالى فريقا تقتلون وتأسرون فريقا من غير أن يكون من جهتهم حراك فضلا عن المخالفة والاستعصاء روى أن جبريل عليه السلام أتى رسول صبيحة الليلة التي انهزم فيها الاحزاب ورجع المسلمون الى المدينة ووضعوا السلاح فقال اتنزع لامتك والملائكة ما وضعوا السلاح ان اللّه يأمرك ان تسير الى بني قريظة وانا عامد اليهم فأذن في الناس ان لا يصلوا العصر الا ببني قريظة فحاصروهم احدى وعشرين او خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار فقال لهم تنزلون على حكمى فأبوا فقال على حكم سعد بن معاذ فرضوا به فحكم سعد بقتل وسبي ذراريهم ونسائهم فكبر النبي وقال لقد حكمت بحكم اللّه من فوق سبعة ارقعة فقتل منهم ستمائة مقاتل وقيل من ثمانمائة الى تسعمائة واسر سبعمائة وقرىء تأسرون بضم السين كما قرىء الرعب بضم العين ولعل تأخير المفعول في الجملة الثانية مع ان مساق الكلام لتفصيله وتقسيمه كما في قوله تعالى ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون وقوله تعالى فريقا كذبوا وفريقا يقتلون لمراعاة الفواصل ٢٧ واورثكم ارضهم وديارهم أي حصونهم واموالهم ونقودهم واثاثهم ومواشيهم روى ان رسول اللّه جعل عقارهم للمهاجرين دون الانصار فقالت الانصار في ذلك فقال إنكم في منازلكم فقال عمر رضى اللّه عنه أما تخمس كما خمست يوم بدر فقال لا إنما جعلت هذه لي طعمة دون الناس قالوا رضينا بما صنع اللّه ورسوله وأرضا لم تطئوها أي أورثكم في علمه وتقديره أرضا لم تقبضوها بعد كفارس والروم وقيل كل أرض تفتح الى يوم القيامة وقيل خيبر وكان اللّه على كل شئ قديرا فقد شاهدتم بعض مقدوراته من إيراث الاراضي التي تسلمتموها فقيسوا عليها ما عداها ٢٨ يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا أي السعة والتنعم فيها وزينتها وزخافها فتعالين أي أقبلن بارادتكن واختياركن لأحدى الخصلتين كما يقال أقبل يخاصمني وذهب يكلمني وقام يهددني امتعكن بالجزم جوابا للأمر وكذا واسرحكن أي أعطكن المتعة وأطلقكن سراحا جميلا طلاقا من غير ضرار وقرئ بالرفع على الاستئناف روى أنهن سألنه ثياب الزينة وزيادة النفقة فنزلت فبدأ بعائشة فخيرها فاختارت اللّه ورسوله والدار الآخرة ثم اختارت الباقيات اختيارها فشكر لهن اللّه ذلك فنزل لا يحل لك النساء من بعد واختلف في أن هذا التخيير هل كان تفويض الطلاق إليهن حتى يقع الطلاق بنفس الاختيار أولا فذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم الى انه لم يكن تفويض الطلاق وإنما كان تخييرا لهن بين الارادتين على أنهن إن أردن الدنيا فارقهن كما ينبئ عنه قوله تعالى فتعالين امتعكن وأسرحكن وذهب آخرون الى أنه كان تفويضا للطلاق إليهن حتى لو أنهن اخترن انفسهن كان ذلك طلاقا وكذا اختلف في حكم التخيير فقال ابن عمر وابن مسعود وابن عباس رضى اللّه عنهم إذا خير رجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شئ أصلا ولو اختارت نفسها وقعت طلقة بائنة عندنا ورجعية عند الشافعى وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن ابي ليلى وسفيان وروى عن زيد بن ثابت انها إن اختارت زوجها يقع طلقة واحدة وإن اختارت نفسها يقع ثلاث طلقات وهو قول الحسن ورواية عن مالك وروى عن علي رضى اللّه عنه أنها إن اختارت زوجها فواحدة رجعية وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة وروى عنه أيضا انها إن اختارت زوجها لا يقع شئ أصلا وعليه إجماع فقهاء الأمصار وقد روى عن عائشة رضي اللّه عنها خيرنا رسول اللّه فاخترناه ولم يعده طلاقا وتقديم التمتيع على التسريح من باب الكرم وفيه قطع لمعاذيرهن من أول الامر والمتعة في المطلقة التي لم يدخل بها ولم يفرض لها صداق عند العقد واجبة عندنا وفيما عداهن مستحبة وهي درع وخمار وملحفة بحسب السعة والاقتار إلا أن يكون نصف مهرها أقل من ذلك فحينئذ يجب لها الاقل منهما ولا ينقص عن خمسة دراهم ٢٩ وإن كنتن تردن اللّه ورسوله أي تردن رسوله وذكر اللّه عز و جل للإيذان بجلالة محله عنده تعالى والدار الآخرة أي نعيمها الذي لا قدر عنده للدنيا وما فيها جميع ا فإن اللّه اعد للمحسنات منكن بمقابلة إحسانهن أجرا عظيما لا يقادر قدره ولا يبلغ غايته ومن للتبيين لأن كلهن محسنات وتجريد الشرطية الأولى عن الوعيد للمبالغة في تحقيق معنى التخيير والاحتراز عن شائبة الإكراه وهو السر فيما ذكر من تقديم التمتيع على التسريح وفي وصف السراح بالجميل ٣٠ يا نساء النبي تلوين للخطاب وتوجيه له إليهن لإظهار الاعتناء بنصحهن ونداؤهن ههنا وفيما بعده بالاضافة اليه لأنها التي يدور عليها ما يرد عليهن من الاحكام من يأت منكن بفاحشة بكبيرة مبينة ظاهرة القبح من بين بمعنى تبين وقرئ بفتح الياء والمراد بها كل ما اقترفن من الكبائر وقيل هي عصيانهن لرسول اللّه ونشوزهن وطلبهن منه ما يشق عليه او ما يضيق به ذرعه ويغتم لأجله وقرئ تأت بالفوقانية يضاعف لها العذاب ضعفين أي يعذبن ضعفى عذاب غيرهن أي مثليه لأن الذنب منهن اقبح فإن زيادة قبحه تابعة لزيادة فضل المذنب والنعمة عليه ولذلك جعل حد الحر ضعف حد الرقيق وعوتب الانبياء عليهم الصلاة والسلام بما لا يعاتب به الامم وقرئ يضعف على البناء للمفعول ويضاعف ونضعف بنون العظمة على البناء للفاعل ونصب العذاب وكان ذلك على اللّه يسيرا لا يمنعه عن التضعيف كونهن نساء النبي بل يدعوه اليه لمراعاة حقه ٣١ ومن يقنت منكن وقرئ بالتاء أي ومن يدم على الطاعة للّه ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين مرة على الطاعة والتقوى وأخرى على طلبهن رضا رسول اللّه بالقناعة وحسن المعاشرة وقرئ يعمل بالياء حملا على لفظ من ويؤتها على أن فيه ضمير اسم اللّه تعالى وأعتدنا لها في الجنة زيادة على اجرها المضاعف رزقا كريما مرضيا ٣٢ يا نساء النبي لستن كأحد النساء اصل أحد وحد بمعنى الواحد ثم وضع في النفي مستويا فيه المذكر والمؤنث والواحد والكثير والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء في الفضل والشرف إن اتقيتن مخالفة حكم اللّه تعالى ورضا رسوله أو إن اتصفتن بالتقوى كما هو اللائق بحالكن فلا تخضعن بالقول عند مخاطبة الناس أي لا تجبن بقولكن خاضعا لينا على سنن قول المريبات والمومسات فيطمع الذي في قلبه مرض أي فجور وريبة وقرئ بالجزم عطفا على محل فعل النهى على انه نهى لمريض القلب عن الطمع عقيب نهيهن عن الاطماع بالقول الخاضع كانه قيل فلا تخضعن بالقول فلا يطمع مريض القلب وقلن قولا معروفا بعيدا عن الريبة والاطماع بحد وخشونة من غير تخنيث أو قولا حسنا مع كونه خشنا ٣٣ وقرن في بيوتكن امر من قريقر من باب علم وأصله اقررن فحذفت الراء الاولى والقيت فتحتها على ما قبلها كما في قولك ظلن أو من قار يقار إذا اجتمع وقرئ بكسر القاف من وقر يقر وقارا إذا ثبت واستقر وأصله أوقرن ففعل به ما فعل بعدن من وعد او من قريقر حذفت إحدى راءى اقررن ونقلت كسرتها الى القاف كما تقول ظلن ولا تبرجن أي لا تتبخترن في مشيكن تبرج الجاهلية الاولى أي تبرجا مثل تبرج النساء في الجاهلية القديمة وهي ما بين آدم ونوح وقيل ما بين إدريس ونوح عليهما السلام وقيل الزمان الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام كانت المرأة تلبس درعها من اللؤلؤ فتمشى وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال وقيل زمن داود وسليمان عليهما السلام والجاهلية الاخرى ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام وقيل الجاهلية الاولى جاهلية الكفر والجاهلية الاخرى الفسوق في الاسلام ويؤيد قوله لأبى الدرداء إن فيك جاهلية قال جاهلية كفر او جاهلية إسلام قال بل جاهلية كفر وأقمن الصلاة وآتين الزكاة أمرن بهما لإنافتهما على غيرهما وكونهما اصلى الطاعات البدنية والمالية وأطعن اللّه ورسوله أي في كل ما تأتن وما تذرن لا سيما فيما امرتن به ونهيتن عنه إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أي الذنب المدنس لعرضكم وهو تعليل لأمرهن ونهيهن على الاستئناف ولذلك عمم الحكم بتعمميم الخطاب لغيرهن وصرح بالمقصود حيث قيل بطريق النداء أو المدح أهل البيت مرادا بهم من حواهم بيت النبوة ويطهركم من أوضار الأوزار والمعاصي تطهيرا بليغا واستعارة الرجس للمعصية والترشيح بالتطهير لمزيد التنفير عنها وهذه كما ترى آية بينة وحجة نيرة على كون نساء النبي من أهل بيته قاضية ببطلان راى الشيعة في تخصيصهم أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما رضوان اللّه عليهم وأما ما تمسكوا به من أن رسول اللّه خرج ذات غدوة وعليه مرط مرجل من شعر اسود وجلس فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء على فادخله فيه ثم جاء الحسن والحسين فادخلهما فيه ثم قال إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت فإنما يدل على كونهم من أهل البيت لاعلى ان من عداهم ليسوا كذلك ولو فرضت دلالته على ذلك لما اعتد بها لكونها في مقابلة النص ٣٤ واذكرن ما يتلى في بيوتكن أي اذكرن للناس بطريق العظة والتذكير ما يتلى في بيوتكن من آيات اللّه والحكمة من الكتاب الجامع بين كونه آيات اللّه البينة الدالة على صدق النبوة بنظمه المعجز وكونه حكمة منطوية على فنون العلوم والشرائع وهو تذكير بما أنعم عليهن حيث جعلهن أهل بيت النبوة ومهبط الوحى وما شاهدن من برحاء الوحي مما يوجب قوة الايمان والحرص على الطاعة حثا على الانتهاء والائتمار فيما كلفنه والتعرض للتلاوة في البيوت دون النزول فيها مع أنه الأنسب لكونها مهبط الوحي لعمومها لجميع الآيات ووقوعها في كل البيوت وتكررها الموجب لتمكنهن من الذكر والتذكير بخلاف النزول وعدم تعيين التالي لتعم تلاوة جبريل وتلاوة النبي عليهما الصلاة والسلام وتلاوتهن وتلاوة غيرهن تعليما وتعلما إن اللّه كان لطيفا خبيرا يعلم ويدبر ما يصلح في الدين ولذلك فعل ما فعل من الامر والنهي أو يعلم من يصلح للنبوة ومن يستاهل ان يكون من اهل بيته ٣٥ إن المسلمين والمسلمات أي الداخلين في السلم المنقادين لحكم اللّه تعالى من الذكور والإناث والمؤمنين والمؤمنات المصدقين بما يجب أن يصدق به من الفريقين والقانتين والقانتات المداومين على الطاعة القائمين بها والصادقين والصادقات في القول والعمل والصابرين والصابرات على الطاعات وعن المعاصي والخاشعين والخاشعات المتواضعين للّه بقلوبهم وجوارحهم والمتصدقين والمتصدقات بما وجب في مالهم والصائمين والصائمات الصوم المفروض والحافظين فروجهم والحافظات عن الحرام والذاكرين اللّه كثيرا والذاكرات بقلوبهم وألسنتهم أعد اللّه لهم بسبب ما عملوا من الحسنات المذكورة مغفرة اقترفوا من الصغائر لأنهن مكفرات بما عملوا من الاعمال الصالحة وأجرا عظيما على ما صدر عنهم من الطاعات والايات وعدلهن ولامثالهن على الطاعة والتدرع بهذه الخصال الحميدة روى أن أزواج النبي ورضى عنهن قلن يا رسول اللّه ذكر اللّه الرجال في القرآن بخير فما فينا خير نذكر به إنا نخاف ان لا تقبل منا طاعة فنزلت وقيل السائلة ام سلمة وروى انه لما نزل في نساء النبي ما نزل قال نساء المؤمنين فما نزل فينا شئ فنزلت وعطف الإناث على الذكور لاختلاف الجنسين وهو ضروري وأما عطف الزوجين على الزوجين فلتغاير الوصفين فلا يكون ضروريا ولذلك ترك في قوله تعالى مسلمات مؤمنات وفائدته الدلالة على ان مدار إعداد ما أعد لهم جمعهم بين هذه النعوت الجميلة ٣٦ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة أي ما صح وما استقام لرجل ولا امرأة من المؤمنين والمؤمنات إذا قضى اللّه ورسوله امرا أي إذا قضى رسول اللّه وذكر اللّه تعالى لتعظيم امره او للإشعار بأن قضاءه قضاء اللّه عز و جل لأنه نزل في زينب بنت جحش بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب خطبها رسول اللّه لزيد بن حارثة فابت هي وأخوها عبد اللّه وقيل في ام كلثوم بنت عقبة بن ابي معيط وهبت نفسها للنبي فزوجها من زيد فسخطت هي واخوها وقالا إنما أردنا اللّه ورسول اللّه فزوجنا عبده ان يكون لهم الخيرة من أمرهم أن يختاروا من امرهم ما شاءوا بل يجب عليهم أن يجعلوا رايهم تبعا لرأيه واختيارهم تلو الاختيار وجمع الضميرين لعموم مؤمن ومؤمنة لوقوعهما في سياق النفي وقيل الضمير الثاني الرسول والجمع للتعظيم وقرئ تكون بالتاء ومن يعص اللّه ورسوله في أمر من الأمور ويعمل فيه برايه فقد ضل طريق الحق ضلال مبينا أي بين الانحراف عن سنن الصواب ٣٧ وإذ تقول أي واذكر وقت قولك الذي انعم اللّه عليه بتوفيقه للإسلام وتوفيقك لحسن تربيته ومراعاته وأنعمت عليه بالعمل بما وفقك اللّه له من فنون الاحسان التي من جملتها تحريره وهو زيد بن حارثة وإيراده بالعنوان المذكور لبيان منافاة حالة لما صدر عنه من إظهار خلاف ما في ضميره إذ هو إنما يقع عند الاستحياء او الاحتشام وكلاهما مما لا يتصور في حق زيد امسك عليك زوجك أي زينب وذلك أنه ابصرها بعد ما أنكحها إياه فوقعت في نفسه حالة جبلية لا يكاد يسلم منها البشر فقال سبحان اللّه مقلب القلوب وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن لذلك ووقع في نفسه كراهة صحبتها فاتى النبي وقال اريد ان افارق صاحبتي فقال مالك أرابك منها شئ قال لا واللّه ما رأيت منها إلا خيرا ولكنها لشرفها تتعظم على فقال له امسك عليك زوجك واتق اللّه في امرها فلا تطلقها إضرارا وتعللا بتكبرها وتخفى في نفسك ما اللّه مبديه وهو نكاحها إن طلقها أو إرادة طلاقها وتخشى الناس تعييرهم إياك به واللّه احق ان تخشاه إن كان فيه ما يخشى والواو للحال وليست المعاتبة على الاخفاء وحده بل على الاخفاء مخافة قالة الناس وإظهار ما ينافى إضمار فإن الاولى في أمثال ذلك أن يصمت او يفوض الامر الى ربه فلما قضى زيد منها وطرا بحيث لم يبق له فيها حاجة وطلقها وانقضت عدتها وقيل قضاء الوطر كناية عن الطلاق مثل لا حاجة لي فيك زوجناكها وقرئ زوجتكها والمراد الأمر بتزويجها منه وقيل جعلها زوجته بلا واسطة عقد ويؤيده أنها كانت تقول لسائر نساء النبي إن اللّه تعالى تولى نكاحى وانتن زوجكن اولياؤكن وقيل كان زيد السفير في خطبتها وذلك ابتلاء عظيم وشاهد عدل بقوة إيمانه لكيلا يكون على المؤمنين حرج ضيق ومشقة في أزواج ادعيائهم أي في حق تزوجهن إذا قضوا منهن وطرا فإن لهم في رسول اللّه أسوة حسنة وفيه دلالة على ان حكمه وحكم الامة سواء إلا ما خصه الدليل وكان امر اللّه أي ما يرتد تكوينه من الامور أو مأموره الخاص بكن مفعولا مكونا لا محالة اعتراض تذييلى مقرر لما قبله ٣٨ ما كان على النبي من حرج أي ما صح وما استقام في الحكمة ان يكون له ضيق فيما فرض اللّه له أي قسم له وقدر من قولهم فرض له في الديوان كذا ومنه فروض العساكر لأعطياتهم سنة اللّه اسم موضوع موضع المصدر كقولهم ترابا وجندلا مؤكد لما قبله من نفى الحرج أي سن اللّه ذلك سنة في الذين خلوا مضوا من قبل من الانبياء عليهم الصلاة والسلام حيث وسع عليهم في باب النكاح وغيره ولقد كانت لداود عليه السلام مائة امرأة وثلثمائة سرية ولسليمان عليه السلام ثلثمائة امرأة وسبعمائة وقوله تعالى وكان امر اللّه قدرا مقدورا أي قضاء مقضيا وحكما مبتوتا اعتراض وسط بين الموصولين الجاريين مجرى الواحد للمسارعة الى تقرير نفى الحرج وتحقيقه ٣٩ الذين يبلغون رسالات اللّه صفة للذين خلوا أو مدح لهم بالنصب او بالرفع وقرئ رسالة اللّه ويخشونه في كل ما يأتون ويذرون لا سيما في امر تبليغ الرسالة حيث لا يخرمون منها حرفا ولا تأخذهم في ذلك لومة لائم ولا يخشون احدا الا اللّه في وصفهم بقصرهم الخشية على اللّه تعالى تعريض بما صدر عنه من الاحتراز عن لائمة الخلق بعد التصريح في قوله تعالى وتخشى الناس واللّه احق ان تخشاه وكفى باللّه حسيبا كافيا للمخاوف فينبغي ان لا يخشى غيره او محاسبا على الصغيرة والكبيرة فيجب ان يكون حق الخشية منه تعالى ٤٠ ما كان محمد ابا احد من رجالكم أي على الحقيقة حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الولد وولده من حرمة المصاهرة وغيرها ولا ينتقض عمومه بكونه ابا الطاهر والقاسم وابراهيم لانهم لم يبلغوا الحلم ولو بلغوا لكانوا رجالا له لا لهم ولكن رسول اللّه أي كان رسولا للّه وكل رسول ابو امته لكن لا حقيقة بل بمعنى انه شفيق ناصح لهم وسبب لحياتهم الابدية وما زيد الا واحد من رجالكم الذين لا ولادة بينهم وبينه فحكمه حكمهم وليس للتبني والادعاء حكم سوى التقريب والاختصاص وخاتم النبيين أي كان آخرهم الذي ختموا به وقرىء بكسر التاء أي كان خاتمهم ويؤيده قراءة ابن مسعود ولكن نبيا ختم النبيين وايا ما كان فلو كان له ابن بالغ لكان نبيا ولم يكن هو خاتم النبيين كما يروي انه قال في ابراهيم حين توفي لو عاش لكان نبيا ولا يقدح فيه نزول عيسى بعده عليهما السلام لان معنى كونه خاتم النبيين انه لا ينبأ احد بعده وعيسى ممن نبيء قبله وحين ينزل انما ينزل عملا على شريعة محمد مصليا الى قبلته كأنه بعض امته وكان اللّه بكل شيء عليما ومن جملته هذه الاحكام والحكم التي بينها لكم وكنتم منها في شك مريب ٤١ يأيها الذين آمنوا اذكروا اللّه بما هو اهله من التهليل والتحميد والتمجيد والتقديس ذكرا كثيرا يعم الاوقات والاحوال ٤٢ وسبحوه ونزهوه عما لا يليق به بكرة واصيلا أي اول النهار واخره على ان تخصيصهما بالذكر ليس لقصر التسبيح عليهما دون سائر الاوقات بل لابانة فضلهما على سائر الاوقات لكونهما مشهودين كأفراد التسبيح من بين الاذكار مع اندراجه فيها لكونه العمدة فيها وقيل كلا الفعلين متوجه اليهما كقولك صم وصل يوم الجمعة وقيل المراد بالتسبيح الصلاة ٤٣ هو الذي يصلي عليكم الخ استئناف جار مجري التعليل لما قبله من الامرين فإن صلاته تعالى عليهم مع عدم استحقاقهم لها وغناه عن العالمين مما يوجب عليهم المداومة على ما يستوجبه تعالى عليهم من ذكره تعالى وتسبيحه وقوله تعالى وملائكته عطف على المستكن في يصلي لمكان الفصل المغني عن التأكيد بالمنفصل لكن لا على ان يراد بالصلاة الرحمة اولا والاستغفار ثانيا فإن استعمال اللفظ الواحد في معنيين متغايرين مما لا مساغ له بل على ان يراد بهما معنى مجازي عام يكون كلا المعنيين فردا حقيقيا له وهو الاعتناء بما فيه خيرهم وصلاح امرهم فإن كلا من الرحمة والاستغفار فرد حقيقي له او الترحم والانعطاف المعنوي المأخوذ من الصلاة المشتملة على الانعطاف الصوري الذي هو الركوع والسجود ولا ريب في ان استغفار الملائكة ودعاءهم للمؤمنين ترحم عليهم وأما ان ذلك سبب للرحمة لكونهم مجابي الدعوة كما قيل فاعتباره ينزع الى الجمع بين المعنيين المتغايرين فتدبر ليخرجكم من الظلمات الى النور متعلق بيصلي أي يعتني بأموركم هو وملائكته ليخرجكم بذلك من ظلمات المعصية الى نور الطاعة وقوله تعالى وكان بالمؤمنين رحيما اعتراض مقرر لمضمون ما قبله أي كان بكافة المؤمنين الذين انتم من زمرتم رحيما ولذلك يفعل بكم ما يفعل من الاعتناء بإصلاحكم بالذات وبالواسطة ويهديكم الى الايمان والطاعة او كان بكم رحيما على ان المؤمنين مظهر وضع موضع المضمر مدحا لهم واشعارا بعلة الرحمة وقوله تعالى ٤٤ تحيتهم يوم يلقونه سلام بيان للاحكام الآجلة لرحمة اللّه تعالى بهم بعد بيان آثارها العاجلة التي هي الاعتناء بأمرهم وهدايتهم الى الطاعة أي ما يحيون به على انه مصدر اضيف الى مفعوله يوم لقائه عند الموت او عند البعث من القبور او عند دخول الجنة تسليم عليهم من اللّه عز و جل تعظيما لهم او من الملائكة بشارة لهم بالجنة او تكرمة لهم كما في قوله تعالى والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم او اخبار بالسلامة عن كل مكروه وآفة وقوله تعالى واعد لهم اجرا كريما بيان لآثار رحمته الفائضة عليهم بعد دخول الجنة عقيب بيان آثار رحمته الواصلة اليهم قبل ذلك ولعل ايثار الجملة الفعلية على الاسمية المناسبة لما قبلها بأن يقال مثلا واجرهم اجر كريم او ولهم اجر كريم للمبالغة في الترغيب والتشويق الى الموعود ببيان ان الاجر الذي هو المقصد الاقصى من بين سائر آثار الرحمة موجود بالفعل مهيأ لهم مع ما فيه من مراعاة الفواصل ٤٥ يأيها النبي انا ارسلناك شاهدا على من بعثت اليهم تراقب احوالهم وتشاهد اعمالهم وتتحمل منهم الشهادة بما صدر عنهم من التصديق والتكذيب وسائر ما هم عليه من الهدى والضلال وتؤديها يوم القيامة اداء مقبولا فيما لهم وما عليهم وهو حال مقدرة ومبشرا ونذيرا تبشر المؤمنين بالجنة وتنذر الكافرين بالنار ٤٦ وداعيا الى اللّه أي الى الاقرار به وبوحدانيته وبسائر ما يجب الايمان به من صفاته وافعاله بإذنه أي بتيسيره اطلق عليه مجازا لما انه من اسبابه وقيد به الدعوة ايذانا بأنها امر صعب المنال وخطب في غاية الاعضال لا يتأتي الا بإمداد من جناب قدسه كيف لا وهو صرف للوجوه عن القبل المعبودة وادخال الاعناق في قلادة غير معهودة وسراجا منيرا يستضاء به في ظلمات الجهل والغواية ويهتدي بأنواره الى مناهج الرشد والهداية ٤٧ وبشر المؤمنين عطف على مقدر يقتضيه المقام ويستدعيه النظام كأنه قيل فراقب احوال الناس وبشر المؤمنين منهم بأن لهم من اللّه فضلا كبيرا أي على مؤمني سائر الامم في الرتبة والشرف او زيادة على اجور اعمالهم بطريق التفضل والاحسان ٤٨ ولا تطع الكافرين والمنافقين نهى عن مداراتهم في امر الدعوة واستعمال لين الجانب في التبليغ والمسامحة في الانذار كنى عن ذلك بالنهي عن طاعتهم مبالغة في الزجر والتنفير عن المنهي عنه بنظمه في سلكها وتصويره بصورتها ومن حمل النهي على التهييج والالهاب فقد ابعد عن التحقيق بمراحل ودع اذاهم أي لاتبال بأذيتهم لك بسبب تصلبك في الدعوة والانذار وتوكل على اللّه في كل ما تأتي وما تذر من الشئون التي من جملتها هذا الشأن فإنه تعالى يكفيكهم وكفى باللّه وكيلا موكولا اليه الامور في كل الاحوال واظهار الاسم الجليل في موضع الاضمار لتعليل الحكم وتأكيد استقلال الاعتراض التذييل ولما وصف بنعوت خمسة قوبل كل منها بخطاب يناسبه خلا انه لم يذكر مقابل الشاهد صريحا وهو الامر بالمراقبة ثقة بظهور دلالة مقابل المبشر عليه وهو الامر بالتبشير حسبما ذكر آنفا وقوبل النذير بالنهي عن مداراة الكفار والمنافقين والمسامحة في انذارهم كما تحققته وقوبل الداعي الى اللّه بإذنه بالامر بالتوكل عليه من حيث انه عبارة عن الاستمداد منه تعالى والاستعانة به وقوبل السراج المنير بالاكتفاء به تعالى فإن من ايده اللّه تعالى بالقوة القدسية ورشحه للنبوة وجعله برهانا نيرا يهدي الخلق من ظلمات الغي الى نور الرشاد حقيق بأن يكتفي به عن كل ما سواه ٤٩ يأيها الذين آمنوا اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن أي تجامعوهن وقرىء تماسوهن بضم التاء فما لكم عليهن من عدة بأيام يتربصن فيها بأنفسهن تعتدونها تستوفون عددها من عددت الدراهم فاعتدها وحقيقته عدها لنفسه وكذلك كلته فاكتاله والاسناد الى الرجال للدلالة على ان العدة حق الازواج كما اشعر به قوله تعالى فما لكم وقرىء تعتدونها على ابدال احدى الدالين بالتاء او على انه من الاعتداء بمعنى تعتدون فيها والخلوة الصحيحة في حكم المس وتخصيص المؤمنات مع عموم الحكم للكتابيات للتنبيه على ان المؤمن من شأنه ان يتخير لنطفته ولا ينكح الا مؤمنة وفائدة ثم ازاحة ما عسى يتوهم ان تراخي الطلاق ريثما تمكن الاصابة يؤثر في العدة كما يؤثر في النسب فمتعوهن أي ان لم يكن مفروضا لها في العقد فإن الواجب للمفروض لها نصف المفروض دون المتعة فإنها مستحبة عندنا في رواية وفي اخرى غير مستحبة وسرحوهن اخرجوهن من منازلكم اذ ليس لكم عليهن عدة سراحا جميلا من غير ضرار ولا منع حق ولا مساغ لتفسيره بالطلاق السنى لانه انما يتسنى في المدخول بهن ٥٠ يأيها النبي انا احللنا لك ازواجك اللاتي آتيت اجورهن أي مهورهن فإنها اجور الابضاع وايتاؤها اما اعطاؤها معجلة او تسميتها في العقد وايا ما كان فتقييد الاحلال له به ليس لتوقف الحل عليه ضرورة انه يصح العقد بلا تسمية ويجب مهر المثل او المتعة على تقديري الدخول وعدمه بل لايثار الافضل والاولى له كتقييد احلال المملوكة بكونها مسبية في قوله تعالى وما ملكت يمينك مما أفاء اللّه عليك فإن المشتراة لا يتحقق بدء أمرها وما جرى عليها وكتقييد القرائب بكونهن مهاجرات معه في قوله تعالى وبنات عمك ونبات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتى هاجرن معك ويحتمل تقييد الحل بذلك في حقه خاصة ويعضده قول أم هانئ بنت ابى طالب خطبني رسول اللّه فاعتذرت إليه فعذرني ثم انزل اللّه هذه الآية فلم احل له لانى لم اهاجر معه كنت من الطلقاء وامرأة مؤمنة بالنصب عطفا على مفعول أحللنا إذ ليس معناه إنشاء الإحلال الناجز بل إعلام مطلق الإحلال المنتظم لما سبق ولحق وقرئ بالرفع على انه مبتدأ خبره محذوف أي أحللناها لك أيضا إن وهبت نفسها للنبي أي ملكته بضعها باي عبارة كانت بلا مهر إن اتفق ذلك كما ينبئ عنه تنكيرها لكن لا مطلقا بل عند إرادته استنكاحها كما نطق به قوله عز و جل إن اراد النبي أن يستنكحها أي أن يتملك بضعها كذلك أي بلا مهر فإن ذلك جار منه مجرى القبول وحيث لم يكن هذا نصا في كون تمليكها بلفظ الهبة لم يصلح أن يكون مناطا للخلاف في انعقاد النكاح بلفظ الهبة إيجابا او سلبا واختلف في اتفاق هذا العقد فعن ابن عباس رضى اللّه عنهما لم يكن عنده احد منهن بالهبة وقيل الموهوبات اربع ميمونة بنت الحرث وزينب بنت خزيمة الانصارية وأم شريك بنت جابر وخولة بنت حكيم وإيراده في الموضعين بعنوان النبوة بطريق الالتفات للتكرمة والايذان بأنها المناط لثبوت الحكم فيختص به حسب اختصاصها به كما ينطق به قوله تعالى خالصة لك أي خلص لك إحلالها خالصة أي خلوصا فإن الفاعلة في المصادر غير عزيز كالعافية والكاذبة أو خلص لك إحلال ما أحللنا لك من المذكورات على القيود المذكورة خالصة ومعنى قوله تعالى من دون المؤمنين على الأول ان الاحلال المذكور في المادة المعهودة غير متحقق في حقهم وإنما المتحقق هناك الاحلال بمهر المثل وعلى الثاني ان إحلال الجميع على القيود المذكورة غير متحقق في حقهم بل المتحقق فيه إحلال البعض المعدود على الوجه المعهود وقرئ خالصة بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ذلك خلوص لك وخصوص أو هي أي تلك المرأة أو الهبة خالصة لك لا تتجاوز المؤمنين حيث لا تحل لهم بغير مهر ولا تصح الهبة بل يجب مهر المثل وقوله تعالى قد علمنا ما فرضنا عليهم أي على المؤمنين في أزواجهم أي في حقهن اعتراض مقرر لما قبله من خلوص الاحلال المذكور لرسول اللّه وعدم تجاوزة للمؤمنين ببيان انه قد فرض عليهم من شرائط العقد وحقوقه ما لم يفرض عليه تكرمة له وتوسعة عليه أي قد علمنا ما ينبغي أن يفرض عليهم في حق أزواجهم وما ملكت ايمانهم وعلى أي حد واي صفة يحق ان يفرض عليهم ففرضنا ما فرضنا على ذلك الوجه وخصصناك ببعض الخصائص لكيلا يكون عليك حرج أي ضيق واللام متعلقة بخالصة باعتبار ما فيها من معنى ثبوت الاحلال وحصوله له لا باعتبار اختصاصه به لان مدار انتفاء الحرج هو الأول لا الثاني الذي هو عبارة عن عدم ثبوته لغيره وكان اللّه غفورا لما يعسر التحرز عنه رحيما ولذلك وسع الأمر في مواقع الحرج ٥١ ترجى من تشاء منهن أي تؤخرها وتترك مضاجعتها وتؤوي إليك من تشاء وتضم اليك من تشاء منهن وتضاجعها أو تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء وقرئ ترجئ بالهمزة والمعنى واحد ومن ابتغيت أي طلبت ممن عزلت طلقت بالرجعية فلا جناح عليك في شئ مما ذكر وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض لانه إما أن يطلق او يمسك فإذا امسك ضاجع او ترك وقسم أو لم يقسم وإذا طلق فإما أن يخلى المعزولة أو يبتغيها وروى أنه أرجى منهن سودة وجويرية وصفية وميمونة وأم حبيبة فكان يقسم لهن ما شاء كما شاء وكانت مما آوى اليه عائشة وحفصة وام سلمة وزينب وارجى خمسا وآوى أربعا وروى أنه كان يسوى بينهن مع ما أطلق له وخير إلا سودة فإنها وهبت ليلتها لعائشة رضى اللّه عنهن وقالت لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك ذلك أي ما ذكر من تفويض الامر الى مشيئتك , ادنى ان تقر اعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن أي اقرب الى قرة عيونهن ورضاهن جميعا لانه حكم كلهن فيه سواء ثم إن سويت بينهن وجدن ذلك تفضلا منك وإن رجحت بعضهن علمن أنه بحكم اللّه فتطمئن به نفوسهن وقرئ تقر بضم التاء ونصب أعينهن وتقر على البناء للمفعول وكلهن تأكيد لنون يرضين وقرى بالنصب على انه تاكيد لهن واللّه يعلم ما في قلوبكم من الضمائر والخواطر فاجتهدوا في أحسانها وكان اللّه عليما مبالغا في العلم فيعلم كل ما تبدونه وتخفونه حليما لا يعاجل بالعقوبة فلا تغتروا بتأخيرها فإنه إمهال لا إهمال ٥٢ لا يحل لك النساء بالياء لان تأنيث الجمع غير حقيقي ولوجود الفصل وقرئ بالتاء من بعد أي من بعد التسع وهو في حقه كالاربع في حقنا وقال ابن عباس وقتادة من بعد هؤلاء التسع اللاتي خيرتهن فاخترنك وقيل من بعد اختيارهن اللّه ورسوله ورضاهن بما تؤتيهن من الوصل والهجران ولا أن تبدل أي تتبدل بحذف إحدى التاءين بهن أي بهؤلاء التسع من ازواج بأن تطلق واحدة منهن وتنكح مكانها اخرى ومن مزيدة لتأكيد الاستغراق اراد اللّه تعالى لهن كرامة وجزاء على ما أخترن ورضين فقصر رسوله عليهن وهن التسع اللاتي توفى عنهن وهن عائشة بنت ابي بكر وحفصة بنت عمر وام حبيبة بنت ابي سفيان وسودة بنت زمعة وام سلمة بنت ابي امية وصفية بنت حيي الخيبرية وميمونة بنت الحرث الهلالية وزينب بنت جحش الاسدية وجويرية بنت الحرث المصطلقية وقال عكرمة المعنى لا يحل لك النساء من بعد الاجناس الاربعة اللاتى أحللناهن لك بالصفة التي تقدم ذكرها من الاعرابيات والغرائب أو من الكتابيات أو من الاماء بالنكاح ويأباه قوله تعالى ولا أن تبدل بهن فإن معنى إحلال الاجناس المذكورة إحلال نكاحهن فلا بد أن يكون معنى التبدل بهن إحلال نكاح غيرهن بدل إحلال نكاحهن وذلك إنما يتصور بالنسخ الذي ليس من الوظائف البشرية ولو أعجبك حسنهن أي حسن الازواج المستبدلة وهو حال من فاعل تبدل لا من مفعوله وهو من أزواج لنوغله في التنكير قيل تقديره مفروضا أعجابك بهن وقد مر تحقيقه في قوله تعالى ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم وقيل هي أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن ابي طالب أي هي ممن أعجبه حسنهن واختلف في ان الآية محكمة او منسوخة قيل بقوله تعالى ترجى من تشاء منهن وتؤوي اليك من تشاء وقيل بقوله تعالى إنا احللنا لك وترتيب النزول ليس على ترتيب المصحف وقيل بالسنة وعن عائشة رضى اللّه عنها مامات رسول اللّه حتى أحل له النساء وقال انس رضى اللّه عنه مات على التحريم إلا ما ملكت يمينك استثناء من النساء لأنه يتناول الازواج والاماء وقيل منقطع وكان اللّه على كل شئ رقيبا حافظا مهيمنا فاحذروا مجاوزة حدوده وتخطى حلاله الى حرامه ٥٣ يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي شروع في بيان ما يجب مراعاته على الناس من حقوق نساء النبي إثر بيان ما يجب مراعاته عليه من الحقوق المتعلقة بهن وقوله الى إلا أن يؤذن لكم استثناء مفرغ من اعم الاحوال أي لا تدخلوها في حال من الاحوال إلا حال كونكم مأوذنا لكم وقيل من أعم الاوقات أي لا تدخلوها في وقت من الاوقات إلا وقت ان يؤذن لكم ورد عليه بان النحاة نصوا على أن الوقوع موقع الظرف مختص بالمصدر الصريح دون المؤول لا يقال آتيك أن يصيح الديك وإنما يقال آتيك صياح الديك وقوله تعالى الى طعام متعلق بيؤذن بتضمين معنى الدعاء للإشعار بانه لا ينبغى أن يدخلوا على الطعام بغير دعوة وإن تحقق الاذن كما يشعر به قوله تعالى غير ناظرين إناه أي غير منتظرين وقته أو إدراكه وهو حال من فاعل لا تدخلوا على ان الاستثناء واقع على الوقت والحال معا عند من يجوزه او من المجرور في لكم وقرئ بالجر صفة لطعام فيكون جاريا على غير من هو له بلا إبراز الضمير ولا مساغ له عند البصريين وقرئ بالامالة لانه مصدر انى الطعام أي أدرك ولكن إذا دعيتم فادخلوا استداراك من النهى عن الدخول بغير إذن وفيه دلالة بينة على ان المراد بالاذن الى الطعام هو الدعوة إليه فإذا طعمتم فانتشروا فتفرقوا ولا تلبثوا لانه خطاب لقوم كان يتحينون طعام النبي فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه مخصوصة بهم وبأمثالهم وإلا لما جازلا حد ان يدخل بيوته باذن لغير الطعام ولا اللبث بعد الطعام لأمرمهم ولا مستأنسين لحديث أي لحديث بعضكم بعضا او لحديث اهل البيت بالتسمع له عطف على ناظرين او مقدر بفعل أي ولا تدخلوا أو لا تمكثوا مستأنسين الخ إن ذلكم أي الاستئناس الذي كنتم تفعلونه من قبل كان يؤذى النبي لتضييق المنزل عليه وعلى أهله وإيجابة للاشتغال بما لا يعينه وصده عن الاشتغال بما يعنيه فيستحي منكم أي من إخراجكم لقوله تعالى واللّه لا يستحي من الحق فإنه يستدعي ان يكون المستحي منه أمرا حقا متعلقا بهم لا انفسهم وما ذاك إلا إخراجهم فينبغي ان لا يترك حياء ولذلك لم يتركه تعالى وأمركم بالخروج والتعبير عنه بعدم الاستحياء للمشاكلة كله وقرئ لا يستحى بحذف الياء الاولى وإلقاء حركتها الى ما قبلها وإذا سألتموهن الضمير لسناء النبي المدلول عليهن بذكر بيوته متاعا أي شيئا يتمتع به من الماعون وغيره فاسألوهن أي المتاع من وراء حجاب أي ستر وروى أن عمر رضي اله عنه قال يا رسول اللّه يدخل عليك البر والفاجر فلو امرت امهات المؤمنين بالحجاب فنزلت وقيل إنه كان يطعم ومعه بعض اصحابه فاصابت يد رجل منهم يد عائشة رضى اللّه عنها فكره النبي ذلك فنزلت ذلكم أي ما ذكر من عدم الدخول بغير إذن وعدم الاستئاس للحديث عند الدخول وسؤال المتاع من وراء حجاب اطهر لقلوبكم وقلوبهن أي اكثر تطهيرا من الخواطر الشيطانية وما كان لكم أي وما صح وما استقام لكم ان تؤذوا رسول اللّه أي ان تفعلوا في حياته فعلا يكرهه ويتاذى به ولا ان تنكحوا ازواجه من بعده أبدا أي من بعد وفاته او فراقه ان ذلكم اشارة الى ما ذكر من ايذائه ونكاح ازواجه من بعده وما فيه من معنى البعد للايذان ببعد منزلته في الشر والفساد كان عند اللّه عظيما أي امرا عظيما وخطبا هائلا لا يقادر قدره وفيه من تعظيمه تعالى لشأن رسوله وايجاب حرمته حيا وميتا مالا يخفي ولذلك بالغ تعالى في الوعيد حيث قال ٥٤ ان تبدوا شيئا مما لا خير فيه كنكاحهن على السنتكم او تخفوه في صدوركم فإن اللّه كان بكل شيء عليما فيجازيكم بما صدر عنكم من المعاصي البادية والخافية لا محالة وفي هذا التعميم مع البرهان على المقصود مزيد تهويل وتشديد ومبالغة في الوعيد ٥٥ لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا اخوانهن ولا ابناء اخوانهن ولا ابناء اخواتهن استئناف لبيان من لا يجب الاحتجاب عنهم روى انه لما نزات آية الحجاب قال الآباء والابناء والاقارب يا رسول اللّه او نكلمهن ايضا من وراء الحجاب فنزلت وانما لم يذكر العم والخال لانهما بمنزلة الوالدين ولذلك سمي العم ابا في قوله تعالى واله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحق او لانه اكتفى عن ذكرهما بذكر ابناء الاخوة وابناء الاخوات فإن مناط عدم لزوم الاحتجاب بينهن وبين الفريقين عين ما بينهن وبين العم والخال من العمومة والخؤولة لما انهن عمات لابناء الاخوة وخالات لابناء الاخوات وقيل لانه كره ترك الاحتجاب منهما مخافة ان يصفاهن لا بنائهما ولا نسائهن أي نساء المؤمنات ولا ما ملكت ايمانهن من العبيد والاماء وقيل من الاماء خاصة وقد مر في سورة النور واتقين اللّه في كل ما تأتن وما تذرن لاسيما فيما امرتن به ونهيتن عنه ان اللّه كان على كل شيء شهيدا لا تخفي عليه خافية ولا تتفاوت في علمه الاحوال ٥٦ ان اللّه وملائكته وقرىء وملائكته بالرفع عطفا على محل ان اسمها عند الكوفيين وحملا على حذف الخبر ثقة بدلالة ما بعده عليه على راى البصريين يصلون على النبي قيل الصلاة من اللّه الرحمة ومن الملائكة الاستغفار وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما اراد ان اللّه يرحمه والملائكة يدعون له وعنه ايضا يصلون يبركون وقال ابو العالية صلاة اللّه تعالى عليه ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاتهم دعاؤهم له فينبغي ان يراد بها في يصلون معنى يجازي عام يكون كل واحد من المعاني المذكورة فردا حقيقا له أي يعتنون بما فيه خيره وصلاح امره ويهتمون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه وذلك من اللّه سبحانه بالرحمة ومن الملائكة بالدعاء والاستغفار يأيها الذين آمنوا صلوا عليه اعتنوا انتم ايضا بذلك فإنكم اولى به وسلموا تسليما قائلين اللّهم صل على محمد وسلم او نحو ذلك وقيل المراد بالتسليم انقياد امره والآية دليل على وجوب الصلاة والسلام عليه مطلقا من غير تعرض لوجوب التكرار وعدمه وقيل يجب ذلك كلما جرى ذكره لقوله رغم انف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي وقوله من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده اللّه ويروى انه قال وكل اللّه تعالى بي ملكين فلا اذكر عند مسلم فيصلي على الا قال ذانك الملكان غفر اللّه لك وقال اللّه تعالى وملائكته جوابا لذينك الملكين آمين ولا اذكر عند مسلم فلا يصلى على الا قال دانك ملكان لا غفر اللّه لك وقال اللّه تعالى وملائكته جوابا لذينك الملكين آمين ومنهم من قال بجب في كل مجلس مرة وان تكرر ذكره كما قيل في آية السجدة وتشميت العاطس وكذلك في كل دعاء في اوله واخره ومنهم من قال بالوجوب في العمر مرة وكذا قال في اظهار الشهادتين والذي يقتضيه الاحتياط ويستدعيه معرفة علو شأنه ان يصلي عليه كلما جرى ذكره الرفيع وأما الصلاة عليه في الصلاة بأن يقال اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد فليست بشرط في جواز الصلاة عندنا وعن ابراهيم النخعي رحمه اللّه ان الصحابة كانوا يكتفون عن ذلك بما في التشهد وهو السلام عليك ايها النبي وأما الشافعي رحمه اللّه فقد جعلها شرطا وأما الصلاة على غير الانبياء عليهم الصلاة والسلام فتجوز تبعا وتكره استقلالا لانه في العرف شعار ذكر الرسل ولذلك كره ان يقال محمد عز و جل مع كونه عزيزا جليلا ٥٧ ان الذين يؤذون اللّه ورسوله اريد بالايذاء اما فعل ما يكرهانه من الكفر والمعاصي مجازا لاستحالة حقيقة التأذي في حقه تعالى وقيل في ايذائه تعالى هو قول اليهود والنصارى والمشركين يد اللّه مغلولة وثالث ثلاثة والمسيح ابن اللّه والملائكة بنات اللّه والاصنام شركاؤه تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا وقيل قول الذين يلحدون في آياته وفي ايذاء الرسول هو قولهم شاعر ساحر كاهن مجنون وقيل هو كسر رباعيته وشج وجهه الكريم يوم احد وقيل طعنهم في نكاح صفية والحق هو العموم فيهما وأما ايذاؤه خاصة بطريق الحقيقة وذكر اللّه عز و جل لتعظيمه والايذان بجلاله مقداره عنده تعالى وايذاؤه ايذاء له سبحانه لعنهم اللّه طردهم وابعدهم من رحمته في الدنيا والآخرة بحيث لا يكادون ينالون فيهما شيئا منها واعد لهم مع ذلك عذابا مهينا يصيبهم في الآخرة خاصة ٥٨ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات يفعلون بهم ما يتأذون به من قول او فعل وتقييده بقول تعالى بغير ما اكتسبوا أي بغير جناية يستحقون بها الاذية بعد اطلاقه فيما قبله للايذان بأن اذى اللّه ورسوله لا يكون الا غير حق وأما اذى هؤلاء فمنه ومنه فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا أي ظاهرا بينا قيل انها نزلت في منافقين كانوا يؤذون عليا رضي اللّه عنه ويسمعونه مالا خير فيه وقيل في اهل الافك وقال الضحاك والكلبي في زناة يتبعون النساء اذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن كانوا لا يتعرضون الا للاماء ولكن ربما كان يقع منهما التعرض للحرائر ايضا جهلا او تجاهلا لاتحاد الكل في الزي واللباس والظاهر عمومه لكل ما ذكر ولما سيأتي من اراجيف المرجفين ٥٩ يأيها النبي بعدما بين سوء حال المؤذين زجرا لهم عن الايذاء امر النبي بأن يأمر بعض المتأذنين منهم بما يدفع ايذاءهم في الجملة من الستر والتميز عن مواقع الايذاء فقيل قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن الجلباب ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء تلوبه المراة على راسها وتقي منه ما لرسله على صدرها وقيل هي الملحفة وكل ما يتستر به أي يغطين بها وجوههن وابدانهن اذا برزن لداعية من الدواعي ومن للتبغيض لما مر من ان المعهود التلفع ببعضها وارخاء بعضها وعن السدي تغطى احدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين ذلك أي ما ذكر من التغطي ادنى اقرب ان يعرفن ويميزن عن الاماء والقينات اللاتي هن مواقع تعرضهم وايذائهم فلا يؤذين من جهة اهل الريبة بالتعرض لهن وكان اللّه غفورا لما سلف منهن من التفريط رحيما بعباده حيث يراعى من مصالحهم امثال هاتيك الجزئيات ٦٠ لئن لم ينته المنافقون عما هم عليه من النفاق واحكامه الموجبة للايذاء والذين في قلوبهم مرض عما هم عليه من النزلزل وما يستتبعه مما لا خير فيه والمرجفون في المدينة من الفريقين عما هم عليه من نشر اخبار السوء عن سرايا المسلمين وغير ذلك من الا راجيف الملفقة المستتبعة للاذية واصل الارجاف التحريك من الرجفة التي هي الزلزلة وصفت به الاخبار الكاذبة لكونها متزلزلة غير ثابتة لنغرينك بهم لنأمرنك بقتالهم واجلائهم او بما يضطرهم الى الجلاء ولنحرضنك على ذلك ثم لا يجاورونك عطف على جواب القسم وثم الدلالة على ان الجلاء ومفارقة جوار الرسول اعظم ما يصيبهم فيها أي في المدينة الا قليلا زمانا او جوارا قليلا ريثما يتبين حالهم من الانتهاء وعدمه ٦١ ملعونين نصب على الشتم او الحال على ان الاستثناء وارد عليه ايضا على راى من يجوزه كما مر في قوله تعالى غير ناظرين اناه ولا سبيل الى انتصابه عن قوله تعالى اينما ثقفوا اخذوا او قتلوا تقتيلا لان ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيها قبلها ٦٢ سنة اللّه في الذين خلوا من قبل أي سن اللّه ذلك في الامم الماضية سنة وهي ان يقتل الذين نافقوا الانبياء عليهم الصلاة والسلام وسعوا في توهين امرهم بالارجاف ونحوه اينما ثقفوا ولن تجد لسنة اللّه تبديلا اصلا لا بتنائها على اساس الحكمة التي عليها يدور فلك التشريع ٦٣ يسألك الناس عن الساعة أي عن وقت قيامها كان المشركون يسألونه عن ذلك استعجالا بطريق الاستهزاء واليهود امتحانا لما ان اللّه تعالى عمى وقتها في التوراة وسائر الكتب قل انما علمها عند اللّه لا يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا وقوله تعالى وما ندريك خطاب مستقل له غير داخل تحت الامر مسوق لبيان انها مع كونها غير معلومة للخلق مرجوة المجيء عن قريب أي أي شيء يعلمك بوقت قيامها أي لا يعلمك به شيء اصلا لعل الساعة تكون قريبا أي شيئا قريبا او تكون الساعة في وقت قريب وانتصابه على الظرفية ويجوز ان يكون التذكير باعتبار أن الساعة في معنى اليوم او الوقت وفيه تهديد للمستعجلين وتبكيت للمتعنتين والاظهار في حيز الاضمار للتهويل وزيادة التقرير وتأكيد استقلال الجملة كما اشير اليه ٦٤ ان اللّه لعن الكافرين على الاطلاق أي طردهم وابعدهم من رحمته العاجلة والآجلة واعدلهم مع ذلك سعيرا نارا شديدة الاتقاد يقاسونها في الآخرة ٦٥ خالدين فيها ابدا لا يجدون وليا يحفظهم ولا نصيرا بخلصهم منها ٦٦ يوم تقلب وجوههم في النار ظرف لعدم الوجدان وقيل لخالدين وقيل لنصيرا وقيل مفعول لا ذكر أي يوم تصرف وجوههم فيها من جهة إلى جهة كلحم يشوى في النار او يطبخ في القدر فيدور به الغليان من جهة الى جهة او من حال الى حال او يطرحون فيها مقلوبين منكوسين وقرىء تقلب بحذف احدى التاءين من تنقلب ونقلب بإسناد الفعل الى نون العظمة ونصب وجوههم وتقلب بإساده الى السعير وتخصيص الوجوه بالذكر لما انها اكرم الاعضاء ففيه مزيد تفظيع للامر وتهويل للخطب ويجوز ان تكون عبارة عن كل الجسد فقوله تعالى يقولون استئناف مبنى على سؤال نشأ من حكاية حالهم الفظيعة كأنه قيل فماذا يصنعون عند ذلك فقيل يقولون متحسرين على ما فاتهم ياليتنا اطعنا اللّه واطعنا الرسولا فلا نبتلى بهذا العذاب او حال من ضمير وجوههم او من نفسها او هو العامل في يوم ٦٧ وقالوا عطف على يقولون والعدول الى صيغة الماضي للاشعار بأن قولهم هذا ليس مستمرا كقولهم السابق بل هو ضرب اعتذار ارادوا به ضربا من التشفي بمضاعفة عذاب الذين القوهم في تلك الورطة وان علموا عدم قبوله في حق خلاصهم منها ربنا انا اطعنا سادتنا وكبراءنا يعنون قادتهم الذين لقنوهم الكفر وقرىء ساداتنا للدلالة على الكثرة والتعبير عنهم بعنوان السيادة والكبر لتقوية الاعتذار والا فهم في مقام التحقير والاهانة فأضلونا السبيلا بما زينوا لنا من الاباطيل والالف للاطلاق كما في واطعنا الرسولا ٦٨ ربنا آتهم ضعفين من عذاب أي مثلى العذاب الذي آتيتناه لانهم ضلوا واضلوا والعنهم لعنا كبيرا أي شديدا عظيما وقرىء كثيرا وتصدير الدعاء بالنداء مكررا للمبالغة في الجؤار واستدعاء الاجابة ٦٩ يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى قيل نزلت في شأن زيد وزينب وما سمع فيه من قالة الناس فبراه اللّه مما قالوا أي فأظهر براته مما قالوا في حقه أي من مضمونه ومؤداه الذي هو الامر المعيب وذلك ان قارون اغرى مومسة على قذفه عليه الصلاة و السلام بنفسها بأن دفع اليها مالا عظيما فأظهر اللّه تعالى نزاهته عليه الصلاة و السلام عن ذلك بأن اقرت المومسة بالمصانعة الجارية بينها وبين قارون وفعل بقارون ما فعل كما فصل في سورة القصص وقيل اتهمه ناس بقتل هرون عند خروجه معه الى الطور فمات هناك فحملته الملائكة ومروا به حتى راوه غير مقتول وقيل احياه اللّه تعالى فأخبرهم ببراءته وقيل قذفوه بعيب في بدنه من برص او ادرة لفرط تستره حياء فأطلعهم اللّه تعالى على براءته بأن فر الحجر بثوبه حين وضعه عليه عند اغتساله والقصة مشهورة وكان عند اللّه وجيها ذا قربة ووجاهة وقرىء وكان عبد اللّه وجيها ٧٠ يأيها الذين آمنوا اتقوا اللّه أي في كل ما تأتون وما تذرون لا سيما في ارتكاب ما يكرهه فضلا عما يؤذي رسوله وقولوا في كل شأن من الشئون قولا سديدا قاصدا الى الحق من سد يسد سدادا يقال سدد السهم نحو الرمية اذا لم يعدل به عن سمتها والمراد نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب الجائر عن العدل والقصد ٧١ يصلح لكم اعمالكم يوفقكم للاعمال الصالحة او يصلحها بالقبول والاثابة عليها ويغفر لكم ذنوبكم ويجعلها مكفرة باستقامتكم في القول والعمل ومن يطع اللّه ورسوله في الاوامر والنهي التي من جملتها هذه التكليفات فقد فاز في الدارين فوزا عظيما لا يقادر قدره ولا يبلغ غايته ٧٢ انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها لما بين عظم شأن طاعة اللّه ورسوله ببيان مآل الخارجين عنها من العذاب الاليم ومنال المراعين لها من الفوز العظيم عقب ذلك ببيان عظم شأن ما يوجبها من التكاليف الشرعية وصعوبة امرها بطريق التمثيل مع الايذان بأن ما صدر عنهم من الطاعة وتركها صدر عنهم بعد القبول والالتزام وعبر عنها بالامانة تنبيها على انها حقوق مرعية اودعها اللّه تعالى المكلفين وائتمنهم عليها واوجب عليهم تلقيها بحسن الطاعة والانقياد وامرهم بمراعاتها والمحافظة عليها وادائها من غير اخلال بشيء من حقوقها وعبر عن اعتبارها بالنسبة الى استعداد ما ذكر من السموات وغيرها بالعرض عليها لاظهار مزيد الاعتناء بأمرها والرغبة في قبولهن لها وعن عدم استعدادهن لقبولها بالاباء والاشفاق منها لتهويل امرها وتربية فخامتها وعن قبولها بالحمل لتحقيق معنى الصعوبة المعتبرة فيها بجعلها من قبيل الاجسام الثقيلة التي يستعمل فيها القوى الجسمانية التي اشدها واعظمها ما فيهن من القوة والشدة والمعنى ان تلك الامانة في عظم الشأن بحيث لو كلفت هاتيك الاجرام العظام التي هي مثل في القوة والشدة مراعاتها وكانت ذات شعور وادراك لا بين قبولها واشفقن منها ولكن صرف الكلام عن سننه بتصوير المفروض بصورة المحقق روما لزيادة تحقيق المعنى المقصود بالتمثيل وتوضيحه وحملها الانسان أي عند عرضها عليه اما باعتبارها بالاضافة الى استعداده او بتكليفه اياها يوم الميثاق أي تكلفها والتزمها مع ما فيه من ضعف البنية ورخاوة القوة وهو اما عبارة عن قبوله لها بموجب استعداده الفطري او عن اعترافه بقوله بلى وقوله تعالى انه كان ظلوما جهولا اعتراض وسط بين الحمل وغايته للايذان من اول الامر بعدم وفائه بما عهده وتحمله أي انه كان مفرطا في الظلم مبالغا في الجهل أي بحسب غالب افراده الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة او اعترافهم السابق دون من عداهم من الذين لم يبدلوا فطرة اللّه تبديلا والى الفريق الأول اشير بقوله تعالى ٧٣ ليعذب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات أي حملها الانسان ليعذب اللّه بعض افراده الذين لم يراعوها ولم يقابلوها بالطاعة على ان اللام للعاقبة فإن التعذيب وان لم يكن غرضا له من الحمل لكن لما ترتب عليه بالنسبة الى بعض افراده ترتب الاغراض على الافعال المعللة بها ابرز في معرض الغرض أي كان عاقبة حمل الانسان لها ان يعذب اللّه تعالى هؤلاء من افراده لخيانتهم الامانة وخروجهم عن الطاعة بالكلية والى الفريق الثاني اشير بقوله تعالى ويتوب اللّه على المؤمنين والمؤمنات أي كان عاقبة حمله ان يتوب اللّه تعالى على هؤلاء من افراده أي يقبل توبتهم لعدم خلعهم ربقة الطاعة عن رقابهم بالمرة وتلافيهم لما فرط منهم من فرطات قلما يخلو عنها الانسان بحكم جبلته وتداركهم لها بالتوبة والانابة والالتفات الى الاسم الجليل اولا لتهويل الخطب وتربية المهابة والاظهار في موقع الاضمار ثانيا لابراز مزيد الاعتناء بأمر المؤمنين توفية لكل من مقامي الوعيد والوعد حقه واللّه تعالى اعلم وجعل الامانة التي شأنها ان تكون من جهته تعالى عبارة عن الطاعة التي هي من افعال المكلفين التابعة للتكليف بمعزل من التقريب وحمل الكلام على تقرير الوعد الكريم الذي ينبىء عنه قوله تعالى ومن يطع اللّه ورسوله فقد فاز فوزا عظيما يجعل تعظيم شأن الطاعة ذريعة الى ذلك بأن من قام بحقوق مثل هذا الامر العظيم الشأن وراعاها فهو جدير بأن يفوز بخير الدارين يأباه وصفه بالظلم والجهل اولا وتعليل الحمل بتعذيب فريق والتوبة على فريق ثانيا وقيل المراد بالامانة مطلق الانقياد الشامل للطبيعي والاختياري وبعرضها استدعاؤها الذي يعم طلب الفعل من المختار وارادة صدوره من غيره وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن ادائها فيكون الاباء امتناعا عن الخيانة واتيانا بالمراد فالمعنى ان هذه الاجرام مع عظمها وقوتها ابين الخيانة لامانتها واتين بما امرهن به كقوله تعالى اتينا طائعين وخانها الانسان حيث لم يأت بما امرناه به انه كان ظلوما جهولا وقيل انه تعالى لما خلق هذه الاجرام خلق فيها فهما وقال لها اني فرضت فريضة وخلقت جنة لمن اطاعني فيها ونارا لمن عصاني فقلن نحن مسخرات لما خلقتنا لا نحتمل فريضة ولا نبغي ثوابا ولا عقابا ولما خلق آدم عليه السلام عرض عليه مثل ذلك فحمله وكان ظلوما لنفسه بتحمله ما يشق عليها جهولا بوخامة عافيته وقيل المراد بالامانة العقل او التكليف وبعرضها عليهن اعتبارها بالاضافة الى استعدادهن وبأبائهن الاباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد لها وبحمل الانسان قابليته واستعداده لها وكونه ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوة الغضبيا والشهوية هذا قريب من التحقيق فتأمل واللّه الموفق وقرىء ويتوب اللّه على الاستئناف وكان اللّه غفورا رحيما مبالغا في المغفرة والرحمة حيث تاب عليهم وغفر لهم فرطاتهم واثاب بالفوز على طاعاتهم قال من قرا سورة الاحزاب وعلمها اهله وما ملكت يمينه اعطى الامان من عذاب القبر واللّه اعلم |
﴿ ٠ ﴾