ÓõæÑóÉõ ÓóÈóÃò ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ÃóÑúÈóÚñ æóÎóãúÓõæäó ÂíóÉð سورة سبإ سورة سبأ مكية وقيل الا ويرى الذين اوتوا العلم الآية وهي اربع وخمسون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١ الحمد للّه الذي له ما في السموات وما في والارض أي له تعالى خلقا وملكا وتصرفا بالايجاد والاعدام والاحياء والامانة جميع ما وجد فيهما داخلا في حقيقتهما او خارجا عنهما متمكنا فيهما فكأنه قيل له جميع المخلوقات كما مر في آية الكرسي ووصفه تعالى بذلك لتقرير ما افاده تعليق الحمد المعرف بلام الحقيقة بالاسم الجليل من اختصاص جميع افراده به تعالى على ما بين في فاتحة الكتاب ببيان تفرده تعالى واستقلاله بما يوجب ذلك وكون كل ما سواه من الموجودات التي من جملتها الانسان تحت ملكوته تعالى ليس لها في حد ذاتها استحقاق الوجود فضلا عما عداه من صفاتها بل كل ذلك نعم فائضة عليها من جهته عز و جل فما هذا شانه فهو بمعزل من استحقاق الحمد الذي مداره الجميل الصادر عن القادر بالاختيار فظهر اختصاص جميع افراده به تعالى وقوله تعالى وله الحمد في الآخرة بيان لاختصاص الحمد الأخرون به تعالى إثر بيان اختصاص الدنيوي به على أن الجار متعلق إما بنفس الحمد أو بما تعلق به الخبر من الاستقرار وإطلاقه عن ذكر ما يشعر بالمحمود عليه ليس للاكتفاء بذكر كونه في الآخرة عن التعيين كما اكتفى فيما سبق بذكر كون المحمود عليه في الدنيا عن ذكر كون الحمد ايضا فيها بل ليعم النعم الاخروية كما في قوله تعالى الحمد للّه الذي صدقنا وعده وأورثنا الارض نتبوأ من الجنة وقوله تعالى الذي أحلنا دار المقامة من فضله الآية وما يكون ذريعة الى نيلها من النعم الدنيوية كما في قوله تعالى الحمد للّه الذي هدانا لهذا أي لما جزاؤه هذا من الايمان والعمل الصالح والفرق بين الحمدين مع كون نعمتى الدنيا والآخرة بطريق التفضل أن الأول على نهج العبادة والثاني على وجه التلذذ والاغتباط وقد ورد في الخبر أنهم يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس وهو الحكيم الذي أحكم أمور الدين والدنيا ودبرها حسبما تقتضيه الحكمة الخبير ببواطن الاشياء ومكنوناتها وقوله تعالى ٢ يعلم ما يلج في الارض الخ تفصيل لبعض ما يحيط به علمه من الامور التي نيطت بها مصالحهم الدنيوية والدينية أي يعلم ما يدخل فيها من الغيث والكنوز والدفائن والاموات ونحوها وما يخرج منها كالحيوان والنبات وما العيون ونحوها وما ينزل من السماء كالملائكة والكتب والمقادير ونحوها وقرئ وما نزل بالتشديد ونون العظمة وما يعرج فيها كالملائكة وأعمال العباد والابخرة والادخنة وهو الرحيم للحامدين على ما ذكر من نعمة الغفور للمفرطين في ذلك وكرمه ٣ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة ارادوا بضمير المتكلم جنس البشر قاطبة لا أنفسهم أو معاصريهم فقط كما أرادوا بنفي إتيانها نفى وجودها بالكلية لاعدم حضورها مع تحققها في نفس الامر وإنما عبروا عنه بذلك لأنهم كانوا يوعدون بإتيانها ولأن وجود الأمور الزمانية المستقبلة لا سيما اجزاء الزمان لا يكون إلا بالاتيان والحضور وقيل هو استبطاء لإتيانها الموعود بطريق الهزء والسخرية كقولهم متى هذا الوعد قل بلى رد لكلامهم وإثبات لما نفوه على معنى ليس الامر إلا إتيانها وقوله تعالى وربى لتأتينكم تاكيد له على أتم الوجوه وأكملها وقرئ لياتينكم على تأويل الساعة باليوم او الوقت وقوله تعالى عالم الغيب الخ إمداد للتأكيد وتسديد له إثر تسديد وكسر لسورة نكيرهم واستبعادهم فإن تعقيب القسم بحلائل نعوت المقسم به على الاطلاق يؤذن بفخامة شأن المقسم عليه وقوة ثباته وصحته لما أن لك في حكم الاستشهاد على الامر ولا ريب في أن المستشهد به كلما كان أجل وأعلا كانت الشهادة أكدو أقوى والمستشهد عليه أحق بالثبوت وأولى لا سيما إذا خص بالذكر من البعوت ماله تعلق خاص بالمقسم عليه كما نحن فيه فإن وصفه بعلم الغيب الذي اشهر افراده وأدخلها في الخفاء هو المقسم عليه تنبيه لهم على علة الحكم وكونه مما لا يحوم حوله شائبة ريب ما وفائدة الامر بهذه المرتبة من اليمين أن لا يقى المعاندين عذر ما اصلا فإنهم كانوا يعرفون أمانته ونزاهته عن وصمة الكذب فضلا عن اليمين الفاجرة وإنما لم يصدقوه مكابرة وقرئ علام الغيب وعالم الغيب وعالم الغيوب بالرفع على المدح لا يعزب عنه أي لا يعد وقرئ بكسر الزاي مثقال ذرة مقدار اصغر نملة في السموات ولا في الارض أي كائة فيهما ولا أصغر من ذلك أي من مثقال ذرة ولا أكبر أي منه ورفعهما على الابتداء والخبر قوله تعالى إلا في كتاب مبين هو اللوح المحفوظ والجملة مؤكدة لنفى العزوب وقرئ ولا أصغر ولا أكبر بفتح الراء على نفى الجنس ولا يجوز ان يعطف المرفوع على مثقال ولا المفتوح على ذرة بانه فتح في حيز الجر لا متاع الصرف لما أن الاستثناء يمنعه إلا أن يجعل الضمير في عنه للغيب ويجعل المثبت في اللوح خارجا عنه لبروزه للمطالعين له فيكون المعنى لا ينفصل عن الغيب شئ إلا مسطورا في اللوح ٤ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات علة لقوله تعالى لتأنينكم وبيان لما يقتصى إتيانها أولئك إشارة الى الموصول من حيث اتصافه بما في حيز الصلة وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل والشرف أي أولئك الموصوفون بالصفات الجليلة لهم بسبب ذلك مغفرة لما فرط منهم من بعض فرطات قلما يخلو عنها البشر ورزق كريم لا تعب فيه ولا من عليه ٥ والذين سعوا في آياتنا بالقدح فيها وصد الناس عن التصديق بها معاجزين أي مسابقين كي يفوتونا وقرئ معجزين أي مثبطين عن الايمان من أرادة أولئك لهم عذاب الكلام فيه كالذي مر آنفا ومن في قوله تعالى من رجز للبيان قال قتادة رضى اللّه عنه الرجز سوء العذاب وقوله تعالى أليم بالرفع صفة عذاب أي اولئك الساعون لهم عذاب من جنس سوء العذاب شديد الإيلام وقرئ اليم بالجر صفة لرجز ٦ ويرى الذين أوتوا العلم أي يعلم أولو العلم من أصحاب رسول اللّه ومن يشايعهم من علماء الامة او من آمن من علماء اهل الكتاب كعبد اللّه بن سلام وكعب واضرابهما رضى اللّه عنهم الذي انزل إليك من ربك أي القرآن هو الحق بالنصب على أنه مفعول ثان ليرى والمفعول الأول هو الموصول الثاني وهو ضمير الفصل وقرئ بالرفع على الابتداء والخبر والجملة هو المفعول الثاني ليرى وقوله تعالى ويرى الخ مستانف مسوق للاستشهاد بأولى العلم على الجهلة الساعين في الآيات وقيل منصوب عطفا على يجزى أي وليعلم اولو العلم عند مجئ الساعة معاينة انه الحق حسبما علموه الآن برهانا ويحتجوا به على المكذبين وقد جوز أن يراد باولى العلم من لم يؤمن من الاحبار أي ليعلموا يومئذ انه هو الحق فيزدادوا حسرة وغما ويهدى عطف على الحق عطف الفعل على الاسم لانه في تاويله كما في قوله تعالى صافات ويقبض أي وقابضات كانه قيل ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك الحق وهاديا الى صراط العزيز الحميد الذي هو التوحيد والتدرع بلباس التقوى وقيل مستأنف وقيل حال من الذي انزل على إضمار مبتدأ أي وهو يهدى كما في قوله من قال نجوت وارهنهم مالكا ٧ وقال الذين كفروا هم كفار قريش قالوا مخاطبا بعضهم هل ندلكم على رجل يعنون به النبي وإنما قصدوا بالتنكير الطنز والسخرية قاتلهم اللّه تعالى ينبئكم أي يحدثكم بعجب عجاب وقرئ ينبئكم من الإنباء إذا مزقتم كل ممزق أي إذا متم ومزقت أجسادكم كل تمزيق وفرقت كل تفريق بحيث صرتم ترابا ورفاتا إنكم لفى خلق جديد أي مستقرون فيه عدل إليه عن الجملة الفعلية الدالة على الحدوث مثل تبعثون أو تخلقون خلقا جديدا للإشباع في الاستبعاد والتعجب وكذلك تقديم الظرف والعامل فيه ما دل عليه المذكور لا نفسه لما ان ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها و يد فعيل بمعنى فاعل من جد فهو جديد وقل فهو قليل وقيل بمعنى مفعول من جد النساج الثوب إذا قطعه ثم شاع ٨ أفترى على اللّه كذبا فيما قاله أم به جنة أي جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه والاستدلال بهذا الترديد على أن بين الصدق والكذب واسطة هو ما لا يكون من الاخبار عن بصيرة بين الفساد لظهور كون الافتراء اخص من الكذب بل الذين لا يؤمنون بالاخرة في العذاب والضلال البعيد جواب من جهة اللّه تعالى عن ترديدهم الوارد على طريقة الاستفهام بالاضراب عن شقيه وإبطالها وإثبات قسم ثالث كاشف عن حقيقة الحال ناع عليهم سوء حالهم وابتلاءهم بما قالوا في حقه كانه قيل ليس الامر كما زعموا بل هم في كمال اختلال العقل وغاية الضلال عن الفهم والإدراك الذي هو الجنون حقيقة وفيما يؤدي إليه ذلك من العذاب ولذلك يقولون ما يقولون وتقديم العذاب على ما يوجبه ويستتبعه للمسارعة الى بيان ما يسوؤهم ويفت في أعضادهم والاشعار بغاية سرعة ترتبه عليه كأنه يسابقه فيسبقه ووصف الضلال بالبعد الذي هو وصف الضال للمبالغة ووضع الموصول موضع ضميرهم للتنبيه بما في حيز الصلة على أن علة ما ارتكبوه واجترءوا عليه من الشناعة الفظيعة كفرهم بالآخرة وما فيها من فنون العقاب ولولاه لما فعلوا ذلك خوفا من غائلته وقوله تعالى ٩ افلم يروا الى ما بين ايديهم وما خلفهم من السماء والارض استئناف مسوق لتهويل ما اجترءوا عليه من تكذيب آيات اللّه تعالى واستعظام ما قالوا في حقه وانه من العظائم الموجبة لنزول اشد العقاب وحلول افظع العذاب من غير ريث وتأخير والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام وقوله تعالى إن نشأ الخ بيان لما ينبئ عنه ذكر إحاطتهما بهم من المحذور المتوقع من جهتهما وفيه تنبيه على انه لم يبق من اسباب وقوعه إلا تعلق المشيئة به أي افعلوا ما فعلوا من المنكر الهائل المستتبع للعقوبة فلم ينظروا الى ما أحاط بهم من جميع جوانبهم بحيث لا مفر لهم عنه ولا محيص إن نشا جريا على موجب جناياتهم نخسف به الارض كما خسفناها بقارون أو نسقط عليهم كسفا أي قطعا من السماء كما اسقطناها على أصحاب الأيكة لاستيجابهم ذلك بما ارتكبوه من الجرائم وقيل هو تذكير بما يعاينونه مما يدل على كمال قدرته وما يحتمل فيه إزاحة لاستحالتهم البعث حتى جعلوه افتراء وهزءا وتهديد عليها والمعنى أعموا فلم ينظروا الى ما أحاط بجوانبهم من السماء والارض ولم يتفكروا أهم أشد خلقا أم هي وإن نشأ نخسف بهم الارض أو نسقط عليهم كسفا لتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البينات فتأمل وكن الحق المبين وقرئ يخسف ويسقط بالياء لقوله تعالى افترى على اللّه وكسفا بسكون السين إن في ذلك أي فيما ذكر من السماء والارض من حيث إحاطتهما بالناظر من جميع الجوانب أو فيما تلى من الوحي الناطق بما ذكر لآية واضحة لكل عبد منيب شأنه الإنابة الى ربه فإنه إذا تأمل فيهما او في الوحي المذكور ينزجر عن تعاطى القبائح وبنيب إليه تعالى وفيه حث بليغ على التوبة والانابة وقد أكد ذلك بقوله تعالى ١٠ ولقد آتينا داود منا فضلا أي آتيناه لحسن إنابته وصحة توبته فضلا على سائر الانبياء عليهم الصلاة والسلام أي نوعا من الفضل وهو ما ذكر بعد فإنه معجزة خاصة به أو على سائر الناس فيندرج فيه النبوة والكتاب والملك والصوت الحسن فتنكيره للتفخيم ومنا لتأكيد فخامته الذاتية بفخامته الإضافية كما في قوله تعالى وآتيناه... من لدنا علما وتقديمه على المفعول الصريح للاهتمام بالمقدم والتشويق الى المؤخر فإن ما حقه التقديم إذا اخر تقى النفس مترقبة له فإذا وردها يتمكن عندها فضل تمكن يا جبال اوبي معه من التأويب أي رجعى معه التسبيح او النوحة على الذنب وذلك اما بأن يخلق اللّه تعالى فيها صوتا مثل صوته كما خلق الكلام في الشجرة او بأن يتمثل له ذلك وقرىء اوبي من الاوب أي ارجعى معه في التسبيح كلما رجع فيه وكان كلما سبح عليه الصلاة و السلام يسمع من الجبال ما يسمع من المسبح معجزة له عليه الصلاة و السلام وقيل كان ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين وكانت الجبال تسعده على نوحه بأصدائها والطير بأصواتها وهو بدل من آتينا بإضمار قلنا او من فضلا بإضمار قولنا والطير بالنصب عطفا على فضلا بمعنى وسخرنا له الطير لان ايتاءها اياه عليه الصلاة و السلام تسخيرها له فلا حاجة الى اضماره كما نقل عن الكسائي ولا الى تقدير مضاف أي تسبيح الطير كما نقل عنه في رواية وقيل عطفا على محل الجبال وفيه من التكلف لفظا ومعنى مالا يخفي وقرىء بالرفع عطفا على لفظها تشبيها للحركة البنائية العارضة بالحركة الاعرابية وقد جوز انتصابه على انه مفعول معه والاول هو الوجه وفي تنزيل الجبال والطير منزلة العقلاء المطيعين لامره تعالى المذعنين لحكمه المشعر بأنه ما من حيوان وجماد وصامت وناطق الا وهو منقاد لمشيئته غير ممتنع على ارادته من الفخامة المعربة عن غاية عظمه شأنه تعالى وكمال كبرياء سلطانه مالا يخفي على اولى الالباب والناله الحديد أي جعلناه لينا في نفسه كالشمع يصرفه في يده كيف يشاء من غير احماء بنار ولا ضرب بمطرقة او جعلناه بالنسبة الى قوته التي آتيناها اياه لينا كالشمع بالنسبة الى سائر القوى البشرية ١١ ان اعمل امرناه ان اعمل على ان ان مصدرية حذف عنها الباء وفي حملها على المفسرة تكلف لا يخفي سابغات واسعات وقرىء صابغات وهي الدروع الواسعة الضافية وهو عليه الصلاة و السلام اول من اتخذها وكانت قبل صفائح قالوا كان عليه الصلاة و السلام حين ملك على بني اسرائيل يخرج متنكر فيسأل الناس ما تقولون في داود فيثنون عليه فقيض اللّه تعالى له ملكا في آدمى فسأله على عادته فقال نعم الرجل لولا خصلة فيه فريع داود فسأله عنها فقال لولا انه يطعم عياله من بيت المال فعند ذلك سأل ربه ان يسبب له ما يستغنى به عن بيت المال فعلمه تعالى صنعة الدروع وقيل كان يبيع الدروع بأربعة الاف فينفق منها على نفسه وعياله ويتصدق على الفقراء وقدر في السرد السرد نسج الدروع أي اقتصد في نسجها بحيث تتناسب حلقها وقيل قدر في مساميرها فلا تعملها رقاقا ولا غلاظا ورد بان دروعه عليه الصلاة و السلام لم تكن مسمرة كما ينبئ عنه إلانة الحديد وقيل معنى قدر في السرد لا تصرف جميع اوقاتك إليه بل مقدار ما يحصل به القوت وأما الباقي فاصرفه الى العبادة وهو الانسب بقوله تعالى واعملوا صالحا عمم الخطاب حسب عموم التكليف له عليه الصلاة و السلام ولأهله إنى بما تعملون بصير تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به ولسليمان الريح أي وسخرنا له الريح وقرئ برفع الريح أي ١٢ ولسليمان الريح مسخرة وقرئ الرياح غدوها شهر ورواحها شهر أي جريها بالغداة مسيرة شهر وجريها بالعشى كذلك والجملة إما مستأنفة أو حال من الريح وقرئ غدوتها وروحتها وعن الحسن رحمه اللّه كان يغدو أي من دمشق فيقيل باصطخر ثم بروح فيكون رواحه بكابل وقيل كان يتغدى بالرى ويتعشى بسمرقند ويحكى أن بعضهم رآى مكتوبا في منزل بناحية دجلة كتبه بعض اصحاب سليمان عليه السلام نحن نزلناه وما بنيناه ومبنيا وجدناه غدونا من اصطخر فقلناه ونحن رائحون منه فبايتون بالشام إن شاء اللّه تعالى وأسلنا له عين القطر أي النحاس المذاب اساله من معدنه كما ألان الحديد لداود عليهما السلام فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سمى عينا وكان ذلك باليمن وقيل كان يسيل في الشهر ثلاثة ايام وقوله تعالى ومن الجن من يعمل بين يديه إما جملة من مبتدأ وخبر أو من يعمل عطف على الريح ومن الجن حال متقدمة بإذن ربه بأمره تعالى كما ينبئ عنه قوله تعالى ومن يزغ منهم عن أمرنا أي ومن يعدل منهم عما امرناه به من طاعة سليمان وقرئ يزغ على البناء المفعول من أزاغه نذقه من عذاب السعير أي عذاب النار في الاخرة روى عن السدى رحمه اللّه كان معه ملك بيده سوط من نار كل من استعصى عليه ضربه من حيث لا يراه الجنى ١٣ يعملون له ما يشاء تفصيل لما ذكر من عملهم وقوله تعالى من محاريب الخ بيان لما يشاء أي من قصور حصينة ومساكن شريفة سميت بذلك لانها يذب عنها ويحارب عليها وقيل هي المساجد وتماثيل وصور الملائكة والانبياء عليهم الصلاة والسلام على ما اعتادوه فإنها كانت تعمل حينئذ في المساجد ليراها الناس ويعبدوا مثل عباداتهم وحرمة التصاوير شرع جديد وروى أنهم عملوا أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد ان يصعد بسط الأسدان ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران باجنحتهما وجفان جمع جفنة وهي الصفحة كالجواب كالحياض الكبار جمع جابية من الجباية لاجتماع الماء فيها وهي من الصفات الغالبة كالدابة وقرئ بإثبات الياء قيل كان يقعد على الجفنة الف رجل وقدور راسيات ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها اعملو آل داود شكرا حكاية لما قيل لهم وشكرا نصب على انه مفعول له أو مصدر لاعملوا لان العمل للمنعم شكر له أو لفعله المحذوف أي أشكروا شكرا أو حال أي شاكرين أو مفعول به أي اعملوا شكرا وقليل من عبادى الشكور أي المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر اوقاته ومع ذلك لا يوفى حقه لان التوفيق للشكر نعمة تستدعي شكرا آخر لا إلى نهاية ولذلك قيل الشكور من يرى عجزه عن الشكر وروى أنه عليه الصلاة و السلام جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتى ساعة من الساعات إلا وإنسان من آل داود قائم يصلى ١٤ فلما قضينا عليه الموت أي على سليمان عليه السلام ما دلهم أي الجن أو آله على موته إلا دابة الأرض أي الأرضة اضيفت الى فعلها وقرئ بفتح الراء وهو تأثر الخشبة من فعلها يقال أرضت الأرضة الخشبة أرضا فأرضت ارضا مثل أكلت القوارح أسنانه أكلا فأكلت أكلا تاكل منسأته أي عصاه من نسأت البعير إذا طردته لأنها يطرد بها ما يطرد وقرئ منساته بألف ساكنة بدلا من الهمزة وبهمزة ساكنة وبإخراجها بين بين عند الوقف ومنساءته عل مفعالة كميضاءة في ميضأة ومن ساته أي من طرف عصاه من سأة القوس وفيه لغتان كما في قحة بالكسر والفتح وقرىء اكلت منساته فلما خر تبينت الجن من تبينت الشيء اذا علمته بعد التباسه عليك أي علمت الجن علما بينا بعد التباس الامر عليهم ان لو كانوا يعلمون الغيب مالبثوا في العذاب المهين أي انهم لو كانوا يعلمون الغيب كما يزعمون لعلموا موته عليه الصلاة و السلام حينما وقع فلم يلبثوا بعده حولا في تسخيره الى ان خر او من تبين الشيء اذا ظهر وتجلى أي ظهرت الجن وان مع ما في حيزها بدل اشتمال من الجن أي ظهر ان الجن لو كانوا يعلمون الغيب الخ وقرىء تبينت الجن على البناء للمفعول على ان المتبين في الحقيقة هو ان مع ما في حيزها لانه بدل وقرىء تبينت الانس والضمير في كانوا للجن في قوله تعالى ومن الجن من يعمل وفي قراءة ابن مسعود رضي اللّه عنه تبينت الانس ان الجن لو كانوا يعلمون الغيب روى ان داود عليه السلام اسس بنيان بيت المقدس في موضع فسطاط موسى فتوفي قبل تمامه فوصى به الى سليمان عليهما السلام فاستعمل فيه الجن والشياطين فباشروه حتى اذا حان اجله وعلم به سأل ربه ان يعمى عليهم موته حتى يفرغوا منه ولتبطل دعواهم علم الغيب فدعاهم فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب فقام يصلى متكئا على عصاه فقبض روحه وهو متكىء عليها فبقي كذلك وهم فيما امروا به من الاعمال حتى اكلت الارضة عصاه فخر ميتا وكانت الشياطين تجتمع حول محرابه اينما صلى فلم يكن ينظر اليه الشيطان في صلاته الا احترق فمر به يوما شيطان فنظر فإذا سليمان عليه السلام قد خر ميتا ففتحوا عنه فإذا عصاه قد اكلها الارضة فأرادوا ان يعرفوا وقت موته فوضعوا الارضة على العصا فأكلت منها في يوم وليلة مقدارا فحسبوا على ذلك فوجدوه قد مات منذ سنة وكان عمره ثلاثا وخمسين سنة ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة وبقي في ملكه اربعين سنة وابتدا بناء بيت المقدس لاربع مضين من ملكه ١٥ لقد كان لسبأ بيان لاخبار بعض الكافرين بنعم اللّه تعالى اثر بيان احوال الشاكرين لها أي لاولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وقرىء بمنع الصرف على انه اسم القبيلة وقرىء بقلب الهمزة الفا ولعله اخراج لها بين بين في مسكنهم وقرىء بكسر الكاف كالمسجد وقرىء بلفظ الجمع أي مواضع سكناهم وهي باليمن يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال آية دالة بملاحظة احوالها السابقة واللاحقة على وجود الصانع المختار القادر على كل ما يشاء من الامور البديعة المجازي للمحسن والمسيء معاضدة للبرهان السابق كما في قصتي داود وسليمان عليهما السلام جنتان بدل من آية او خبر لمبتدأ محذوف أي هي جنتان وفيه معنى المدح ويؤيده قراءة النصب على المدح والمراد بهما جماعتان من البساتين عن يمين وعن شمال جماعة يمين بلدهم وجماعة عن شماله كل واحدة من تينك الجماعتين في تقاربهما وتضامهما كأنهما جنة واحدة او بستانا كل رجل منهم عن يمين مسكنه وعن شماله كلوا من رزق ربكم واشكروا له حكاية لما قيل لهم على لسان نبيهم تكميلا للنعمة وتذكيرا لحقوقها او لما نطق به لسان الحال او بيان لكونهم احقاء بأن يقال لهم ذلك بلدة طيبة ورب غفور استئناف مبين لما يوجب الشكر المأمور به أي بلدتكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم مافيها من الطيبات وطلب منكم الشكر رب غفور لفرطات من يشكره وقرىء الكل بالنصب على المدح قيل كان اطيب البلاد هواء واحصبها وكانت المراة تخرج وعلى رأسها المكتل فتعمل بيديها وتسير فيما بين الاشجار فيمتلىء المكتل مما يتساقط فيه من الثمار ولم يكن فيه من مؤذيات الهوام شىء ١٦ فأعرضوا عن الشكر بعد إبانة الآيات الداعية لهم إليه قيل أرسل اللّه إليهم ثلاثة عشر نبيا فدعوهم الى اللّه تعالى وذكروهم بنعمة وأنذروهم عقابه فكذبوهم فأرسلنا عليهم سيل العرم أي سيل الأمر العرم أي الصعب من عرم الرجل فهو عارم وعرم إذا شرس خلقه وصعب او المطر الشديد وقيل العرم جمع عرمة وهي الحجارة المركومة وقيل هو السكر الذي يحبس الماء وقيل هو اسم للبناء الذي يجعل سدا وقيل هو البناء الرصين الذي بنته الملكة بلقيس بين الجبلين بالصخر والقار وحقنت به ماء العيون والأمطار وتركت فيه خروقا على ما يحتاجون إليه في سقيهم وقيل العرم الجرذ الذي نقب عليهم ذلك السد وهو الفأر الاعمى الذي يقال له الخلد سلطه اللّه تعالى على سدهم فنقبه فغرق بلادهم وقيل العرم اسم الوادي وقرئ العرم بسكون الراء قالوا كان ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى والنبي عليهما الصلاة والسلام وبدلناهم بجنتيهم أي أذهبنا جنتيهم وآتيناهم بدلهما جنتين ذواتي أكل خمط أي ثمر بشع فإن الخمط كل نبت أخذ طعما من مرارة حتى لا يمكن أكله وقيل هو الحامض والمر من كل شئ وقيل هو ثمرة شجرة يقال لها فسوة الضبع على صورة الخشخاش لا ينتفع بها وقيل هو الاراك وكل شجر ذي شوك والتقدير أكل أكل خمط فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وقرئ أكل خمط بالاضافة وبتخفيف أكل واثل وشئ من سدر قليل معطوفان على أكل لا على خمط فإن الاثل هو الطرفاء وقيل شجر يشبهه اعظم منه ولا ثمر له وقرئ وأثلا وشيئا عطفا على جنتين قيل وصف السدر بالقلة لما ان جناه وهو النبق مما يطيب أكله ولذلك يغرس في البساتين والصحيح أن السدر صنفان صنف يؤكل من ثمره وينتفع بورقه لغسل اليد وصنف له ثمرة عفصة لا تؤكل اصلا ولا ينتفع بورقه وهو الضال والمراد ههنا هو الثاني حتما وقال قتادة كان شجرهم خير الشجر فصيره اللّه تعالى من شر الشجر بأعمالهم وتسمية البدل جنتين للمشاكلة والتهكم ١٧ ذلك إشارة الى مصدر قوله تعالى جزيناهم أو الى ما ذكر من التبديل وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد رتبته في الفظاعة ومحله على الأول النصب على انه مصدر مؤكد للفعل المذكور وعلى الثاني النصب على أنه مفعول ثان له أي ذلك الجزاء الفظيع جزيناهم لاجزاء آخر أو ذلك التبديل جزيناهم لا غيره بما كفروا بسبب كفرانهم النعمة حيث نزعناها منهم ووضعنا مكانها ضدها أو بسبب كفرهم بالرسل وهل نجازي إلا الكفور أي وما نجزى هذا الجزاء إلا المبالغ في الكفران أو الكفر وقرئ يجازي على البناء للفاعل وهو اللّه عز و جل وهل يجازي على البناء للمفعول ورفع الكفور وهل يجزي على البناء للمفعول أيضا وهذا بيان ما أوتوا من النعم الحاضرة في مساكنهم وما فعلوا بها من الكفران وما فعل بهم من الجزاء وقوله تعالى ١٨ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها حكاية لما أوتوا من النعم البادية في مسايرهم ومتاجرهم وما فعلوا بها من الكفران وما حاق بهم بسبب ذلك تكملة لقصتهم وبيانا لعاقبتهم وإنما لم يذكر الكل معا لما في التثنية والتكرير من زيادة تنبيه وتذكير وهو عطف على كل لسبأ لا على ما بعده من الجمل الناطقة بأفعالهم أو بأجزيتها أي وجعلنا مع ما آتيناهم في مساكنهم من فنون النعم بينهم أي بين بلادهم وبين القرى الشامية التي باركنا فيها للعالمين قرى ظاهرة متواصلة يرى بعضها من بعض لتقاربها فهى ظاهرة لأعين أهلها أو راكبة متن الطريق ظاهرة للسابلة غير بعيدة عن مسالكهم حتى تخفى عليهم وقدرنا فيها السير أي جعلناها في نسبة بعضها إلى بعض على مقدار معين يليق بحال أبناء السبيل قيل كان الغادي من قرية يقيل في أخرى والرائح منها يبيت في اخرى الى ان يبلغ الشام كل ذلك كان تكميلا لما أوتوا من أنواع النعماء وتوفيرا لها في الحضر والسفر سيروا فيها على إرادة القول أي وقلنا لهم سيروا في تلك القرى ليالى وأياما أي متى شئتم من الليالي والايام آمنين من كل ما تكرهونه لا يختلف الأمن فيها باختلاف الاوقات او سيروا فيها آمنين وإن تطاولت مدة سفركم وامتدت ليالي واياما كثية أو سيروا فيها ليالي آعماركم وايامها لا تلقون فيها إلا الأمن لكن لا على الحقيقة بل على تنزيل تمكينهم من السير المذكور وتسوية مباديه وأسبابه على الوجه المذكور منزلة أمرهم بذلك ١٩ فقالوا ربنا باعد بين اسفارنا وقرئ يا ربنا بطروا النعمة وسئموا اطيب العيش وملوا العافية فطلبوا الكد والتعب كما طلب بنو إسرائيل الثوم والبصل مكان المن والسلوى وقالوا لو كان جنى جناننا أبعد لكان أجدر أن نشتهيه وسألوا ان يجعل اللّه تعالى بينهم وبين الشام مفاوز وقفارا ليركبوا فيها الرواحل ويتزودوا الأزواد ويتطاولوا فيها على الفقراء فعجل اللّه تعالى لهم الإجابة بتخريب تلك القرى المتوسطة وجعلها بلقعا لا يسمع فيها داع ولا مجيب وقرئ بعد وربنا بعد بين اسفارنا وبعد بين اسفارنا على النداء وإسناد الفعل الى بين ورفعه به كما يقال سير فرسخان وبوعد بين أسفارنا وقرئ ربنا باعد بين اسفارنا وبين سفرنا وبعد برفع ربنا على الابتداء والمعنى على خلاف الأول وهو استبعاد مسايرهم مع قصرها أو دنوها وسهولة سلوكها لفرط تنعمهم وغاية ترفههم وعدم اعتدادهم بنعم اللّه تعالى كانهم يتشاجون على اللّه تعالى ويتحازنون عليه وظلموا أنفسهم حيث عرضوها للسخط والعذاب حين بطروا النعمة أو غمطوها فجعلناهم أحاديث أي جعلناهم بحيث يتحدث الناس بهم متعجبين من أحوالهم ومعتبرين بعاقبتهم ومآلهم ومزقناهم كل ممزق أي فرقناهم كل تفريق على أن الممزق مصدر أو كل مطرح ومكان تفريق على أنه اسم مكان وفي عبارة التمزيق الخاص بتفريق المتصل وخرفه من تهويل الأمر والدلالة على شدة التأثير والإيلام ما لا يخفى أي مزقناهم تمزيقا لا غاية وراءه بحيث يضرب به الأمثال في كل فرقة ليس بعدها وصال حتى لحق غسان بالشام وأنمار بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان وأصل قصتهم على ما رواه الكلبى عن أبي صالح ان عمرو بن عامر من أولاد سبأ وبينهما اثنى عشر أبا وهو الذي يقال له مزيقيا بن ماء السماء أخبرته طريفة الكاهنة بخراب سد مأرب وتفريق سيل العرم الجنتين وعن ابي زيد الانصاري أن عمرا راى جرزا يفر السد فعلم أنه لا بقاء له بعد وقيل إنه كان كاهنا وقد علمه بكهانته فباع املاكه وسار بقومه وهم ألوف من بلد الى بلد حتى انتهى الى مكة المعظمة وأهلها جرهم وكانوا قهروا الناس وحازوا ولاية البيت على بني إسمعيل عليه السلام وغيرهم فارسل إليهم ثعلبة بن عمرو ابن عامر يسألهم المقام معهم إلى ان يرجع إليه رواده الذين ارسلهم الى اصقاع البلاد يطلبون له موضعا يسعه ومن معه من قومه فابوا فاقتتلوا ثلاثة ايام فانهزمت جرهم ولم يفلت منهم إلا الشريد وأقام ثعلبة بمكة وما حولها في قومه وعساكره حولا فأصابتهم الحمى فاضطروا الى الخروج وقد رجع إليه رواده فافترقوا فرقتين فرقة توجهت نحو عمان وهم الأزد وكندة وحمير ومن يتلوهم وسار ثعلبة نحو الشام فنزل الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بالمدينة وهم الانصار ومضت غسان فنزلوا بالشام وانخزعت خزاعة بمكة فاقام بها ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر وهو لحى فولى امر مكة وحجابة البيت ثم جاءهم اولاد إسمعيل عليه السلام فسألوهم السكنى معهم وحولهم فأذنوا لهم في ذلك وروى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان فروة بن مسيك الغطيفى سأل النبي عن سبأ فقال هو رجل كان له عشرة أولاد ستة منهم سكنوا اليمن وهم مذحج وكندة والازد والاشعريون وحمير وأنمار منهم بجيلة وخثعم واربعة منهم سكنوا الشام وهم لخم وجذام وعاملة وغسان لما هلكت أموالهم وخربت بلادهم تفرقوا ايدى سبأ شذر مذر فنزلت طوائف منهم بالحجاز فمنهم خزاعة نزلوا بظاهر مكة ونزلت الأوس والخزرج بيثرب فكانوا أول من سكنها ثم نزل عندهم ثلاث قبائل من اليهود بنو فينقاع وبنو قريظة والنضير فحالفوا الأوس والخزرج وأقاموا عندهم ونزلت طوائف اخر منهم بالشام وهم الذين تنصروا فيما بعد وهم غسان وعاملة ولخم وجذام وتنوخ وتغلب وغيرهم وسبأ تجمع هذه القبائل كلها والجمهور على أن جميع العرب قسمان قحطانية وعدنانية والقحطانية شعبان سبأ وحضر موت والعدنانية شعبان ربيعة ومضر وأما قضاعة فمختلف فيها بعضهم ينسبونها الى قحطان وبعضهم الى عدنان واللّه تعالى أعلم إن في ذلك أي فيما ذكر من قصتهم لآيات عظيمة لكل صبار شكور أي شأنه الصبر عن الشهوات ودواعي الهوى وعلى مشاق الطاعات والشكر على النعم وتخصيص هؤلاء بذلك لأنهم المنتفعون بها ٢٠ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه أي حقق عليهم ظنه أو وجده صادقا وقرئ بالتخفيف أي صدق في ظنه او صدق بظن ظنه ويجوز تعدية الفعل إليه بنفسه لأنه نوع من القول وقرئ بنصب إبليس ورفع الظن مع التشديد بمعنى وجده ظنه صادقا ومع التخفيف بمعنى قال له الصدق حين خيل له إغراءهم وبرفعهما والتخفيف على الإبدال وذلك إما ظنه بسبأ حين رأى انهماكهم في الشهوات أو ببنى آدم حين شاهد آدم عليه السلام قد اصغى الى وسوسته قال إن ذريته اضعف منه عزما وقيل ظن ذلك عند إخبار اللّه تعالى الملائكة أنه يجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وقال لأضلنهم ولأغوينهم فاتبعوه أي اهل سبأ أو الناس إلا فريقا من المؤمنين إلا فريقا هم المؤمنون لم يتبعوه على أن من بيانية وتقليلهم بالإضافة الى الكفار أو إلا فريقا من فرق المؤمنين لم يتبعوه وهم المخلصون ٢١ وما كان له عليهم من سلطان أي تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستواء وقوله تعالى إلا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك استثناء مفرغ من أعلم العلل ومن موصولة أي وما كان تسلطه عليهم إلا ليتعلق علمنا بمن يؤمن بالآخرة متميزا ممن هو في شك منها تعلقا حاليا يترتب عليه الجزاء أو إلا ليتميز المؤمن من الشاك أو إلا ليؤمن قدر إيمانه ويشك من قدر ضلاله والمراد من حصول العلم حصول متعلقه مبالغة وربك على كل شئ خفيظ أي محافظ عليه فإن فعيلا ومفاعلا صيغتان متآخيتان ٢٢ قل أي للمشركين إظهارا لبطلان ما هم عليه وتبكيتا لهم ادعو الذين زعمتم أي زعمتموهم آلهة وهما مفعولا زعم ثم حذف الأول تخفيفا لطول الموصول بصلته والثاني لقيام صفته أعنى قوله تعالى من دون اللّه مقامه ولا سبيل الى جعله مفعولا ثانيا لانه لا يلتئم مع الضمير كلاما وكذا لا يملكون لأنهم لا يزعمونه والمعنى ادعوهم فيما يهمكم من جلب نفع أو دفع ضر لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم ثم أجاب عنهم إشعارا بتعين الجواب وأنه لا يقبل المكابرة فقال لا يملكون مثقال ذرة من خير وشر ونفع وضر في السموات ولا في الارض أي في أمر ما من الأمور وذكرهما للتعميم عرفا او لان آلهتهم بعضها سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها ارضية كالاصنام أو لان الاسباب القريبة للخير سماوية وارضية والجملة استئناف لبيان حالهم وما لهم أي لآلهتهم فيهما من شرك أي شركة لا خلقا ولا ملكا ولا تصرفا وماله أي للّه تعالى منهم من آلهتهم من ظهير يعينه في تدبير أمرهما ٢٣ ولا تنفع الشفاعة عنده أي لا توجد رأسا كما في قوله ولا ترى الضب بها ينجحر لقوله تعالى من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وإنما علق النفي بنفعها لا بوقوعها تصريحا بنفى ما هو غرضهم من وقوعها وقوله تعالى إلا لمن أذن له استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لاتقع الشفاعة في حال من الأحوال إلا كائنة لمن أذن له في الشفاعة من النبيين والملائكة ونحوهم من المستأهلين لمقام الشفاعة فتبين حرمان الكفرة منها بالكلية أما من جهة أصنامهم فلظهور انتفاء الإذن لها ضرورة استحالة الإذن في الشفاعة لجماد لا يعقل ولا ينطق وأما من جهة من يعبدونه من الملائكة فلأن إذنهم مقصور على الشفاعة للمستحقين لها لقوله تعالى لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ومن البين أن الشفاعة للكفرة بمعزل من الصواب أولا تنفع الشفاعة من الشفعاء المستأهلين لها في حال من الأحوال إلا كائنة لمن أذن له أي لأجله وفي شأنه من المستحقين للشفاعة وأما من عداهم من غير المستحقين لها فلا تنفعهم اصلا وإن فرض وقوعها وصدورها عن الشفعاء إذ لم يؤذن لهم في شفاعتهم بل في شفاعة غيرهم فعلى هذا يثبت حرمانهم من شفاعة هؤلاء بعبارة النص ومن شفاعة الاصنام بدلالته إذ حيث حرموها من جهة القادرين على شفاعة بعض المحتاجين إليها فلأن حرموها من جهة العجزة عنها أولى وقرئ أذن له مبنيا للمفعول حتى إذا فزع عن قلوبهم أي قلوب الشفعاء والمشفوع لهم من المؤمنين وأما الكفرة فهم من موقف الاستشفاع بمعزل وعن التفزيع عن قلوبهم بألف منزل والتفزيع إزالة الفزع ثم ترك ذكر الفزع وأسند الفعل الى الجار والمجرور وحتى غاية لما ينبئ عنه ما قبلها من الإشعار بوقوع الإذن لمن أذن له فإنه مسبوق بالاستئذان المستدعى للترقب والانتظار للجواب كأنه سئل كيف يؤذن لهم فقيل يتربصون في موقف الاستئذان والاستدعاء ويتوقفون على وجل وفزع مليا حتى اذا ازيل الفزع عن قلوبهم بعد اللتا والتي وظهرت لهم تباشيرا الاجابة قالوا أي المشفوع لهم اذهم المحتاجون الى الاذن والمهتمون بأمره ماذا قال ربكم أي في شأن الاذن قالوا أي الشفعاء لانهم المباشرون للاستئذان بالذات المتوسطون بينهم وبينه عز و جل بالشفاعة الحق أي قال ربنا القول الحق وهو الاذن في الشفاعة للمستحقين لها وقرىء الحق مرفوعا أي ما قاله الحق وهو العلى الكبير من تمام كلام الشفعاء قالوه اعترافا بغاية عظمة جناب العزة عز و جل وقصور شأن كل من سواه أي هو المنفرد بالعلو والكبرياء ليس لاحد من اشراف الخلائق ان يتكلم الا بإذنه وقرىء فزع مخففا بمعنى فزع وقرىء فزع على البناء للفاعل وهو اللّه وحده وقرىء فزع بالراء المهملة والغين المعجمة أي نفي الوجل عنها وافنى من فرغ الزاد اذا لم يبق منه شيء وهو من الاسناد المجازي لان الفراغ وهو الخلو حال ظرفه عند نفاده فأسند اليه على عكس قولهم جرى النهر وعن الحسن تخفيف الراء واصله فرغ الرجل عنها أي انتفى عنها وفنى ثم حذف الفاعل واسند الى الجار والمجرور وبه يعرف حال التفريغ وقرىء ارتفع عن قلوبهم بمعنى انكشف عنها ٢٤ قل من يرزقكم من السموات والارض امر بتبكيت المشركين بحملهم على الاقرار بأن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة فيهما وان الرازق هو اللّه تعالى فإنهم لا ينكرونه كما ينطق به قوله تعالى قل من يرزقكم من السماء والارض ام من يملك السمع والابصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الامر فسيقولون اللّه وحيث كانوا يتلعثمون احيانا في الجواب مخافة الالزام قيل له قل اللّه اذ لا جواب سواء عندهم ايضا وانا او اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين أي وان احد الفريقين من الذين يوحدون المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية ويخصونه بالعبادة والذين يشركون به في العبادة الجماد النازل في ادنى المراتب الامكانية لعلى احد الامرين من الهدى والضلال المبين وهذا بعد ما سبق من التقرير البليغ الناطق بتعيين من هو على الهدى ومن هو في الضلال ابلغ من التصريح بذلك لجريانه على سنن الانصاف المسكت للخصم الألد وقرىء وانا او اياكم اما على هدى او في ضلال مبين واختلاف الجارين للايذان بأن الهادي كمن استعلى منارا ينظر الاشياء ويتطلع عليها والضال كأنه منغمس في ظلام لا يرى شيئا او محبوس في مطمورة لا يستطيع الخروج منها ٢٥ قل لا تسألون عما اجرمنا ولا نسأل عما تعملون وهذا ابلغ في الانصاف وابعد من الجدل والاعتساف حيث اسند فيه الاجرام وان اريد به الزلة وترك الاولى الى انفسهم ومطلق العمل الى المخاطبين مع ان اعمالهم اكبر الكبائر ٢٦ قل يجمع بيننا ربنا يوم القيامة عند الحشر والحساب ثم يفتح بيننا بالحق أي يحكم بيننا ويفصل بعد ظهور حال كل منا ومنكم بأن يدخل المحقين الجنة والمبطلين النار وهو الفتاح الحاكم الفيصل في القضايا المنغلقة العليم بما ينبغي ان يقضى به ٢٧ قل اروني الذين الحقتم أي الحقتموهم به شركاء اريد بأمرهم بإراءة الاصنام مع كونها بمراى منه اظهار خطئهم العظيم واطلاعهم على بطلان رايهم أي اروينها لانظر بأي صفة الحقتموها باللّه الذي ليس كمثله شيء في استحقاق العبادة وفيه مزيد تبكيت لهم بعد الزام الحجة عليهم كلا ردع لهم عن المشاركة بعد ابطال المقايسة بل هو اللّه العزيز الحكيم أي الموصوف بالغلبة القاهرة والحكمة الباهرة فأين شركاؤكم التي هي اخس الاشياء اذ لها من هذه الرتبة العالية والضمير اما اللّه عز وعلا او للشأن كما في قل هو اللّه احد ٢٨ وما ارسلناك الا كافة للناس أي الا ارسالة عامة لهم فإنهم اذا عمتهم فقد كفتهم ان يخرج منها احد منهم او الا جامعا لهم في الابلاغ فهي حال من الكاف والتاء للمبالغة ولا سبيل الى جعلها حالا من الناس لاستحالة تقدم الحال على صاحبها المجرور بشيرا ونذيرا ولكن اكثر الناس لا يعلمون ذلك فيحملهم جهلهم على ما هم عليه من الغى والضلال ٢٩ ويقولون من فرط جهلهم وغاية غيهم متى هذا الوعد بطريق الاستهزاء يعنون به المبشر به والمنذر عنه او الموعود بقوله تعالى بجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا ان كنتم صادقين مخاطبين لرسول اللّه والمؤمنين به ٣٠ قل لكم ميعاد يوم أي وعد يوم او زمان وعدو الاضافة للتبيين وقرىء ميعاد يوم منونين على البدل ويوما بإ ضمار اعنى للتعظيم لا تستأخرون عنه عند مفاجأته ساعة ولا تستقدمون صفة لميعاد وفي هذا الجواب من المبالغة في التهديد مالا يخفي حيث جعل الاستئخار في الاستحالة كالا ستقدام الممتنع عقلا وقد مر بيانه مرارا ويجوز ان يكون نفي الاستئجار والاستقدام غير مقيد بالمفاجأة فيكون وصف الميعاد بذلك لتحقيقة وتقريره ٣١ وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه أي من الكتب القديمة الدالة على البعث وقيل ان كفار مكة سألوا اهل الكتاب عن رسول اللّه فأخبروهم انهم يجدون نعته في كتبهم فغضبوا فقالوا ذلك وقيل الذي بين يديه القيامة ولو ترى اذ الظالمون المنكرون للبعث موقوفون عند ربهم أي في موقف المحاسبة يرجع بعضهم الى بعض القول أي يتحاورون ويتراجعون القول يقول الذين استضعفوا بدل من يرجع الخ أي يقول الاتباع للذين استكبروا في الدنيا واستتبعوهم في الغي والضلال لولا انتم أي لولا اضلالكم وصدكم لنا عن الايمان لكنا مؤمنين باتباع الرسول ٣٢ قال الذين استكبروا للذين استضعفوا استئناف مبنى على السؤال كأنه قيل فماذا قال الذين استكبروا في الجواب فقيل قالوا انحن صددناكم عن الهدى بعد اذ جاءكم بل كنتم مجرمين منكرين لكونهم هم الصادين لهم عن الايمان مثبتين انهم هم الصادون بأنفسهم بسبب كونهم راسخين في الاجرام ٣٣ وقال الذين استضعفوا الذين استكبروا اضرابا عن اضرابهم وابطالا له بل مكر الليل والنهار أي بل صدنا مكركم بنا بالليل والنهار فحذف المضاف اليه واقيم مقامه الظرف اتساعا او جعل ليلهم ونهارهم ماكرين على الاسناد المجازي وقرىء بل مكر الليل والنهار بالتنوين ونصب الظرفين أي بل صدنا مكركم في الليل والنهار على ان التنوين عوض عن المضاف اليه او مكر عظيم على انه للتفخيم وقرىء بل مكر الليل والنهار بالرفع والنصب أي تكرون الاغواء مكرا دائبا لا تفترون عنه فالرفع على الفاعلية أي بل صدنا مكركم الاغواء في الليل والنهار على ما سبق من الاتساع في الظرف بإقامته مقام المضاف اليه والنصب على المصدرية أي بل تكرون الاغواء مكر الليل والنهار أي مكرا دائما وقوله تعالى اذ تأمروننا ظرف للمكر أي بل مكركم الدائم وقت امركم لنا ان تكفر باللّه ونجعل له اندادا على ان المراد بمكرهم اما نفس امرهم بما ذكر كما في قوله تعالى يا قوم اذكروا نعمة اللّه عليكم اذ جعل فيكم انبياء وجعلكم ملوكا فإن الجعلين المذكورين نعمة من اللّه تعالى واي نعمة وأما امور اخر مقارنة لامرهم داعية الى الامتثال به من الترغيب والترهيب وغير ذلك واسروا الندامة لما راوا العذاب أي اضمر الفريقان الندامة على ما فعلا من الضلال والاضلال واخفاها كل منهما عن الآخر مخافة التعيير او اظهروها فإنه من الاضداد وهو المناسب لحالهم وجعلنا الاغلال في اعناق الذين كفروا أي في اعناقهم والاظهار في موضع الاضمار للتنويه بذمهم والتنبيه على موجب اغلالهم هل يجزون الا ما كانوا يعملون أي لا يجزون الا جزاء ما كانوا يعملون او الا بما كانوا يعملونه على نزع الجار ٣٤ وما ارسلنا في قرية من القرى من نذير الا قال مترفوها انا ربما ارسلتم به كافرون تسلية لرسول اللّه مما منى به من قومه من التكذيب والكفر بما جاء به والمنافسة بكثرة الاموال والاولاد والمفاخرة بحظوظ الدنيا وزخارفها والتكبر بذلك على المؤمنين والاستهانة بهم من اجله وقولهم أي الفريقين خير مقاما واحسن نديا بأنه لم يرسل قط اهل قرية من نذير الا قال مترفوهم مثل ما قال مترفو اهل مكة في حقه وكادوا به نحو ما كادوا به وقاسوا امور الآخرة الموهومة والمفروضة عندهم على امور الدنيا وزعموا انهم لو لم يكرموا على اللّه تعالى لما رزقهم طيبات الدنيا ولولا ان المؤمنين هانوا عليه تعالى لما حرمهموها وعلى ذلك الراي الركيك بنوا احكامهم ٣٥ وقالوا نحن اكثر اموالا واولادا وما نحن بمعذبين اما بناء على انتفاء العذاب الاخروى راسا او على اعتقاد انه تعالى اكرمهم في الدنيا فلا يهينهم في الآخرة على تقدير وقوعها ٣٦ قل ردا عليهم وحسما لمادة طمعهم الفارغ وتحقيقا للحق الذي عليه يدور امر التكوين ان ربي يبسط الرزق لمن يشاء ان يبسط له ويقدر على من يشاء ان يقدره عليه من غير ان يكون لاحد من الفريقين داع الى ما فعل به من البسط والقدر فربما يوسع على العاصي ويضيق على المطيع وربما يعكس الامر وربما يوسع عليهما معا وقد يضيق عليهما وقد يوسع على شخص تارة ويضيق عليه اخرى يفعل كلا من ذلك حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة فلا يقاس على ذلك امر الثواب والعذاب اللذين مناطهما الطاعة وعدمها وقرىء ويقدر بالتشديد ولكن اكثر الناس لا يعلمون ذلك فيزعمون ان مدار البسط هو الشرف والكرامة ومدار القدر هو الهوان ولا يدرون ان الأول كثيرا ما يكون بطريق الاستدراج والثاني بطريق الابتلاء ورفع الدرجات ٣٧ وما اموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفي كلام مستأنف من جهته عز وعلا خوطب به الناس بطريق التلوين والالتفات مبالغة في تحقيق الحق وتقرير ما سبق أي وما جماعة اموالكم واولادكم بالجماعة التي تقربكم عندنا قربة فإن الجمع المكسر عقلاؤه وغير عقلائه سواء في حكم التأنيث او بالخصلة التي تقربكم وقرىء بالذي أي بالشيء الذي الا من آمن وعمل صالحا استثناء من مفعول تقربكم أي وما الاموال والاولاد تقرب احدا الا المؤمن الصالح الذي انفق امواله في سبيل اللّه تعالى وعلم اولاده الخير ورباهم على الصلاح ورشحهم للطاعة وقيل من اموالكم واولادكم على حذف المضاف أي الا اموال من الخ فأولئك اشارة الى من والجمع باعتبار معناها كما ان الافراد في الفعلين باعتبار لفظها وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار اليه للايذان بعلو رتبتهم وبعد منزلتهم في الفضل أي فأولئك المنعوتون بالايمان والعمل الصالح لهم جزاء الضعف أي ثابت لهم ذلك على ان الجار والمجرور خبر لما بعده والجملة خبر لاولئك وفيه تأكيد لتكرر الاسناد او يثبت لهم ذلك على ان الجار والمجرور خبر لاولئك وما بعده مرتفع على الفاعلية واضافة الجزاء الى الضعف من اضافة المصدر الى المفعول اصله فأولئك لهم ان يجازوا الضعف ثم جزاء الضعف ثم جزاء الضعف ومعناه ان تضاعف لهم حسناتهم الواحدة عشرا فما فوقها وقرىء جزاء الضعف على فأولئك لهم الضعف جزاء وجزاء الضعف على ان يجازوا الضعف وجزاء الضعف بالرفع على ان الضعف بدل من جزاء بما عملوا من الصالحات وهم في الغرفات أي غرفات الجنة آمنون من جميع المكاره وقرىء بفتح الراء وسكونها وقرىء في الغرفة على ارادة الجنس ٣٨ والذين يسعون في آياتنا بالرد والطعن فيها معاجزين سابقين لانبيائنا او زاعمين انهم يفوتوننا اولئك في العذاب محضرون لا يجديهم ما عولوا عليه نفعا ٣٩ قل ان ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده أي يوسعه عليه تارة ويقدر له أي يضيقه عليه تارة اخرى فلا تخشوا الفقر وانفقوا في سبيل اللّه وتعرضوا لنفحاته تعالى وما انفقتم من شيء فهو يخلفه عوضا اما عاجلا وأما آجلا وهو خير الرازقين فإن غيره واسطة في ايصال رزقه لا حقيقة لرازقيته ٤٠ ويوم يحشرهم جميعا أي المستكبرين والمستضعفين وما كانوا يعبدون من دون اللّه ويوم ظرف لمضمر متأخر سيأتي تقديره او مفعول لمضمر مقدم نحو اذكر ثم يقول للملائكة اهؤلاء اياكم كانوا يعبدون تقريعا للمشركين وتبكيتا لهم على نهج قوله تعالى اانت قلت للناس اتخذوني وامى الخ افناطا لهم عما علقوا به اطماعهم الفارغة من شفاعتهم وتخصيص الملائكة لانهم اشرف شركائهم والصالحون للخطاب منهم ولان عبادتهم مبدأ الشرك فبظهور قصورهم عن رتبة المعبودية وتنزههم عن عبادتهم يظهر حال سائر شركائهم بطريق الاولوية وقرىء الفعلان بالنون ٤١ قالوا استئناف مبنى على سؤال نشأ من حكاية سؤال الملائكة كأنه قيل فماذا يقول الملائكة حينئذ فقيل يقولون متنزهين عن ذلك سبحانك انت ولينا من دونهم والعدول الى صيغة الماضي الدلالة على التحقق أي انت الذي نواليه من دونهم لا موالاة بيننا وبينهم كأنهم بينوا بذلك براءتهم من الرضا بعبادتهم ثم اضربوا عن ذلك ونفوا انهم عبدوهم حقيقة بقولهم بل كانوا يعبدون الجن أي الشياطين حيث اطاعوهم في عبادة غير اللّه سبحانه وتعالى وقيل كانوا يتمثلون لهم ويخيلون لهم انهم الملائكة فيعبدونهم وقيل يدخلون اجواف الاصنام اذا عبدت فيعبدون بعبادتها اكثرهم بهم مؤمنون الضمير الأول للانس او للمشركين والاكثر بمعنى الكل والثاني للجن ٤٢ فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا من جملة ما يقال للملائكة عند جوابهم بالتنزه والتبرؤ عما نسب اليهم الكفرة يخاطبون بذلك على رءوس الاشهاد اظهارا لعجزهم وقصورهم عند عبدتهم وتنصيصا على ما يوجب خيبة رجائهم بالكلية والفاء ليست لترتيب ما بعدها من الحكم على جواب الملائكة فإنه محقق اجابوا بذلك ام لا بل لترتيب الاخبار به عليه ونسبة عدم النفع والضر الى البعض المبهم للمبالغة فيما هو المقصود الذي هو بيان عدم نفع الملائكة للعبدة بنظمه في سلك عدم نفع العبدة لهم كأن نفع الملائكة لعبدتهم في الاستحالة والانتفاء كنفع العبدة لهم والتعرض لعدم الضر مع انه لا بحث عنه اصلا اما لتعميم العجز او لحمل عدم النفع على تقدير العبادة وعدم الضر على تقدير تركها او لان المراد دفع الضر على حذف المضاف وتقييد هذا الحكم بذلك اليوم مع ثبوته على الاطلاق لانعقاد رجائهم على تحقق النفع يومئذ وقوله عز و جل ونقول للذين ظلموا عطف على نقول للملائكة لا على لا يملك كما قيل فإنه مما يقال يوم القيامة خطابا للملائكة مترتبا على جوابهم المحكى وهذا حكاية لرسول لما سيقال للعبدة يومئذ اثر حكاية ما سيقال للملائكة أي يوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة كذا وكذا ويقولون كذا وكذا ونقول للمشركين ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون يكون من الاهوال والاحوال مالا يحيط به نطاق المقال وقوله تعالى ٤٣ واذا تتلى عليهم آياتنا بينات بيان لبعض آخر من كفرانهم أي اذا تتلى عليهم بلسان الرسول آياتنا الناطقة بحقية التوحيد وبطلان الشرك قالوا ما هذا يعنون رسول اللّه الا رجل يريد ان يصدكم عما كان يعبد آباؤكم فيستتبعكم بما يستدعيه من غير ان يكون هناك دين الهي واضافة الآباء الى المخاطبين لا الى انفسهم لتحريك عرق العصبية منهم مبالغة في تقريرهم على الشرك وتنفيرهم عن التوحيد وقالوا ما هذا يعنون القرآن الكريم الا افك أي كلام مصروف عن وجهه لا مصداق له في الواقع مفترى بإسناده الى اللّه تعالى وقال الذين كفروا للحق أي لامر النبوة او الاسلام او القرآن على ان العطف لاختلاف العنوان بأن يراد بالاول معناه والثاني نظمه المعجز لما جاءهم من غير تدبر ولا تأمل فيه ان هذا الا سحر مبين ظاهر سحريته وفي تكرير الفعل والتصريح بذكر الكفرة وما في اللامين من الاشارة الى القائلين والمقول فيه وما في لما من المسارعة الى البيت بهذا القول الباطل انكار عظيم له وتعجيب بليغ منه ٤٤ وما آتيناهم من كتب يدرسونها فيها دليل على صحة الاشراك كما في قوله تعالى ام انزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون وقوله تعالى ام آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون وقرىء يدرسونها ويدرسونها بتشديد الدال يفتعلون من الدرس وما ارسلنا إليهم قبلك من نذير يدعوهم إليه وينذرهم بالعقاب إن لم يشركوا وقد بان من قبل ان لا وجه له بوجه من الوجوه فمن اين ذهبوا هذا المذهب الزائغ وهذا غاية تجهيل لهم وتسفيه لرأيهم ثم هددهم بقوله تعالى ٤٥ وكذب الذين من قبلهم من الأمم التقدمة والقرون الخالية كما كذبوا وما بلغوا معشار ما آتيناهم أي ما بلغ هؤلاء عشر ما آتينا اولئك من القوة وطول العمر وكثرة المال او ما بلغ اولئك عشر ما آتينا هؤلاء من البينات والهدى فكذبوا رسلي عطف على كذب الذين الخ بطريق التفصيل والتفسير كقوله تعالى كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا الخ فكيف كان نكير أي إنكاري لهم بالتدمير فليحذر هؤلاء من مثل ذلك ٤٦ قل إنما اعظكم بواحدة أي ما ارشدكم وأنصح لكم إلا بخصلة واحدة هي ما دل عليه قوله تعالى ان تقوموا للّه على أنه بدل منها أو بيان لها أو خبر مبتدأ محذوف أي هي أن تقوموا من مجلس رسول اللّه أو تنتصبوا للأمر خالصا لوجه اللّه تعالى معرضا عن المماراة والتقليد مثنى وفرادى أي متفرقين اثنين اثنين وواحدا واحدا فإن الازدخام يشوش الافهام ويخلط الافكار بالأوهام وفي تقديم مثنى إيذان بأنه أوثق واقرب إلى الاطمئنان ثم تتفكروا في أمره وما جاء به لتعلموا حقيقته وحقيته وقوله تعالى ما بصاحبكم من جنة استئناف مسوق من جهته تعالى للتنبيه على طريقة النظر والتأمل بأن مثل هذا الأمر العظيم الذي تحته ملك الدنيا والآخرة لا يتصدى لا دعائه إلا مجنون لا يبالي بافتضاحه عند مطالبته بالبرهان وظهور عجزه أو مؤيد من عند اللّه مرشح للنبوة واثق بحجته وبرهانه وإذ قد علمتم أنه أرجح العالمين عقلا واصدقهم قولا وأنزههم نفسا وأفضلهم علما وأحسنهم عملا وأجمعهم للكمالات البشرية وجب أن تصدقوه في دعواه فكيف وقد انضم الى ذلك معجزات تخر لها صم الجبال ويجوز ان يتعلق بما قبله على معنى ثم تتفكروا فتعلموا ما بصاحبكم من جنة وقد جوز ان تكون ما استفهامية على معنى ثم تتفكروا أي شئ به من آثار الجنون إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد هو عذاب الآخرة فإنه مبعوث في نسم الساعة ٤٧ قل ما سألتكم من أجر أي أي شئ سألتكم من أجر على الرسالة فهو لكم والمراد نفى السؤال رأسا كقول من قال لمن لم يعطه شيئا إن أعطيتنى شيئا فخذه وقيل ما موصوله أريد بها ما سألهم بقوله تعالى ما اسألكم عليه من اجر إلا من شاء أن يتخذ الى ربه سبيلا وقوله تعالى لا أسالكم عليه أجرا إلا المودة في القربى واتخاذ السبيل إليه تعالى منفعتهم الكبرى وقرباه قرباهم إن أجرى إلا على اللّه وهو على كل شئ شهيد مطلع يعلم صدقى وخلوص نيتى وقرئ إن أجرى بسكون الياء ٤٨ قل إن ربى يقذف بالحق أي يلقيه وينزله على من يجتبيه من عباده أو يرمي به الباطل فيدمغه او يرمى به في أقطار الآفاق فيكون وعدا بإظهار الإسلام وإعلاء كلمة الحق علام الغيوب صفة محمولة على محل إن وأسمها أو بدل من المستكن في يقذف او خبر ثان لإن او خبر مبتدأ محذوف وقرئ بالنصب صفة لربى او مقدرا بأعنى وقرئ بكسر الغين وبالفتح كصبور مبالغة غائب ٤٩ قل جاء الحق أي الإسلام والتوحيد وما يبدئ الباطل وما يعيد أي زهق الشرك بحيث لم يبق أثره أصلا مأخوذ من هلاك الحى فإنه إذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة فجعل مثلا في الهلاك بالمرة ومنه قول عبيد أقفر من أهله عبيد فليس يبدى ولا يعيد وقيل الباطل إبليس او الصنم والمعنى لا ينشئ خلقا ولا يعيد أو لا يبدئ خيرا لأهله ولا يعيد وقيل ما استفهامية منصوبة بما بعدها ٥٠ قل إن ضللت عن الطريق الحق فإنما اضل على نفسي فإن وبال ضلالى عليها لأنه بسببها إذهى الجاهلة بالذات والأمارة بالسوء وبهذا الاعتبار قوبل الشرطية بقوله تعالى وإن اهتديت فبما يوحى الى ربى لأن الاهتداء بهدايته وتوفيقه وقرئ ربى بفتح الياء إنه سميع قريب يعلم قول كل من المهتدى والضال وفعله وإن بالغ في إخفائهما ٥١ ولو ترى إذ فزعوا عند الموت أو البعث أو يوم بدر وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما أن ثمانين ألفا يغزون الكعبة ليخربوها فإذا دخلوا البيداء خسف بهم وجواب لو محذوف أي لرأيت أمرا هائلا فلا فوت فلا يفوتون اللّه عز و جل يهرب أو تحصن وأخذوا من مكان قريب من ظهر الارض أو من الموقف الى النار أو من صحراء بدر الى قليبها أو من تحت أقدامهم إذا خسف بهم والجملة معطوفة على فزعوا وقيل على لافوت على معنى إذ فزعوا فلم يفوتوا وأخذوا ويؤيده أنه قرئ واخذ بالعطف على محله أي فلا فوت هنا وهناك أخذ ٥٢ وقالوا آمنا به أي بمحمد وقد مر ذكره في قوله تعالى ما بصاحبكم وأنى لهم التناوش التناوش التناول السهل أي ومن اين لهم أن يتناولوا الايمان تناولا سهلا من مكان بعيد فإنه في حيز التكليف وهم منه بمعزل بعيد وهو تمثيل حالهم في الاستخلاص بالايمان بعد ما فات عنهم وبعد بحال من يريد أن يتناول الشئ من غلوة تناوله من ذراع في الاستحالة وقرئ بالهمزة على قلب الواو لضمها وهو من نأشت الشئ إذا طلبته وعن أبي عمرو التناؤش بالهمز التناول من بعد من قولهم نأشت إذا ابطأت وتاخرت ومنه قول من قال تمنى نئيشا ان يكون أطاعنى ٥٣ وقد حدثت بعد الامور امور وقد كفروا به أي بمحمد أو بالعذاب الشديد الذي أنذرهم إياه من قبل أي من قبل ذلك في أوان التكليف ويقذفون بالغيب ويرجمون بالظن ويتكلمون بما لم يظهر لهم في حق الرسول من المطاعن أو في العذاب المذكور من بت القول بنفيه من مكان بعيد من جهة بعيدة من حاله حيث ينسبونه الى الشعر والسحر والكذب وإن ابعد شئ مما جاء به الشعر والسحر وأبعد شئ من عادته المعروفة فيما بين الداني والقاصي الكذب ولعله تمثيل لحالهم في ذلك بحال من يرمى شيئا لا يراه من مكان بعيد لا مجال للوهم في لحوقه وقرئ ويقذفون على أن الشيطان يلقى إليهم ويلقنهم ذلك وهو معطوف على قد كفروا به على حكاية الحال الماضية أو على قالوا فيكون تمثيلا لحالهم بحال القاذف في تحصيل ما ضيعوه من الايمان في الدنيا ٥٤ وحيل بينهم وبين ما يشتهون من نفع الايمان والنجاة من النار وقرئ بإشمام الضم للحاء كما فعل باشياعهم من قبل أي بأشباههم من كفرة الامم الدارجة إنهم كانوا في شك مريب أي موقع في الريبة او ذي ريبة والاول منقول ممن يصح أن يكون مريبا من الاعيان الى المعنى والثاني من صاحب الشك إلى الشك كما يقال شعر شاعر واللّه أعلم عن رسول اللّه من قرأ سورة سبأ لم يبق رسول ولا نبى إلا كان له يوم القيامة رفيقا ومصافحا |
﴿ ٠ ﴾