ÓõæÑóÉõ Õۤ ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ËóãóÇäò æóËóãóÇäõæäó ÂíóÉð سورة ص مكية وآياتها ثمان وثمانون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١ ص بالسكون على الوقف وقرىء بالكسر والفتح لالتقاء الساكنين ويجوز ان يكون الفتح بإضمار حرف القسم في موضع الجر كقولهم اللّه لافعلين بالجر وان يكون ذلك نصبا بإضمار اذكر او اقر الا فتحا كما مر في فاتحة سورة البقرة وامتناع الصرف للتعريف والتأنيث لانها علم للسورة وقد صرفها من قرا صاد بالتنوين على انه اسم الكتاب او التنزيل وقيل هو في قراءة الكسر امر من المصاداة وهي المعارضة والمقابلة ومنها الصدى الذي ينعكس من الاجسام الصلبة بمقابلة الصوت ومعناه عارض القرآن بعملك فاعمل بأوامره وانته عن نواهيه وتخلق بأخلاقه ثم ان جعل اسما للحرف مسرودا على منهاج التحدي او الرمز الى كلام مثل صدق اللّه او صدق محمد كما نقل عن اكابر السلف او اسما للسورة خبرا لمبتدا محذوف او نصبا على اضمار اذكر او اقرا او امرا من المصاداة قالوا وفي قوله تعالى والقرآن ذي الذكر للقسم وان جعل مقسما به فهي للعطف عليه فإن اريد بالقرآن كله فالمغايرة بينهما حقيقة وان اريد عين السورة فهي اعتبارية كما في قولك مررت بالرجل الكريم وبالنسبة المباركة وايا ما كان ففي التكرير مزيد تأكيد لمضمون الجملة المقسم عليها والذكر الشرف والنباهة كما في قوله تعالى وانه لذكر لك ولقومك او الذكرى والموعظة او ذكر ما يحتاج اليه في امر الدين من الشرائع والاحكام وغيرها من اقاصيص الانبياء عليهم الصلاة والسلام واخبار الامم الدارجة والوعد والوعيد وجواب القسم على الوجه الأول والرابع والخامس محذوف هو ما ينبىء عنه التحدي والامر والاقسام به من كون المتحدي به معجزا وكون المأمور به واجبا وكون المقسم به حقيقا بالاعظام أي اقسم بالقرآن او بصاد وبه إنه لمعجز او لواجب العمل به او لحقيق بالاعظام وأما على الوجهين الباقيين فهو الكلام المرموز اليه ونفس الجملة المذكورة قبل القسم فإن التسمية تنويه بشأن المسمى وتنبيه على عظم خطره أي انه لصادق والقرآن ذي الذكر او هذه السورة عظيمة الشأن والقرآن الخ على طريقة قولهم هذا حاتم واللّه ولما كان كل واحد من هذه الاجوبة منبئا عن انتفاء الريب عن مضمونه بالكلية انباء بينا كان قوله تعالى ٢ بل الذين كفروا في عزة وشقاق اضرابا عن ذلك كأنه قيل لا ريب فيه قطعا وليس عدم اذعان الكفرة له لشائبة ريب ما فيه بل هم في استكبار وحمية شديدة وشقاق بعيد للّه تعالى ولرسوله ولذلك لا يذعنون له وقيل الجواب ما دل عليه الجملة الاضرابية أي ما كفر به من كفر لخلل وجده فيه بل الذين كفروا الخ وقرىء في غرة أي في غفلة عما يجب عليهم التنبه له من مبادى الايمان ودواعيه ٣ كم اهلكنا من قبلهم من قرن وعيد لهم على كفرهم واستكبارهم ببيان ما اصاب من قبلهم من المستكبرين وكم مفعول اهلكنا ومن قرن تمييز والمعنى وقرنا كثيرا اهلكنا من القرون الخالية فنادوا عند نزول بأسناو حلول نقمتنا استغاثة وتوبة لينجوا من ذلك وقوله تعالى ولات حين مناص حال من ضمير نادوا اي نادوا واستغاثوا طلبا للنجاة والحال ان ليس الحين حين مناص أي فوت ونجاة من ناصه أي فاته لا من ناص بمعنى تأخر ولا هي المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب وثم وخصت بنفي الاحيان ولم يبرز الا احد معموليها والاكثر حذف اسمها وقيل هي النافية للجنس زيدت عليها التاء وخصت بنفي الاحيان وحين مناص منصوب على انه اسمها أي ولا حين مناص لهم او بفعل مضمر أي ولا ارى حين مناص وقرىء بالرفع فهو على الأول اسمها والخبر محذف و اي وليس حين مناص حاصلا لهم وعلى الثاني مبتدا محذوف الخبر أي ولا حين مناص كائن لهم وقرىء بالكسر كما في قوله طلبوا صلحنا ولات او ان فأجبنا ان لات حين بقاء إما لأن لات تجر الاحيان كما أن لولا تجر الضمائر في نحو قوله لولاك هذا العام لم أحج أو لأن أوان شبه بإذ في قوله ... نهيتك عن طلابك أم عمرو ... بعافية وأنت إذ صحيح ... في أنه زمان قطع منه المضاف إليه وعوض التنوين لأن أصله أو أن صلح ثم حمل عليه حين مناص تنزيلا لقطع المضاف إليه من مناص إذ أصله حين مناصهم منزلة قطعة من حين لما بين المضافين من الاتحاد ثم بنى الحين لإضافته الى غير متمكن وقرئ لات بالكسر كجير ويقف الكوفيون عليها بالهاء كالاسماء والبصريون بالتاء كالافعال وما قيل من أن التاء مزيدة على حين لاتصالها به في الامام مما لا وجه له فإن خط المصحف خارج عن القياس ٤ وعجبوا أن جاءهم منذر منهم حكاية لأباطيلهم المتفرعة على ما حكى من استكبارهم وشقاقهم أي عجبوا من أن جاءهم رسول من جنسهم بل أدون منهم في الرياسة الدنيوية والمال على معنى انهم عدوا ذلك امرا عجيبا خارجا عن احتمال الوقوع وأنكروه أشد الانكار لا أنهم اعتقدوا وقوعه وتعجبوا منه وقال الكافرون وضع فيه الظاهر موضع الضمير غضبا عليهم وإيذانا بأنه لا يتجاسر على مثل ما يقولونه إلا المتوغلون في الكفر والفسوق هذا ساحر فيما يظهره من الخوارق كذاب فيما يسنده الى اللّه تعالى من الإرسال والإنزال ٥ أجعل الألهة إلها واحدا بأن نفى الالوهية عنهم وقصرها على واحد إن هذا لشيء عجاب بليغ في العجب وذلك لأنه خلاف ما ألفوا عليه آباءهم الذين أجمعوا على ألوهيتهم وواظبوا على عبادتهم كابرا عن كابر فإن هذا مدار كل ما يأتون وما يذرون من أمور دينهم هو التقليد والاعتياد فيعدون ما يخالف ما اعتادوه عجيبا بل محالا وأما جعل مدار تعجبهم عدم وفاء علم الواحد وقدرته بالاشياء الكثيرة فلا وجه له لما أنهم لا يدعون أن لالهتهم علما وقدرة ومدخلا في حدوث شئ من الاشياء حتى يلزم من نفى ألوهيتهم بقاء الآثار بلا مؤثر وقرئ عجاب بالتشديد وهو أبلغ ككرام وكرام روى انه لما أسلم عمر رضى اللّه عنه شق ذلك على قريش فاجتمع خمسة وعشرون من صناديدهم فأتوا ابا طالب فقالوا انت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء وقد جئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك فاستحضر رسول اللّه وقال يا أبن اخى هؤلاء قومك يسالونك السؤال فلا تمل كل الميل على قومك فقال ماذا تسألوننى قالوا رفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك فقال أرايتم إن أعطيتكم ما سألتم امعطى انتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم قالوا نعم وعشرا فقال قولوا لا إله إلا اللّه فقاموا وقالوا ذلك ٦ وانطلق الملأ منهم أي وانطلق الاشراف من قريش عن مجلس ابي طالب بعد ما بكتهم رسول اللّه بالجواب العتيد وشاهدوا تصلبه في الدين وعزيمته على أن يظهره على الدين كله ويئسوا مما كانوا يرجونه بتوسط ابى طالب من المصالحة على الوجه المذكور ان امشوا أي قائلين بعضهم لبعض على وجه النصيحة امشوا واصبروا عل آلهتكم أي واثبتوا على عبادتها متحملين لما تسمعونه في حقها من القدح وأن هي المفسرة لأن الانطلاق عن مجلس التقاول لا يخلو عن القول وقيل المراد بالانطلاق الاندفاع في القول وامشوا من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها ومنه الماشية للتفاؤل أي اجتمعوا وكثروا وقرئ امشوا بغير أن على إضمار القول وقرئ يمشون ان اصبروا إن هذا الشيء يراد تعليل للأمر بالصبر او لوجوب الامتثال به أي هذا الذي شاهدناه من محمد من أمر التوحيد ونفى آلهتنا وإبطال امرها لشئ يراد أي من جهته إمضاؤه وتنفيذه لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه لاقول يقال من طرف اللسان أو أمر يرجى فيه المسامحة بشفاعة أو امتنان فاقطعوا أطماعكم عن استنزاله من رأيه بوساطة ابي طالب وشفاعته وحسبكم أن لا تمنعوا من عبادة آلهتكم بالكلية فاصبروا عليها وتحملوا ما تسمعونه في حقها من القدح وسوء القالة وقيل إن هذا الأمر لشئ يريده اللّه تعالى ويحكم بإمضائه وما أراد اللّه كونه فلا مرد له ولا ينفع فيه إلا الصبر وقيل إن هذا الأمر لشئ من نوائب الدهر يراد بنا فلا انفكاك لنا منه وقيل إن دينكم لشئ يراد أي يطلب ليؤخذ منكم وتغلبوا عليه وقيل إن هذا الذي يدعيه من التوحيد أو يقصده من الرياسة والترفع على العرب والعجم لشئ يتمنى ويريده كل أحد فتامل في هذه الاقاويل واختر منها ٧ ما يساعده النظم الجليل ما سمعنا بهذا الذي يقوله في الملة الآخرة أي الملة النصرانية التي هي آخر الملل فإنهم مثلثة او في الملة التي أدركنا عليها آباءنا ويجوز أن يكون الجار والمجرور حالا من هذا أي ما سمعنا بهذا من اهل الكتاب ولا الكهان كائنا في الملة المترقبة ولقد كذبوا في ذلك أقبح كذب فإن حديث البعثة والتوحيد كان أشهر الأمور قبل الظهور إن هذا أي ما هذا إلا اختلاق أي كذب اختلقه ٨ أأنزل عليه الذكر أي القران من بيننا ونحن رؤسا الناس وأشرافهم كقولهم لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ومرداهم إنكار كونه ذكرا منزلا من عند اللّه عز و جل كقولهم لو كان خيرا ما سبقونا إليه وامثال هذه المقالات الباطلة دليل على ان مناط تكذيبهم ليس إلا الحسد وقصر النظر على الحطام الدنيوى بل هم في شك من ذكرى أي من القرآن او الوحي لميلهم الى التقليد وإعراضهم عن النظر في الادلة المؤدية الى العلم بحقيته وليس في عقيدتهم ما يبتون به فهم مذبذبون بين الاوهام ينسبونه تارة الى السحر وأخرى الى الاختلاق بل لما يذوقوا عذاب أي بل لم يذوقوا بعد عذابى فإذا ذاقوه تبين لهم حقيقة الحال وفي لما دلالة على أن ذوقهم على شرف الوقوع والمعنى انهم لا يصدقون به حتى يمسهم العذاب وقيل لم يذوقوا عذابى الموعود في القرآن ولذلك شكوا فيه ٩ أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب بل أعندهم خزائن رحمته تعالى يتصرفون فيها حسبما يشاءون حتى يصيبوا بها من شاءوا ويصرفوها عمن شاءوا ويتحكموا فيها بمقتضى آرائهم فيتخيروا للنبوة بعض صناديدهم والمعنى ان النبوة عطية من اللّه عز و جل يتفضل بها على من يشاء من عباده المصطفين لا مانع له فإنه العزيز أي الغالب الذي لا يغالب الوهاب الذي له ان يهب كل ما يشاء لكل من يشاء وفي إضافة اسم الرب المنبئ عن التربية والتبليغ الى الكمال الى ضميره من تشريفه واللطف به ما لا يخفى وقوله تعالى ١٠ أم لهم ملك السموات والارض وما بينهما ترشيح لما سبق أي بل ألهم ملك هذه العوالم العلوية والسفلية حتى يتكلموا في الامور الربانية ويتحكموا في التدابير الإلهية التي يستأثر بها رب العزة والكبرياء وقوله تعالى فليرتقوا في الاسباب جواب شرط محذوف أي إن كان لهم ما ذكر من الملك فليصعدوا في المعارج والمناهج التي يتوصل بها الى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم وينزلوا الوحى إلى من يختارون ويستصوبون وفيه من التهكم بهم ما لا غاية وراءه والسبب في الاصل هو الوصلة وقيل المراد بالاسباب السموات لأنها اسباب الحوادث السفلية وقيل أبوابها جند ما هنالك مهزوم من الاحزاب أي هم ١١ جند ما من الكفار المتحزبين عل الرسل مهزوم مكسور عما قريب فلا تبال بما يقولون ولا تكترث بما يهذون وما مزيده للتقليل والتحقير نحو قولك أكلت شيئا ما وقيل للتعظيم على الهزء و هنالك إشارة الى حيث وضعوا فيه انفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم وقوله تعالى ١٢ كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد الخ استئناف مقرر لمضمون ما قبله ببيان احوال العتاة الطغاة الذين هؤلاء جند ما من جنودهم مما فعلوا من التكذيب وفعل بهم من العقاب وذو الأوتاد معناه ذو الملك الثابت اصله من ثبات البيت المطنب بأوتاد فاستعير لثبات الملك ورسوخ السلطنة واستقامة الأمر قال الأسود بن يعفر ... ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة ... في ظل ملك ثابت الأوتاد ... او ذو الجموع الكثيرة سموا بذلك لأن بعضهم يشد بعضا كالوتد يشد البناء وقيل نصب اربع سوار وكان يمد يدي المعذب ورجليه إليهما ويضرب عليها اوتادا ويتركه حتى يموت وقيل كان يمده بين اربعة اوتاد في الأرض ويرسل عليه العقاب والحيات وقيل كانت له اوتاد وحبال يلعب بها بين يديه ١٣ وثمود وقوم لوط واصحاب الأيكة اصحاب الغيضة من قوم شعيب عليه السلام وقوله تعالى اولئك الأحزاب إما بدل من الطوائف المذكورة كما ان ذلك الكتاب بدل من الم على احد الوجوه وفيه فضل تأكيد و تنبيه على انهم الذين جعل الجند المهزوم منهم وقوله تعالى ١٤ إن كل إلا كذب الرسل استئناف جيء به تقريرا لتكذيبهم وبيانا لكيفيته وتمهيدا لما يعقبه أي ما كل احد من آحاد اولئك الأحزاب او الأحزاب او ما كل حزب منهم كذب الرسل لأن تكذيب واحد منهم تكذيب لهم جميعا لاتفاق الكل على الحق وقيل ما كل حزب إلا كذب رسوله على نهج مقابلة الجمع بالجمع وايا ما كان فالاستثناء مفرغ من اعم العلل في خبر المبتدأ أي ما كل احد منهم محكوما عليه بحكم الا محكوم عليه بأنه كذب الرسل وقيل ما كل واحد منهم مخبرا عنه بخبر الا مخبر عنه بأنه كذب الرسل وفي اسناد التكذيب الى الطوائف المذكورة على وجه الابهام اولا والايذان بأن كلا منهم حزب على حياله تحزب على رسوله ثانيا وتبيين كيفية تكذيبهم بالجملة الاستثنائية ثالثا فنون من المبالغة مسجلة عليهم باستحقاق اشد العذاب وافظعه ولذلك رتب عليه قوله تعالى فحق عقاب أي ثبت ووقع على كل منهم عقابي الذي كانت توجبه جناياتهم من اصناف العقوبات المفصلة في مواقعها وأما بالمبتدا وقوله تعالى ان كل الا كذب الرسل خبره بحذف العائد أي ان كل منهم الخ والجملة استئناف مقرر لما قبله مؤكد لمضمونه مع ما فيه من بيان كيفية تكذيبهم والتنبيه على انهم الذين جعل الجند المهزوم منهم كما ذكر وقيل هو مبتدا وخبر والمعنى ان الاحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هم وانهم الذين وجد منهم التكذيب فتدبر وأما ما قيل من انه خبر والمبتدا قوله تعالى وعاد الخ او قوله وقوم لوط الخ فما يجب تنزيه ساحة التنزيل عن امثاله ١٥ وما ينظر هؤلاء شروع في بيان عقاب كفار مكةإثر بيان عقاب أضرابهم من الاحزاب الذين أخبر فيما سبق بأنهم جند حقير منهم مهزوم عن قريب فإن ذلك مما يوجب انتظار السامع وترقبه الى بيانه قطعا وفي الاشارة اليهم بهؤلاء تحقير لشأنهم وتهوين لامرهم وأما جعله إشارة الى الاحزاب باعتبار حضورهم بحسب الذكر أو حضورهم في علم اللّه عز و جل فليس في حيز الاحتمال أصلا كيف لا والانتظار سواء كان حقيقة أو استهزاء إنما يتصور في حق من لم يترتب على أعماله نتائجها بعد وبعد ما بين عقاب الاحزاب واستئصالهم بالمرة لم يبق مما اريد بيانه من عقوباتهم أمر منتظر وإنما الذين في مرصد الانتظار كفار مكة حيث ارتكبوا من عظائم الجرائم وكبائر الجرائر الموجبة لأشد العقوبات مثل ما ارتكب الاحزاب أو أشد منه ولما يلاقوا بعد شيئا من غوائلها أي وما ينتظر هؤلاء الكفرة الذين هم أمثال أولئك الطوائف المهلكة في الكفر والتكذيب إلا صيحة واحدة هي النفخة الثانية لا بمعنى أن عقابهم نفسها بما فيها من الشدة والهول فإنها داهية يعم هولها جميع الأمم برها وفاجرها بل بمعنى أنه ليس بينهم وبين حلول ما أعدلهم من العقاب الفظيع إلا هي حيث أخرت عقوبتهم الى الاخرة لما أن تعذبهم بالاسئصال حسبما يستحقونه والنبي بين أظهرهم خارج عن السنة الإلهية المبنية على الحكم الباهرة كما نطق به قوله تعالى وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم وأما ما قيل من انها النفخة الاولى فمما لا وجه له أصلا لما أنه لا يشاهد هو لها ولا يصعق بها إلا من كان حيا عند وقوعها وليس عقابهم الموعود واقعا عقيبها ولا العذاب المطلق مؤخر إليها بل يحل بهم من حين موتهم مالها من فواق أي من توقف مقدار فواق وهو ما بين الحلبتين وقرئ بضم الفاء وهما لغتان وقوله تعالى ١٦ وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب حكاية لما قالوه عند سماعهم بتأخير عقابهم الى الاخرة أي قالوا بطريق الاستهزاء والسخرية عجل لنا قطنا من العذاب الذي توعدنا به ولا تؤخره الى يوم الحساب الذي مبدؤه الصيحة المذكورة والقط القطة من الشيء من قطه إذا قطعه ويقال لصحيفة الجائزة قط لأنها قطعة من القرطاس وقد فسر بها أي عجل لنا صحيفة اعمالنا لننظر فيها وقيل ذكر رسول اللّه وعد اللّه تعالى المؤمنين الجنة فقالوا على سبيل الهزء به عجل لنا نصيبنا منها وتصدير دعائهم بالنداء المذكور للإمعان في الاستهزاء كأنهم يدعون ذلك بكمال الرغبة والابتهال ١٧ اصبر على ما يقولون من أمثال هذه المقالات الباطلة وأذكر لهم عبدنا داود أي قصته تهويلا لأمر المعصية في أعينهم وتنبيها لهم على كمال قبح ما اجترءوا عليه من المعاصي فإنه مع علو شأنه واختصاصه بعظائم النعم والكرامات لما ألم بصغيرة نزل عن منزلته ووبخته الملائكة بالتمثيل والتعريض حتى تفطن فاستغفر ربه وأناب ووجد منه ما يحكى من بكائه الدائب وغمه الواصب وندمه الدائم فما الظن بهؤلاء الكفرة الأذلين من كل ذليل المرتكبين لأكبر الكبائر المصرين على أعظم المعاصي أو تذكر قصته عليه الصلاة و السلام وصن نفسك ان تزل فيما كلفت من مصابرتهم وتحمل أذيتهم كيلا يلقاك ما لقيه من المعاتبة ذا الأيد أي ذا القوة يقال فلان أيد وذو أيد وآد بمعنى وأياد كل شئ ما يتقوى به إنه أواب رجاع الى مرضاة اللّه تعالى وهو تعليل لكونه ذا الأيد ودليل على ان المراد به القوة في الدين فإنه عليه الصلاة و السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما ويقوم نصف الليل ١٨ إنا سخرنا الجبال معه استئناف مسوق لتعليل قوته في الدين و أو ابيته إلى مرضاته تعالى ومع متعلقة بالتسخير وإيثارها على اللام لما أشير إليه في سورة الانبياء من أن تسخير الجبال له عليه الصلاة و السلام لم يكن بطريق تفويض التصرف الكلى فيها إليه عليه الصلاة و السلام كتسخير الريح وغيرها لسليمان عليه السلام بل بطريق التبعية له عليه الصلاة و السلام والاقتداء به في عبادة اللّه تعالى وقيل متعلقة بما بعدها وهو أقرب بالنسبة الى ما في سورة الانبياء عليهم الصلاة والسلام يسبحن أي يقدسن اللّه عز و جل بصوت يتمثل له أو بخلق اللّه تعالى فيها الكلام أو بلسان الحال وقيل يسرن معه من السباحة وهو حال من الجبال وضع موضع مسبحات للدلالة على تجدد التسبيح حالا بعد حال واستئناف مبين لكيفية التسخير بالعشي والاشراق أي ووقت الاشراق وهو حين تشرق أي تضئ ويصفو شعاعها وهو وقت الضحى وأما شروقها فطلوعها يقال شرقت الشمس ولما تشرق وعن ام هانئ رضى اللّه عنها انه عليه الصلاة و السلام صلى صلاة الضحى وقال هذه صلاة الاشراق وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية ١٩ والطير عطف على الجبال محشورة حال من الطير والعامل سخرنا أي وسخرنا الطير حال كونها محشورة عن ابن عباس رضى اللّه عنهما كان إذا سبح جاوبته الجبال بالتسبيح واجتمعت اليه الطير فسبحت وذلك حشرها وقرئ والطير محشورة بالرفع على الابتداء والخبرية كل له أواب استئناف مقرر لمضمون ما قبله مصرح بما فهم منه إجمالا من تسبيح الطير أي كل واحد من الجبال والطير لأجل تسبيحه رجاع الى التسبيح ووضع الاواب موضع المسبح إما لانها كانت ترجع التسبيح والمرجع رجاع لانه يرجع الى فعله رجوعا بعد رجوع وأما لأن الأواب هو التواب الكثير الرجوع الى اللّه تعالى ومن دابه إكثار الذكر وإدامة التسبيح والتقديس وقيل الضمير للّه عز و جل أي كل من داود والجبال والطير للّه أواب أي مسبح مرجع للتسبيح ٢٠ وشددنا ملكه قويناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود وقرئ بالتشديد للمبالغة قيل كان يبيت حول محرابه أربعون الف مستلئم وقيل ادعى رجل على آخر بقرة وعجز عن إقامة البينة فأوحى اللّه تعالى إليه في المنام ان اقتل المدعى عليه فتأخر فأعيد الوحى في اليقظة فأعلمه الرجل فقال إن اللّه تعالى لم يأخذني بهذا الذنب ولكن بأنى قتلت أبا هذا غيلة فقال الناس إن أذنب أحد ذنبا أظهره اللّه تعالى عليه فقتله فهابوه وعظمت هيبته في القلوب وآتيناه الحكمة النبوة وكمال العلم وإتقان العمل وقيل الزبور وعلم الشرائع وقيل كل كلام وافق الحق فهو حكمة وفصل الخطاب أي فصل الخصام بتمييز الحق عن الباطل او الكلام الملخص الذي ينبه المخاطب على المرام من غير التباس لما قد روعى فيه مظان الفصل والوصل والعطف والاستئناف والإظهار والإضمار والحذف والتكرار وإنما سمى به أما بعد لأنه يفصل المقصود عما سبق تمهيدا له كالحمد والصلاة وقيل هو الخطاب الفصل الذي ليس فيه إيجاز مخل ولا أطناب ممل كما جاء في نعت كلام النبوة فصل لا نزر ولا هذر ٢١ وهل آتاك نبأ الخصم استفهام معناه التعجيب والتشويق الى استماع ما في حيزه لإيذانه بأنه من الانباء البديعة التي حقها ان تشيع فيما بين كل حاضر وباد والخصم في الاصل مصدر ولذلك يطلق على الواحد وما فوقه كالضيف ومعنى خصمان فريقان إذ تسوروا المحراب إذ تصعدوا سوره ونزلوا إليه والسور الحائط المرتفع ونظيره تسنمه إذا علا سنامه وتذراه إذا علا ذروته وإذ متعلقة بمحذوف أي نبأ تحاكم الخصم اذ تسوروا او بالنبأ على ان المراد به الواقع في عهد داود عليه السلام وان اسناده الاتيان اليه على حذف مضاف أي قصة نبأ الخصم او بالخصم لما فيه من معنى الخصومة لا بأتى لان اتيانه الرسول لم يكن حينئذ وقوله تعالى ٢٢ اذ دخلوا على داود بدل مما قبله او ظرف لتسوروا ففزع منهم روى انه تعالى بعث اليه ملكين في صورة انسانين قيل هما جبريل وميكائيل عليهما السلام فطلبا ان يدخلا عليه فوجداه في يوم عبادته فمنعهما الحرس فتسوروا عليه المحراب بمن معهما من الملائكة فلم يشعر الا وهما بين يديه جالسان ففزع منهم لانهم نزلوا عليه من فوق على خلاف العادة والحرس حوله في غير يوم الحكومة والقضاء قال ابن عباس رضي اللّه عنهما ان داود عليه السلام جزا زمانه اربعة اجزاء يوما للعبادة ويوما للقضاء ويوما للاشتغال بخاصة نفسه ويوما للوعظ والتذكير قالوا استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية فزعه عليه الصلاة و السلام كأنه قيل فماذا قالت الملائكة عند مشاهدتهم لفزعه فقيل قالوا ازالة لفزعه لا تخف خصمان أي نحن فوجان متخاصمان على تسمية مصاحب الخصم خصما بغى بعضنا على بعض هو على الفرض وقصد التعرض فلا كذب فيه فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط أي لا تجر في الحكومة وقرىء ولا تشطط أي لا تبعد عن الحق وقرىء ولا تشاطط وكلها من معنى الشطط وهو مجاوزة الحد وتخطى الحق واهدنا الى سواء الصراط الى وسط طريق الحق بزجر الباغي عما سلكه من طريق الجور وارشاده الى منهاج العدل ٢٣ ان هذا اخي استئناف لبيان ما فيه الخصومة أي اخي في الدين او في الصحبة والتعرض لذلك تمهيد لبيان كمال قبح ما فعل به صاحبه له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة هي الانثى من الضأن وقد يكنى بها عن المراة والكناية والتعريض ابلغ في المقصود وقرىء تسع وتسعون بفتح التاء ونعجة بكسر النون وقرىء ولي نعجة بسكون الياء فقال اكفلنيها أي ملكنيها وحقيقته اجعلني اكفلها كما اكفل ما تحت يدى وقيل اجعلها كفلى أي نصيبي وعزني في الخطاب أي غلبني في مخاطبته اياى محاجة بأن جاء بحجاج لم اقدر على رده او في مغالبته اياى في الخطبة يقال خطبت المراة وخطبها هو فخاطبني خطابا أي غالبني في الخطبة فغلبني حيث زوجها دوني وقرىء وعازني أي غالبني وعزني بتخفيف الزاي طالبا للخفة وهو تخفيف غريب كأنه قيس على ظلت ومست ٢٤ قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه جواب قسم محذوف قصد به عليه الصلاة و السلام المبالغة في انكار فعل صاحبه وتهجين طمعه في نعجة من ليس له غيرها مع ان له قطيعا منها ولعله عليه الصلاة و السلام قال ذلك بعد اعتراف صاحبه بما ادعاه عليه او بناه على تقدير صدق المدعى والسؤال مصدر مضاف الى مفعوله وتعديته الى مفعول آخر بإلى لتضمنه معنى الاضافة والضم وان كثيرا من الخلطاء أي الشركاء الذين خلطوا اموالهم ليبغى ليتعدى وقرىء بفتح الياء على تقدير النون الخفيفة وحذفها وبحذف الياء اكتفاء بالكسرة بعضهم على بعض غير مراع لحق الصحبة والشركة الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم فإنهم يتحامون عن البغي والعدوان وقيل ما هم أي وهم قليل وما مزيدة للابهام والتعجب من قلتهم والجملة اعتراض وظن داود انما فتناه الظن مستعار للعلم الاستدلالي لما بينهما من المشابهة الظاهرة أي علم بما جرى في مجلس الحكومة وقيل لما قضى بينهما ما نظر احدهما الى صاحبه فضحك ثم صعدا الى السماء حيال وجهه فعلم عليه الصلاة و السلام انه تعالى ابتلاه وليس المعنى على تخصيص الفتنة به عليه الصلاة و السلام دون غيره بتوجيه القصر المستفاد من كلمة انما الى المفعول بالقياس الى مفعول آخر كما هو الاستعمال الشائع الوارد على توجيه القصر الى متعلقات الفعل وقيوده باعتبار النفي فيه والاثبات فيها كما في مثل قولك انما ضربت زيدا وانما ضربته تأديبا بل على تخصيص حاله عليه الصلاة و السلام بالفتنة بتوجيه القصر الى نفس الفعل بالقياس الى ما يغايره من الافعال لكن لا باعتبار النفي والاثبات معا في خصوصية الفعل فإنه غير ممكن قطعا بل باعتبار النفي فيما فيه من معنى مطلق الفعل واعتبار الاثبات فيما يقارنه من المعنى المخصوص فإن كل فعل من الافعال المخصوصة ينحل عند التحقيق الى معنى مطلق هو مدلول لفظ الفعل والى معنى مخصوص يقارنه ويقيده وهو اثره في الحقيقة فإن معنى نصر مثلا فعل النصر يرشدك الى ذلك قولهم معنى فلان يعطى ويمنع يفعل الاعطاء والمنع فمورد القصر في الحقيقة ما يتعلق بالفعل باعتبار النفي فيه والاثبات فيما يتعلق به فالمعنى وعلم داود عليه السلام انما فعلنا به الفتنة لاغير قيل ابتليناه بامراة او ريا وقيل امتحناه بتلك الحكومة هل يتنبه بها لما قصد منها وايثار طريق التمثيل لانه ابلغ في التوبيخ فإن التأمل فيه اذا اداه الى الشعور بما هو الغرض كان اوقع في نفسه واعظم تأثيرا في قلبه وادعى الى التنبه للخطأ مع ما فيه من مراعاة حرمته عليه الصلاة و السلام بترك المجاهرة والاشعار بأنه امر يستحي من التصريح به وتصويره التحاكم لالجائه عليه الصلاة و السلام الى التصريح بنسبة نفسه الى الظلم وتنبيهة عليه الصلاة و السلام على ان اوربا بصدد الخصام فاستغفر ربه اثر ما علم ان ما صدر عنه ذنب وخر راكعا أي ساجدا على تسمية السجود ركوعا لانه مبدؤه او خر للسجود راكعا أي مصليا كأنه احرم بركعتي الاستغفار واناب أي رجع الى اللّه تعالى بالتوبة واصل القصة ان داود عليه السلام راى امراة رجل يقال له اوريا فمال قلبه اليها فسأله ان يطلقها فاستحي ان يرده ففعل فتزوجها وهي ام سليمان عليه السلام وكان ذلك جائزا في شريعته معتادا فيما بين امته غير مخل بالمروءة حيث كان يسأل بعضهم بعضا ان ينزل له عن امراته فيتزوجها اذا اعجبته وقد كان الانصار في صدر الاسلام يواسون المهاجرين بمثل ذلك من غير نكير خلا انه عليه الصلاة و السلام لعظم منزلته وارتفاع مرتبته وعلو شأنه نبه بالتمثيل على انه لم يكن ينبغي له ان يتعاطى ما يتعاطاه آحاد امته ويسأل رجلا ليس له الا امراة واحدة ان ينزل عنها فيتزوجها مع كثرة نسائه بل كان يجب عليه ان يغالب هواه ويقهر نفسه ويصبر على ما امتحن به وقيل لم يكن اوريا تزوجها بل كان خطبها ثم خطبها داود عليه السلام فآثره عليه السلام اهلها فكان ذنبه عليه الصلاة و السلام ان خطب على حطبة أخيه المسلم هذا وأما ما يذكر من انه عليه الصلاة و السلام دخل ذات يوم محرابه واغلق بابه وجعل يصلى ويقرا الزبور فبينما هو كذلك اذ جاءه الشيطان في صورة حمامة من ذهب فمد يده ليأخذها لابن صغير له فطارت فامتد اليها فطارت فوقعت في كوة فتبعها فأبصر امراة جميلة قد نقضت شعرها فغطى بدنها وهي امراة اوريا وهو من غزاة البلقاء فكتب الى ايوب بن صوريا وهو صاحب بعث البلقاء ان ابعث اوريا وقدمه على التابوت وكان من يتقدم على التابوت لا يحل له ان يرجع حتى يفتح اللّه على يديه او يستشهد ففتح اللّه تعالى على يده وسلم فأمر برده مرة اخرى وثالثة حتى قتل واتاه خبر قتله فلم يحزن كما كان يحزن على الشهداء وتزوج امراته فإفك مبتدع مكروه ومكر مخترع بئسما مكروه تمجه الاسماع وتنفر عنه الطباع ويل لمن ابتدعه واشاعه وتبا لمن اخترعه واذاعه ولذلك قال علي رضي اللّه عنه من حدث بحديث داود عليه السلام على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين وذلك حد الفرية على الانبياء صلوات اللّه تعالى وسلامه عليهم هذا وقد قيل ان قوما قصدوا ان يقتلوه عليه الصلاة و السلام فتسوروا المحراب ودخلوا عليه فوجدوا عنده اقواما فتصنعوا بهذا التحاكم فعلم عليه الصلاة و السلام غرضهم فهم بأن ينتقم منهم فظن ان ذلك ابتلاء له من اللّه عز و جل فاستغفر ربه مما هم به واناب ٢٥ فغفرنا له ذلك أي ما استغفر منه وروى انه عليه الصلاة و السلام بقي ساجدا اربعين يوما وليلة لا يرفع راسه الا الصلاة مكتوبة او لما لا بد منه ولا يرقا دمعه حتى نبت منه العشب الى راسه ولم يشرب ماء الا ثلثاه دمع وجهد نفسه راغبا الى اللّه تعالى في العفو عنه حتى كاد يهلك واشتغل بذلك عن الملك حتى وثب ابن له يقال له ايشا على ملكه ودعا الى نفسه فاجتمع اليه اهل الزيغ من بني اسرائيل فلما غفر له حاربه فهزمه وان له عندنا لزلفى لقرابة وكرامة بعد المغفرة وحسن مآب حسن مرجع في الجنة ٢٦ يا داود انا جعلناك خليفة في الارض اما حكاية لما خوطب به عليه الصلاة و السلام مبينة لزلفاه عنده عز و جل وأما مقول قول مقدر هو معطوف على غفرنا او حال من فاعله أي وقلنا له او قائلين له يا داود الخ أي استخلفناك على الملك فيها والحكم فيما بين اهلها او جعلناك خليفة ممن كان قبلك من الانبياء القائمين بالحق وفيه دليل بين على ان حاله عليه الصلاة و السلام بعد التوبة كما كانت قبلها لم تتغير قط فاحكم بين الناس بالحق بحكم اللّه تعالى فإن الخلافة بكلا معنييه مقتضية له حتما ولا تتبع الهوى أي هوى النفس في الحكومات وغيرها من امور الدين والدنيا فيضلك عن سبيل اللّه بالنصب على انه جواب النهي وقيل هو مجزوم بالعطف على النهي مفتوح لالتقاء الساكنين أي فيكون الهوى او اتباعه سببا لضلالك عن دلائله التي نصها على الحق تكوينا وتشريعا وقوله تعالى ان الذين يضلون عن سبيل اللّه تعليل لما قبله ببيان غائلته واظهار سبيل اللّه في موقع الاضمار لزيادة التقرير والايذان بكمال شناعة الضلال عنه لهم عذاب شديد جملة من خبر ومبتدا وقعت خبرا لان او الظرف خبر لان وعذاب مرتفع على الفاعلية بما فيه من معنى الاستقرار بما نسوا بسبب نسيانهم وقوله تعالى يوم الحساب اما مفعول لنسوا فيكون تعليلا صريحا لثبوت العذاب الشديد لهم بنسيان يوم الحساب بعد الاشعار بعلية ما يستتبعه ويستلزمه اعنى الضلال عن سبيل اللّه تعالى فإنه مستلزم لنسيان يوم الحساب بالمرة بل هذا فرد من افراده او ظرف لقوله تعالى لهم أي لهم عذاب شديد يوم القيامة بسبب نسيانهم الذي هو عبارة عن ضلالهم ومن ضرورته ان يكون مفعوله سبيل اللّه فيكون التعليل المصرح به حينئذ عين التعليل المشعر به بالذات غيره بالعنوان ومن لم يتنبيه لهذا السر السرى قال بسبب نسيانهم وهو ضلالهم عن السبيل فإن تذكره يقتضى ملازمة الحق ومخالفة الهوى فتدبر ٢٧ وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا كلام مستأنف مقرر لما قبله من امر البعث والحساب والجزاء أي وما خلقناهما وما بينهما من المخلوقات على هذا النظام البديع الذي تحار في فهمه العقول خلقا باطلا أي خاليا عن الغاية الجليلة والحكمة الباهرة بل منطويا على الحق المبين والحكم البالغة حيث خلقنا من بين ما خلقنا نفوسا أودعناها العقل والتمييز بين الحق والباطل والنافع والضار ومكناها من التصرفات العلمية والعملية في استجلاب منافعها واستدفاع مضارها ونصبنا للحق دلائل آفافية وانفسية ومنحناها القدرة على الاستشهاد بها ثم لم نقتصر على ذلك المقدار من الالطاف بل ارسلنا اليها رسلا وانزلنا عليها كتابا بينا فيها كل دقيق وجليل وازحنا عللّها بالكلية وعرضناها بالتكليف للمنافع العظيمة واعددنا لها عاقبة وجزاء على حسب اعمالها ذلك اشارة الى ما نفي من خلق ما ذكر باطلا ظن الذين كفروا أي مظنونهم فإن جحودهم بأمر البعث والجزاء الذي عليه يدور فلك تكوين العالم قول منهم ببطلان خلق ما ذكر وخلوه عن الحكمة سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا فويل للذين كفروا مبتدا وخبر والفاء لافادة ترتب ثبوت الويل لهم على ظنهم الباطل كما ان وضع الموصول موضع ضميرهم للاشعار بما في حيز الصلة بعلية كفرهم له ولا تنافي بينهما لان ظنهم من باب كفرهم ومن في قوله تعالى من النار تعليلية كما في قوله تعالى فويل لهم مما كتبت ايديهم ونظائره مفيدة لعلية النار لثبوت الويل لهم صريحا بعد الاشعار بعلية ما يؤدي اليها من ظنهم وكفرهم أي فويل لهم بسبب النار المترتبة على ظنهم وكفرهم ٢٨ ام نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض ام منقطعة وما فيها من بل للاضراب الانتقالي عن تقرير امر البعث والحساب والجزاء بما مر من نفي خلق العالم خاليا عن الحكم والمصالح الى تقريره وتحقيقه بما في الهمزة من انكار التسوية بين الفريقين ونفيها على ابلغ وجه وآكده أي بل أنجعل المؤمنين المصلحين كالكفرة المفسدين في اقطار الارض كما يقتضيه عدم البعث وما يترتب عليه من الجزاء لاستواء الفريقين في التمتع بالحياة الدنيا بل الكفرة اوفر حظا منها من المؤمنين لكن ذلك الجعل محال فتعين البعث والجزاء حتما لرفع الاولين الى اعلى عليين ورد الآخرين الى اسفل سافلين وقوله تعالى ام نجعل المتقين كالفجار اضراب وانتقال عن اثبات ما ذكر بلزوم المحال الذي هو التسوية بين الفريقين المذكورين على الاطلاق الى اثباته بلزوم ما هو اظهر منه استحالة وهو التسوية بين اتقياء المؤمنين واشقياء الكفرة وحمل الفجار على فجرة المؤمنين مما لا يساعده المقام ويجوز ان يراد بهذين الفريقين عين الاولين ويكون التكرير باعتبار وصفين آخرين هما ادخل في انكار التسوية من الوصفين الاولين وقيل قال كفار قريش للمؤمنين انا نعطي في الآخرة من الخير ما تعطون فنزلت ٢٩ كتاب خبر مبتدا محذوف هو عبارة عن القرآن او السورة وقوله تعالى انزلناه اليك صفته وقوله تعالى مبارك خبر ثان للمبتدا او صفة لكتاب عند من يجوز تأخير الوصف الصريح عن غير الصريح وقرىء مباركا على انه حال من مفعول انزلنا ومعنى المبارك الكثير المنافع الدينية والدنيوية وقوله تعالى ليدبروا آياته متعلق بأنزلناه أي انزلناه ليتفكروا في آياته التي من جملتها هذه الآيات المعربة عن اسرار التكوين والتشريع فيعرفوا ما يدبر ظاهرها من المعاني الفائقة والتأويلات اللائقة وقرىء ليتدبروا على الاصلى ولتدبروا على الخطاب أي انت وعلماء امتك بحذف احدى التاءين وليتذكر اولو الالباب أي وليتعظ به ذوو العقول السليمة او ليستحضروا ماهو كالمركوز في عقولهم من فرط تمكنهم من معرفته لما نصب عليه من الدلائل فإن الكتب الالهية مبينة لما لا يعرف الا بالشرع ومرشدة الى مالا سبيل للعقل اليه ٣٠ ووهبنا لداود سليمان نعم العبد وقرىء نعم العبد أي سليمان كما ينبىء عنه تأخيره عن داود مع كونه مفعولا صريحا لوهبنا ولان قوله تعالى انه اواب أي رجاع الى اللّه تعالى بالتوبة او الى التسبيح مرجع له تعليل للمدح وهو من حاله لما ان الضمير المجرور في قوله تعالى ٣١ اذ عرض عليه راجع اليه عليه الصلاة و السلام قطعا واذ منصوب باذكر أي اذكر ما صدر عنه اذ عرض عليه بالعشى هو من الظهر الى آخر النهار الصافنات فإنه يشهد بأنه اواب وقيل ظرف لأواب وقيل لنعم وتأخير الصافنات عن الظرفين لما مر مرارا من التشويق الى المؤخر والصافن من الخيل الذي يقوم على طرف سنبك يد او رجل وهو من الصفات المحمودة في الخيل لا يكاد ينفق الا في العراب الخلص وقيل هو الذي يجمع يديه ويسويهما وأما الذي يقف على سنبكه فهو المنخيم الجياد جمع جواد وجود وهو الذي يسرع في جريه وقيل الذي يجود عند الركض وقيل وصفت بالصفون والجودة لبيان جمعها بين الوصفين المحمودين واقفة وجارية أي اذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها واذا جرت كانت سراعا خفافا في جريها وقيل هو جمع جيد روى انه عليه الصلاة و السلام غزا اهل دمشق ونصيبين واصاب الف فرس وقيل اصابها ابوه من العمالقة فورثها منه وقيل خرجت من البحر لها أجنحة فقعد يوما بعدما صلى الظهر على كرسيه فاستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر أو عن ورد كان له من الذكر وقتئذ وتهيبوه فلم يعلموه فاغتم لما فاته فاستردها فعقرها تقربا للّه تعالى وبقى مائة فما في أيدي الناس من الجياد فمن نسلها وقيل لما عقرها أبدله اللّه خيرا منها وهي الريح تجري بأمره ٣٢ فقال إنى أحببت حب الخير عن ذكر ربى قاله عليه الصلاة و السلام عند غروب الشمس اعترافا بما صدر عنه من الاشتغال بها عن الصلاة وندما عليه وتمهيدا لما يعقبه من الامر بردها وعقرها والتعقيب باعتبار أواخر العرض المستمر دون ابتدائه والتاكيد للدلالة على ان اعترافه وندمه عن صميم القلب لا لتحقيق مضمون الخبر واصل احببت ان يعدى بعلى لانه بمعنى آثرت لكن لما انيب مناب انبت عدى تعديته وحب الخير مفعوله كأنه قبل انبت حب الخير عن ذكر ربي ووضعته موضعه وخير المال الكثير والمراد به الخيل التي شغلته عليه الصلاة و السلام ويحتمل انه سماها خيرا لتعلق الخير بها قال الخير معقود بنواصي الخيل الى يوم القيامة وقرىء اني حتى توارت بالحجاب متعلق بقوله احببت باعتبار استمرار المحبة ودوامها حسب استمرار العرض أي انبت حب الخير عن ذكر ربي واستمر ذلك حتى توارت أي غربت الشمس تشبيها لغروبها في مغربها بتواري المخباة بحجابها واضمارها من غير ذكر لدلالة العشى عليها وقيل الضمير للصافنات أي حتى توارت بحجاب الليل أي بظلامه ٣٣ ردوها على من تمام مقالة سليمان عليه السلام ومرمى غرضه من تقديم ما قدمه ومن لم يتنبه له مع ظهوره توهم انه متصل بمضمر هو جواب لمضمر آخر كأن سائلا قال فماذا قال سليمان عليه السلام فقيل قال ردها فتأمل والفاء في قوله تعالى فطفق مسحا فصيحة مفصحة عن جملة قد حذفت ثقة بدلالة الحال عليها وايذانا بغاية سرعة الامتثال بالامر أي فردوها عليه فأخذ يمسح السيف مسحا بالسوق والاعناق أي بسوقها واعناقها يقطعها من قولهم مسح علاوته أي ضرب عنفه وقيل جعل يمسح بيده اعناقها وسوقها حبا لها واعجابا بها وليس بذاك وقرىء بالسؤق على همز الواو لضمتها كما في ادؤر وقرىء بالسؤوق تنزيلا لضمة السين منزلة ضمة الواو وقرىء بالساق اكتفاء بالواحد عن الجمع لأمن الالباس ٣٤ ولقد فتنا سليمان والقينا على كرسيه جسدا ثم اناب اظهر ما قيل في فتنته عليه الصلاة و السلام ما روى مرفوعا انه قال لأطوفن الليلة على سبعين امراة تأتي كل واحدة بفارس بجاهد في سبيل اللّه تعالى ولم يقل ان شاء اللّه تعالى فطاف عليهن فلم تحمل الا امراة واحدة جاءت بشق رجل والذي نفسي بيده لو قال ان شاء اللّه لجاهدوا في سبيل اللّه فرسانا اجمعون وقيل ولد له ابن فاجتمعت الشياطين على قتله فعلم ذلك فكان يغذوه في السحاب فما شعر به الى ان القي على كرسيه ميتا فتنبه لخطئه حيث لم يتوكل على اللّه عز وعلا وقيل انه غزا صيدون من الجزائر فقتل ملكها واصاب بنتا له تسمى جرادة من احسن الناس فاصطفاها لنفسه واسلمت حبها وكان لا يرقا دمعها جزعا على ابيها فأمر الشياطين فمثلوا لها صورته وكانت تغدو اليها وتروح مع ولائدها يسجدون لها كعادتهن في ملكه فأخبره آصف بذلك فكسر الصورة وعاقب المراة ثم خرج وحده الى فلاة وفرش له الرماد فجلس عليه تائبا الى اللّه تعالى باكيا متضرعا وكانت له ام ولد يقال لها امينة اذا دخل للطهارة او لاصابة امراة يعطيها خاتمة وكان ملكه فيه فأعطاها يوما فتمثل لها بصورته شيطان اسمه صخر واخذ الخاتم فتختم به وجلس على كرسيه فاجتمع عليه الخلق ونفذ حكمه في كل شيء الا في نسائه وغير سليمان عن هيئته فأتى امينة لطلب الخاتم فأنكرته وطردته فعرف ان الخطيئة قد ادركته فكان يدور على البيوت يتكفف واذا قال انا سليمان حثوا عليه التراب وسبوه ثم عمد الى السماكين ينقل لهم السمك فيعطونه كل يوم سمكتين فمكث على ذلك اربعين صباحا عدد ما عبد الوثن في بيته فأنكر آصف وعظماء بني اسرائيل حكم الشيطان ثم طار اللعين وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة فوقعت في يد سليمان فبقر بطنها فإذا هو بالخاتم فتختم به وخر ساجدا وعاد اليه ملكه وجاب صخرة لصخر فجعله فيها وسد عليه بأخرى ثم أوثقهما بالحديد والرصاص وقذفه في البحر وعلى هذا فالجسد عبارة عن صخر سمي به وهو جسم لا روح فيه لانه تمثل بما لم يكن كذلك والخطيئة تغافله عليه الصلاة و السلام عن حال اهله لان اتخاذ التماثيل لم يكن محظورا حينئذ وسجود الصورة بغير علم منه لا يضره ٣٥ قال بدل من اناب وتفسير له رب اغفر لي أي ما صدر عني من الزلة وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي لا يتسهل له ولا يكون ليكون معجزة لي مناسبة لحالي فإنه عليه الصلاة و السلام لما نشأ في بيت الملك والنبوة وورثهما معا استدعى من ربه معجزة جامعة لحكمهما اولا ينبغي لاحد ان يسلبه مني بعد هذه السلبة اولا يصح لاحد من بعدي لعظمته كقولك لفلان ماليس لاحد من الفضل والمال على ارادة وصف الملك بالعظمة لا ان لا يعطى احد مثله فيكون منافسة وقيل كان ملكا عظيما فخاف ان يعطى مثله احد فلا يحافظ على حدود اللّه تعالى وتقديم الاستغفار على الاستيهاب لمزيد اهتمامه بأمر الدين جريا على سنن الانبياء عليهم الصلاة والسلام والصالحين وكون ذلك ادخل في الاجابة وقرىء لي بفتح الياء انك انت الوهاب تعليل للدعاء بالمغفرة والهبة معا لا بالاخيرة فقط فإن المغفرة ايضا من احكام وصف الوهابية قطعا ٣٦ فسخرنا له الريح أي فذللناها لطاعته اجابة لدعوته فعاد امره عليه الصلاة و السلام الى ما كان عليه قبل الفتنة وقرىء الرياح تجري بأمره بيان لتسخيرها له رخاء أي لينة من الرخاوة طيبة لا تزعزع وقيل طيعة لا تمتنع عليه كالمأمور المنقاد حيث اصاب أي حيث قصدو اراد حكى الاصمعي عن العرب اصاب الصواب فأخطأ الجواب ٣٧ والشياطين عطف على الريح كل بناء وغواص بدل من الشياطين ٣٨ وآخرين مقرنين في الاصفاد عطف على كل بناء داخل في حكم البدل كأنه عليه الصلاة و السلام فصل الشياطين الى عملة استعملهم في الاعمال الشاقة من البناء والغوص ونحو ذلك والى مردة قرن بعضهم مع بعض في السلاسل لكفهم عن الشر والفساد ولعل اجسامهم شفافة فلا ترى صلبة فيمكن تقييدها ويقدرون على الاعمال الصعبة وقد جوز ان يكون الاقران في الاصفاد عبارة عن كفهم عن الشرور بطريق التمثيل والصفد القيد وسمي به العطاء لانه يرتبط بالمنعم عليه وفرقوا بين فعليهما فقالوا صفده قيده واصفده اعطاه على عكس وعد وأوعده وقوله تعالى ٣٩ هذا الخ اما حكاية لما خوطب به سليمان عليه السلام مبينة لعظم شأن ما أوتى من الملك وأنه مفوض إليه تفويضا كليا وأما مقول مقدر هو معطوف على سخرنا أو حال من فاعله كما مر في خاتمه قصة داود عليه السلام أي وقلنا له أو قائلين له هذا الامر الذي اعطيناكه من الملك العظيم والبسطة والتسلط على ما لم يسلط عليه غيرك عطاؤنا الخاص بك فامنن أو أمسك فاعط من شئت وامنع من شئت بغير حساب حال من المستكن في الامر أي غير محاسب على شئ منه وإمساكه لتفويض التصرف فيه إليك على الإطلاق او من العطاء أي هذا عطاؤنا ملتبسا بغير حساب لغاية كثرته او صلة له وما بينهما اعتراض على التقديرين وقيل الاشارة الى تسخير الشياطين والمراد بالمن والامساك الاطلاق والتقييد ٤٠ وإن له عندنا لزلفى في الآخرة مع ما له من الملك العظيم في الدنيا وحسن مآب هو الجنة قيل فتن سليمان عليه السلام بعد ما ملك عشرين سنة وملك بعد الفتنة عشرين سنة وذكر الفقيه أبو حنيفة احمد بن داود الدينوري في تاريخه ان سليمان عليه السلام ورث ملك ابيه في عصر كيخسرو بن سياوش وسار من الشام الى العراق فبلغ خبره كيخسر فهرب الى خراسان فلم يلبث حتى هلك ثم سار سليمان عليه السلام الى مرو ثم الى بلاد الترك فوغل فيها ثم جاز بلاد الصين ثم عطف الى أن وافي بلاد فارس فنزلها اياما ثم عاد الى الشام ثم أمر ببناء بيت المقدس فلما فرغ منه سار الى تهامة ثم الى صنعاء وكان من حديثه مع صاحبتها ما ذكر اللّه تعالى وغزا بلاد المغرب الاندلس وطنجة وغيرهما واللّه تعالى أعلم واذكر عبدنا ايوب عطف على ٤١ اذكر عبدنا داود وعدم تصدير قصة سليمان بهذا العنوان لكمال الاتصال بينه وبين داود عليهما السلام وأيوب هو ابن عيص بن إسحاق عليه السلام إذ نادى ربه بدل اشتمال من عبدنا وأيوب عطف بيان له أنى بأنى مسنى الشيطان بفتح ياء مسنى وقرئ بإسكانها وإسقاطها بنصب أي تعب وقرئ بفتح النون وبفتحتين وبضمتين للتثقيل وعذاب أي الم ووصب يريد مرضه وما كان يقاسيه من فنون الشدائد وهو المراد بالضر في قوله أنى مسنى الضر وهو حكاية لكلامه الذي ناداه به بعبارته وإلا لقيل إنه مسه الخ والاسناد الى الشيطان إما لانه تعالى مسه بذلك لما فعل بوسوسته كما قيل إنه أعجب بكثرة ماله أو استغاثة مظلوم فلم يغثه او كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهنه ولم يغزه أو لامتحان صبره فيكون اعترافا بالذنب أو مراعاة للادب او لأنه وسوس الى اتباعه حتى رفضوه وأخرجوه من ديارهم أو لان المراد بالنصب ما كان يوسوس به اليه في مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء والقنوط من الرحمة ويغريه على الكراهة والجزع فالتجأ الى اللّه تعالى في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء او بالتوفيق لدفعه ورده بالصبر الجميل وليس هذا تمام دعائه عليه الصلاة و السلام بل من جملته قوله وانت ارحم الراحمين فاكتفى ههنا عن ذكره بما في سورة الانبياء كما ترك هناك ذكر الشيطان ثقة بما ذكرههنا وقوله تعالى ٤٢ اركض برجلك الخ إما حكاية لما قيل له أو مقول لقول مقدر معطوف على نادى أي فقلنا له اركض برجلك أي اضرب بها الارض وكذا قوله تعالى هذا مغتسل بارد وشراب فإنه أيضا إما حكاية لما قيل له بعد امتثاله بالامر ونبوع الماء او مقول لقول مقدر معطوف على مقدر ينساق اليه الكلام كانه قيل فضربها فنبعت عين فقلنا له هذا مغتسل تغتسل به وتشرب منه فيبرأ ظاهرك وباطنك وقيل نبعت عينان حارة للاغتسال وباردة للشرب ويأباه ظاهر النظم الكريم وقوله تعالى ٤٣ ووهبنا له اهله معطوف على مقدر مترتب على مقدر آخر يقتضيه القول المقدر آنفا كأنه قيل فاغتسل وشرب فكشفنا بذلك مابه من ضركما في سورة الانبياء ووهبنا له أهله إما بإحيائهم بعد هلاكهم وهو المروى عن الحسن أو بجمعهم بعد تفرقهم كما قيل ومثلهم معهم عطف على أهله فكان له من الأولاد ضعف ما كان له قبل رحمة منا أي لرحمة عظيمة عليه من قبلنا وذكرى لأولى الألباب ولتذكيرهم بذلك ليصبروا عل الشدائد كما صبر ويلجأوا الى اللّه عز و جل فيما يحيق بهم كما لجأ ليفعل بهم ما فعل به من حسن العاقبة ٤٤ وخذ بيدك ضغثا معطوف على اركض أو على وهبنا بتقدير قلنا أي وقلنا خذ بيدك الخ والاول أقرب لفظا وهذا انسب معنى فإن الحاجة الى هذا الامر لا تمس إلا بعد الصحة فإن امرأته رحمة بنت إفرايم بن يوسف وقيل ليا بنت يعقوب وقيل ماصر بنت ميشا بن يوسف عليه السلام ذهبت لحاجة فأبطات فحلف إن برئ ليضربنها مائة ضربة فأمره اللّه تعالى بأخذ الضغث والضغث الحزمة الصغيرة من الحشيش ونحوه وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما قبضة من الشجر وقال فاضرب به أي بذلك الضغث ولا تحنث في يمينك فإن البر يتحقق به ولقد شرع اللّه سبحانه هذه الرخصة رحمة عليه وعليها الحسن خدمتها إياه ورضاه عنها وهي باقية ويجب أن يصيب المضروب كل واحد من المائة إما بأطرافها قائمة أوبأعراضها مبسوطة على هيئة الضرب إنا وجدناه صابرا فيما أصابه في النفس والاهل والمال وليس في شكواه الى اللّه تعالى إخلال بذلك فإنه لا يسمى جزعا كتمنى العافية وطلب الشفاء على أنه قال ذلك خيفة الفتنة في الدين حيث كان الشيطان يوسوس الى قومه بأنه لو كان نبيا لما ابتلى بمثل ما ابتلى به وإرادة القوة على الطاعة فقد بلغ امره الى ان لم يبق منه إلا القلب واللسان ويروى انه عليه السلام قال في مناجاته إلهى قد علمت انه لم يخالف لسانى قلبى ولم يتبع قلبي بصرى ولم يهبنى ما ملكت يمينى ولم آكل إلا ومعى يتيم ولم ابت شبعان ولا كاسيا ومعى جائع أو عريان فكشف اللّه تعالى عنه نعم العبد أي ايوب إنه أواب تعليل لمدحه أي رجاع الى اللّه تعالى ٤٥ واذكر عبدنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب عطف بيان لعبادنا وقرئ عبدنا إما على ان إبراهيم وحده لمزيد شرفه عطف بيان وقيل بدل وقيل نصب بإضمار أعنى والباقيان عطف على عبدنا وأما على أن عبدنا اسم جنس وضع موضع الجمع أولى الايدي والابصار أولى القوة في الطاعة والبصيرة في الدين أو أولى الاعمال الجليلة والعلوم الشريفة فعبر بالايدي عن الاعمال لأن اكثرها تباشر بها وبالابصار عن المعارف لأنها اقوى مباديها وفيه تعريض بالجهلة البطالين انهم كالزمنى والعماة وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع تمكنهم منهما وقرئ أولى الأيد بطرح الياء والاكتفاء بالكسر وقرئ أولى الأيادى على جمع الجمع ٤٦ إنا أخلصناهم بخالصة تعليل لما وصفوا به من شرف العبودية وعلو الرتبة في العلم والعمل أي جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة عظيمة الشأن كما ينبئ عنه التنكير التفخيمى وقوله تعالى ذكرى الدار بيان للخالصة بعد إبهامها للتفخيم أي تذكر للدار الاخرة دائما فإن خلوصهم في الطاعة بسبب تذكرهم لها وذلك لأن مطمح انظارهم ومطرح أفكارهم في كل ما يأتون وما يذرون جوار اللّه عز و جل والفوز بلقائه ولا يتسنى ذلك إلا في الاخرة وقيل اخلصناهم بتوفيقهم لها واللطف بهم في اختيارها ويعضد الأول قراءة من قرأ بخالصتهم وإطلاق الدار للإشعار بأنها الدار في الحقيقة وإنما الدنيا معبر وقرئ بإضافة خالصة إلى ذكرى أي بما خلص من ذكرى الدار على معنى انهم لا يشوبون ذكراهابهم آخر اصلا أو تذكيرهم الآخرة وترغيبهم فيها وتزهيدهم في الدنيا كما هو شان الانبياء عليهم الصلاة والسلام وقيل ذكرى الدار الثناء الجميل في الدنيا ولسان الصدق الذي ليس لغيرهم ٤٧ وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار لمن المختارين من أمثالهم المصطفين عليهم في الخير والاخيار جمع خير كشر وأشرار وقيل جمع خير أو خير مخفف منه كأموات في جمع ميت وميت ٤٨ واذكر إسمعيل فصل ذكره عن ذكر ابيه واخيه للإشعار بعراقته في الصبر الذي هو المقصود بالتذكير واليسع هو ابن خطوب بن العجوز استخلفه إلياس على بنى إسرائيل ثم استنبئ واللام فيه حرف تعريف دخل على يسع كما في قول من قال رايت الوليد بن اليزيد مباركا وقرئ واليسع كأنه اصله ليسع فيعل من اللسع دخل عليه حرف التعريف وقيل هو على القراءتين علم أعجمى دخل عليه اللام وقيل هو يوشع وذا الكفل هو ابن عم يسع او بشر بن ايوب واختلف في نبوته ولقبه فقيل فر إليه مائة نبي من بني إسرائيل من القتل فآواهم وكفلهم وقيل كفل بعمل رجل صالح كان يصلي كل يوم مائة صلاة وكل أي وكلهم من الأخيار المشهور بن بالخبرية ٤٩ هذا إشارة إلى ما تقدم من الآيات الناطقة بمحاسنهم ذكر أي شرف لهم وذكر جميل يذكرون به أبدا أو نوع من الذكر الذي هو القرآن وباب منه مشتمل على أنباء الأنبياء عليهم السلام وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما هذا ذكر من مضى من الأنبياء وقوله تعالى وإن للمتقين لحسن مآب شروع في بيان أجرهم الجزيل في الآجل بعد بيان ذكرهم الجميل في العاجل وهو باب آخر من ابواب التنزيل والمراد بالمتقين إما الجنس وهم داخلون في الحكم دخولا أوليا وأما نفس المذكورين عبر عنهم بذلك مدحا لهم بالتقوى التي هي الغاية القاصية من الكمال جنات عدن عطف بيان لحسن مآب عند من يجوز تخالفهما تعريفها وتنكيرا فإن عدنا معرفة لقوله تعالى ٥٠ جنات عدن التي وعد الرحمن عباده أو بدل منه أو نصب على المدح وقوله تعالى مفتحة لهم الابواب حال من جنات عدن والعامل فيها ما في للمتقين من معنى الفعل والأبواب مرتفعة باسم المفعول والرابط بين الحال وصاحبها إما ضمير مقدر كما هو رأى البصريين أي الأبواب منها أو الألف واللام القائمة مقامه كما هو رأى الكوفيين إذ الأصل ابوابها وقرئتا مرفوعتين على الابتداء والخبر او على أنهما خبران لمحذوف أي هي جنات عدن هي مفتحة ٥١ متكئين فيها حال من ضمير لهم والعامل فيها مفتحة وقوله تعالى يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب استئناف لبيان حالهم فيها وقيل هو أيضا حال مما ذكر او من ضمير متكئين والاقتصار على دعاء الفاكهة للإيذان بان مطاعمهم لمحض التفكه والتلذذ دون التغذى فإنه لتحصيل بدل المتحلل ولا تحلل ثمة ٥٢ وعندهم قاصرات الطرف أي على أزواجهن لا ينظرن الى غيرهم اتراب لدات لهم فإن التحاب بين الاقران أرسخ أو بعضهن لبعض لا عجوز فيهن ولا صبية واشتقاقه من التراب فإنه يمسهم في وقت واحد ٥٣ هذا ما توعدون ليوم الحساب أي لأجله فإن الحساب علة للوصول الى الجزاء وقرئ بالياء ليوافق ما قبله والالتفات اليق بمقام الامتنان والتكريم ٥٤ إن هذا أي ما ذكر من ألوان النعم والكرامات لرزقنا أعطيناكموه ماله من نفاد انقطاع ابدا ٥٥ هذا أي الامر هذا او هذا كما ذكر او هذا ذكر وقوله تعالى وان للطاغين لشر مآب شروع في بيان اضداد الفريق السابق ٥٦ جهنم اعرابه كما سلف يصلونها أي يدخلونها حال من جهنم فبئس المهاد وهو المهد والمفرش مستعار من فراش النائم والمخصوص بالذم محذوف وهو جهنم لقوله تعالى لهم من جهنم مهاد ٥٧ هذا فليذوقوه أي ليذوقوا هذا فليذوقوه كقوله تعالى واياى فارهبون او العذاب هذا فليذوقوه او هذا مبتدأ خبره حميم وغساق وما بينهما اعتراض وهو على الاولين خبر مبتدا محذوف أي هو حميم والغساق ما يغسق من صديد اهل النار من غسقت العين اذا سال دمعها وقيل الحميم يحرق بحره والغساق يحرق ببرده وقيل لو قطرت منه قطرة في المشرق لنتنت اهل المغرب ولو قطرت قطرة في المغرب لنتنت اهل المشرق وقيل الغساق عذاب لا يعلمه الا اللّه تعالى وقرىء بتخفيف السين ٥٨ وآخر من شكله أي ومذوق آخر او عذاب آخر من مثل هذا المذوق او العذاب في الشدة والفظاعة وقرىء واخر أي ومذوقات اخر او انواع عذاب اخر وتوحيد ضمير شكله بتأويل ما ذكر او الشراب الشامل للحميم والغساق او هو راجع الى الغساق ازواج أي اجناس وهو خبر لاخر لانه يجوز ان يكون ضروبا او صفة له او للثلاثة او مرتفع بالجار والخبر محذوف مثل لهم ٥٩ هذا فوج مقتحم معكم حكاية ما يقال من جهة الخزنة لرؤساء الطاغين اذا دخلوا النار واقتحمها معهم فوج كانوا يتبعونهم في الكفر والضلالة والاقتحام الدخول في الشيء بشدة قال الراغب الاقتحام توسط شدة مخيفة وقوله تعالى لامر حبا بهم من اتمام كلام الخزنة بطريق الدعاء على الفوج او صفة للفوج او حال منه أي مقول او مقولا في حقهم لا مرحبا بهم أي لا اتوا مرحبا اولا رحبت بهم الدار مرحبا انهم صالوا النار تعليل من جهة الخزنة لاستحقاقهم الدعاء عليهم او وصفهم بما ذكر وقيل لا مرحبا بهم الى هنا كلام الرؤساء في حق اتباعهم عند خطاب الخزنة لهم باقتحام الفوج معهم تضجرا من مقارنتهم وتنفرا من مصاحبتهم وقيل كل ذلك كلام الرؤساء بعضهم مع بعض في حق الأتباع ٦٠ قالوا أي الأتباع عند سماعهم ما قيل في حقهم ووجه خطابهم للرؤساء في قولهم بل انتم لامر حبا بكم الخ على الوجهين الاخيرين ظاهر وأما على الوجه الأول فلعلهم انما خاطبوهم مع ان الظاهر ان يقولوا بطريق الاعتذار الى الخزنة بل هم لا مرحبا بهم الخ قصدا منهم الى اظهار صدقهم بالمخاطبة مع الرؤساء والتحاكم الى الخزنة طمعا في قضائهم بتخفيف عذابهم او تضعيف عذاب خصمائهم أي بل انتم احق بما قيل لنا او قلتم وقوله تعالى انتم قدمتموه لنا تعليل لاحقيتهم بذلك أي انتم قدمتم العذاب او الصلى لنا واوقعتمونا فيه بتقديم ما يؤدي اليه من العقائد الزائفة والاعمال السيئة وتزيينها في أعيننا واغرائنا عليها لا انا باشرناها من تلقاء انفسنا فبئس القرار أي فبئس المقر جهنم قصدوا بذمها تغليظ جناية الرؤساء عليهم و ٦١ قالوا أي الاتباع ايضا وتوسيطه بين كلاميهم لما بينهما من التباين البين ذاتا وخطابا أي قالوا معرضين عن خصومتهم متضرعين الى اللّه تعالى ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار كقولهم ربنا هؤلاء اضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار أي عذابا مضاعفا أي ذا ضعف وذلك بأن يزيد عليه مثله ويكون ضعفين كقوله ربنا آتهم ضعفين من العذاب او قيل المراد بالضعف الحيات والافاعي ٦٢ وقالوا أي الطاغون مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار يعنون فقراء المسلمين الذين كانوا يسترذلونهم ويسخرون منهم ٦٣ اتخذناهم سخريا بهمزة استفهام سقطت لاجعلها همزة الوصل والجملة استئناف لا محل لها من الاعراب قالوه انكارا على انفسهم وتأنيبا لها في الاستسخار منهم ام زاغت عنهم الابصار متصل باتخذناهم على ان ام متصلة والمعنى أي الامرين فعلنا بهم الاستسخار منهم ام الازدراء بهم وتحقيرهم وان ابصارنا كانت تزيغ عنهم وتقتحمهم على معنى انكار كل واحد من الفعلين على انفسهم توبيخا لها او على انها منقطعة والمعنى اتخذناهم سخريا بل ازاغت عنهم ابصارنا كقولك ازيد عندك ام عندك عمرو على معنى توبيخ انفسهم على الاستسخار ثم الاضراب والانتقال منه الى التوبيخ على الازدراء والتحقير وقرىء اتخذناهم بغير همزة على انه صفة اخرى لرجالا فقوله تعالى ام زاغت متصل بقوله مالنا لانرى والمعنى مالنا لانراهم في النار اليسوا فيها فلذلك لا نراهم أم زاغت عنهم ابصارنا وهم فيها وقد جوز ان تكون الهمزة مقدرة على هذه القراءة وقرىء سخريا بضم السين ٦٤ ان ذلك أي الذي حكى من احوالهم ا لحق لا بد من وقوعه البتة وقوله تعالى تخاصم اهل النار خبر مبتدا محذوف والجملة بيان لذلك وفي الابهام اولا والتبيين ثانيا مزيد تقرير له وقيل بدل من محل ذلك وقيل بدل من حق او عطف بيان له وقرىء بالنصب على انه بدل من ذلك وما قيل من انه صفة له فقد قيل عليه ان اسم الاشارة لا يوصف الا بالمعرف باللام يقال بهذا الرجل ولا يقال بهذا غلام الرجل ٦٥ قل امر لرسول اللّه ان يقول للمشركين إنما انا منذر من جهته تعالى انذركم عذابه وما من من اله في الوجود الا اللّه الواحد الذي لا يقبل الشركة والكثرة اصلا القهار لكل شيء سواه ٦٦ رب السموات والارض وما بينهما من المخلوقات فكيف يتوهم ان يكون له شريك منها العزيز الذي لا يغلب في امر من اموره الغفار المبالغ في المغفرة يغفر ما يشاء لمن يشاء وفي هذه النعوت من تقرير التوحيد والوعد للموحدين والوعيد للمشركين مالا يخفي وتثنية ما يشعر بالوعيد من وصفى القهر والعزة وتقديمهما على وصف المغفرة لتوفية مقام الانذار حقه ٦٧ قل تكرير الامر للايذان بأن المقول امر جليل له شأن خطير لابد من الاعتناء به امرا وائتمارا هو أي ما انبأتكم به من اني منذر من جهته تعالى وانه تعالى واحد لاشريك له وانه متصف بما ذكر من الصفات الجليلة والاظهر انه القرآن وما ذكر داخل فيه دخولا اوليا كما يشهد به آخر السورة الكريمة وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة نبأ عظيم وارد من جهته تعالى وقوله تعالى ٦٨ انتم عنه معرضون استئناف ناع عليهم سوء صنيعهم به ببيان انهم لا يقدرون قدره الجليل حيث يعرضون عنه مع عظمته وكونه موجبا للافبال الكلي عليه وتلقيه بحسن القبول وقيل صفة اخرى لنبأ وقوله تعالى ٦٩ ما كان لي من علم بالملا الاعلى الخ استئناف مسوق لتحقيق انه نبأ عظيم وارد من جهته تعالى بذكر نبأ من انبائه على التفصيل من غير سابقة معرفة به ولا مباشرة سبب من اسبابها المعتادة فإن ذلك حجة بينة دالة على ان ذلك بطريق الوحي من عند اللّه تعالى وان سائر انبائه ايضا كذلك والملا الأعلى هم الملائكة وآدم عليهم السلام وابليس عليه اللعنة وقوله تعالى اذ يختصمون متعلق بمحذوف يقتضيه المقام اذ المراد نفي علمه عليه الصلاة و السلام بحالهم لا بذوانهم والتقدير ما كان لي فيما سبق علم ما بوجه من الوجوه بحال الملأ الأعلى وقت اختصامهم وتقدير الكلام كما أختاره الجمهور تحجير للواسع فإن علمه عليه الصلاة و السلام غير مقصور على ما جرى بينهم من الاقوال فقط بل عام لها وللافعال أيضا من سجود الملائكة واستكبار إبليس وكفره حسبما ينطلق به الوحى فلا بد من اعتبار العموم في نفيه أيضا لا محالة وقوله تعالى ٧٠ إن يوحى الى إلا انما انا نذير مبين اعتراض وسط بين إجمال اختصامهم وتفصيله تقريرا لثبوت علمه عليه الصلاة و السلام وتعيينا لسببه إلا أن بيان انتفائه فيما سبق لما كان منبئا عن ثبوته الآن ومن البين عدم ملابسته عليه الصلاة و السلام بشئ من مبادية المعهودة تعين انه ليس إلا بطريق الوحى حتما فجعل ذلك أمرا مسلم الثبوت غنيا عن الاخبار به قصدا وجعل مصب الفائدة والمقصود إخبار ما هو داع الى الوحى ومصحح له تحقيقا لقوله تعالى إنما أنا منذر في ضمن تحقيق علمه عليه الصلاة و السلام بقصة الملأ الأعلى فالقائم مقام الفاعل ليوحي إما ضمير عائد الى الحال المقدر او ما يعمه وغيره فالمعنى ما يوحى الى حال الملأ الأعلى أو ما يوحى الى ما يوحى من الامور الغيبية التي من جملتها حالهم إلا لأنما انا نذير مبين من جهته تعالى فإن كونه عليه الصلاة و السلام كذلك من دواعي الوحى إليه ومن موجباته حتما وأما ان القائم مقام الفاعل هو الجار والمجرور أو هو إنما أنا نذير مبين بلا تقدير الجار وأن المعنى ما يوحى الى إلا للإنذار او ما يوحى الى إلا ان انذر وأبلغ ولا افرط في ذلك كما قيل فمع ما فيه من الاضطرار الى التكلف في توجيه قصر الوحى على كونه للإنذار في الأول وقصره على الانذار في الثاني فلا يساعده سباق النظم الكريم وسياقه كيف لا والاعتراض حينئذ يكون أجنبيا مما توسط بينهما من إجمال الاختصام وتفصيله فتأمل واللّه المرشد وقرئ إنما بالكسر على الحكاية وقوله تعالى ٧١ إذ قال ربك للملائكة شروع في تفصيل ما اجمل من الاختصام الذي هو ما جرى بينهم من التقاول وحيث كان تكليمه تعالى إياهم بواسطة الملك صح إسناد الاختصام الى الملائكة وإذ بدل من إذ الأولى وليس من ضرورة البدلية دخولها على نفس الاختصام بل يكفى اشتمال ما في حيزها عليه فإن القصة ناطقة بذلك تفصيلا والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة الى ضميره عليه الصلاة و السلام لتشريفه والإيذان بان وحى هذا النبأ إليه تربية وتأييد له عليه الصلاة و السلام والكاف وارد باعتبار حال الامر لكونه ادل على كونه وحيا منزلا من عنده تعالى كما في قوله تعالى قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم الخ دون حال المأمور وإلا لقيل ربى لأنه داخل في حيز الامر إنى خالق أي فيما سيأتى وفيه ما ليس في صيغة المضارع من الدلالة على أنه تعالى فاعل له البتة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه بشرا قيل أي جسما كثيفا يلاقى ويباشر وقيل خلقا بادى البشرة بلا صوف ولا شعر ولعل ما جرى عند وقوع المحكى ليس هذا الاسم الذي لم يخلق مسماه حينئذ فضلا عن تسميته به بل عبارة كاشفة عن حاله وإنما عبر عنه بهذا الاسم عند الحكاية من طين لم يتعرض لأوصافه من التغير والاسوداد والمسنونية اكتفاء بما ذكر في مواقع أخر ٧٢ فإذا سويته أي صورته بالصورة الانسانية والخلقة البشرية أو سويت أجزاء بدنه بتعديل طائعه ونفخت فيه من روحى النفخ إجراء الريح الى تجويف جسم صالح لامساكها والامتلاء بها وليس ثمة نفخ ولا منفوخ وانما هو تمثيل لافاضة مابه الحياة بالفعل على المادة القابلة لها أي فإذا كملت استعداده وافضت عليه ما يحيا به من الروح التي هي من امري فقعوا له امر من وقع وفيه دليل على ان المأمور به ليس مجرد الانحناء كما قيل أي اسقطوا له ساجدين تحية له وتكريما ٧٣ فسجد الملائكة أي فخلفه فسواه فنفخ فيه الروح فسجد له الملائكة كلهم بحيث لم يبق منهم احد الا سجد اجمعون أي بطريق المعية بحيث لم يتأخر في ذلك احد منهم عن احد ولا اختصاص لافادة هذا المعنى بالحالية بل يفيد التأكيد ايضا وقيل اكد بتأكيدين مبالغة في التعمم هذا وأما ان سجودهم هذا هل ترتب على ما حكى من الامر التعلبقي كما تقتضيه هذه الآية الكريمة والتي في سورة الحجر فإن ظاهرهما يستدعي ترتبه عليه من غير ان يتوسط بينهما شيء غير ما يفصح عنه الفاء الفصيحة من الخلق والتسوية ونفخ الروح او على الامر التنجيزي كما يقتضيه ما في سورة البقرة وما في سورة الاعراف وما في سورة بني اسرائيل وما في سورة الكهف وما في سورة طه من الآيات الكريمة فقد مر تحقيقه بتوفيق اللّه عز و جل في سورة البقرة وسورة الاعراف ٧٤ الا ابليس استثناء متصل لما انه كان جنيا مفردا مغمورا بألوف من الملائكة موصوفا بصفاتهم فغلبوا عليه ثم استثنى استثناء واحد منهم او لان الملائكة جنسا يتوالدون وهو منهم او منقطع وقوله تعالى استكبر على الأول استئناف مبين لكيفية ترك السجود المفهوم من الاستثناء فإن تركه يحتمل ان يكون للتأمل والتروي وبه يتحقق انه للاباء والاستكبار وعلى الثاني يجوز اتصاله بما قبله أي لكن ابليس استكبر وكان من الكافرين أي وصار منهم بمخالفته للامر واستكباره عن الطاعة او كان منهم في علم اللّه تعالى عز و جل ٧٥ قال يا ابليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي أي خلقته بالذات من غير توسط اب وام والتثنية لابراز كمال الاعتناء بخلقه عليه الصلاة و السلام المستدعي لاجلاله واعظامه قصدا الى تأكيد الانكار وتشديد التوبيخ استكبرت بهمزة الانكار وطرح همزة الوصل أي اتكبرت من غير استحقاق ام كنت من العالين المستحقين للتفوق وقيل استكبرت الآن ام لم تزل منذ كنت من المستكبرين وقرىء بحذف همزة الاستفهام ثقة بدلالة ام عليها وقوله تعالى ٧٦ قال انا خير منه ادعاء منه لشيء مستلزم لمنعه من السجود على زعمه واشعار بأنه لا يليق ان يسجد الفاضل للمفضول كما يعرب عنه قوله لم اكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون وقوله تعالى خلقتني من نار وخلقته من طين تعليل لما ادعاه من فضله عليه الصلاة و السلام ولقد اخطأ اللعين حيث خص الفضل بما من جهة المادة والعنصر وزل عنه ما من جهة الفاعل كما انبأ عنه قوله تعالى لما خلقت بيدي وما من جهة الصورة كما نبه عليه قوله تعالى ونفخت فيه من روحي وما من جهة الغاية وهو ملاك الامر ولذلك امر الملائكة بسجوده عليهم السلام حين ظهر لهم انه اعلم منهم بما يدور عليه امر الخلافة في الارض وان له خواص ليست لغيره ٧٧ قال فاخرج منها الفاء لترتيب الامر على ما ظهر من اللعين من المخالفة للامر الجليل وتعليلها بالأباطيل أي فاخرج من الجنة او من زمرة الملائكة وهو المراد بالامر بالهبوط لا الهبوط من السماء كما قيل فإن وسوسته لآدم عليه السلام بعد هذا الطرد وقد بين كيفية وسوسته في سورة البقرة وقيل اخرج من الخلقة التي كنت فيها وانسلخ منها فإنه كان يفتخر بخلقته فغير اللّه خلقته فاسود بعد ما كان ابيض وقبح بعد ما كان حسنا واظلم بعد ما كان نورانيا وقوله تعالى فإنك رجيم تعليل للامر بالخروج أي مطرود من كل خير وكرامة فإن من يطرد يرجم بالحجارة او شيطان يرجم بالشهب وان عليك لعنتي أي ابعادي عن الرحمة وتقييدها بالاضافة مع اطلاقها في قوله تعالى ٧٨ وان عليك اللعنة لما ان لعنة اللاعنين من الملائكة والثقلين ايضا من جهته تعالى وانهم يدعون عليه بلعنة اللّه تعالى وابعاده من الرحمة الى يوم الدين أي يوم الجزاء والعقوبة وفيه ايذان بأن اللعنة مع كمال فظاعتها ليست جزاء لجنايته بل هي انموذج لما سيلقاه مستمرا الى ذلك اليوم لكن لا على انها تنقطع يومئذ كما يوهمه ظاهر التوقيت بل على انه سيلقى يومئذ من الوان العذاب وافانين العقاب ما ينسى عنده اللعنة وتصير كالزائل الا يرى الى قوله تعالى فأذن مؤذن بينهم ان لعنة اللّه على الظالمين وقوله تعالى ويلعن بعضهم بعضا ٧٩ قال رب فأنظرني أي امهلني واخرني والفاء متعلقة بمحذوف ينسحب عليه الكلام أي اذا جعلتني رجيما فأمهلني ولا تمتني الى يوم يبعثون أي آدم وذريته للجزاء بعد فنائهم واراد بذلك ان يجد فسحة لاغوائهم ويأخذ منهم ثأره وينجو من الموت بالكلية اذ لا موت بعد يوم البعث ٨٠ قال فإنك من المنظرين ورود الجواب بالجملة الاسمية مع التعرض لشمول ما سأله لآخرين على وجه يشعر بكون السائل تبعا لهم في ذلك دليل واضح على انه اخبار بالانظار المقدر لهم ازلا لا انشاء لانظار خاص به قد وقع اجابة لدعائه وان استنظاره كان طلبا لتأخير الموت اذ به يتحقق كونه منهم لا لتأخير العقوبة كما قيل فإن ذلك معلوم من اضافة اليوم الى الدين أي انك من جملة الذين اخرت آجالهم ازلا حسبما تقتضيه حكمة التكوين ٨١ الى يوم الوقت المعلوم الذي قدره اللّه وعينه لفناء الخلائق وهو وقت النفخة الاولى لا الى وقت البعث الذي هو المسئول فالفاء ليست لربط نفس الانظار بالاستنظار بل لربط الاخبار المذكور به كما في قول من قال فإن ترحم فأنت لذاك اهل فإنه لا إمكان لجعل الفاء فيه لربط ماله تعالى من الاهلية القديمة للرحمة بوقوع الرحمة الحادثة بل هي لربط الاخبار بتلك الاهلية للرحمة بوقوعها هذا وقد ترك التوقيت في سورة الاعراف كما ترك النداء والفاء في الاستنظار والإنظار تعويلا على ما ذكر ههنا وفي سورة الحجر وإن خطر ببالك أن كل وجه من وجوه النظم الكريم لا بد أن يكون له مقام بقتضيه مغاير لمقام غيره وان ما حكى من اللعين إنما صدر عنه مرة وكذا جوابه لم يقع إلا دفعه فمقام الاستنظار والإنظار إن اقتضى أحد الوجوه المحكية فذلك الوجه هو المطابق لمقتضى الحال والبالغ الى رتبة البلاغة ودرجة الاعجاز وأما ما عداه من الوجوه فهو بمعزل من بلوغ طبقة البلاغة فضلا عن العروج الى معارج الاعجاز فقد سلف تحقيقه في سورة الاعراف بفضل اللّه تعالى وتوفيقه ٨٢ قال فبعزتك الباء للقسم والفاء لترتيب مضمون الجملة على الإنظار ولا ينافيه قوله تعالى فبما أغويتنى وقوله رب بما أغويتى فإن إغواءه تعالى إياه أثر من آثار قدرته تعالى وعزته وحكم من أحكام قهره وسلطنته فمآل الإقسام بهما واحد ولعل اللعين اقسم بهما جميعا فحكى تارة قسمه بأحدهما وأخرى بالآخر أي فأقسم بعزتك لأغوينهم أجمعين أي ذرية آدم بتزيين المعاصي لهم ٨٣ إلا عبادك منهم المخلصين وهم الذين أخلصهم اللّه تعالى لطاعته وعصمهم من الغواية وقرئ المخلصين على صيغة الفاعل أي الذين اخلصوا قلوبهم واعمالهم للّه تعالى ٨٤ قال أي اللّه عز و جل فالحق والحق أقول برفع الأول على أنه مبتدا محذوف الخبر أو خبر محذوف المبتدأ ونصب الثاني على أنه مفعول لما بعده قدم عليه للقصر أي لا اقول إلا الحق والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها أي فالحق قسمى ٨٥ لأملأن جهنم على أن الحق إما اسمه تعالى أو نقيض الباطل عظمه اللّه تعالى بإقسامه به أو فأنا الحق أو فقولى الحق وقوله تعالى لأملأن جهنم الخ حينئذ جواب لقسم محذوف أي واللّه لأملأن الخ وقوله تعالى والحق أقول على كل تقدير اعتراض مقرر على الوجهين الأولين لمضمون الجملة القسمية وعلى الوجه الثالث لمضمون الجملة المتقدمة أعنى فقولى الحق وقرئا منصوبين على أن الأول مقسم به كقولك اللّه لأفعلن وجوابه لأملأن وما بينهما اعتراض وقرئا مجرورين على ان الأول مقسم به قد اضمر حرف قسمه كقولك اللّه لأفعلن والحق أقول على حكاية لفظ المقسم به على تقدير كونه نقيض الباطل ومعناه التاكيد والتشديد وقرئ بجر الأول على إضمار حرف القسم ونصب الثاني عل المفعولية منك أي من جنسك من الشياطين وممن تبعك في الغواية والإضلال منهم ومن ذرية آدم أجمعين تأكيد للكاف وما عطف عليه أي لأملأنها من المتبوعين والاتباع أجمعين كقوله تعالى لمن اتبعك منهم لأملأن جهنم منكم اجمعين وهذا القول هو المراد بقوله تعالى ولكن حق القول منى لأملأن جهنم من الجنة والناس اجمعين وحيث كان مناط الحكم ههنا اتباع الشيطان اتضح ان مدار عدم المشيئة في قوله تعالى ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها اتباع الكفرة للشيطان بسوء اختيارهم لا تحقق القول فليس في ذلك شائبة الجبر فتدبر ٨٦ قل ما اسألكم عليه على القرآن أو على تبليغ ما يوحى الى من أجر دنيوى وما أنا من المتكلفين أي المتصنعين مما ليسوا من أهله حتى أنتحل النبوة وأتقول القرآن ٨٧ إن هو أي ما هو إلا ذكر من اللّه عز و جل للعالمين أي للثقلين كافة ٨٨ ولتعلمن نبأه أي ما أنبأ به من الوعد والوعيد وغيرهما أو صحة خبره وأنه الحق والصدق بعد حين بعد الموت أو يوم القيامة أوعند ظهور الإسلام وفسوه وقيل من بقى علم ذلك إذا ظهر امره وعلا ومن مات علمه بعد الموت وفيه من التهديد ما لا يخفى عن رسول اللّه من قرأ سورة ص كان له بوزن كل جبل سخره اللّه لداود عشر حسنات وعصم ان يصر على ذنب صغير أو كبير وقال ابو أمامة عصمه اللّه تعالى من كل ذنب صغير أو كبير واللّه أعلم |
﴿ ٠ ﴾