ÓõæÑóÉõ ÇáÕøóÇÝøóÇÊö ãóßøöíøóÉñ

æóåöíó ãöÇÆóÉñ æóÇËúäóÊóÇäö æóËóãóÇäõæäó ÂíóÉð

سورة الصافات

مكية وآياتها مائة واثنتان وثمانون آية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

والصافات صفا إقسام من اللّه عز و جل بطوائف الملائكة الفاعلات للصفوف على ان المراد إيقاع نفس الفعل من غير قصد الى المفعول او الصافات انفسها أي الناظمات لها في سلك الصفوف بقيامها في مقاماتها المعلومة حسبما ينطق به قوله تعالى وما منا إلا له مقام معلوم وعلى هذين المعنيين مدار قوله تعالى وإنا لنحن الصافون

وقيل الصافات اقدامها في الصلاة

وقيل اجنحتها في الهواء

٢

فالزاجرات زجرا أي الفاعلات للزجر او الزاجرت لما نيط بها زجره من الأجرام العلوية والسفلية وغيرها على وجه يليق بالمزجور ومن جملة ذلك زجر العباد بالمعاصي وزجر الشياطين عن الوسوسة والإغواء وعن استراق السمع كما سيأتي وصفا وزجرا مصدران مؤكدان لما قبلهما أي صفا بديعا وزجرا بليغا وأما ذكرا في قوله تعالى

٣

فالتاليات ذكرا فمفعول التاليات أي التاليات ذكرا عظيم الشأن من آيات اللّه تعالى وكتبه المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وغيرها من التسبيح والتقديس والتحميد والتمجيد

وقيل هو ايضا مصدر مؤكد لما قبله فإن التلاوة من باب الذكر ثم إن هذه الصفات إن اجريت على الكل فعطفها بالفاء للدلالة على ترتبها في الفضل إما بكون الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة او على العكس وإن أجريت كل واحدة منهن على طوائف معينة فهو الدلالة على ترتب الموصوفات في مراتب الفضل بمعنى أن طوائف الصافات ذوات فضل والزاجرات أفضل والتاليات أبهر فضلا أو على العكس

وقيل المراد بالمذكورات نفوس العلماء العمال الصافات انفسها في صفوف الجماعات وأقدامها في الصلوات الزاجرات بالمواعظ والنصائح التاليات آيات اللّه تعالى الدارسات شرائعه واحكامه

وقيل طوائف الغزاة الصافات أنفسهم في مواطن الحروب كأنهم بنيان مرصوص أو طوائف قوادهم الصافات لهم فيها الزاجرات الخيل للجهاد سوقا والعدو في المعارك طردا التاليات آيات اللّه تعالى وذكره وتسبيحه في تضاعيف ذلك والكلام في العطف ودلالته على ترتب الصفات في الفضل أو ترتب موصوفاتها فيه كالذي سلف وأما الدلالة على الترتب في الوجود كما في قوله يالهف زبانة للحرث الصابح فالغانم فالآيب فغير ظاهرة في شئ من الطوائف المذكورة فإنه لو سلم تقدم الصف على الزجر في الملائكة والغزاة فتأخر التلاوة عن الزجر غير ظاهر

وقيل الصافات الطير من قوله تعالى والطير صافات والزاجرات كل ما يزجر عن المعاصي والتاليات كل من يتلو كتاب اللّه تعالى

وقيل الزاجرات القوارع القرآنية وقرئ بإدغام التاء في الصاد والزاي والذال

٤

إن إلهكم لواحد جواب القسم والجملة تحقيق للحق الذي هو التوحيد بما هو المألوف في كلامهم من التأكيد القسمى وتمهيد لما يعقبه من البرهان الناطق به أعنى قوله تعالى

٥

رب السموات والارض وما بينهما ورب المشارق فإن وجودها وانتظامها على هذا النمط البديع من أوضح دلائل وجود الصانع وعلمه وقدرته وأعدل شواهد وحدته كما مر في قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتا ورب خبر ثان لأن أو خبر مبتدأ محذوف أي مالك السموات والارض وما بينهما من الموجودات ومربيها ومبلغها الى كمالاتها والمراد بالمشارق مشارق الشمس وإعادة الرب فيها لغاية ظهور آثار الربوبية فيها وتجددها كل يوم فإنها ثلثمائة وستون مشرقا تشرق كل يوم من مشرق منها وبحسبها تختلف المغارب وتغرب كل يوم في مغرب منها وأما قوله تعالى رب المشرقين ورب المغربين فهما مشرقا الصيف والشتاء ومغرباهما

٦

إنا زينا السماء الدنيا أي القربى منكم

بزينة عجيبة بديعة

الكواكب بالجر بدل من زينة على أن المراد بها الاسم أي ما يزن به لا المصدر فإن الكواكب بأنفسها وأوضاع بعضها من بعض زينة وأي زينة وقرئ بالاضافة على انها بيانية لما أن الزينة مبهمة صادقة على كل ما يزان به فتقع الكواكب بيانا لها ويجوز أن يراد بزينة الكواكب ما زينت هي به وهو ضوؤها وروى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما بزينة الكواكب بضوء الكواكب هذا وأما على تقدير كون الزينة مصدرا فالمعنى على تقدير إضافتها الى الفاعل بان زانت الكواكب إياها واصلة بزينة الكواكب وعلى تقدير إضافتها الى المفعول بأن زان اللّه الكواكب وحسنها وأصلة بزينة الكواكب والمراد هو التزيين في رأى العين فإن جميع الكواكب من الثوابت والسيارات تبدو للناظرين كأنها جواهر متلالئة في سطح سماء الدنيا بصور بديعة وأشكال رائعة ولا يقدح في ذلك ارتكاز الثوابت في الفلك الثامن وما عدا القمر في الستة المتوسطة إن ثبت ذلك وحفظا منصوب إما بعطفه على زينه باعتبار المعنى كأنه قيل إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء

٧

وحفظا من كل شيطان مارد أي خارج عن الطاعة برمى الشهب وأما بإضمار فعله وأما بتقدير فعل مؤخر معلل به كأنه قيل وحفظا من كل شيطان مارد زيناها بالكواكب كقوله تعالى ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وقوله تعالى

٨

لا يسمعون إلا الملأ الاعلى كلام مبتدأ مسوق لبيان حالهم بعد بيان حفظ السماء عنهم مع التنبيه على كيفية الحفظ وما يعتريهم في أثناء ذلك من العذاب ولا سبيل الى جعله صفة لكل شيطان ولا جوابا عن سؤال مقدر لعدم استقامة المعنى ولا علة للحفظ على أن يكون الاصل لئلا يسمعوا فحذفت اللام كما حذفت من قولك جئتك ان تكرمني فبقى أن لا يسمعوا ثم بحذف أن ويهدر عملها كما في قول من قال ألا أيهذا الزاجرى أحضر الوغى لما أن كل واحد من ذينك الحذفين غير منكر بانفراده فأما اجتماعهما فمن أنكر المنكرات التي يجب تنزيه ساحة التنزيل الجليل عن أمثالها وأصل يسمعون يتسمعون والملأالأ الأعلى الملائكة وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما هم الكتبة وعنه اشراف الملائكة عليهم الصلاة والسلام أي لا يتطلبون السماع والإصغاء إليهم وقرئ يسمعون بالتخفيف

ويقذفون يرمون

من كل جانب من جميع جوانب السماء إذا قصدوا الصعود اليها

٩

دحورا علة للقذف أي للدحور أو حال بمعنى مدحورين أو مصدر مؤكد له لأنهما من واد واحد وقرئ دحورا بفتح الدال أي قذفا دحورا مبالغا في الطرد وقد جوز ان يكون مصدرا كالقبول والولوع

ولهم عذاب واصب أي ولهم في الاخرة غير ما في الدنيا من عذاب الرجم بالشهب عذاب شديد دائم غير منقطع كقوله تعالى واعتدنا لهم عذاب السعير

١٠

الا من خطف الخطفة استثناء من واو يسمعون ومن بدل منه والخطف الاختلاس والمراد اختلاس كلام الملائكة مسارقة كما يعرب عنه تعريف الخطفة وقرىء بكسر الخاء والطاء المشددة وبفتح الخاء وكسر الطاء وتشديدها واصلهما اختطف

فأتبعه شهاب أي تبعه ولحقه وقرىء فانبعه والشهاب ما يرى منقضا من السماء

ثافب مضىء في الغاية كأنه يثقب الجو بضوئه يرجم به الشياطين اذا صعدوا لاستراق السمع فيقتلهم او يحرقهم او يخبلهم قالوا وإنما يعود من يسلم منهم حيا طمعا في السلامة ونيل المراد كراكب السفينة

١١

فاستفهم فاستخبر مشركى مكة

أهم أشد خلقا أي أقوى خلقة وأمتن بنية أو أصعب خلقا وأشق إيجاد

أم من خلقنا من الملائكة والسماء والارض وما بينهما والمشارق والكواكب والشهب الثواقب ومن لتغليب العقلاء على غيرهم ويدل عليه إطلاقه ومجيئه بعد ذلك لا سيما قراءة من قرأ ام من عددنا وقوله تعالى

إنا خلقناهم من طين لازب فإنه الفارق بينهم وبينها لا بينهم وبين من قبلهم من الامم كعاد وثمود ولأن المراد إثبات المعاد ورد استحالتهم والامر فيه بالإضافة اليهم والى من قبلهم سواء وقرئ لازم ولاتب

١٢

بل عجبت أي من قدرة اللّه تعالى على هذه الخلائق العظيمة وإنكارهم للبعث

ويسخرون من تعجيبك وتقريرك للبعث وقرئ بضم التاء على معنى انه بلغ كمال قدرتى وكثرة مخلوقاتى الى حيث عجبت منها وهؤلاء لجهلهم يسخرون منها أو عجبت من أن ينكروا البعث ممن هذه أفاعيله ويسخروا ممن يجوزه والعجب من اللّه تعالى إما على الفرض والتخييل أو على معنى الاستعظام اللازم له فإنه روعة تعتري الإنسان عند استعظام الشئ

وقيل إنه مقدر بالقول أي قل يا محمد بل عجبت

١٣

وإذا ذكروا أي ودأبهم المستمر انهم إذا وعظوا بشئ من المواعظ

لا يذكرون لا يتعظون وإذا ذكر لهم ما يدل على صحة البعث لا ينتفعون به لغاية بلادتهم وقصور فكرهم

١٤

وإذا رأوا آية أي معجزة تدل على صدق القائل به

يستسخرون يبالغون في السخرية ويقولون إنه سحر أو يستدعى بعضهم من بعض أن يسخر منها

١٥

وقالوا إن هذا أي ما يرونه من الآيات الباهرة

إلا سحر مبين ظاهر سحريته

١٦

أئذا متنا وكنا ترابا وعظما أي كان بعض أجزائنا ترابا وبعضها عظاما وتقديم التراب لأنه منقلب من الاجزاء البادية والعامل في إذا ما دل عليه مبعوثون في قوله تعالى

أئنا لمبعوثون أي نبعث لانفسه لأن دونه خطوبا لو تفرد واحد منها لكفى في المنع وتقديم الظرف لتقوية الانكار للبعث بتوجيهه الى حالة منافية له غاية المنافاة وكذا تكرير الهمزة في اثنا للمبالغة والتشديد في ذلك وكذا تحلية الجملة بأن واللام لتأكيد الانكار لالانكار التأكيد كما يوهمه ظاهر النظم الكريم فإن تقديم الهمزة لاقتضائها الصدارة كما في مثل قوله تعالى افلا تعقلون على راي الجمهور فإن المعنى عندهم تعقيب الانكار لا إنكار التعقيب كما هو المشهور وقرىء بطرح الهمزة الاولى وبطرح الثانية فقط

١٧

اوآباؤنا الاولون رفع على الابتداء وخبره محذوف عند سيبويه أي وآباؤنا الاولون ايضا مبعثون وقبل عطف على محل ان واسمها

وقيل على الضمير في مبعوثون للفصل بهمزة الانكار الجارية مجرى حرف النفي في قوله تعالى ما اشركنا ولا آباؤنا وايا ما كان فمرادهم زيادة الاستبعاد بناء على انهم اقدم فبعثهم ابعد على زعمهم وقرىء او آباؤنا

١٨

قل تبكيتا لهم

نعم والخطاب في قوله تعالى

وأنتم داخرون لهم ولآبائهم بطريق التغليب والجملة حال من فاعل ما دل عليه نعم أي كلكم مبعوثون والحال أنكم صاغرون أذلاء وقرئ نعم بكسر العين وهي لغة فيه

١٩

فإنما هي زجرة واحدة هي إما ضمير مبهم يفسره خبره أو ضمير البعثة والجملة جواب شرط مضمر أو تعليل لنهى مقدر أي إذا كان كذلك فإنما هي الخ أو لا تستصعبوه فإنما هي الخ والزجرة الصيحة من زجر الراعي غنمه إذا صاح عليها وهي النفخة الثانية

فإذا هم قائمون من مراقدهم احياء

ينظرون يبصرون كما كانوا أو ينتظرون ما يفعل بهم

٢٠

وقالوا أي المبعوثون وصيغة الماضي الدلالة على التحقق والتقرر يا ويلنا أي هلا كنا احضر فهذا أو ان حضورك وقوله تعالى

هذا يوم الدين تعليل لدعائهم الويل بطريق الاستئناف أي اليوم الذي نجازى فيه بأعمالنا وإنما علموا ذلك لأنهم كانوا يسمعون في الدنيا انهم يبعثون ويحاسبون ويجزون بأعمالهم فلما شاهدوا البعث ايقنوا بما بعده ايضا وقوله تعالى

٢١

هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون كلام الملائكة جوابا لهم بطريق التوبيخ والتقريع

وقيل هو ايضا من كلام بعضهم لبعض والفصل القضاء او الفرق بين فرق الهدى والضلال وقوله تعالى

٢٢

احشروا الذين ظلموا خطاب من اللّه عز و جل للملائكة

أو من بعضهم لبعض بحشر الظلمة من مقامهم الى الموقف

وقيل من الموقف الى الجحيم

وازواجهم أي اشباههم ونظراءهم من العصاة عابد الصم مع عبدته وعابد الكواكب مع عبدته كقوله تعالى وكنتم ازواجا ثلاثة

وقيل قرناءهم من الشياطين

وقيل نساءهم اللاتى عل دينهم

وما كانوا يعبدون

٢٣

من دون اللّه من الاصنام ونحوها زيادة في تحسيرهم وتخجيلهم قيل هو عام مخصوص بقوله تعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى الآية الكريمة وانت خبير بأن الموصول عبارة عن المشركين خاصة جئ به لتعليل الحكم بما في حيز صلته فلا عموم ولا تخصيص

فاهدوهم الى صراط الجحيم أي عرفوهم طريقها ووجهوهم إليها وفيه تهكم بهم

٢٤

وقفوهم احبسوهم في الموقف كأن الملائكة سارعوا الى ما أمروا به من حشرهم الى الجحيم فأمروا بذلك وعلل بقوله تعالى

إنهم مسئولون إيذانا من أول الأمر بأن ذلك ليس للعفو عنهم ولا ليستريحوا بتأخير العذاب في الجملة بل ليسألوا لكن لا عن عقائدهم وأعمالهم كما قيل فإن ذلك قد وقع قبل الامر بهم الى الجحيم بل عما ينطق به قوله تعالى

٢٥

ما لكم لا تناصرون بطريق التوبيخ والتقريع والتهكم أي لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم تزعمون في الدنيا وتأخير هذا السؤال الى ذلك الوقت لأنه وقت تنجز العذاب وشدة الحاجة الى النصرة وحالة انقطاع الرجاء عنها بالكلية فالتوبيخ والتقريع حينئذ اشد وقعا وتأثيرا وقرئ لا تتناصرون ولا تناصرون بالإدغام

٢٦

بل هم اليوم مستسلمون منقادون خاضعون لظهور عجزهم وانسداد باب الحيل عليهم أو أسلم بعضهم بعضا وخذله عن عجز فكلهم مستسلم غير منتصر

٢٧

وأقبل حينئذ

بعضهم على بعض هم الأتباع والرؤساء أو الكفرة والقرناء

يتساءلون يسأل بعضهم بعضا سؤال توبيخ بطريق الخصومة والجدال قالوا استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية تساؤلهم كأنه قيل كيف تساءلوا فقيل

٢٨

 قالوا أي الاتباع للرؤساء او الكل للقرناء

إنكم كنتم تاتوننا في الدنيا

عن اليمين عن أقوى الوجوه وأمتنها أو عن الدين أو عن الخير كأنكم تنفعوننا نفع السائح فتبعناكم فهلكنا مستعار من يمين الانسان الذي هو اشرف الجانبين وأقواهما وأنفعهما ولذلك سمى يمينا ويتيمن بالسائح او عن القوة والقسر فتقسروننا على الغى وهو الاوفق للجواب او عن الحلف حيث كانوا يحلفون انهم على الحق

٢٩

قالوا استئناف كما سبق أي قال الرؤساء او القرناء

بل لم تكونوا مؤمنين أي لم نمنعكم من الايمان بل لم تؤمنوا باختياركم واعرضتم عنه مع تمكنكم منه وآثرتم الكفر عليه

٣٠

وما كان لنا عليكم من سلطان من قهر وتسلط نسلبكم به اختياركم بل كنتم قوما طاغين مختارين للطغيان مصرين عليه

٣١

فحق علينا أي لزمنا وثبت علينا

قول ربنا وهو قوله تعالى لأملان جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين انا لذا ئقون أي العذاب الذي ورد به الوعيد

٣٢

فأغويناكم فدعوناكم الى الغي دعوة غير ملجئة فاستجببتم لنا باختياركم واستحبابكم الغي على الرشد

انا كنا غاوين فلا عتب علينا في تعرضنا لاغوائكم بتلك المرتبة من الدعوة لتكونوا امثالنا في الغواية

٣٣

فإنهم أي الاتباع والمتبوعين

يومئذ في العذاب مشتركون حسبما كانوا مشتركين في الغواية

٣٤

انا كذلك أي مثل ذلك الفعل البديع الذي تقتضيه الحكمة التشريعية

نفعل بالمجرمين المتناهين في الاجرام وهم المشركون كما يعرب عنه التعليل بقوله تعالى

٣٥

انهم كانوا اذا قيل لهم بطريق الدعوة والتلقين

لا اله الا اللّه يستكبرون عن القبول

٣٦

ويقولون ائنالناركوا آلهتنا لشاعر مجنون

٣٧

بل جاء بالحق وصدق المرسين رد عليهم وتكذيب لهم ببيان ان ما جاء به من التوحيد هو الحق الذي قام به البرهان واجمع عليه كافة الرسل عليهم الصلاة والسلام فأين الشعر والجنون من ساحته الرفيعة

٣٨

انكم بما فعلتم من الاشراك وتكذيب الرسول والاستكبار

لذائقو العذاب الاليم

والالتفات لاظهار كمال الغضب عليهم وقرىء بنصب العذاب على تقدير النون كقوله ولا ذاكر اللّه الا قليلا وقرىء لذائقون العذاب على الاصل

٣٩

وما تجزون إلا ما كنتم تعملون أي إلا جزاء ما كنتم تعملونه من السيئات أو إلا بما كنتم تعملونه منها

٤٠

إلا عباد اللّه المخلصين استثناء منقطع من ضمير ذائقو وما بينهما اعتراض جئ به مسارعة الى تحقيق الحق ببيان ان ذوقهم العذاب ليس إلا من جهتهم لا من جهة غيرهم أصلا وجعله استثناء من ضمير تجزون على معنى أن الكفرة لا يجزون إلا بقدر أعمالهم دون عباد اللّه المخلصين فإنهم يجزون اضعافا مضاعفة مما لا وجه له أصلا لا سيما جعله استثناء متصلا بتعميم الخطاب في تجزون لجميع المكلفين فإنه ليس في حيز الاحتمال فالمعنى إنكم لذائقون العذاب الأليم لكن عباد اللّه المخلصين الموحدين ليسوا كذلك وقوله تعالى

٤١

اولئك إشارة اليهم للإيذان بأنهم ممتازون بما اتصفوا به من الإخلاص في عبادة اللّه تعالى عمن عداهم امتيازا بالغا منتظمون بسببه في سلك الامور المشاهدة وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإشعار بعلو طبقتهم وبعد منزلتهم في الفضل وهو مبتدأ وقوله تعالى

لهم إما خبر له وقوله تعالى

رزق مرتفع عل الفاعلية بما فيه من الاستقرار أو مبتدأ ولهم خبر مقدم والجملة خبر لأولئك والجملة الكبرى استئناف مبين لما أفاده الاستثناء إجمالا بيانا تفصيليا

وقيل هي خبر للاستثناء المنقطع على انه متأول بالمبتدأ وقوله تعالى

معلوم أي معلوم الخصائص من حسن المنظر ولذة الطعم وطيب الرائحة ونحوها من نعوت الكمال

وقيل معلوم الوقت كقوله تعالى ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا وقوله تعالى

٤٢

فواكه إما بدل من رزق أو خبر مبتدا مضمر أي ذلك الرزق فواكه وتخصيصها بالذكر لأن أرزاق أهل الجنة كلها فواكه أي ما يؤكل لمجرد التلذذذ دون الاقتيات لأنهم مستغنون عن القوت لكون خلقتهم محكمة محفوظة من التحلل المحوج الى البدل

وقيل لان الفواكه من اتباع سائر الأطعمة فذكرها مغن عن ذكرها

وهم مكرمون عند اللّه عز و جل لا يلحقهم هوان وذلك أعظم المثوبات وأليقها بأولى الهمم

وقيل مكرمون في نيله حيث يصل اليهم بغير تعب وسؤال كما هو شان أرزاق الدنيا وقرئ مكرمون بالتشديد

٤٣

في جنات النعيم أي في جنات ليس فيها إلا النعيم وهو ظرف او حال من المستكن في مكرمون او خبر ثان لأولئك

وقوله تعالى

٤٤

على سرر محتمل للحالية والخبرية فقوله تعالى

متقابلين حال من المستكن فيه او في مكرمون وقوله تعالى

٤٥

يطاف عليهم إما استئناف مبنى على سؤال نشأ من حكاية تكامن مجالس انسهم او حال من الضمير في متقابلين او في أحد الجارين وقد جوز كونه صفة لمكرمون

بكأس بإناء فيه خمر أو بخمر فإن الكأس تطلق على نفس الخمر كما في قول من قال وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها

من معين متعلق بمضمر هو صفة لكأس أي كائنة من شراب معين او من نهر معين وهو الجاري على وجه الارض الظاهر للعيون او الخارج من العيون من عان الماء إذا نبع وصف به الخمر وهو للماء لأنها تجري في الجنة في أنهار كما يجري الماء قال تعالى وأنهار من خمر

٤٦

بيضاء لذة للشاربين صفتان ايضا لكأس ووصفها بلذة إما للمبالغة كأنها نفس اللذة او لانها تانيث اللذ بمعنى اللذيذ ووزنه فعل قال

... ولذ كطعم الصر خدى تركته ... بارض العدا من خيفة الحدثان ...

يريد به النوم

٤٧

لا فيها غول أي غائلة كما في خمور الدنيا من غالة إذا أفسده وأهلكه ومنه الغول

ولا هم عنها ينزفون يسكرون من نزف الشارب فهو نزيف ومنزوف إذا ذهب عقله ويقال للمطعون نزف فمات إذا خرج دمه كله أفرد هذا بالنفي مع اندراجه فيما قبله من نفى الغول عنها لما أنه من معظم مفاسد الخمر كأنه جنس برأسه والمعنى لا فيها نوع من أنواع الفساد من مغص او صداع أو خمار أو عربدة أو لغو أو تأثيم ولا هم يسكرون وقرئ ينزفون بكسر الزاي من أنزف الشارب إذا نفد عقله أو شرابه وقرئ ينزفون بضم الزاي من نزف ينزف بضم الزاي فيهما

٤٨ 

وعندهم قاصرات الطرف قصرن أبصارهن على أزواجهن لا يمددن طرفا الى غيرهم

عين نجل العيون جمع عيناء والنجل سعة العين

٤٩

كأنهن بيض مكنون شبهن ببيض النعام المصون من الغبار ونحوه في الصفاء والبياض المخلوط بأدنى صفرة فإن ذلك احسن الوان الابدان

٥٠

فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون معطوف على يطاف أي يشربون فيتحادثون على الشراب كما هو عادة الشرب قال

... وما بقيت من اللذات إلا ... أحاديث الكرام على المدام ...

فيقبل بعضهم على بعض يتساءلون عن الفضائل والمعارف وعما جرى لهم وعليهم في الدنيا فالتعبير عنه بصيغة الماضي للتأكيد والدلالة على تحقق الوقوع حتما

٥١

قال قائل منهم في تضاعيف محاوراتهم

إنى كان لي في الدنيا

قرين مصاحب

٥٢

يقول لي على طريقة التوبيخ بما كنت عليه من الايمان والتصديق بالبعث

أئنك لمن المصدقين أي بالبعث وقرئ بتشديد الصاد من التصدق والاول هو الاوفق لقوله تعالى

٥٣

أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون أي لمبعوثون ومجزيون من الدين بمعنى الجزاء او لمسوسون يقال دانه أي ساسه ومنه الحديث العاقل من دان نفسه

وقيل كان رجل تصدق بماله لوجه اللّه تعالى فاحتاج فاستجدى بعض إخوانه فقال اين مالك قال تصدقت به ليعوضنى اللّه تعالى في الآخرة خيرا منة فقال أئنك لمن المصدقين بيوم الدين أو من المتصدقين لطلب الثواب واللّه لا اعطيك شيئا فيكون التعرض لذكر موتهم وكونهم ترابا وعظاما حينئذ لتأكيد إنكار الجزاء المبنى على إنكار البعث

٥٤

قال أي ذلك القائل بعد ما حكى لجلسائه مقالة قرينه في الدنيا

هل أنتم مطلعون أي الى أهل النار لأريكم ذلك القرين يريد بذلك بيان صدقه فيما حكاه

وقيل القائل هو اللّه تعالى او بعض الملائكة يقول لهم هل تحبون ان تطلعوا على أهل النار لأريكم ذلك القرين فتعلموا أين منزلتكم من منزلتهم قيل إن في الجنة كوى ينظر منها أهلها الى اهل النار فاطلع أي عليهم فرآه أي قربنه في وسواء الجحيم أي في وسطها وقرئ

٥٥

فأطلع على لفظ المضارع المنصوب وقرئ مطلعون فأطلع وفأطلع بالتخفيف على لفظ الماضي والمضارع المنصوب يقال طلع علينا فلان واطلع واطلع بمعنى واحد والمعنى هل انتم مطلعون الى القرن فأطلع انا ايضا او عرض عليهم الاطلاع فقبلوا ما عرضه فاطلع هو بعد ذلك وان جعل الاطلاع متعديا فالمعنى انه لما شرط في اطلاعه اطلاعهم كما هو ديدن الجلساء فكأنهم مطلعوه

وقيل الخطاب على هذا للملائكة وقرىء مطلعون بكسر النون اراد مطلعون اياي فوضع المتصل موضع المنفصل كقولهم هم الفاعلون الخير والآمرونه اوشبه اسم الفاعل بالمضارع لما بينهما من التآخي

٥٦

قال أي القائل مخاطبا لقرينه

تاللّه ان كدت لنردين أي لتهلكني بالاغواء وقرىء لتغوين والتاء فيه معنى التعجب وان هي المخففة من ان وضمير الشأن الذي هو اسمها محذوف واللام فارقة أي تاللّه ان الشأن كدت لنردين

٥٧

ولولا نعمة ربي بالهداية والعصمة

لكنت من المحضرين أي من الذين احضروا العذاب كما احضرته انت واضرابك وقوله تعالى

٥٨

افما نحن بميتين رجوع الى محاورة جلسائه بعد اتمام الكلام مع قرينه تبجحا وابتهاجا بما اتاح اللّه عز و جل لهم من الفضل العظيم والنعيم المقيم والهمزة للتقرير وفيها معنى التعجب والفاء للعطف على مقدر يقتضيه نظم الكلام أي انحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين أي بمن شأنه الموت وقرىء بمائتين

٥٩

الا موتتنا الاولى التي كانت في الدنيا وهي متناولة لما في القبر بعد الاحياء للسؤال قاله تصديقا لقوله تعالى لا يذوقون فيها الموت الا الموتة الاولى

وقيل ان اهل الجنة اول ما دخلوا الجنة لا يعلمون انهم لا يموتون فإذا جىء بالموت على صورة كبش املح فذبح ونودي يا اهل الجنة خلود فلا موت ويا اهل النار خلود فلا موت يعلمونه فيقولون ذلك تحدثا بنعمة اللّه تعالى واغنباطا بها

وما نحن بمعذبين كالكفار فإن النجاة من العذاب ايضا نعمة جليلة مستوجبة للتحدث بها

٦٠

ان هذا أي الامر العظيم الذي نحن فيه

لهو الفوز العظيم

وقيل هو من قول اللّه عز و جل تقريرا لقولهم وتصديقا له وقرىء لهو الرزق العظيم وهو ما رزقوه من السعادة العظمى

٦١

لمثل هذا فليعمل العاملون أي لنيل هذا المرام الجليل يجب ان يعمل العاملون لا للحظوظ الدنيوية السريعة الانصرام المشوبة بفنون الآلام وهذا ايضا يحتمل ان يكون من كلام رب العزة

٦٢

اذلك خير نزلا ام شجرة الزقوم اصل النزل الفضل والريع فاستعير للحاصل من الشيء فانتصابه على التمييز أي اذلك الرزق المعلوم الذي حاصله اللذة والسرور خير نزلا ام شجرة الزقوم التي حاصلها الالم والغم ويقال النزل لما يقام ويهيأ من الطعام الحاضر للنازل فانتصابه على الحالية والمعنى ان الرزق المعلوم نزل اهل الجنة واهل النار نزلهم شجرة الزقوم فأيهما خير في كونه نزلا والزقوم اسم شجرة صغيرة الورق دفرة مرة كريهة الرائحة تكون في تهامة سميت به الشجرة الموصوفة

٦٣

انا جعلناها فتنة للظالمين محنة وعذابا لهم في الاخرة وابتلاء في الدنيا فإنهم لما سمعوا انها في النار قالوا كيف يمكن ذلك والنار تحرق الشجر ولم يعلموا ان من قدر على خلق حيوان يعيش في النار ويتلذذ بها افدر على خلق الشجر في النار وحفظه من الاحراق

٦٤

انها شجرة تخرج في اصل الجحيم منبتها في قعر جهنم واغصانها ترتفع الى دركانها وقرىء نابتة في اصل الجحيم

٦٥

طلعها أي حملها الذي يخرج منها مستعار من طلع النخلة لمشاركته له في الشكل والطلوع من الشجر قالوا اول التمر طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر

كأنه رءوس الشياطين في تناهى القبح والهول وهو تشبيه بالمخيل كتشبيه الفائق في الحسن بالملك

وقيل الشياطين الحيات الهائلة القبيحة المنظر لها اعراف

وقيل ان شجرا يقال له الاستن خشنا منتنا مرا منكر الصورة يسمى ثمره رءوس الشياطين

٦٦

فإنهم لآكلون منها أي من الشجرة او من طلعها فالتأنيث مكتسب من المضاف اليه

فمالئون منها البطون لغلبة الجوع او للقسر على اكلها وان كرهوها ليكون ذلك بابا من العذاب

٦٧

ثم ان لهم عليها على الشجرة التي ملاوا منها بطونهم بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش وطال استسقاؤهم كما ينبىء عنه كلمة ثم ويجوز ان تكون لما في شرابهم من مزيد الكراهة والبشاعة

لشوبا من حميم لشرابا من غساق او صديد مشوبا بماء حميم يقطع امعاءهم وقرىء بالضم وهو اسم لما يشاب به والاول مصدر سمي به

٦٨

ثم ان مرجعهم أي مصيرهم وقد قرىء كذلك

لالى الجحيم لالى دركاتها او الى نفسها فإن الزقوم والحميم نزل يقدم اليهم قبل دخولها

وقيل الحميم خارج عنها لقوله تعالى هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون  * يطوفون بينها وبين حميم آن يذهب بهم عن مقارهم ومنازلهم في الجحيم الى شجرة الزقوم فيأكلون منها الى ان يمتثلوا ثم يسقون من الحميم ثم يردون الى الجحيم ويؤيده انه قرىء ثم ان منقلبهم

٦٩

انهم الفوا آباءهم ضالين تعليل لاستحقاقهم ما ذكر من فنون العذاب بتقليد الآباء في الدين من غير ان يكون لهم ولا لآبائهم شيء يتمسك به اصلا أي وجدوهم ضالين في نفس الامر ليس لهم ما يصلح شبهة فضلا عن صلاحية الدليل

٧٠

فهم على آثارهم يهرعون من غير ان يتدبروا انهم على الحق اولا مع ظهور كونهم على الباطل بأدنى تأمل والاهراع الاسراع الشديد كأنهم يزعجون ويحثون حثا على الاسراع على آثارهم

وقيل هو اسراع فيه شبه رعدة

٧١

ولقد ضل قبلهم أي قبل قومك قريش

اكثر الاولين من الامم السالفة وهو جواب قسم محذوف وكذا قوله تعالى

٧٢

ولقد ارسلنا فيهم منذرين أي انبياء اولى عدد كثير وذوي شأن خطير بينوا لهم بطلان ما هم عليه وانذروهم عاقبته الوخيمة وتكرير القسم لابراز كمال الاعتناء بتحقيق مضمون كل من الجملتين

٧٣

فانظر كيف كان عاقبة المنذرين من الهول والفظاعة لما لم يلتفتوا الى الانذار ولم يرفعوا له راسا والخطاب اما لرسول اللّه او لكل احد ممن يتمكن من مشاهدة آثارهم وحيث كان المعنى انهم اهلكوا هلاكا فظيعا استثنى منهم المخلصون بقوله تعالى

٧٤

الا عباد اللّه المخلصين أي الذين اخلصهم اللّه تعالى بتوفيقهم للايمان والعمل بموجب الانذار وقرىء المخلصين بكسر اللام أي الذين اخلصوا دينهم للّه تعالى

٧٥

ولقد نادانا نوح نوع تفصيل لما اجمل فيما قبل ببيان احوال بعض المرسلين وحسن عاقبتهم متضمن لبيان سوء عاقبة بعض المنذرين حسبما اشير اليه بقوله تعالى فانظر كيف كان عاقبة المنذرين كقوم نوح آل فرعون وقوم لوط وقوم الياس ولبيان حسن عاقبة بعضهم الذين اخلصهم اللّه تعالى ووفقهم للايمان كما اشار اليه الاستثناء كقوم يونس عليه السلام ووجه تقديم قصة نوح على سائر القصص غنى عن البيان واللام جواب قسم محذوف وكذا ما في قوله تعالى

فلنعم المجيبون أي وباللّه لقد دعانا نوح حين يئس من ايمان قومه بعد ما دعاهم اليه احقابا ودهورا فلم يزدهم دعاؤه الا فرارا ونفورا فأجبناه احسن الاجابة فو اللّه لنعم المجيبون نحن فحذف ما حذف ثقة بدلالة ما ذكر عليه والجمع دليل العظمة والكبرياء

٧٦

ونجيناه واهله من الكرب العظيم أي من الغرق

وقيل من اذية قومه

٧٧

وجعلنا ذريته هم الباقين فحسب حيث اهلكنا الكفرة بموجب دعائه رب لاتذر على الارض من الكافرين ديارا وقد روى انه مات كل من كان معه في السفينة غير ابنائه وازواجهم او هم الذين بقوا متناسلين الى يوم القيامة قال قتادة الناس كلهم من ذرية نوح عليه السلام وكان له ثلاثة اولاد سام وحام ويافث فسام ابو العرب وفارس والروم وحام ابو السودان من المشرق الى المغرب ويافث ابو الترك ويأجوج ومأجوج

٧٨

وتركنا عليه في الآخرين من الامم

٧٩

سلام على نوح أي هذا الكلام بعينه وهو وارد على الحكاية كقولك قرات سورة انزلناها والمعنى يسلمون عليه تسليما ويدعون له على الدوام امة بعد امة

وقيل ثمة قول مقدر أي فقلنا

وقيل ضمن تركنا معنى قلنا وقوله تعالى

في العالمين متعلق بالجار والمجرور ومعناه الدعاء بثبات هذه التحية واستمرارها ابدا في العالمين من الملائكة والثقلين جميعا وقوله تعالى

٨٠

انا كذلك نجزي المحسنين تعليل لما فعل به عليه الصلاة و السلام من التكرمة السنية من اجابة دعائه احسن اجابة وابقاء ذريته وتبقية ذكره الجميل وتسليم العالمين عليه الى آخر الدهر بكونه من زمرة المعروفين بالاحسان الراسخين فيه وان ذلك من قبيل مجازاة الاحسان بالاحسان وذلك اشارة الى ما ذكر من الكرامات السنية التي وقعت جزاء له عليه الصلاة و السلام وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار اليه للايذان بعلو رتبته وبعد منزلته في الفضل والشرف والكاف متعلقة بما بعدها أي مثل ذلك الجزاء الكامل نجزي الكاملين في الاحسان لاجزاء ادنى منه وقوله تعالى

٨١

انه من عبادنا المؤمنين تعليل لكونه من المحسنين بخلوص عبوديته وكمال ايمانه وفيه من الدلالة على جلالة قدرهما مالا يخفي

٨٢

ثم اغرقنا الآخرين أي المغايرين لنوح واهله وهم كفار وقومه اجمعين

٨٣

وان من شيعته أي ممن شايعه في اصول الدين

لابراهيم وان اختلفت فروع شرائعهما ويجوز ان يكون بين شريعتيهما اتفاق كلي او اكثرى وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما من اهل دينه وعلى سنته او ممن شايعه على التصلب في دين اللّه ومصابرة المكذبين وما كان بينهما الا نبيان هود وصالح عليهم السلام وكان بين نوح وابراهيم الفان وستمائة واربعون سنة

٨٤

اذ جاء ربه منصوب باذكر او متعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة

بقلب سليم أي من آفات القلوب او من العلائق الشاغلة عن التبتل الى اللّه عز و جل ومعنى المجيء به ربه اخلاصه له كأنه جاء به متحفا اياه بطريق التمثيل

٨٥

اذ قال لابيه وقومه ماذا تعبدون بدل من الاولى او ظرف لجاء او لسليم أي أي شيء تعبدونه

٨٦

أئفكا آلهة دون اللّه تريدون أي اتريدون آلهة من دون اللّه افكا أي للافك فقدم المفعول على الفعل للعناية ثم المفعول له على المفعول به لان الاهم مكافحتهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم ويجوز ان يكون افكا مفعولا به بمعنى اتريدون افكا ثم يفسر الافك بقوله آلهة من دون اللّه دلالة على انها افك في نفسها للمبالغة او يراد بها عبادتها بحذف المضاف ويجوز ان يكون حالا بمعنى آفكين

٨٧

فما ظنكم برب العالمين أي بمن هو حقيق بالعبادة لكونه ربا للعالمين حتى تركتم عبادته خاصة واشركتم به اخس مخلوقاته او فما ظنكم به أي شيء هو من الاشياء حتى جعلتم الاصنام له اندادا او فماظنكم به ماذا يفعل بكم وكيف يعاقبكم بعد ما فعلتم ما فعلتم من الاشراك به

٨٨

فنظر نظرة في النجوم قيل كانت له عليه الصلاة و السلام حمى لها نوبة معينة في بعض ساعات الليل فنظر ليعرف هل هي تلك الساعة فإذا هي قد حضرت

٨٩

فقال اني سقيم وكان صادقا في ذلك فجعله عذرا في تخلفه عن عيدهم وقيل اراد اني سقيم القلب لكفركم

وقيل نظر في علمها او في كتبها او في احكامها ولا منع من ذلك حيث كان قصده عليه الصلاة و السلام ايهامهم حين ارادوا ان يخرجوا به عليه الصلاة و السلام الى معيدهم ليتركوه فإن القوم كانوا نجامين فأوهمهم انه قد استدل بأمارة في النجوم على انه سقيم أي مشارف للسقم وهو الطاعون وكان اغلب الاسقام عليهم وكانوا يخافون العدوى ليتفرقوا عنه فهربوا منه الى معبدهم وتركوه في بيت الاصنام وذلك قوله تعالى

٩٠

فتولوا عنه مدبرين أي هاربين مخافة العدوى

٩١

فراغ الى آلهتهم أي ذهب اليها في خيفة واصله الميل بحيلة

فقال للاصنام استهزاء

الا تأكلون أي من الطعام الذي كانوا يصنعونه عندها لتبرك عليه

٩٢

ما لكم لا تنطقون أي بجوابي فراغ عليهم فمال مستعليا عليهم وقوله تعالى ضربا باليمين مصدر مؤكد

٩٣

لراغ عليهم فإنه بمعنى ضربهم او لفعل مضمر هو حال من فاعله أي فراغ عليهم يضربهم

ضربا او هو الحال منه على انه مصدر بمعنى الفاعل أي فراغ عليهم ضاربا

باليمين أي ضربا شديدا قويا وذلك لان اليمين اقوى الجارحتين واشدهما وقوة الاله تقتضي قوة الفعل وشدته

وقيل بالقوة والمتانة كما في قوله

... اذا ما راية رفعت لمجده ... تلقاها عرابة باليمين ...

أي بالقوة وعلى ذلك مدار تسمية الحلف باليمين لانه يقوى الكلام ويؤكده

وقيل بسبب الحلف وهو قوله تعالى وتاللّه لاكيدن اصنامكم

٩٤

فأقبلوا اليه أي المأمورون بإحضاره عليه الصلاة و السلام بعد ما رجعوا من عيدهم الى بيت الاصنام فوجدوها مكسورة فسألوا عن الفاعل فظنوا انه عليه الصلاة و السلام فعله فقيل فأتوا به يزفون حال من واو اقبلوا أي يسرعون من زفيف النعام وقرىء

يزفون من ازف اذا دخل في الزفيف او من ازفه أي حمله على الزفيف أي يزف بعضهم بعضا ويزفون على البناء للمفعول أي يحملون على الزفيف ويزفون من وزف يزف اذا اسرع ويزفون من زفاه اذا حداه كأن بعضهم يزفو بعضا لتسارعهم اليه عليه الصلاة و السلام

٩٥

قال أي بعدما اتوا به عليه الصلاة و السلام وجرى بينه وبينهم من المحاورات ما نطق به قوله تعالى قالوا اانت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم الى قوله تعالى لقد علمت ما هؤلاء ينطقون

اتعبدون ما تنحتون ما تنحتونه من الاصنام وقوله تعالى

٩٦

واللّه خلقكم وما تعملون حال من فاعل تعبدون مؤكدة للانكار والتوبيخ أي والحال انه تعالى خلقكم وخلق ما تعملونه فإن جواهر اصنامهم ومادتها بخلقه تعالى وشكلها وان كان بفعلهم لكنه بإقداره تعالى اياهم عليه وخلقه ما يتوقف عليه فعلهم من الدواعي والعدد والاسباب وما تعملون اما عبارة عن الاصنام فوضعه موضع ضمير ما تنحتون للايذان بأن مخلوقيتها للّه عز و جل ليس من حيث نحتهم لها فقط بل من حيث سائر اعمالهم ايضا من التصوير والتحلية والتزيين ونحوها وأما على عمومه فينتظم الاصنام انتظاما أوليا مع ما فيه من تحقيق الحق ببيان ان جميع ما يعملونه كائنا ما كان مخلوق له سبحانه

وقيل ما مصدرية أي عملكم علىانه بمعنى المفعول

وقيل بمعناه فإن فعلهم إذا كان بخلق اللّه تعالى كان مفعولهم المتوقف على فعلهم أولى بذلك

٩٧

قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم أي في النار الشديدة الاتقاد من الجحمة وهي شدة التأجح واللام عوض من المضاف اليه أي جحيم ذلك البنيان وقد ذكر كيفية بنائهم له في سورة الانبياء

٩٨

فأرادوا به كيدا فإنه عليه الصلاة و السلام لما قهرهم بالحجة وألقمهم الحجر قصدوا ما قصدوا لئلا يظهر للعامة عجزهم

فجعلناهم الأسفلين الأذلين بإبطال كيدهم وجعله برهانا نيرا على علو شأنه عليه الصلاة و السلام بجعل النار عليه بردا وسلاما

٩٩

وقال إنى ذاهب الى ربى أي مهاجر الى حيث امرنى ربي كما قال إنى مهاجر الى ربى وهو الشام او الى حيث أتجرد فيه لعبادته تعالى

سيهدين أي الى ما فيه صلاح ديني او الى مقصدي وبت القول بذلك لسبق الوعد أو لفرط توكله وللبناء على عادته تعالى معه ولم يكن كذلك حال موسى عليه السلام حيث قال عسى ربى ان يهدينى سواء السبيل ولذلك اتى بصيغة التوقع

١٠٠

رب هب لي من الصالحين أي بعض الصالحين يعيننى على الدعوة والطاعة ويؤنسنى في الغربة يعنى الولد لأن لفظ الهبة على الاطلاق خاص به وإن كان قد ورد مقيدا بالاخوة في قوله تعالى ووهبنا له من رحمتنا أخاه هرون نبيا ولقوله تعالى

١٠١

فبشرناه بغلام حليم فإنه صريح في أن المبشربه عين ما استوهبه عليه الصلاة و السلام ولقد جمع فيه بشارات ثلاث بشارة انه غلام وأنه يبلع او ان الحلم وانه يكون حليما وأي حلم يعادل حلمه عليه الصلاة و السلام حين عرض عليه يا أبت أبوه الذبح فقال يأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين

وقيل ما نعت اللّه الانبياء عليهم الصلاة والسلام بأقل مما نعتهم بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وأبنه فإنه تعالى نعتهما به وحالهما المحكية بعد أعدل بينة بذلك والفاء في قوله تعالى

١٠٢

فلما بلغ معه السعى فصيحة معربة عن مقدر قد حذف تعويلا على شهادة الحال وإيذانا بعدم الحاجة الى التصريح

به لاستحالة التخلف والتأخر بعد البشارة كما مر في قوله تعالى فلما رأينه أكبرنه وفي قوله تعالى فلما رآه مستقرا عنده أي فوهبناه له فنشأ فلما بلغ رتبة ان يسعى معى في اشغاله وحوائجه ومعه متعلق بمحذوف ينبئ عنه السعي لا بنفسه لأن صلة المصدر لا تتقدمه ولا يبلغ لأن بلوغهما لم يكن معا كأنه لما ذكر السعي قيل مع من فقيل معه وتخصيصه لأن الاب أكمل في الرفق والاستصلاح فلا يستسعيه قبل أوانه او لأنه استوهبه لذلك وكان له يومئذ ثلاث عشرة سنة

قال أي ابراهيم عليه السلام

يا بني إنى أرى في المنام انى أذبحك أي ارى هذه الصورة بعينها أو ما هذه عبارته وتأويله

وقيل إنه رأى ليلة التروية كأن قائلا يقول له إن اللّه يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح روى في ذلك من الصباح الى الرواح أمن اللّه هذا الحلم ام من الشيطان فمن ثمة سمى يوم التروية فلما امسى رأى مثل ذلك فعرف انه من اللّه تعالى فمن ثمة سمى يوم عرفة ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمى اليوم يوم النحر

وقيل إن الملائكة حين بشرته بغلام حليم قال إذن هو ذبيح اللّه فلما ولد وبلغ حد السعي معه قيل له أوف بنذرك والأظهر الاشهر ان المخاطب إسماعيل عليه السلام إذ هو الذي وهب إثر المهاجرة ولأن البشارة بإسحق بعده معطوف على البشارة بهذا الغلام ولقوله أنا ابن الذبيحين فأحدهما جده إسماعيل عليه السلام والآخر أبوه عبد اللّه فإن عبد المطلب نذر أن يذبح ولدا إن سهل اللّه تعالى له حفر بئر زمزم أو بلغ بنوه عشرة فلما حصل ذلك وخرج السهم على عبداللّه فداه بمائة من الإبل ولذلك سنت الدية مائةولأن ذلك كان بمكة وكان قرنا الكبش معلقين بالكعبة حتى احترقا في أيام ابن الزبير ولم يكن إسحق ثمة ولان بشارةإسحق كانت مقرونة بولادة يعقوب منه فلا يناسبه الامر بذبحه مراهقا وما روى أنه عليه الصلاة و السلام سئل عن النسب اشرف فقال يوسف صديق اللّه ابن يعقوب اسرائيل اللّه ابن اسحق ذبيح اللّه ابن ابراهيم خليل اللّه فالصحيح انه عليه الصلاة و السلام قال يوسف بن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم الزوائد من الراوي وما روى من أن يعقوب كتب الى يوسف مثل ذلك لم يثبت وقرئ إنى بفتح الياء فيهما

فانظر ماذا ترى من الرأى وإنما شاوره فيه وهو أمر محتوم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء اللّه تعالى فيثبت قدمه إن جزع ويأمن عليه إن سلم وليوطن نفسه عليه فيهون ويكتسب المثوبة عليه بالانقياد له قبل نزول وقرى ماذا ترى بضم التاء وكسر الراء وبفتحها مبنيا للمفعول و

قال يا أبت افعل ما تؤمر أي تؤمر به فحذف الجار اولا على القاعدة المطردة ثم حذف العائد الى الموصول بعد انقلابه منصوبا بإيصاله الى الفعل أو حذفا دفعة أو افعل امرك على إضافه المصدر الى المفعول وتسمية المأمور به امرا وقرئ ما تؤمر به وصيغة المضارع للدلالة على ان الامر متعلق به متوجه اليه مستمر الى حين الامتثال به

ستجدي إن شاء اللّه من الصابرين على الذبح أو على قضاء اللّه تعالى

١٠٣

فلما أسلما أي استسلما لامر اللّه تعالى وانقادا وخضعا له يقال سلم لأمر اللّه وأسلم واستسلم بمعنى واحد وقد قرئ بهن جميعا وأصلها من قولك سلم هذا الفلان إذا خلص له ومعناه سلم من أن ينازع فيه وقولهم سلم لأمر اللّه وأسلم له منقولان منه ومعناهما أخلص نفسه اللّه لوجعلها سالمة له وكذلك معنى استسلم استخلص نفسه له تعالى وعن قتادة رضى اللّه عنه في أسلما أسلم إبراهيم ابنه وإسماعيل نفسه

وتله للجبين صرعه على شقه فوقع جبينه على الارض وهو أحد جانبي الجبهة

وقيل كبه على وجهه بإشارته كيلا يرى منه ما يورث رقة تحول بينه وبين أمر اللّه تعالى وكان ذلك عند الصخرة من منى

وقيل في الموضع المشرف على مسجد منى

وقيل في المنحر الذي ينحر اليوم فيه

١٠٤

وناديناه أن يا إبراهيم

١٠٥

قد صدقت الرؤيا بالعزم على الإتيان بالمأمور به ترتيب مقدماته وقد روى انه امر السكين بقوته على حلقه مرارا فلم يقطع ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين فعند ذلك وقع النداء جواب لما محذوف إيذانا بعدم وفاء التعبير بتفاصيله كأنه قيل كان ما كان مما لا يحيط به نطاق البيان من استبشارهما وشكرهما للّه تعالى على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء بعد حلوله والتوفيق لما لم يوفق احد لمثله وإظهار فضلهما بذلك على العالمين مع إحراز الثواب العظيم الى غير ذلك

إنا كذلك نجزى المحسنين تعليل لتفريج تلك الكربة عنهما بإحسانهما واحتج به من جوز النسخ قبل وقوع المأمور به فإنه عليه الصلاة و السلام كان مأمورا بالذبح لقوله تعالى افعل ما تؤمر ولم يحصل

١٠٦

إن هذا لهو البلاء المبين الابتلاء البين الذي يتميز فيه المخلص عن غيره او المحنة البينة الصعوبة إذ لا شئ أصعب منها

١٠٧

وفديناه بذبح بما يذبح بدله فيتم به الفعل

عظيم أي عظيم الجثة سمين أو عظيم القدر لأنه يفدى به اللّه نبيا ابن نبي من نسله سيد المرسلين قيل كان ذلك كبشا من الجنة عن ابن عباس رضى اللّه عنهما أنه الكبش الذي قربه هابيل فتقبل منه وكان يرعى في الجنة حتى فدى به إسماعيل عليه السلام

وقيل فدى بوعل اهبط عليه من ثبير وروى انه هرب من إبراهيم عليه السلام عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فبقى سنة في الرمى وروى انه رمى الشيطان حين تعرض له بالوسوسة عند ذبح ولده وروى انه لما ذبحه قال جبريل عليه السلام اللّه اكبر اللّه اكبر فقال الذبيح لا إله إلا اللّه واللّه أكبر فقال ابراهيم اللّه أكبر وللّه الحمد فبقى سنة والفادى في الحقيقة هو إبراهيم وإنما قيل وفديناه لأنه تعالى هو المعطي له والآمر به على التجوز في الفداء أو الإسناد

١٠٨

١٠٩

 وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم قد سلف بيانه في خاتمة قصة نوح عليه السلام

١١٠

كذلك نجزي المحسنين ذلك إشارة الى إبقاء ذكره الجميل فيما بين الامم لا الى ما أشير إليه فيما سبق فلا تكرار وعدم تصدير الجملة بأنا للاكتفاء بما مر آنفا

١١١

إنه من عبادنا المؤمنين الراسخين في الايمان على وجهه الايقان والاطمئنان

١١٢

وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين أي مقضيا بنبوته مقدرا كونه من الصالحين وبهذا الاعتبار وقعا حالين ولا حاجة الى وجود المبشر به وقت البشارة فإن وجود ذي الحال ليس بشرط وإنما الشرط مقارنة تعلق الفعل به لاعتبار معنى الحال فلا حاجة الى تقدير مضاف يجعل عاملا فيهما مثل وبشرناه بوجود إسحاق نبيا من الصالحين ومع ذلك لا يصير نظير قوله تعالى فادخلوها خالدين فإن الداخلين كانوا مقدرين خلودهم وقت الدخول وإسحاق عليه السلام لم يكن مقدرا نبوة نفسه وصلاحها حين ما يوجد ومن فسر الغلام بإسحاق جعل المقصود من البشارة نبوته عليه الصلاة و السلام وفي ذكر الصلاح بعد تعظيم لشأنه وإيماء الى انه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل بالفعل على الاطلاق

١١٣

وباركنا عليه على ابراهيم في اولاده

وعلى اسحاق بأن أخرجنا من صلبه انبياء بنى اسرائيل وغيرهم كأيوب وشعيب عليهم السلام أو افضنا عليهما بركات الدين والدنيا وقرئ وبركنا

ومن ذريتهما محسن في عمله أو لنفسه بالايمان والطاعة

وظالم لنفسه بالكفر والمعاصي

مبين ظاهر ظلمه وفيه تنبيه على أن النسب لا تأثير له في الهداية والضلال وأن الظلم في أعقابهما لا يعود عليهما بتقيصه ولاعيب

١١٤

ولقد مننا على موسى وهرون أي أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من النعم الدينية والدنيوية

١١٥

ونجيناهما وقومهما وهم بنو إسرائيل

من الكرب العظيم هو ملكة آل فرعون وتسلطهم عليهم بألوان الغشم والعذاب كما في قوله تعالى وإذ أنجيناكم من آل فرعون

وقيل هو الغرق وهو بعيد لانه لم يكن عليهم كربا ومشقة

١١٦

ونصرناهم أي إياهما وقومهما على عدوهم ف

كانوا بسبب ذلك

هم الغالبين عليهم غلبة لا غاية وراءها بعد أن كان قومهما في أسرهم وقسرهم مقهورين تحت أيديهم العادية يسومونهم سوء العذاب وهذه التنجية وإن كانت بحسب الوجود مقارنة لما ذكر من النصر والغلبة لكنها لما كانت بحسب المفهوم عبارة عن التخليص من المكروه بدئ بها ثم بالنصر الذي يتحقق مدلوله بمحض تنجية المنصور من عدوه من غير تغليبه عليه ثم بالغلبة لتوفية مقام الامتنان حقه بإظهار أن كل مرتبة من هذه المراتب الثلاث نعمة جليلة على حيالها

١١٧

وآتيناهما بعد ذلك

الكتاب المستبين أي البليغ في البيان والتفصيل وهو التوراة

١١٨

وهديناهما بذلك الصراط المستقيم الموصل الى الحق والصواب بما فيه من تفاصيل الشرائع وتفاريع الاحكام

١١٩

١٢٠

وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهرون أي ابقينا فيما بين الامم الآخرين هذا الذكر الجميل والثناء الجزيل

١٢١

إنا كذلك الجزاء الكامل

نجزي المحسنين الذين هما من جملتهم لاجزاء قاصرا عنه

١٢٢

إنهما من عبادنا المؤمنين سبق بيانه

١٢٣

وإن إلياس لمن المرسلين هو إلياس بن ياسين من سبط هرون اخى موسى عليهم السلام بعث بعده

وقيل إدريس لأنه قرئ مكانه إدريس وإدراس وقرئ إيليس وقرئ إلياس بحذف الهمزة

١٢٤

إذ قال لقومه ألا تتقون أي عذاب اللّه تعالى

١٢٥

أتدعون بعلا أتعبدونه وتطلبون الخير منه وهو اسم صنم كان لأهل بك من الشام وهو البلد المعروف اليوم ببعلبك قيل كان من ذهب طوله عشرون ذراعا وله أربعة أوجه فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن وجعلوهم انبياء فكان الشيطان يدخل جوفه ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس

وقيل البعل الرب بلغة اليمن أي أتعبدون بعض البعول وتذرون

أحسن الخالقين أي وتتركون عبادته وقد اشير الى المقتضى للإنكار المعنى بالهمزة ثم صرح به بقوله تعالى

١٢٦

اللّه ربكم ورب آبائكم الاولين بالنصب على البدلية من أحسن الخالقين وقرئ بالرفع على الابتداء والتعرض لذكر ربوبيته تعالى لآبائهم لتأكيد إنكار تركهم عبادته تعالى والاشعار ببطلان آراء آبائهم أيضا

١٢٧

فكذبوه فإنهم بسبب تكذيبهم ذلك

لمحضرون أي العذاب والإطلاق للاكتفاء بالقرائن على أن الإحضار المطلق مخصوص بالشر عرفا

١٢٨

إلا عباد اللّه المخلصين استثناء من ضمير محضرون

١٢٩

انظر تفسير الآية: ١٣٠

١٣٠

وتركنا عليه في الآخرين سلام على إلياسين هو لغة في إلياس كسيناء في سينين

وقيل هو جمع له أريد به هو وأتباعه كالمهلبين والخبيبين وفيه أن العلم إذا جمع يجب تعريفه كالمثالين وقرئ بإضافة آل الى ياسين لانهما في المصحف مفصولان فيكون ياسين أبا الياس

١٣١

إنا كذلك نجزى المحسنين

١٣٢

 إنه من عبادنا المؤمنين مر تفسيره

١٣٣

انظر تفسير الآية: ١٣٥

١٣٤

انظر تفسير الآية: ١٣٥

١٣٥

وإن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه أي اذكر وقت تنجيتنا إياه

وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين أي الباقين في العذاب أو الماضين الهالكين

١٣٦

ثم دمرنا الآخرين فإن في ذلك شواهد على جلية امره وكونه من جملة المرسلين

١٣٧

وإنكم يا أهل مكة

لتمرون عليهم على منازلهم في متاجركم الى الشأم وتشاهدون آثار هلاكهم فإن سدوم في طريق الشأم

مصبحين داخلين في الصباح

١٣٨

و بالليل أي ومساء أونهارا أو ليلا ولعلها وقعت بقرب منزل يمر بها المرتحل عنه صباحا والقاصد له مساء

أفلا تعقلون أتشاهدون ذلك فلا تعقلون حتى تعتبروا به وتخافوا ان يصيبكم مثل ما أصابهم

١٣٩

وإن يونس لمن المرسلين وقرئ بكسر النون

١٤٠

إذ أبق أي هرب وأصله الهرب من السيد لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه حسن إطلاقه عليه

الى الفلك المشحون أي المملوء

١٤١

فساهم فقارع اهله

فكان من المدحضين فصار من المغلوبين بالقرعة وأصله المزلق عن مقام الظفر روى أنه عليه الصلاة و السلام لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره اللّه تعالى به فركب السفينة فوقفت فقالوا فيها عبد ابق فاقترعوا فخرجت القرعة عليه فقال أنا الابق ورمى بنفسه في الماء

١٤٢

فالتقمه الحوت فابتعله من اللقمة

وهو مليم داخل في الملامة أو آت بما يلام عليه أو مليم نفسه وقرئ مليم بالفتح مبنيا من ليم كمشيب في مشوب

١٤٣

فلولا أنه كان من المسبحين الذاكرين اللّه كثيرا بالتسبيح مدة عمره أو في بطن الحوت وهو قوله لا إله إلا انت سبحانك إنى كنت من الظالمين

وقيل من المصلين فإنه عليه الصلاة و السلام كان كثير الصلاة في الرخاء

١٤٤

للبث في بطنه الى يوم يبعنون حيا

وقيل ميتا وفيه حث على أكثار الذكر وتعظيم لشأنه ومن أقبل عليه في السراء أخذ بيده عند الضراء

١٤٥

فنبذناه بالعراء بأن حملنا الحوت على لفظه بالمكان الخالي عما يغطيه من شجر او نبت روى

أن الحوت سار مع السفينة رافعا رأسا يتنفس فيه يونس عليه السلام ويسبح ولم يفارقهم حتى انتهو الى البر فلفظه سالما لم يتغير منه شئ فأسلموا وروى ان الحوت قذفه بساحل قرية من الموصل واختلف في مقدار لبثه فقيل أربعون يوما

وقيل عشرون

وقيل سبعة وقيل ثلاثة

وقيل لم يلبث إلا قليلا ثم أخرج من بطنه بعيد الوقت الذي التقم فيه روى عطاء انه حين ابتعله اوحى اللّه تعالى الى الحوت إنى جعلت بطنك له سجنا ولم أجعله لك طعاما وهو سقيم مما ناله قيل صار بدنه كبدن الطفل حين يولد

١٤٦

وأنبتنا عليه أي فوقه مظلة عليه

شجرة من يقطين وهو كل ما ينبسط على الارض ولا يقوم على ساق كشجر البطيخ والقثاء والحنظل وهو يفعيل من قطن بالمكان إذا أقام به والأكثرون على أنه الدباء غطته بأوراقها عن الذباب فإنه لا يقع عليه ويدل عليه انه قيل لرسول اللّه إنك تحب القرع قال أجل هي شجرة أخي يونس

وقيل هي التين

وقيل الموز تغطى بورقه واستظل بأغصانه وأفطر على ثماره

وقيل كان يستظل بالشجرة وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها

١٤٧

وأرسلناه الى مائة الف هم قومه الذين هرب منهم وهم أهل نينوى والمراد به إرساله السابق أخبر أولا بأنه من المرسلين على الإطلاق ثم اخبر بانه قد أرسل الى امة جمة وكأن توسيط تذكير وقت هربه الى الفلك وما بعده بينهما لتذكير سببه وهو ما جرى بينه عليه الصلاة و السلام وبين قومه من إنذاره إياهم عذاب اللّه تعالى وتعيينه لوقت حلوله وتعللّهم وتعليقهم لإيمانهم بظهور أماراته كما مر تفصيله في سورة يونس ليعلم أن إيمانهم الذي سيحكى بعد لم يكن عقيب الإرسال كما هو المتبادر من ترتيب الايمان عليه بالفاء بل بعد اللتيا والتي

وقيل هو إرسال آخر إليهم

وقيل الى غيرهم وليس بظاهر

أو يزيدون أي في مرأى الناظر فإنه إذا نظر اليهم قال إنهم مائة الف او يزيدون والمراد هو الوصف بالكثرة وقرئ بالواو

١٤٨

فآمنوا أي بعد ما شاهدوا علائم حلول العذاب إيمانا خالصا

فمتعناهم أي بالحياة الدنيا

الى حين قدره اللّه سبحانه لهم قيل ولعل عدم ختم هذه القصة وقصة لوط بما ختم به سائر القصص للتفرقة بينهما وبين أرباب الشرائع وأولى العزم من الرسل أو اكتفاء بالتسليم بالشامل لكل الرسل المذكورين في آخر السورة

١٤٩

فاستفتهم امر اللّه عز و جل في صدر السورة الكريمة رسوله بتبكيت قريش وإبطال مذهبهم في إنكار البعث بطريق الاستفتاء وساق البراهين القاطعة الناطقة بتحققه لا محالة وبين وقوعه وما سيلقونه عند ذلك من فنون العذاب واستثنى منهم عباده المخلصين وفصل ما لهم من النعيم المقيم ثم ذكر انه قد ضل من قبلهم اكثر الاولين وأنه تعالى ارسل إليهم منذرين عل وجه الاجمال ثم أورد قصص كل واحد منهم على وجه التفصيل مبينا في كل قصة منها أنهم من عباده تعالى واصفا لهم تارة بالإخلاص وأخرى بالايمان ثم امره ههنا بتبكيتهم بطريق الاستفتاء عن وجه أمر منكر خارج عن العقول بالكلية وهي القسمة الباطلة اللازمة لما كانوا عليه من الاعتقاد الزائغ حيث كانوا يقولون كبعض أجناس العرب جهينة وبنى سلمة وخزاعة وبنى مليح الملائكة بنات اللّه والفاء لترتيب الامر على ما سبق من كون أولئك الرسل الذين هم أعلام الخلق عليهم الصلاة والسلام عباده تعالى فإن ذلك مما يؤكد التبكيت ويظهر بطلان مذهبهم الفاسد ثم تبكيتهم بما يتضمنه كفرهم المذكور من الاستهانة بالملائكة بجعلهم إناثا ثم أبطل أصل كفرهم المنطوى على هذين الكفرين وهو نسبة الولد إليه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ولم ينظمه في سلك التبكيت لمشاركتهم النصارى في ذلك أي فاستخبرهم

ألربك البنات اللاتى هن أوضع الجنسين

ولهم البنون الذين هم أرفعهما فإن ذلك مما لا يقول به من له أدنى شئ من العقل وقوله تعالى

١٥٠

أم خلقنا الملائكة إناثا إضراب وانتقال من التبكيت بالاستفتاء السابق الى التبكيت بهذا كما اشير إليه أي بل اخلقنا الملائكة الذين هم من أشرف الخلائق وأبعدهم من صفات الاجسام ورذائل الطبائع إناثا والانوثة من أخس صفات الحيوان وقوله تعالى

وهم شاهدون استهزاء بهم وتجهيل لهم كقوله تعالى اشهدوا خلقهم وقوله تعالى ما أشهدتهم خلق السموات والارض والا خلق انفسهم فإن أمثال هذه الامور لا تعلم بالمشاهدة إذ لا سبيل الى معرفتها بطريق العقل وانتفاء النقل مما لا ريب فيه فلا بد ان يكون القائل بأنوثتهم شاهدا عند خلقهم والجملة إما حال من فاعل خلقنا أي بل أخلقناهم إناثا والحال انهم حاضرون حينئذ او عطف على خلقنا أي بل أهم شاهدون وقوله تعالى

١٥١

١٥٢

 ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد اللّه استثناف من جهته غير داخل تحت الامر بالاستفتاء مسبوق لإبطال أصل مذهبهم الفاسد ببيان ان مبناه ليس إلا الإفك الصريح والافتراء القبيح من غير ان يكون لهم دليل أو شبهة قطعا

وإنهم لكاذبون في قولهم ذلك كذبا بينا لا ريب فيه وقرئ ولد اللّه على انه خبر مبتدأ محذوف أي الملائكة ولده تعالى عن ذلك علوا كبيرا فإن الولد فعل بمعنى مفعول يستوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث

١٥٣

اصطفى البنات على البنين إثبات لإفكهم وتقرير لكذبهم فيما قالوا ببيان استلزامه لأمر بين الاستحالة هو اصطفاؤه تعالى البنات على النبين والاصطفاء أخذ صفوة الشئ لنفسه وقرئ بكسر الهمزة على حذف حرف الاستفهام ثقة بدلالة القرائن عليه وجعله بدلا من ولد اللّه ضعيف وتقدير القول أي لكاذبون في قولهم اصطفى الخ تعسف بعيد

١٥٤

مالكم كيف تحكمون بهذا الحكم الذي يقضى ببطلانه بديهة العقل

١٥٥

أفلا تذكرون بحذف إحدى التاءين من تتذكرون وقرئ تذكرون من ذكر والفاء للعطف على مقدر أي ألا تلاحظون ذلك فلا تتذكرون بطلانه فإنه مركوز في عقل كل ذكى وغبى

١٥٦

ام لكم سلطان مبين إضراب وانتقال من توبيخهم وتبكيتهم بما ذكر الى تبكيتهم بتكليفهم ما لا يدخل تحت الوجود اصلا أي بل الكم حجة واضحة نزلت عليكم من السماء بأن الملائكة بناته تعالى ضرورة أن الحكم بذلك لا بد له من سند حسى أو عقلى وحيث انتفى كلاهما فلا بد من سند نقلى

١٥٧

فأتوا بكتابكم الناطق بصحة دعواكم

إن كنتم صادقين فيها وفي هذه الآيات من الانباء عن السخط العظيم والإنكار الفظيع لأقاويلهم والاستبعاد الشديد لأباطيلهم وتسفيه احلامهم وتركيك عقولهم وأفهامهم مع استهزاء بهم وتعجيب من جهلهم ما لا يخفى على من تأمل فيها وقوله تعالى

١٥٨

وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا التفات الى الغيبة للإيذان بانقطاعهم عن الجواب وسقوطهم عن درجة الخطاب واقتضاء حالهم ان يعرض عنهم وتحكى جناياتهم لآخرين والمراد بالجنة الملائكة قالوا الجنس واحد ولكن من خبث من الجن ومردوكان شرا كله فهو شيطان ومن طهر منهم ونسك وكان خيرا كله فهو ملك وإنما عبر عنهم بذلك الاسم وضعا منهم وتقصيرا بهم مع عظم شأنهم فيما بين الخلق أن يبلغوا منزلة المناسبة التي أضافوها اليهم فجعلهم هذا عبارة عن قولهم الملائكة بنات اللّه وإنما اعيد ذكره تمهيدا لما يعقبه من قوله تعالى

ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون أي وباللّه لقد علمت الجنة التي عظموها بأن جعلوا بينها وبينه تعالى نسبا وهم الملائكة أن الكفرة لمحضرون النار معذبون بها لكذبهم وافترائهم في قولهم ذلك والمراد به المبالغة في التكذيب ببيان ان الذين يدعى هؤلاء لهم تلك النسبة ويعلمون انهم أعلم منهم بحقيقة الحال يكذبونهم في ذلك ويحكمون بأنهم معذبون لأجله حكما مؤكدا

وقيل إن قوما من الزنادقة يقولون اللّه تعالى وإبليس إخوان فاللّه هو الخير الكريم وإبليس هوالشرير اللئيم وهو المراد بقوله تعالى وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا قال الامام الرازي وهذا القول عندي اقرب الاقاويل وهو مذهب المجوس القائلين بيزدان واهر من ويعبرون عنهما بالنور والظلمة وقال مجاهد قالت قريش الملائكة بنات اللّه فقال ابو بكر الصديق رضى اللّه عنه فمن امهاتهم تبكيتا لهم فقالوا سروات الجن

وقيل معنى جعلوا بينه وبين الجنة نسبا جعلوا بينهما مناسبة حيث اشركوا به تعالى الجن في استحقاق العبادة فعلى هذه الأقاويل يجوز ان يكون الضمير في إنهم لمحضرون للجنة فالمعنى لقد علمت الشياطين أن اللّه تعالى يحضرهم النار ويعذبهم بها ولو كانوا مناسبين له تعالى أو شركاء في استحقاق العبادة لما عذبهم والوجه هو الأول فإن قوله

١٥٩

سبحان اللّه عما يصفون حكاية لتنزيه الملائكة إياه تعالى عما وصفه المشركون به بعد تكذيبهم لهم في ذلك بتقدير قول معطوف على علمت وقوله تعالى

١٦٠

إلا عباد اللّه المخلصين شهادة منهم ببراءة المخلصين من أن يصفوه تعالى بذلك متضمنة لتبرئهم منه بحكم اندراجهم في زمرة المخلصين على ابلغ وجه وآكده على انه استثناء منقطع من واو يصفون كأنه قيل ولقد علمنت الملائكة ان المشركين لمعذبون لقولهم ذلك وقالوا سبحان اللّه عما يصفونه به لكن عباد اللّه الذين من جملتهم برءاء من ذلك الوصف وقوله تعالى

١٦١

١٦٢

 فإنكم وما تعبدون ما انتم عليه بفاتنين تعليل وتحقيق لبراءة المخلصين مما ذكر ببيان عجزهم عن إغوائهم وإضلالهم والالتفات الى الخطاب لإظهار كمال الاعتناء بتحقيق مضمون الكلام وما تعبدون عبارة عن الشياطين الذين اغووهم وفي إيذان بتبرئهم عنهم وعن عبادتهم كقولهم بل كانوا يعبدون الجن وما نافيه وانتم خطاب لهم ولمعبوديهم تغليبا وعلى متعلقة بفاتنين يقال فتن فلان على فلان امرأته أي أفسدها عليه والمعنى فإنكم ومعبوديكم أيها المشركون لستم بفاتنين عليه تعالى بإفساد عباده وإضلالهم

١٦٣

إلا من هو صال الجحيم منهم أي داخلها لعلمه تعالى بأنه يصير على الكفر بسوء اختياره ويصير من اهل النار لا محاله وأما المخلصون منهم فأنتم بمعزل من إفسادهم وإضلالهم فهم لا جرم برءاء من ان يفتتنوا بكم ويسلكوا مسلككم في وصفه تعالى بما وصفتموه به وقرئ صال بضم اللام على انه جمع محمول على معنى من قد سقط واوه لالتقاء الساكنين وقوله تعالى

١٦٤

وما منا إلا له مقام معلوم تبيين لجلية امرهم وتعيين لحيزهم في موقف العبودية بعد ما ذكر من تكذيب الكفرة فيما قالوا وتنزيه اللّه تعالى عن ذلك وتبرئة المخلصين عنه وإظهار لقصور شأنهم وقمائتهم أي ومامنا إلا له مقام معلوم في العبادة والانتهاء الى امر اللّه تعالى مقصور عليه لا يتجاوزه ولا يستطيع ان يزيل عنه خضوعا لعظمته وخشوعا لهيبته وتواضعا لجلاله كما روى فمنهم راكع لا يقيم صلبه وساجد لا يرفع رأسه قال ابن عباس رضى اللّه عنهما ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلى او يسبح وروى أنه قال أطت السماء وحق لها ان تئط والذي نفسي بيده ما فيها موضع اربع اصابع إلا وفيه ملك واضع جبهته ساجد للّه تعالى وقال السدي إلا له مقام معلوم في القربة والمشاهدة

١٦٥

وإنا لنحن الصافون في مواقف الطاعة ومواطن الخدمة

١٦٦

وإنا لنحن المسبحون المقدسون للّه سبحانه عن كل ما لا يليق بجناب كبريائه وتحلية كلامهم بفنون التأكيد لإبراز ان صدوره عنهم بكمال الرغبة والنشاط هذا هو الذي تقتضيه جزالة التنزيل وقد ذكر في تفسير الآيات الكريمة وإعرابها وجوه أخر فتأمل واللّه الموفق

١٦٧

وإن كانوا ليقولون إن هي المخففة من الثقيلة وضمير الشأن محذوف واللام هي الفارقة أي إن الشأن كانت قريش تقول

١٦٨

لو أن عندنا ذكرا من الاولين أي كتابا من كتب الاولين من التوارة والانجيل

١٦٩

لكنا عباد اللّه المخلصين أي لأخلصنا العبادة للّه تعالى ولما خالفنا كما خالفوا وهذا كقولهم لئن جاءنا نذير لنكونن أهدى من إحدى الامم والفاء في قوله تعالى

١٧٠

فكفروا به فصيحة كما في قوله تعالى فقلنا اضرب بعصاك البحر فانفلق أي فجاءهم ذكر واي ذكر سيد الاذكار وكتاب مهيمن على سائر الكتب والاسفار فكفروا به

فسوف يعلمون أي عاقبه كفرهم وغائلته

١٧١

ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين استئناف مقرر للوعيد وتصديره بالقسم لغاية الاعتناء بتحقيق مضمونه أي وباللّه لقد سبق وعدنا لهم بالنصرة والغلبا هو قوله تعالى

١٧٢

١٧٣

إنهم لهم المنصورون وإن جندنا وهم اتباع المرسلين

لهم الغالبون علىأعدائهم في الدنيا والاخرة ولا يقدح في ذلك انهزامهم في بعض المشاهد فإن قاعدة امرهم وأساسه الظفر والنصرة وإن وقع في تضاعيف ذلك شوب من الابتلاء والمحنة والحكم للغالب وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما إن لم ينصروا في الدنيا نصروا في الآخرة وقرئ على عبدنا بتضمين سبقت معنى حقت وتسميتها كلمة مع أنها كلمات لانتظامها في معنى واحد وقرئ كلماتنا

١٧٤

فتول عنهم فأعرض عنهم واصبر

حتى حين الى مدة يسيرة وهي مدة الكف عن القتال

وقيل يوم بدر

وقيل يوم الفتح

١٧٥

وأبصرهم عل أسوأ حال وأفظع نكال حل بهم من القتل والأسر والمراد بالامر بابصارهم الإيذان بغاية قربه كأنه بين يديه

فسوف يبصرون ما يقع حينئد من الامور وسوف للوعيد دون التبعيد

١٧٦

أفبعذابنا يستعجلون روى أنه لما نزل فسوف يبصرون قالوا متى هذا فنزل

١٧٧

فإذا نزل بساحتهم أي فإذا نزل العذاب الموعود بفنائهم كأنه جيش قد هجمهم فأناخ بفنائهم بغتة فشن عليهم الغارة وقطع دابرهم بالمرة

وقيل المراد نزول رسول اللّه يوم الفتح وقرئ نزل بساحتهم على إسناده الى الجار والمجرور وقرئ نزل مبنيا للمفعول من التنزيل أي نزل العذاب

فساء صباح المنذرين فبئس صباح المنذرين صباحهم واللام للجنس والصباح مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب ولما كثرت منهم الغارة في الصباح سموها صباحا وإن وقعت ليلا روى أن رسول اللّه لما أتى خيبر وكانوا خارجين الى مزارعهم ومعهم المساحى قالوا محمد والخميس ورجعهم الى حصنهم فقال اللّه اكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين

١٧٨

انظر تفسير الآية: ١٧٩

١٧٩

 فتول عنهم حتى حين وابصر فسوف يبصرون تسلية لرسول اللّه إثر تسلية وتاكيد لوقوع الميعاد غب تأكيد مع ما في إطلاق الفعلين عن المفعول من الإيذان بأن ما يبصره حينئذ من فنون المسار وما يبصرونه من انواع المضار لا يحيط به الوصف والبيان

وقيل أريد بالاول عذاب الدنيا وبالثاني عذاب الآخرة

١٨١

سبحان ربك رب العزة عما يصفون تنزيه للّه سبحانه عن كل ما يصفه المشركون به مما لا يليق بجناب كبريائه وجبروته مما ذكر في السورة الكريمة ومالم يذكر من الامور التي من جملتها ترك انجاز الموعود على موجب كلمته السابقة لا سيما في حق رسول اللّه كما ينبىء عنه التعرض لعنوان الربويية المعربة عن التربية والتكميل والمالكية الكلية مع الاضافة الى ضميره اولا والى العزة ثانيا كأنه قيل سبحان من هو مر بيك ومكملك ومالك العزة والغلبة على الاطلاق عما يصفه المشركون به من الاشياء التي منها ترك نصرتك عليهم كما يدل عليه استعجالهم بالعذاب وقوله تعالى

١٨٢

وسلام على المرسلين تشريف لهم عليهم السلام بعد تنزيهه تعالى عما ذكر وتنويه بشأنهم وايذان بأنهم سالمون عن كل المكاره فائزون بجميع المآرب وقوله تعالى

١٨٢

والحمد للّه رب العالمين اشارة الى وصفه عز و جل بصفاته الكريمة الثبوتية بعد التنبيه على اتصافه تعالى بجميع صفاته السلبية وايذان باستتباعها للافعال الجميلة التي من جملتها افاضته عليهم من فنون الكرامات السنية والكمالات الدينية والدنيوية واسباغه عليهم وعلى من تبعهم صنوف النعماء الظاهرة والباطنة الموجبة لحمده تعالى واشعار بأن ما وعده من النصرة والغلبة قد تحققت والمراد تنبيه المؤمنين على كيفية تسبيحه تعالى وتحميده والتسليم على رسله الذين هم وسايط بينهم وبينه عز وعلا في فيضان الكمالات الدينية والدنيوية عليهم ولعل توسيط التسليم على المرسلين بين تسبيحه تعالى وتحميده لختم السورة الكريمة بحمده تعالى مع ما فيه من الاشعار بأن توفيقه تعالى للتسليم عليهم من جملة الموجبة للحمد عن علي رضي اللّه عنه من احب ان يكتال بالمكيال الاوفى من الاجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه اذا قام من مجلسه سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد للّه رب العالمين عن رسول اللّه من قرأ الصآفات اعطى من الاجر عشر حسنات بعدد كل جني وشيطان وتباعدت منه مردة الشياطين وبرىء من الشرك وشهد له حافظاه يوم القيامة انه كان مؤمنا بالمرسلين

﴿ ٠