ÓõæÑóÉõ íٰÓۤ ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ËóáÇóËñ æóËóãóÇäõæäó ÂíóÉðþþ سورة يس سورة يس مكية وعنه تدعى المعمة تعم صاحبها خير الدارين والدافعة والقاضية تدفع عنه كل سوء وتقضى له كل حاجة وآياتها ثلاث وثمانون بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١ يس اما مسرود على نمط التعديد فلا حظ له من الاعراب او اسم السورة كما نص عليه الخليل وسيبويه وعليه الاكثر فمحله الرفع على انه خبر مبتدا محذوف او النصب على انه مفعول لفعل مضمر وعليهما مدار قراءة يس بالرفع والنصب أي هذه يس او اقرا يس ولا مساغ للنصب بإضمار فعل القسم لان ما بعده مقسم به وقد ابو الجمع بين قسمين على شيء واحد قبل انقضاء الأول ولا مجال للعطف لاختلافهما اعرابا وقيل هو مجرور بإضمار باء القسم مفتوح لكونه غير منصرف كما سلف في فاتحة سورة البقرة من ان ما كانت من هذه الفواتح مفردة مثل صاد وقاف ونون او كانت موازنة لمفرد نحو طس ويس وحم الموازنة لقابيل وهابيل يتأتى فيها الاعراب اللفظي ذكره سيبويه في باب اسماء السور من كتابه وقيل هما حركتا بناء كما في حيث واين حسبما يشهد بذلك قراءة يس بالكسر كجير وقيل الفتح والكسر تحريك للجد في الهرب من التقاء الساكنين وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما ان معناه يا انسان في لغة طيء قالوا المراد به رسول اللّه ولعل اصله يا انيسين فاقتصر على شطره كما قيل من اللّه في ايمن اللّه والقرآن بالجر على انه مقسم به ابتداء وقد جوز ان يكون عطفا على يس على تقدير كونه مجرورا بإضمار باء القسم الحكيم أي المتضمن للحكمة او الناطق بها بطريق الاستعارة او المتصف بها على الاسناد المجازي وقد جوز ان يكون الاصل الحكيم قائله فحذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه فبإنقلابه مرفوعا بعد الجر استكن في الصفة المشبهة كما مر في صدر سورة لقمان ٣ انك لمن المرسلين جواب للقسم والجملة لرد انكار الكفرة بقولهم في حقه لست مرسلا وهذه الشهادة منه عز و جل من جملة ما اشير اليه بقوله تعالى في جوابهم قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم وفي تخصيص القرآن بالاقسام به اولا وبوصفه بالحكيم ثانيا تنويه بشأنه وتنبيه على انه كما يشهد برسالته من حيث نظمه المعجز المنطوي على بدائع الحكم يشهد بها من هذه الحيثية ايضا لما ان الاقسام بالشيء استشهاد به على تحقق مضمون الجملة القسمية وتقوية لثبوته فيكون شاهدا به ودليلا عليه قطعا وقوله تعالى ٤ على صراط مستقيم خبر آخر لان او حال من المستكن في الجار والمجرور على انه عبارة عن الشريعة الشريفة بكمالها لا عن التوحيد فقط وفائدته بيان ان شريعته اقوم الشرائع واعدلها كما يعرب عنه التنكير التفخيمي والوصف اثر بيان انه من جملة المرسلين بالشرائع تنزيل العزيز الرحيم نصب على المدح وقرىء بالرفع على انه خبر مبتدا محذوف وبالجر على انه بدل من القرآن وايا ما كان فهو مصدر بمعنى المفعول عبر به عن القرآن بيانا لكمال عراقته في كونه منزلا من عند اللّه عز و جل كأنه نفس التنزيل واظهارا لفخامته الاضافية بعد بيان فخامته الذاتية بوصفه بالحكمة وفي تخصيص الاسمين الكريمين المعربين عن الغلبة التامة والرأفة العامة حيث على الايمان ترهيبا وترغيبا واشعار بأن تنزيله ناشيء عن غاية الرحمة حسبما نطق به قوله تعالى وما ارسلناك الا رحمة للعالمين وقيل النصب على انه مصدر مؤكد لفعله المضمر أي نزل ٥ تنزيل العزيز الرحيم على انه استئناف مسوق لبيان ما ذكر من فخامة شأن القرآن وعلى كل تقدير ففيه فضل تأكيد لمضمون الجملة القسمية لتنذر متعلق بتنزيل على الوجوه الأول وبعامله المضمر على الوجه الاخير أي لتنذر به كما في صدر الاعراف وقيل هو متعلق بما يدل عليه لمن المرسلين أي انك مرسل ٦ لتنذر قوما ما انذر آباؤهم أي لم ينذر آباؤهم الاقربون لتطاول مدة الفترة على ان ما نافية فتكون صفة مبينة لغاية احتياجهم الى الانذار او الذي انذره او شيئا انذره آباؤهم الابعدون على انها موصوله او موصوفة فيكون مفعولا ثانيا لتنذر او انذار آبائهم الاقدمين على انها مصدرية فيكون نعتا لمصدر مؤكد أي لتنذر انذار كائنا مثل انذارهم فهم غافلون على الوجه الأول متعلق بنفي الانذار مترتب عليه والضمير للفريقين أي لم تنذر آباؤهم فهم جميعا لاجله غافلون وعلى الوجوه الباقية متعلق بقوله تعالى لتنذر او بما يفيده إنك لمن المرسلين وارد لتعليل انذاره او ارساله بغفلتهم المحوجة اليهما على ان الضمير للقوم خاصة فالمعنى فهم غافلون عنه أي عما انذر آباؤهم الاقدمون لامتداد المدة واللام في قوله تعالى ٧ لقد حق القول على اكثرهم جواب القسم أي واللّه لقد ثبت وتحقق عليهم البتة لكن لا بطريق الجبر من غير ان يكون من قبلهم ما يقتضيه بل بسبب اصرارهم الاختياري على الكفر والانكار وعدم تأثرهم من التذكير والانذار وغلوهم في العتو والطغيان وتماديهم في اتباع خطوات الشيطان بحيث لا يلويهم صارف ولا يثنيهم عاطف كيف لا والمراد بما حق من القول قوله تعالى لابليس عند قوله لاغوينهم اجمعين* لاملان جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين وهو المعنى بقوله تعالى لأملأن جهنم من الجنة والناس اجمعين كما يلوح به تقديم الجنة على الناس فإنه كما ترى قد اوقع فيه الحكم بإدخال جهنم على من تبع ابليس وذلك تعليل له بتبعيته قطعا وثبوت القول على هؤلاء الذين عبر عنهم بأكثرهم انما هو لكونهم من جملة اولئك المصرين على تبعية ابليس ابدا واذ قد تبين ان مناط ثبوت القول وتحققه عليهم اصرارهم على الكفر الى الموت ظهر ان قوله تعالى فهم لا يؤمنون متفرع في الحقيقة على ذلك لا على ثبوت القول وقوله تعالى ٨ انا جعلنا في اعناقهم اغلالا تقرير لتصميمهم على الكفر وعدم ارعوائهم عنه بتمثيل حالهم بحال الذين غلت اعناقهم فهي الى الاذقان أي فالاغلال منتهية الى اذقانهم فلا تدعهم يلتفتون الى الحق ولا يعطفون اعناقهم نحوه ولا يطأطئون رءوسهم له فهم مقمحون رافعون رءوسهم غاضون ابصارهم بحيث لا يكادون يرون الحق او ينظرون الى جهته وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون اما تتمة للتمثيل وتكميل له أي تكميل أي ٩ وجعلنا مع ما ذكر من امامهم سدا عظيما ومن ورائهم سدا كذلك فغطينا بها ابصارهم فهم بسبب ذلك لا يقدرون على ابصار شيء ما اصلا وأما تمثيل مستقل فإن ما ذكر من جعلهم محصورين بين سدين هائلين قد غطيا ابصارهم بحيث لا يبصرون شيئا قطعا كاف في الكشف عن كمال فظاعة حالهم وكونهم محبوسين في مطمورة الغي والجهالات محرومين عن النظر في الأدلة والآيات وقرىء سدا بالضم وهي لغة فيه وقيل ما كان من عمل الناس فهو بالفتح وما كان من خلق اللّه فبالضم وقرىء فأعشيناهم من العشا وقيل الايتان في بني مخزوم وذلك ان ابا جهل حلف لئن راى رسول اللّه يصلي ليرضخن راسه فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه فلما رفع يده انثنت يده الى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد فرجع الى قومه فأخبرهم بذلك فقال مخزومي آخر انا اقتله بهذا الحجر فذهب فأعمى اللّه تعالى بصره ١٠ وسواء عليهم اانذرتهم ام لم تنذرهم بيان لشأنهم بطريق التصريح اثر بيانه بطريق التمثيل أي مستو عندهم انذارك اياهم وعدمه حسبما مر تحقيقه في سورة البقرة وقوله تعالى لا يؤمنون استئناف مؤكد لما قبله مبين لما فيه من اجمال ما فيه الاستواء او حال مؤكدة له او بدل منه ولما بين كون الانذار عندهم كعدمه عقب ببيان من يتأثر منه فقيل ١١ انما تنذر أي انذارا مستتبعا للاثر من اتبع الذكر أي القرآن بالتأمل فيه او الوعظ ولم يصر على اتباع خطوات الشيطان وخشى الرحمن بالغيب أي خاف عقابه وهو غائب عنه على انه حال من الفاعل او المفعول او خافه في سريرته ولم يغتر برحمته فإنه منتقم قهار كما انه رحيم غفار كما نطق به قوله تعالى نبىء عبادي اني انا الغفور الرحيم *وان عذابي هو العذاب الاليم فبشره بمغفرة عظيمة واجر كريم لا يقادر قدره والفاء لترتيب البشارة او الامر بها على ما قبلها من اتباع الذكر والخشية ١٢ انا نحن نحيي الموتى بيان لشأن عظيم ينطوي على الانذار والتبشير انطواء اجماليا أي نبعثهم بعد مماتهم وعن الحسن احياؤهم اخراجهم من الشرك الى الايمان فهو حينئذ عدة كريمة بتحقيق المبشر به ونكتب ما قدموا أي ما اسلفوا من الاعمال الصالحة وغيرها وآثارهم التي ابقوها من الحسنات كعلم علموه او كتاب الفوه او حبيس وقفوه او بناء بنوه من المساجد والرباطات والقناطر وغير ذلك من وجوه البر ومن السيئات كتأسيس قوانين الظلم والعدوان وترتيب مبادي الشر والفساد فيما بين العباد وغير ذلك من فنون الشرور التي احدثوها وسنوها لمن بعدهم من المفسدين وقيل هي آثار المشائين الى المساجد ولعل المراد انها من جملة الآثار وقرىء ويكتب على البناء للمفعول ورفع آثارهم وكل شيء من الاشياء كائنا ما كان احصيناه في امام مبين اصل عظيم الشأن مظهر لجميع الاشياء مما كان وما سيكون وهو اللوح المحفوظ وقرىء كل شيء بالرفع ١٣ واضرب لهم مثلا اصحاب القرية ضرب المثل يستعمل تارة في تطبيق حالة غريبة بحالة اخرى مثلها كما في قوله تعالى ضرب اللّه مثلا للذين كفروا امراة نوح وامراة لوط واخرى في ذكر حالة غريبة وبيانها للناس من غير قصد الى تطبيقها بنظيرة لها كما في قوله تعالى وضربنا لكم الامثال على احد الوجهين أي بينا لكم احوالا بديعة هي في الغرابة كالامثال فالمعنى على الأول اجعل اصحاب القرية مثلا لهؤلاء في الغلو في الكفر والاصرار على تكذيب الرسل أي طبق حالهم بحالهم على ان مثلا مفعول ثان لا ضرب واصحاب القرية مفعوله الأول اخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه وعلى الثاني اذكر وبين لهم قصة هي في الغرابة كالمثل وقوله تعالى اصحاب القرية بدل منه بتقدير المضاف او بيان له والقرية انطاكية اذ جاءها المرسلون بدل اشتمال من اصحاب القرية وهم رسل عيسى عليه السلام الى اهلها ونسبة ارسالهم اليه تعالى في قوله ١٤ اذ ارسلنا اليهم اثنين بناء على انه كان بأمره تعالى لتكميل التمثيل وتتميم التسلية وهما يحيى وبولس وقيل غيرهما فكذبوهما أي فأتياهم فدعواهم الى الحق فكذبوهما في الرسالة فعززنا أي قوينا يقال عزز المطر الارض اذ لبدها وقرىء بالتخفيف من عزه اذا غلبه وقهره وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه ولان المقصد ذكر المعزز به بثالث هو شمعون فقالوا أي جميعا انا اليكم مرسلون مؤكدين كلامهم لسبق الانكار لما ان تكذيبهما تكذيب للثالث لاتحاد كلمتهم وذلك انهم كانوا عبدة اصنام فأرسل اليهم عيسى عليه السلام اثنين فلما قربا من المدينة رايا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار صاحب يس فسألهما فأخبراه قال امعكما آية فقالا نشفي المريض ونبرىء الاكمه والابرص وكان له ولد مريض منذ سنتين فمسحاه فقام فآمن حبيب وفشا الخبر وشفى على ايديهما خلق وبلغ حديثهما الى الملك وقال لهما النا اله سوى آلهتنا قالا نعم من اوجدك وآلهتك فقال حتى انظر في امركما فتبعهما الناس وقيل ضربوهما وقيل حبسا ثم بعث عيسى عليه السلام شمعون فدخل متنكرا وعاشر حاشية الملك حتى استأنسوا به ورفعوا خبره الى الملك فأنس به فقال له يوما بلغنى انك حبست رجلين فهل سمعت مايقولونه قال لا حال الغضب بيني وبين ذلك فدعاهما فقال شمعون من ارسلكما قالا اللّه الذي خلق كل شيء وليس له شريك فقال صفاه واوجزا قالا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد قال وما آيتكما قالا ما يتمنى الملك فدعا بغلام مطموس العينين فدعوا اللّه تعالى حتى انشق له بصر فأخذا بندقتين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين ينظر بهما فقال له شمعون ارايت لو سألت الهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله الشرف قال ليس لي عنك سر ان الهنا لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع وكان شمعون يدخل معهم على الصنم فيصلي ويتضرع وهم يحسبون انه منهم ثم قال ان قدر الهكما على احياء ميت آمنا به فدعوا بغلام مات من سبعة ايام فقام وقال اني ادخلت في سبعة اودية من النار واني احذركم ما انتم فيه فآمنوا وقال فتحت ابواب السماء فرايت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة قال الملك من هم قال شمعون وهذان فتعجب الملك فلما راى شمعون ان قوله قد اثر فيه نصحه فآمن وآمن قوم ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل عليه السلام فهلكوا هكذا قالوا ولكن لا يساعده سياق النظم الكريم حيث اقتصر فيه على حكاية تماديهم في العناد واللجاج وركوبهم متن المكابرة في الحجاج ولم يذكر فيه ممن يؤمن احد سوى حبيب ولو ان الملك وقوما من حواشيه آمنوا لكان الظاهر ان يظاهروا الرسل ويساعدوهم قبلوا في ذلك او قتلوا كدأب النجار الشهيد ولكان لهم فيه ذكر ما بوجه من الوجوه اللّهم الا ان يكون ايمان الملك بطريق الخفية على خوف من عناة ملئه فيعتزل عنهم معتذرا بعذر من الاعذار ١٥ قالوا أي اهل انطاكية الذين لم يؤمنوا مخاطبين للثلاثة ما انتم الا بشر مثلنا من غير مزية لكم علينا موجبة لاختصاصكم بما تدعونه ورفع بشر لانتقاض النفي المقتضى لاعمال ما بإلا وما انزل الرحمن من شيء مما تدعونه من الوحي والرسالة ان انتم الا تكذبون في دعوى رسالته ١٦ قالوا ربنا يعلم انا اليكم لمرسلون استشهدوا بعلم اللّه تعالى وهو يجري مجرى القسم مع ما فيه من تحذيرهم معارضة علم اللّه تعالى وزادوا اللام المؤكدة لما شاهدوا منهم من شدة الانكار ١٧ وما علينا أي من جهة ربنا الا البلاغ المبين أي الا تبليغ رسالته تبليغا ظاهرا بينا بالآيات الشاهدة بالصحة وقد خرجنا عن عهدته فلا مؤاخذة لنا بعد ذلك من جهة ربنا او ما علينا شيء نطالب به من جهتكم الا تبليغ الرسالة على الوجه المذكور وقد فعلناه فأي شيء تطلبون منا حتى تصدقونا بذلك ١٨ قالوا لما ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل انا تطيرنا بكم تشاءمنا بكم جريا على ديدن الجهلة حيث كانوا يتيمنون بكل ما يوافق شهواتهم وان كان مستجلبا لكل شر ووبال ويتشاءمون بمالا يوافقها وان كان مستتبعا لسعادة الدارين او بناء على الدعوة لاتخلو عن الوعيد بما يكرهونه من اصابة ضر متعلق بأنفسهم واهليهم واموالهم ان لم يؤمنوا فكانوا ينفرون عنه وقد روى انه حبس عنهم القطر فقالوه لئن لم تنتهوا أي عن مقالتكم هذه لنرجمنكم بالحجارة وليمسنكم منا عذاب اليم لا يقادر قدره ١٩ قالوا طائركم أي سبب شؤمكم معكم لا من قبلنا وهو سوء عقيدتكم وقبح اعمالكم وقرىء طيركم ائن ذكرتم أي وعظتم بما فيه سعادتكم وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه أي تطيرتم وتوعدتم بالرجم والتعذيب وقرىء بألف بين الهمزتين وبفتح ان بمعنى اتطيرتم لان ذكرتم وان ذكرتم وان ذكرتم بغير استفهام واين ذكرتم بمعنى طائركم معكم حيث جرى ذكركم وهو ابلغ بل انتم قوم مسرفون اضراب عما تقتضيه الشرطية من كون التذكير سببا للشؤم او مصححا للتوعد أي ليس الامر كذلك بل انتم قوم عادتكم الاسراف في العصيان فلذلك اتاكم الشؤم او في الظلم والعدوان ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب اكرامه والتبرك به ٢٠ وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى هو حبيب النجار وكان ينحت اصنامهم وهو ممن آمن برسول اللّه وبينهما ستمائة سنة كما آمن به تبع الاكبر وورقة بن نوفل وغيرهما ولم يؤمن من بنبي غيره احد قبل مبعثه وقيل كان في غار يعبد اللّه تعالى فلما بلغه خبر الرسل عليهم الصلاة والسلام اظهر دينه قال استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية مجيئه ساعيا كأنه قيل فماذا قال عند مجيئه فقيل قال يا قوم اتبعوا المرسلين تعرض لعنوان رسالتهم حثا لهم على اتباعهم كما ان خطابهم بيا قوم لتأليف قلوبهم واستمالتها نحو قبول نصيحته وقوله تعالى ٢١ اتبعوا من لا يسألكم اجرا وهم مهتدون تكرير للتأكيد والتوسل به الى وصفهم بما يرغبهم في اتباعهم من التنزه عن الغرض الدنيوي والاهتداء الى خير الدنيا والدين ٢٢ وما لي لا اعبد الذي فطرني تلطف في الارشاد بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وامحاض النصح حيث اراهم انه اختار لهم ما يختار لنفسه والمراد تقريعهم على ترك عبادة خالقهم الى عبادة غيره كما ينبىء عنه قوله واليه ترجعون مبالغة في التهديد ثم عاد الى المساق الأول فقال ٢٣ ااتخذ من دونه آلهة انكار ونفي لاتخاذ الآلهة على الاطلاق وقوله تعالى ان يردن الرحمن بضر لاتغن عني شفاعتهم شيئا أي لا تنفعني شيئا من النفع ولا ينقذون من ذلك الضر بالنصرة والمظاهرة استئناف سيق لتعليل النفي المذكور وجعله صفة لآلهه كما ذهب اليه بعضهم ربما يوهم ان هناك آلهة ليست كذلك وقرىء ان يردن بفتح الياء على معنى ان يوردني ضرا أي يجعلني موردا للضر ٢٤ اني اذا أي اذا اتخذت من دونه آلهة لفي ضلال مبين فإن اشراك ماليس من شأنه النفع ولا دفع الضر بالخالق المقتدر الذي لا قادر غيره ولا خير الا خيره ضلال بين لا يخفي على احد ممن له تمييز في الجملة ٢٥ اني آمنت بربكم خطاب منه للرسل بطريق التلوين قيل لما نصح قومه بما ذكر هموا برجمه فأسرع نحو الرسل قبل ان يقتلوه فقال ذلك وانما اكده لاظهار صدوره عنه بكمال الرغبة والنشاط واضاف الرب الى ضميرهم روما لزيادة التقرير واظهارا للاختصاص والاقتداء بهم كأنه قال بربكم الذي ارسلكم او الذي تدعوننا الى الايمان به فاسمعون أي اسمعوا ايماني واشهدوا لي به عند اللّه تعالى وقيل الخطاب للكفرة شافههم بذلك اظهارا للتصلب في الدين وعدم المبالاة بالقتل واضافة الرب الى ضميرهم لتحقيق الحق والتنبيه على بطلان ما هم عليه من اتخاذ الاصنام اربابا وقيل للناس جميعا ٢٦ قيل ادخل الجنة قيل له ذلك لما قتلوه اكراما له بدخولها حينئذ كسائر الشهداء وقيل لما هموا بقتله رفعه اللّه تعالى الى الجنة قاله الحسن وعن قتادة ادخله اللّه الجنة وهو فيها حي يرزق وقيل معناه البشرى بدخول الجنة وانه من اهلها وانما لم يقل له لان الغرض بيان المقول لا المقول له لظهوره وللمبالغة في المسارعة الى بيانه والجملة استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية حاله ومقاله كأنه قيل كيف كان لقاء ربه بعد ذلك التصلب في دينه والتسخي بروحه لوجهه تعالى فقيل قيل ادخل الجنة وكذلك قوله تعالى قال ياليت قومي يعلمون ٢٧ بما غفر لي وجعلني من المكرمين فإنه جواب عن سؤال نشأ من حكاية حاله كأنه قيل فماذا قال عند نيله تلك الكرامة السنية فقيل قال الخ وانما تمنى علم قومه بحاله ليحملهم ذلك عن اكتساب مثله بالتوبة عن الكفر والدخول في الايمان والطاعة جريا على سنن الاولياء في كظم الغيظ والترحم على الاعداء او ليعلموا انهم كانوا على خطأ عظيم في امره وانه كان على الحق وان عداوتهم لم تكسبه الا سعادة وقرىء من المكرمين وما موصولة او مصدرية والباء صلة يعلمون او استفهامية وردت على الاصل والباء متعلقة بغفر أي بأي شيء غفر لي ربي يريد به تفخيم شأن المهاجرة عن ملتهم والمصابرة على اذيتهم ٢٨ وما انزلنا على قومه من بعده من بعد قتله او رفعه من جند من السماء لاهلاكهم والانتقام منهم كما فعلناه يوم بدر والخندق بل كفينا امرهم بصيحة ملك وفيه استحقار لهم لاهلاكهم وايماء الى تفخيم شأن الرسول وما كنا منزلين وما صح في حكمتنا ان ننزل لاهلاك قومه جندا من السماء لما انا قدرنا لكل شيء سببا حيث اهلكنا بعض من اهلكنا من الامم بالحاصب وبعضهم بالصيحة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالاغراق وجعلنا انزال الجند من خصائصك في الانتصار من قومك وقيل ما موصولة معطوفة على جند أي وما كنا منزلين على من قبلهم من حجارة وريح وامطار شديدة وغيرها ٢٩ ان كانت أي ما كانت الاخذة او العقوبة الا صيحة واحدة صاح بها جبريل عليه السلام وقرىء الا صيحة بالرفع على ان كان تامة وقرىء الا زقية واحدة من زقا الطائر اذا صاح فإذا هم خامدون ميتون شبهوا بالنار الخامدة رمزا الى ان الحي كالنار الساطعة في الحركة والالتهاب والميت كالرماد كما قال لبيد ... وما المرء الا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد اذ هو ساطع ... ٣٠ يا حسرة على العباد تعالى فهذه من الاحوال التي حقها ان تحضري فيها وهي ما دل عليه قوله تعالى ما يأتيهم من رسول الا كانوا به يستهزئون فإن المستهزئين بالناصحين الذين نيطت بنصائحهم سعادة الدارين احقاء بأن يتحسروا ويتحسر عليهم المتحسرون او قد تلهف على حالهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين وقد جوز ان يكون تحسرا عليهم من جهة اللّه تعالى بطريق الاستعارة لتعظيم ما جنوه على انفسهم ويؤيده قراءة يا حسرتا لان المعنى يا حسرتي ونصبها لطولها بما تعلق بها من الجار وقيل بإضمار فعلها والمنادى محذوف وقرىء ياحسرة العباد بالاضافة الى الفاعل او المفعول ويا حسرة على العباد بإجراء الوصل مجرى الوقف ٣١ الم يروا أي الم يعلموا وهو معلق عن العمل في قوله تعالى كم اهلكنا قبلهم من القرون لان كم لا يعمل فيها ما قبلها وان كانت خبرية لان اصلها الاستفهام خلا ان معناه نافذ في الجملة كما نفذ في قولك الم تر ان زيدا لمنطلق وان لم يعمل في لفظه انهم اليهم لا يرجعون بدل من كم اهلكنا على المعنى أي الم يروا كثرة اهلاكنا من قبلهم من المذكورين آنفا ومن غيرهم كونهم غير راجعين اليهم وقرىء بالكسر على الاستئناف وقرىء الم يروا من اهلكنا والبدل حينئذ بدل اشتمال ٣٢ وان كل لما جميع لدينا محضرون بيان لرجوع الكل الى المحشر بعد بيان عدم الرجوع الى الدنيا وان نافية وتنوين كل عوض عن المضاف اليه ولما بمعنى الا وجميع فعيل بمعنى مفعول ولدينا ظرف له او لما بعده والمعنى ما كلهم الا مجموعون لدينا محضرون للحساب والجزاء وقيل محضرون معذبون فكل عبارة عن الكفرة وقرىء لما بالتخفيف على ان مخففة من الثقيلة واللام فارقة وما مزيدة للتأكيد والمعنى ان كلهم مجموعون الخ ٣٣ وآية لهم الارض الميتة بالتخفيف وقرىء بالتشديد وقوله تعالى آية خبر مقدم للاهتمام به وتنكيرها للتفخيم ولهم اما متعلقة بها لانها بمعنى العلامة او بمضمر هو صفة لها والارض مبتدأ والميتة صفتها وقوله تعالى ا حييناها استئناف مبين لكفية كونها آية وقيل آية مبتدأ ولهم خبر والارض الميتة مبتدا موصوف واحييناها خبره والجملة مفسرة لآية وقيل الارض مبتدا واحييناها خبره والجملة خبر لآية وقيل الخبر لها هو الارض واحييناها صفتها لان المراد بها الجنس لا المعينة والاول هو الاولى لان مصب الفائدة هو كون الارض آية لهم لا كون الآية هي الارض واخرجنا منها حبا جنس الحب فمنه يأكلون تقديم الصلة للدلالة على ان الحب معظم ما يؤكل ويعاش به ٣٤ وجعلنا فيها جنات من نخيل واعناب أي من انواع النخل والعنب ولذلك جمعا دون الحب فإن الدال على الجنس مشعر بالاختلاف ولا كذلك الدال على الانواع وذكر النخيل دون التمور ليطابق الحب والاعناب لاختصاص شجرها بمزيد النفع وآثار الصنع وفجرنا فيها وقرىء بالتخفيف والفجر والتفجير كالفتح والتفتيح لفظا ومعنى من العيون أي بعضا من العيون فحذف الموصوف واقيمت الصفة مقامه او العيون ومن مزيدة على راى الاخفش ٣٥ ليأكلوا من ثمره متعلق بجعلنا وتأخيره عن تفجير العيون لانه من مبادى الاثمار أي وجعلنا فيها جنات من نخيل ورتبنا مبادى اثمارها ليأكلوا من ثمر ما ذكر من الجنات والنخيل بإجراء الضمير مجرى اسم الاشارة وقيل الضمير للّه تعالى بطريق الالتفات الى الغيبة والاضافة لان الثمر يخلقه تعالى وقرىء بضمتين وهي لغة فيه او جمع ثمار وبضمة وسكون وما عملته ايديهم عطف على ثمره وهو ما يتخذ منه من العصير والدبس ونحوهما وقيل ما نافية والمعنى ان الثمر بخلق اللّه تعالى لا بفعلهم ومحل الجملة النصب على الحالية ويؤكد الأول قراءة عملت بلا هاء فإن حذف العائد من الصلة احسن من الحذف من غيرها افلا يشكرون انكار واستقباح لعدم شكرهم للنعم المعدودة والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي ايرون هذه النعم او ايتنعمون بها فلا يشكرونها ٣٦ سبحان الذي خلق الازواج كلها استئناف مسوق لتنزيهه تعالى عما فعلوه من ترك شكره على الائه المذكورة واستعظام ما ذكر في حيز صلة من بدائع آثار قدرته واسرار حكمته و روائع نعمائه الموجبة للشكر وتخصيص العبادة به والتعجيب من اخلالهم بذلك والحالة هذه وسبحان علم للتسبيح الذي هو التبعيد عن السوء اعتقادا وقولا أي اعتقاد البعد عنه والحكم به من سبح في الارض والماء اذا ابعد فيهما وامعن ومنه فرس سبوح أي واسع الجرى وانتصابه على المصدرية ولا يكاد يذكر ناصبه أي اسبح سبحانه أي انزهه عما لا يليق به عقدا وعملا تنزيها خاصا به حقيقا بشأنه وفيه مبالغة من جهة الاشتفاق من السبح ومن جهة النقل الى التفعيل ومن جهة العدول عن المصدر الدال على الجنس الى الاسم الموضوع له خاصة لاسيما العلم المشير الى الحقيقة الحاضرة في الذهن ومن جهة اقامته مقام المصدر مع الفعل وقيل هو مصدر كغفران اريد به التنزه التام والتباعد الكلي عن السوء ففيه مبالغة من جهة اسناد التنزه الى الذات المقدسة فالمعنى تنزه بذاته عن كل ما لا يليق به تنزها خاصا به فالجملة على هذا اخبار من اللّه تعالى بتنزهه وبراءته عن كل مالا يليق به مما فعلوه وما تركوه وعلى الأول حكم منه عز و جل بذلك وتلقين للمؤمنين ان يقولوه ويعتقدوا مضمونه ولا يخلوا به ولا يغفلوا عنه المراد بالازواج الاصناف والانواع مما تنبت الارض بيان لها والمراد به كل ما ينبت فيها من الاشياء المذكورة وغيرها ومن انفسهم أي خلق الازواج من انفسهم أي الذكر والانثى ومما لا يعلمون أي والازواج مما لم يطلعهم اللّه تعالى على خصوصياته لعدم قدرتهم على الاحاطة بها ولما لم يتعلق بذلك شيء من مصالحهم الدينية والدنيوية وانما اطلعهم على ذلك بطريق الاجمال على منهاج قوله تعالى ويخلق ما لا تعلمون لما نبط به وقوفهم على عظم قدرته وسعة ملكه وسلطانه ٣٧ وآية لهم الليل جملة من خبر مقدم ومبتدا مؤخر كما مر وقوله تعالى نسلخ منه النهار جملة مبينة لكيفية كونه آية أي نزيله ونكشفه عن مكانه مستعار من السلخ وهو ازالة ما بين الحيوان وجلده من الاتصال والاغلب في الاستعمال تعليقه بالجلد يقال سلخت الاهاب من الشاة وقد يعكس ومنه الشاة المسلوخة فإذا هم مظلمون أي داخلون في الظلام مفاجأة وفيه رمز الى ان الاصل هو الظلام والنور عارض ٣٨ والشمس تجرى لمستقر لها لحد معين ينتهى اليه دورها فشبه بمستقر المسافر اذا قطع مسيره او لكبد السماء فإن حركتها فيه توجد ابطأ بحيث يظن ان لها هناك وقفة قال والشمس حيرى لها بالجو تدويم او لا استقرار لها على نهج مخصوص او لمنتهى مقدر لكل يوم لكل يوم من المشارق والمغارب فإن لها في دورها ثلاثمائة وستين مشرقا ومغربا تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب ثم لا يعود اليهما الى العام القابل او المنقطع جريها عند خراب العالم وقرىء الى مستقر لها وقرىء لا مستقر لها أي لاسكون لها فإنها متحركة دائما وقرىء لا مستقر لها على ان لا بمعنى ليس ذلك اشارة الى جريها وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار اليه للايذان بعلو رتبته وبعد منزلته أي ذلك الجرى البديع المنطوي على الحكم الرائعة التي تحار في فهمها العقول والافهام تقدير العزيز الغالب بقدرته على كل مقدور العليم المحيط علمه بكل معلوم ٣٩ والقمر قدرناه بالنصب بإضمار فعل يفسره الظاهر وقرىء بالرفع على الابتداء أي قدرنا له منازل وقيل قدرنا مسيره منازل وقيل قدرناه ذا منازل وهي ثمانية وعشرون الشرطين البطان الثريا الدبران الهقعة الهنعة الذراع النثرة الطرف الجبهة الزبرة الصرفة العوا السماك الغفر الزباني الا كليل القلب الشولة النعائم البلدة سعد الذابح سعد بلع سعد السعود سعد الاخبية فرغ الدلو المقدم فرغ الدلو المؤخر الرشا وهو بطن الحوت ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاها ولا يتقاصر عنها فإذا كان في آخر منازله وهو الذي يكون قبيل الاجتماع دق واستقوس حتى عاد كالعرجون كالشمراخ المعوج فعلون من الانعراج وهو الاعوجاج وقرىء كالعرجون وهما لغتان كالبزيون والبزيون القديم العتيق وقيل هو ما مر عليه حول فصاعدا ٤٠ لا الشمس ينبغي لها أي يصح ويتسهل ان تدرك القمر في سرعة السير فإن ذلك يخل بتكون النبات وتعيش الحيوان او في الآثار والمنافع او في المكان بأن تنزل في منزله او في سلطانه فتطمس نوره وايلاء حرف النفي الشمس للدلالة على انها مسخرات لا يتيسر لها الا ما قدر لها ولا الليل سابق النهار أي يسبقه فيفوته ولكن يعاقبه وقيل المراد بهما آيتاهما وهما النيران وبالسبق سبق القمر الى سلطان الشمس فيكون عكسا للاول وايراد السبق مكان الادراك لانه الملائم لسرعة سيره وكل أي وكلهم على ان التنوين عوض عن المضاف اليه الذي هو الضمير العائد الى الشمس والقمر والجمع باعتبار التكاثر العارض لهما بتكاثر مطالعهما فإن اختلاف الاحوال يوجب تعددا ما في الذات او الى الكواكب فإن ذكرهما مشعر بها في فلك يسبحون يسيرون بانبساط وسهولة ٤٠ وآية لهم أنا حملنا ذريتهم أولادهم الذين يبعثونهم إلى تجاراتهم أو صبيانهم ونساءهم الذين يستصحبونهم فإن الذرية تطلق عليهن لا سيما مع الاختلاط وتخصيصهم بالذكر لما أن استقرارهم في السفن اشق واستمساكهم فيها أبدع في الفلك المشحون أي المملوء وقيل هو فلك نوح عليه السلام وحمل ذرياتهم فيها حمل آبائهم الأقدمين وفي أصلابهم هؤلاء وذرياتهم وتخصيص أعقابهم بالذكر دونهم لأنه أبلغ في الامتنان وأدخل في التعجيب الذي عليه يدور كونه آية ٤٢ وخلقنا لهم من مثله مما يماثل الفلك ما يركبون من الإبل فإنها سفائن البر أو مما يماثل ذلك الفلك من السفن والزوارق وجعلها مخلوقة للّه تعالى مع كونها من مصنوعات العباد ليس لمجرد كون صنعهم بإقدار اللّه تعالى وإلهامه بل لمزيد اختصاص اصلها بقدرته تعالى وحكمته حسبما يعرب عنه قوله عز و جل واصنع الفلك بأعيننا ووحينا والتعبير عن ملابستهم بهذه السفن بالركوب لأنها باختيارهم كما أن التعبير عن ملابسة ذريتهم بفلك نوح عليه السلام بالحمل لكونها بغير شعور منهم واختيار ٤٣ وإن نشأ نغرقهم الخ من تمام الآية فإنهم معترفون بمضمونه كما ينطق به قوله تعالى وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا اللّه مخلصين له الدين وقرئ نغرقهم بالتشديد وفي تعليق الإغراق بمحض المشيئة إشعار بأنه قد تكامل ما يوجب إهلاكهم من معاصيهم ولم يبق إلا تعلق مشيئته تعالى به أي إن نشأ نغرقهم في اليم مع ما حملناهم فيه من الفلك فحديث خلق الإبل حينئذ كلام جئ به في خلال الآية بطريق الاستطراد لكمال التماثل بين الإبل والفلك فكأنها نوع منه أو مع ما يركبون من السفن والزوارق فلا صريخ لهم أي فلا مغيث لهم يحرسهم من الغرق ويدفعه عنهم قبل وقوعه وقيل فلا استغاثة لهم من قولهم أتاهم الصريخ ولا هم ينقذون أي ينجون منه بعد وقوعه وقوله تعالى ٤٤ إلا رحمة منا ومتاعا استثناء مفرغ من اعم العلل الشاملة للباعث المتقدم والغاية المتأخرة أي لا يغاثون ولا ينقذون لشئ من الاشياء إلا لرحمة عظيمة من قبلنا داعية الى الإغاثة والانقاذ وتمتيع بالحياة مترتب عليهما ويجوز أن يراد بالرحمة ما يقارن التمتيع من الرحمة الدنيوية فيكون كلاهما غاية للإغاثة والإنقاذ أي لنوع من الرحمة وتمتيع الى حين أي الى زمان قدر فيه آجالهم كما قيل ... ولم اسلم لكى أبقى ولكن ... سلمت من الحمام الى الحمام ... ٤٥ وإذا قيل لهم اتقوا بيان لإعراضهم عن الآيات التنزيلية بعد بيان إعراضهم عن الآيات الآفافية التي كانوا يشاهدونها وعدم تاملهم فيها أي إذا قيل لهم بطريق الإنذار بما نزل من الآيات او بغيره اتقوا ما بين ايديكم وما خلفكم من الآفات والنوازل فإنها محيطة بكم أو ما يصيبكم من المكاره من حيث تحتسبون ومن حيث لا تحتسبون أو من الوقائع النازلة على الامم الخالية قبلكم والعذاب المعد لكم في الاخرة او من نوازل السماء ونوائب الارض أو من عذاب الدنيا وعذاب الاخرة او ما تقدم من الذنوب وما تأخر لعلكم ترحمون اما حال من واو اتقوا او غاية له أي راجين ان ترحموا او كي ترحموا فتنجوا من ذلك لما عرفتم ان مناط النجاة ليس الا رحمة اللّه تعالى وجواب اذا محذوف ثقة بانفهامه من قوله تعالى ٤٦ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين انفهاما بينا اما اذا كان الانذار بالآية الكريمة فبعبارة النص وأما اذا كان بغيرها فبدلالته لانهم حين اعرضوا عن آيات ربهم فلأن يعرضوا عن غيرها بطريق الاولوية كأنه قيل ٤٧ واذا قيل لهم اتقوا العذاب اعرضوا حسبما اعتادوه وما نافية وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددى ومن الاولى مزيدة لتأكيد العموم والثاني تبعيضية واقعة مع مجرورها صفة لآية واضافة الآيات الى اسم الرب المضاف الى ضميرهم لتفخيم شأنها المستتبع لتهويل ما اجترءوا عليه في حقها والمراد بها اما الآيات التنزيلية فإتيانها نزولها والمعنى ما ينزل اليهم آية من الآيات القرآنية التي من جملتها هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع اللّه تعالى وسوابغ آلائة الموجبة للاقبال عليها والايمان بها الا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء وأما ما يعمها وغيرها من الآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وغيرها من تعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآيات الثلاث المعدودة آنفا فالمراد بإتيانها ما يعم نزول الوحي وظهور تلك الامور لهم والمعنى ما يظهر لهم آية من الايات التي من جملتها ما ذكر من شئونه الشاهدة بوحدانيته تعالى وتفرده بالالوهية إلا كانوا عنها معرضين تاركين للنظر الصحيح فيها المؤدي الى الايمان به تعالى وإيثاره على ان يقال إلا اعرضوا عنها كما وقع مثله في قوله تعالى وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر الدلالة على استمرارهم على الإعراض حسب استمرار إتيان الآيات وعن متعلقة بمعرضين قدمت عليه مراعاة للفواصل والجملة في حيز النصب على أنها حال من مفعول تأتى او من فاعله المتخصص بالوصف لاشتمالها على ضمير كل منهما والاستثناء مفرغ من أعم الاحوال أي ما تأتيهم من آية من آيات ربهم في حال من أحوالهم إلا حال إعراضهم عنها أو ما تأتيهم آية منها في حال من أحوالها إلا حال إعراضهم عنها وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم اللّه أي اعطاكم بطريق التفضل والإنعام من أنواع الاموال عبر عنها بذلك تحقيقا للحق وترغيبا في الإنفاق على منهاج قوله تعالى واحسن كما أحسن اللّه إليك وتنبيها على عظم جنايتهم في ترك الامتثال بالامر وكذلك من التبعيضية أي إذا قيل لهم بطريق النصيحة انفقوا بعض ما أعطاكم اللّه تعالى من فضله على المحتاجين فإن ذلك مما يرد البلاء ويدفع المكاره قال الذين كفروا بالصانع عز و جل وهم زنادقة كانوا ب١ مكة للذين آمنوا تهكما بهم وبما كانوا عليه من تعليق الأمور بمشيئة اللّه تعالى أنطعم حسبما تعظوننا به من لو يشاء اللّهأطمعه أي على زعمكم وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما كان بمكة زنادقة إذا امروا بالصدقة على المساكين قالوا لا واللّه أيفقره اللّه ونطعمه نحن وقيل قاله مشركو قريش حين استطعمهم فقراء المؤمنين من أموالهم التي زعموا انهم جعلوها للّه تعالى من الحرث والانعام يوهمون أنه تعالى لما لم يشأ إطعامهم وهو قادر عليه فنحن أحق بذلك وما هو إلا لفرط جهالتهم فإن اللّه تعالى يطعم عباده باسباب من جملتها حث الاغنياء على إطعام الفقراء وتوفيقهم لذلك إن انتم إلا في ضلال مبين حيث تأمروننا بما يخالف مشيئة اللّه تعالى وقد جوز أن يكون جوابا لهم من جهته تعالى أو حكاية لجواب المؤمنين لهم ٤٨ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين أي فيما تعدوننا به من قيام الساعة مخاطبين لرسول اللّه والمؤمنين لما أنهم ايضا كانوا يتلون عليهم آيات الوعيد بقيامها ومعنى القرب في هذا إما بطريق الاستهزاء وأما باعتبار قرب العهد بالوعد ما ينظرون جواب من جهته تعالى أي ٤٩ ما ينتظرون إلا صيحة واحدة هي النفخة الاولى تاخذهم مفاجأة وهم يخصمون أي يتخاصمون في متاجرهم ومعاملاتهم لا يخطر ببالهم شئ من مخايلها كقوله تعالى فاخذتهم الصاعقة بغتة وهم لا يشعرون فلا يغتروا بعدم ظهور علائمها ولا يزعموا أنها لا تأتيهم وأصل يخصمون يختصمون فسكنت التاء وأدغمت في الصاد ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين وقرئ بكسر الياء للإتباع وبفتح الخاء على إلقاء حركة التاء عليه وقرئ على الاختلاس وبالاسكان على تجويز الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني مدغما وإن لم يكن الأول حرف مد وقرئ يخصمون من خصمه إذا جادله ٥٠ فلا يستطيعون توصية في شئ من أمورهم إن كانوا فيما بين أهليهم ولا الى أهلهم يرجعون إن كانوا في خارج أبوابهم بل تبغتهم الصيحة فيموتون حيثما كانوا ٥١ ونفخ في الصور هي النفخة الثانية بينها وبين الأولى أربعون سنة أي ينفخ فيه وصيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع فإذا هم من الاجداث أي القبور جمع جدث وقرئ بالفاء الى ربهم مالك أمرهم على الإطلاق ينسلون يسرعون بطريق الإجبار دون الاختيار لقوله تعالى لدينا محضرون وقرئ بضم السين ٥٢ قالوا أي في ابتداء بعثهم من القبور يا ويلنا احضر فهذا أوانك وقرئ يا ويلتنا من بعثنا من مرقدنا وقرئ من أهبنا من هب من نومه إذا انتبه وقرئ من هبنا بمعنى أهبنا وقيل أصله هب بنا فحذف الجار وأوصل الفعل الى الضمير قيل فيه ترشيح ورمز وإشعار بأنهم لاختلاط عقولهم يظنون انهم كانوا نياما وعن مجاهد أن للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم فإذا صيح بأهل القبور يقولون ذلك وعن ابن عباس وابي بن كعب وقتادة رحمهم اللّه تعالى ان اللّه تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بالنفخة الثانية وشاهدوا من اهوال يوم القيامة ما شاهدوا دعوا بالويل وقالوا ذلك وقيل اذا عاينوا جهنم وما فيها من انواع العذاب يصير عذاب القبر في جنبها مثل النوم فيقولون ذلك وقرىء من بعثنا ومن هبنا بمن الجارة والمصدر والمرقد اما مصدر أي من رقادنا او اسم مكان اريد به الجنس فينتظم مراقد الكل هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون جملة من مبتدأ وخبر وما موصولة محذوفة العائد او مصدرية وهو جواب من قبل الملائكة او المؤمنين عدل به عن سنن سؤالهم تذكيرا لكفرهم وتقريعا لهم عليه وتنبيها على ان الذي يهمهم هو السؤال عن نفس البعث ماذا هو دون الباعث كأنهم قالوا بعثكم الرحمن الذي وعدكم ذلك في كتبه وأرسل اليكم الرسل فصدقوكم فيه وليس الامر كما تتوهمونه حتى تسألوا عن الباعث وقيل هو من كلام الكافرين حيث يتذكرون ما سمعوه من الرسل عليهم الصلاة والسلام فيجيبون به انفسهم او بعضهم بعضا وقيل هذا صفة لمرقدنا وما وعد الخ خبر مبتدا محذوف او مبتدا خبره محذوف أي ما وعد الرحمن وصدق المرسلون حق ٥٣ ان كانت أي ما كانت النفخة التي حكيت آنفا الا صيحة واحدة حصلت من نفخ اسرافيل عليه السلام في الصور فإذا هم جميع أي مجموع لدينا محضرون من غير لبث ما طرفة عين وفيه من تهوين امر البعث والحشر والايذان باستغائهما عن الاسباب ما لا يخفي ٥٤ فاليوم لاتظلم نفس من النفوس برة كانت او فاجرة شيئا من الظلم ولا تجزون الا ما كنتم تعملون أي الا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا على الاستمرار من الكفر والمعاصي على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه للتنبيه على قوة التلازم والارتباط بينهما كأنهما شيء واحد او الا بما كنتم تعملونه أي بمقابلته او بسببه وتعميم الخطاب للمؤمنين يرده انه تعالى يوفيهم اجورهم ويزيدهم من فضله اضعافا مضاعفة وهذه حكاية لما سيقال لهم حين يرون العذاب المعد لهم تحقيقا للحق وتقريعا لهم وقوله تعالى ٥٥ ان اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون من جملة ما سيقال لهم يومئذ زيادة لحسرتهم وندامتهم فإن الاخبار بحسن حال اعدائهم اثر بيان سوء حالهم مما يزيدهم مساءة على مساءة وفي هذه الحكاية مزجرة لهؤلاء الكفرة عما هم عليه ومدعاة الى الاقتداء بسيرة المؤمنين والشغل هو الشأن الذي يصد المرء ويشغله عما سواه من شئونه لكونه اهم عنده من الكل اما لإيجابه كمال المسرة والبهجة او كمال المساءة والغم والمراد ههنا هو الأول وما فيه من التنكير والابهام للايذان بارتفاعه عن رتبة البيان والمراد به ما هم فيه من فنون الملاذ التي تلهيهم عما عداها بالكلية وأما ان المراد به افتضاض الابكار او السماع وضرب الاوتار او النزاور او ضيافة اللّه تعالى او شغلهم عما فيه أهل النار على الاطلاق او شغلهم عن اهاليهم في النار لا يهمهم امرهم ولا يبالون بهم كيلا يدخل عليهم تنغيص في نعيمهم كما روى كل واحد منها عن واحد من اكابر السلف فليس مرادهم بذلك حصر شغلهم فيما ذكروه فقط بل بيان انه من جملة اشغالهم وتخصيص كل منهم كلا من تلك الامور بالذكر محمول على اقتضاء مقام البيان اياه وهو مع جاره خبر لان وفاكهون خبر آخر لها أي انهم مستقرون في شغل واي شغل في شغل عظيم الشأن متنعمون بنعيم مقيم فائزون بملك كبير والتعبير عن حالهم هذه بالجملة الاسمية قبل تحققها بتنزيل المترقب المتوقع منزلة الواقع للايذان بغاية سرعة تحققها ووقوعها ولزيادة مساءة المخاطبين بذلك وقرىء في شغل بسكون الغين وفي شغل بفتحتين وبفتحة وسكون والكل لغات وقرئ فكهون للمبالغة وفكهون بضم الكاف وهي لغة كنطس وفاكهين وفكهين على الحال من المستكن في الظرف وقوله تعالى ٥٦ هم وأزواجهم في ظلال على الآرائك متكئون استئناف مسوق لبيان كيفية شغلهم وتفكههم وتكميلهما بما يزيدهم بهجة وسرورا من شركة ازواجهم لهم فيما هم فيه من الشغل والفكاهة على أن هم مبتدأ وأزواجهم عطف عليه ومتكئون خبر والجاران صلتان له قدمتا عليه لمراعاة الفواصل او هو والجاران بما تعلقا به من الاستقرار أخبار مترتبة وقيل الخبر هو الظرف الأول والثاني مستأنف على أنه متعلق بمتكئون وهو خبر لمبتدا محذوف وقيل على أنه خبر مقدم ومتكئون مبتدأ مؤخر وقرئ متكين بلا همز نصبا على الحال من المستكن في الظرفين أو أحدهما وقيل هم تأكيد للمستكن في خبر إن ومتكئون خبر آخر لها وعلى الأرائك متعلق به وكذا في ظلال أو هذا بمضمر هو حال من المعطوفين والظلال جمع ظل كشعاب جمع شعب أو جمع ظلة كقباب جمع قبة ويؤيده قراءة في ظلل والأرائك جمع أريكة وهي السرير المزين بالثياب والستور قال ثعلب لا تكون أريكة حتى تكون عليها حجلة وقوله تعالى ٥٧ لهم فيها فاكهة الخ بيان لما يتمتعون به في الجنة من المآكل والمشارب ويتلذذون به من الملاذ الجسمانية والروحانية بعد بيان ما لهم فيها من مجالس الإنس ومحافل القدس تكميلا لبيان كيفية ما هم فيه من الشغل والبهجة أي لهم فيها فاكهة كثيرة من كل نوع من الفواكه وما في قوله تعالى ولهم ما يدعون موصولة او موصوفة عبر بها عن مدعو عظيم الشأن معين او مبهم إيذانا بأنه الحقيق بالدعاء دون ما عداه ثم صرح به روما لزيادة التقرير بالتحقيق بعد التشويق كما ستعرفه أو هي باقية على عمومها قصد بها التعميم بعد تخصيص بعض المواد المعتادة بالذكر وايا ما كان فهو مبتدأ ولهم خبره والجمله معطوفة على الجملة السابقة وعدم الاكتفاء بعطف ما يدعون على فاكهة لئلا يتوهم كون ما عبارة عن توابع الفاكهة وتتماتها والمعنى ولهم ما يدعون به لأنفسهم من مدعو عظيم الشأن أو كل ما يدعون به كائنا ما كان من أسباب البهجة وموجبات السرور وأيا ما كان ففيه دلالة على أنهم في اقصى غاية البهجة والغبطة ويدعون يفتعلون من الدعاء كما أشير إليه مثل اشتوى واجتمل إذا شوى وجمل لنفسه وقيل بمعنى يتداعون كالارتماء بمعنى الترامى وقيل بمعنى يتمنون من قولهم ادع على ما شئت بمعنى تمنه على وقال الزجاج هو من الدعاء أي ما يدعو به اهل الجنة يأتيهم فيكون الافتعال بمعنى الفعل كالاحتمال بمعنى الحمل والارتحال بمعنى الرحلة ويعضده القراءة بالتخفيف كما ذكره الكواشى وقوله تعالى ٥٨ سلام على التقدير الأول بدل من ما يدعون أو خبر لمبتدأ محذوف وقوله تعالى قولا مصدر مؤكد لفعل هو صفة لسلام وما بعده من الجار متعلق بمضمر هو صفة له كأنه قيل ولهم سلام أو ما يدعون سلام يقال لهم قولا كائنا من جهة رب رحيم أي يسلم عليهم من جهته تعالى بواسطة الملك أو بدونها مبالغة في تعظيمهم قال ابن عباس رضى اللّه عنهما والملائكة يدخلون عليهم بالتحية من رب العالمين وأما على التقدير الثاني فقد قيل إنه خبر لما يدعون ولهم لبيان الجهة كما يقال لزيد الشرف متوفر على أن الشرف مبتدأ ومتوفر خبره والجار والمجرور لبيان من له ذلك أي ما يدعون سالم لهم خالص لا شوب فيه وقولا حينئذ مصدر مؤكد لمضمون الجملة أي عدة من رب رحيم والاوجه ان ينتصب على الاختصاص وقيل هو مبتدأ محذوف الخبر أي لهم سلام أي تسليم قولا من رب رحيم أو سلامة من الافات فيكون قولا مصدرا مؤكدا لمضمون الجملة كما سبق وقيل تقديره سلام عليهم فيكون حكاية لما سيقال لهم من جهته تعالى يومئذ وقيل خبره الفعل المقدر ناصبا لقولا وقيل خبره من رب رحيم وقرئ سلاما بالنصب على الحالية أي لهم مرادهم سالما خالصا وقرئ سلم وهو بمعنى السلام في المعنيين ٥٩ وامتازوا اليوم عطف إما على الجملة السابقة المسوقة لبيان أحوال أهل الجنة لاعلى أن المقصود عطف فعل الأمر بخصوصه حتى يتمحل له مشاكل يصح عطفه عليه بل على أنه عطف قصة سوء حال هؤلاء وكيفية عقابهم على قصة حسن حال أولئك ووصف ثوابهم كما مر في قوله تعالى وبشر الذين آمنوا الآية وكأن تغيير السبك لتخييل كمال التباين بين الفريقين وحاليهما وأما على مضمر ينساق إليه حكاية حال أهل الجنة كأنه قيل إثر بيان كونهم في شغل عظيم الشأن وفوزهم بنعيم مقيم يقصر عنه البيان فليقروا بذلك عينا وامتازوا عنهم أيها المجرمون الى مصيركم وعن قتادة اعتزلوا عن كل خير وعن الضحاك لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى وأما ما قيل من ان المضمر فليمتازوا فبمعزل من السداد لما ان المحكى عنهم ليس مصيرهم الى ما ذكر من الحال المرضية حتى يتسنى ترتيب الامر المذكور عليه بل إنما هو استقرارهم عليها بالفعل وكون ذلك بطريق تنزيل المترقب منزلة الواقع لا يجدى نفعا لان مناط الإضمار انسياق الافهام إليه وانصباب نظم الكلام عليه فبعد ما نزلت تلك الحالة منزلة الواقع بالفعل لما اقتضاه المقام من النكتة البارعة والحكمة الرائعة حسبما مر بيانه واسقط كونها مترقبة عن درجة الاعتبار بالكلية يكون التصدي لإضمار شئ يتعلق به إخراجا للنظم الكريم عن الجزالة بالمرة ٦٠ الم أعهد إليكم يا بنى آدم أن لا تعبدوا الشيطان من جملة ما يقال لهم بطريق التقريع والالزام والتبكيت بين الامر بالامتياز وبين الامر بدخول جهنم بقوله تعالى اصلوها اليوم الخ والعهد الوصية والتقدم بأمر فيه خير ومنفعة والمراد ههنا ما كلفهم اللّه تعالى على السنة الرسل عليهم الصلاة والسلام من الاوامر والنواهي التي من جملتها قوله تعالى يا بني آدم لا يفتتنكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة الآية وقوله تعالى ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين وغيرهما من الايات الكريمة الواردة في هذا المعنى وقيل هو الميثاق المأخوذ عليهم حين أخرجوا من ظهور بنى آدم واشهدوا على أنفسهم وقيل هو ما نصب لهم من الحجج العقلية والسمعية الآمرة بعبادته تعالى الزاجرة عن عبادة غيره والمراد بعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم عبر عنها بالعبادة لزيادة التحذير والتنفير عنها في مقابلة عبادته عز و جل وقرئ إعهد بكسر الهمزة وأعهد بكسر الهاء وأحهد الحاء مكان العين وأحد بالإدغام وهي لغة بني تميم إنه لكم عدو مبين أي ظاهر العداوة وهو تعليل لوجوب الانتهاء عن المنهى عنه وقيل تعليل للنهى ٦١ وأن اعبدوني عطف على أن لا تعبدوا على ان أن فيهما مفسرة للعهد الذي فيه معنى القول بالنهى والامر او مصدرية حذف عنها الجار أي الم اعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان وفي عبادتي وتقديم النهى على الامر لما أن حق التخلية التقدم على التحلية كما في كلمة التوحيد وليتصل به قوله تعالى هذا صراط مستقيم فإنه إشارة الى عبادته تعالى التي هي عبارة عن التوحيد والإسلام وهو المشار إليه بقوله تعالى هذا صراط على مستقيم والمقصود بقوله تعالى لأقعدن لهم صراطك المستقيم والتنكير للتفخيم واللام في قوله تعالى ٦٢ ولقد اضل منكم جبلا كثيرا جواب قسم محذوف والجملة استئناف مسوق لتشديد التوبيخ وتأكيد التقريع ببيان ان جناياتهم ليست بنقض العهد فقط بل به وبعدم الاتعاظ بما شاهدوا من العقوبات النازلة على الامم الخالية بسبب طاعتهم للشيطان فالخطاب لمتأخريهم الذين من جملتهم كفار مكة خصوا بزيادة التوبيخ والتقريع لتضاعف جناياتهم والجبل بكسر الجيم والباء وتشديد اللام الخلق وقرئ بضمتين وتشديد وبضمتين وتخفيف وبضمة وسكون وبكسرتين وتخفيف وبكسرة وسكون والكل لغات وقرئ جبلا جمع جبلة كفطر وخلق في فطرة وخلقة وقرئ جيلا بالياء وهو الصنف من الناس أي وباللّه لقد أضل منكم خلقا كثيرا أو صنفا كثيرا عن ذلك الصراط المستقيم الذي أمرتكم بالثبات عليه فاصابهم لأجل ذلك ما أصابهم من العقوبات الهائلة التي ملأ الآفاق أخبارها وبقى مدى الدهر آثارها والفاء في قوله تعالى أفلم تكونوا تعقلون للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم فلم تكونوا تعقلون أنها لضلالهم أو فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العقاب وقوله تعالى ٦٣ هذه جهنم التي كنتم توعدون استئناف يخاطبون به بعد تمام التوبيخ والتقريع والإلزام والتبكيت عن إشرافهم على شفير جهنم أي كنتم توعدونها على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام بمقابلة عبادة الشيطان مثل قوله تعالى لأملان جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين وقوله تعالى قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا وقوله تعالى قال اخرج منها مذموما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين وغير ذلك مما لا يحصى وقوله تعالى ٦٤ اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون امر تنكيل وإهانة كقوله تعالى ذق إنك انت العزيز الخ أي ادخلوها من فوق وقاسوا فنون عذابها اليوم بكفركم المستمر في الدنيا وقوله تعالى ٦٥ اليوم نختم على أفواههم أي ختما يمنعها عن الكلام التفات الى الغيبة للإيذان بأن ذكر احوالهم القبيحة استدعى ان يعرض عنهم ويحكى أحوالهم الفظيعة لغيرهم مع ما فيه من الايماء الى أن ذلك من مقتضيات الختم لان الخطاب لتلقى الجواب وقد انقطع بالكلية وقرئ تختم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون يروى أنهم يجحدون ويخاصمون فيشهد عليهم جيرانهم واهاليهم وعشائرهم فيحلفون ما كانوا مشركين فحينئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وارجلهم وفي الحديث يقول العبد يوم القيامة إنى لا اجيز على شاهدا إلا من نفسى فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقى فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت اناضل وقيل تكليم الاركان وشهادتها دلالتها على أفعالها وظهور آثار المعاصي عليها وقرئ وتتكلم أيديهم وقرئ ولتكلمنا ايديهم وتشهد بلام كى والنصب على معنى ولذلك نختم على افواههم وقرئ ولتكلمنا أيديهم ولتشهد بلام الامر والجزم ٦٦ ولو نشاء لطمسنا على اعينهم الطمس تعفية شق العين حتى تعود ممسوحة ومفعول المشيئة محذوف على القاعدة المستمرة التي هي وقوعها شرطا وكون مفعولها مضمون الجزاء أي لو نشاء أن نطمس على أعينهم لفعلناه وإيثار صيغة الاستقبال وإن كان المعنى على المضى لإفادة أن عدم الطمس على أعينهم لاستمرار عدم المشيئة فإن المضارع المنفى الواقع موقع الماضي ليس بنص في إفادة انتفاء استمرار الفعل بل قد يفيد استمرار انتفائه بحسب المقام كما مر في قوله تعالى ولو يعجل اللّه للناس الشر استعجالهم بالخير فاستبقوا الصراط أي فأرادوا أن يستبقوا الى الطريق الذي اعتادوا سلوكه على أن انتصابه بنزع الجار او هو بتضمين الاستباق معنى الابتدار أو بالظرفية فأنى يبصرون الطريق وجهة السلوك ٦٧ ولو نشاء لمسخناهم بتغيير صورهم وإبطال قواهم على مكانتهم أي مكانهم إلا أن المكانة أخص كالمقامة والمقام وقرىء على مكاناتهم أي لمسخناهم مسخا يجمدهم مكانهم لا يقدرون ان يبرحوه بإقبال ولا ادبار ولا رجوع وذلك قوله تعالى فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون أي ولا رجوعا فوضع موضعه الفعل لمراعاة الفاصلة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قردة وخنازير وقيل حجارة وعن قتادة لاقعدناهم على ارجلهم وازمناهم وقرىء مضيا بكسر الميم وفتحها وليس مساق الشرطيتين لمجرد بيان قدرته تعالى على ما ذكر من عقوبة الطمس والمسخ بل لبيان انهم بما هم عليه من الكفر ونقض العهد وعدم الاتعاظ بما شاهدوا من آثار دمار امثالهم احفاء بأن يفعل بهم في الدنيا تلك العقوبة كما فعل بهم في الآخرة عقوبة الختم وان المانع من ذلك ليس الا عدم تعلق المشيئة الالهية به كأنه قيل لو نشاء عقوبتهم بما ذكر من الطمس والمسخ جريا على موجب جناياتهم المستدعية لها لفعلناها ولكنا لم نشاها جريا على سنن الرحمة والحكمة الداعيتين الى امهالهم ٦٨ ومن نعمره أي نطل عمره ننكسه في الخلق أي نقلبه فيه ونخلقه على عكس ما خلقناه اولا فلا يزال يتزايد ضعفه وتتناقص قوته وتنتقص بنيته ويتغير شكله وصورته حتى يعود الى حالة شبيهة بحال الصبي في ضعف الجسد وقلة العقل والخلو عن الفهم والادراك وقرىء ننكسه من الثلاثي المجرد وننكسه من الانكاس افلا يعقلون أي ايرون ذلك فلا يعقلون اما من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وان عدم ايقاعهما لعدم تعلق مستئنه تعالى بهما تعقلون بالتاء لجري الخطاب قبله ٦٩ وما علمناه الشعر رد وابطال لما كانوا يقولونه في حقه من انه شاعر وما يقوله شعر أي ما علمناه الشعر بتعليم القرآن على معنى ان القرآن ليس بشعر فإن الشعر كلام متكلف موضوع ومقال مزخرف مصنوع منسوج على منوال الوزن والقافية مبنى على خيالات واوهام واهية فأين ذلك من التنزيل الجليل الخطر المنزه عن مماثلة كلام البشر المشحون بفنون الحكم والاحكام الباهرة الموصلة الى سعادة الدنيا والآخرة ومن اين اشتبه عليهم الشئون واختلط بهم الظنون قاتلهم اللّه أنى يؤفكون وما ينبغي له وما يصح له الشعر ولا يتأتى له لو طلبه أي جعلناه بحيث لو اراد قرض الشعر لم يتأت له كما جعلناه اميا لا يهتدي للخط لتكون الحجة اثبت والشبهة ادحض وأما قوله انا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وقوله هل انت الا اصبع دميت وفي سبيل اللّه ما لقيت فمن قبيل الاتفاقات الواردة من غير قصد إليها وعزم على ترتيبها وقيل الضمير في له للقرآن أي وما ينبغي للقرآن أن يكون شعرا إن هو أي ما القرآن إلا ذكر أي عظة من اللّه عز و جل وإرشاد للثقلين كما قال تعالى إن هو إلا ذكر للعالمين وقرآن مبين أي كتاب سماوي بين كونه كذلك او فارق بين الحق والباطل يقرأ في المحاريب ويتلى في المعابد وينال بتلاوته والعمل بما فيه فوز الدارين فكم بينه وبين ما قالوا لينذر أي القرآن أو الرسول ويؤبده القراءة بالتاء وقرئ ٧٠ لينذر من نذر به أي علمه ولينذر مبنيا للمفعول من الإنذار من كان حيا أي عاقلا متأملا فإن الغافل بمنزلة الميت أو مؤمنا في علم اللّه تعالى فإن الحياة الابدية بالايمان وتخصيص الإنذار به لانه المنتفع به ويحق القول أي تجب كلمة العذاب على الكافرين المصرين على الكفر وفي إيرادهم بمقابلة من كان حيا إشعار بأنهم لخلوهم عن آثار الحياة وأحكامها التي هي المعرفة أموات في الحقيقة ٧١ أولم يروا الهمزة للإنكار والتعجيب والواو للعطف على جملة منفية مقدرة مستتبعة للمعطوف أي ألم يتفكروا أو ألم يلاحظوا ولم يعلموا علما يقينيا متاخما للمعاينة أنا خلقنا لهم أي لأجلهم وانتفاعهم مما عملت أيدينا أي مما تولينا إحداثه بالذات وذكر الايدى وإسناد العمل إليها استعارة تفيد مبالغة في الاختصاص والتفرد بالإحداث والاعتناء به أنعاما مفعول خلقنا وتأخيره عن الجارين المتعلقين به مع أن حقه التقدم عليهما لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر فإن ما حقه التقديم إذا أخر تبقى النفس مترقبة له فيتمكن عند وروده عليها فضل تمكن لا سيما عند كون المقدم منبئا عن كون المؤخر أمرا نافعا خطيرا كما في النظم الكريم فإن الجار الأول المعرب عن كون المؤخر من منافعهم والثاني المفصح عن كونه من الامور الخطيرة يزيدان النفس شوقا إليه ورغبة فيه ولأن في تأخيره جمعا بينه وبين أحكامه المتفرعة عليه بقوله تعالى فهم لها مالكون الآيات الثلاث أي فملكناها إياهم وإيثار الجملة الاسمية على ذلك للدلالة على استقرار مالكيتهم لها واستمرارها واللام متعلقة بمالكون مقوية لعمله أي فهم مالكون لها بتمليكنا إياها لهم متصرفون فيها بالاستقلال مختصون بالانتفاع بها لا يزاحمهم في ذلك غيرهم أو قادرون على ضبطها متمكنون من الصرف فيها بأقدارنا وتمكيننا وتسخيرنا إياها لهم كما في قول من قال ... أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك راس البعير إن نفرا ... والأول هو الأظهر ليكون قوله تعالى ٧٢ وذللناها لهم تأسيسا لنعمة على حيالها لا تتمة لما قبلها أي صيرناها منقادة لهم بحيث لا تستعصى عليهم في شئ مما يريدون بها حتى الذبح حسبما ينطق به قوله تعالى فمنها ركوبهم الخ فإن الفاء فيه لتفريع احكام التذليل عليه وتفصيلها أي فبعض منها ركوبهم أي مركوبهم أي معظم منافعها الركوب وعدم التعرض للحمل لكونه من تتمات الركوب وقرئ ركوبتهم وهي بمعناه كالحلوب والحلوبة وقيل الركوبة اسم جمع وقرئ ركوبهم أي ذو ركوبهم ومنها يأكلون أي وبعض منها يأكلون لحمه ٧٣ ولهم فيها أي في الانعام بكلا قسميها منافع أخر غير الركوب والأكل كالجلود والاصواف والاوبار وغيرها وكالحراثة بالثيران ومشارب من اللبن جمع مشرب وهذا مجمل ما فصل في سورة النحل أفلا يشكرون أي ايشاهدون هذه النعم أو أيتنعمون بها فلا يشكرون المنعم بها ٧٤ واتخذوا من دون اللّه أي متجاوزين اللّه تعالى الذي شاهدوا تفرده بتلك القدرة الباهرة وتفضله عليهم بهاتيك النعم المتظاهرة آلهة من الاصنام واشركوها به تعالى في العبادة لعلهم ينصرون رجاء أن ينصروا من جهتهم فيما حزبهم من الامور أو يشفعوا لهم في الاخرة وقوله تعالى ٧٥ لا يستطيعون نصرهم الخ استئناف سيق لبيان بطلان رأيهم وخيبة رجائهم وانعكاس تدبيرهم أي لا تقدر آلهتهم على نصرهم وهم أي المشركون لهم أي لآلهتهم جند محضرون يشيعونهم عند مساقهم إلى النار وقيل معدون في الدنيا لحفظهم وخدمتهم والذب عنهم ولا يساعده مساق النظم الكريم فإن الفاء في قوله تعالى ٧٦ فلا يحزنك قولهم لترتيب النهى على ما قبله فلابد أن يكون عبارة عن خسرانهم وحرمانهم عما علقوا به أطماعهم الفارغة وانعكاس الأمر عليهم بترتيب الشر على مارتبوه لرجاء الخير فإن ذلك مما يهون الخطب ويورث السلوة وأما كونهم معدين لخدمتهم وحفظهم فبمعزل من ذلك والنهى وإن كان بحسب الظاهر متوجها إلى قولهم لكنه في الحقيقة متوجه إلى رسول اللّه ونهى له عليه السلام عن التأثر منه بطريق الكناية على أبلغ وجه وآكده فإن النهى عن أسباب الشئ ومباديه المؤدية إليه نهى عنه بالطريق البرهاني وإبطال للسببية وقد يوجه النهى الى المسبب ويراد النهى عن السبب كما في قوله لا أرينك ههنا يريد به نهى مخاطبة عن الحضور لديه والمراد بقولهم ما ينبئ عنه ما ذكر من اتخاذهم الاصنام آلهة فإن ذلك مما لا يخلو عن التفوه بقولهم هؤلاء آلهتنا وأنهم شركاء للّه سبحانه في المعبودية وغير ذلك مما يورث الحزن وقرئ يحزنك بضم الياء وكسر الزاي من أحزن المنقول من حزن اللازم وقوله تعالى إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون تعليل صريح للنهي بطريق الاستئناف بعد تعليله بطريق الإشعار فإن العلم بما ذكر مستلزم للمجازاة قطعا أي إنا نجازيهم بجميع جناياتهم الخافية والبادية التي لا يعزب عن علمنا شئ منها وفيه فضل تسلية لرسول اللّه وتقديم السر على العلن إما للمبالغة في بيان شمول علمه تعالى لجميع المعلومات كأن علمه تعالى بما يسرونه أقدم منه بما يعلنونه مع استوائهما في الحقيقة فإن علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شئ في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى وفي هذا المعنى لا يختلف الحال بين الاشياء البارزة والكامنة وأما لان مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن إذ ما من شئ يعلن إلا وهو أو مباديه مضمر في القلب قبل ذلك فتعلق علمه تعالى بحالته الاولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية حقيقة ٧٧ أو لم ير الانسان أنا خلقناه من نطفة كلام مستأنف مسوق لبيان بطلان إنكارهم البعث بعد ما شاهدوا في انفسهم اوضح دلائلة وأعدل شواهده كما أن ما سبق مسوق لبيان بطلان إشراكهم باللّه تعالى بعد ما عاينوا فيما بأيديهم ما يوجب التوحيد والإسلام وأما ما قيل من أنه تسلية ثانية لرسول اللّه بتهوين ما يقولونه بالنسبة الى إنكارهم الحشر فكلا والهمزة للإنكار والتعجيب والواو للعطف على جملة مقدرة هي مستتبعة للمعطوف كما مر في الجملة الانكارية السابقة أي ألم يتفكر الإنسان ولم يعلم علما يقينيا انا خلقناه من نطفة الخ أو هي عين الجملة السابقة أعيدت تأكيدا للنكير السابق وتمهيدا لإنكار ما هو أحق منه بالانكار والتعجيب لما ان المنكر هناك عدم علمهم بما يتعلق بخلق اسباب معايشهم وههنا عدم علمهم بما يتعلق بخلق انفسهم ولا ريب في أن علم الانسان بأحوال نفسه اهم وإحاطته بها أسهل واكمل فالإنكار والتعجيب من الإخلال بذلك أدخل كأنه قيل ألم يعلموا خلقه تعالى لأسباب معايشهم ولم يعلموا خلقه تعالى لأنفسهم أيضا مع كون العلم بذلك في غاية الظهور ونهاية الأهمية على معنى ان المنكر الأول بعيد قبيح والثاني ابعد واقبح ويجوز أن تكون الواو لعطف الجملة الإنكارية الثانية على الاولى على أنها متقدمة في الاعتبار وأن تقدم الهمزة عليها لاقتضائها الصدارة في الكلام كما هو رأي الجمهور وإيراد الانسان مورد الضمير لأن مدار الانكار متعلق بأحواله من حيث هو إنسان كما في قوله تعالى أو لا يذكر الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا وقوله تعالى فإذا هو خصيم مبين أي شديد الخصومة والجدال بالباطل عطف على الجملة المنفية داخل في حيز الانكار والتعجيب كأنه قيل أولم ير أنا خلقناه من أخس الاشياء وأمهنها ففاجأ خصومتنا في أمر يشهد بصحته وتحققه مبدأ فطرته شهادة بينة وإيراد الجملة الاسمية للدلالة على استقراره في الخصومة واستمراره عليها روى ان جماعة من كفار قريش منهم أبي بن خلف الجمحي وأبو جهل والعاص بن وائل والوليد بن المغيرة تكلموا في ذلك فقال لهم أبي بن خلف ألا ترون الى ما يقول محمد أن اللّه يبعث الاموات ثم قال واللات والعزى لأصيرن إليه ولأخصمنه وأخذ عظما باليا فجعل يفته بيده ويقول يا محمد أترى اللّه يحيي هذا بعد مارم قال نعم ويبعثك ويدخلك جهنم فنزلت وقيل معنى قوله تعالى فإذا هو خصيم مبين فإذا هو بعدما كان ماء مهينا رجل مميز منطيق قادر على الخصام مبين معرب عما في نفسه فصيح فهو حينئذ معطوف على خلقناه غير داخل تحت الإنكار والتعجيب بل هو من متممات شواهد صحة البعث فقوله تعالى ٧٨ وضرب لنا مثلا معطوف حينئذ على الجملة المنفية داخل في حيز الانكار والتقبيح وأما على التقدير الأول فهو عطف على الجملة الفجائية والمعنى ففاجأ خصومتنا وضرب لنا مثلا أي أورد في شأننا قصة عجيبة في نفس الامر هي في الغرابة والبعد عن العقول كالمثل وهي إنكار إحيائنا العظام أو قصة عجيبة في زعمه واستبعدها وعدها من قبيل المثل وأنكرها أشد الإنكار وهي إحياؤنا إياها وجعل لنا مثلا ونظيرا من الخلق وقاس قدرتنا على قدرتهم ونفى الكل على العموم وقوله تعالى ونسى خلقه أي خلقنا إياه على الوجه المذكور الدال على بطلان ما ضربه إما عطف على ضرب داخل في حيز الانكار والتعجيب أو حال من فاعله بإضمار قد أو بدونه وقوله تعالى قال استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية ضربه المثل كأنه قيل أي مثل ضرب أو ماذا قال فقيل قال من يحيي العظام منكرا له أشد النكير مؤكدا له بقوله تعالى وهي رميم أي بالية أشد البلى بعيدة من الحياة غاية البعد فالمثل على الأول هو إنكار إحيائه تعالى للعظام فإنه امر عجيب في نفس الامر حقيق لغرابته وبعده من العقول بأن يعد مثلا ضرورة جزم العقول ببطلان الإنكار ووقوع المنكر لكونه كالإنشاء بل أهون منه في قياس العقل وعلى الثاني هو إحياؤه تعالى لها فإنه أمر عجيب في زعمه قد استبعده وعده من قبيل المثل وأنكره أشد الإنكار مع أنه في نفس الأمر أقرب شئ من الوقوع لما سبق من كونه مثل الإنشاء أو أهون منه وأما على الثالث فلا فرق بين أن يكون المثل هو الانكار أو المنكر وعدم تانيث الرميم مع وقوعه خبرا للمؤنث لأنه اسم لما بلى من العظام غير صفة كالرفات وقد تمسك بظاهر الآية الكريمة من أثبت للعظم حياة وبنى عليه الحكم بنجاسة عظم الميتة وأما اصحابنا فلا يقولون بحياته كالشعر ويقولون المراد بإحياء العظام ردها الى ما كانت عليه من الغضاضة والرطوبة في بدن حي حساس ٧٩ قل تبكيتا له بتذكير ما نسبه من فطرته الدالة على حقيقة الحال وإرشاده الى طريقة الاستشهاد بها يحييها الذي انشأها أول مرة فإن قدرته كما هي لاستحالة التغير فيها والمادة على حالها وهو بكل خلق عليم مبالغ في العلم بتفاصيل كيفيات الخلق والايجاد إنشاء وإعادة محيط بجميع الأجزاء المتفتتة المتبددة لكل شخص من الاشخاص اصولها وفروعها وأوضاع بعضها من بعض من الاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق فيعيد كلا من ذلك على النمط السابق مع القوى التي كانت قبل والجملة إما اعتراض تذييلى مقرر لمضمون الجواب أو معطوفة على الصلة والعدول الى الجملة الاسمية للتنبيه على أن علمه تعالى بما ذكر أمر مستمر ليس كإنشائه للمنشآت وقوله تعالى ٨٠ الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا بدل من الموصول الأول وعدم الاكتفاء بعطف صلته على صلته للتأكيد ولتفاوتهما في كيفية الدلالة أي خلق لأجلكم ومنفعتكم منه نارا على ان الجعل إبداعي والجاران متعلقان به قدما على مفعوله الصريح مع تأخيرهما عنه رتبة لما مر من الاعتناء بالمقدم والتشويق الى المؤخر ووصف الشجر بالأخضر نظرا الى اللفظ وقد قرىء الخضراء نظرا الى المعنى وهو المرخ والعفار يقطع الرجل منهما عصيتين مثل السواكين وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهو انثى فتنقدح النار بإذن اللّه تعالى وذلك قوله تعالى فإذا انتم منه توقدون فمن قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته كان اقدر على إعادة الغضاضة الى ما كان غضا فطرا عليه اليبوسة والبلى وقوله تعالى ٨١ أوليس الذي خلق السموات والأرض الخ استئناف مسوق من جهته عز و جل لتحقيق مضمون الجواب الذي امر بأن يخاطبهم بذلك ويلزمهم الحجة والهمزة للإنكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أليس الذي أنشأها اول مرة وليس الذي جعل لهم من الشجر الأخضر نارا وليس الذي خلق السموات والأرض مع كبر جرمهما وعظم شأنهما بقادر على ان يخلق مثلهم في الصغر والقماءة بالنسبة إليهما فإن بديهة العقل قاضية بأن من قدر على خلقهما فهو على خلق الأناسي أقدر كما قال تعالى لخلق السموات والأرض اكبر من خلق الناس وقرىء يقدر وقوله تعالى بلى جواب من جهته تعالى وتصريح بما افاده الاستفهام الإنكاري من تقرير ما بعد النفي وإيذان بتعين الجواب نطقوا به او تلعثموا فيه مخافة الإلزام وقوله تعالى وهو الخلاق العليم عطف على ما يفيده الإيجاب أي بلى هو قادر على ذلك وهو المبالغ في الخلق والعلم كيفا وكما إنما امره أي شأنه اذا اراد شيئا من الأشياء ان يقول له كن أي ان يعلق به قدرته فيكون فيحدث من غير توقف على شيء آخر اصلا وهذا تمثيل لقدرته تعالى فيما اراده بأمر الآمر المطاع المأمور المطيع في سرعة حصول المأمور به من غير توقف على شيء ما وقرىء فيكون بالنصب عطفا على يقول ٨٣ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء تنزيه له عز وعلا عما وصفوه تعالى به وتعجيب مما قالوا في شأنه تعالى وقد مر تحقيق معنى سبحان والفاء للإشارة الى ان ما فصل من شئونه تعال موجبة لتنزهه وتنزيهه اكمل إيجاب كما ان وصفه تعالى بالمالكية الكلية المطلقة للإشعار بأنها مقتضية لذلك اتم اقتضاء والملكوت مبالغة في الملك كالرحموت والرهبوت وقرىء ملكه كل شيء ومملكة كل شيء وملك كل شيء وإليه ترجعون لا الى غيره وقريء ترجعون بفتح التاء من الرجوع وفيه من الوعد والوعيد مالا يخفى عن ابن عباس رضي اللّه عنهما كنت لا اعلم ما روي في فصائل يس وقر اءتها كيف خصت بذلك فإذا انه لهذه الآية قال رسول اللّه إن لكل شيء قلبا وإن قلب القرآن يس من قرآها يريد بها وجه اللّه تعالى غفر اللّه له واعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنين وعشرين مرة وأيما مسلم قرىء عنده اذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة املاك يقومون بين يديه صفوفا يصلون عليه ويستغفرون له ويشهدون غسله ويتبعون جنازته ويصلون عليه ويشهدون دفنه وأيما مسلم قرأ يس في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة فيشربها وهو على فراشه فيقبض ملك الموت روحه وهو ريان ويمكث في قبره وهو ريان ولا يحتاج الى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريان وقال إن في القرآن سورة تشفع لقارئها وتستغفر لمستمعها ألا وهي سورة يس |
﴿ ٠ ﴾