ÓõæÑóÉõ ÝóÇØöÑò ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ÎóãúÓñ æóÃóÑúÈóÚõæäó ÂíóÉðþþ سورة فاطر سورة فاطر مكية وهي خمس واربعون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١ الحمد للّه فاطر السموات والارض مبدعهما من غير مثال يحتذيه ولا قانون ينتحيه من الفطر وهو الشق وقيل الشق طولا كأنه شق العدم بإخراجهما منه وإضافته محضة لأنه بمعنى الماضي فهو نعت للاسم الجليل ومن جعلها غير محضة جعلة بدلا منه وهو قليل في المشتق جاعل الملائكة الكلام في إضافته وكونه نعتا أو بدلا كما قبله وقوله تعالى رسلا منصوب به على الوجه الثاني من الاضافة الاتفاق وأما على الوجه الأول فكذلك عند الكسائي وأما عند البصريين فبمضمر يدل هو عليه لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل عندهم إلا معرفا باللام وقال ابو سعيد السيرافي اسم الفاعل المتعدى الى اثنين يعمل في الثاني لأن باضافته الى الأول تعذرت إضافته الى الثاني فتعين نصبه له وعلل بعضهم ذلك بأنه بالإضافة أشبه المعرف باللام فعمل عمله وقرئ جاعل بالرفع على المدح وقرئ الذي فطر السموات والأرض وجعل الملائكة أي جاعلهم وسائط بينه تعالى وبين أنبيائه والصالحين من عباده يبلغون إليهم رسالاته بالوحي والإلهام والرؤيا الصادقة أو بينه تعالى وبين خلقه أيضا حيث يوصلون إليهم آثار قدرته وصنعه هذا على تقدير كون الجعل تصبيريا أما على تقدير كونه إبداعيا فرسلا نصب على الحالية وقرئ رسلا بسكون السين أولى أجنحة صفة لرسلا وأولو اسم جمع لذو كما أن أولاء اسم لذا ونظيرهما في الاسماء المتمكنة المخاض والخلفة وقوله تعالى مثنى وثلاث ورباع صفات لأجنحة أي ذوي أجنحة متعددة متفاوتة في العدد حسب تفاوت ما لهم من المتراتب ينزلون بها ويعرجون أو يسرعون بها والمعنى ان من الملائكة خلقا لكل واحد منهم جناحان وخلقا اجنحة كل منهم ثلاثة وخلقا آخر لكل منهم أربعة أجنحة ويروى أن صنفا من الملائكة لهم ستة اجنحة بجناحين منها يلقون أجسادهم وبآخرين منها يطيرون فيما امروا به من جهته تعالى وجناحان منها مرخيان على وجوههم حياء من اللّه عز و جل وعن رسول اللّه أنه رأى جبريل عليه السلام ليلة المعراج وله ستمائة جناح وروى أنه سأله عليهما السلام أن يتراءى له في صورته فقال إنك لن تطيق ذلك قال إنى أحب أن تفعل فخرج في ليلة مقمرة فأتاه جبريل عليهما السلام في صورته فغشى عليه ثم أفاق وجبريل مسنده وإحدى يديه على صدره والاخرى بين كتفيه فقال سبحان اللّه ما كنت أرى أن شيئا من الخلق هكذا فقال جبريل عليه السلام فكيف لو رأيت إسرافيل له اثنا عشر جناحا جناح منها بالمشرق وجناح منها بالمغرب وإن العرش على كاهله وإنه ليتضاءل الأحايين لعظمة اللّه عز و جل حتى يعود مثل الوصع وهو العصفور الصغير يزيد في الخلق ما يشاء استثناف مقرر لما قبله من تفاوت أحوال الملائكة في عدد الأجنحة ومؤذن بأن ذلك من أحكام مشيئته تعالى لا لأمر راجع الى ذواتهم ببيان حكم كلى ناطق بأنه تعالى يزيد في أي خلق كان كل ما يشاء ان يزيده بموجب مشيئته ومقتضى حكمته من الامور التي لا يحيط بها الوصف وما روى عن النبي من تخصيص بعض المعاني بالذكر من الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن فبيان لبعض المواد المعهودة بطريق التمثيل لا بطريق الحصر فيها وقوله تعالى إن اللّه على كل شئ قدير تعليل بطريق التحقيق للحكم المذكور فإن شمول قدرته تعالى لجميع الاشياء مما يوجب قدرته تعالى على أن يزيد كل ما يشاؤه إيجابا بينا ٢ ما يفتح اللّه للناس من رحمة عبر عن إرسالها بالفتح إيذانا بأنها أنفس الخزائن التي يتنافس فيها المتنافسون وأعزها منالا وتنكيرها للاشاعة والابهام أي أي شئ يفتح اللّه من خزائن رحمته أية رحمة كانت من نعمة وصحة وأمن وعلم وحكمة الى غير ذلك مما لا يحاط به فلا ممسك لها أي لا أحد يقدر على إمساكها وما يمسك أي أي شئ يمسك فلا مرسل له أي لا أحد يقدر على إرساله واختلاف الضميرين لما أن مرجع الأول مفسر بالرحمة ومرجع الثاني مطلق يتناولها وغيرها كائنا ما كان وفيه إشعار بأن رحمته سبقت غضبه من بعده أي من بعد إمساكه وهو العزيز الغالب على كل ما يشاء من الامور التي من جملتها الفتح والإمساك الحكيم الذي يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة والجملة تذييل مقرر لما قبلها ومعرب عن كون كل من الفتح والامساك بموجب الحكمة التي عليها يدور امر التكوين وبعد ما بين سبحانه انه الموجد للملك والملكوت والمتصرف فيهما بالقبض والبسط من غير أن يكون لأحد في ذلك دخل ما بوجه من الوجوه أمر الناس قاطبة أو أهل مكة خاصة بشكر نعمه فقال ٣ يأيها الناس اذكروا نعمة اللّه عليكم أي إنعامه عليكم إن جعلت النعمة مصدرا أو كائنه عليكم إن جعلت اسما أي رأعوها وأحفظوها بمعرفة حقها والاعتراف بها وتخصيص العبادة والطاعة بموليها ولما كانت نعم اللّه تعالى مع تشعب فنونها منحصرة في نعمة الايجاد ونعمة الابقاء نفى ان يكون في الوجود شئ غيره تعالى يصدر عنه إحدى النعمتين بطريق الاستفهام الإنكارى المنادى باستحالة أن يجاب عنه بنعم فقال هل من خالق غير اللّه أي هل خالق مغاير له تعالى موجود على أن خالق مبتدأ محذوف الخبر زيدت عليه كلمة من لتأكيد العموم وغير اللّه نعت له باعتبار محله كما أنه نعت له في قراءة الجر باعتبار لفظه وقرئ بالنصب على الاستثناء وقوله تعالى يرزقكم من السماء والارض أي بالمطر والنبات كلام مبتدأ على التقادير لا محل له من الإعراب داخل من حيز النفي والانكار ولا مساغ لما قيل من أنه صفة أخرى لخالق مرفوعة المحل أو مجرورته لأن معناه نفى وجود خالق موصوف بوصفى المغايرة والرازقية معا من غير تعرض لنفى وجود ما اتصف بالمغايرة فقط ولا لما قيل من أنه الخبر للمبتدأ ولا لما قيل من انه مفسر لمضمر ارتفع به قوله تعالى من خالق على الفاعلية أي هل يرزقكم من خالق الخ لما أن معناهما نفى رازقية خالق مغاير له تعالى من غير تعرض لنفى وجوده راسا مع أنه المراد حتما ألا يرى الى قوله تعالى لا إله إلا هو فإنه استئناف مسوق لتقرير النفى المستفاد منه قصدا وجار مجرى الجواب عما يوهمه الاستفهام صورة فحيث كان هذا ناطقا بنفى الوجود تعين ان يكون ذلك أيضا كذلك قطعا والفاء في قوله تعالى فأنى تؤفكون لترتيب إنكار عدولهم عن التوحيد الى الاشراك على ما قبلها كأنه قيل وإذا تبين تفرده تعالى بالألوهية والخالقية والرازقية فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد الى الشرك وقوله تعالى ٤ وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك تلوين للخطاب وتوجيه له الى رسول اللّه بين خطابى الناس مسارعه الى تسليته بعموم البلية أولا والاشارة الى الوعد والوعيد ثانيا أي وان استمروا على ان يكذبوك فيما بلغت إليهم من الحق المبين بعد ما اقمت عليهم الحجة وألقمتهم الحجر فتاس باولئك الرسل في المصابرة على ما أصابهم من قبل قومهم فوضع موضعه ما ذكر اكتفاء بذكر السبب عن ذكر المسبب وتنكير الرسل للتفخيم الموجب لمزيد التسلية والتوجه الى المصابرة أي رسل أولو شأن خطير وذوو عدد كثير وإلى اللّه ترجع الأمور لا إلى غيره فيجازى كلا منك ومنهم بما أنتم عليه من الأحوال التي من جملتها صبرك وتكذيبهم وفي الاقتصار على ذكر اختصاص المرجع باللّه تعالى مع إبهام الجزاء ثوابا وعقابا من المبالغة في الوعد والوعيد ما لا يخفى وقرئ ترجع بفتح التاء من الرجوع والاول ادخل في التهويل ٥ يأيها الناس رجوع الى خطابهم وتكرير النداء لتأكيد العظة والتذكير إن وعد اللّه المشار اليه برجع الأمور إليه تعالى من البعث والجزاء حق ثابت لا محالة من غير خلف فلا تغرنكم الحياة الدنيا بأن يذهلكم التمتع بمتاعها ويلهيكم التلهى بزخارفها عن تدارك ما يهمكم يوم حلول الميعاد والمراد نهيهم عن الاغترار بها وإن توجه النهى صورة إليها كما في قوله تعالى لا يجر منكم شقاقى ولا يغرنكم باللّه وعفوة وكرمه تعالى الغرور أي المبالغ في الغرور وهو الشيطان بان يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعاصي قائلا اعملوا ما شئتم إن اللّه غفور يغفر الذنوب جميعا فإن ذلك وإن أمكن لكن تعاطى الذنوب بهذا التوقع من قبيل تناول السم تعويلا على دفع الطبيعة وتكرير فعل النهى للمبالغة فيه ولاختلاف الغرورين في الكيفية وقرئ الغرور بالضم على أنه مصدر أو جمع غار كقعود جمع قاعد ٦ إن الشيطان لكم عدو عداوة قديمة لا تكاد تزول وتقديم لكم للاهتمام به فاتخذوه عدوا بمخالفتكم له في عقائدكم وأفعالكم وكونكم على حذر منه في مجامع أحوالكم وقوله تعالى إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير تقرير لعداوته وتحذير من طاعته بالتنبيه على أن غرضه في دعوة شيعته الى اتباع الهوى والركون الى ملاذ الدنيا ليس تحصيل مطالبهم ومنافعهم الدنيوية كما هو مقصد المتحابين في الدنيا عند سعى بعضهم في حاجة بعض بل هو توريطهم وإلقاؤهم في العذاب المخلد من حيث لا يحتسبون ٧ الذين كفروا لهم بسبب كفرهم وإجابتهم لدعوة الشيطان واتباعهم لخطواته عذاب شديد لا يقادر قدره مديد لا يبلغ مداه والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم بسبب ما ذكر من الايمان والعمل الصالح الذي من جملته عداوة الشيطان مغفرة عظيمة وأجر كبير لاغاية لهما ٨ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا إما تقرير لما سبق من التباين البين بين عاقبتى الفريقين ببيان تباين حاليهما المؤديين الى تينك العاقبتين والفاء لإنكار ترتيب ما بعدها على ما قبلها أي ابعد كون حاليهما كما ذكر يكون من زين له الكفر من جهة الشيطان فانهمك فيه كمن استقبحه واجتنبه واختار الايمان والعمل الصالح حتى لا تكون عاقبتاهما كما ذكر فحذف ما حذف لدلالة ما سبق عليه وقوله تعالى فإن اللّه يضل الخ تقرير له وتحقيق للحق ببيان ان الكل بمشيئته تعالى أي فإنه تعالى يضل من يشاء ان يضله لاستحسانه واستحبابه الضلال وصرف اختياره إليه فيرده اسفل سافلين ويهدى من يشاء أن يهديه بصرف اختياره الى الهدى فيرفعه إلى اعلى عليين وأما تمهيد لما يعقبه من نهيه عن التحسر والتحزن عليهم لعدم إسلامهم ببيان أنهم ليسوا بأهل لذلك بل لأن يضرب عنهم صفحا ولا يبالي بهم قطعا أي أبعد كون حالهم كما ذكر تتحسر عليهم فحذف لما دل عليه قوله تعالى فلا تذهب نفسك عليهم حسرات دلالة بينة وأما تمهيد لصرفه عما كان عليه من الحرص الشديد على إسلامهم والمبالغة في دعوتهم إليه ببيان استحالة تحولهم عن الكفر لكونه في غاية الحسن عندهم أي أبعد ما ذكر من زين له الكفر من قبل الشيطان فرآه فانهمك فيه يقبل الهداية حتى تطمع في إسلامه وتتعب نفسك في دعوته فحذف ما حذف لدلالة ما مر من قوله تعالى فإن اللّه يضل من يشاء الخ على انه ممن شاء اللّه تعالى ان يضله فمن يهدى من أضل اللّه وما لهم من ناصرين وقرئ فلا تذهب نفسك وقوله تعالى حسرات إما مفعول له أي فلا تهلك نفسك للحسرات والجمع للدلالة على تضاعف اغتمامه على أحوالهم أو على كثرة قبائح أعمالهم الموجبة للتأسف والتحسر وعليهم صلة تذهب كما يقال هلك عليه حبا ومات عليه حزنا أو هو بيان للمتحسر عليه ولا يجوز أن يتعلق بحسرات لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته وأما حال كان كلها صارت حسرات وقوله تعالى إن اللّه عليم بما يصنعون أي من القبائح تعليل لما قبله على الوجوه الثلاثة مع ما فيه فيه من الوعيد عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انها نزلت في ابي جهل ومشركى مكة ٩ واللّه الذي ارسل الرياح مبتدأ وخبر وقرئ الريح وصيغة المضارع في قوله تعالى فتثير سحابا لحكاية الحال الماضية استحضارا لعلك الصورة البديعة الدالة على كمال القدرة والحكمة ولأن المراد بيان إحداثها لتلك الخاصية ولذلك اسند إليها أو للدلالة على استمرار الإثارة فسقناه الى بلد ميت وقرئ بالتخفيف فأحيينا به الارض أي بالمطر النازل منه المدلول عليه بالسحاب فإن بينهما تلازما في الذهن كما في الخارج أو بالسحاب فإنه سبب السبب بعد موتها أي يبسها وإيراد الفعلين على صيغة الماضي للدلالة على التحقق وإسنادهما الى نون العظمة المنبئ عن اختصاصهما به تعالى لما فيهما من مزيد الصنع ولتكميل المماثلة بين إحياء الأرض وبين البعث الذي شبه به بقوله تعالى كذلك النشور في كمال الاختصاص بالقدرة الربانية والكاف في حيز الرفع على الخبرية أي مثل ذلك الإحياء الذي تشاهدونه إحياء الأموات في صحة المقدورية وسهولة التأتى من غير تفاوت بينهما أصلا سوى الألف في الأول دون الثاني وقيل في كيفية الإحياء يرسل اللّه تعالى من تحت العرش ماء فينبت منه أجساد الخلق ١٠ من كان يريد العزة هم المشركون الذين كانوا يتعززون بعبادة الاصنام كقوله تعالى واتخذوا من دون اللّه آلهة ليكونوا لهم عزا والذين كانوا يتعززون بهم من الذين آمنوا بألسنتهم كما في قوله تعالى الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة والجمع بين كان ويريد الدلالة على دوام الإرادة واستمرارها فللّه العزة جميعا أي له تعالى وحده لا لغيره عزة الدنيا وعزة الآخرة أي فليطلبها منه لا من غيره فاستغنى عن ذكره بذكر دليله إيذانا بأن اختصاص العزة به تعالى موجب لتخصيص طلبها به تعالى وقوله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه بيان لما يطلب به العزة وهو التوحيد والعمل الصالح وصعودهما إليه مجاز عن قبوله تعالى إياهما أو صعود الكتبة بصحيفتهما وتقديم الجار والمجرور عبارة عن كمال الاعتداد به كقوله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات أي إليه يصل الكلم الطيب الذي به يطلب العزة لا إلى الملائكة الموكلين بأعمال العباد فقط وهو يعز صاحبه ويعطى طلبته بالذات والمستكن في يرفعه للكلم فإن مدار قبول العمل هو التوحيد ويؤيده القراءة بنصب العمل أو العمل فإنه يحقق الإيمان ويقويه ولا ينال الدرجات العالية إلا به وقرئ يصعد من الإصعاد على البناءين والمصعد هو اللّه سبحانه او المتكلم به أو الملك وقيل الكلم الطيب يتناول الذكر والدعاء والاستغفار وقراءة القرآن وعنه انه سبحانه اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر إذا قالها العبد عرج بها الملك الى السماء فحيا بها وجه الرحمن فإذا لم يكن عمل صالحا لم تقبل وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه ما من عبد مسلم يقول خمس كلمات سبحان والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه اكبر وتبارك اللّه إلا أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن فما يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيى بهن وجه رب العالمين ومصداقه قوله عز و جل إليه يصعد الكلم الطيب الخ والذين يمكرون السيئات بيان لحال الكلم الخبيث والعمل السيء وأهلهما بعد بيان حال الكلم الطيب والعمل الصالح وانتصاب السيئات على أنها صفة للمصدر المحذوف أي يمكرون المكرات السيئات وهي مكرات قريش بالنبي في دار الندوة وتداورهم الرأي في إحدى الثلاث التي هي الإثبات والقتل والإخراج لهم بسبب مكراتهم عذاب شديد لا يقادر قدره ولا يؤبه عنده لما يمكرون ومكر اولئك وضع اسم الإشارة موضع ضميرهم للإيذان بكمال تميزهم بما هم فيه من الشر والفساد عن سائر المفسدين واشتهارهم بذلك وما فيه من معنى البعد للتنبيه على ترامي امرهم في الطغيان وبعد منزلتهم في العدوان أي ومكر اولئك المفسدين الذين ارادوا ان يمكروا به هو يبور أي هو يهلك ويفسد خاصة لا من مكروا به ولقد ابارهم اللّه تعالى بعد إبارة مكراتهم حيث اخرجهم من مكة وقتلهم واثبتهم في قليب بدر فجمع عليهم مكراتهم الثلاث التي اكتفوا في حقه بواحدة منهن ١١ واللّه خلقكم من تراب دليل آخر على صحة البعث والنشور أي خلقكم ابتداء منه في ضمن خلق آدم عليه السلام خلقا إجماليا كما مر في تحقيقه مرارا ثم من نطفة أي ثم خلقكم منها خلقا تفصيليا ثم جعلكم أزواجا أي أصنافا أو ذكرانا وإناثا وعن قتادة جعل بعضكم زوجا لبعض وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه إلا ملتبسة بعلمه تابعة لمشيئته وما يعمر من معمر أي من أحد وإنما سمى معمرا باعتبار مصيره أي وما يمد فى عمر أحد ولا ينقص من عمره أي من عمر احد على طريقة قولهم لا يثيب اللّه عبدا ولا يعاقبه إلا بحق لكن لاعلى معنى لا ينقص عمره بعد كونه زائدا بل على معنى لا يجعل من الابتداء ناقصا وقيل الزيادة والنقص في عمر واحد باعتبار أسباب مختلفة أثبتت في اللوح مثل أن يكتب فيه إن حج فلان فعمره ستون وإلا فأربعون وإليه أشار بقوله الصدقة والصلة تعمران الديار وتزيدان في الاعمار وقيل المراد بالنقص ما يمر من عمره وينقص فإنه يكتب في الصحيفة عمره كذا وكذا سنة ثم يكتب تحت ذلك ذهب يوم ذهب يومان وهكذا حتى يأتي على آخره وقرئ ولا ينقص عل البناء للفاعل ومن عمره بسكون الميم إلا في كتاب عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه اللوح وقيل علم اللّه عز و جل وقيل صحيفة كل إنسان إن ذلك أي ما ذكر من الخلق وما بعده مع كونه محارا للعقول والافهام على اللّه يسير لاستغنائه عن الاسباب فكذلك البعث ١٢ وما يستوى البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج مثل ضرب للمؤمن والكافر والفرات الذي يكسر العطش والسائغ الذي يسهل انحداره لعذوبته والأجاج الذي يحرق بملوحته وقرئ سيغ كسيد وسيغ بالتخفيف وملح ككتف وقوله تعالى ومن كل أي من كل واحد منهما تاكلون لحما طريا وتستخرجون أي من المالح خاصة حلية تلبسونها إما استطراد في صفة البحرين وما فيهما من النعم والمنافع وأما تكملة للتمثيل والمعنى كما أنهما وإن اشتركا في بعض الفوائد لا يتساويان من حيث أنهما متفاوتان فيما هو المقصود بالذات من الماء لما خالط احدهما ما أفسده وغيره عن كمال فطرته لا يساوي الكافر المؤمن وإن شاركه في بعض الصفات كالشجاعة والسخاوة ونحوهما لتباينهما فيما هو الخاصية العظمى لبقاء احدهما على فطرته الأصلية وحيازته لكماله اللائق دون الآخر أو تفضيل للأجاج على الكافر من حيث انه يشارك العذب في منافع كثيرة والكافر خلو من المنافع بالكلية على طريقة قوله تعالى ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو اشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية اللّه والمراد بالحلية اللؤلؤ والمرجان وترى الفلك فيه أي في كل منهما وإفراد ضمير الخطاب مع جمعه فيما سبق وما لحق لان الخطاب الكل حد تتأتى منه الرؤية دون المنتفعين بالبحرين فقط مواخر شواق للماء بجريها مقبلة ومدبرة بريح واحدة لتبتغوا من فضله من فضل اللّه تعالى بالنقلة فيها واللام متعلقة بمواخر وقد جوز تعلقها بما يدل عليه الافعال المذكورة أي فعل ذلك لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون أي ولتشكروا على ذلك وحرف الترجى للإيذان بكونه مرضيا عند اللّه تعالى ١٣ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل بزيادة أحدهما ونقص الآخر بإضافة بعض أجزاء كل منهما الى الآخر وسخر الشمس والقمر عطف على يولج واختلافهما صيغة لما أن إيلاج احد الملوين في الآخر متجدد حينا فحينا وأما تسخير النيرين فأمر لا تعدد فيه وإنما المتعدد والمتجدد آثاره وقد أشير إليه بقوله تعالى كل يجرى أي بحسب حركته الخاصة وحركته القسرية على المدارات اليومية المتعددة حسب تعدد أيام السنة جريانا مستمرا لأجل مسمى قدره اللّه تعالى لجريانهما وهو يوم القيامة كما روى عن الحسن رحمه اللّه وقيل جريانهما عبارة عن حركتيهما الخاصتين بهما في فلكيهما والأجل المسمى هو منتهى دورتيهما ومدة الجريان للشمس سنة والقمر شهر وقد مر تفصيله في سورة لقمان ذلكم إشارة الى فاعل الأفاعيل المذكورة وما فيه من معنى البعد للإيذان بغاية العظمة وهو مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة أي ذلكم العظيم الشأن الذي ابدع هذه الصنائع البديعة اللّه ربكم له الملك وفيه من الدلالة على ان ابداعه تعالى لتلك البدائع مما يوجب ثبوت تلك الاخبار له مالا يخفي ويجوز ان يكون الاخير كلاما مبتدا في مقابلة قوله تعالى والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير الدلالة على تفرده تعالى بالالوهية والربوبية وقرىء يدعون بالياء التحتانية والقطمير لفافة النواة وهو مثل في القلة والحقارة ١٤ ان تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم استئناف مقرر لمضمون ما قبله كاشف عن جلية حال ما يدعونه بأنه جماد ليس من شأنه السماع ولو سمعوا على الفرض والتقدير ما استجابوا لكم لعجزهم عن الافعال بالمرة لا لما قيل من انهم متبرئون منكم ومما تدعون لهم فإن ذلك مما لا يتصور منهم في الدنيا ويوم القيامة يكفرون بشرككم أي يجحدون بإشراككم لهم وعبادتكم اياهم بقولهم ما كنتم ايانا تعبدون ولا ينبئك مثل خبير أي لا يخبرك بالأمر مخبر مثل خبير اخبرك به وهو الحق سبحانه فإنه الخبير بكنه الامور دون سائر المخبرين والمراد تحقيق ما اخبر به من حال آلهتهم ونفي ما يدعون لهم من الالهية ١٥ يأيها الناس انتم الفقراء الى اللّه في انفسكم وفيما يعن لكم من امرمهم او خطب علم وتعريف الفقراء للمبالغة في فقرهم كأنهم لكثرة افتقارهم وشدة احتياجهم هم الفقراء فحسب وان افتقار سائر الخلائق بالنسبة الى فقرهم بمنزلة العدم ولذلك قال تعالى وخلق الانسان ضعيفا واللّه هو الغني الحميد أي المستغنى على الاطلاق المنعم على سائر الموجودات المستوجب للحمد ١٦ ان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ليسوا على صفتكم بل مستمرون على الطاعة او بعالم آخر غير ما تعرفونه ١٧ وما ذلك أي ما ذكر من الاذهاب بهم والاتيان بآخرين على اللّه بعزيز بمتعذر ولا متعسر ١٨ ولا تزر وازرة أي لا تحمل نفس آثمة وزر أخرى إثم نفس أخرى بل إنما تحمل كل منهما وزرها وأماما في قوله تعالى وليحملن اثقالهم وأثقالا مع اثقالهم من حمل المضلين أثقالا غير أثقالهم فهو حمل أثقال إضلالهم مع اثقال ضلالهم وكلاهما أوزارهم ليس فيها من أوزار غيرهم شئ وإن تدع مثقلة أي نفس أثقلها الاوزار الى حملها لحمل بعض أوزارها لا يحمل منه شئ لم تجب بحمل شئ منه ولو كان أي المدعو المفهوم من الدعوة ذا قربى ذا قرابة من الداعى وقرئ ذو قربى وهذا نفى للحمل اختيارا والأول نفى له جبارا إنما تنذر استئناف مسوق لبيان من يتعظ بما ذكر أي إنما تنذر بهذه الإنذارات الذين يخشون ربهم بالغيب أي يخشونه تعالى غائبين عن عذابه او عن الناس في خلواتهم أو يخشون عذابه وهو غائب عنهم وأقاموا الصلاة أي راعوها كما ينبغى وجعلوها منارا منصوبا وعلما مرفوعا أي إنما ينفع إنذارك وتحذيرك هؤلاء من قومك دون من عداهم من أهل التمرد والعناد ومن تزكى أن تطهر من أوضار الاوزار والمعاصي بالتأثر من هذه الإنذارات فإنما يتزكى لنفسه لاقتصار نفعه عليها كما أن من تدنس بها لا يتدنس إلا عليها وقرئ من أزكى فإنما يزكى وهو اعتراض مقرر لخشيتهم وإقامتهم الصلاة لأنها من معظم مبادى التزكى والى اللّه المصير لا الى أحد غيره استقلالا أو اشتراكا فيجازيهم على تزكيهم احسن الجزاء ١٩ وما يستوى الاعمى والبصير أي الكافر والمؤمن ٢٠ ولا الظلمات ولا النور أي ولا الباطل ولا الحق وجمع الظلمات مع إفراد النور لتعدد فنون الباطل واتحاد الحق ٢١ ولا الظل ولا الحرور أي ولا الثواب ولا العقاب وإدخال لاعلى المتقابلين لتذكير نفى الاستواء وتوسيطها بينهما للتأكيد والحرور فعول من الحر غلب على السموم وقيل السموم ما يهب نهارا والحرور ما يهب ليلا ٢٢ وما يستوى الأحياء ولا الأموات تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين أبلغ من الأول ولذلك كرر الفعل وأوثر صيغة الجمع في الطرفين تحقيقا للتباين بين افراد الفريقين وقيل تمثيل للعلماء والجهلة إن اللّه يسمع من يشاء أن يسمعه ويوفقه لفهم آياته والاتعاظ بعظاته وما انت بمسمع من في القبور ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات وإشباع في إقناطه من إيمانهم ٢٣ إن انت إلا نذير ما عليك إلا الإنذار وأما الإسماع البتة فليس من وظائفك ولا حيلة لك إليه في المطبوع على قلوبهم ٢٤ إنا ارسلناك بالحق أي محقين او محقا انت أو إرسالا مصحوبا بالحق ويجوز أن يتعلق بقوله بشيرا ونذيرا أي بشيرا بالوعد الحق ونذيرا بالوعيد الحق وإن من أمة أي ما من أمة من الامم الدارجة في الازمنة الماضية إلا خلا أي مضى فيها نذير من نبى أو عالم ينذرهم والاكتفاء بذكره للعلم بأن النذارة قرينة البشارة لا سيما وقد اقترنا آنفا ولأن الإنذار هو الأنسب بالمقام ٢٥ وإن يكذبوك أي تموا على تكذيبك فلا تبال بهم وبتكذيبهم فقد كذب الذين من قبلهم من الامم العاتية جاءتهم رسلهم بالبينات أي المعجزات الظاهرة الدالة على نبوتهم وبالزبر كصحف ابراهيم وبالكتاب المنير كالتوراة والانجيل والزبور على إرادة التفصيل دون الجمع ويجوز أن يراد بهما واحد والعطف لتغاير العنوانين ٢٦ ثم اخذت الذين كفروا وضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز الصلة والإشعار بعلة الأخذ فكيف كان نكير أي إنكارى بالعقوبة وفيه مزيد تشديد وتهويل لها الم تر استئناف مسوق لتقرير ما قبله من اختلاف احوال الناس ببيان أن الاختلاف والتفاوت امر مطرد في جميع المخلوقات من النبات والجماد والحيوان والرؤية قلبية أي ٢٧ ألم تعلم أن اللّه أنزل من السماء ماء فأخرجنا به بذلك الماء والالتفات لإظهار كمال الاعتناء بالفعل لما فيه من الصنع البديع المنبئ عن كمال القدرة والحكمة ثمرات مختلفا ألوانها أي أجناسها أو أصنافها على ان كلا منها ذو أصناف مختلفة أو هيآتها وأشكالها أو ألوانها من الصفرة والخضرة والحمرة وغيرها وهو الأوفق لما في قوله تعالى ومن الجبال جدد أي ذو جدد أي خطط وطرائق ويقال جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره وقرئ جدد بالضم جمع جديدة بمعنى الجدة وجدد بفتحتين وهو الطريق الواضح بيض وحمر مختلف ألوانها بالشدة والضعف وغرابيب سود عطف على بيض أو على جدد كأنه قيل ومن الجبال مخطط ذو جدد ومنها ما هو على لون واحد غرابيب وهو تأكيد لمضمر يفسره ما بعده فإن الغربيب تأكيد للأسواد كالفاقع للأصفر والقانى للأحمر ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد ونظيره في الصفة قول النابغة والمؤمن العائذات الطير يمسحها وفي مثله مزيد تأكيد لما فيه من التكرار باعتبار الإضمار والإظهار ومن الناس والدواب والانعام مختلف ألوانه أي ومنهم بعض مختلف ألوانه أو وبعضهم مختلف ألوانه على ما مر في قوله تعالى ٢٨ ومن الناس من يقول آمنا باللّه وإيراد الجملتين اسميتين مع مشاركتهما لما قبلهما من الجملة الفعلية في الاستشهاد بمضمونهما على تباين الناس في الأحوال الباطنة لما أن اختلاف الجبال والناس والدواب والانعام فيما ذكر من الالوان أمر مستمر فعبر عنه بما يدل على الاستمرار وأما إخراج الثمرات المختلفة فحيث كان امرا حادثا عبر عنه بما يدل على الحدوث ثم لما كان فيه نوع خفاء علق به الرؤية بطريق الاستفهام التقريري المنبئ عن الحمل عليها والترغيب فيها بخلاف أحوال الجبال والناس وغيرهما فإنها مشاهدة غنية عن التأمل فلذلك جردت عن التعليق بالرؤية فتدبر وقوله تعالى كذلك مصدر تشبيهى لقوله تعالى مختلف أي صفة لمصدره المؤكد تقديره مختلف اختلافا كائنا كذلك أي كاختلاف الثمار والجبال وقرئ الوانا وقرئ والدواب بالتخفيف مبالغة في الهرب من التقاء الساكنين وقوله تعالى إنما يخشى اللّه من عبده العلماء تكملة لقوله تعالى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب بتعيين من يخشاه عز و جل من الناس بعد بيان اختلاف طبقاتهم وتباين مراتبهم اما في الأوصاف المعنوية فبطريق التمثيل وأما في الاوصاف الصورية فبطريق التصريح توفيه لكل واحدة منهما حقها اللائق بها من البيان أي إنما يخشاه تعالى بالغيب العالمون به عز و جل وبما يليق به من صفاته الجليلة وافعاله الجميلة لما أن مدار الخشية معرفة المخشى والعلم بشئونه فمن كان أعلم به تعالى كان أخشى منه عز و جل كما قال أنا أخشاكم للّه وأتقاكم له ولذلك عقب بذكر أفعاله الدالة على كمال قدرته وحيث كان الكفرة بمعزل من هذه المعرفة امتنع إنذارهم بالكلية وتقديم المفعول لأن المقصود حصر الفاعلية ولو أخر انعكس الأمر وقرئ برفع الاسم الجليلة ونصب العلماء على أن الخشية مستعارة للتعظيم فإن المعظم يكون مهيبا إن اللّه عزيز غفور تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب للمصر على طغيانه غفور للتائب عن عصيانه ٢٩ إن الذين يتلون كتاب اللّه أي يداومون على قراءته أو متابعة ما فيه حتى صارت سمة لهم وعنوانا والمراد بكتاب اللّه تعالى القرآن وقيل جنس كتب اللّه فيكون ثناء على المصدقين من الامم بعد اقتصاص حال المكذبين منهم وليس بذاك فإن صيغة المضارع منادية باستمرار مشروعية تلاوته والعمل بما فيه واستتباعهما لما سيأتي من توفية الآجور وزيادة الفضل وحملها على حكاية الحال الماضية مع كونه تعسفا ظاهرا مما لا سبيل اليه كيف لا والمقصود الترغيب في دين الاسلام والعمل بالقرآن الناسخ لما بين يديه من الكتب فالتعرض لبيان حقيقتها قبل انتساخها والاشباع في ذكر استتباعها لما ذكر من الفوائد العظيمة مما يورث الرغبة في تلاوتها والاقبال على العمل بها وتخصيص التلاوة بما لم ينسخ منها باطل قطعا لما ان الباقي مشروعا ليس الا حكمها لكن لا من حيث انه حكمها بل من حيث انه حكم القرآن وأما تلاوتها فبمعزل من المشروعية واستتباع الاجر بالمرة فتدبر واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية كيفما اتفق من غير قصد اليهما وقيل السر في المسنونة والعلانية في المفروضة يرجون تجارة تحصيل ثواب الطاعة وهو خبر ان وقوله تعالى لن تبور أي لن تكسد ولن تهك بالخسران اصلا صفة لتجارة جىء بها للدلالة على انها ليست كسائر التجارات الدائرة بين الربح والخسران لانه اشتراء باق بفان والاخبار برجائهم من اكرم الاكرمين عدة قطعية بحصول مرجوهم وقوله تعالى ٣٠ ليوفيهم اجورهم متعلق بلن تبور على معنى انه ينتفي عنها الكساد وتنفق عند اللّه تعالى ليوفيهم اجور اعمالهم ويزيدهم من فضله على ذلك من خزائن رحمته ما يشاء وقيل بمضمر دل عليه ما عد من افعالهم المرضية أي فعلوا ذلك ليوفيهم الخ وقيل بيرجون على ان اللام للعاقبة انه غفور شكور تعليل لما قبله من التوفية والزيادة أي غفور لفرطاتهم شكور لطاعاتهم أي مجازيهم عليها وقيل هو خبر ان الذين ويرجون حال من واو انفقوا ٣١ والذي اوحينا اليك من الكتاب وهو القرآن ومن للتبيين او الجنس ومن للتبعيض وقيل اللوح ومن للابتداء هو الحق مصدقا لما بين يديه أي احقه مصدقا لما تقدمه من الكتب السماوية حال مؤكدة لان حقيته تستلزم موافقته اياه في العقائد واصول الاحكام ان اللّه بعباده لخبير بصير محيط ببواطن امورهم وظواهرها فلو كان في احوالك ما ينافي النبوة لم يوح اليك مثل هذا الحق المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب وتقديم الخبير للتنبيه على ان العمدة هي الامور الروحانية ٣٢ ثم اورثنا الكتاب أي قضينا بتوريثه منك او نورثه والتعبير عنه بالماضي لتقرره وتحققه وقيل اورثناه من الامم السالفة أي اخرناه عنهم واعطيناه الذين اصطفينا من عبادنا وهم علماء الامة من الصحابة ومن بعدهم ممن يسير سيرتهم او الامة بأسرهم فإن اللّه تعالى اصطفاهم على سائر الامم وجعلهم امة وسطا ليكونوا شهداء على الناس واختصهم بكرامة الانتماء الى افضل رسله عليهم الصلاة والسلام وليس من ضرورة وراثة الكتاب مراعاته حق رعايته لقوله تعالى فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب الآية فمنهم ظالم لنفسه بالتقصير في العمل به وهو المرجأ لامر اللّه ومنهم مقتصد يعمل به في اغلب الاوقات ولا يخلو من خلط السيء ومنهم سابق بالخيرات بإذن اللّه قيل هم السابقون الاولون من المهاجرين والانصار وقيل هم المداومون على اقامة مواجبه علما وعملا وتعليما وفي قوله بإذن اللّه أي بتيسيره وتوفيقه تنبيه على عزة منال هذه الرتبة وصعوبة مأخذها وقيل الظالم الجاهل والمقتصد المتعلم والسابق العالم وقيل الظالم المجرم والمقتصد الذي خلط الصالح بالسيء والسابق الذي ترجحت حسناته بحيث صارت سيئاته مكفرة وهو معنى قوله وأما الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب وأما المقتصد فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا وأما الذين ظلموا انفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر ثم يتلقاهم اللّه تعالى برحمته وقد روى ان عمر رضي اللّه عنه قال وهو على المنبر قال رسول اللّه سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له ذلك اشارة الى السبق بالخيرات وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار اليه للاشعار بعلو رتبته وبعد منزلته في الشرف هو الفضل الكبير من اللّه عز و جل لا ينال الا بتوفيقه تعالى ٣٣ جنات عدن اما بدل من الفضل الكبير بتنزيل السبب منزلة المسبب او مبتدا خبره يدخلونها وعلى الأول هو مستأنف وجمع الضمير لان المراد بالسابق الجنس وتخصيص حال السابقين ومآلهم بالذكر والسكوت عن الفريقين الآخرين وان لم يدل على حرمانهما من دخول الجنة مطلقا لكن فيه تحذيرا لهما من التقصير وتحريضا على السعي في ادراك شأو السابقين وقرىء جنات عدن وجنة عدن على النصب بفعل يفسره الظاهر وقرىء يدخلونها على البناء للمفعول يحلون فيها خبر ثان او حال مقدرة وقرىء يحلون من حليت المراة فهي حالية من اساور هي جمع اسورة جمع سوار من ذهب من الاولى تبعيضية والثانية بيانية أي يحلون بعض اساور من ذهب كأنه افضل من سائر افرادها ولؤلؤا بالنصب عطفا على محل من اساور وقرىء بالجر عطفا على ذهب أي من ذهب مرصع باللؤلؤ او من ذهب في صفاء اللؤلؤ ولباسهم فيها حرير وتغيير الاسلوب قد مر في سورة الحج ٣٤ وقالوا أي يقولون وصيغة الماضي للدلالة على التحقق الحمد للّه الذي اذهب عنا الحزن وهو ما اهمهم من خوف سوء العاقبة وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما حزن الاعراض والآفات وعنه حزن الموت وعن الضحاك لحزن وسوسة ابليس وقيل هم المعاش وقيل حزن زوال النعم والظاهر انه الجنس المنتظم لجميع احزان الدين والدنيا وقرىء الحزن وعن رسول اللّه ليس على اهل لا اله الا اللّه وحشة في قبورهم ولا في محشرهم ولا في مسيرهم وكأنى بأهل لا اله الا اللّه يخرجون من قبورهم ينفضون التراب عن وجوههم ويقولون الحمد للّه الذي اذهب عنا الحزن ان ربنا لغفور أي للمذنبين شكور للمطيعين ٣٥ الذي احلنا دار المقامة أي دار الاقامة التي لا انتقال عنها ابدا من فضله من انعامه وتفضله من غير ان يوجبه شيء من قبلنا لا يمسنا فيها نصب تعب ولا يمسنا فيها لغوب كلال والفرق بينهما ان النصب نفس المشقة والكلفة واللغوب ما يحدث منه من الفتور والتصريح بنفي الثاني مع استلزام نفي الأول له وتكرير الفعل المنفي للمبالغة في بيان انتفاء كل منهما ٣٦ والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم لا يحكم عليهم بموت ثان فيموتوا ويستريحوا ونصبه بإضمار ان وقرىء فيموتون عطفا على يقضى كقوله تعالى ولا يؤذن لهم فيعتذرون ولا يخفف عنهم من عذابها بل كلما خبت زيد اسعارها كذلك أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي كل كفور مبالغ في الكفر او الكفران لا جزاء اخف وادنى منه وقرىء يجزي على البناء للمفعول واسناده الى الكل وقرىء يجازي ٣٧ وهم يصطرخون فيها يستغيثون والاصطراخ افتعال من الصراخ استعمل في الاستغاثة لجهد المستغيث صوته ربنا اخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل بإضمار القول وتقييد العمل الصالح بالوصف المذكور للتحسر على ما عملوه من غير الصالح والاعتراف به والاشعار بأن استخراجهم لتلافيه وانهم كانوا يحسبونه صالحا والآن تبين خلافه وقوله تعالى او لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر جواب من جهته تعالى وتوبيخ لهم والهمزة للانكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام وما نكرة موصوفة أي الم نمهلكم او الم نؤخركم ولم نعمركم عمرا يتذكر فيه من تذكر أي يتمكن فيه المتذكر من التذكر والتفكر قيل هو اربعون سنة وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما ستون سنة و روى ذلك عن علي رضي اللّه عنه وهو العمر الذي اعذر اللّه فيه الى ابن آدم قال اعذر اللّه الى امرىء اخر اجله حتى بلغ ستين سنة وقوله تعالى وجاءكم النذير عطف على الجملة الاستفهامية لانها في معنى قد عمرناكم كما في قوله تعالى الم نشرح لك صدرك ووضعنا الخ لانه في معنى قد شرحنا الخ والمراد بالنذير رسول اللّه او ما معه من القرآن وقيل العقل وقيل الشيب وقيل موت الاقارب والاقتصار على ذكر النذير لانه الذى يقتضيه المقام والفاء في قوله تعالى فذوقوا لترتيب الامر بالذوق على ما قبلها من التعمير ومجيء النذير وفي قوله تعالى فما للظالمين من نصير للتعليل ٣٨ ان اللّه عالم غيب السموات والارض بالاضافة وقرىء بالتنوين ونصب غيب على المفعولية أي لا يخفي عليه خافية فيهما فلا تخفي عليه احوالهم انه عليم بذات الصدور قيل انه تعليل لما قبله لانه اذا علم مضمرات الصدور وهي اخفى ما يكون كان اعلم بغيرها ٣٩ هو الذي جعلكم خلائف في الارض يقال للمستخلف خليفة والاول يجمع خلائف والثاني خلفاء والمعنى انه تعالى جعلكم خلفاءه في ارضه والقي اليكم مقاليد التصرف فيها وسلطكم على ما فيها واباح لكم منافعها او جعلكم خلفاء ممن قبلكم من الامم واورثكم ما بأيديهم من متاع الدنيا لتشكروه بالتوحيد والطاعة فمن كفر منكم مثل هذه النعمة السنية وغمطها فعليه كفره أي وبال كفره لا يتعداه الى غيره وقوله تعالى ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم الا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم الا خسارا بيان لوبال الكفر وغائلته وهو مقت اللّه تعالى اياهم أي بغضه الشديد الذي ليس وراءه خزي وصغار وخسار الآخرة الذي ما بعده شر وخسار والتكرير لزيادة التقرير والتنبيه على ان اقتضاء الكفر لكل واحد من الامرين الهائلين القبيحين بطريق الاستقلال والاصالة ٤٠ قل تبكيتا لهم أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون اللّه أي آلهتكم والاضافة اليهم لانهم جعلوهم شركاء للّه تعالى من غير ان يكون له اصل ما اصلا وقيل جعلوهم شركاء لانفسهم فيما يملكونه ويأباه سباق النظم الكريم وسياقه اروني ماذا خلقوا من الارض بدل اشتمال من أرأيتم كأنه قيل اخبروني عن شركائكم اروني أي جزء خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات أي ام لهم شركة مع اللّه سبحانه في خلق السموات ليستحقوا بذلك شركة في الالوهية ذاتية ام آتيناهم كتابا ينطق بأنا اتخذناهم شركاء فهم على بينة منه أي حجة ظاهرة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة جعلية ويجوز ان يكون ضمير آتيناهم للمشركين كما في قوله تعالى ام انزلنا عليهم سلطانا الخ وقرىء على بينات وفيه ايماء الى ان الشرك امر خطير لا بد في اثباته من تعاضد الدلائل بل ان يعد الظالمون بعضهم بعضا الا غرورا لما نفي أنواع الحجج في ذلك اضرب عنه بذكر ما حملهم عليه و هو تغرير الاسلاف للاخلاف واضلال الرؤساء للاتباع بأنهم شفعاء عند اللّه يشفعون لهم بالتقريب اليه ٤١ ان اللّه يمسك السموات والارض ان تزولا استئناف مسوق لبيان غاية قبح الشرك وهو له أي يمسكها كراهة زوالهما او يمنعهما ان تزولا لان الامساك منع ولئن زالتا ان امسكهما أي ما امسكهما من احد من بعده من بعد امساكه تعالى او من بعد الزوال والجملة سادة مسد الجوابين ومن الاولى مزيدة لتأكيد العموم والثانية للابتداء انه كان حليما غفورا غير معاجل بالعقوبة التي تستوجبها جناياتهم حيث امسكهما وكانتا جديرتين بأن تهدا هدا حسبما قال تعالى تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وقرىء ولو زالتا ٤٢ واقسموا باللّه جهد ايمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن اهدى من إحدى الامم بلغ قريشا قبل مبعث رسول اللّه ان اهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا لعن اللّه اليهود والنصارى اتتهم الرسل فكذبوهم فو اللّه لئن اتانا رسول لنكونن اهدى من احدى الامم اليهود والنصارى وغيرهم او من الامة التي يقال لها احدى الامم تفضيلا لها على غيرها في الهدى والاستقامة فلما جاءهم نذير واي نذير اشرف الرسل عليهم الصلاة والسلام ما زادهم أي النذير او مجيئه الا نفورا تباعدا عن الحق ٤٣ استكبارا في الارض بدل من نفورا او مفعول له ومكر السيء اصله وان مكروا السيء أي المكر السيء ثم ومكرا السيء ثم ومكرو السيء وقرىء بسكون الهمزة فى الوصل ولعله اختلاس ظن سكوتا وقفة خفيفة وقرىء مكرا سيئا ولا يحيق المكر السيء الا بأهله فهل ينظرون أي ما ينتظرون الا سنة الاولين أي سنة اللّه فيهم بتعذيب مكذبيهم فلن تجد لسنة اللّه تبديلا بأن يضع موضع العذاب غير العذاب ولن تجد لسنة اللّه تحويلا بأن ينقله من المكذبين الى غيرهم والفاء لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب من مجيئه ونفي وجدان التبديل والتحويل عبارة عن نفي وجودهما بالطريق البرهاني وتخصيص كل منهما بنفي مستقل لتأكيد انتفائهما ٤٤ ولم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم استشهاد على ما قبله من جريان سنته تعالى على تعذيب المكذبين بما يشاهدونه في مسايرهم الى الشام واليمن والعراق من آثار دمار الامم الماضية العاتية والهمزة للانكار والنفي الواو للعطف على مقدر يليق بالمقام أي اقعدوا في مساكنهم ولم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا اشد منهم قوة واطول اعمارا فما نفعهم طول المدى وما اغنى عنهم شدة القوى ومحل الجملة النصب على الحالية وقوله تعالى وما كان اللّه ليعجزه من شيء أي ليسبقه ويفوته في السموات ولا في الارض اعتراض مقرر لما يفهم مما قبله من استئصال الامم السالفة وقوله تعالى انه كان عليما قديرا أي مبالغا في العلم والقدرة ولذلك علم بجميع اعمالهم السيئة فعاقبهم بموجبها تعليل لذلك ٤٥ ولو يؤاخذ اللّه الناس جميعا بما كسبوا من السيئات كما فعل بأولئك ما ترك على ظهرها أي على ظهر الارض من دابة من نسمة تدب عليها من بني آدم وقيل ومن غيرهم ايضا من شؤم معاصيهم وهو المروى عن ابن مسعود وانس رضي اللّه عنهما ويعضد الأول قوله تعالى ولكن يؤخرهم الى اجل مسمى وهو يوم القيامة فإذا جاء اجلهم فإن اللّه كان بعباده بصيرا فيجازيهم عند ذلك بأعمالهم ان خيرا فخير وان شرا فشر عن النبي من قرا سورة الملائكة دعته ثمانية ابواب الجنة ان ادخل من أي باب شئت واللّه تعالى اعلم |
﴿ ٠ ﴾