ÓõæÑóÉõ ÝõÕøöáóÊú ãóßøöíøóÉñ

æóåöíó ÃóÑúÈóÚñ æóÎóãúÓõæäó ÂíóÉð

سورة فصلت

سورة فصلت مكية وآياتها أربع وخمسون آية

بسم اللّه الرحمن الرحمي

_________________________________

١

حم إن جعل اسما للسورة فهو إما خبر لمبتدأ محذوف وهو الأظهر لما مر سره مرارا أو مبتدأ خبره

٢

تنزل وهو على الأول خبر وخبر لمبتدأ محذوف إن جعل مسرودا على نمط التعديد وقوله تعالى

من الرحمن الرحيم متعلق به مؤكد لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أو خبر أخر أو تنزيل مبتدأ لتخصصه بالصفة خبره

٣

كتاب وهو على الوجوده الأول بدل منه أو خبر آخر أو خبر لمحذوف ونسبة التنزيل الى الرحمن الرحيم للإيذان بأنه مدار للمصالح الدينية والدنيوية واقع بمقتضى الرحمة الربانية حسبما ينبيء عنه قوله تعالى وماأرسلناك إلا رحمة للعاملين فصلآياته ميرت بحسب النظم والمعنى وجعلت تفاصيل في اساليب مختلة ومعان متغايرة من أحكام وقصص ومواعظ وأمثال ووعد ووعيد وفرىء

 فصلت أي فرقت بين الحق والباطل أو فصل بعضها من بعض باختلاف الأساليب والمعان من قولك فصل من البلد فصولا

 قرآنا عربيا نصب على المدح أو الحالية من كتاب لتخصصه بالصفة أو من آياته

لقوم يعلمون أى معانيه لكونه على لسانهم

وقيل لأهل العلم والنظر لأنهم المنتفعون به واللام متعلة بمحذوف هو صفة أخرى لقرآنا اي كائنا لقوم ألخ أو بتنزيل على أن من الرحمن الرحيم ليست بصفة له أو بفصلت

٤

بشير ونذيرأ صفتان أخريان لقرآنا أي بشير الأهل الطاعة ونذيرا لأهل المعصية أو حالان من كتاب أو من آياته وقرئا بالرفع على الوصفية لكتاب أو الخبرية لمحذوف

فأعرض أكثرهم عن تدبره مع كونه على لغتهم

فهم لا يسمعون سماع تفكر وتأمل حتى يفهموا اجلالة قدره فيؤمنوا به

٥

وقالوا أي لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عند دعوته إياهم الى الإيمان والعمل بما في القرآن

 قلوبنا في أكنة أي أغطية

مما تدعوننا إليه وفي آذاننا وقر أي صمم الثقل وقرىء بالكسر وفرىء بفتح القاف

 ومن بيننا وينك حجاب غليظ بمنعنا عن التواصل ومن للدلالة على أن الحجاب مبتدأ من الجانبين بحيث استوعب ما بينهما من المسافة المتوسطة ولم يبق ثمة فراغ أصلا وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك الحق وقبله ومج أسماعههم له كأن بهاصمما وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول صلى اللّه عليه و سلم

 فاعمل أي على دينك

وقيل في إبطال أمرنا

إننا عاملون أى على ديننا

وقيل في إبطال أمرك والأول هو الأظهر فإن قوله تعالى

٦

قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى إنما إلهكم إله واحد تلقين للجواب عنه أي لست من جنس مغاير لكم حتى يكون بيني وبينكم حجاب وتباين مصحح لتباين الأعمال والأديان كما ينبىء عنه قولكم فاعمل إننا عاملون بل إنما مثلكم مأمور بما أمرتم به حيث أخبرنا جميعا بالتوحيد بخظاب جامع بين وبينكم فإن الخطاب في إلهكم محكى منتظم للكل لا أنه خطاب منه عليه الصلاة و السلام كما في مثلكم

وقيل المعني لست ملكا ولا جنيا لا يمكنكم التقلى منه ولا أدعوكم الى ما تنبو عنه العقول والأسماع وإنما أدعوكم الى التوحيد والاستقامة في العمل وقد تدل عليهما دلائل العقل وشواهد النقل

وقيل المعنى إني لست بملك وإنما أنا بشر مثلكم وقد أوحى إلى دونكم فصحت بالوحى إلى ون بشر نبوتي وإذا صحت نبوتي وجب عليكم اتباعي فتأمل والفاء في قوله تعالى

فاستقيموا إليه لترتيب ما بعدها على ما قبلها من إحياء الوحدانية فإن ذلك موجب لاستقامتهم إليه تعالى بالتوحيد والإخلاص في الأعمال

واستغفروه مما كنتم عليه من سوء العقيدة والعمل وقوله تعالى

وويل للمشركين ترهيب وتنفير لهم عن الشرك إثر ترغيبهم في التوحيد ووصفهم بقوله تعالى

٧

الذين لا يؤتون الزكاة لزيادة التحذير والتخويف عن منع الزكاة حيث جعل من أوصاف المشركين وقرن بالكفر بالآخرة حيث قيل

 وهم بالآخرة هم كافرون وهو عطف على لا يؤتون داخل في حيز الصلة واختلافهما بالفعلية والأسمية لما أن عدم إيتائها متجدد والكفر أمر مستمر ونقل عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه فسر لا يؤتون الزكاة بقوله لا يقولون لا إله إلا اللّه فإنها زكاة الأنفس والمعنى لا يظهرون أنفسهم من الشرك بالتوحيد وهو مأخوذ من قوله تعالى ونفس وما سواها وقال الضحاك ومقاتل لا ينفقون في الطاعات ولا يتصدقون وقال مجاهد لا يزكون أعمالهم

٨

إن الذين آمنوا وعملوا الصالحتا لهم أجر غير ممنون أي

لا يمن به عليهم من المن وأصله الثقل أولا يقطع من مننت الحبل قطعته

وقيل نزلت في المرضى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كاصح ما كانوا يعلمونه

٩

قل ائنكم لتفكرون إنكار وتشنيع لكفرهم وإن واللام إنا لتأكيد الإنكار وتقديم الهمزة لاقتضائها الصدارة لا لإنكار التأكيد

وأما للإشعار بأن كفرهم من البعد بحيث ينكر العقلاء وقوعه فيحتاج الى التأكيد وإنما علق كفرهم بالموصول حيث قيل

 بالذي خلق الأرض في يومين لتفخيم شأنه تعالى واستعظام كفرهم به أي بالعظيم الشأن الذى قدر وجودها أي حكم بأنها ستوجد في مقدار يومين أو في نوبتين على أن ما يوجد في كل نوبة بأسرع ما يكون وإلا فاليوم الحقيقي إنما يتحقق بعد وجودها وتسوية السموات وإبداع نيراتها وترتيب حركاتها وتجعلون له أندادا عطف على تكفرون داخل في حكم الإنكار والتوبيخ وجمع الأنداد باعتبار ما هو الواقع لا بأن يكون مدار الإنكار هو التعدد أي

 وتجلعون له أندادا والحال أنه لا يمكن أن يكون له ند واحد ذلك إشارة الى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان ببعد منزلته في العظمة وإفراد الكاف لما مر مرار من ان المراد ليس تعيين المخاطبين وهو مبتدأ خبره ما بعده أي ذلك العظيم الشأن الذي فعل ما

ذكر رب العالمين أي خالق جميع الموجودات ومربيها دون الأرض خاصة فكيف يتصور أن يكون أخس مخلوقاته ندا له وقوله تعالى

١٠

وجعل فيها رواسى عطف على خلق داخل في حكم الصلة والجعل إبداعي وحديث لزوم الفصل بينهما بجملتين خارجيتين عن حيز الصلة مدفوع بأن الأولى متحدة بقوله تعالى تكفرون فهو بمنزلة الإعادة له والثانية اعتراضية مقررة لمضمون الكلام بمنزلة التأكيد فالفصل بهما كلا فصل على ان فيه فائدة التنبيه على ان مجر المعطوف عليه كاف في تحقق ربوبيته للعالمين واستحالة أن يجعل له ند فكيف إذا انضم إليه المعطوفات

وقيل هو عطف على مقدر اي خلقها وجعل الخ

وقيل هو كلام مستأنف وأيا ما كان فالمراد تقدير الجعل لا الجعل بالفعل وقوله تعلى من فوقها متعلق بجعل أو بمضمر هو صفة لرواسي أي كائنة

من فوقها مرتفعة عليها لتكون منافعها معرضة لأهللّها ويظهر للنظار ما فيها من مراصد الاعتيار ومطارح الأفكار

 وبارك فيها أي قدر أن يكثر خيرها بأن يخلق أنواع الحيوانات التي من جملتها الإنسان وأصناف النبات التي منها معايشهم وقدر فيها

أقواتها أي حكم بالفعل بأن يوجد فيما سيأتي لأهلها من الأنواع المختلفة اقواتها المناسبة لها على مقدار معين تقتضيه الحكمة وقرىء وقسم فيها أقواتها

في أربعة أيام متعلق بحصول الأمور المذكورة لا بتقديرها أي قدر حصولها في يومين وإنما قيل في أربعة أيام اي تتمة أربعة تصريحا بالفذلكة سواء مصدر مؤكد لمضمر هو صفى لأيام اي استوت

 سواء أي استواء كما ينبيء عنه القراءة بالجر

وقيل هو حال من الضمير في أقواتها أو في فيها وقرىء بالرفع أي هى

سواء للسائلين منتعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائيلن عن مدة خلق الأرض وما فيها أو بقدر أي قدر فيها أقواتها لأجل السائلين أي الطالبين لها المحتاجين إليها من المقتاتين وقوله تعالى

١١

ثم استوى الى السماء شروع في بيان كيفية التكوين إثر بيان كفية التقدير ولعل تحصيص البيان بما يتعلق بالأرض وأهلها لما أن بيان اعتنائه تعالى بأمر المخاطبين وترتيب مبادى معايشهم قبل خلقهم مما يحملهم على الإيمان ويزجرهم عن الكفر والظغيان أي ثم قصد نحوها قصدا سويا لا يلوى على غيره

 وهي دخان أي امر ظلماني عبر به عن مادتها أو عن الأجزاء المتصغرة التي ركبت هي منها أو دخان مرتفع من الماء كما سيأتي وإنما خص الاستواء بالسماء مع أن الخطاب المترتب عليه متوجه إليهما معا حسبما ينطق به قوله تعالى

فقال لها وللأرض اكتفاء بذكر تقديرها وتقدير ما فيها كأنه قيل فقال لها وللأرض التي قدر ووجودها وودود ما فيها ائتيا أي كونا واحدثا على وجه معين وفي وقت مقدر لكل منكما وهو عبارة عن تعلق إرادته تعلى بوجودهما تعلقا فعليا بطريق التمثيل بعد تقدير أمرهما من غير أن يكون هناك أمر ومأمور كما في قوله تعالى كن وقوله تعالى

 طوعا أو كرها تمثيل لتحتم تأثير قدرته تعلى فيهما واستحالة امتناعهما من ذلك لا إثبات الطوع والكره لهما وهما مصدران وقعا موقع الحال أي طائعتين أو كارهتين وقوله تعلى

قالتا أيتنا طائعين أي منقادين تمثيل لكمال تأثرهما بالذات عن القدرة الربانة وحصولهما كما أمرتا به وتصوير لكون وجوهما كما هما عليه جاريا على مقتضى الحكمة البالغة فإن الطوع منبىء عن ذلك والكره موهم لخلافه وإنما قيل طائعين باعتبار كونهما في معرض الخطاب والجواب كقوله تعالى ساجدين وقوله تعلى

١٢

فقضاهن سبع سموات تفسير وتفصيل لتكوين السماء المجمل المعبر عنه بالأمر وجوابه لا أنه فعل مترتب على تكونيها أي خلقهن خلقا إبداعيا وأتقن أمرهن حسبما تقتضيه الحكمة والضمير إما للسماء على المعني أو مبهم وسبع سموات حال على الأول تميز على الثاني

في يومين في وقت مقدر بيومين وقد بين مقدار زمان خلق الأرض وخلق ما فيها عند بيان تقديرهما فكان خلق الكل في ستة أيام حسبما نص عليه في مواقع من التنزيل

وأوحى في كل سماء أمرها عطف على قضاهن أي خلق في كل منها ما في الملائكة

والنيرات وغير ذلك مما لا يعلمه إلا اللّه تعالى كما قاله قتادة والسدى فالوحى عبارة عن التكوين كألأمر مقيد بما قيد به المعطوف عليه من الوقت أو اوحى إلى أهل كل منها أوامره وكلفهم ما يليق بهم من التكاليف فهو بمعناه ومطلق عن القيد وأياما كان فعلى ما قرر من التفصيل لادلة في الآية الكريمة على الترتيب بين إيجاد الأرض وإيجاد السماء وإنما الترتيب بين التقدير والإيجاد

وأما على تقدير كون الخلق وما عطف عليه من الأفعال الثلاثة على معانيها الظاهرة فهي وما في سورة البقرة من قوله تعالى هو الذى خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سموات تدلان على خلق الأرض وما فيها على خلق السماء وما فيها وعليه إطباق أكثر أهل التفسير وقد روى أن العرش العظيم كان قبل خلق السموات والأرض على الماء ثم إنه تعلى أحدث في الماء اضطرابا فأزبد فارتفع منه دخان فأما الزبد فبقي على وجه الماء فخلق فيه اليبوسة فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعلها أرضين

وأما الدخان فارتفع وعلا فخلق منه السموات وروى أنه تعالى خلق جرم الأرض يوم الأحد ويوم الأثنين الأثنين ودحاها وخلق ما فيها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء وخلق السموات وما فيهن يوم الخميس ويوم الجمعة وخلق آدم عليه السلام في آخر ساعة منه وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة

وقيل إن خلق جرم الأرض مقدم على خلق المسوات لكن دحوها وخلق ما فيها مؤخر عنه لقوله تعالى والأرض بعد ذلك دحاها ولما اروى عن الحسن رحمه اللّه تعالى أنه خلق الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة القهر عليه دخان ملتزق بها ثم أصعد الدخان وخلق منه السموات وأمسك الفهر في موضعها وبسط منها الأرض وذلك قوله تعالى كانتا رتقا ففتقناهما الآية وليس المراد بنظمها مع السماء في سلك الأمر بالإتيان إنشاءها وإحداثها بل إنشاء دحوها وجلعها على وجه خاص يليق بها من شكل معين ووصف مخصوص كأنه قيل ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه أئتى يا أرض مدحورة قرارا ومهادا لأهلك وائتى يا سماء مقبية سقفا لهم ومعنى الإتيان الحصول على ذلك الوجه كما تنبىء عنه قراءة آتيا وآتينا من المواتاة وهي الموافقة وأنت خبير بأن المذكور قبل الأمر بالإتيان ليس مجرد خلق جزم الأرض حتى يتأتى ما ذكر بل خلق ما فيها أيضا من الأمور المتأخرة عن دحوها قطعا فالأ ظهر أن يسلك مسلك الأولين ويحمل الأمر بالإتيان على تكوينهما متوافقين على الوجه المذكور وليس من ضرورته أن يكون دحوها مترتبا على ذلك التكوين وإنما اللازم ترتب حصول التوافق عليه ولا ريب في أن تكوين السماء على الوجه اللائق بها كاف في حصوله ولا يقدح في ذلك تكوين الأرض على الوجه المذكور قبل ذلك وأن يجعل الأرض في قوله تعالى والأرض بعد ذلك دحاها منصوبا بمضمر قد حذف علىلا شرطية التفسير ويجعل ذلك إشارة إلى ذكر ما ذكر من بناء السماء ورفع سمكها وتسويتها وغيرها لا إلى أنفسها وتحمل البعدية إما على أنه قاصر عن الأول في الدلالة على القدرة القاهرة كما قيل

وأما على أنه ادخل في الإلزام لما أن المنافع المنوطة بما في الأرض اكثر وتعلق مصالح الناس بذلك أظهروا إحاطتهم بتفاصيلها أكمل وليس ما روى عن الحسن رضى اللّه عنه نصا في تأخر دحو الأرض عن خلق السماء فإن بسط الأرض معطوف على إصعاد الدخان وخلق السماء بالواو فلا دلالة في ذلك على الترتيب قطعا وقد نقل الإمام الواحدى عن مقاتل أن خلق السماء مقدم على إيجاد الأرض فضلا عن دحوها عن دحوها فلا بد من حمل الأمر بإتيانهما حينئذ أيضا على ما ذكر من التوافق والمواتاة ولا يقدح في ذلك تقدم خلق السماء على خلق الأرض كما لم يقدح فيه تقدم خلق الأرض على خلق السماء هذا كله على تقدير كون كلمة ثم للتراخي الزماني

وأما على تقدير كونها للتراخي الرتبي كما جنح إليه الأكثرون فلا دلالة في الآية الكريمة على الترتيب كما في الوجه الأول وعلى ذلك بني الكلام في تفسير قوله تعالى هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا الآية وإنما لم يحمل الخلق هناك على معنى التقدير كما حمل عليه هنا لتوفيه مقام الامتنان حقه وزينا السماء الدنيا بمصابيح من الكواكب فإنها كلها ترى متلألئة عليها كأنها فيها والالتفات إلى نون العظمة لإبراز مزيد العناية بالأمر وقوله تعالى

 وحفظا مصدر مؤكد لفعل معطوف على زينا أي وحفظناها من الافات أو من المسترقة حفظا

وقيل مفعول له على المعنى كأنه قيل وخلقنا المصابيح زينة وحفظا

ذلك الذي ذكر بتفاصيله

 تقدير العزيز العليم المبالغ في القدرة والعلم

١٣

فإن أعرضوا متصل بقوله تعالى قل أئنكم الخ أي فإن أعرضوا عن التدبر فيما ذكر من عظائم الأمور الداعية الى الإيمان أو عن الإيمان بعد هذا البيان

فقل لهم

 أنذرتكم أي أنذرتكم وصيغة الماضي للدلالة على تحققق الإنذار المنبىء عن تحقق المنذر به

صاعقة أي عذابا هائلا شديد الوقع كانه صاعقة

مثل صاعقة عاد وثمود وقرىء صعقة مثل صعقة عاد وثمود وهي المرة من الصعق أو الصعق يقال صعقة الصاعقة صعقا فصعق صعقا وهو من باب فعلته ففعل

١٤

إذ جاءتهم الرسل حال من صاعقة عاد ولا سداد لجعله ظرفا لأنذرتكم أو صفة لصاعقة لفساد المعنى

وأما جعله صفة لصاعقة عاد أي الكائنة إذ جاءتهم ففيه حذف الموصول مع بعض صلته

من بين أيديهم ومن خلفهم متعلق بجاءتهم أي من جميع جوانبهم واجتهدوا بهم من كل جهة أو من جهة الزمان الماضي بالإنذار عما جرى فيه على الكفار ومن جهة المستقبل بالتحذير عما سيحيق بهم من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة

وقيل المعنى جاءتهم الرسل المتقدمون والمتأخرون على تنزيل مجىء كلامهم ودعوتهم الى الحق منزلة مجىء أنفسهم فإن هودا وصالحا كانا داعيين لهم الى الإيمان بهما وبجميع الرسل ممن جاء من بين أيديهم أي من قبلهم وممن يجىء من خلفهم أي من بعدهم فكان الرسل قد جاءوهم وخاطبوهم بقوله تعالى

 أن لا تعبدوا إلا اللّه أي بأن لا تعبدوا على أن أن مصدرية أو أي لا تعبدوا على أنها مفسرة

 قالوا لو شاء ربنا إرسال الرسل

 لا إنزال الملائكة قيل فإنه عن إفادة ما أرداوه من نفي رسالة البشر وقد مر فيما سلف لأنزل ملائكة أي لأرسلهم لكن لما كان إرسالهم بطريق الإنزال قبل لأنزل

 فإنا بما أرسلتم به أي على زعمكم وفيه ضرب تهكم بهم

كافرون للما أنكم بشر مثلنا من غير فضل لكم علينا روى أن أبا جهل قال في ملأ من قريش قد التبس علينا أمر محمد فلو التمستم لنا رجل عالما بالشعر والكهانة والسحر فكلمه ثم اتانا ببيان من أمره فقال عتبة بن ربيعة واللّه لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر فكلمه ثم أتانا بيان من أمره فقال عتبة بن ربيعة واللّه لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر علمت من وعلمت من ذلك علما وما يخفى على فأتاه فقال أنت يا محمد خيرا أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد اللّه فبم تشتم آلهتنا وتضللنا فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك اللواء فكنت رئيسا وإن تك بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختارهن أي بنات قريش شئت وإنا كان بك المال جمعنا لك ما تستغنى ورسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ساكت فلما فرغ عتبة قال صلى اللّه عليه و سلم بسم اللّه الرحمن الرحيم حم الى قوله تعلى مثل صاعغقة عاد وثمود فأمسك عتبة على فيه صلى اللّه عليه و سلم ونأشده بالرحم ورجع الىأهله ولم يخرج الى قريش فلما احتبس عنهم قالوا ما نرى عبتة إلا قد صبأ فانطلقوا إليه وقالوا يا عبت ما حبسك عنا إلا أنك قد صبأت فغضب ثم قال واللّه لقد كلمته فأجابني بشيء واللّه ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ولما بلغ صاعقة عاد وثمود أمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب

١٥

فأما عاد فاستكبروا في الارض شروع في حكاية ما يخص بكلا واحدة من الطائفتين من الجناية والعذاب إثر حكاية ما يعم الكل من الكفر المطلق أي فتعظموا فيها على أهلها أو استعلوا فيها واستولوا على أهلها

بغير الحق أي بغير استحقاق للتعظم والولاية

 وقالوا مدلين بشدتهم وقوتهم

من أشد منا قوة حيث كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم وقد بلغ من قوتهم أن الرجل كان ينزع الصخرة من جبل فيقتلعها بيده

أولم يروا أي اغفلوا أو ألم ينظروا ولم يعلموا علما جليا شبيها بالمشاهدة والعيان

 إن اللّه الذي خلقهم هو أشد منهم قوة أي قدرة فإنه تعالى قادر بالذات مقتدر على مالا يتناهى قوى على مالا يقدر عليه غير مفيض للقوى والقدر على كل قوى وقادر وإنما أورد في حيز الصلة خلقهم دون خلق السموات والأرض لادعائهم الشدة في القوة وفيه ضرب من التهكم بهم

 وكانوا بآياتنا المنزلة على الرسل

 يجحدون أي ينكرونها وهم يعرفون حقيقتها وهو عطف على فاستكبروا كقوله تعالى وقالوا وما بينهما اعتراض للرد على كلمتهم الشنعاء

١٦

فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا أي باردة تهلك وتحرق بشدة

بردها من الصر وهو البرد الذي يصر أي يجمع ويقبض أو عاصفة في هبوبها من الصرير

 في أيام نحسات جمع نحسة من نحس نحسا نقبض سعد سعدا وقرىء بالسكون على التخفيف أو على أنه نعت على فعل أووصف بمصدر مبالغة قيل كن آخر شوال من الأربعاء الى الأربعاء وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء

لنذيقهم عذاب الخزى في الحياة الدنيا وقرىء لتذيقهم على إسناد الإذاقة الى الريح أو الى الأيام واضيف العذاب الى الخزي الذي هو الذل ولاستكانة على أنه وصف له كما يعرب عنه قوله تعالى

 ولعذاب الآخرة أخزى وهو في الحقيقة وصف للمعذب وقد وصف به العذاب للمبالغة

 وهم لا ينصرون بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه

١٧

وأما ثمود ثمود

فهديناهم فدللناهم على الحق بنصب الآيات التكوينية وإرسال الرسل وإنزال الآيات التشريعية وأزحنا عللّهم بالكلية وقد مر تحقيق معنى الهدى في تفسير قوله تعالى هدى للمتقين وقرىء ثمود بالنصب بفعل يفسره ما بعده ومنونا في الحالين وبضم الثاء

فاستحبوا العمى على الهدى أي اختاروا الضلالة على الهداية

 فأخذتهم صاعقةالعذاب الهون داهية العذاب وقارعة العذاب والهون الهوان وصف به العذاب مبالغة أو ابدل منه

 بما كانوا يكسبون من اختيار الضلالة

١٨

ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون من تلك الصاعقة

١٩

ويوم يحشر أعادء اللّه شروع في بيان عقوباتهم الآجلة إثر بيان عقوباتهم العاجلة والتعبير عنهم بأعداء اللّه تعالى لذمهم والإيذان بعلة ما يحيق بهم من ألوان العذاب

وقيل المردا بهم الكفار من الأولين والآخرين ويرده ما سيأتي من قوله تعالى في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس وقرىء يحشر على بناء الفاعل ونصب أعداء اللّه وبنون العظمة وضم الشين وكسرها

 إلى النار أي الى موقف الحساب إذ هناك تتحقق الشاهادة الآتية لا بعدم تمام السؤال والجواب وسوقهم الى النار والتعبير عنه بالنار إما للإيذان بأنها عاقبة حشرهم على شرف دخولها وأما لأن حسابهم يكون على شفيرها ويوم اما منصوب باذكر أو ظرف لمضمر مؤخر قد حذف ايهما لقصور العبارة عن تفصيله كما مر في قوله تعالى يوم يجمع اللّه الرسل

وقيل ظرف لما يدل عليه قوله تعالى

 فهم يوزعون أي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا وهو عبارة عن كثرتهم وقبل يسلقون ويدفعون الى النار وقوله تعالى

٢٠

حتىإذا ما جاءها اي جميعا غاية ليحشر او ليوزعون أي حتى إذا حضروها وما ميزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور

 شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانلوا يعملون في الدنيا من فنون الكفر والمعاصى بأن ينطقها اللّه تعالى أو يظهر عليها آثار ما اقترفوه بها وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما أن المراد بشهادة الجلود شهادة الفروج وهو الأنسب بتخصيص السؤال بها في قوله تعالى

٢١

وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا فإن ما تشهد به من الزنا أعظم جناية وقبحا وأجلب للخزىوالعقوبة مما يشهد به السمع والأبصا من الجنايات المكتسبه بتوسطهما

وقيل المراد بالجلود الجوراح اي سألوها سؤال توبيخ لما روى أنهم قالوا لها فعنكن كنا نناضل وفي رواية بعدا لكن وسحاق عنكن كنت أجادل وصيغة جمع العقلاء في خطاب الجلود وفي قوله تعلى

قالوا أنطقنا اللّه الذي أنطق كل شئ لوقوعها في موقع السؤال والجواب المختصين بالعقلاء أي أنطقنا اللّه الذي أنطق وأقدرنا على بيان الواقع فشهدنا عليكم بما علمتم بواسطتنا من القبائح وما كتمناها

وقيل ما نطقنا باختيارنا بل أنطقنا اللّه الذي أنطق كل شيء وليس بذاك لما فيه من إيهام الاضطرار في الأخبار

وقيل سألوها سؤال تعجب فالمنى حينئذ ليس نطقنا بعجب من قدرة اللّه الذي أنطق كل حي

 وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون فإن من قدر على خلقكم وإنشائكم أولا وعلى إعادتكم ورجعكم الى جزائه ثانيا لا يتعجب من انطاقه لجوارحكم ولعل صيغة المضارع مع أن هذه لمحاورة بعد البعث والرجع لما أن المراد بالرجع ليس مجرد الرد الى الحياة بالبعث بل ما يعمه وما يترتب عليه من العذاب الخالد المترتب عند التخاطب على تغليب المتوقع على الواقع على أن فيه مراعاة الفواصل وقوله تعلى

٢٢

وما كنتم تسترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولاجلودكم حكاية لما سيقال لهم يومئذ من جهته تعالى بطريق التوبيخ والتقريح تقريرا لجواب الجلود أي ما كنتم تسترون في الدنيا عند مباشرتكم الفواحش مخافة أن تشهد عليكم جوارحكم بذلك كما كنتم تسترون من الناس مخافة الافتضاح عندهم بل كنتم جاحدين بالبعث والجزاء رأسا

ولكن ظننتم أن اللّه لا يلعم كثيرا مما تعملون من القبائح المخفية فلا يظهرها في الآخرة ولذلك اجرتأتم على ما فعلتم وفيه إيذان بأن شهادة الجوارح باعلامه تعالى حينئذ لا بانها عالمة بما شهدت به عند صدوره عنهم عن ابن مسعود رضي اللّه عنه كنت مستترا بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر ثقفيان وقرشى أو قرشيان وثقفي فقال أحدهم أترون ان اللّه يسمع ما نقول قال الآخر يسمع إن جهرنا ولا يسمع أن

أخفينا فذكرت ذلك للنبي صلى اللّه عليه و سلم فأنزل اللّه تعالى وما كنتم تسترون الآية فالحكم المحكى حينئذ يكون خاصا بمن كان على ذلك الاعتقاد من الكفرة ولعل الأنسب أن يراد بالظن معنى مجازى يعم معناه الحقيقي وما يجري مجراه من الأعمال المنبئة عنه كما في قوله تعالى يحسب أن ماله أخلده ليعم ما حكى من الحال جميع أصناف الكفرة فتدبر

٢٣

وذلكم إشارة إلى ماذكر من ظنهم وما فيه من معنى البعد للإيذان بغاية بعد منزلته في الشر والسوء وهو مبتدأ وقوله تعلى

ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم خبران له ويجوز أن يكون ظنكم بدلا وأرداكم حبرا

فأصبحتم بسبب ذلك الظن السوء الذي أهلككم

من الخاسرين إذ صار مامنحو لنيل سعادة الدارين سببا لشقاء النشأتين

٢٤

فإن يصبروا فالنار مثوى لهم أي محل ثواء وإقامة أبدية لهم بحيث لا براح للّهم منها والالتفات الى الغيبة للإيذان باقتضأ حالهم أن يعرض عنهم ويحي سوء حالهم لغيرهم أو للإشعر بإبعادهم عن حيز الخطاب وإلقائهم في غاية دركات النار وإن يسعتبوا اي يسألوا العتبى وهو الرجوع الى ما يحبونه جزعا مما هم فيه فما هم من المعتبين المجابين إليها ونظيره قوله تعالى سواء علينا أجزعنا أم صبرنا مالنا من محيص وقرىء

 وإن يستعينوا فما هم من المعتبين أي إن يسألوا أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون لفوات المكنة

٢٥

وقيضنا لهم أي قدرنا وقرنا للكفرة في الدنيا قرناه جمع قرين أي أخدانا من الشياطين يستولون عليهم استيلاء القيض على البيض وهو القشر

وقيل أصل القيض البدل ومنه المقايضة البدل ومنه المقايضة للمعاوضة

فزينوا لهم ما بين أيديهم من امور الدينا واتباع الشهوات

وماخلفهم من امور الآخرة حيث أروهم أن لا بعث ولا حساب ولا مكروه قط

وحق عليهم القول أي ثبت وتقرر عليهم كلمة العذاب وتحقق موجبها ومصداقها وهو قوله تعالى لإبليس فالحق والحق أقل لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجميعن وقوله تعالى لمن اتبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين كما مر مرار

 في أمم حال من الضمير المجرور أي كائنين في جملة امم

وقيل في بمعنى مع وهذا كما ترى صريح في أن المراد بأعداء اللّه تعالى فيما سبق المعهودون من عاد وثمود لا الكفار من الأولين والآخرين كما قيل

 قد خلت صفة لأمم أي مضت

من قبلهم من الجن والإنس على الكفر والعصيان كذأب هؤلاء

 إنهم كانوا خاسرين تعليل لاستحقاقهم العذاب والضير للأولين والآخرين

٢٦

وقال الذين كفروا من رؤساء المشركين لأعقابهم أو قال

بعضهم لبعض

لا تسمعوا لهذا القرآن أي لا تنصتوا له

والغوا فيه وعارضوه بالخرافا من الرجز والشعر والتصدية والمكاء أو أرفعوا أصواتكم بها لتشوشوه على القارىء وقريء بضم الغين والمعاني واحد يقال لغى يلغى كلقى يلقي ولغا يلغوا إذا هذى

 لعلكم تغلبون أي تعلبونه على قراءته

٢٧

فلنذيقن الذين كفرو أي فواللّه لنذيقن هؤلاء القائلين واللاغين أو جميع الكفار وهم داخلون فيهم دخولا أولياء

 عذابا شديد  ا لا يقادر قدره

ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون أي جزاء سيئات أعمالهم التي هي في أنفسها أسوأ

وقيل إنه لا يجازيهم بمحاسن أعمالهم كإغاثة الملهوفين وصلة الأرحام وقرىء الأضياف لأنها محبطة بالكفر وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما عذابا شديدا يوم بدر وأسوأ الذي كانوا يعملون في الآخرة

٢٨

ذلك مبتدأ وقوله تعالى

 جزاء أعداء اللّه خبره أي ما ذكر من الجزاء جزاء معدلا لأعدائه وقوله تعالى

النار عطف بيان للجزاء أو ذلك خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك على انه عبارة عن مضمون الجملة لاعن الجزاء وما بعده جملة مستقلة مبينة لما قبلها وقوله تعالى

 لهم فيها دار الخلد جملة مستقلة مقررة لما قبلها أو النار مبتدأ هي خبره أي هي بعينها دار إقامتهم على أن في للتجريد وهو أن ينتزع من أمر ذى صفة أمر آخر مثله مبالغة لكامله فيها كما يقال في البيضة عشرون منا حديد

وقيل وهي على معناها والمراد أن لهم في النار المشتملة على الدركات دارا مخصوصة هم فيها خالدون

جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون منصوب بفعل مقدر أي يجزون جزاء أو بالمصدر السابق فإن المصدر ينتصب بمثله كما في قوله تعالى فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا والباء الأولى متعلقة بجزاء والثانية بيجحدون قدمت عليه لمراعاة الفواصل أي بسبب ماكانوا يجحدون بآياتنا الحقة أو يلغون فيها وذكر الجحود لكونه سببا للغو

٢٩

وقال الذين كفروا وهم متقلبون فيما ذكر من العذاب

 ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس يعنون فريقي شياطين النوعين المقيضين لهم الحاملين لهم على الكفر والمعاصى بالتسويل والتزين

وقيل هما إبليس وقابيل فإنهما سنا الكفر والقتل بغير حق وقرىء أرنا تخفيفا كفخذ في فخذ

وقيل معناه أعطناهما وقرىء باختلاس كسرة الراء

 نجلعهما تحت أقدامنا أي ندسهما انتقاما منهما

وقيل نجعلهما في الدرك الأسفل

 ليكونا من الأسفلين أي ذلا ومهانة أو مكانا

٣٠

إن الذين قالوا ربنا اللّه شروع في بيان حسن أحوال المؤمنين في الدنيا والآخرة بعد بيان سوء حال الكفرة فيهما أي قالوا اعترافا بربوبيته تعالى وإقرارا بوحدانيته

 ثم استقاموا أي ثبتوا على الإقرار ومقتضياته على أن ثم للتراخي في الزمان أو في الرتبة فإن الاستقامة لها الشأن كله وما روى عن الخلفاء الراشدين رضي اللّه تعالى عنهم في معناها من الثبات على الإيمان وإخلاص العمل وأداء الفرائض بيان لجزئياتها

 تتنزل عليهم الملائكة من جهته تعالى يمدونهم فيما يعن لهم من الأمور الدينية والدونيوية بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن بطريق الإلهام كما أن الكفرة يغويهم ما قيض لهم من قرناء السوء بتزيين القبائح

وقيل تتنزل عند الموت بالبشرى

وقيل إذا قاموا من قبورهم

وقيل البشرى في مواطن ثلاثة عند الموت وفي القبر وعند البعث والأظهر هو العموم والإطلاق كما ستعرفه

 أن لا تخافوا ما تقدمون عليه فإنه الخوف غم يلحف لتووقع المكروه

ولا تحزنوا على ما خلفتم فإنه غم يحلق لوقوعه من فوات نافع أو حصول ضلار

وقيل المراد نهيهم عن الغموم على الإطلاق والمعنى أن اللّه تعالى كتب لكم الأمن من كل غم فلن تذقوه أباد وان إما مفسرة أو مخففة من الثقيلة والأصل بأنها لا تخافوا والهاء ضمير الشأن وقرىء لا تخافوا أي يقولون لا تخافوا على أنه حال من الملائكة أو اشتئناف

 وابشروا أي سروا

 بالجنة التي كنتم توعدون في الدنيا على ألسنة الرسل هذا من بشاراتهم في أحد المواطن الثلاثة وقوله تعالى

٣١

نحن أولياؤكم في الدنيا الخ من بشاراتهم في الدنيا أي أعوانكم في أموركم نلهمكم الحق ونرشدكم الى مافيه خيركم وصلاحكم ولعل ذلك عبارة عما يخطر ببال المؤمنين المستمرين على الطاعات من أن ذلك بتوفيق اللّه تعالى وتأيده لهم بواسطة الملائكة عليهم السلام وفي الآخرة نمدكم بالشفاعة ونتلقاكم بالكرامة حين يقع بين الكفرة وقرانائهم ما يقع من التعادى والخصام

ولكم فيها أي

 في الآخرة ما تشتهى أنفسكم من فنون الطيبات

 ولكم فيها ما تدعون ما تمنون أفتعال من الدعاء بمعنى الطلب أي تدعون لأنفسكم وهو أعم من الأول ولكم في الموضعين خبر وما مبتدأ وفيها حال من ضميره في الخبر وعدم الاكتفاء بعطف ما تدعون على ما تشتهي للإشباع في البشارة والإيذان باستقلال كل منهما

٣٢

نزلا من غفور رحيم حال مما تدعون مفيدة لكون ما يتمنونه بالنسبة الى ما عطون من عظائم الأجور كالنزل للضيف

٣٣

ومن احسن قولا ممن دعا الى اللّه أى إلى توحيده تعالى وطاعته عن ابن عباس رضى اللّه عنهما هو رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دعا الى الإسلام

وعنه أنهم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم

وقيل نزلت في المؤذنين والحق أن حكمها عام لكل من جمع ما فيها من الخصال الحميدة وإن نزلت فيمن ذكر

وعمل صالحا فيما بينه وبين ربه

وقال إنني من المسلمين ابتهاجا بأنه منهم أو اتخاذا للإسلام دينا ونحلة من قولهم هذا قول فلان أي مذهبه لا أنه تكلم بذلك وقرىء إني بنون واحدة

٣٤

ولا تستوى الحسنة ولا السيئة جملة مستأنفة سيقت لبيان محاسن الأعمال الجارية بين العباد إثر بيان محاسن الأعمال الجارية بين العبد وبين الرب عز و جل ترغيبا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الصبر على أذية المشركين ومقابلة إسائتهم بالإحسان أي لا تستوى الخصلة الحسنة والسيئة في الآثار والأحكام ولا الثانية مزيدة التأكيد النفي وقوله تعالى

ادفع بالتي هى أحسن الخ استئناف مبين لحسن عاقبة الحسنة أي ادفع السيئة حيث اعترضتك من بعض أعاديك بالتي هي أحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات كالإحسان الى من اساء فإنه أحسن من العفو وإخراجه مخرج الجواب عن سؤال من قال كيف أصنع للمبالغة ولذلك وضع أحسن موضع الحسنة وقوله تعالى

 فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم بيان لنتيجة الدفع المأمور به أي فإذا فعلت ذلك صار عدوك المشاق مثل الولى الشفيق

٣٥

وما يلقاها أى ما يلقى هذه الخصلة والسجية التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان

إلا الذين صبروا اى شأنهم الصبر الصبر

 وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم من الخير وكمال النفس

وقيل الحظ العظيم الجنة

وقيل هو الثواب

وقيل نزلت في أبى سفيان بن حرب وكان مؤذيا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فصار وليا مصافيا

٣٦

وأما ينزغنك من الشيطان نزغ النزغ والنسغ بمعنى وهو شبه النخس شبه به وسوسة الشيطان لأنها بعث على الشر وجعل نازغا على طريقة جد حده أو اريد

وأما ينزغنك نازغ وصفا للشيطان بالمصدر أي وإن صرفك الشيطان عما وصيت به من الدفع بالتي هي أحسن

 فاستعذ باللّه من شره ولا قطعه

 إنه هو السميع باستعاذتك

العليم بنيتك أو بصلاحك وفي جعل ترك الدفع بالأحسن من آثار نزعات الشيطان مزيد تحذير وتنفير عنه

٣٧

ومن أياته الدالة على شئونه العظيمة

 الليل والنهار

والشمس والقمر كل منها مخلوق من مخلوقاته مسخر لأمره

لا تسجدوا للشمس ولا للقمر لأنهما من جملة مخلوقاته المسخرة لأوامره مثلكم

 واسجدوا للّه الذى خلقهن الضمير للأربعة لأن حكم جماعة مالا يعقل حكم الأنثى أو الإناث أو لأنها عبارة عن الآيات وتعليق الفعل بالكل مع كفاية بيان مخلوقية الشمس والقمر للإيذان بكمال سقوطهما عن رتبة المسجودية بنظمهما في المخلوقية في سلك الأعراض التي لا قيام لها بذاتها وهو السر في نظم الكل في سلك آياته تعالى

إن كنتم إياه تعبدون فإن السجود أقصى مراتب العبادة فلا بد من تخصيصه به سبحانه وهو موضع للجسود عند الشافعي رحمه اللّه وعندنا آخر الآية لأنه الأخرى تمام المعنى

٣٨

فإن استكبروا عن الأمتثال

 فالذين عند ربك من الملائكة

 يسبحون له بالليل والنهار أي دائما

وهم لا يسأمون لا يفترون ولا يملون وقرىء لا يسأمون بكسر الياء

٣٩

ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة يابسة متطامنة مستعار من الخشوع بمعنى التذليل

فإذاأنزلنا عليها الماء أي المطر

 اهتزت وربت أي تحركت بالنبات وانتفخت لأن النبت إذا دنا أن يظهر ارتفعت له الأرض وأنتفخت ثم تصدعت عن النبات

وقيل تزخرفت بالنبات وقرىء ربأت أي ارتفعت

 إن الذي أحياها بما ذكر بعد موتها

لمحي الموتى بالبعث

 إنه على كل شيء قدير من الأشياء التي من جملتها الإحياء قدير مبالغ في القدرة

٤٠

إن الذين يلحدون يميلون عن الاستقامة وقرىء يلحدون

في آياتنا بالطعن فيها وتحرفيها بحملها على المحامل البطالة

لا يخفون علينا فنجازيهم يإلحادهم وقوله تعالى

أفمن يلقى في النار خير أم من يأت آمنا يوم القيامة تنبيه على كيفية الجزاء

أعملوا ما شئتم من الأعمال المؤدية الى ما ذكر من الإلقاء في النار والإتيان آمنا وفيه تهديد شديد

 إنه بما تعلمون بصير فيجازيكم بحسب أعمالكم وقوله تعالى

٤١

إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم بدل من قوله تعالى إن الذين يحلدون الخ وخبر إن هو الخبر السابق

وقيل مستأنف وخبرها محذوف وقال السكائي سد مسده الخبر السابق والذكر القرآن وقوله تعالى

وإنه لكتاب عزيز أي كثير المنافع عديم النظير أو منيع لا تتأتى معارضته جملة حالية مفيدة لغاية

شناعة الكفر به وقوله تعالى

٤٢

لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أي لا يتظرق إليه الباطل من جهة من الجهات صفة اخرى لكتاب وقوله تعالى

 تنزيل من حكيم حميد خبر لمبتدأ محذوف أو صفة أخرى لكتاب مفيدة لقحامته الإضافية كما ان الصفتين السابقتان مفيدتان لقحامته الذاتية وقوله تعالى لا يأتيه الخ أعتراض عند من لا يجوز تقديم غير الصريح من الصفات على الصريح كل ذلك لتأكيد بطلان الكفر بالقرآن وقوله تعلى

٤٣

ما يقال لك الخ تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عما يصيبه من أذية الكفار أي ما يقال في شأنك وشأن ما أنزل إليك من القرآن من جهة كفار قومك

إلا ما قد قيل للرسل من قبلك أي إلا مثل ما قد قيل في حقهم مما لا خير فيه

 إن ربك لذو مغفرة لأنبيائه

 وذو عقاب أليم لأعدائهم وقد نصر من قبلك من الرسل وانتقم من أعدائهم وسيفعل مثل ذلك بك وبأعدائك أيضا

٤٤

ولو جعلناه قرآنا أعجميا جواب لقولهم هلا أنزل القرآن بلغة العجم والضمير للذكر

لقالوا لولا فصلت آياته أي بينت بلسان نفقهه وقوله تعالى

 أأعجمي وعربى إنكار مقرر للتخصيص والأعجمي يقال لكلام لا يفهم وللكمتكلم به والياء للمبالغة في الوصف كأحمرى والمعنى أكلام أعجمي ورسول أو مرسل إليه عربي على أن الإفراد مع كون المرسل إليهم أمة جمة لما أن المراد بيان التنافي والتنافر بين الكلام وبين المخاطب به لا بيان كون المخاطب واحدا أو جمعا وقرىء أعجمى أى أكلام منسوب الى أمة العجم وقرىء أعجمي على الإخبار بأن القرآن أعجمي والمتكلم والمخاطب عربي ويجوز أن يراد هلا فصلت آياته فجعل بعضها أعجميا لإفهام العجم وبعضها عربيا لإفهام العرب وأيا ما كان فالمقصود بيان أن آيات اللّه تعالى على أي وجه جاءتهم وجدوا فيها متعنتا يتعللون به

 قل هو للذين آمنوا اهدى يهيدهم الى الحق

وشفاء لما في الصدور من شبة

 والذين لا يؤمنون مبتدأ خبره في آذانهم وقر على أن التقدير هو اي القرآن

في آذانهم وقر على ان وقر خبر للضميرالمقدر وفي آذانهم متعلق بمحذوف وقع حالا من وقر وهو أوفق لقوله تعالى

 وهو عليهم عمى

وقيل خبر الموصول في آذانهم ووقر فاعل الظرف

وقيل وقر مبتدأ والظرف خبره والجملة خبر للموصول

وقيل التقدير والذين لا يؤمنون في آذانهم منه وقر ومن جوز العطف على عاملين عطف الموصول على الموصول الأول أي هو للأولين هدى وشفاء وللآخرين وقر في آذانهم

أولئك إشارة الى لموصول الثاني باعتبار اتصافه بما في حيز صلته وملاحظة ما أثبت له وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان ببعد منزلته في الشر مع ما فيه من كمال المناسبة للنداء من بعيد أي أولئك البعداء الموصوفون بما ذكر من التصام عن الحق الذى يسمعونه والتعامى عن الآيات الظاهرة التي يشاهدونها

 ينادون من مكان بعيد تمثيل لهم في عدم قبولهم واستماعهم له بمن ينادي من مسافة نائية لا يكاد يسمع من مثلها الأصوات

٤٥

ولقد آتنينا موسى الكتاب فاختلف فيه كلام مستأنف مسوق لبيان ان الإختلاف في شأن الكتب عادة قديمة للأمم غير مختص بقومك على منهاج قوله تعالى ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك أي وباللّه لقد آتيناه التوارة فاختلف فيها فمن مصدق لها ومكذب وهكذا حال قومك في شأن ما آتيناك من القرآن فمن مؤمن به وكافر

 ولولا كلمة سبقت من ربك في حق أمتك المكذبة وهي العدة بتأخير عذابهم وفصل ما بينهم وبين اللمؤمنين من الخصومة إلى يوم القيامة بنحو قوله تعالى بل الساعة موعدهم وقوله تعالى ولكن يؤخرهم الى أجل مسمى

لقضى بينهم باستئصال المذبين كما فعل بمكذبي الأمم السالفة

وأنهم أي الكفار قومك

لفى شك منه مريب أي من القرآن وجعل الضمير الأول لليهود والثاني للتوراة مما لا وجه له

٤٦

من عمل صالحا بأن آمن بالكتب وعمل بموجبها

 فلنفسه أي فلنفسه يعمله أو فنفعه لنفسه لا لغيره من عمل صالحا بأن آمن بالكتب وعمل بموجبها فلنفسه أي فلنفسه يعمله أو منفعة لنفسه لا لغيره

ومن اساء فعليها ضرر لا على غيره

 وما ربك بظلام للعبيد اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله مبني على تنزيل ترك إثابة المحسن بعمله أو إثابة الغير بعمله وتنزيل التعذيب بغير إساءة أو بإساءة غيره منزلة الظلم الذي يستحيل صدروه عنه سبحانه وتعالى وقد مر ما في المقام من التحقيق والتفصيل في سورة آل عمران وسورة الأنفال

٤٧

إليه يرد علم الساعة أي إذا سئل عنها يقال اللّه يعلم أولا يعلمها إلا اللّه تعالى

وما تخرج من ثمرات أكمامها أي من أوعيتها جمع كم بالكسر وهو وعاء الثمرة كجف الطلعة وقريء من ثمره على إرادة الجنس والجمع لاختلاف الأنواع وقد قريء بجمع الضمير أيضا وما نافية ومن الأولى مزيدة للأستغراق واحتمال أن تكون ما موصولة معطوفة على الساعة ومن مبينة بعيد

وما تحمل من أنثى ولا ت تضع أي حملها وقوله تعالى

إلا بعلمه استثناء مفرغ من أعم الاحوال أي وما يحدث شيء من خروج ثمرة ولاحمل حامل ولا وضع واضع ملابسا بشيء من الأشياء إلا ملابسا بعلمه المحيط

ويوم يناديهم أين شركائي اي بزعمكم كما نص عليه في قوله تعالى نادوا شركائي الذين زعمتم وفيه تهكم بهم وتقريع لهم ويوم منصوب باذكر أو ظرف لمضمر مؤخر قد ترك إيذانا بقصور البيان عنه كما مر في قوله تعالى يوم يجمع اللّه الرسل

 قالوا آذناك أي أخبرناك

ما منا من شهيد من أحد يشهد لهم بالشركة إذا تبرأنا منهم لما عاينا الحال وما منا أحد إلا وهو موحد لك أو مامنا من أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم حينئذ

وقيل هو قول الشركاء أي ما منا من شهيد يشهد لهم بأنهم كانوا محقين وقولهم آذناك إما لأن هذا التوبيخ مسبوق بتوبيخ آخر مجاب بهذا الجواب أو لأن معناه أنك علمت من قلوبنا وعقائدنا الآن أنا لا نشهد تلك الشهادة الباطلة لأنه إذا علمه من نفوسهم فكأنهم أعلموه أو لأن معناه الإنشاء لا الإخبار بإيذان قد كان قبل ذلك

٤٨

وضل عنهم ما كانوا يدعون أي يعبدون

من قبل أي غابوا عنهم أو ظهر عدم نفعهم فكان حضورهم كغيبتهم وظنوا أي أيقنوا

 ما لهم من محيص مهرب والظن معلق عنه بحرف النفي

٤٩

لا يسأم الإنسان أي لا يمل ولا يفتر

من دعاء الخير من طلب السعة في النعمة وأسباب المعيشة وقريء من دعاء بالخير

وإن مسه الشر أي العسر والضيقة

فيؤوس قنوط فيه مبالغة من جهة البناء ومن جهة التكرير ومن جهة ان القنوط عبارة عن يأس مفرط يظهر أثره في الشخص فيتضاءل وينكسر أي مبالغ في قطع الرجاء من فضل اللّه تعالى ورحمته وهذا وصف للجنس بوصف غالب أفراده لما أن اليأس من رحمته تعالى لا يتأتى إلا من الكافر وسيصرح به

٥٠

ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته بتفريجها عنه

ليقولن هذا لي أي حقي أستحقه لم لي من الفضل والعمل أولى لا لغيري فلا يزول عني أبدا

وما أظن الساعة قائمة أي تقوم فيما سيأتي

ولئن رجعت إلى ربي على تقديرها قيامها

إن لي عنده للحسنى أي للحالة الحسنى من الكرامة وذلك لاعتقاده أن ما أصابه ما نعم الدنيا لاستحقاقه له وأن نعم الآخرة كذلك

فلنبئن الذين كفروا بما عملوا أي لنعلمنهم حقيقة أعمالهم حين أظهرناها بصورة الحقيقة وقد مر تحقيقه في سورة الأعراف عند قوله تعالى والوزن يومئذ الحق وفي قوله تعالى إنما بغيكم على أنفسكم من سورة يونس

ولنذيقنهم من عذاب غليظ لا يقادر قدره ولا يبلغ كنهه

٥١

وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض أي عن الشكر

ونأى بجانبه أي ذهب بنفسه وتباعد بكليته تكبرا وتعظما والجانب مجاز عن النفس كما في قوله تعالى في جنب اللّه ويجوز أن يراد به عطفه ويكون عبارة عن الإنحراف والأزورار كما قالوا ثني عطفه وتولى بركنه

وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض أي كثير مستعار م مما له عرض متسع للإشعار بكثرته واستمراره وهو أبلغ من الطويل إذ الطول أطول الإمتدادين فإذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله ولعل هذا شأن بعض غير البعض الذي حكى عنه اليأس والقنوط أو شأن الكل في بعض الاوقات

٥٢

قل أرأيتم أي أخبروني

إن كان أي القرآن

من عند اللّه ثم كفرتم به مع تعاضد موجبات الإيمان به

من أضل ممن هو في شقاق بعيد أي من أضل منكم فوضع الموصول موضع الضمير شرحا لحالهم وتعليلا لمزيد ضلالهم

٥٣

سنريهم آياتنا الدالة على حقيقته وكونه من عند اللّه

في الآفاق هو ما أخبرهم به النبي صلى اللّه عليه و سلم من الحوادث الآتية وآثار النوازل الماضية ما يسر اللّه تعالى وله ولخلفائه من الفتوح والظهور على آفاق الدنيا والإستيلاء على بلاد المشارق والمغارب على وجه خارق للعادة

وفي انفسهم هو ما ظهر فيما بين أهل مكة وما حل بهم قال ابن عباس رضي اللّه عنهما في الآفاق أي منازل الامم الخالية وآثارهم وفي أنفسهم يوم بدر وقال مجاهد والحسن والسدي في الآفاق ما يفتح اللّه من القرى عليه عليه الصلاة و السلام والمسلمين وفي أنفسهم فتح مكة

وقيل في الآفاق أي في أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم وما يترتبت عليها من الليل والنهار والأضواء والظلال والظلمات ومن النبات والأشجار والأنهار وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة في تكوين الأجنة في ظلمات الأرحام وحدوث الأعضاء العجيبة والتركيبات الغريبةكقوله تعالى وفي أنفسكم أفلا تبصرون واعتذر بأن معنى السين مع أن إراءة تلك الآيات قد حصلت قبل ذلك أنه تعالى سيطلعهم على تلك الآيات زمانا فزمانا ويزيدهم وقوفا على حقائقها يوما فيوما حتى يتبين لهم بذلك أنه الحق أي القرآن أو الإسلام والتوحيد أو لم يكف بربك استئناف وارد لتوبيخهم على تررد في شأن القرآن وعنادهم المحوج إلى إراءة الآيات وعدم اكتفائهم بإخباره تعالى والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي ألم يغن ولم يكف ربك والباء مزيدة للتأكيد ولا تكاد تزاد إلا مع كفى وقوله تعالى

أنه على كل شيء شهيد بدل منه أي ألم يغنهم عن إراء الآيات الموعودة المبينة لحقية القرآن ولم يكفهم في ذلك أنه تعالى شهيد على جميع الاشياء وقد أخبر بأنه من عنده

وقيل معناه إن هذا الموعود من إظهار آيات اللّه في الآفاق وفي أنفسهم سيرونه ويشاهدونه فيتبينون عند ذلك أن القرآن تنزيل عالم الغيب الذي هو على كل شيء شهيد أي مطلع يستوى عنده غيبه وشهادته فيكفيهم ذلك دليلا على أنه حق وأنه من عنده ولو لم يكن كذلك ما قوى هذه القوة ولما نصر حاملوه هذه النصرة فتأمل

وأما ما قيل من أن المعنى أو لم يكفك أنه تعالى على كل شيء شهيد محقق له فيحقق أمرك بإظار الآيات الموعودة كما حقق سائر الأشياء الموعوده فمع إشعاره بما لا يليق بجلالة منصبه عليه السلام من التردد فيما ذكر من تحقيق الموعود يرده قوله تعالى

٥٤

ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم أي في شك عظيم من ذلك بالبعث والجزاء فإنه صريح في أن عدم الكفايةة معتبر بالنسبة إلهم وقرىء مرية بالضم وهو لغة فيها

ألا إنه بكل شيء محيط عالم بجميع الأشياء جملها وتفاضيلها وظواهرها بواطنها فلا تحفى عليها خافية منهم وهو مجازيهم على كفرهم ومريتهم ولا محالة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قرأ سورة السجدة أعطاه اللّه تعالى بكل حرف عشر حسنات واللّه أعلم

الشورى

﴿ ٠