ÓõæÑóÉõ ÇáúãõÄúãöäö ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ÎóãúÓñ æóËóãóÇäõæäó ÂíóÉð سورة غافر مكية وآياتها خمس وثمانون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١ حم بتفخيم الألف وتسكين الميم وقرئ بإمالة الالف وبإخراجها بين بين وبفتح الميم لالتقاء الساكنين أو نصبها بإضمار اقرأ ونحوه ومنع الصرف للتعريف وكونها على زنة قابيل وهابيل وبقية الكلام فيه وفي قوله تعالى ٢ تنزيل الكتاب كالذي سلف في الم السجدة وقوله تعالى من اللّه العزيز العليم كما في مطلع سورة الزمر في الوجوه كلها ووجه التعرض لنعتى العزة والعلم ما ذكر هناك ٣ غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول إما صفات أخر لتحقيق ما فيها من الترغيب والترهيب والحث على ما هو المقصود والإضافة فيها حقيقية على أنه لم يرد بها زمان مخصوص وأريد بشديد العقاب مشدده أو الشديد عقابه بحذف اللام للازدواج وأمن الالتباس أو إبدال وجعله وحده بدلا كما فعله الزجاج مشوش للنظم وتوسيط الواو بين الأولين لإفادة الجمع بين محو الذنوب وقبول التوبة أو تغاير الوصفين إذ ربما يتوهم الاتحاد أو تغاير موقع الفعلين لأن الغفر هو الستر مع بقاء الذنب وذلك لمن لم يتب فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له والتوب مصدر كالتوبة وقيل هو جمعها والطول الفضل بترك العقاب المستحق وفي توحيد صفة العذاب مغمورة بصفات الرحمة دليل سبقها ورجحا بها لا إله إلا هو فيجب الاقبال الكلى على طاعته في أوامره ونواهيه إليه المصير فحسب لا إلى غيره لا استقلالا ولا اشتراكا فيجزى كلا من المطيع والعاصى ٤ ما يجادل في آيات اللّه أي بالطعن فيها واستعمال المقدمات الباطلة لإدحاض الحق كقوله تعالى وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق إلا الذين كفروا بها وأما الذين آمنوا فلا يخطر ببالهم شائبة شبهة منها فضلا عن الطعن فيها وأما الجدال فيها لحل مشكلاتها وكشف معضلاتها واستنباط حقائقها الكلية وتوضيح مناهج الحق في مضايق الأفهام ومزالق الاقدام وإبطال شبه أهل الزيغ والضلال فمن أعظم الطاعات ولذلك قال إن جدالا في القرآن كفر بالتنكير للفرق بين جدال وجدال والفاء في قوله تعالى فلا يغررك تقلبهم في البلاد لترتيب النهى أو وجوب الانتهاء على ما قبلها من التسجيل عليهم بالكفر الذي لا شئ أمقت منه عند اللّه تعالى ولا أجلب لخسران الدنيا والآخرة فإن من تحقق ذلك لا يكاد يغتر بما لهم من حظوظ الدنيا وزخارفها فإنهم ماخوذون عما قليل أخذ من قبلهم من الامم حسبما ينطق به قوله تعالى ٥ كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم أي الذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم بعد قوم نوح مثل عاد وثمود وأضرابهم وهمت كل أمة من تلك الامم العاتية برسولهم وقرئ برسولها ليأخذوه ليتمكنوا منه فيصيبوا به ما أرادوا من تعذيب أو قتل من الاخذ بمعنى الاسر وجادلوا بالباطل الذي لا أصل ولا حقيقة له اصلا ليدحضوا به الحق الذي لا محيد عنه كما فعل هؤلاء فأخذتهم بسبب ذلك اخذ عزيز مقتدر فكيف كان عقاب الذي عاقبتهم به فإن آثار دمارهم عبرة للناظرين ولآخذن هؤلاء أيضا لاتحادهم في الطريقة واشتراكهم في الجريرة كما ينبئ عنه قوله تعالى ٦ وكذلك حقت كلمة ربك أي كما وجب وثبت حكمه تعالى وقضاؤه بالتعذيب على أولئك الامم المكذبة المتحزبة على رسلهم المجادلة بالباطل لإدحاض الحق به وجب أيضا على الذين كفروا أي كفروا بك وتحزبوا عليك وهموا بما لم ينالوا كما ينبئ عنه إضافة اسم الرب إلى ضميره فإن ذلك للاشعار بان وجوب كلمة العذاب عليهم من احكام تربيته التي من جملتها نصرته وتعذيب أعدائه وذلك إنما يتحقق بكون الموصول عبارة عن كفار قومه لا عن الامم المهلكة وقوله تعالى انهم اصحاب النار في حيز النصب بحذف لام التعليل أي لانهم مستحقو اشد العقوبات وأفظعها التي هي عذاب النار وملازموها ابدا لكونهم كفارا معاندين متحزبين على الرسول كدأب من قبلهم من الامم المهلكة فهم لسائر فنون العقوبات اشد استحقاقا واحق استيجابا وقيل هو في محل الرفع على انه بدل من كلمة ربك والمعنى مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة المهلكة كونهم من أصحاب النار أي كما وجب إهلاكهم في الدنيا بعذاب الاستئصال كذلك وجب تعذيبهم بعذاب النار في الاخرة ومحل الكاف على التقديرين النصب على انه نعت لمصدر محذوف ٧ الذين يحملون العرش ومن حوله وهم أعلى طبقات الملائكة عليهم السلام وأولهم وجودا وحملهم إياه وحفيفهم حوله مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له وكناية عن زلفاهم من ذي العرش جل جلاله ومكانتهم عنده ومحل الموصول الرفع عل الابتداء خبره يسبحون بحمد ربهم والجملة استئناف مسوق لتسلية رسول اللّه ببيان أن أشراف الملائكة عليهم السلام مثابرون على ولاية من معه من المؤمنين ونصرتهم واستدعاء ما يسعدهم في الدارين أي ينزهونه تعالى عن كل ما لا يليق بشأنه الجليل ملتبسين بحمده على نعمائه التي لا تتناهى ويؤمنون به إيمانا حقيقا بحالهم والتصريح به مع الغنى عن ذكره رأسا لأظهار فضيلة الايمان وإبراز شرف أهله والاشعار بعلة دعائهم للمؤمنين حسبما ينطق به قوله تعالى ويستغفرون للذين آمنوا فإن المشاركة في الايمان أقوى المناسبات وأتمها وأدعى الدواعى الى النصح والشفقة وفي نظم استغفارهم لهم في سلك وظائفهم المفروضة عليهم من تسبيحهم وتحميدهم وإيمانهم إيذان بكمال اعتنائهم به وإشعار بوقوعه عند اللّه تعالى في موقع القبول روى أن حملة العرش أرجلهم في الارض السفلى ورءوسهم قد خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم وعن النبي لا تتفكروا في عظم ربكم ولكن تفكروا فيما خلق اللّه من الملائكة فإن خلقا من الملائكة يقال له إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه في الارض السفلى وقد مرق رأسه من سبع سموات وإنه ليتضاءل من عظمة اللّه حتى يصير كأنه الوصع وفي الحديث أن اللّه أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائرهم وقيل خلق اللّه تعالى العرش من جوهرة خضراء وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام وقيل حول العرش سبعون الف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين ومن ورائهم سبعون الف صف قيام قد وضعوا ايديهم على عواتقهم رافعين اصواتهم بالتهليل والتكبير ومن ورائهم مائة الف صف قد وضعوا أيمانهم على الشمائل ما منهم احد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر ربنا على إرادة القول أي يقولون ربنا على أنه إما بيان لاستغفارهم أو حال وسعت كل شئ رحمة وعلما أي وسعت رحمتك وعلمك فأزيل عن أصله للإغراق في وصفه تعالى بالرحمة والعلم والمبالغة في عمومهما وتقديم الرحمة لانها المقصودة بالذات ههنا والفاء في قوله تعالى فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك أي للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيل الحق لترتيب الدعاء على ما قبلها من سعة الرحمة والعلم وقهم عذاب الجحيم واحفظهم عنه وهو تصريح بعد إشعار للتأكيد ٨ ربنا وأدخلهم عطف على قهم وتوسيط النداء بينهما للمبالغة في الجؤار جنات عدن التي وعدتهم أي وعدتهم إياها وقرئ جنة عدن ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم أي صلاحا مصححا لدخول الجنة في الجملة وإن كان دون صلاح أصولهم وهو عطف على الضمير الأول أي وأدخلها معهم هؤلاء ليتم سرورهم ويتصاعف ابتهاجهم او على الثاني لكن لا بناء على الوعد العام للكل كما قيل إذ لا يقي حينئذ للعطف وجه بل بناء على الوعد الخاص بهم بقوله تعالى ألحقنا بهم ذريتهم بأن يكونوا أعلى درجة من ذريتهم قال سعيد بن جبير يدخل المؤمن الجنة فيقول أين أبي أين ولدي أين زوجي فيقال إنهم لم يعملوا مثل عملك فيقول إني كنت أعمل لي ولهم فيقال أدخلوهم الجنة وسبق الوعد بالإدخال والإلحاق لا يستدعى حصول الموعود بلا توسط شفاعة واستغفار وعليه مبنى قول من قال فائدة الاستغفار زيادة الكرامة والثواب والاول هو الاولى لأن الدعاء بالإدخال فيه صريح وفي الثاني ضمنى وقرئ صلح بالضم وذريتهم بالإفراد إنك أنت العزيز أي الغالب الذي لا يمتنع عليه مقدور الحكيم أي الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة الباهرة من الامور التي من جملتها إنجاز الوعد فالجملة تعليل لما قبلها ٩ وقهم السيئات أي العقوبات لأن جزاء السيئة سيئة مثلها أو جزاء السيئات على حذف المضاف وهو تعميم بعد تخصيص او مخصوص بالاتباع او المعاصي في الدنيا فمعنى قوله تعالى ومن تق السيئات يؤمئذ فقد رحمته ومن تقه المعاصي في الدنيا فقد رحمته في الآخرة كانهم طلبوا لهم السبب بعد ما سألوا المسبب وذلك إشارة الى الرحمة المفهومة من رحمته أو إليها وإلى الوقاية وما فيه من معنى البعد لما مر مرارا من الإشعار ببعد درجة المشار إليه هو الفوز العظيم الذي لا مطمع وراءه لطامع ١٠ إن الذين كفروا شروع في بيان أحوال الكفرة بعد دخول النار بعد ما بين فيما سبق أنهم أصحاب النار ينادون أي من مكان بعيد وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم الأمارة بالسوء التي وقعوا فيما وقعوا باتباع هواها أو مقت بعضهم بعضا من الاحباب كقوله تعالى يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا أي ابغضوها اشد البغض وأنكروها ابلغ الانكار وأظهروا ذلك على رءوس الاشهاد فيقال لهم عند ذلك لمقت اللّه أكبر من مقتكم أنفسكم أي لمقت اللّه أنفسكم الأمارة بالسوء أو مقته إياكم في الدنيا إذ تدعون من جهة الانبياء الى الايمان فتأبون قبوله فتكفرون اتباعا لأنفسكم الأمارة ومسارعة الى هواها أو اقتداء بأخلائكم المضلين واستحبابا لآرائهم اكبر من مقتكم أنفسكم الأمارة أو من مقت بعضكم بعضا اليوم فإذا ظرف للمقت الأول وإن توسط بينهما الخبر لما في الظروف من الاتساع وقيل لمصدر آخر مقدر أي مقته إياكم إذ تدعون وقيل مفعول لاذكروا والاول هو الوجه وقيل كلا المقتين في الاخرة وإذ تدعون تعليل لما بين الظرف والسبب من علاقة اللزوم والمعنى لمقت اللّه إياكم الآن اكبر من مقتكم انفسكم لما كنتم تدعون الى الايمان فتكفرون وتخصيص هذا الوجه بصورة كون المراد بأنفسهم أضرابهم مما لا داعي إليه ١١ قالوا ربنا أمتنا أثنتين وأحييتنا أثنتين صفتان لمصدري الفعلين المذكورين أي إماتتين وإحياءتين أو موتتين وحياتين على أنهما مصدران لهما أيضا بحذف الزوائد ولفعلين يدل عليهما المذكوران فإن الإماتة والإحياء ينبثان عن الموت والحياة حتما كأنه قيل أمتنا فمتنا موتتين اثنتين وأحييتنا فحيينا حياتين اثنتين على طريقة قول من قال ... وعضة دهر يا ابن مروان لم تدع ... من المال إلا مسحت أو مجلف ... أي لم تدع فلم يبق إلا مسحت الخ قيل أرادوا بالامانة الاولى خلقهم أمواتا وبالثانية إماتتهم عند انقضاء اجالهم على أن الاماتة جعل الشئ عادم الحياة أعم من أن يكون بإنشائه كذلك كما في قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل او بجعله كذلك بعد الحياة وبالإحياءين الإحياء الأول وإحياء البعث وقيل أرادوا بالإماته الأولى ما بعد حياة الدنيا وبالثانية ما بعد حياة القبر وبالإحياءين ما في القبر وما عند البعت وهو الأنسب بحالهم وأما حديث لزوم الزيادة على النص ضرورة تحقق حياة الدنيا فمدفوع لكن لا بما قيل من عدم اعتدادهم بها لزوالها وانقضائهاوانقطاع آثارها وأحكامها بل بأن مقصودهم إحداث الاعتراف بما كانوا ينكرونه في الدنيا كما ينطق به قولهم فاعترفنا بذنوبنا والتزام العمل بموجب ذلك الاعتراف ليتوسلوا بذلك الى ما علقوا به أطماعهم الفارغة من الرجع الى الدنيا كما قد صرحوا به حيث قالوا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون وهو الذي ارادوه بقولهم فهل إلى خروج من سبيل مع نوع استبعاد له واستشعار يأس منه لا أنهم قالوه بطريق القنوط البحت كما قيل ولا ريب في ان الذي كان ينكرونه ويفرعون عليه فنون الكفر والمعاصي ليس إلا الإحياء بعد الموت وأما الاحياء الأول فلم يكونوا ينكرونه لينظموه في سلك ما اعترفوا به وزعموا أن الاعتراف يجديهم نفعا وإنما ذكروا الموتة الأولى مع كونهم معترفين بها في الدنيا لتوقف حياة القبر عليها وكذا حال الموته في القبر فإن مقصدهم الأصلى هو الاعتراف بالإحياءين وإنما ذكروا الإماتتين لترتيبهما عليهما ذكرا حسب ترتيبهما عليهما وجودا وتنكير سبيل للإبهام أي من سبيل ما كيفما كان وقوله تعالى ١٢ ذلكم الخ جواب لهم باستحالة حصول ما يرجونه ببيان ما يوجبها من أعمالهم السيئة أي ذلكم الذي أنتم فيه من العذاب مطلقا لا مقيدا بالخلود كما قيل بأنه أي بسبب أن الشأن إذا دعى اللّه في الدنيا أي عبد وحده أي منفردا كفرتم أي بتوحيده وإن يشرك به تؤمنوا أي بالإشراك به وتسارعوا فيه وفي إيراد إذا وصيغة الماضي في الشرطية الاولى وإن وصيغة المضارع في الثانية مالا يخفى من الدلالة على كمال سوء حالهم وحيث كان حالكم كذلك فالحكم للّه الذي لا يحكم الا بالحق ولا يقضي الا بما تقتضيه الحكمة العلي الكبير الذي ليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في افعاله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه وقد حكم بأنه لا مغفرة للمشرك ولا نهاية لعقوبته كما لا نهاية لشناعته فلا سبيل لكم الى الخروج ابدا ١٣ هو الذي يريكم آياته الدالة على شئونه العظيمة الموجبة لتفرده بالالوهية لتستدلوا بها على ذلك وتعملوا بموجبها فتوحدوه تعالى وتخصوه بالعبادة وينزل بالتشديد وقرىء بالتخفيف من الانزال لكم من السماء رزقا أي سبب رزق وهو المطر وافراده بالذكر مع كونه من جملة الآيات الدالة على كمال قدرته تعالى لنفرده بعنوان كونه من آثار رحمته وجلائل نعمته الموجبة للشكر وصيغة المضارع في الفعلين الدلالة على تجدد الاراءة والتنزيل واستمرارهما وتقديم الجار والمجرور على المفعول لما مر غير مرة وما يتذكر بتلك الآيات الباهرة ولا يعمل بمقتضاها الا من ينيب الى اللّه تعالى ويتفكر فيما اودعه في تضاعيف مصنوعاته من شواهد قدرته الكاملة ونعمته الشاملة الموجبة لتخصيص العبادة به تعالى ومن ليس كذلك فهو بمعزل من التذكر والاتعاظ ١٤ فادعوا اللّه مخلصين له الدين أي اذا كان الامر كما ذكر من اختصاص التذكر بمن ينيب فاعبدوه ايها المؤمنون مخلصين له دينكم بموجب انابتكم اليه تعالى وايمانكم به ولو كره الكافرون ذلك وغاظهم اخلاصكم ١٥ رفيع الدرجات نحو بديع السموات على انه صفة مشبهة اضيفت الى فاعلها بعد النقل الى فعل بالضم كما هو المشهور وتفسيره بالرافع ليكون من اضافة اسم الفاعل الى المفعول بعيد في الاستعمال أي رفيع درجات ملائكته أي معارجهم ومصاعدهم الى العرش ذو العرش أي مالكه وهما خبران آخران لقوله تعالى هو اخبر عنه بهما ايذانا بعلو شأنه تعالى وعظم سلطانه الموجبين لتخصيص العبادة به واخلاص الدين له اما بطريق الاستشهاد بهما عليهما فإن ارتفاع معارج ملائكته الى العرش وكون العرش العظيم المحيط بأكناف العالم العلوي والسفلي تحت ملكوته وقبضة قدرته مما يقضي بكون علو شأنه وعظم سلطانه في لا غاية وراءها وأما بجعلهما عبارة عنهما بطريق المجاز المتفرع على الكناية كالاستواء على العرش وتمهيدا لما يعقبهما من قوله تعالى يلقي الروح من امره فإنه خبر آخر لما ذكر منبىء عن انزال الرزق الروحاني الذي هو الوحي بعد بيان انزال الرزق الجسماني الذي هو المطر أي ينزل الوحي الجاري من القلوب منزلة الروح من الاجساد وقوله تعالى من امره بيان للروح الذي اريد به الوحي فإنه امر بالخير او حال منه أي حال كونه ناشئا ومبتدا من امره او صفة له على راي من يجوز حذف الموصول مع بعض صلته أي الروح الكائن من امره او متعلق بباقي ومن للسببية كالباء مثل ما في قوله تعالى مما خطيئاتهم أي يلقي الوحي بسبب امره على من يشاء من عباده وهو الذي اصطفاه لرسالته وتبليغ احكامه اليهم لينذر أي اللّه تعالى او الملقي عليه او الروح وقرىء لتنذر على ان الفاعل هو الرسول او الروح لانها قد تؤنث يوم التلاق اما ظرف للمفعول الثاني أي لينذر الناس العذاب يوم التلاق وهو يوم القيامة لانه يتلاقى فيه الارواح والاجسام واهل السموات والارض او هو المفعول الثاني اتساعا او اصالة فإنه من شدة هوله وفظاعته حقيق بالانذار اصالة وقرىء لينذر على البناء للمفعول ورفع اليوم ١٦ يوم هم بارزون بدل من يوم التلاق أي خارجون من قبورهم او ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل او اكمة او بناء لكون الارض يومئذ قاعا صفصفا ولا عليهم ثياب انما هم عراة مكشوفون كما جاء في الحديث يحشرون عراة حفاة غرلا وقيل ظاهرة نفوسهم لا تحجبهم غواشي الابدان او اعمالهم وسرائرهم لا يخفي على اللّه منهم شيء استئناف لبيان بروزهم وتقرير له وازاحة لما كان يتوهمه المتوهمون في الدنيا من الاستنار توهما باطلا او خبر ثان وقيل حال من ضمير بارزون أي لا يخفى عليه شيء ما من اعيانهم واعمالهم واحوالهم الجلية والخفية السابقة واللاحقة لمن الملك اليوم للّه الواحد القهار حكاية لما يقع حينئذ من السؤال والجواب بتقدير قول معطوف على ما قبله من الجملة المنفية المستأنفة أو مستأنف يقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية بروزهم وظهور احوالهم كأنه قيل فماذا يكون حينئذ فقيل يقال الخ أي ينادي مناد لمن الملك ١٧ اليوم فيجيبه اهل المحشر للّه الواحد القهار وقيل المجيب هو السائل بعينه لما روى انه يجمع اللّه الخلائق يوم القيامة في صعيد واحد في ارض بيضاء كأنها سبيكه فضة لم يعص اللّه فيها قط فأول ما يتكلم به ان ينادي مناد لمن الملك اليوم للّه الواحد القهار وقيل حكاية لما ينطق به لسان الحال من تقطع اسباب للتصرفات المجازية واختصاص جميع الافاعيل بقبضة القدرة الالهية اليوم تجزى كل نفس بما كسبت الخ اما من تتمة الجواب لبيان حكم اختصاص الملك به تعالى ونتيجته التي هي الحكم السوي والقضاء الحق أو حكاية لما سيقوله تعالى يومئذ عقيب السؤال والجواب أي تجزى كل نفس من النفوس البرة الفاجرة بما كسبت من خير او شر لا ظلم اليوم بنقص ثواب او زيادة عذاب ان اللّه سريع الحساب أي سريع حسابه تماما اذ لا يشغله تعالى شأن عن شأن فيحاسب الخلائق قاطبة في اقرب زمان كما نقل عن ابن عباس رضي اللّه عنهما انه تعالى اذا اخذ في حسابهم لم يقل اهل الجنة الا فيها ولا اهل النار الا فيها فيكون تغليلا لقوله تعالى اليوم تجزى الخ فإن كون ذلك اليوم بعينه يوم التلاقي ويوم البروز ربما يوهم استبعاد وقوع الكل فيه او سريع مجيئا فيكون تعليلا للانذار ١٨ وانذرهم يوم الازفة أي القيامة سميت بها لازوفها وهو القرب غير ان فيه اشعارا بضيق الوقت وقيل الخطة الآزفة وهي مشارفة اهل النار دخولها وقيل وقت حضور الموت كما في قوله تعالى فلولا اذا بلغت الحلقوم وقوله كلا اذا بلغت التراقي وقوله تعالى اذ القلوب لدى الحناجر بدل من يوم الآزفة فإنها ترتفع من أماكنها فتلتصق بحلوقهم فلا تعود فيتروحوا ولاتخرج فيستريحوا بالموت كاظمين على الغم حال من اصحاب القلوب على المعنى اذ الاصل قلوبهم او من ضميرها في الظرف وجمع السلامة باعتبار ان الكظم من احوال العقلاء كقوله تعالى فظلت اعناقهم لها خاضعين او من مفعول انذرهم على انها حال مقدرة أي انذرهم مقدرا كظمهم او مشارفين الكظم ما للظالمين من حميم أي قريب مشفق ولا شفيع يطاع أي لا شفيع مشفع على معنى نفي الشفاعة والطاعة معا على طريقة قوله على لا حب لا يهتدى بمناره والضمائر ان عادت الى الكفار وهو الظاهر فوضع الظالمين موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بالظلم وتعليل الحكم به ١٩ يعلم خائنة الاعين النظرة الخائنة كالنظرة الثانية الى غير المحرم واستراق النظر اليه او خيانة الاعين على انها مصدر كالعافية وما تخفي الصدور من الضمائر والاسرار والجملة خبر آخر مثل يلقى الروح للدلالة على انه ما من خفي الا وهو متعلق العلم والجزاء ٢٠ واللّه يقضي بالحق لانه المالك الحاكم على الاطلاق فلا يقضي بشيء الا وهو حق وعدل والذين يدعون يعبدونهم من دونه تعالى لا يقضون بشيء تهكم بهم لان الجماد لا يقال في حقه يقضي اولا يقضي وقرىء تدعون على الخطاب التفاتا او على اضمار قل ان اللّه هو السميع البصير تقرير لعلمه تعالى بخائنة الاعين وقضائه بالحق ووعيد لهم على ما يقولون ويفعلون وتعريض بحال ما يدعون من دونه ٢١ أو لم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم أي مآل حال من قبلهم من الامم المكذبة لرسلهم كعاد وثمود واضرابهم كانوا هم اشد منهم قوة قدرة وتمكنا من التصرفات وانما جيء بضمير الفصل مع ان حقه التوسط بين معرفتين لمضاهاة افعل من للمعرفة في امتناع دخول اللام عليه وقرىء اشد منكم بالكاف وآثارا في الارض مثل القلاع الحصينة والمدائن المنينة وقيل المعنى واكثر اثارا كقوله متقلدا سيفا ورمحا فأخذهم اللّه بذنوبهم اخذا وبيلا وما كان لهم من اللّه من واق أي من واق يقيهم عذاب اللّه ٢٢ ذلك أي ما ذكر من الاخذ بأنهم بسبب انهم كانت تأتيهم رسلهم بالبيات أي بالمعجزات او بالاحكام الظاهرة فكفروا فأخذهم اللّه انه قوي متمكن مما يريد غابة التمكن شديد العقاب لا يؤبه عند عقابه بعقاب ٢٣ ولقد ارسلنا موسى بآياتنا وهي معجزاته وسلطان مبين أي وحجة قاهرة وهي اما عين الآيات والعطف لتغاير العنوانين وأما بعض مشاهيرها كالعصا افردت بالذكر مع اندراجها تحت الآيات لأن فيها افراد جبريل وميكال به مع دخولهما في الملائكة عليهم السلام ٢٤ الى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب أي فيما اظهره من المعجزات وفيما ادعاه من رسالة رب العالمين ٢٥ فلما جاءهم بالحق من عندنا وهو ما ظهر على يده من المعجزات القاهرة قالوا اقتلوا ابناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم كما قال فرعون سنقتل ابناءهم ونستحي نساءهم أي اعيدوا عليهم ما كنتم تفعلونه اولا وكان فرعون قد كف عن قتل الولدان فلما بعث وأحس بأنه قد وقع ما وقع اعاده عليهم غيظا وحنقا وزعما منه انه يصدهم بذلك عن مظاهرته ظنا منهم انه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكهم على يده وما كيد الكافرين الا في ضلال أي في ضياع وبطلان لا يغني عنهم شيئا وينفذ عليهم لا محالة القدر المقدور والقضاء المحتوم واللام اما للعهد والاظهار في موقع الاضمار لذمهم بالكفر والاشعار بعلة الحكم او للجنس وهم داخلون فيه دخولا اوليا والجملة اعتراض جيء به في تضاعيف ما حكى عنهم من الاباطيل للمسارعة الى بيان بطلان ما اظهروه من الابراق والارعاد واضمحلاله بالمرة ٢٦ وقال فرعون ذروني اقتل موسى كان ملؤه اذا هم بقتله عليه الصلاة و السلام وكفوه بقولهم ليس هذا بالذي تخافه فإنه اقل من ذلك واضعف وما هو الا بعض السحرة وبقولهم اذا قتلته ادخلت على الناس شبهة واعتقدوا انك عجزت عن معارضته بالحجة وعدلت الى المقارعة بالسيف والظاهر من دهاء اللعين ونكارته انه كان قد استيقن انه نبي وان ما جاء به آيات باهرة وما هو بسحر ولكن كان يخاف ان هم بقتله ان يعاجل بالهلاك وكان قوله هذا تمويها على قومه وايهاما انهم هم الكافون له عن قتله ولولاهم لقتله وما كان الذي يكفه الا ما في نفسه من الفزع الهائل وقوله وليدع ربه تجلد منه واظهار لعدم المبالاة بدعائه ولكنه اخوف ما يخافه اني اخاف ان لم اقتله ان يبدل دينكم ان يغير ما انتم عليه من الدين الذي هو عبارة عن عبادته وعبادة الاصنام لتقربهم اليه او ان يظهر في الارض الفساد ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج ان لم يقدر على تبديل دينكم بالكلية وقرىء بالواو الجامعة وقرىء بفتح الياء والهاء ورفع الفساد وقرىء بظهر بتشديد الظاء والهاء من تظاهر أي تتابع وتعاون ٢٧ وقال موسى أي لقومه حين سمع بما تقوله اللعين من حديث قتله عليه الصلاة و السلام اني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب صدر عليه الصلاة و السلام كلامه بأن تأكيدا له واظهارا لمزيد الاعتناء بمضمونه وفرط الرغبة فيه وخص اسم الرب المنبىء عن الحفظ والتربية لانهما الذي يستدعيه وأضافه اليه واليهم حثا لهم على موافقته في العياذ به تعالى والتوكل عليه فإن في تظاهر النفوس تأثيرا قويا في استجلاب الاجابة ولم يسم فرعون بل ذكره بوصف يعمه وغيره من الجبابرة لتعميم الاستعاذة والاشعار بعلة القساوة والجراة على اللّه تعالى وقرىء عدت بالادغام ٢٨ وقال رجل مؤمن من آل فرعون قيل كان قبطيا ابن عم لفرعون آمن بموسى سرا وقيل كان اسرائيليا او غريبا موحدا يكتم ايمانه أي من فرعون وملئه اتقتلون رجلا اتقصدون قتله ان يقول لان يقول او كراهة ان يقول ربي اللّه أي وحده من غير روية وتأمل في امره وقد جاءكم بالبينات والحال انه قد جاءكم بالمعجزات الظاهرة التي شاهدتموها وعهدتموها من ربكم اضافة اليهم بعد ذكر البينات احتجاجا عليهم واستنزالا لهم عن رتبة المكابرة ثم اخذهم بالاحتجاج من باب الاحتياط فقال فإن يك كاذبا فعليه كذبه لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه الى قتله وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم أي ان لم يصبكم كله فلا اقل من اصابة بعضه لاسيما ان تعرضتم له بسوء وهذا كلام صادر عن غاية الانصاف وعدم التعصب ولذلك قدم من شقي الترديد كونه كاذبا او يصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا وهو بعض ما يعدهم كأنه خوفهم بما اظهر احتمالا عندهم وتفسير البعض بالكل مستدلا بقول لبيد ... تراك امكنة اذا لم ارضها ... او يرتبط بعض النفوس حمامها ... مردود لما ان مراده بالبعض نفسه ان اللّه لا يهدي من هو مسرف كذاب احتجاج آخر ذو وجهين احدهما انه لو كان مسرفا كذابا لما هداه اللّه تعالى الى البينات ولما ايده بتلك المعجزات وثانيهما ان كان كذلك خذله اللّه واهلكه فلا حاجة لكم الى قتله ولعله اراهم المعنى الثاني وهو عاكف على المعنى الأول لتلين شكيمتهم وقد عرض به لفرعون بأنه مسرف كذاب لا يهديه اللّه سبيل الصواب ومنهاج النجاة ٢٩ ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين غالبين عالين على بني اسرائيل في الارض أي ارض مصر لا يقاومكم احد في هذا الوقت فمن ينصرنا من بأس اللّه من اخذه وعذابه ان جاءنا أي فلا تفسدوا امركم ولا تتعرضوا لبأس اللّه بقتله فإن جاءنا لم يمنعنا منه احد وانما نسب ما يسرهم من الملك والظهور في الارض اليهم خاصة ونظم نفسه في سلكهم فيما يسوؤهم من مجيء بأس اللّه تعالى تطييبا لقلوبهم وايذانا بأنه مناصح لهم ساع في تحصيل ما يجديهم ودفع ما يرديهم سعيه في حق نفسه ليتأثروا بنصحه قال فرعون بعد ما سمع نصحه ما اريكم أي ما اشير عليكم الا ما ارى واستصوبه من قتله وما اهديكم بهذا الراي الا سبيل الرشاد أي الصواب اولا اعلمكم الا ما اعلم ولا اسر عنكم خلاف ما اظهره ولقد كذب حيث كان مستشعرا للخوف الشديد ولكنه كان يتجلد ولولاه لما استشار احدا ابدا وقرىء بتشديد الشين للمبالغة من رشد كعلام او من رشد كعباد لامن ارشد كجبار من اجبر لانه مقصور على السماع او للنسبة الى الرشد كعواج وبتات غير منظور فيه الى فعل ٣٠ وقال الذي آمن مخاطبا لقومه ياقوم اني أخاف عليكم في تكذيبه والتعرض له بالسوء مثل يوم الاحزاب مثل ايام الامم الماضية يعني وقائعهم وجمع الاحزاب مع التفسير اغنى عن جمع اليوم ٣١ مثل داب قوم نوح وعاد وثمود أي مثل جزاء ما كانوا عليه من الكفر وايذاء الرسل والذين من بعدهم كقوم لوط وما اللّه يريد ظلما للعباد فلا يعاقبهم بغير ذنب ولا يخلى الظالم منهم بغير انتقام وهو ابلغ من قوله تعالى وما ربك بظلام للعبيد لما ان المنفي فيه ارادة ظلم ما ينتفي الظلم بطريق الاولوية ٣٢ ويا قوم اني اخاف عليكم يوم التناد خوفهم بالعذاب الاخروي بعد تخويفهم بالعذاب الدنيوي ويوم التناد يوم القيامة لانه ينادي فيه بعضهم للاستغاثة او يتصايحون بالويل والثبور او يتنادى اصحاب الجنة واصحاب النار حسبما حكى في سورة الاعراف وقرىء بتشديد الدال وهو ان يند بعضهم من بعض كقوله تعالى يوم يفر المرء من اخيه وعن الضحاك اذا سمعوا زفير النار هربا فلا يأتون قطرا من الاقطار الا وجدوا ملائكة صفوفا فبينا هم بموج بعضهم في بعض اذ سمعوا مناديا اقبلوا الى الحساب ٣٣ يوم تولون مدبرين بدل من يوم التناد أي منصرفين عن الموقف الى النار او فارين منها حسبما نقل آنفا مالكم من اللّه من عاصم يعصمكم من عذابه والجملة حال اخرى من ضمير تولون ومن يضلل اللّه فما له من هاد يهديه الى طريق النجاة ٣٤ ولقد جاءكم يوسف هو يوسف بن يعقوب عليهما السلام على ان فرعونه فرعون موسى او على نسبة احوال الآباء الى الاولاد وقيل سبطه يوسف بن ابراهيم بن يوسف الصديق من قبل من قبل موسى بالبينات بالمعجزات الواضحة فما زلتم في شك مما جاءكم به من الدين حتى اذا هلك بالموت قلتم لن يبعث اللّه من بعده رسولا ضما الى تكذيب رسالته تكذيب رسالة من بعده او جزما بأن لا يبعث بعده رسول مع الشك في رسالته وقرىء الن يبعث اللّه على ان بعضهم يقرر بعضا بنفي البعث كذلك مثل ذلك الاضلال الفظيع يضل اللّه من هو مسرف في عصيانه مرتاب في دينه شاك فيما تشهد به البينات لغلبة الوهم والانهماك في التقليد ٣٥ الذين يجادلون في اللّه بدل من الموصول الأول او بيان له او صفة باعتبار معناه كأنه قيل كل مسرف مرتاب او المسرفين المرتابين بغير سلطان متعلق يجادلون أي بغير حجة صالحة للتمسك بها في الجملة اتاهم صفة سلطان كبر مقتا عند اللّه وعند الذين آمنوا فيه ضرب من التعجب والاستعظام وفي كبر ضمير يعود الى من وتذكيره باعتبار اللفظ وقيل الى الجدال المستفاد من يجادلون كذلك أي مثل ذلك الطبع الفظيع يطبع اللّه على قلب كل متكبر جبار فيصدر عنه امثال ما ذكر من الاسراف والارتياب والمجادلة بالباطل وقرىء بتنوين قلب ووصفه بالتكبر والتجبر لانه منعهما ٣٦ وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا أي بناء مكشوفا عاليا من صرح الشيء اذ ظهر لعلى ابلغ الاسباب أي الطرق ٣٧ اسباب السموات بيان لها وفي ابهامها ثم ايضاحها تفخيم لشأنها وتشويق للسامع الى معرفتها فأطلع الى اله موسى بالنصب على جواب الترجي وقرىء بالرفع عطفا على ابلغ ولعله اراد ان يبني له رصدا في موضع عال ليرصد منه احوال الكواكب التي هي اسباب سماوية تدل على ارسال اللّه تعالى اياه او ان يرى فساد قوله عليه الصلاة و السلام بأن اخباره من اله السماء يتوقف على اطلاعه عليه ووصوله اليه وذلك لا يتأتي الا بالصعود الى السماء وهو مما لا يقوى عليه الانسان وما ذاك الا لجهله باللّه سبحانه وكيفية استنبائه واني لاظنه كاذبا فيما يدعيه من الرسالة أي ومثل ذلك التزيين البليغ المفرط زين لفرعون سوء عمله فانهمك فيه انهماكا لا يرعوي عنه بحال وصد عن السبيل أي سبيل الرشاد والفاعل في الحقيقة هو اللّه تعالى ويؤيده قراءة زبن بالفتح وبالتوسط لشيطان وقرىء وصد على ان فرعون صد الناس عن الهدى بأمثال هذه التمويهات والشبهات ويؤيده قوله تعالى وما كيد فرعون الا في تباب أي خسار وهلاك او على انه من صد صدودا أي اعرض وقرىء بكسر الصاد على نقل حركة الدال اليه وقرىء وصد على انه عطف على سوء عمله وقرىء وصدوا أي هو وقومه ٣٨ وقال الذي آمن أي مؤمن آل فرعون وقيل موسى عليه السلام ياقوم اتبعوني فيما دللتكم عليه اهدكم سبيل الرشاد أي سبيلا يصل سالكه الى المقصود وفيه تعريض بأن ما يسلكه فرعون وقومه سبيل الغي والضلال ٣٩ ياقوم انما هذه الحياة الدنيا متاع أي تمتع يسير لسرعة زوالها اجمل لهم اولا ثم فسر فافتتح بذم الدنيا وتصغير شأنها لان الاخلاد اليها راس كل شر ومنه تتشعب فنون ما يؤدي الى سخط اللّه تعالى ثم ثنى بتعظيم الآخرة فقال وان الآخرة هي دار القرار لخلودها ودوام ما فيها ٤٠ من عمل في الدنيا سيئة فلا يجرى في الآخرة الا مثلها عدلا من اللّه سبحانه وفيه دليل على ان الجنايات تغرم بأمثالها ومن عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فأولئك الذين عملوا ذلك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب أي بغير تقدير وموازنة بالعمل بل اضعافا مضاعفة فضلا من اللّه عز و جل ورحمة وجعل العمل عمدة والايمان حالا للايذان بأنه لا عبرة بالعمل بدونه وان ثوابه اعلى من ذلك ٤١ يا قوم مالي ادعوكم الى النجاة وتدعونني الى النار كرر نداءهم ايفاظا لهم عن سنة الغفلة واعتناء بالمنادي له ومبالغة في توبيخهم على ما يقالون به نصحه ومدار التعجب الذي يلوح الاستفهام دعوتهم اياه الى النار ودعوته اياهم الى النجاة كأنه قيل اخبروني كيف هذه الحال ادعوكم الى الخير وتدعونني الى الشر وقد جعله بعضهم من قبيل مالي اراك حزينا وقوله تعالى ٤٢ تدعونني لأكفر باللّه بدل او بيان فيه تعليل والدعاء كالهداية في التعدية بإلى واللام واشرك به ماليس لي به بشركته له تعالى في المعبودية وقيل بربوبيته علم والمراد نفي المعلوم والاشعار بأن الالوهية لا بد لها من برهان موجب العلم بها وانا ادعوكم الى العزيز الغفار الجامع لجميع صفات الالوهية من كمال القدرة والغلبة وما يتوقف عليه من العلم والارادة والتمكن من المجازاة والقدرة على التعذيب والغفران ٤٣ لا جرم لا رد لما دعوه اليه وجرم فعل ماض بمعنى حق وفاعله قوله تعالى ان ما تدعونني اليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة أي حق ووجب عدم دعوة آلهتكم الى عبادتها اصلا او عدم دعوة مستجابة دعوة لها وقيل جرم بمعنى كسب وفاعله مستكن فيه أي كسب ذلك الدعاء اليه بطلان دعوته بمعنى ما حصل من ذلك الا ظهور بطلان دعوته وقيل جرم فعل من الجرم وهو القطع كما ان بدا من لا بد فعل من التبديد أي التفريق والمعنى لا قطع لبطلان الوهية الاصنام أي لا ينقطع في وقت ما فينقلب حقا ويؤيده قولهم لاجرم انه يفعل بضم الجيم وسكون الراء وفعل وفعل اخوان كرشد ورشد وان مردنا الى اللّه أي بالموت عطف على ان ما تدعونني داخل في حكمه وكذا قوله تعالى وان المسرفين أي في الضلال والطغيان كالاشراك وسفك الدماء هم اصحاب النار أي ملازموها فستذكرون وقرىء ٤٤ فستذكرون أي فسيذكر بعضكم بعضا عند معاينة العذاب ما اقول لكم من النصائح وافوض امري الى اللّه قاله لما انهم كانوا توعدوه ان اللّه بصير بالعباد فيحرس من يلوذ به من المكاره ٤٥ فوقاه اللّه سيئات ما مكروا شدائد مكرهم وما هموا به من الحاق انواع العذاب بمن خالفهم قيل نجامع موسى عليه السلام وحاق بآل فرعون أي بفرعون وقومه وعدم التصريح به للاستغناء بذكرهم عن ذكره ضرورة انه اولى منهم بذلك وقيل بطلبة المؤمن من قومه لما انه فر الى جبل فاتبعه طائفة ليأخذوه فوجدوه يصلي والوحوش صفوف حوله فرجعوا رعبا فقتلهم سوء العذاب الغرق والقتل والنار ٤٦ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا جملة مستأنفة مسوقة لبيان كيفية سوء العذاب او النار خبر مبتدأ محذوف كأن قائلا قال ما سوء العذاب فقيل هو النار ويعرضون استئناف للبيان او بدل من سوء العذاب ويعرضون حال منها او من الآل ولا يشترط في الحيق ان يكون الحائق ذلك السوء بعينه حتى يرد ان آل فرعون لم يهموا بتعذيبه بالنار ليكون ابتلاؤهم بها من قبيل رجوع ما هموا به عليهم بل يكفي في ذلك ان يكون مما يطلق عليه اسم السوء وقرئت منصوبة على الاختصاص او بإضمار فعل يفسره يعرضون مثل يصلون فإن عرضهم على النار بإحراقهم بها من قولهم عرض الأساري على السيف اذا قتلوا به وذلك لارواحهم كما روى ابن مسعود رضي اللّه عنه ان ارواحهم في اجواف طير سود تعرض على النار بكرة وعشيا الى يوم القيامة وذكر الوقتين اما للتخصيص وأما فيما بينهما فاللّه تعالى اعلم بحالهم وأما للتأييد هذا ما دامت الدنيا ويوم تقوم الساعة يقال للملائكة ادخلوا آل فرعون اشد العذاب أي عذاب جهنم فإنه اشد مما كانوا فيه او اشد عذاب جهنم فإن عذابها الوان بعضها اشد من بعض وقرىء ادخلوا من الدخول أي يقال لهم ادخلوا يا آل فرعون اشد العذاب ٤٧ واذ يتحاجون في النار أي واذكر لقومك وقت تخاصمهم فيها فيقول الضعفاء منهم للذين استكبروا وهم رؤساؤهم انا كنا لكم تبعا اتباعا كحدم في جمع خادم او ذوي تبع أي اتباع على اضمار المضاف او تبعا على الوصف بالمصدر مبالغة فهل انتم مغنون عنا نصيبا من النار بالدفع او بالحمل ونصيبا منصوب بمضمر يدل عليه مغنون أي دافعون عنا نصيبا الخ او بمغنون على تضمينه معنى الحمل أي مغنون عنا حاملين نصيبا الخ او نصب على المصدرية كشيئا في قوله تعالى لن تغنى عنهم اموالهم ولا اولادهم من اللّه شيئا فإنه في موقع غناء فكذلك نصيبا ٤٨ قال الذين استكبروا انا كل فيها أي نحن وانتم فكيف نغني عنكم ولو قدرنا لاغنينا عن انفسنا وقرىء كلا على التأكيد لاسم ان بمعنى كلنا وتنويه عوض عن المضاف اليه ولا مساغ لجعله حالا من المستكن في الظرف فإنه لا يعمل في الحال المتقدمة كما يعمل في الظرف المتقدم فإنك تقول كل يوم لك ثوب ولا تقول جديدا لك ثوب ان اللّه قد حكم بين العباد وقضى قضاء متقنا لامرد له ولا معقب لحكمه ٤٩ وقال الذين في النار من الضعفاء والمستكبرين جميعا لما ضاقت حيلهم وعيت بهم عللّهم لخزنة جهنم أي للقوام بتعذيب اهل النار ووضع جهنم موضع الضمير للتهويل والتفظيع او لبيان محلهم فيها بأن تكون جهنم ابعد دركات النار وفيها اعني الكفرة واطغاهم او لكون الملائكة الموكلين بعذاب اهلها اقدر على الشفاعة لمزيد قربهم من اللّه تعالى ادعوا ربكم يخفف عنا يوما أي مقدار يوم او في يوم ما من الايام على انه ظرف لا معيار شيئا من العذاب واقتصارهم في الاستدعاء على ما ذكر من تخفيف قدر يسير من العذاب في مقدار قصير من الزمان دون رفعه راسا او تخفيف قدر كثير منه في زمان مديد لان ذلك عندهم مما ليس في حيز الامكان ولا يكاد يدخل تحت امانيهم ٥٠ قالوا أي الخزنة او لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات أي الم تنبهوا على هذا ولم تك تأتيكم رسلكم في الدنيا على الاستمرار بالحجج الواضحة الدالة على سوء مغبة ما كنتم عليه من الكفر والمعاصي كما في قوله تعالى الم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا ارادوا بذلك الزامهم وتوبيخهم على اضاعة اوقات الدعاء وتعطيل اسباب الاجابة قالوا بلى أي اتونا بها فكذبناهم كما نطق به قوله تعالى بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل اللّه من شيء ان انتم الا في ضلال كبير والفاء في قوله تعالى قالوا فادعوا فصحية كما في قول من قال فقد جئنا خراسانا أي اذا كان الامر كذلك فادعوا انتم فإن الدعاء لمن يفعل ذلك مما يستحيل صدوره عنا وتعليل امتناعهم عن الدعاء بعدم الاذن فيه مع عرائه عن بيان ان سببه من قبلهم كما تفصح عنه الفاء ربما يوهم ان الاذن في حيز الامكان وانهم لو اذن لهم فيه لفعلوا ولم يريدوا بأمرهم بالدعاء اطماعهم في الاجابة بل اقناطهم منها واظهار خيبتهم حسبما صرحوا في قولهم وما دعاء الكافرين الا في ضلال أي ضياع وبطلان وقوله تعالى ٥١ انا لننصر رسلنا والذين آمنوا الخ كلام مستأنف مسوق من جهته تعالى لبيان ان ما صاب الكفرة من العذاب المحكي من فروع حكم كلي تقتضيه الحكمة وهو ان شأننا المستمر انا ننصر رسلنا واتباعهم في الحياة الدنيا بالحجة والظفر والانتقام لهم من الكفرة بالاستئصال والقتل والسبي وغير ذلك من العقوبات ولا يقدح في ذلك ما قد يتفق لهم من صورة الغلبة امتحانا اذ العبرة انما هي بالعواقب وغالب الامر ويوم يقوم الاشهاد أي يوم القيامة عبر عنه بذلك للاشعار بكيفية النصرة وانها تكون عند جميع الاولين والآخرين بشهادة الاشهاد للرسل بالتبليغ وعلى الكفرة بالتكذيب ٥٢ يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم بدل من الأول وعدم نفع المعذرة لانها باطلة وقرىء لا تنفع بالتاء ولهم اللعنة أي البعد عن الرحمة ولهم سوء الدار أي جهنم ٥٣ ولقد آتينا موسى الهدى ما يهتدي به من المعجزات والصحف والشرائع واورثا بني اسرائيل الكتاب وتركنا عليهم من بعده التوراة ٥٤ هدى وذكرى هداية وتذكرة او هاديا ومذكرا لاولي الالباب لذوي العقول السليمة العاملين بما في تضاعيفه ٥٥ فاصبر على ما نالك من اذية المشركين ان وعد اللّه أي وعده الذي ينطق به قوله تعالى ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وان جندنا لهم الغالبون او وعده الخاص بك او جميع مواعيده التي من جملتها ذلك حق لا يحتمل الاخلاف اصلا واستشهد بحال موسى وفرعون واستغفر لذنبك تداركا لما فرط منك من ترك الاولى في بعض الاحايين فإنه تعالى كافيك في نصرة دينك واظهاره على الدين كله وسبح بحمد ربك بالعشى والابكار أي ودم على التسبيح ملتبسا بحمده تعالى وقيل صل لهذين الوقتين اذ كان الواجب بمكة ركعتين بكرة وركعتين عشيا وقيل صل شكرا لربك بالعشي والابكار وقيل هما صلاة العصر وصلاة الفجر ٥٦ ان الذين يجادلون في آيات اللّه ويجحدون بها بغير سلطان اناهم في ذلك من جهته تعالى وتقييد المجادلة بذلك مع استحالة اتيانه للايذان بأن التكلم في امر الدين لا بد من استناده الى سلطان مبين البتة وهذا عام لكل مجادل مبطل وان نزل في مشركي مكة وقوله تعالى ان في صدورهم الا كبر خبر لان أي ما في قلوبهم الا تكبر عن الحق وتعظم عن التفكر والتعلم او الا ارادة الرياسة والتقدم على الاطلاق او الا ارادة ان تكون النبوة لهم دونك حسدا وبغيا حسبما قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وقالو لو كان خيرا ما سبقونا اليه ولذلك يجادلون فيها لا ان فيها موقع جدال ما وان لهم شيئا يتوهم ان يصلح مدارا لمجادلتهم في الجملة وقوله تعالى ماهم ببالغيه صفة لكبر قال مجاهد ما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر وهو ما ارادوه من الرياسة او النبوة وقيل المجادلون هم اليهود وكانوا يقولون لست صاحبنا المذكور في التوراة بل هو المسيح بن داود يريدون الدجال يخرج في آخر الزمان ويبلغ سلطانه البر و البحر و تسير معه الانهار وهو آية من آيات اللّه تعالى فيرجع الينا الملك فسمى اللّه تعالى تمنيهم ذلك كبرا ونفى ان يبلغوا متمناهم فاستعذ باللّه أي فالتجيء اليه من كيد من يحسدك ويبغي عليك وفيه رمز الى انه من همزات الشياطين انه هو السميع البصير لاقوالكم وافعالكم وقوله تعالى ٥٧ لخلق السموات والارض اكبر من خلق الناس تحقيق للحق وتبيين لاشهر ما يجادلون فيه من امر البعث على منهاج قوله تعالى أو ليس الذي خلق السموات والارض بقادر على ان يخلق مثلهم ولكن اكثر الناس لا يعلمون لقصورهم في النظر والتأمل لفرط غفلتهم واتباعهم لاهوائهم ٥٨ وما يستوى الاعمى والبصير أي الغافل والمستبصر والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء أي والمحسن والسيء فلا بد ان تكون لهم حال اخرى يظهر فيها ما بين الفريقين من التفاوت وهي فيما بعد البعث وزيادة لا في المسيء لتأكيد النفي لطول الكلام بالصلة ولان المقصود نفي مساواته للمحسن فيما له من الفضل والكرامة والعاطف الثاني عطف الموصول بما عطف عليه على الاعمى والبصير لتغاير الوصفين في المقصود او الدلالة بالصراحة والتمثيل قليلا ما تتذكرون على الخطاب بطريق الالتفات أي تذكرا قليلا تتذكرون وقرىء على الغيبة والضمير للناس او الكفار ٥٩ ان الساعة لآتية لا ريب فيها أي في مجيئها لوضوح شواهدها واجماع الرسل على الوعد بوقوعها ولكن اكثر الناس لا يؤمنون لا يصدقون بها لقصور انظارهم على ظواهر ما يحسون به ٦٠ وقال ربكم ادعوني أي اعبدوني استجب لكم أي انبكم لقوله تعالى ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين أي صاغرين اذلاء وان فسر الدعاء بالسؤال كان الامر الصارف عنه منزلا منزلة الاستكبار عن العبادة للمبالغة او المراد بالعبادة الدعاء فإنه من افضل ابوابها وقرىء سيدخلون على صيغة المبني للمفعول من الادخال ٦١ اللّه الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه بأن خلقه باردا مظلما ليؤدي الى ضعف الحركات وهدء الحواس لتستريحوا فيه وتقدم الجار والمجرور على المفعول قد مر سره مرارا والنهار مبصرا أي مبصرا فيه او به ان اللّه لذو فضل عظيم لا يوازيه ولا يدانيه فضل على الناس ولكن اكثر الناس لا يشكرون لجهلهم بالمنعم واغفالهم مواضع النعم وتكرير الناس لتخصيص الكفران بهم ٦٢ ذلكم المتفرد بالافعال المقتضية للالوهية والربوبية اللّه ربكم خالق كل شيء لا اله الا هو اخبار مترادفة تخصص اللاحقة منها السابقة وتقررها وقرىء خالق بالنصب على الاختصاص فيكون لا اله الا هو استئناف بما هو كالنتيجة للاوصاف المذكورة فأنى تؤفكون فكيف ومن أي وجه تصرفون عن عبادته خاصة الى عبادة غيره ٦٣ كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات اللّه يجحدون أي مثل ذلك الافك العجيب الذي لا وجه له ولا مصحح اصلا يؤفك كل من جحد بآياته تعالى أي آية كانت لا افكا اخر له وجه ومصحح في الجملة ٦٤ اللّه الذي جعل لكم الارض قرارا والسماء بناء بيان لفضله تعالى المتعلق بالمكان بعد بيان فضله المتعلق بالزمان وقوله تعالى وصوركم فأحسن صوركم بيان لفضله المتعلق بأنفسهم والفاء في فأحسن تفسيرية فإن الاحسان عين التصوير أي صوركم احسن تصوير حيث خلقكم منتصب القامة بادي البشرة متناسب الاعضاء والتخططات متهيئا لمزاولة الصنائع واكتساب الكمالات ورزقكم من الطيبات أي اللذائذ ذلكم الذي بغت بما ذكر من النعوت الجليلة اللّه ربكم خبر ان لذلكم فتبارك اللّه أي تعالى بذاته رب العالمين أي مالكهم ومربيهم والكل تحت ملكوته مفتقر اليه في ذاته ووجوده وسائر احواله جميعا بحيث لو انقطع فيضه عنه آنا لانعدم بالكلية هو الحي المتفرد بالحياة الذاتية الحقيقية لا اله الا هو اذ لا موجود يدانيه في ذاته وصفاته وافعاله فادعوه فاعبدوه خاصة لاختصاص ما يوجبه به تعالى مخلصين له الدين أي الطاعة من الشرك الجلي والخفي الحمد للّه رب العالمين أي قائلين ذلك عن ابن عباس رضي اللّه عنهما من قال لا اله الا اللّه فليقل على اثرها الحمد للّه رب العالمين ٦٦ قل اني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون اللّه لما جاءني البينات من ربي من الحجج والآيات او من الآيات لكونها مؤيدة لادلة العقل منبهة عليها فإن الآيات التنزيلية مفسرات للآيات التكوينية الآفاقية والانفسية وامرت ان اسلم لرب العالمين أي بأن انقاد له واخلص له ديني ٦٧ هو الذي خلقكم من تراب أي في ضمن خلق آدم عليه الصلاة و السلام منه حسبما مر تحقيقه مرارا ثم من نطفة أي ثم خلقكم خلقا تفصيليا من نطفة أي مني ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا أي اطفالا والافراد لارادة الجنس او لارادة كل واحد من افراده ثم لتبلغوا اشدكم علة ليخرجكم معطوفه على علة اخرى له مناسبة لها كأنه قيل ثم يخرجكم طفلا لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا كمالكم في القوة والعقل وكذا الكلام في قوله تعالى ثم لتكونوا شيوخا ويجوز عطفه على لتبلغوا وقرىء شيخا كقوله تعالى طفلا ومنكم من يتوفى من قبل أي من قبل الشيخوخة بعد بلوغ الاشد او قبله ايضا ولتبلغوا متعلق بفعل مقدر بعده أي ولتبلغوا اجلا مسمى هو وقت الموت او يوم القيامة بفعل ذلك ولعلكم تعقلون ولكي تعقلوا ما في ذلك من فنون الحكم والعبر ٦٨ هو الذي يحي الاموات ويميت الاحياء او الذي يفعل الاحياء والامانة فإذا قضى امرا أي اراد امرا من الامور فإنما يقول له كن فيكون من غير توقف على شيء من الاشياء اصلا وهذا تمثيل لتأثير قدرته في المقدورات عند تعلق ارادته بها وتصوير لسرعة ترتب المكونات على تكوينه من غير ان يكون هناك امر ومأمور والفاء الاولى للدلالة على ان ما بعدها من نتائج ما قبلها من اختصاص الاحياء والامانة به سبحانه ٦٩ الم تر الى الذين يجادلون في آيات اللّه اني يصرفون تعجيب من احوالهم الشنيعة وآرائهم الركيكة وتمهيد لما يعقبه من بيان تكذيبهم بكل القرآن وبسائر الكتب والشرائع وترتيب الوعيد على ذلك كما ان ما سبق من قوله تعالى ان الذين يجادلون في آيات اللّه الخ بيان لابتناء جدالهم على مبني فاسد لا يكاد يدخل تحت الوجود هو الامنية الفارغة فلا تكرير فيه أي انظر الى هؤلاء المكابرين المجادلين في آياته تعالى الواضحة الموجبة للايمان بها الزاجرة عن الجدال فيها كيف يصرفون عنها مع تعاضد الدواعي الى الاقبال عليها وانتفاء الصوارف عنها بالكلية وقوله تعالى ٧٠ الذين كذبوا بالكتاب أي بكل القرآن او بجنس الكتب السماوية فإن تكذيبه تكذيب لها في محل الجر على انه بدل من الموصول الأول او في حيز النصب او الرفع على الذم وانما وصل الموصول الثاني بالتكذيب دون المجادلة لان المعتاد وقوع المجادلة في بعض المواد لا في الكل وصيغة الماضي الدلالة على التحقق كما ان صيغة المضارع في الصلة الاولى للدلالة على تجدد المجادلة وتكررها وبما ارسلنا به رسلنا من سائر الكتب او مطلق الوحي والشرائع فسوف يعلمون كنه ما فعلوا من الجدال والتكذيب عند مشاهدتهم لعقوباته ٧١ اذ الاغلال في اعناقهم ظرف ليعلمون اذ المعني على الاستقبال ولفظ الماضي لتيقته والسلاسل عطف على الاغلال والجار في نية التأخير وقيل مبتدا حذف خبره لدلالة خبر الأول عليه وقيل قوله تعالى يسحبون بحذف العائد أي يسحبون بها وهو على الاولين حال من المستكن في الظرف وقيل استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية حالهم كأنه قيل فماذا يكون حالهم بعد ذلك فقيل يسحبون ٧٢ في الحميم وقرىء والسلاسل يسحبون بالنصب وفتح الياء على تقديم المفعول وعطف الفعلية على الاسمية والسلاسل بالجر حملا على المعنى لان قوله تعالى الاغلال في اعناقهم في معنى اعناقهم في الاغلال او اضمارا للباء ويدل عليه القراءة به ثم في النار يسجرون أي يحرقون من سجر التنور اذا ملاه بالوقود ومنه السجير للصديق كأنه سجر بالحب أي ملىء والمراد بيان انهم يعذبون بأنواع العذاب وينقلون من باب الى باب ٧٣ ثم قيل لهم اين ما كنتم تشركون ٧٤ من دون اللّه قالوا ضلوا عنا أي يقال لهم ويقولون وصيغة الماضي للدلالة على التحقق ومعنى ضلوا عنا غابوا عنا وذلك قبل ان يقرن بهم آلهتهم اوضاعوا عنا فلم نجد ما كنا نتوقع منهم بل لم نكن ندعو من قبل شيئا أي بل تبين لنا انا لم نكن نعبد شيئا بعبادتهم لما ظهر لنا اليوم انهم لم يكونوا شيئا يعتد به كقولك حسبته شيئا فلم يكن كذلك أي مثل ذلك الضلال الفظيع يضل اللّه الكافرين حيت لا يهتدون الى شيء ينفعهم في الآخرة او كما ضل عنهم آلهتهم يضلهم عن آلهتهم حتى لو تطالبوا لم يتصادفوا ٧٥ ذلكم الاضلال بما كنتم تفرحون في الارض أي تبطرون وتتكبرون بغير الحق وهو الشرك والطغيان وبما كنتم تمرحون تتوسعون في البطر والاشر والالتفات للمبالغة في التوبيخ ٧٦ ادخلوا ابواب جهنم أي ابوابها السبعة المقسومة لكم خالدين فيها مقدرا خلودكم فيها فبئس مثوى المتكبرين أي عن الحق جهنم والتعبير عن مدخلهم بالمثوى لكون دخولهم بطريق الخلود ٧٧ فاصبر الى ان يلاقوا ما اعد لهم من العذاب ان وعد اللّه بتعذيبهم حق كائن لا محالة فإما نرينك أي فإن نرك وما مزيدة لتأكيد الشرطية ولذلك لحقت النون الفعل ولا تلحقه مع ان وحدها بعض الذي نعدهم وهو القتل والاسر او نتوفينك قبل ذلك فإلينا يرجعون يوم القيامة فنجازيهم بأعمالهم وهو جواب نتوفينك وجواب نرينك محذوف مثل فذاك ويجوز ان يكون جوابا لها بمعنى ان نعذبهم في حياتك او لم نعذبهم فإنا نعذبهم في الآخرة اشد العذاب وافظعه كما ينبىء عنه الاقتصار على ذكر الرجوع في هذا المعرض ٧٨ ولقد ارسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك اذ قيل عدد الانبياء عليهم السلام مائة واربعة وعشرون الفا والمذكور قصصهم افراد معدودة وقيل أربعة آلاف من بني اسرائيل واربعة آلالف من سائر الناس وما كان لرسول أي وما صح وما استقام لرسول منهم أن يأتي بآية الا بإذن اللّه فإن المعجزات على تشعب فنونها عطايا من اللّه تعالى قسمها بينهم حسبما اقتضته مشيئته المبنية على الحكم البالغة كسائر القسم ليس لهم اختار في ايثار بعضها والاستبداد بإتيان المقترح منها فإذا جاء امر اللّه بالعذاب في الدنيا والآخرة قضي بالحق بإنجاء المحق وإثابته واهلاك المبطل وتعذيبه وخسر هنالك أي وقت مجيء امر اللّه اسم مكان استعير للزمان المبطلون أي المتمسكون بالباطل على الاطلاق فيدخل فيهم المعاندون المقترحون دخولا اوليا ٧٩ اللّه الذي جعل لكم الانعام قيل هي الابل خاصة أي خلقها لاجلكم ومصلحتكم وقوله تعالى لتركبوا منها ومنها تأكلون تفصيل لما دل عليه اللام اجمالا ومن لابتداء الغاية ومعناها ابتداء الركوب والاكل منها أي تعلقهما بها وقيل للتبعيض أي لتركبوا بعضها وتأكلوا بعضها لا على ان كلا من الركوب والاكل مختص ببعض معين منها بحيث لا يجوز تعلقه بما تعلق به الاخر بل على ان كل بعض منها صالح لكل منهما وتغيير النظم الكريم في الجملة الثانية لمراعاة الفواصل مع الاشعار بأصالة الركوب ٨٠ ولكم فيها منافع اخر غير الركوب والاكل كألبانها وأوبارها وجلودها ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم بحمل اثقالكم من بلد الى بلد وعليها وعلى الفلك تحملون لعل المراد به حمل النساء والولدان عليها بالهودج وهو السر في فصله عن الركوب والجمع بينها وبين الفلك في الحمل لما بينهما من المناسبة التامة حتى سميت سفائن البر وقيل هي الازواج الثمانية فمعنى الركوب والاكل منها تعلقهما بالكل لكن لا على أن كلا منهما يجوز تعلقه بكل منها ولا على ان كلا منهما مختص ببعض معين منها بحيث لا يجوز تعلقه بما تعلق به الآخر بل على ان بعضها يتعلق به الاكل فقط كالغنم وبعضها يتعلق به كلاهما كالابل والبقر والمنافع تعم الكل وبلوغ الحاجة عليها يعم البقر ٨١ ويريكم آياته دلائله الدالة على كمال قدرته ووفور رحمته فأي آيات اللّه أي فأي آية من تلك الآيات الباهرة تنكرون فإن كلا منها من الظهور بحيث لا يكاد يجترىء على انكارها من له عقل في الجملة وهو ناصب لاي واضافة الآيات الى الاسم الجليل لتربية المهابة وتهويل انكارها وتذكير أي هو الشائع المستفيض والتأنيث قليل لان التفرقة بين المذكر والمؤنث في الاسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب وهي في أي اغرب لابهامه ٨٢ افلم يسيروا أي اقعدوا فلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم من الامم المهلكة وقوله تعالى كانوا اكثر منهم واشد قوة الخ استئناف مسوق لبيان مبادى احوالهم وعواقبها وآثارا في الارض باقية بعدهم من الابنية والقصور والمصانع وقيل هي آثار اقدامهم في الارض لعظم اجرامهم فما اغنى عنهم ما كانوا يكسبون ما الاولى نافية او استفهامية منصوبة بأغنى والثانية موصولة او مصدرية مرفوعة أي لم يغن عنهم او أي شيء اغنى عنهم مكسوبهم او كسبهم ٨٣ فلما جاءتهم رسلهم بالبينات بالمعجزات او بالآيات الواضحة فرحوا بما عندهم من العلم أي اظهروا الفرح بذلك وهو مالهم من العقائد الزائغة والشبه الداحضة وتسميتها علما للتهكم بهم او علم الطبائع والتنجيم والصنائع ونحو ذلك او هو علم الانبياء الذي اظهره رسلهم على ان معنى فرحهم به ضحكهم منه واستهزاؤهم به ويؤيده قوله تعالى وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون وقيل الفرح ايضا للرسل فإنهم لما شاهدوا تمادي جهلهم وسوء عاقبتهم فرحوا بما اوتوا من العلم المؤدي الى حسن العاقبة وشكروا اللّه عليه وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم ٨٤ فلما راوا بأسنا شدة عذابنا ومنه قوله تعالى بعذاب بئيس قالوا آمنا باللّه وحده وكفرنا بما كنابه مشركين يعنون الاصنام ٨٥ فلم يك ينفعهم ايمانهم لما راوا بأسنا أي عند رؤية عذابنا لامتناع قبوله حينئذ ولذلك قيل فلم يك بمعنى لم يصح ولم يستقم والفاء الاولى بيان عاقبة كثرتهم وشدة قوتهم وما كانوا يكسبون بذلك زعما منهم ان يغنى عنهم فلم يترتب عليه الا عدم الاغناء فبهذا الاعتبار جرى مجرى النتيجة وان كان عكس الغرض ونقيض المطلوب كما في قولك وعظته فلم يتعظ والثانية تفسير وتفصيل لما ابهم واجمل من عدم الاغناء وقد كثر في الكلام مثل هذه الفاء ومبناها على التفسير بعد الابهام والتفصيل بعد الاجمال والثالثة لمجرد التعقيب وجعل ما بعدها تابعا لما قبلها واقعا عقيبه لان مضمون قوله تعالى فلما جاءتهم الخ هو انهم كفروا فصار مجموع الكلام بمنزلة ان يقال فكفروا ثم لما راوا بأسنا آمنوا والرابعة للعطف على آمنوا كأنه قيل فآمنوا فلم ينفعهم لان النافع هو الايمان الاختياري سنة اللّه التي قد دخلت في عباده أي سن اللّه تعالى ذلك سنة ماضية في العباد وهو من المصادر المؤكدة وخسر هنالك الكافرون أي وقت رؤيتهم البأس على انه اسم مكان قد استعير للزمان كما سلف آنفا عن رسول اللّه من قرا سورة المؤمن لم يبق روح نبي ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن الا صلى عليه واستغفر له |
﴿ ٠ ﴾