ÓõæÑóÉõ ÇáÒøõãóÑö ãóßøöíøóÉñ

æóåöíó ÎóãúÓñ æóÓóÈúÚõæäó ÂíóÉð

سورة الزمر

سورة الزمر مكية إلا قوله قل يا عبادى الآية وآياتها خمس وسبعون آية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

تنزيل الكتاب خبر لمبتدأ محذوف هو اسم إشارة أشير به الى السورة تنزيلا لها منزلة الحاضر المشار إليه لكونها على شرف الذكر والحضور كما مر مرارا وقد قيل هو ضمير عائد الى الذكر في قوله تعالى إن هو إلا ذكر للعالمين وقوله تعالى

من اللّه العزيز الحكيم صلة للتنزيل أو خبر ثان أو حال من التنزيل عاملها معنى الإشارة أو من الكتاب الذي هو مفعول معنى عاملها المضاف

وقيل هو خبر لتنزيل الكتاب والوجه الأول أو في بمقتضى المقام الذي هو بيان ان السورة أو القرآن تنزيل الكتاب من اللّه تعالى لا بيان أن تنزيل الكتاب منه تعالى لا من غيره كما يفيده الوجه الأخير وقرئ تنزيل الكتاب بالنصب على إضمار فعل نحو أقرأ أو الزم والتعرض لو صفى العزة والحكمة للإيذان بظهور أثريهما في الكتاب بحريان أحكامه ونفاذ أوامره ونواهيه من غير مدافع ولا ممانع وبابتناء جميع ما فيه على أساس الحكم الباهرة وقوله تعالى

٢

إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق شروع في بيان شأن المنزل إليه وما يجب عليه أثر بيان شأن المنزل وكونه من عند اللّه تعالى والمراد بالكتاب هو القرآن وإظهاره على تقدير كونه هو المراد بالأول ايضا لتعظيمه ومزيد الاعتناء بشأنه والباء إما متعلقة بالإنزال أي بسبب الحق وإثباته وإظهاره أو بداعية الحق واقتضائه للإنزال

وأما بمحذوف هو حال من نون العظمة أو من الكتاب أي انزلناه إليك محقين في ذلك أو انزلناه ملتبسا بالحق والصواب أي كل ما فيه حق لا ريب فيه موجب للعمل به حتما والفاء في قوله تعالى

فاعبد اللّه مخلصا له الدين لترتيب الأمر بالعبادة على إنزال الكتاب إليه عليه الصلاة و السلام بالحق أي فاعبده تعالى ممحضا له الدين من شوائب الشرك والرياء حسبما بين في تضاعيف ما أنزل إليك وقرئ برفع الدين على أنه مبتدأ خبره الظرف المقدم عليه لتأكيد الاختصاص المستفاد من اللام والجملة استئناف وقع تعليلا للأمر بإخلاص العبادة وقوله تعالى

٣

ألا للّه الدين الخالص

استئناف مقرر لما قبله من الامر بإخلاص الدين له تعالى ووجوب الامتثال به وعلى القراءة الاخيرة مؤكد لاختصاص الدين به تعالى أي ألا هو الذي يجب ان يخص بإخلاص الطاعة له لأنه المتفرد بصفات الألوهية التي من جملها الاطلاع على السرائر والضمائر وقوله تعالى

والذين اتخذوا من دونه اولياء تحقيق لحقية ما ذكر من إخلاص الدين الذي هو عبارة عن التوحيد ببيان بطلان الشرك الذي هو عبارة عن ترك إخلاصه والموصول عبارة عن المشركين ومحله الرفع على الابتداء خبره مما سيأتى من الجملة المصدرة بإن والأولياء عن الملائكة وعيسى عليهم السلام والأصنام وقوله تعالى

ما نعبدهم إلا ليقربونا إلا اللّه زلفى حال بتقدير القول من واو اتخذوا مبينة لكيفية إشراكهم وعدم خلوص دينهم والاستثناء مفرغ من أعم العلل وزلفى مصدر مؤكد على غير لفظ المصدر ملاق له في المعنى أي والذين لم يخلصوا العبادة للّه تعالى بل شابوها بعبادة غيره قائلين ما نعبدهم لشئ من الاشياء إلا ليقربونا الى اللّه تعالى تقريبا

إن اللّه يحكم بينهم أي وبين خصمائهم الذين هم المخلصون للدين وقد حذف لدلالة الحال عليه كما في قوله تعالى لا نفرق بين احد من رسله على أحد الوجهين أي بين أحد منهم وبين غيره وعليه قول النابغة

... فما كان بين لخير لو جاء سالما ... أبو حجر إلا ليال قلائل ...

أي بين الخير وبينى

وقيل ضمير بينهم للفريقين جميعا

فيما هم فيه يختلفون من الدين الذي اختلفوا فيه بالتوحيد والإشراك وادعى كل فريق منهم صحة ما انتحله وحكمه تعالى في ذلك إدخال الموحدين الجنة والمشركين النار فالضمير للفريقين هذا هو الذي يستدعيه مساق النظم الكريم

وأما تجويز أن يكون الموصول عبارة عن المعبودين على حذف العائد إليه وإضمار المشركين من غير ذكر تعويلا على دلالة المساق عليهم ويكون التقدير والذين اتخذهم المشركون اولياء قائلين ما نعبدهم إلا ليقربونا الى اللّه إن اللّه يحكم بينهم أي بين العبدة والمعبودين فيما هم فيه يختلفون حيث يرجو العبدة شفاعتهم وهم يلعنونهم فبعد الإغضاء عما فيه من التعسفات بمعزل من السداد كيف لا وليس فيما ذكر من طلب الشفاعة واللعن مادة يختلف فيها الفريقان اختلافا محوجا الى الحكم والفصل وإنما ذاك ما بين فريقى الموحدين والمشركين في الدنيا من الاختلاف في الدين الباقي الى يوم القيامة وقرئ قالوا ما نعبدهم فهو بدل من الصلة لا خبر للموصول كما قيل إذ ليس في الإخبار بذلك مزيد مزية وقرئ ما نعبدكم إلا لتقربونا حكاية لما خاطبوا به آلهتهم وقرئ نعبدهم إتباعا للباء

إن اللّه لا يهدى أي لا يوفق للاهتداء الى الحق الذي هو طريق النجاة عن المكروه والفوز بالمطلوب

من هو كاذب كفار أي راسخ في الكذب مبالغ في الكفر كما يعرب عنه قراءة كذاب وكذوب فإنهما فاقدان للبصيرة غير قابلين للاهتداء لتغييرهما الفطرة الأصلية بالتمرن في الضلالة والتمادى في الغى والجملة تعليل لما ذكر من حكمه تعالى لو أراد اللّه أن يتخذ ولدا الخ استئناف مسوق لتحقيق الحق وإبطال القول بأن الملائكة بنات اللّه عيسى ابنه تعالى عن ذلك علوا كبيرا ببيان استحالة اتخاذ الولد في حقه تعالى على الإطلاق ليندرج فيه استحالة ما قبل اندراجا أوليا أي

٤

لو أراد اللّه أن يتخذ ولدا لاصطفى أي لاتخذ

مما يخلق أي من جملة ما يخلقه او من جنس ما يخلقه

ما يشاء أن يتخذه إذ لا موجود سواه إلا وهو مخلوق له تعالى لامتناع تعدد الواجب ووجوب استناد جميع ما عداه إليه ومن البين أن اتخاذ الولد منوط بالمماثلة بين المتخذ والمتخذ وأن المخلوق لا يماثل خالقه حتى يمكن اتخاذه ولدا فما فرضناه اتخاذ ولد لم يكن اتخاذ ولد بل اصطفاء عبد وإليه أشير حيث وضع الاصطفاء موضع الاتخاذ الذي تقتضيه الشرطية تنبيها على استحالة مقدمها لاستلزم فرض وقوعه بل فرض إراد وقوعه انتفاءه أي لو أراد اللّه تعالى أن يتخذ ولدا لفعل شيئا ليس هو من اتخاذ الولد في شئ اصلا بل إنما هو اصطفاء عبد ولا ريب في أن ما يستلزم فرض وقوعه انتفاءه فهو ممتنع قطعا فكأنه قيل لو أراد اللّه أن يتخذ ولدا لامتنع ولم يصح لكن لاعلى أن الامتناع منوط بتحقق الإرادة بل على أنه متحقق عند عدمها بطريق الاولوية على منوال لو لم يخف اللّه لم يعصه وقوله تعالى

سبحانه تقرير لما ذكر من استحالة اتخاذ الولد في حقه تعالى وتأكيد له ببيان تنزهه تعالى عنه أي تنزه بالذات عن ذلك تنزهه الخاص به على أن السبحان مصدر من سبح إذا بعد أو أسبحه تسبيحا لائقا به على أنه علم للتسبيح مقول على ألسنة العباد أو سبحوه تسبيحا حقيقا بشأنه وقوله تعالى

هو اللّه الواحد القهار استئناف مبين لتنزهه تعالى بحسب الصفات إثر بيان تنزهه تعالى عنه بحسب الذات فإن صفة الالوهية المستتبعة لسائر صفات الكمال النافية لسمات النقصان والوحدة الذاتية الموجبة لامتناع المماثلة والمشاركة بينه تعالى وبين غيره على الإطلاق مما يقضى بتنزهه تعالى عما قالوا قضاء متقنا وكذا وصف القهارية لما أن اتخاذ الولد شأن من يكون تحت ملكوت الغير عرضة للفناء ليقوم ولده مقامه عند فنائه ومن هو مستحيل الفناء قهار لكل الكائنات كيف يتصور أن يتخذ من الاشياء الفانية ما يقوم مقامه وقوله تعالى

٥

خلق السموات والارض بالحق تفصيل لبعض أفعاله تعالى الدالة على تفرده بما ذكر من الصفات الجليلة أي خلقهما وما بينهما من الموجودات ملتبسة بالحق والصواب مشتملة عل الحكم والمصالح وقوله تعالى

يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل بيان لكيفية تصرفه تعالى فيهما بعد بيان خلقهما فإن حدوث الليل والنهار في الارض منوط بتحريك السموات أي يغشى كل واحد منهما الآخر كانه يلفه عليه لف اللباس على اللابس أو يغيبه به كما يغيب الملفوف باللفامة أو يجعله كارا عليه كرورا متتابعا تتابع أكوار العمامة وصيغة المضارع للدلالة على التجدد

وسخر الشمس والقمر جعلهما منقادين لأمره تعالى وقوله تعالى

كل يجرى لأجل مسمى بيان لكيفية تسخيرهما أي كل منهما يجرى لمنتهى دورته او منقطع حركته وقد مر تفصيله غير

مرة ألا هو العزيز الغالب القادر على كل شئ من الاشياء التي من جملتها عقاب العصاة

الغفار المبالغ في المغفرة ولذلك لا يعاجل بالعقوبة وسلب ما في هذه الصنائع البديعة من آثار الرحمة وتصدير الجملة بحرف التنبيه لإظهار كمال الاعتناء بمضمونها

٦

خلقكم من نفس واحدة بيان لبعض آخر من أفعاله الدالة على ما ذكر وترك عطفه على خلق السموات للإيذان باستقلاله في الدلالة ولتعلقه بالعالم السفلى والبداءة بخلق الإنسان لعراقته في الدلالة لما فيه من تعاجيب آثار القدرة وأسرار الحكمة وأصالته في المعرفة فإن الانسان بحال نفسه أعرف والمراد بالنفس نفس آدم عليه السلام وقوله

ثم جعل منها زوجها عطف على محذوف هو صفة لنفس أي من نفس خلقها ثم جعل منها زوجها أو على معنى واحدة أي من نفس وحدت ثم جعل منها زوجها فشفعها أو على خلقكم لتفاوت ما بينهما في الدلالة فإنهما وإن كانتا آيتين دالتين علىما ذكر لكن الاولى لاستمرارها صارت معتادة

وأما الثانية فحيث لم تكن معتادة خارجة عن قياس الاولى كما يشعر به التعبير عنها بالجعل دون الخلق كانت أدخل في كونها آية وأجلب للتعجب من السامع فعطفت على الاولى بثم دلالة على مباينتها لها فضلا ومزية وتراخيها عنها فيما يرجع الى زيادة كونها آية فهو من التراخى في الحال والمنزلة

وقيل أخرج ذرية آدم من ظهره كالذر ثم خلق منه حواء ففيه ثلاث آيات مترتبة خلق آدم عليه السلام بلا أب وأم وخلق حواء من قصيراه ثم تشعيب الخلق الفائت للحصر منهما وقوله تعالى

وأنزل لكم بيان لبعض آخر من أفعاله الدالة على ما ذكر أي قضى أو قسم لكم فإن قضاياه وقسمه توصف بالنزول من السماء حيث تكتب في اللوح المحفوظ أو أحدث لكم بأسباب نازلة من السماء كالامطار وأشعة الكواكب من الانعام ثمانية أزواج ذكرا وأنثى هي الإبل والبقر والضأن والمعز

وقيل خلقها في الجنة ثم انزلها وتقديم الظرفين على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاعتناء بما قدم والتشويق الى ما أخر فإن كون الانزال لمنافعهم وكونه من الجهة العالية من الامور المهمة المشوفة الى ما أنزل لا محالة وقوله تعالى

يخلقكم في بطون امهاتكم استئناف مسوق لبيان كيفية خلقهم وأطواره المختلفة الدالة على القدرة الباهرة وصيغة المضارع الدلالة على التدرج والتجدد وقوله تعالى

خلقا من بعد خلق مصدر مؤكد أي يخلقكم فيها خلقا كائنا من بعد خلق أي خلقا مدرجا حيوانا سويا من بعد عظام مكسوة لحما من بعد عظام عارية من بعد مضع مخلقة من بعد مضغ غير مخلقة من بعد علقه من بعد نطفة

في ظلمات ثلاث متعلق بيخلقكم وهي ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة أو ظلمة الصلب والبطن والرحم ذلكم إشارة إليه تعالى باعتبار أفعاله المذكورة وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلته تعالى في العظمة والكبرياء ومحله الرفع على الابتداء أي

ذلكم العظيم الشأن الذي عددت أفعاله

اللّه وقوله تعالى

ربكم خبرا آخر أي مرببكم فيما ذكر من الاطوار وفيما بعدها ومالككم المستحق لتخصيص العبادة به

له الملك على الاطلاق في الدنيا والآخرة ليس لغيره شركة في ذلك بوجه

من الوجوه والجملة خبر آخر وكذا قوله تعالى

لا إله إلا هو والفاء في قوله تعالى

فأنى تصرفون لترتيب ما بعدها على ما ذكر من شئونه تعالى أي فكيف تصرفون عن عبادته تعالى مع وفور موجباتها ودواعيها وانتفاء الصارف عنها بالكلية إلى عبادة غيره من غير داع إليها مع كثرة الصوارف عنها

٧

إن تكفروا به تعالى بعد مشاهدة ما ذكر من فنون نعمائه ومعرفة شئونه العظيمة الموجبة للايمان والشكر

فإن اللّه غنى عنكم أي فاعلموا أنه تعالى غنى عن إيمانكم وشكركم غير متأثر من انتفائهما

ولا يرضى لعباده الكفر أي عدم رضاه بكفر عباده لأجل منفعتهم ودفع مضرتهم رحمة عليهم لا لتضرره تعالى به

وإن تشكروا يرضه لكم أي يرض الشكر لآجلكم ومنفعتكم لانه سبب لفوزكم بسعادة الدارين لا لانتفاعه تعالى به وإنما قيل لعباده لا لكم لتعميم الحكم وتعليله بكونهم عباده تعالى وقرئ بإسكان الهاء

ولا تزر وازرة وزر أخرى بيان لعدم سراية كفر الكافر الى غيره أصلا أي لا تحمل نفس حاملة للوزر حمل نفس أخرى

ثم الى ربكم مرجعكم بالبعث بعد الموت

فينبئكم عند ذلك

بما كنتم تعملون أي كنتم تعملونه في الدنيا من اعمال الكفر والايمان أي يجازيكم بذلك ثوابا وعقابا

إنه عليم بذات الصدور أي بمضمرات القلوب فكيف بالاعمال الظاهرة وهو تعليل للتنبئة

٨

وإذا مس الانسان ضر من مرض وغيره

دعا ربه منيبا إليه راجعا إليه مما كان يدعوه في حالة الرخاء لعلمه بأنه بمعزل من القدرة على كشف ضره وهذا وصف للجنس بحال بعض أفراده كقوله تعالى إن الانسان لظلوم كفار

ثم إذا خوله نعمة منه أي أعطاه نعمة عظيمة من جنابه تعالى من التخول وهو التعهد أي جعله خائل مال من قولهم فلان خائل مال إذا كان متعهدا له حسن القيام به أو من الخول وهو الافتخار أي جعله يخول أي يختال ويفتخر

نسى ما كان يدعو إليه أي نسى الضر الذي كان يدعو اللّه تعالى فيما سبق الى كشفه من قبل أي من قبل التخويل أو نسى ربه الذي كان يدعوه ويتضرع إليه إما بناء على أن ما بمعنى من كما في قوله تعالى وما خلق الذكر والانثى وقوله تعالى ولا انتم عابدون ما أعبد

وأما إيذانا بأن نسيانه بلغ إلى حيث لا يعرف مدعوه ما هو فضلا عن أن يعرفه من هو كما مر في قوله تعالى عما أرضعت

وجعل للّه أندادا شركاء في العبادة

ليضل الناس بذلك

عن سبيله الذي هو التوحيد وقرئ ليضل بفتح الياء أي يزداد ضلالا أو يثبت عليه وإلا فأصل الضلال غير متأخر عن الجعل المذكور واللام لام العاقبة كما في قوله تعالى فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا خلا أن هذا أقرب الى الحقيقة لأن الجاعل ههنا قاصد بجعله المذكور حقيقة الإضلال والضلال وإن لم يعرف لجهله انهما إضلال وضلال وأما آل فرعون فهم غير قاصدين بالتقاطهم العداوة اصلا

قل تهديدا لذلك الضال المضل وبيانا لحاله ومآله

تمتع بكفرك قليلا أي تمتعا قليلا أو زمانا قليلا

إنك من أصحاب النار أي من ملازميها والمعذبين فيها على الدوام وهو تعليل لقلة التمتع وفيه من الإقناط من النجاة ما لا يخفى كأنه قيل إذ قد أبيت قبول ما أمرت به من الايمان والطاعة فمن حقك أن تؤمر بتركه لتذوق عقوبته

٩

أم من هو قانت آناء الليل الخ من تمام الكلام المأمور به وأم إما متصلة قد حذف معاد لها ثقة بدلالة مساق الكلام عليه كأنه قيل له تاكيدا للتهديد وتهكما به أأنت أحسن حالا ومآلا

ام من هو قائم بمواجب الطاعات ودائم على أداء وظائف العبادات في ساعات الليل حالتى السراء والضراء لا عند مساس الضر فقط كدأبك حال كونه

ساجدا وقائما أي جامعا بين الوصفين المحمودين وتقديم السجود على القيام لكونه ادخل في معنى العبادة وقرئ كلاهما بالرفع على انه خبر بعد خبر يحذر الآخرة حال أخرى على الترادف أو التداخل أو استئناف وقع جوابا عما نشأ من حكاية حاله من القنوت والسجود والقيام كأنه قيل ما باله يفعل ذلك فقيل

يحذر عذاب

الاخرة ويرجو رحمة ربه فينجو بذلك مما يحذره ويفوز بما يرجوه كما ينبئ عنه التعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التبليغ الى الكمال مع الاضافة الى ضمير الراجى لا أنه يحذر ضر الدنيا ويرجو خيرها فقط وأما منقطعة وما فيها من الإضراب للانتقال من التهديد الى التبكيت بتكليف الجواب الملجئ الى الاعتراف بما بينهما من التباين البين كأنه قيل بل ام من هو قانت الخ أفضل ام من هو كافر مثلك كما هو المعنى على قراءة التخفيف

قل بيانا للحق وتنبيها على شرف العلم والعمل

هل يستوى الذين يعلمون حقائق الاحوال فيعملون بموجب علمهم كالقانت المذكور والذين لا يعلمون أي ما ذكر أو شيئا فيعملون بمقتضى جهلهم وضلالهم كدأبك والاستفهام للتنبيه على أن كون الاولين في أعلى معارج الخير وكون الآخرين في أقصى مدارج الشر من الظهور بحيث لا يكاد يخفى على احد من منصف ومكابر

وقيل هو وارد على سبيل التشيه أي كما لا يستوى العالمون والجاهلون لا يستوى القانتون والعاصون وقوله تعالى

إنما يتذكر أولو الالباب كلام مستقل غير داخل في الكلام المأمور به وارد من جهته تعالى بعد الامر بما ذكر من القوارع الزاجرة عن الكفر والمعاصي لبيان عدم تاثيرها في قلوب الكفرة لاختلال عقولهم كما في قول من قال

... عوجوا فحيوا لنعمى دمنة الدار ... ماذا تحيون من نوى وأحجار ...

أي إنما يتعظ بهذه البيانات الواضحة أصحاب العقول الخالصة عن شوائب الخلل وهؤلاء بمعزل من ذلك وقرئ إنما يذكر بالإدغام

١٠

قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم امر رسول اللّه بتذكير المؤمنين وحملهم على التقوى والطاعة إثر تخصيص التذكر بأولى الالباب إيذانا بأنهم هم كما سيصرح به أي قل لهم قولى هذا بعينه وفيه تشريف لهم بإضافتهم الى ضمير الجلالة ومزيد اعتناء بشأن المأمور به فإن نقل عين امر اللّه ادخل في إيجاب الامتثال به وقوله تعالى

للذين احسنوا تعليل للامر أو لوجوب الامتثال به وإيراد الإحسان في حيز الصلة دون التقوى للإيذان بأنه من باب الإحسان وأنهما متلازمان وكذا الصبر كما مر في قوله تعالى إن اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وفي قوله تعالى إنه من يتق ويصبر فإن اللّه لا يضيع أجر المحسنين وقوله تعالى

في هذه الدنيا متعلق بأحسنوا أي عملوا الاعمال الحسنة في هذه الدنيا على وجه الاخلاص وهو الذي عبر عنه رسول اللّه حين سئل عن الاحسان بقوله أن تعبد اللّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك حسنة أي حسنة عظيمة لا يكتنه كنهها وهي الجنة

وقيل هو متعلق بحسنة على انه بيان لمكانها او حال من ضميرها في الظرف فالمراد بها حينئذ الصحة والعافية

وارض اللّه واسعة فمن تعسر عليه التوفر على التقوى والاحسان في وطنه فليهاجر الى حيث يتمكن فيه من ذلك كما هو سنة الانبياء والصالحين فإنه لا عذر له في التفريط أصلا وقوله تعالى

إنما يوفى الصابرون الخ ترغيب في التقوى المأمور بها وإيثار الصابرين على المتقين للإيذان بانهم حائزون لفضيلة الصبر كحيازتهم لفضيلة الإحسان لما اشير إليه من استلزام التقوى لهما مع ما فيه من زيادة حث على المصابرة والمجاهدة في تحمل مشاق المهاجرة ومتاعبها أي إنما يوفى الذين صبروا على دينهم وحافظوا على حدوده ولم يفرطوا في مراعاة حقوقه لما اعتراهم في ذلك من فنون الآلام والبلايا التي من جملتها مهاجرة الأهل ومفارقة الأوطان أجرهم بمقابلة ما كابدوا من الصبر

بغير حساب أي بحيث لا يحصى ولا يحصر عن ابن عباس رضى اللّه عنهما لا يهتدى إليه حساب الحساب ولا يعرف وفي الحديث انه تنصب الموازين يوم القيامة لاهل الصلاة والصدقة والحج فيؤتون بها أجورهم ولا تنصب لأهل البلاء بل يصب عليهم الأجر صبا حتى يتمنى اهل العافيه في الدنيا أن اجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل

١١

قل إنى أمرت ان اعبد اللّه مخلصا له الدين أي من كل ما ينافيه من الشرك والرياء وغير ذلك امر رسول اللّه ببيان ما أمر به نفسه من الإخلاص في عبادة اللّه الذي هو عبارة عما أمر به المؤمنون من التقوى مبالغة في حثهم على الإتيان بما كلفوه وتمهيدا لما يعقبه مما خوطب به المشركون

١٢

وأمرت لان اكون اول المسلمين أي وامرت بذلك لأجل ان أكون مقدمهم في الدنيا والآخرة لان إحراز قصب السبق في الدين بالإخلاص فيه والعطف لمغايرة الثاني الأول بتقيده بالعلة والاشعار بأن العبادة المذكورة كما تقتضي الامر بها لذاتها تقتضيه لما يلزمها من السبق في الدين ويجوز ان تجعل اللام مزيدة كما في اردت لان اقوم بدليل قوله تعالى امرت ان اكون اول من اسلم فالمعنى وامرت ان اكون اول من اسلم من اهل زماني او من قومي او اكون أول من دعا غيره الى ما دعا اليه نفسه

١٣

قل اني اخاف ان عصيت ربي يترك الاخلاص والميل الى ما أنتم عليه من الشرك

عذاب يوم عظيم هو يوم القيامة وصف بالعظمة لعظمة ما فيه من الدواهي والاهوال

١٤

قل اللّه اعبد لاغيره لا استقلالا ولا اشتراكا

مخلصا له ديني من كل شوب امر اولا ببيان كونه مأمورا بعبادة اللّه تعالى واخلاص الدين له ثم بالاخبار بخوفه من العذاب على تقدير العصيان ثم بالاخبار بامتثاله بالامر على ابلغ وجه وآكده اظهارا لتصلبه في الدين وحسما لأطماعهم الفارغة وتمهيدا لتهديدهم بقوله تعالى

١٥

فاعبدوا ما شئتم ان تعبدوه من دونه تعالى وفيه من الدلالة على شدة الغضب عليهم مالا يخفي كأنهم لما لم ينتهوا عما نهوا عنه امروا به كي يحل بهم العقاب قل ان الخاسرين أي الكاملين في الخسران الذي هو عبارة عن اضاعة ما يهمه واتلاف مالا بد منه

الذين خسروا انفسهم واهليهم باختيارهم الكفر لهما أي اضاعوهما وأتلفوهما

يوم القيامة حين يدخلون النار حيث عرضوهما للعذاب السرمدي واوقعوهما في هلكة لا هلكة وراءها

وقيل خسروا اهليهم لانهم ان كانوا من اهل النار فقد خسروهم كما خسروا انفسهم وان كانوا من اهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا اياب بعده وفيه ان المحذور ذهاب مالو آب لانتفع به الخاسر وذلك غير متصور في الشق الاخير

وقيل خسروهم لانهم لم يدخلوا مدخل الذين لهم في اهل الجنة وخسروا اهليهم الذين كانوا يتمتعون بهم لو آمنوا وأيا ما كان فليس المراد مجرد تعريف الكاملين في الخسران بما نذكر بل بيان انهم هم إما نجعل الموصول عبارة عنهم او عما هم مندرجون فيه اندراجا اوليا وما في قوله تعالى

الا ذلك هو الخسران المبين من استئناف الجملة وتصديرها بحرف التنبيه والاشارة بذلك الى بعد منزلة المشار اليه في الشر وتوسيط ضمير الفصل وتعريف الخسران ووصفه بالمبين من الدلالة على كمال هو له وفظاعته وانه لا خسران وراءه مالا يخفي وقوله تعالى

١٦

لهم من فوقهم ظلل من النار الخ نوع بيان لخسرانهم بعد تهويله بطريق الابهام على ان لهم خبر لظلل ومن فوقهم متعلق بمحذوف قيل هو حال من ظلل والاظهر انه حال من الضمير في الظرف المقدم

ومن النار صفة لظلل أي لهم كائنة من فوقهم ظلل كثيرة متراكبة بعضها فوق بعض كائنة من النار

ومن تحتهم ايضا

ظلل أي اطباق كثيرة بعضها تحت بعض ظلل لاخرين بل لهم ايضا عند ترديهم في دركانها

ذلك العذاب الفظيع هو الذي

يخوف اللّه به عباده ويحذرهم اياه بآيات الوعيد ليجتنبوا ما يوقعهم فيه

يا عباد فاتقون ولا تتعرضوا لما يوجب سخطى وهذه عظة من اللّه تعالى بالغة منطوية على غاية اللطف والمرحمة وقرىء يا عبادي

١٧

والذين اجتنبوا الطاغوت أي البالغ اقصى غاية الطغيان فعلوت منه بتقديم اللام على العين بني للمبالغة في المصدر كالرحموت والعظموت ثم وصف به للمبالغة في النعت والمراد به هو الشيطان

ان يعبدوها بدل اشتمال منه فأن عبادة غير اللّه تعالى عبادة للشيطان اذ هو الآمر بها والمزين لها

وانابو الى اللّه واقبلوا اليه معرضين عما سواه اقبالا كليا

لهم البشرى بالثواب على السنة الرسل او الملائكة عند حضور الموت وحين يحشرون وبعد ذلك

فبشر عباد

١٨

الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه هم الموصوفون بالاجتناب والانابة بأعيانهم لكن وضع موضع ضميرهم الظاهر تشريفا لهم بالاضافة ودلالة على ان مدار اتصافهم بالوصفين الجليلين كونهم نقادا في الدين يميزون الحق من الباطل ويؤثرون الافضل فالافضل

اولئك اشارة اليهم باعتبار اتصافهم بما ذكر من النعوت الجليلة وما فيه من معنى البعد للايذان بعلو رتبتهم وبعد منزلتهم في الفضل ومحله الرفع على الابتداء خبره ما بعده من الموصول أي اولئك المنعوتون بالمحاسن الجميلة

الذين هداهم اللّه للذين الحق

واولئك هم اولو الالباب أي هم اصحاب العقول السليمة عن معارضة الوهم ومنازعة الهوى المستحقون للّهداية لا غيرهم وفيه دلالة على ان الهداية تحصل بفعل اللّه تعالى وقبول النفس لها

١٩

افمن حق عليه كلمة العذاب افأنت تنفذ من في النار بيان الاحوال أضداد المذكورين على طريقة الاجمال وتسجيل عليهم بحرمان الهداية وهم عبدة الطاغوت ومتبعو خطواتها كما يلوح به التعبير عنهم بمن حق عليه كلمة العذاب فإن المراد بها قوله تعالى لإبليس لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين وقوله تعالى لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم اجمعين واصل الكلام امن حق عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه على انها شرطية دخل عليها الهمزة لانكار مضمونها ثم الفاء لعطفها على جملة مستتبعة لها مقدرة بعد الهمزة ليتعلق الانكار والنفي بمضمونيهما معا أي أأنت مالك امر الناس فمن حق عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه ثم كررت الهمزة في الجزاء لتأكيد الانكار وتذكيره لما طال الكلام ثم وضع موضع الضمير من في النار لمزيد تشديد الانكار والاستبعاد والتنبيه على ان المحكوم عليه بالعذاب بمنزلة الواقع في النار وان اجتهاده في دعائهم الى الايمان سعى في انقاذهم من النار ويجوز ان يكون الجزاء محذوفا وقوله تعالى افأنت الخ جملة مستقلة مسوقة لتقرير مضمون الجملة السابقة وتعيين ما حذف منها وتشديد الانكار بتنزيل من استحق العذاب منزلة من دخل النار وتصوير الاجتهاد في دعائه الى الايمان بصورة الانقاذ من النار كأنه قيل اولا افمن حق عليه العذاب فأنت تخلصه منه ثم شدد النكير فقيل افأنت تنقذ من في النار وفيه تلويح بأنه تعالى هو الذي يقدر على الانقاذ لا غيره وحيث كان المراد بمن في النار الذين قيل في حقهم لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل استدرك منهم بقوله تعالى

٢٠

لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف وهم الذين خوطبوا بقوله تعالى ياعباد فاتقون ووصفوا بما عدد من الصفات الفاضلة وهم المخاطبون ايضا فيما سبق بقوله تعالى يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم الآية وبين ان لهم درجات عالية في جنات النعيم بمقابلة ما للكفره من دركات سافلة في الجحيم أي لهم علالي بعضها فوق بعض

مبنية بناء المنازل المبنية المؤسسة على الارض في الرصانة والاحكام

تجري من تحتها من تحت تلك الغرف

الانهار من غير تفاوت بين العلو والسفل

وعد اللّه مصدر مؤكد لقوله تعالى لهم غرف الخ فإنه وعد واي وعد لا يخلف اللّه الميعاد لاستحالته عليه سبحانه

٢١

الم تران اللّه انزل من السماء ماء استئناف وارد اما لتمثيل الحياة الدنيا في سرعة الزوال وقرب الاضمحلال بما ذكر من احوال الزرع ترغيبا عن زخارفها وزينتها وتحذيرا من الاغترار بزهرتها كما في نظائر قوله تعالى انما مثل الحياة الدنيا الآية او للاستشهاد على تحقق الموعود من الانهار الجارية من تحت الغرف بما يشاهد من انزال الماء من السماء وما يترتب عليه من آثار قدرته تعالى واحكام حكمته ورحمته والمراد بالماء المطر

وقيل كل ماء في الارض فهو من السماء ينزل منها الى الصخرة ثم يقسمه اللّه تعالى بين البقاع منسكه فأدخله ونظمه

ينابيع في الارض أي عيونا ومجاري كالعروق في الاجساد

وقيل مياها نابعة فيها فإن الينبوع يطلق على المنبع والنابع فنصبها على الحال وعلى الأول بنزع الجار أي في ينابيع

ثم يخرج به زرعا مختلفا الوانه اصنافه من بر وشعير وغيرهما او كيفانه من الالوان والطعوم وغيرهما وكلمة ثم للتراخي في الرتبة او الزمان وصيغة المضارع لاستحضار

الصورة

ثم يهيج أي يتم جفافه ويشرف على ان يثور من منابته

فتراه مصفرا من بعد خضرته ونضرته وقرىء

مصفارا ثم يجعله حطاما فتاتا متكسرة كأن لم يغن بالامس ولكون هذه الحالة من الآثار القوية علقت بجعل اللّه تعالى كالاخراج

ان في ذلك اشارة الى ما ذكر تفصيلا وما فيه من معنى البعد للايذان ببعد منزلته في الغرابة والدلالة على ما قصد بيانه

لذكرى لتذكيرا عظيما

لأولى الالباب لأصحاب العقول الخالصة عن شوائب الخلل وتنبيها لهم على حقيقة الحال يتذكرون بذلك أن حال الحياة الدنيا في سرعة التقضى والانصرام كما يشاهدونه من حال الحطام كل عام فلا يغترون ببهجتها ولا يفتتنون بفتنتها أو يجزمون بأن من قدر على إنزال الماء من السماء وإجرائه في ينابيع الارض قادر على إجراء الانهار من تحت الغرف هذا

وأما ما قيل إن في ذلك لتذكيرا وتنبيها على أنه لا بد من صانع حكيم وأنه كائن عن تقدير وتدبير لا عن تعطيل وإهمال فبمعزل من تفسير الآية الكريمة وإنما يليق ذلك بما لو ذكر ما ذكر من الآثار الجليلة والافعال الجميلة من غير إسناد لها الى مؤثر ما فحيث ذكرت مسندة الىاللّه عز و جل تعين أن يكون متعلق التذكير والتنبيه شئونه تعالى أوشئون آثاره حسبما بين لا وجوده تعالى وقوله تعالى

٢٢

افمن شرح اللّه صدره للاسلام الخ استئناف جار مجرى التعليل لما قبله من تخصيص الذكرى بأولي الالباب وشرح الصدر للاسلام عبارة عن تكميل الاستعداد له فإنه محل للقلب الذي هو منبع للروح التي تتعلق بها النفس القابلة للاسلام فانشراحه مستدع لاتساع القلب واستضاءته بنوره فإنه روي انه قال اذا دخل النور القلب انشرح وانفسح فقيل فما علامة ذلك قال الإنابة الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزوله والكلام في الهمزة والفاء كالذي مر في قوله تعالى افمن حق عليه كلمة العذاب وخبر من محذوف لدلالة ما بعده عليه والتقدير اكل الناس سواء فمن شرح اللّه صدره أي خلقه متسع الصدر مستعدا للاسلام فبقي على الفطرة الاصلية ولم يتغير بالعوارض المكتسبة الفادحة فيها

فهو بموجب ذلك مستقر

على نور عظيم

من ربه وهو اللطف الالهي الفائض عليه عند مشاهدة الآيات التكوينية والتنزيلية والتوفيق للاهتداء بها الى الحق كمن قسا قلبه وحرج صدره بسبب تبديل فطرة اللّه بسوء اختباره واستولى عليه ظلمات الغي والضلالة فأعرض عن تلك الآيات بالكلية حتى لا يتذكر بها ولا يغتنمها

فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه أي من اجل ذكره الذي حقه ان تنشرح له الصدور وتطمئن به القلوب أي اذا ذكر اللّه تعالى عندهم او آياته اشمأزوا من اجله وازدادت قلوبهم قساوة كقوله تعالى فزادتهم رجسا وقرىء عن ذكر اللّه أي عن قبوله

اولئك البعداء الموصوفون بما ذكر من قساوة القلوب

في ضلال بعد عن الحق

مبين ظاهر كونه ضلالا لكل احد قيل نزلت الآية في حمزة وعلي رضي اللّه عنهما وابي لهب وولده

وقيل في عمار بن

ياسر رضي اللّه عنه وابي جهل وذويه

٢٣

اللّه ينزل احسن الحديث هو القرآن الكريم روى ان اصحاب رسول اللّه ملوا ملة فقالوا له حدثا حديثا وعن ابن مسعود وابن عباس رضي اللّه عنهم قالوا لو حدثتنا فنزلت والمعنى ان فيه مندوحة عن سائر الاحاديث وفي ايقاع الاسم الجليل مبتدأ وبناء نزل عليه من تفخيم احسن الحديث ورفع محله والاستشهاد على حسنه وتأكيد استناده اليه تعالى وانه من عنده لا يمكن صدوره عن غيره والتنبيه على أنه وحي معجز مالا يخفي

كتابا بدل من احسن الحديث او حال منه سواء اكتسب من المضاف اليه تعريفا اولا فإن مساغ مجيء الحال من النكرة المضافة اتفاقي ووقوعه حالا مع كونه اسما لاصفة اما لاتصافه بقوله تعالى

متشابها او لكونه في قوة مكتوبا ومعنى كونه متشابها تشابه معانيه في الصحة والاحكام والابتناء على الحق والصدق واستتباع منافع الخلق في المعاد والمعاش وتناسب الفاظه في الفصاحة وتجاوب نظمه في الاعجاز

مثانى صفة اخرى لكتابا او حال اخرى منه وهو جمع مثنى بمعنى مردد ومكرر لما ثنى من قصصه وانبائه واحكامه واوامره ونواهيه ووعده ووعيده ومواعظه

وقيل لانه يثنى في التلاوة

وقيل هو جمع مثنى مفعل من التثنية بمعنى التكرير والاعادة كما في قوله تعالى فارجع البصر كرتين أي كرة بعد كرة ووقوعه صفة لكتابا باعتبار تفاصيله كما يقال القرآن سور وآيات ويجوز ان ينتصب على التمييز من متشابها كما يقال رايت رجلا حسنا شمائل أي شمائله والمعنى متشابهة مثانيه

تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم قيل صفة لكتابا او حال منه لتخصصه بالصفة والاظهر انه استئناف مسوق لبيان آثاره الظاهرة في سامعيه بعد بيان أوصافه في نفسه ولتقرير كونه احسن الحديث والاقشعرار التقبض يقال اقشعر الجلد اذا تقبض تقبضا شديدا وتركيبه من القشع وهو الاديم اليابس قد ضم اليه الراء ليكون رباعيا ودالا على معنى زائد يقال اقشعر جلده وقف شعره اذا عرض له خوف شديد من منكر هائل دهمه بغتة والمراد اما بيان افراط خشيتهم بطريق التمثيل والتصوير او بيان حصول تلك الحالة وعروضها لهم بطريق التحقيق والمعنى انهم اذا سمعوا القرآن وقوارع آيات وعيده اصابتهم هيبة وخشية تقشعر منها جلودهم واذا ذكروا رحمة اللّه تعالى تبدلت خشيتهم رجاء ورهبتهم رغبة وذلك قوله تعالى

ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر اللّه أي ساكنة مطمئنة الى ذكر رحمته تعالى وانما لم يصرح بها ايذانا بأنها اول ما يخطر بالبال عند ذكره تعالى

ذلك أي الكتاب الذي شرح احواله

هدى اللّه يهدي به من يشاء ان يهديه بصرف مقدوره الى الاهتداء بتأمله فيما في تضاعيفه من شواهد الحقية ودلائل كونه من عند اللّه تعالى

ومن يضلل اللّه أي يخلق فيه الضلالة بصرف قدرته الى مباديها واعراضه عما يرشده الى الحق بالكلية وعدم تأثره بوعيده ووعده اصلا او ومن يخذل

فماله من هاد يخلصه من ورطة الضلال

وقيل ذلك الذي ذكر من الخشية والرجاء اثر هداه تعالى يهدي بذلك الاثر من يشاء من عباده ومن يضلل أي من لم يؤثر فيه لطفه لقسوة قلبه واصراره على فجوره فماله من هاد من مؤثر فيه بشيء قط

٢٤

افمن يتقي بوجهه الخ استئناف جار مجري التعليل لما قبله من تباين حالي المهتدي والضال والكلام في الهمزة والفاء وحذف الخبر كالذي مر في نظيريه والتقدير اكل الناس سواء فمن شأنه انه بقى نفسه بوجهه الذي هو اشرف اعضائه

سوء العذاب أي العذاب السيء الشديد

يوم القيامة لكون يده التي بها كان يتقي المكاره والمخاوف مغلولة الى عنقه كمن هو آمن لا يعتريه مكروه ولا يحتاج الى الاتقاء بوجه من الوجوه

وقيل نزلت في ابي جهل

وقيل للظالمين عطف على يتقي ويقال لهم من جهة خزنة النار وصيغة الماضي الدلالة على التحقق والتقرر

وقيل هو حال من ضمير يتقي بإضمار قد ووضع المظهر في مقام المضمر للتسجيل عليهم بالظلم والاشعار بعلة الامر في قوله تعالى

ذوقوا ما كنتم تكسبون أي وبال ما كنتم تكسبونه في الدنيا على الدوام من الكفر والمعاصي

٢٥

كذب الذين من قبلهم استئناف مسوق لبيان ما اصاب بعض الكفرة من العذاب الدنيوي اثر بيان ما يصيب الكل من العذاب الاخروي أي كذب الذين من قبلهم من الامم السالفة

فأتاهم العذاب المقدر لكل امة منهم

من حيث لا يشعرون من الجهة التي لا يحتسبون ولا يخطر ببالهم اتيان الشر منها

٢٦

فأذاقهم اللّه الخزي أي الذل والصغار

في الحياة الدنيا كالمسخ والخسف والقتل والسى والاجلاء ونحو ذلك من فنون النكال

ولعذاب الآخرة المعد لهم

اكبر لشدته وسرمدينه

لو كانوا يعلمون أي لو كان من شأنهم ان يعلموا شيئا لعلموا ذلك واعتبروا به

٢٧

ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل يحتاج اليه الناظر في امور دينه

لعلهم يتذكرون كي بتذكروا به ويتعظوا

٢٨

قرآنا عربيا حال مؤكدة من هذا على ان مدار التأكيد هو الوصف كقولك جاءني زيد رجلا صالحا او مدح له

غير ذي عوج لا اختلاف فيه بوجه من الوجوه فهو ابلغ من المستقيم واخص بالمعاني

وقيل المراد بالعوج الشك لعلهم يتقون علة اخرى مترتبة على الاولى

٢٩

ضرب اللّه مثلا رجلا فيه ايراد

شركاء متشاكسون لمثل من الامثال القرآنية بعد بيان ان الحكمة في ضربها هو التذكر والاتعاظ بها وتحصيل التقوى والمراد بضرب المثل ههنا تطبيق حالة عجيبة بأخرى مثلها وجعلها مثلها كما مر في سورة يس ومثلا مفعول ثان لضرب ورجلا مفعوله الأول اخر عن الثاني للتشويق اليه وليتصل به ما هو من تتمته التي هي العمدة في التمثيل وفيه ليس بصلة لشركاء كما قيل بل هو خبر له وبيان انه في الاصل كذلك مما لا حاجة اليه والجملة في حيز النصب على انه وصف لرجلا او الوصف هو الجار والمجرور وشركاء مرتفع به على الفاعلية لاعتماده على الموصوف فالمعنى جعل اللّه تعالى مثلا للمشرك حسبما يقود اليه مذهبه من ادعاء كل معبوديه عبوديته عبدا يتشارك فيه جماعة يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المتباينة في تحيره وتوزع قلبه ورجلا أي وجعل للموحد مثلا

رجلا سلما أي خالصا

لرجل فرد ليس لغيره عليه سبيل اصلا وقرىء سلما بفتح السين وكسرها مع سكون اللام والكل مصادر من سلم له كذا أي خلص نعت بها مبالغة او حذف منها ذو وقرىء سالما وسالم أي وهناك رجل سالم وتخصيص الرجل لانه افطن لما يجري عليه من الضر والنفع

هل يستويان مثلا انكار واستبعاد لاستوائهما ونفي له على ابلغ وجه وآكده وايذان بأن ذلك من الجلاء والظهور بحيث لا يقدر احد ان يتفوه باستوائهما او يتلعثم في الحكم بتباينهما ضرورة أن احدهما في اعلى عليين والاخر في اسفل سافلين وهو السر في ابهام الفاضل والمفضول وانتصاب مثلا على التمييز أي هل يستوي حالاهما وصفتاهما والاقتصار في التمييز على الواحد لبيان الجنس وقرىء مثلين كقوله تعالى اكثر اموالا واولادا باختلاف النوع او لان المراد هل يستويان في الوصفين على ان الضمير للمثلين لان التقدير مثل رجل فيه الخ ومثل رجل الخ وقوله تعالى

الحمد للّه تقرير لما قبله من نفي الاستواء بطريق الاعتراض وتنبيه للموحدين على ان مالهم من المزية بتوفيق اللّه تعالى وانها نعمة جليلة موجبة عليهم ان يداموا على حمده وعبادته او على ان بيانه تعالى بضرب المثل ان لهم المثل الاعلى وللمشركين مثل السوء صنع جميل ولطف تام منه عز و جل مستوجب لحمده وعبادته وقوله تعالى

بل اكثرهم لا يعلمون اضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور الى بيان ان اكثر الناس هم المشركون لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره فيبقون في ورطة الشرك والضلال وقوله تعالى

٣٠

انك ميت وانهم ميتون تمهيد لما يعقبه من الاختصام يوم القيامة وقرىء مائت ومائتون

وقيل كانوا يتربصون برسول اللّه موته أي انكم جميعا بصدد الموت

٣١

ثم انكم يوم القيامة عند ربكم أي مالك اموركم

تختصمون فتحتج انت عليهم بأنك بلغتهم ما ارسلت به من الاحكام والمواعظ التي من جملتها ما في تضاعيف هذه الآيات واجتهدت في الدعوة الى الحق حق الاجتهاد وهم قد لجوا في المكابرة والعناد

وقيل المراد به الاختصام العام الجاري في الدنيا بين الانام والاول هو الاظهر الانسب بقوله تعالى

٣٢

فمن اظلم ممن كذب على اللّه فإنه الى آخره مسوق لبيان حال كل من طرفي الاختصام الجاري في شأن الكفر والايمان لا غير أي اظلم من كل ظالم من افترى على اللّه سبحانه وتعالى بأن اضاف اليه الشريك والولد

وكذب بالصدق أي بالامر الذي هو عين الحق ونفس الصدق وهو ما جاء به النبي

اذ جاءه أي في اول مجيئه من غير تدبر فيه ولا تأمل

اليس في جهنم مثوى الكافرين أي لهؤلاء الذين افتروا على اللّه سبحانه وسارعوا الى التكذيب بالصدق من اول الامر والجمع باعتبار معنى من كما ان الافراد في الضمائر السابقة باعتبار لفظها او لجنس الكفرة وهم داخلون في الحكم دخولا اوليا والذي جاء بالصدق وصدق به الموصول عبارة عن رسول اللّه ومن تبعه كما ان المراد في قوله تعالى ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون هو عليه الصلاة و السلام وقومه

وقيل عن الجنس المتناول المرسل والمؤمنين بهم ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي اللّه عنه

٣٣

والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به

وقيل هو صفة لموصوف محذوف هو الفوج او الفريق

اولئك الموصوفون بما ذكر من المجيء بالصدق والتصديق به

هم المتقون المنعوتون بالتقوى التي هي اجل الرغائب وقرىء وصدق به بالتخفيف أي صدق به الناس فأداه اليهم كما نزل عليه من غير تغيير

وقيل وصار صادقا به أي بسببه لان ما جاء به من القرآن معجزة دالة على صدقه وقرىء صدق به على البناء للمفعول

٣٤

لهم ما يشاءون عند ربهم بيان لما لهم في الآخرة من حسن المآب بعد بيان مالهم في الدنيا من محاسن الاعمال أي لهم كل ما يشاءون من جلب المنافع ودفع المضار في الآخرة لا في الجنة فقط لما ان بعض ما يشاءونه من تكفير السيئات والامن من الفزع الاكبر وسائر اهوال القيامة انما يقع قبل دخول الجنة

ذلك الذي ذكر من حصول كل ما يشاءونه

جزاء المحسنين أي الذين احسنوا اعمالهم وقد مر تفسير الاحسان غير مرة وقوله تعالى

٣٥

ليكفر اللّه عنهم اسوا الذي عملوا الخ متعلق بقوله تعالى لهم ما يشاءون لكن لا باعتبار منطوقه ضرورة ان التفكير المذكور لا يتصور كونه غاية لثبوت ما يشاءون لهم في الآخرة كيف لا وهو بعض ما سيثبت لهم فيها بل باعتبار فحواه فإنه حيث لم يكن اخبارا بما ثبت لهم فيما مضى بل بما سيثبت لهم فيما سيأتي كان في معنى الوعد به كما مر في قوله تعالى وعد اللّه فإنه مصدر مؤكد لما قبله من قوله تعالى لهم غرف من فوقها غرف فإنه في معنى وعدهم اللّه غرفا فانتصب به وعد اللّه كأنه قيل وعدهم اللّه جميع ما يشاءونه من زوال المضار وحصول المسار ليكفر عنهم بموجب ذلك الوعد اسوا الذي عملوا دفعا لمضارهم

ويجزيهم اجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون اعطاء لمنافعهم واظهار الاسم الجليل في موقع الاضمار لابراز كمال الاعتناء بمضمون الكلام واضافة الا الأسوأ والاحسن الى ما بعدهما ليست من قبيل اضافة المفضل الى المفضل عليه بل من اضافة الشيء الى بعضه للقصد الى التحقيق والتوضيح من غير اعتبار تفضيله عليه وانما المعتبر فيهما مطلق الفضل والزيادة لا على المضاف اليه المعين بخصوصه كما في قولهم الناقص والاشج اعد لانني مروان خلا ان الزيادة المعتبرة فيهما ليست بطريق الحقيقة بل هي في الأول بالنظر الى ما يليق بحالهم من استعظام سيئاتهم وان قلت واستصغار حسناتهم وان جلت والثاني بالنظر الى لطف اكرم الاكرمين من استكثار الحسنة اليسيرة ومقابلتها بالمثوبات الكثيرة وحمل الزيادة على الحقيقة وان امكن في الأول بناء على أن تخصيص الاسوأ بالذكر لبيان تكفير ما دونه بطريق الاولوية ضرورة استلزام تكفير الأسوأ لتكفير السيء لكن لما لم يكن ذلك في الاحسن كان الأحسن نظمهما في سلك واحد من الاعتبار والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل في صلة الموصول الثاني دون الأول للايذان باستمرارهم على الاعمال الصالحة بخلاف السيئة

٣٦

اليس اللّه بكاف عبده انكار ونفي لعدم كفايته تعالى على ابلغ وجه وآكده كأن الكفاية من التحقق والظهور بحيث لا يقدر احد على ان يتفوه بعدمها او يتلعثم في الجواب بوجودها والمراد بالعبد اما رسول اللّه او الجنس المنتظم له عليه السلام انتظاما اوليا ويؤيده قراءة من قرا عباده وفسر بالانبياء عليهم الصلاة والسلام وكذا قراءة من قرا بكافي عباده على الاضافة ويكافىء عباده صيغة المغالبة اما من الكفاية لافادة المبالغة فيها

وأما من المكافأة بمعنى المجازاة وهذه تسلية لرسول اللّه عما قالت له قريش انا نخاف ان تخبلك آلهتنا ويصيبك مضرتها لعيبك اياها وفي رواية قالوا لتكفن عن شتم آلهتنا او ليصيبنك منهم خبل او جنون كما قال قوم هود ان نقول الا اعتراك بعض آلهتا بسوء وذلك قوله تعالى

ويخوفونك بالذين من دونه أي الاوثان التي اتخذوها آلهة من دونه تعالى والجملة استئناف

وقيل حال

ومن يضلل اللّه حتى غفل عن كفايته تعالى وعصمته له وخوفه بما لاينفع ولايضر اصلا

فما له من هاد يهديه الى خير ما

٣٧

ومن يهد اللّه فما له من مضل يصرفه عن مقصده او يصيبه بسوء يخل بسلوكه اذ لا راد لفعله ولا معارض لارادته كما ينطق به قوله تعالى

اليس اللّه بعزيز غالب لا يغالب منيع لا يمانع ولا ينازع

ذي انتقام ينتقم من اعدائه لاوليائه واظهار الاسم الجليل في موقع الاضمار لتحقيق مضمون الكلام وتربية المهابة

٣٨

ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن اللّه لوضوح الدليل وسنوح السبيل

قل تبكيتا لهم

افرأيتم ما تدعون من دون اللّه ان ارادني اللّه بضر هل هن كاشفات ضره أي بعد ما تحققتم ان خالق العالم العلوي والسفلي هو اللّه عز و جل فأخبرونى ان آلهتكم إن أرادنى اللّه بضر هل يكشفن عنى ذلك الضر

أو أرادنى برحمة أي أو أرادنى بنفع

هل هن ممسكات رحمته فيمنعنها عنى وقرئ كاشفات ضره وممسكات رحمته بالتنوين فيهما ونصب ضره ورحمته وتعليق إرادة الضر والرحمة بنفسه عليه الصلاة و السلام للرد في نحورهم حيث كانوا خوفوه معرة الاوثان ولما فيه من الايذان بإمحاض النصيحة

قل حسبى اللّه أي في جميع اموري من إصابة الخير ودفع الشر روى انه لما سألهم سكتوا فنزل ذلك

عليه يتوكل المتوكلون لا على غير أصلا لعلمهم بأن كل ما سواه تحت ملكوته تعالى

٣٩

قل يا قوم اعملوا على مكانتكم على حالتكم التي أنتم عليها من العداوة التي تمكنتم فيها فإن المكانة تستعار من العين للمعنى كما تستعار هنا وحيث للزمان مع كونهما للمكان وقرئ على مكاناتكم

إنى عامل أي على مكانتي فحذف للاختصار والمبالغة في الوعيد والاشعار بأن حاله لا تزال تزداد قوة بنصر اللّه عز و جل وتاييده ولذلك توعدهم بكونه منصورا عليهم في الدارين بقوله تعالى

فسوف تعلمون

٤٠

من يأتيه عذاب يخزيه فإن خزى أعدائه دليل غلبته عليه الصلاة و السلام وقد عذبهم اللّه تعالى وأخزاهم يوم بدر

ويحل عليهم عذاب مقيم أي دائم هو عذاب النار

٤١

إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس لأجلهم فإنه مناط مصالحهم في المعاش والمعاد

بالحق حال من فاعل أنزلنا أو من مفعوله

فمن اهتدى بأن عمل بما فيه

فلنفسه أي إنما نفع به نفسه

ومن ضل بأن لم يعمل بموجبه

فإنما يضل عليها لما أن وبال ضلاله مقصور عليها

وما أنت عليهم بوكيل لتجبرهم على الهدى وما وظيفتك إلا البلاغ وقد بلغت أي بلاغ

٤٢

اللّه يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها أي يقبضها من الابدان

بأن يقطع تعلقها عنها وتصرفها فيها إما ظاهرا وباطنا كما عند الموت أو ظاهرا فقط كما عند النوم

فيمسك التي قضى عليها الموت ولا يردها الى البدن وقرئ قضى على البناء للمفعول ورفع الموت

ويرسل الاخرى أي النائمة الى بدنها عند التيقظ

الى أجل مسمى هو الوقت المضروب لموته وهو غاية لجنس الإرسال الواقع بعد الإمساك لا لفرد منه فإن ذلك مما لا امتداد فيه ولا كمية وما روى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما

إن في ابن آدم نفسا وروحا بينهما مثل شعاع الشمس فالنفس هي التي بها العقل والتميير والروح هي التي بها النفس والتحرك فتتوفيان عند الموت وتتوفى النفس وحدها عند النوم قريب مما ذكر

إن في ذلك أي فيما ذكر من التوفى على الوجهين والامساك في أحدهما والارسال في الاخر

لآيات عجيبة دالة على كمال قدرته تعالى وحكمته وشمول رحمته

 لقوم يتفكرون في كيفية تعلقها بالأبدان وتوفيها عنها تارة بالكلية كما عند الموت وإمساكها باقية لا تفنى بفنائها وما يعتريها من السعادة والشقاوة وأخرى عن ظواهرها فقط كما عند النوم وإرسالها حينا بعد حين الى انقضاء آجالها

٤٣

أم اتخذوا أي بل اتخذ قريش

من دون اللّه من دون إذنه تعالى

شفعاء تشفع لهم عنده تعالى

قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون الهمزة لإنكار الواقع واستقباحه والتوبيخ عليه أي

٤٤

قل أتتخذونهم شفعاء ولو كانوا لا يملكون شيئا من الاشياء ولا يعقلونه فضلا عن أن يملكوا الشفاعة عند اللّه تعالى أو هي لإنكار الوقوع ونفيه على ان المراد بيان أن ما فعلوا ليس من اتخاذ الشفعاء في شئ لانه فرع كون الأوثان شفعاء وذلك أظهر المحالات فالمقدر حينئذ غير ما قدر أولا وعلى أي تقدير كان فالوا للعطف على شرطية قد حذفت لدلالة المذكورة عليها أي أيشفعون لو كانوا يملكون شيئا ولو كانوا لا يملكون الخ وجواب لو محذوف لدلالة المذكور عليه وقد مر تحقيقه مرارا قل بعد تبكيتهم وتجهيلهم بما ذكر تحقيقا للحق

للّه الشفاعة جميعا أي هو مالكها لا يستطيع أحد شفاعة ما إلا ان يكون المشفوع له مرتضى والشفيعع مأذونا له وكلاهما مفقود ههنا وقوله تعالى

له ملك السموات والارض تقرير له وتاكيد أي له ملكهما وما فيهما من المخلوقات لا يملك أحد أن يتكلم في أمر من أموره بدون إذنه ورضاه

ثم إليه ترجعون يوم القيامة لا إلى أحد سواه لا استقلالا ولا اشتراكا فيفعل يومئذ ما يريد

٤٥

وإذا ذكر اللّه وحده دون آلهتهم

اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة أي انقبضت ونفرت كما في قوله تعالى وإذا ذكر ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا

وإذا ذكر الذين من دونه فرادى أو مع ذكر اللّه تعالى

إذا هم يستبشرون لفرط افتتانهم بها ونسيانهم حق اللّه تعالى ولقد بولغ في بيان حاليهم القبيحتين حيث بين الغاية فيهما فإن الاستبشار هو أن يمتلئ القلب سرورا حتى ينبسط له بشرة الوجه والاشمئزاز أن يمتلئ غيظا وغما ينقبض منه أديم الوجه والعامل في إذا الاولى اشمأزت وفي الثانية ما هو العامل في إذا المفاجأة تقديره وقت ذكر الذين من دونه فاجأوا وقت الاستبشار

٤٦

قل اللّهم فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة أي التجئ إليه تعالى بالدعاء لما تحيرت في أمر الدعوة وضجرت من شدة شكيمتهم في المكابرة والعناد فإنه القادر على الاشياء بجملتها والعالم بالاحوال برمتها

أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون أي حكما يسلمه كل مكابر معاند ويخضع له كل عات مارد وهو العذاب الدنيوي أو الاخروى وقوله تعالى

٤٧

ولو أن للذين ظلموا ما في الارض جميعا الخ كلام مستأنف مسوق لبيان آثار الحكم الذي استدعاه النبي وغاية شدته وفظاعته أي لو ان لهم جميع ما في الدنيا من الاموال والذخائر

ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة أي لجعلوا كل ذلك فدية لأنفسهم من العذاب الشديد وهيهات ولات حين مناص وهذا كما ترى وعيد شديد وإقناط لهم من الخلاص

وبدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون أي ظهر لهم من فنون العقوبات ما لم يكن في حسابهم وهذه غاية من الوعيد لا غاية وراءها ونظيره في الوعد قوله تعالى فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة أعين

٤٨

وبدا لهم سيئات ما كسبوا سيئات أعمالهم أو كسبهم حين تعرض عليهم صحائفهم

وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون أي أحاط بهم جزاؤه

٤٩

فإذا مس الانسان ضر دعانا إخبار عن الجنس بما يفعله غالب أفراده والفاء لترتيب ما بعدها من المناقضة والتعكيس على ما مر من حالتيهم القبيحتين وما بينهما اعتراض مؤكد للإنكار عليهم أي إنهم يشمئزون عن ذكر اللّه تعالى وحده ويستبشرون بذكر الالهة فإذا مسهم ضر دعوا من اشمأزوا عن ذكره دون من استبشروا بذكره

ثم إذا خولناه نعمة منا اعطيناه إياها تفصلا فإن التخويل مختص به لا يطلق على ما أعطى جزاء

قال إنما أوتيته على علم أي على علم منى بوجوه كسبه أو أبى فأعطاه لما لي من الاستحفاق أو على علم من اللّه تعالى بي وباستحقاقى والهاء لما إن جعلت موصوله وإلا فلنعمة والتذكير لما أن المراد شئ نعمة

بل هي فتنة أي محنة وابتلاء له ايشكر

أم يكفر وهو رد لما قاله وتغيير السبك للمبالغة فيه والإيذان بأن ذلك ليس من باب الإيتاء المنبئ عن الكرامة وإنما هو أمر مباين له بالكلية وتأنيث الضمير باعتبار لفظ النعمة أو باعتبار الخبر وقرئ بالتذكير

ولكن أكثرهم لا يعلمون ان الامر كذلك وفيه دلالة على ان المراد بالانسان هو الجنس

٥٠

قد قالها الذين من قبلهم الهاء لقوله إنما أوتيته على علم لأنها كلمة أو جملة وقرئ بالتذكير والموصول عبارة عن قارون وقومه حيث قال إنما اوتيته على علم عندي وهم راضون به

فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون من متاع الدنيا ويجمعون منه

٥١

فأصابهم سيئات ما كسبوا جزاء سيئات أعمالهم أو أجزبة ما كسبوا وتسميتها سيئات لانها في مقابلة سيئاتهم وجزاء سيئة سيئة مثلها

والذين ظلموا من هؤلاء المشركين ومن للبيان او للتبعيض أي أفرطوا في الظلم والعتو

 سيصيبهم سيئات ما كسبوا من الكفر والمعاصي كا اصاب أولئك والسين للتاكيد وقد أصابهم أي إصابة حيث قحطوا سبع سنين وقتل صناديدهم يوم بدر

وما هم بمعجزين أي فائنين

٥٢

أو لم يعلموا أي أقالوا ذلك ولم يعلموا أو أغفلوا ولم يعلموا

أن اللّه يبسط الرزق لمن يشاء ان يبسطه له ويقدر

لمن يشاء ان يقدره له من غير أن يكون لاحد مدخل ما في ذلك حيث حبس عنهم الرزق سبعا ثم بسطه لهم سبعا

إن في ذلك الذي ذكر

لآيات دالة على أن الحوادث كافة من اللّه عز و جل

لقوم يؤمنون إذ هم المستدلون بها على مدلولاتها

٥٣

قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم أي افرطوا في الجناية عليها بالاسراف في المعاصي وإضافة العباد تخصصه بالمؤمنين على ما هو عرف القرآن الكريم

لا تقنطوا من رحمة اللّه أي لا تيأسوا من مغفرته أولا ولا تفضله ثانيا إن اللّه يغفر الذنوب جميعا عفوا لمن يشاء ولو بعد حين بتعذيب في الجملة وبغيره حسبما يشاء وتقييده بالتوبة خلاف الظاهر كيف لا وقوله تعالى إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ظاهر في الاطلاق فيما عدا الشرك ومما يدل عليه التعليل بقوله تعالى

إنه هو الغفور الرحيم على المبالغة وإفادة الحصر والوعد بالرحمة بعد المغفرة وتقديم ما يستدعى عموم المغفرة في عبادى من الدلالة على الذلة والاختصاص المقتضيين للترحم وتخصيص ضرر الإسراف بأنفسهم والنهى عن القنوط مطلقا عن الرحمة فضلا عن المغفرة وإطلاقها وتعليله بأن اللّه يغفر الذنوب ووضع الاسم الجليل موضع الضمير لدلالته على أنه المستغنى والمنعم على الإطلاق والتأكيد بالجميع وما روى من اسباب النزول الدالة على ورود الآية فيمن تاب لا يقتضى اختصاص الحكم بهم ووجوب حمل المطلق على المقيد في كلام واحد مثل أكرم الفضلاء أكرم الكاملين غير مسلم فكيف فيما هو بمنزلة كلام واحد ولا يخل بذلك الامر بالتوبة والاخلاص في قوله تعالى

٥٤

وانيبوا الى ربكم واسلموا له من قبل ان يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون اذ ليس المدعي ان الآية تدل على حصول المغفرة لكل احد من غير توبة وسبق تعذيب لتغنى عن الامر بهما وتنافي الوعيد بالعذاب

٥٥

واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم أي القرآن او المأمور به دون المنهي عنه او العزائم دون الرخص او الناسخ دون المنسوخ ولعله ما هو انجى واسلم كالانابة والمواظبة على الطاعة

من قبل ان يأتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون بمجيئه لتتداركوا وتتأهبوا له

٥٦

ان تقول نفس أي كراهة ان تقول والتنكير للتكثير كما في قوله تعالى عملت نفس ما احضرت فإنه مسلك ربما يسلك عند ارادة التكثير والتعميم وقد مر تحقيقه في مطلع سورة الحجر

يا حسرتا بالالف بدلا من ياء الاضافة وقرىء يا حسرتاه بهاء السكت وقفا وقرىء ياحسرتاي بالجمع بين العوضين وقرىء ياحسرتي على الاصل أي احضري فهذا او ان حضورك

على ما فرطت أي على تفريطي وتقصيري في جنب

اللّه أي جانبه وفي حقه وطاعته وعليه قول من قال

... اما تتقين اللّه في جنب وامق ... له كبد حرى وعين ترقرق ...

وهو كناية فيها مبالغة

وقيل في ذات اللّه على تقدير مضاف كالطاعة

وقيل في قربه من قوله تعالى والصاحب بالجنب وقرىء في ذكر اللّه

وان كنت لمن الساخرين أي المستهزئين بدين اللّه تعالى واهله ومحل الجملة النصب على الحال أي فرطت وانا ساخر

٥٧

او تقول لو ان اللّه هداني بالارشاد الى الحق

لكنت من المتقين الشرك والمعاصي

٥٨

او تقول حين ترى العذاب لو ان لي كرة رجعة الى الدنيا

فأكون من المحسنين في العقيدة والعمل واو للدلالة على انها لا تخلو عن هذه الاقوال تحسرا وتحيرا وتعللا بما لا طائل تحته وقوله تعالى

٥٩

بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين رد من اللّه تعالى عليه لما تضمنه قوله لو ان اللّه هداني من معنى النفي وفضله عنه لما ان تقديمه يفرق القرائن وتأخير المردود يخل بالترتيب الوجودي لانه يتحسر بالتفريط ثم يتعلل بفقد الهداية ثم يتمنى الرجعة وهو لا يمنع تأثير قدرة اللّه تعالى في فعل العبد ولا ما فيه من اسناد الفعل اليه كما عرفت وتذكير الخطاب باعتبار المعنى وقرىء بالتأنيث

٦٠

ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على اللّه بأن وصفوه بما لا يليق بشأنه كاتخاذ الولد

وجوههم مسودة بما ينالهم من الشدة او بما يتخيل عليها من ظلمة الجهل والجملة حال قد اكتفى فيها بالضمير عن الواو على ان الرؤية بصرية او مفعول ثان لها على انها عرفانية

اليس في جهنم مثوى أي مقام

للمتكبرين عن الايمان والطاعة وهو تقرير لما قبله من رؤيتهم كذلك

٦١

وينجي اللّه الذين اتقوا الشرك والمعاصي أي من جهنم وقرىء ينجي من الانجاء

بمفازتهم مصدر ميمي اما من فاز بالمطلوب أي ظفر به والباء متعلقة بمحذوف هو حال من الموصول مفيدة لمقارنة تنجيتهم من العذاب لنيل الثواب أي ينجيهم اللّه تعالى من مثوى المتكبرين ملتبسين بفوزهم بمطلوبهم الذي هو الجنة وقوله تعالى

لا يمسهم السوء ولاهم يحزنون اما حال اخرى من الموصول او من ضمير مفازتهم مفيدة لكون نجاتهم او فوزهم بالجنة غير مسبوقة بمساس العذاب والحزن

وأما من فاز منه أي نجا منه والباء للملابسة وقوله تعالى لا يمسهم الى آخره تفسير وبيان لمفازتهم أي ينجيهم اللّه تعالى ملتبسين بنجاتهم الخاصة بهم أي بنفي السوء والحزن عنهم او للسببية اما على حذف المضاف أي ينجيهم بسبب مفازتهم التي هي تقواهم كما يشعر به ايراده في حيز الصلة

وأما على اطلاق المفازة على سببها الذي هو التقوى وليس المراد نفي دوام المساس والحزن بل دوام نفيهما كما مر مرارا

٦٢

اللّه خالق كل شيء من خير وشر وايمان وكفر لكن لا بالجبر بل بمباشرة الكاسب لاسبابها

وهو على كل شيء وكيل يتولى التصرف فيه كيفما يشاء

٦٣

له مقاليد السموات والارض لا يملك امرها ولا يتمكن من التصرف فيها غيره وهو عبارة عن قدرته تعالى وحفظه لها وفيها مزيد دلالة على الاستقلال والاستبداد لان الخزائن لا يدخلها ولا يتصرف فيها الا من بيده مفاتيحها وهو جميع مقليد او مقلاد من قلدته اذا الزمته وقبل جمع اقليد معرب كليد على الشذوذ كالمذاكير وعن عثمان رضي اللّه عنه انه سأل النبي عن المقاليد فقال تفسيرها لا اله الا اللّه واللّه اكبر وسبحان اللّه وبحمده واستغفر اللّه ولا حول ولا قوة الا باللّه العلي العظيم هو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحي ويميت وهو على كل شيء قدير والمعنى على هذا ان للّه هذه الكلمات يوحد بها ويمجد وهي مفاتيح خير السموات والارض من تكلم بها اصابه والذين كفروا بآيات اللّه اولئك هم الخاسرون متصل بما قبله والمعنى ان اللّه تعالى خالق لجميع الاشياء ومتصرف فيها كيفما يشاء بالاحياء والامانة بيده مقاليد العالم العلوي والسفلي

والذين كفروا بآياته التكوينية المنصوبة في الآفاق والانفس والتنزيلية التي من جملتها هاتيك الآيات الناطقة

بذلك هم الخاسرون خسرانا لاخسار وراءه هذا

وقيل هو متصل بقوله تعالى وينجي اللّه وما بينهما اعتراض فتدبر

٦٤

قل افغير اللّه تأمروني اعبد ايها الجاهلون أي ابعد مشاهدة هذه الآيات غير اللّه اعبد وتأمروني اعتراض للدلالة على انهم امروه به عقيب ذلك وقالوا استلم بعض آلهتنا نؤمن بإلهك لفرط غباوتهم ويجوز ان ينتصب غير بما يدل عليه تأمروني اعبد لانه بمعنى تعبدونني وتقولون اعبد على ان اصله تأمرونني ان اعبد فحذف ان ورفع ما بعدها كما في قوله ... الا ايهذا الزاجري احضر الوغي ... وان اشهد اللذات هل انت مخلدي ...

ويؤيده قراءة اعبد بالنصب وقرىء تأمرونني بإظهار النونين على الاصل وبحذف الثانية

٦٥

ولقد اوحي اليك والى الذين من قبلك أي من الرسل عليهم السلام

لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين كلام وارد على طريقة الفرض لتهييج الرسل واقناط الكفرة والايذان بغاية شناعة الاشراك وقبحه وكونه بحيث ينهي عنه من لا يكاد يمكن ان يباشره فكيف بمن عداه وإفراد الخطاب باعتبار كل واحد واللام الاولى موطئة للقسم والاخريان للجواب واطلاق الاحباط يحتمل ان يكون من خصائصهم عند الاشراك لان الاشراك منهم اشد واقبح وان يكون مقيدا بالموت كما صرح به في قوله تعالى من يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت اعمالهم وعطف الخسران عليه من عطف المسبب على السبب

٦٦

بل اللّه فاعبد رد لما امروه به ولولا دلالة التقديم على القصر لم يكن كذلك

وكن من الشاكرين انعامه عليك وفيه اشارة الى ما يوجب الاختصاص ويقتضيه

٦٧

وما قدروا اللّه حق قدره ما قدروا عظمته تعالى في انفسهم حق عظمته حيث جعلوا له شريكا ووصفوه بما لا يليق بشئونه الجليلة وقرىء بالتشديد

والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه تنبيه على غاية عظمته وكمال قدرته وحفارة الافعال العظام التي تتحير فيها الاوهام بالنسبة الى قدرته تعالى ودلالة على ان تخريب العالم اهون شيء عليه على طريقة التمثيل والنخييل من غير اعتبار القبضة واليمين حقيقة ولا مجازا كقولهم شابت لمة الليل والقبضة المرة من القبض اطلقت بمعنى القبضة وهي المقدار المقبوض بالكف تسمية بالمصدر او بتقدير ذات قبضة وقرىء بالنصب على الظرف تشبيها للموقت بالمبهم وتأكيد الارض بالجميع لان المراد بها الأرضون السبع او جميع ابعاضها البادية والغائرة وقرىء مطويات على انها حال والسموات معطوفة على الارض منظومة في حكمها

سبحانه وتعالى عما يشركون ما ابعد وما اعلى من هذه قدرته وعظمته عن اشراكهم او عما يشركونه من الشركاء

٦٨

ونفخ في الصور هي النفخة الاولى

فصعق من في السموات ومن في الارض أي خروا امواتا ومغشيا عليهم

الا من شاء اللّه قيل هم جبريل وميكائيل واسرافيل فإنهم لا يموتون بعد وقيل حملة العرش

ثم نفخ فيه اخرى نفخة اخرى هي النفخة الثانية واخرى يحتمل النصب والرفع

فإذا هم قيام قائمون من قبورهم او متوقفون وقرىء بالنصب على ان الخبر

ينظرون وهو حال من ضميره والمعنى يقلبون ابصارهم في الجوانب كالمبهوتين او ينتظرون ما يفعل بهم

٦٩

واشرقت الارض بنور ربها بما اقام فيها من العدل استعير له النور لانه يزين البقاع ويظهر الحقوق كما يسمى الظلم ظلمة وفي الحديث الظلم ظلمات يوم القيامة ولذلك اضيف الاسم الجليل الى ضمير الارض او بنور خلقه فيها بلا توسط اجسام مضيئة ولذلك اضيف الى الاسم الجليل

ووضع الكتاب الحساب والجزاء من وضع المحاسب كتاب المحاسبة بين يديه او صحائف الاعمال في ايدي العمال واكتفى باسم الجنس عن الجمع

وقيل اللوح المحفوظ يقابل به الصحائف

وجىء بالنبيين والشهداء للامم وعليهم من الملائكة والمؤمنين

وقيل المستشهدون

وقضى بينهم بين العباد

بالحق وهم لا يظلمون بنقص ثواب او زيادة عقاب على ما جرى به الوعد

٧٠

ووفيت كل نفس ما عملت أي جزاءه

وهو اعلم بما يفعلون فلا يفوته شيء من افعالهم وقوله تعالى

٧١

وسيق الذين كفروا الى جهنم زمرا الخ تفصيل للتوفية وبيان لكيفيتها أي سيقوا اليها بالعنف والاهانة افواجا متفرقة بعضها في اثر بعض مترتبة حسب ترتب طبقاتهم في الضلالة والشرارة والزمر جمع زمرة واشتقاقها من الزمر وهو

الصوت اذ الجماعة لا تخلو عنه

حتى اذا جاءوها فتحت ابوابها ليدخلوها وحتى هي التي تحكي بعدها الجملة وقرىء بالتشديد

وقال لهم خزنتها تقريعا وتوبيخا

الم يأتكم رسل منكم من جنسكم وقرىء نذر منكم

يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا أي وقتكم هذا وهو وقت دخولهم النار وفيه دليل على انه لا تكليف قبل الشرع من حيث انهم عللوا توبيخهم بإتيان الرسل وتبليغ الكتب

قالوا بلى قد أنونا وأندرونا

ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين حيث قال اللّه تعالى لإبليس لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين وقد كنا ممن اتبعه وكذبنا الرسل وقلنا ما نزل اللّه من شئ إن انتم إلا تكذبون

٧٢

قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها أي مقدرا خلودكم فيها وإبهام القائل لتهويل المقول

فبئس مثوى المتكبرين اللام للجنس والمخصوص بالذم محذوف ثقة بذكره آنفا أي فبئس مثواهم جهنم ولا يقدح ما فيه من الإشعار بأن كون مثواهم جهنم لتكبرهم عن الحق في أن دخولهم النار لسبق كلمة العذاب عليهم فإنها إنما حقت عليهم بناء على تكبرهم وكفرهم وقد مر تحقيقه في سورة الم السجدة

٧٣

وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة مساق إعزاز وتشريف للإسراع بهم إلى دار الكرامة

وقيل سيق مراكبهم إذ لا يذهب بهم إلا راكبين

زمرا متفاوتين حسب تفاوت مراتبهم في الفضل وعلو الطبقة

حتى إذا جآءوها وفتحت أبوابها وقرئ بالتشديد وجواب إذا محذوف للإيذان بأن لهم حينئذ من فنون الكرامات ما لا يحدق به نطاق العبارات كأنه قيل حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها

وقال لهم خزنتها سلام عليكم من جميع المكاره والآلام

طبتم طهرتم من دنس المعاصي أو طبتم نفسا بما أتيح لكم من النعيم فادخلوها خالدين كان ما كان مما يقصر عنه البيان

٧٤

وقالوا الحمد للّه الذي صدقنا وعده بالبعث والثواب

وأورثنا الارض يريدون المكان الذي استقروا فيه على الاستعارة وإيراثها تمليكها مخلفة عليهم من أعمالهم أو تمكينهم من التصرف فيها تمكين الوارث فيما يرثه

نتبوأ من الجنة حيث نشاء أي نتبوأ كل واحد منا في أي مكان أراده من جنته الواسعة على أن فيها مقامات معنوية لا يتمانع واردوها

فنعم أجر العاملين الجنة

٧٥

وترى الملائكة حافين محدقين من حول العرش أي حوله

ومن مزيدة أو لابتداء الحفوف

يسبحون بحمد ربهم أي ينزهونه تعالى عما لا يليق به متلبسين بحمده والجملة حال ثانية أو مقيدة للأولى والمعنى ذاكرين له تعالى بوصفى جلاله وإكرامه تلذذا به وفيه إشعار بأن أقصى درجات العليين وأعلى لذائذهم هو الاستغراق في شئونه عز و جل

وقضى بينهم بالحق أي بين الخلق بإدخال بعضهم النار وبعضهم الجنة أو بين الملائكة بإقامتهم في منازلهم على حسب تفاضلهم

وقيل الحمد للّه رب العالمين أي على ما قضى بيننا بالحق وأنزل كلامنا منزلته التي هي حقه والقائلون هم المؤمنون ممن قضى بينهم أو الملائكة وطى ذكرهم لتعينهم وتعظيمهم عن النبي من قرأ سورة الزمر لم يقطع اللّه تعالى رجاءه يوم القيامة وأعطاه ثواب الخائفين وعن عائشة رضى اللّه عنها أنه كان يقرأ كل ليلة بنى إسرائيل والزمر

﴿ ٠