ÓõæÑóÉõ ÇáÔøõæÑóì ãóßøöíøóÉñ

 æóåöíó ËóáÇóËñ æóÎóãúÓõæäó ÂíóÉð

ÓõæÑóÉõ ÇáÔøõæÑóì

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

حم

٢

عسق اسمان للسورة ولذلك فصل بينهما وعدا آيتين

وقيل اسم واحد والفصل ليناسب سائر الحواميم وقرىء حم سق فعلى الأول هما خبران لمبتدأ محذوف

وقيل حم مبتدأ وعسق خبره وعلى الثاني الكل خبر واحد وقوله تعالى

٣

كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك اللّه العزيز الحكيم كلام مستأنف وارد لتحقيق أن مضمون السورة موافق لما في تضاعف سائر الكتب المنزلة على الرسل المتقدمة في الدعوة الى التوحيد الإرشاد الى الحق أو أيحاءها مثل إيحائها بعد تنويهها بذكر اسمها والتنبيه على فخامة شأنها والكاف في حيز النصب على أنه مفعول ليوحى على الأول وعلى أنه نعت لمصدر مؤكد له على الثاني وذلك على الأول إشارة الى ما فيها وعلى الثاني إلى إيحائها وما فيه من معنى العبد للإيذان بعلو رتبة المشار إليه وبعد منزلته في الفضل أي مثل ما في هذه السورة من المعاني أو حى إليك في سائر السور والى من قبلك من الرسل في كتبهم على أن مناط المماثلة ما أشير إليه من الدعوة الى التوحيد والإرشاد الى الحق وما فيه صلاح العباد في المعاش والمعاد أو مثل إيحائها أوحى إليك عند إيحاء سائر السور وإلى سائر الرسل عند إيحاء كتبهم إليهم لا إيحاء مغايرا له كما في قوله تعالى إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح الآية على أن مدار المثلية كونه بواسطة الملك وصيغة المضارع على حكاية الحال الماضية للإيذان باستمرار الوحى وأن إيحاء مثله عادته وفي جعل مضمون السورة أو إيحائها مشبها به من تفخيمها مالا يخفى وكذا في وصفه تعالى بوصفي العزة والحكمة وتأخير الفاعل لمراعاة الفواصل مع ما فيه من التشويق وقرىء يوحى على البناء للمفعول على ان كذلك مبتدأ يوحى خبره المسند الى ضميره أو مصدر ويحى مسند الى إليك واللّه مرتفع بما دل عليه يوحى كأنه قبل من يوحى فقيل اللّه والعزيز الحكيم صفتان له أو مبتدأ كما في قراءة نوحى والعزيز وما بعده خبران له او العزيز الحكيم صفتان له

وقوله تعالى

٤

له ما في السموات وما فى الأرض وهو العلى العظيم خبران له وعلى الوجوه السابقة استئناف مقرر لعزته وحكمته

٥

تكاد لسموات وقرىء بالياء

يتفطرن يتشققن من عظمة اللّه تعالى

وقيل من دعاء الولد له كما في سورة مريم وقرىء ينفطرن والأول أبلغ لأنه مطاوع فطر وهذا مطاوع فطر وفرىء تتفطرن بالتاء لتأكيد التأنيث وهو نادر من فوقهن أى يبتدأ التفطر من جهتهن الفوقانية وتخصيصها على الأول لما أن أعظم الآيات وأدلها على العظمة والجلال من تلك الجهة وعلى الثان للدلالة على التفطر من تحتهن بالطريق الأولى لأن تلك الكلمة الشنعاء الواقعة في الأرض حيث أثرت من جهة الفرق فلأن تؤثر في جهة التحت أولى

وقيل الضمير للأرض فإنها في معنى الأرضين

والملائكة يسبحون بحمد ربهم ينزهونه تعالى عما يليق به ملتبسين بحمده

ويستغفرون لمن في الأرض بالسعى فيما يستدعى مغفرتهم من الشفاعة والإلهام وترتيب الأسباب المقربة الى الطاعة واستدعاء تأخير العقوبة طمعا في إيمان الكافر وتوبة الفاسق وهذا يعم المؤمن والكافر بل لو فسر الإستغفار بالسعى فيما يدفع الخلل المتوقع عم الحيوان بل الجماد وحيث خص بالمؤمنين كما في قوله تعالى ويستغفرون للذين آمنوا فالمراد به الشفاعة

ألا إن اللّه هو الغفور الرحيم إذ ما من مخلوق وله حظ عظيم من رحمته تعالى والآية على الأول زيادة تقرير لعظمته تعالى وعلى الثاني بيان لكمال تقدسه عما نسب إليه وأن ترك معالجتهم بالعقاب على تلك الكلمة الشنعاء بسبب استغفار الملائكة وفرط غفرانه ورحمته ففيها رمز إلى أنه تعالى يقبل استغفارهم ويزيدهم على ما طلبوه من المغفرة رحمة

٦

والذين اتخذوا من دونه أولياء شركاء وأندادا اللّه حفيظ عليهم رقيب على أحوالهم وأعمالهم فيجازيهم بها

وماأنت عليهم بوكيل بموكل بهم أو بموكول إليه أمرهم وإنما وظيفتك الإنذار

٧

وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا ذلك إشارة إلى مصدر أوحينا ومحل الكاف النصب على المصدرية وقرآنا عربيا مفعولا لأوحينا أي ومثل ذلك الإيحاء البديع البين المفهم أوحينا إليك قرآنا عربيا لا لبس فيه عليك ولا على قومك

وقيل إشارة إلى معنى الآية المتقدمة من أنه تعالى هو الحفيظ عليهم وإنما أنت نذير فحسب فالكاف مفعول به لاوحينا قرآنا عربيا حال من المفعول به أي أوحيناه إليك وهو قرآن عربي بين

لتنذر أم القرى أى أهلها وهي مكة

ومن حولها من االعرب

وتنذر يوم الجمع أي يوم القيامة لأنه يجمع فيه الخلائق قال تعلى يوم يجمعكم ليوم الجمع

وقيل تجمع فيه الأرواح والأشباح

وقيل الأعمال والعمال والإنذار يتعدى الى مفعولين وقد يستعمل ثانيهما بالباء وقد حذف ههنا ثاني مفعولي الأول وأول مفعولي الثان اللتهويل وإيهام التعميم وقرىء لينذر بالياء على أن فاعله ضمير القرآن

لا ريب فيه اعرتاض مقرر لما قبله

فريق في الجنة وفريق في السعير أي بعد جمعهم في الموقف فإنهم يجمعون فيه أولا ثم يفرقون بعد الحساب والتقدير منهم فريق والضمير للمجموعين لدلالة الجمع عليه وقرئا منصوبين على الحالية منهم أي وتنذر يوم جمعهم متفرقين أي مشارفين للتفرق أو متفرقين في ادرى الثواب والعقاب

٨

ولو شاء اللّه لجعلهم أي في لدنيا

أمة واحدة قيل مهتدين أو ضالين وهو تفصيل لما أجمله ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله على دين واحد فمعنى قوله تعالى

ولكن يدخل من يشاء في رحمته أنه تعالى يدخل في رحمته من يشاء أن يدخله فيها ويدخل في عذابه من يشاء أن يدخله فيه ولا ريب في أن مشيئته تعالى لكل من الإدخالين تابعة لاستحقاق كل من الفريقين لدخلول مدخله ومن ضرورة اختلاف الرحمة والعذاب اختلاف حال الداخلين فيهما قطعا فلم يشأ جعل الكل أمة واحدة بل جعلهم فريقين وإنما قيل

والظالمون ما لهم من ولى ولا نصير للإيذان بأن الإدخال في العذاب من جهة الداخلين بموجب سوء اختيارهم لا من جهته تعالى كما في الإدخال في الرحمة لا لما قيل من المبالغة في الوعيد

وقيل مؤمنين كلهم وهو ما قاله مقاتل على دين الإسلام كما في قوله تعالى ولو شاء اللّه لجمهم على الهدى وقوله تعالى ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها والمعنى ولو شاء للّه مشيئة قدرة لقسرهم على الإيمان ولكنه شاء مشيئة حكمة وكلفهم وبنى أمرهم على ما يختارون ليدخل المؤمنين في رحمته وهم المرادون بقوله تعالى يدخل من يشاء وترك الظالمين بغير ولى ولا نصير وأنت خبير بأن فرض جعل الكل مؤمنين يأباه تصدير الاستدراك بإدخال بعضهم في رحمته إذ الكل حينئذ داخلون فيها فكان المناسب حينئ تصديره بإخراج بعضهم من بينهم وإدخالهم في عذابه فالذي يقتضيه سياق النظم الكريم وسبقاه أن يراد الاتحاد في الكفر كما في قوله تعالى كان الناس أمة واحدة فبعث اللّه النبين الآية على أحد الوجهين بأن يراد بهم الذين هم في فترة إدريس أو في فترة نوح عليهما السلام فالمعنى ولو شاء اللّه لجعلهم أمة واحدة متفقة على الكفر بأن لا يرسل إليهم رسولا لينذرهم ما ذكر من يوم الجع وما فيه من ألوان الأهوال فيبقوا على ما هم عيه من الكفر ولكن يدخل من يشاء في رحمته أي شأنه ذلك فيرسل إلى الكل من ينذرهم ما ذكر فيتأثر بعضهم بالإنذار فيصرفون اختيارهم الى الحق فيوفقهم اللّه للإيمان والطاعة ويدخلهم في رحمته ولا يتأثر به الآخرون ويتمادون في غيهم وهم الظالمون فيبقون في الدنيا على ما هم عليه من الكفر ويصيرون في الآخرة الى السعير من غير ولى يلي أمرهم ولا نصير يخلصهم من العذاب

٩

أم اتخذوا من دونه أولياء جملة مستأنفة مقررة لما قبلها من انتفاء أن يكون للظالمين ولى أو نصير وأم منقطعة وما فيها من بل للانتقال من بيان ما قبلها الى بيان ما بعدها والهمزة لإنكار الوقوع ونفيه على أبلغ وجه وآكده لا لإنكار الواقع واستقباحه كما قيل إذا المراد بيان أن ما فعلوا ليس من اتخاذ الأولياء في شيء لأن ذلك فرع كون الأصنام أولياء وهو أظهر الممتنعات أي بل اتخذوا متجاوزين اللّه أولياء من الأصنام وغيرها هيهات وقوله تعالى

فاللّه هو الولى جواب شرط محذوف كانه قيل بعد إبطال ولاية ما اتخذوه أولياء إن أرادوا وليا في الحقيقة فاللّه هو الولى لاولى سواه

وهو يحيى الموتى أى ومن شانه ذلك

وهو على كل شيء قدير فهو الحقيق بأن يتخذ وليا فليخصوه بالاتخاذ دون من لا يقدر على شيء

١٠

وما أختلفتم فيه من شيء حكاية لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للمؤمنين أى وما خالفكم الكفار فيه من امور الدين فاختلفتم أنتم وهم

فحكمه راجع

الى اللّه وهو إثابة المحقين وعقاب المبطلين

ذلكم الحاكم العظيم الشأن اللّه

ربي مالكي

عليه توكلت في مجامع أمروى خاصة لا على غيره

وإليه أنيب أرجع في كل ما يعن لى من معضلات الأموةر لا إلى أحد سواه وحيث كان التوكل أمرا واحدا مستمرا والإنابة متعددة متجددة حسب تجدد موادها أو ثر في الأول صيغة الماضي وفي الثاني صيغة المضارع

وقيل وما اختلفتم فيه وتنزعتم في شيء من الخصومات فتحاكموا فيه الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ولا تؤثروا على حكومته حكومة غيره

وقيل وما اختلفتم فيه من تأويل آية واشتبه عليكم فارجعوا في بيانه الى المحكم من كتاب اللّه والظاهر من سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم

وقيل وما وقع بينكم الخلاف فيه من العلوم التي لا تتعلق تكليفكم ولا طريق لكم إلى علمه فقولوا اللّه أعلم كمعرفة الروح ولا مساغ لحمل هذا على الإجتهاد لعدم جوازه بحضرة الرسول صلى اللّه عليه و سلم

١١

فاطر السماوت والأرض خبر آخر لذلكم أو خبر لمبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره

جعل لكم وقرىء بالجر على أنه بدل من الضمير أو وصف للاسم الجليل في قوله تعالى الى اللّه وما بينهما اعترضا بين الصفة والموصوف

من أنفسكم من جنسكم

أزواجا نساء وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح قد مر سره غيره مرة ومن الأنعام أي وجعل للأنعام من جنسها أزوجا أو خلق لكم من الأنعام أصنافا أو ذكورا وإناثا ي

ذرؤوكم يكثركم من الذرء وهو البث وفي معناه الذرو والذر

فيه أي فيما ذكر من التدبير فإن جعل الناس والأنعام أزواجا يكون بينهم توالد كالمنبع للبث والتكثير

ليس كمثله شيء اي ليس مثله في شأن من الشئون التي من جملتها هذا التدبير البديع والمراد من مثله ذاته كما في قولهم مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة في نفيه عنه فإذا إذا نفى عمن يناسبه كان نفيه عنه أولى ثم سلكت هذه الطريقة في شأن من لا مثل له

وقيل مثله صفته أي ليس كصفته صفة

وهو السميع البصير المبالغ في العلم بكل ما يسمع ويبصر

١٢

له مقاليد السموات والأرض أي خزائنهما

يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر يوسع ويضيق حسبما تقتضيه مشيئته المؤسسة على الحكم البالغة

إنه بكل شيء عليم مبالغ في الاحاطة به فيفعل كل ما يفعل على ما ينبغي أن يفعل عليه والجملة تعليل لما قبلها وتمهيد لما بعدها من قوله تعالى

١٣

شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى وإيذان بأن ما شرع لهم صادر عن كمال العلم والحكمة كما أن بيان نسبته إلى المذكورين عليهم الصلاة والسلام تنبيه على كونه دينا قديما أجمع عليه الرسل والخطاب لأمته عليه الصلاة و السلام أى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ومن بعده من ارباب الشرائع وأولى العزائم من مشاهير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأمرهم به أمرا مؤكدا على أن تخصيصهم بالذكر لما ذكر من علو شأنهم ولا ستمالة قلوب الكفرة إليه لاتفاق الكل على نبوة بعضهم وتفرد اليهود في شأن موسى عليه السلام وتفرد النصارى في حق عيسى عليه السلام وإلا فما من نبي إلا وهو مأمور بما أمره به وهو عبارة عن التوحيد ودين الإسلام وما يختلف باخلافت الأمم وتبدل الأعصار من أصول الشرائع والأحكام كما ينبىء عنه التوصية فإنها معربة عن تأكيد الأمر والاعتناء بشأن المأمور به والمراد بإيحائه إليه عله الصلاة والسلام إما ما ذكر في صدر السورة الكريمة وفي قوله تعالى وكذلك أوحينا الآية أو ما يعمهما وغيرهما مما وقع في سائر المواقع التي من جملتها قوله تعالى ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وقوله تعالى قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى إنما إلهكم إله واحد وغير ذلك والتعبير عن ذلك عند نسبته إليه عليه الصلاة و السلام بالذي لزيادة تفخيم شأنه من تلك الحيثية وإيثار الإيحاء على ما قبله وما بعده من التوصية لمراعاة ما وقع في الآيات المذكورة ولما في الإيحاء من التصريح برسالته عليه الصلاة و السلام القامع لإنكار الكفرة والالتفات الى نون العظمة لإظهار كمال الاعتناء بإيحائه وهو السر في تقديمة على ما بعده مع تقدمه عليه زمانا وتقديم توصية نوح عليه السلام للمسارعة الى بيان كون المشروع لهم دينا قديما وتوجيه الخطاب إليه عليه الصلاة و السلام بطريق التلوين للتشريف والتنبيه على انه تعالى شرعه لهم على لسانه عليه الصلاة و السلام

أن أقيموا الدين أي دين الإسلام الذى هو توحيد اللّه تعالى وطاعته والإيمان بكتبه ورسله وبيوم الجزاء وسائر ما يكون الرجل به مؤمنا والمراد بإقامته تعديل أركانه وحفظه من أن يقع فيه زيف أو المواظبة عليه والتشمر له ومحل أن أقيموا إما النصب على أنه بدل من مفعول شرع والمعطوفين عليها أو الرفع علىانه جواب عن سؤال نشأ من إبهام المشروع كانه قيل وما ذاك فقيل هو إقامة الدين

وقيل بدل من ضمير به وليس بذاك لما أنه مع إفضائه إلى خروجه عن حيز الإيحاء الى النبي صلى اللّه عليه و سلم مستلزم لكون الخطاب في قوله تعالى

ولا تتفرقوا فيه للأنبياء المذكروين عليهم الصلاة والسلام وتوجيه النهي إلى أممهم تمحل ظاهر مع ان الآظهر أنه متوجه الى أمته صلى اللّه عليه و سلم وأنهم المتفرقون كما ستحيط به خبرا اي لا تتفرقوا في الدين الذى هو عبارة عما ذكر من الأصول دون الفروع المختلفة حسب اختلاف الأمم باختلاف الأعصار كما ينطق به قوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وقوله تعالى

كبر على المشركين شروع في بيان أحوال بعض من شرع لهم ما شرع من الدين القويم أي عظم وشق علهيم

ما تدعوهم إليه من التوحيد ورفض عبادة الأصنام واستبعدوه حيث قالوا أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذالشيء عجاب وقوله تعالى

اللّه يجتبي إليه من يشاء استئناف وارد لتحقيق الحق وفيه إشعار بأن منهم من يجيب إلى الدعوة أي اللّه يجتلب الى ما تدعوهم إليه من يشاء أن يجتبيه إليه وهو من صرف اختياره الى ما دعى إليه كما ينبىء عنه قوله تعالى

ويهدى إليه من ينيب أي يقبل إليه حيث يمده بالتوفيق والألطاف وقوله تعالى

١٤

وما تفرقوا شروع في بيان أحوال أهل الكتاب عقيب الإشارة الإجمالية إلى أحوال أهل الشرك قال ابن عباس رضي اللّه عنهما هم اليهود والنصارى لقوله تعالى وما تفرق الذين أوتو الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة أى وما تفرقوا في الدين الذى دعوا إليه ولم يؤمنوا كما آمن بعضهم

إلا من بعد ما جاءهم العلم بحقيته بما شاهدوا في رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم والقرآن من دلائل الحقية حسبما وجدوه في كتابهم أو العلم بمبعثه صلى اللّه عليه و سلم وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال أو من أعم الأوقات أى وما تفرقوا في حال من الأحوال أو في وقت من الأوقات إلا حال مجىء العلم أو إلا وقت مجىء العلم

بغيا بينهم وحمية وطلبا للرياسة لا لأن لهم في ذلك شبهة

ولولا كلمة سبقت من ربك وهى العدة بتأخير العقوبة

إلى اجل مسمى هو يوم القيامة لقضى بينهم لأوقع القضاء

بينهم باستئصالهم لاستيجاب جناياتهم لذلك قطعا وقوله تعالى

وإن الذين  أورثوا الكتاب من بعدهم الخ بيان لكيفية كفر المشركين بالقرآن إثر بيان كيفية كفر أهل الكتاب وقرىء ورثوا وورثوا أي وإن المشركين الذين أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب كتابهم

لفى شك منه من القرآن

مريب موقع في القلق أو في الريبة ولذلك لا يؤمنون به لا لمحض البغي والمكابرة بعد ما علموا لحقيته كدأب أهل الكتابين هذا

وأما ما قيل من أن ضمير تفرقوا لأمم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأن المراد تفرق كل أمة بعد نبيها مع علمهم بان الفرقة ضلال وفساد وأمر متوعد عليه على السنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيرده قوله تعالى ولولا كلمة سبقت من ربك الى أجل مسمى لقضى بينهم وكذا ما قيل من ان الناس كانوا امة واحدة مؤمنين بعد ما أهلك اللّه تعالى أهل الأرض بالطوفان فلما مات الآباء اختلف الأبناء فيما بينهم وذلك حين بعث اللّه تعالى النبيين مبشرين ومنذرين وجاءهم العلم وإنما اختلفوةا للبفى بينهم فإن مشاهير الأمم المذكور قد اصابهم عذاب الاستئصال من غير إنظار وإمهال على ان مساق النظم الكريم لبيان احوال هذه الأمة وإنما ذكر من ذكر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لتحقيق أن ما شرع لهؤلاء دين قديم أجمع عليه أولئك الأعلام عليهم الصلاة و السلام تأكيدا لوجوب إقامته وتشديدا للزجر عن التفرق والاختلاف فيه فالتعرض لبيان تفرق اممهم عنه ربما يوهم الإخلال بذلك المرام

١٥

فلذلك أي فلآجل ما ذكر من التفرق والشك المريب أو فلآجل أنه شرع لهم الدين القومم القديم الحقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون

فادع أى الناس كافة الى إقامة ذلك الدين والعمل بموجبه فإن كلا من تفرقهم وكونهم في شك مريب ومن شرع ذلك الدين لهم على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سبب للدعوة إليه والأمر بها وليس المشار إليه ما ذكر من التوصية والأمر بالإقامة والنهي عن التفرق حتى يتوهم شائبه التكرار

وقيل المشار إليه نفس الدين المشروع واللام بمعنى الى كما في قوله تعالى بأن ربك اوحى لها أي فإلى ذلك الدين فادع واستقم عليه وعلى الدعوة إليه

كما أمرت وأوحى إليك

ولا تتبع أهواءهم الباطلة

وقل آمنت بما أنزل اللّه من كتاب أي كتاب كان من الكتب المنزلة لا كالذين آمنوا ببعض منها وكفروا ببعض وفيه تحقيق للحق وبيان لاتفاق الكتب في الأوصل وتأليف لقلوب أهل الكتابين وتعريض بهم وقد مر بيان كيفية الأيمان بها في خاتمة سورة البقرة

وأمرت لأعدل بينهكم في تبليغ الشرائع والأحكام وفصل القضايا عند المحاكمة والخصام

وقيل معناه لا سوى بيني وبينكم ولا آمركم بما لاأعمله ولا اخالفكم إلى ماأنهاكم عنه ولا أفرق بين اكابركم وأصاغركم واللام إما على حقيقتها والمأمور به محذوف أى أمرت بذلك لأعدل أو زائدة أى أمرت أن أعدل والباء محذوفة

اللّه ربنا وربكم أى خالقنا جميعا ومتولى أمورنا

لناأعمالنا لا يتخطانا جزاؤها ثوابا كان

و عقابا ولكم أعمالكم لا تجاوزكم آثارها لنستفيد بحسناتكم ونتضرر بسيآتكم

لا حجة بيننا وبينكم لا محاجة ولا خصومة لأن الحق قد ظهر ولم يبق للمحاجة حاجة ولا للمخالفة محل سوى المكابره

اللّه يجمع بيننا يوم القيامة

وإليه المصير فيظهر هناك حالنا وحالكم وهذا كما ترى محاجزة في مواقف المجاوبة لا متاركه في مواطن المحاربة حتى يصار الى النسخ بآيه القتال

١٦

والذين يحاجون في اللّه أى في دينه

من بعد ما اسجيب له من بعدما استجاء له الناس ودخلوا فيه والتعبير عن ذلك بالاستجابة باعتبار دعوتهم إليه أو من بعد ما استجاب اللّه لرسوله صلى اللّه عليه و سلم وأيده بنصره أو من بعدما استجاب له أهل الكتاب بأن أقروا بنبوته صلى اللّه عليه سولم واستفتحوا به قبل مبعثه صلى اللّه عليه سلم وذلك أن اليهود والنصارى كانوا يقولون للمؤمنين كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ونحن خير منكم وأولى بالحق

حجتهم داحصة عند ربهم زالة زائلة باطلة بل لا جاحة لهم اصلا وإنما عبر عن أباطيلهم بالحجة مجاراة معهم على زعمهم الباطل

وعليهم غضب عظيم لمكابرتهم الحق بعد ظهوره

ولهم عذاب شديد لا يقادر قدره

١٧

اللّه الذي أنزل الكتاب أي جنس الكتاب

بالحق ملتبسا به في أحكامه وأخباره أو بما يحق إنزاله من العقائد والأحكام

والميزان والشرع الذي يوزن به الحقوق ويسوى بين الناس أو نفس العدل بأن أنزل الأمر به أو آلة الوزن

وما يدريك أي شيء يجعلك عالما

لعل الساعة التى يخبر بمجيئها الكتاب الناطق بالحق

قريب أي شيء قريب او قريب مجيئها وقتل القريب بمعنى ذات قرب أو الساعة بمعنى البعث والمعنى أنها على جناح الإتيان فاتبع الكتاب واعمل به وواظب على العدل قبل ان يفاجئك اليوم الذى يوزن فيه الأعمال ويوفى جزاؤها

١٨

يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها استعجال إنكار واستهزاء كانوا يقولون متى هي ليتها قامت حتى يظهر لنا الحق أهو الذي نحن عليه ام الذى عليه محمد وأصحابه

والذين آمنوا مشفقون منها خائفون منها مع اعتناء بها لتوقع الثواب

ويعلمون أنها الحق أي الكائن لا محالة

ألا إن الذين يمارون في الساعة يحادلون فيها من المرية أو من مريت الناقة إذا مسحت صرعها بشدة للحليب ألأن كلا من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدة

لفى ضلال بعيد عن الحق فإن البعث أشبه الغائبات بالمحسوسات فمن لم يهتد الى تجويزه فهو عن الاهتداءالى ما وراءه أبعد وأبعد

١٩

اللّه لطيف بعباده أي بر بليغ البر بهم يفيض عليهم من فنون ألطافه مالا بكاد يناله أيدى الأفكار والظنون

يزرق من يشاء أن يرزقه كيفما يشاء فيخص كلا من عباده بنوع من البر على ما تقضتيه مشيئته المنبية على الحكم البالغة

وهو القوى الباهر القدرة الغالب على كل شيء

العزيز المنيع الذى لا يغلب

٢٠

من كان يريد حرث الآخرة الحري في الأصل إلقاء البذر في الأرض يطلق على الزرع الحاصل منه ويستعمل في ثمرات الأعمال ونتائجها بطريق الإستعارة المبنية على تشبيهها بالغلال الحاصلة من البذور المتضمن لتنبيه الاعمال أي من كان يريد بأعماله ثواب الآخرة

نزد له في حرثه نضاعف له ثوابه بالواحد عشرة الى سبعمائة فما فوقها

ومن كان يريد بأعماله

حرث الدنيا وهو متاعها وطيباتها

نؤته منها اي شيئا منها حسبما قسمنا له لا ما يريده ويبتغيه

وما له في الآخرة من نصيب أذ كانت همته مقصورة على الدنيا وقد مر تفصيله في سورة الإسراء

٢١

أم لهم شركاء أى بل ألهم شركاء من الشياطين والهمزة للتقرير والتقريع

شرعوا لهم بالتسويل

من الدين مالم يأذن به اللّه كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا

وقيل شركاؤهم أوثانهم وإضافتها إليهم لأنهم الذين جعلوها شركاء للّه تعالى واستاذ الشرع إليها لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم كقوله تعالى إنهن أضللن كثيرا أو تمثايل من سن الضلالة لهم

ولو لا كلمة الفصل أي القضاء السابق بتأخير الجزاء أو العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة

لقضى بينهم أي بين الكافرين والمؤمنين أو بين المشركين وشركائهم

وإن الظاليمن لهم عذاب أليم وقرىء بالفتح عطفا على كلمة الفصل أي ولولا كلمة الفصل وتقدير عذاب الظالمن في الآخرة لقضى بينهم في الدنيا فإن العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة

٢٢

ترى الظاليمن يوم القيامة والخطاب لكل أحد ممن يصلح له للقصد الى أن سوء حالهم غير مختص برؤية راؤ دون راء

مشفقين خائفين

مما كسبوا من السيآت

وهو وقع بهم أى ووباله لاحق بهم لا محالة اشفقوا أو لم يشفقوا أو الجملة حال من ضمير مشفقين أو اعتراضص

والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات

الجنات مستقرون في أطيب بقاعها وأنزهها

لهم ما يشاءون عند ربهم أى ما يشتهونه من فنون المستلذات حاصل لهم عند ربهم ظرف للاستقرار العامل في لهم

وقيل ظرف ليشاءون

ذلك إشارة الى ما ذكر من حال المؤمنين وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار إليه وهو الفضل الكبير الذى لا يقادر قدره ولا يبلغ غايته

٢٣

ذلك الفضل الكبير هو الذي يبشر اللّه عباده أي يبشرهم به فحذف الجار ثم العائد الى الموصول كما في قوله تعالى أهذا الذي بعث اللّه رسولا أو ذلك التبشير

الذي يبشره اللّه تعالى

عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقريء يببشر من أبشر

قل لا اسألكم عليه روى أنه اجتمع المشركون في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض أترون ان محمدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا فنزلت أي لا أطلب منكم على ما أنا عليه من التبليغ والبشارة

أجرا نفعا

إلا المودة في القربى أي إلاأن تودوني لقرابتي أو تودوا أهل قرابتي

وقيل الاستثناء منقطع والمعنى لا أسالكم أجرا قط ولكن أسألكم المودة وفي القربى حال منها أى إلا المودة ثابتة في القربى متمكنة في أهلها أو في حق القرابة والقربى مصدر كالزلفى بمعنى القرابة روى أنها لما نزلت قيل يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال على وفاطمة وابناهما وعن النبي صلى اللّه عليه و سلم حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي ومن ااصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبدالمطلب ولم يجازه فأنا أجازيه عليها غدا إذا لقيني يوم القيامة

وقيل القربى التقرب الى اللّه أي إلاأن تودوا اللّه ورسوله في تقربكم إليه بالطاعة والعمل الصالح وقرىء

إلا مودة في القربى ومن يقترف حسنة اي يكتسب أى حسنة كانت فتناول مودة ذى القربى تناولا أوليا وعن السدى أنها المرادة وقيل نزلت في الصديق رضى اللّه عنه ومودته فيهم

نزد له فيها اي في الحسنة

حسنا بمضاعفة الثواب وقرىء يزد أى يزد اللّه وقرىء حسنى

إن اللّه غفور لمن أذنب

شكور لمن أطاع بتوفيه الثواب والتفضل عليه بالزيادة

٢٤

أم يقولون بل أيقولون

أفترى محمد

على اللّه كذبا بدعوى النبوة وتلاوة القرآن علىأن الهمزة للإنكار التوبيحي كأنه قيل أيتما لكون أن ينسبوا مثله عليه السلام وهو هو إلى الافتراء لا سيما الافتراء على اللّه الذى هو أعظم القرى وأفحشها وقوله تعالى

فإن يشأ اللّه يختم على قلبك استشهاد على بطلان ما قالوا ببيان أنه عليه السلام لو افترى على اللّه تعالى لمنعه من ذلك قطعا وتحقيقه أن دعوى كون القرآن افتراء عليه تعالى قول منهم بأنه تعالى لا يشاء صدوره عن النبي صلى اللّه عليه و سلم بل يشاء عدم صدوره عنه ومن ضرورته منعه عنه قطعا فكأنه قيل لو كان افتراء عليه تعالى لشاء عدم صدوره عنك وإن يشأ ذلك يختم على قلبك بحيث لم يخطر ببالك معنى من معانيه ولم تنطق بحرف من حروفه وحيث لم يكن الأمر كذلك بل تواتر الوحي حينا فحينا تبين انه من عند اللّه تعالى هذا

وقيل المعنى إن شاء اللّه يجعلك من المختوم على قلوبهم فإنه لا يجترىء على الافتراء عليه تعالى إلا من كان كذلك ومؤداه استبعاد الافتراء من مثله عليه السلام وأنه في البعد مثل الشرك باللّه والدخول في جملة المختوم على قلوبهم وعن قتادة يختم على قلبك ينسك القرآن ويقطع عنك الوحى يعنى لو أفترى على اللّه الكذب لفعل به ذلك وهذا معنى ما قيل لو كذب على اللّه لأنساه القرآن

وقيل يختم على قلبك يربط عليه بالصبر حتى لا يشق عليك أذاهم

ويمحو اللّه الباطل ويحق الحق بكلماته استئناف مقرر لنفي الإفتراء غير معطوف على يختم كما ينبيء عنه إظهار الإسم الجليل وسقوط الواو كما في بعض المصاحف لاتباع اللفظ كما في قوله تعالى ويدع الإنسان بالشر أى ومن عادته تعالى أنه يمحو الباطل ويثبت الحق بوحيه أو بقضائه كقوله تعالى بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فلو كان افتراء كما زعموا لمحقه ودفعه أو عدة لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بأنه تعالى يمحو الباطل الذى هم عليه من البهت والتكذيب ويثبت الحق الذى هو عليه بالقرآن أو بقضائه الذى لا مرد له بنصرته عليهم

إنه عليم بذات الصدور فيجرى عليها أحكامها اللائقة بها من المحو والإثبات

٢٥

وهو الذى يقبل التوبة عن عباده التوبة هي الرجوع عن المعاصى بالندم عليها والعزم على ان لا يعاودها أبدا وروى جابر رضي اللّه عنه أن اعرابيا دخل مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وقال اللّهم اني استغفرك واتوب إليك وكبر فلما فرغ من صلاته قال له على رضي اللّه عنه يا هذا إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين وتوبتك هذه تحتاج الى التوبة فقال يا أمير المؤمنين وما التوبة قال اسم يقع على ستة معان على الماضي من الذنوب الندامة ولتصنيع الفرائض الإعادة ورد المظالم وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية والبكاء بدل كل ضحك ضحكته

ويعفو عن السيئات صغيرها وكبيرها لمن يشاء

ويعلم ما يفعلون كائنا ما كان من خير وشر فجيازي ويتجاوز حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح وقرىء ما تفعلون بالتاء

٢٦

ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات أي يستجيب اللّه لهم فحذف اللام كما في قوله تعالى وإذا كالوهم أى كالوا لهم والمراد إجابة دعوتهم والإثابة على طاعتهم فإنبا كدعاء وطلب لما يترتب عليها ومنه قوله صلى اللّه عليه و سلم افضل الدعاء الحمد للّه او يستجيبون اللّه بالطاعة إذا دعاهم إليها دعاهم إليها وعن إبراهيم بن أدهم قيل له ما بالنا ندعو فلا نجاب قال لأنه دعاكم ولم تجيبوه ثم قرأ واللّه يدعو الى دار السلام ويزيدهم من فضله على ما سألوا واستحقوا بموجب الوعد

والكافرن لهم عذاب شديد بدل ما للمؤمنين من الثواب والفضل المزيد

٢٧

ولو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض لتكبروا وأفسدوا فيها بطرا أو لعلا بعضهم على بعض با لاستيلاء والاستعلاء كما عليه الجبلة البشرية واصل البغى طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى من حيث الكمية او الكيفية

ولكن ينزل بقدر أي بتقدير

ما يشاء أن ينزله مما تقتضيه مشيئته

إنه بعباده خبير بصير محيط بخفايا أموارهم وحلاياها فيقدر لكل واحد منهم في كل وقت من أوقاتهم ما يليق بشأنهم فيفقر ويغني ويمنع ويعطي ويقبض ويبسط حسبما تقتضيه الحكمة الربانية ولو أغناهم جميعا لبغوا ولو أفقرهم لهلكوا وروى أن اهل الصفة تمنوا الغنى فنزلت

وقيل نزلت في العرب كانوا إذا أخصبوا تحاربوا وإذا أجدبوا انتجعوا

٢٨

وهو الذى ينزل الغيث اى المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص باالنافع منه وقرىء ينزل من الإنزال

من بعد ما قنطوا يئسوا منه وتقييد تنزيله بذلك مع تحقققه بدونه أيضا لتذكر كمال النعمة وقرىء بكسر النون

وينشر رحمته أي بركات الغيث ومنافعه في كل شىء من السهل والجبل والنبات والحيوان أو رحمته الواسعة المنتظمة لما ذكر انتظاما أوليا

وهو الولى الذى يتولى عباده بالإحسان ونشر الرحمة

الحميد المستحق للحمد على ذلك لا غيره

٢٩

ومن آياته خلق السموات والأرض على ما هما من تعاجيب الصنائع فإنها بذاتها وصفاتها تدل على شئونه العظيمة

وما بث فيهما عطف على السموات أو الخلق

من دابة من حى على إطلاق اسم المسبب على السبب أو مما يدب على الأرض فإن ما يختص بأحد الشيئين المتجاورين يصح نسبته إليهما كما في قوله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وإنما يخرج من الملح وقد جوز أن يكون للملائكة عليهم السلام مشى مع الطيران فيوصفوا بالدبيب وأن يخلق اللّه في السماء حيوانا يمشون فيها مشى الأناسى على الأض كما ينبىء عنه قوله تعالى ويخلق ما لاتعلمون وقد روى أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال فوق السماء السابعة بحر بين اسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أو عال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك العرش العظيم

وهو على جمعهم أى حشرهم بعد البعث للمحاسبة وقوله تعالى

إذا يشاء متعلق بما قبله لا بقوله تعالى

قدير فإن المقيد بالمشيئة جمعه تعالى لاقدرته وإذا عند كونها بمعنى الوقت كما تدخل الماضي تدخل المضارع

٣٠

 وما أصابكم من مصيبة أي مصيبة كانت

فما كسبت أيديكم اى فهى معاصيكم التي اكتسبتموها والفاء لأن ما شرطة أو متضمنة لمعنى الشرط وقرىء بدونها اكتفاء بما في الباء من معنى السببية

ويعفوا عن كثير من الذنوب فلا يعاقب عليها والآية مخصوصة بالمجرمين فإن ما اصاب غيرهم لأسباب أخرى منها تعريضه للثواب بالصبر عليها

٣١

وما أنتم بمعجزين في الأرض فائتين ما قضى عليكم من المصائب وإن هربتم من أقطارها كل مهرب

وما لكم من دون اللّه من ولي يحميكم منها

ولا نصير يدفعها ويدفعها عنكم

٣٢

ومن آياته الجوار السفن الجارية

في البحر وقرىء الجوارى

كالأعلام أي كالجبال على الإطلاق لا التى عليها النار للاهتداء خاصة

٣٣

إن يشأ يسكن الريح التى يجريها وقرىء الرياح

فيظللن رواكد على ظهره فيبقين ثوابت عل ظهر البحر أى غير جاريات لا غير متحركات أصلا

إن في ذلك الذى ذكر من السفن اللاتى يجرين تارة ويركدن أخرى على حسب مشيئته تعالى

لآيات عظيمة في أنفسها كثيرة في العدد دالة على ما ذكر من شئونه تعالى

لكل صبار شكور لكل مكن حبس نفسه عن التوجه الى ما لا ينبغي ووكل همته بالنظر في آيات اللّه تعالى والتفكر في آلائه أو لكل مؤمن كامل فإن الإيمان نفصه صبر ونصفه شكر

٣٤

أو يوبقهن بما كسبوا عطف على يسكن والمعنى إن يشأ يسكن الريح  فيركدن أو يرسلها فيغرقن بعصفها وإيقاع الإيباق عليهن مع انه حال أهلهن للمبالغة والتهويل وإجراء حكمه على العفو في قوله تعالى

ويعف عن كثير لما ان المعنى أو يرسلها فيوبق ناسا وينج آخرين بطريق العفو عنهم وقرءى ويعفوا على الاستئناف

٣٥

ويعلم الذين يجادولون في آياتنا عطف على علة مقدرة مثل لينتقم منهم وليعلم الخ كما في قوله تعالى ولنجعله آية للناس وقوله ولنعلمه من تأويل الأحاديث ونظائرهما وقرىء بالرفع على الاستئناف وبالجزم عطفا على يعف فيكون المعنى وإن يشأ يجمع بين إهلاك قوم وإنجاء قوم وتحذير قوم

مالهم من محيص أى من مهرب من العذاب والجملة معلق عنها الفعل

٣٦

فما أوتيتم من شىء مما ترغبون وتتنافسون فيه

فمتاع الحياة الدنيا أى فهو متاعها تتمتعون به مدة حياتكم

وما عند اللّه من ثواب الآخرة

خير ذاتا لخلوص نفعه

وأبقى زمانا حيث لا يزول ولا يفنى

للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون لا على غيره أصلا والموصول الأول لما كان متضمنا لمعنى الشرط من حيث أن إيتاء ما أوتوا سبب للتمتع بها في الحياة الدنيا دخلت جوابها الفاء بخلاف الثاني وعن على رضي اللّه عنه أنه تصدق أبو بكر رضي اللّه عنه بماله فلامه جمع من المسلمين فنزلت وقوله تعالى

٣٧

والذين يجتنبون كبائر الإثم أى الكبائر من هذا الجنس

والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون مع ما بعده عطف على الذين آمنوا أو مدح بالنصب أو الرفع وبناء يغفرون على الضمير خبرا له للدلالة على أنهم الأخصاء بالمغفرة حال الغضب لعزة منالها وقرىء كبير الإثم وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما كبير الإثم الشرك

٣٨

والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة نزل في الأنصار دعاهم رسول اللّه صلى اللّه لعه سوم اى الإمان فاستجابوا له

وأمرهم شورى بينهم أى ذو شورى لا ينفردون برأى حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليها وكانوا قبل الهجرة وبعدها إذا حزبهم أمر اجتمعوا وتشاوروا

ومما رزقناهم ينفقون أى في سبيل الخير ولعل فصله عن قرينه بذكر المشاورة لوقوعها عند اجتماعهم للصلوات

٣٩

والذين إذاأصابهم البغى هم بنتصرون أى ينتقمون ممن بغى عليهم على ما جعله اللّه تعالى لهم كراهة التذلل وهو وصف لهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر مهمات الفضائل وهذا لا ينافي وصفهم بالغفران فإن كلا منهما فضيلة محمودة في موقع نفسه ورذيلة مذمومة في موقع صاحبه فإن الحلم عن العاجر وعوراء الكرام محمود وعن المتغلب ولغواء اللثام مذموم فإنه إغراء على البغى وعليه قول من قال

... إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

... فوضع الندى في موضع السيف بالعلا ... مضر كوضع السيف في موضع الندى ...

وقوله تعالى

٤٠

وجزاء سيئة سيئة مثلها بيان لوجه كون الانتصار من الخصال الحميدة مع كونه في نفسه إساءة الى الغير بالإشارة إلى أن البادىء هو الذى فعله لنفسه فإن الأفعال مستتبعة لأجزئتها حتما إن خيرا فخيرا وإن شرا فشر وفيه تنبيه على حرمة التعدى وإطلاق السيئة على الثانية لأنها تسوء من نزلت به

فمن عفا عن المسىء إليه

وأصلح بينه وبين من يعاديه بالعفو والإغضاء كما في قوله تعالى فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حيم

فأجره على اللّه عدة مبهمة منبئة عن عظم شأن الموعود وخروجه عن الحد المعهود

إنه لا يحب الظالمين البادئين بالسيئة والمعتدين في الانتقام

٤١

ولمن انتصر بعد ظلمه أى بعد ما ظلم وقد قرىء به

فأولئك إشارة الى من باعتبار المعنى كما ان الضميرين لها بعتبار اللفظ

ما عليهم من سبيل بالمعاتبة أو المعاقبة

٤٢

إنما السبيل على الذين يظلمون الناس يبتدئونهم بالإضرار أو يعتدون في الانتقام

ويبغون في الأرض بغير الحق أى يتكبرون فيها تجبرا وفسادا

أولئك الموصوفون بما ذكر من الظلم والبغي بغير الحق

لهم عذاب أليم بسبب ظلمهم وبغيهم

٤٣

وإن صبر على الأذى

وغفر لمن ظلمه ولم ينتصر وفوض أمره الى اللّه تعالى

إن في

ذلك الذى ذكر من الصبر والمغفرة

لمن عزم الأمور أى إن ذلك منه فحذف ثقة بغاية ظهوره كما في قولهم السمن منوان بدرهم وهذا في المواد التي لا يؤدى العفو الى الشر كما أشير إليه

٤٤

ومن يضلل اللّه فما له من ولي من بعده من ناصر يتولاه من بعد خذلانه تعالى إياه

وترى الظالمين لما رأوا العذاب أى حين يرنه وصيغة الماضى للدلالة على التحقق

يعقلون هل الى مرد أى الى رجعة الى الدنيا

من سبيل حتى نؤمن ونعمل صالحا

٤٥

وتراهم يعضرون عليها أى على النار المدلول علهيا بالعذاب والخطاب في الموضعين لكل من يتأتي منه الرؤية

خاشعين من الذل متذلليين متضائلين مما دهاهم

ينظرون من طرف خفى أى يبتدىء نظرهم الى النار من تحريك لأجفانهم ضعيف كالمصبور ينظر الى السيف

وقال الذين آمنوا إن الخاسرين أى المتصفين بحقيقة الخسران

الذين خسروا أنفسهم وأهليهم بالتعريض للعذاب الخالد

يوم القيامة أما ظرف لخسروا فالقول في

الدنيال أو لقال فالقول يوم القيامة أي يقولون حين يرونهم على تلك الحال وصيغة الماضي للدلالة على تحققه وقوله تعالى

ألا إن الظالمين في عذاب مقيم إما من تمام كلامهم أو تصديق من اللّه تعالى لهم

٤٦

وما كان لهم من أولياء ينصرونهم برفع العذاب عنهم

من دون اللّه حسبما كانوا يرجون ذلك في الدنيا

ومن يضلل اللّه فما له من سبيل يؤدي سلوكه الى النجاة

٤٧

إستجببوا لربكم إذا دعاكم الى الإيمان على لسان نبيه

من قبل أن يأتى يوم لا مرد له من اللّه أى لا يرده اللّه بعد ما حكم به على أن من صلة مرد او من قبل أن يأتى من اللّه يوم لا يمكن رده مالكم من ملجأ يومئذ اى مفر تلتجئون إليه

وما لكم من نكير أى إنكاره لما اقترفتموه لأنه مدون في صحائف أعمالهكم وتشهد عليكم جوار حكم

٤٨

فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا تلوين للكلام وصرف له عن خطاب الناس بعد أمرهم بالاستجابة وتوجيه له الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أى فإن لم يستجيبوا وأعرضوا عما تدوعهم إليه فما أرسلناك رقيبا ومحاسبا عليهم

إن عليك إلاالبلاغ وقد فعلت

وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة أى نعمة من الصحة والغنى والأمن

فرح بها أريد بالإنسان الجنس لقوله تعالى

وإن تصبهم سيئة أى بلاء من مرض وفقر وخوف

بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور بليغ الكفر ينسى النعمة رأسا ويذكر البلية ويستعظمها ولا يتأمل سببها بل يزعم أنها أصابته بغير استحقاق لها وإسناد هذه الخصلة الى الجنس مع كونها من خواص المجرمين لغلبتهم فيما بين الأفراد وتصدير الشرطية الأولى بإذا مع إسناد الأذاقة الى نون العظمة للتنبيه على ان إيصال النعمة محقق الوجود كثير الوقوع وأنه مقتضى الذات كما ان تصدير الثانية بأن وإسناد الإصابة الى السيئة وتعليلها بأعمالهم للإيذان بندرة وقوعها وأنها بمعزل عن الانتظام في سلك الإرداة بالذات ووضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل على ان هذا الجنس موسوم بكفران النعم

٤٩

للّه ملك السموات والأرض فمن قضيته أن يملك التصرف فيهما وفي كل ما فيهما كيفما يشاء ومن جملته أن يقسم النعمة والبلية حسبما يريده

يخلق ما يشاء مما تعلمه ومما لا تعلمه

يهب لمن يشاء إناثا من الأولاد

ويهب لمن يشاء الذكور منهم من غير أن يكون في ذلك مدخل لأحد

٥٠

أو يزوجهم أى يقرن بين الصنفين فيهبهما جميعا

ذكرانا وإناثا قالوا معنى يزوجهم أن تلد غلاما ثم جارية أو جارية ثم غلاما أو تلد ذكر وانثى توأمين

ويجعل من يشاء عقيما والمعنى يجعل أحوال العباد في حق الأولاد مختلفة على ما تقتضيه المشيئة فيهن فيهب لبعض إما صنفا واحدا من ذكر أو أنثى و إما صنفين ويعقم آخرين ولعل تقديم الإناث لأنها أكثر لتكثير النسل أو لان مساق الآية للدلالة على ان الواقع ما تتعلق به مشيئته تعالى لا ما تتعلق به مشيئه الإنسان والإناث كذلك أو لأن الكلام في البلاء والعرب تعدهن أعظم البلايا أو لتطييب قلوب آبائهن أو للمحافظة على الفواصل ولذلك عرف الذكور أو لجبر التأخير وتغيير العاطف في الثالث لان قسيم المشترك بين القسمين ولا حاجة إليه في الرابع لإفصاحه بأنه قسيم المشترك بين القسام المتقدمة

وقيل المراد بيان أحوال الأنبياء عليهم السلام حيث وهب لشعيب ولوط إناثا ولإبراهيم ذكورا وللنبي صلى اللّه عليه و سلم ذكورا وإناثا وجعل يحيى وعيسى عقيمين

إنه عليم قدير مبالغ في العلم والقدرة فيفعل ما فيه حكمة مصلحة

٥١

وما كان لبشر أى وما صح لفرد من أفراد البشر

أن يكلمه اللّه بوجه من الوجوه

إلا وحيا أى إلا بأن يوحى إليه ويلهمه ويقذف في قلبه كما أوحى إلى ام موسى وإلى إبراهيم عليهما السلام في ذبح ولده وقد روى عن مجاهد أوحى اللّه الزبور الى داود عليه السلام في صدره أو بأن يسمعه كلامه الذي يخلقه في بعض الأجرام من غير أن يبصر السامع من يكلمه وهو المراد بقوله تعالى

أو من رواء حجاب فإنه تمثيل له بحال الملك المحتجب الذى يكلم بعض خواصه من وراء الحجاب يسمع صوته ولا يرى شخصه وذلك كما كلم موسى وكما يكلم الملائكة عليهم السلام أو بأن يكلمه بواسطة الملك وذلك قوله تعالى

أو يرسل رسولا أى ملكا

فيوحى ذلك الرسول الى المرسل اليه الذى هو الرسول البشرى

بإذنه أى بأمره تعالى وتيسيره

ما يشاء أن يوحيه إليه وهذا هو الذي يجرى بينه تعالى وبين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في عامة الأوقات من الكلام

وقيل قوله تعالى وحيا وقوله تعالى أو يرسل مصدران واقعان موقع الحال قوله تعالى أو من وراء حجاب ظرف واقع موقعها والتقدير وما صح أن يكلم إلا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب أو مرسلا وقرىء أو يرسل بالرفع على إضمار مبتدأ وروى ان اليهود قالت للنبي صلى اللّه عليه و سلم ألا تكلم اللّه وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمت موسى ونظر إليه فإنا لن نؤمن حتى تفعل ذلك فقال عليه السلام لم ينظر موسى عليه السلام الى اللّه تعالى فنزلت وعن عائشة رضى اللّه عنها من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على اللّه الفرية ثم قالت رضى اللّه عنها أو لم تسمعوا ربكم يقول فتلت هذه الآية

إنه على متعال عن صفات المخلوقين لا يتأتى جريان المفاوضة بينه تعالى وبينهم إلا بأحد الوجوه المذكورة

حكيم يجرى أفعاله على سنن الحكمة فيكلم تارة بواسطة وأخرى بدونها إما إلهاما وأما خطابا

٥٢

كذلك أى ومثل ذلك الإيحاء البديع

أوحينا إليك روحا من امرنا هو القرآن الذى هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية

وقيل جبريل عليه السلام ومعنى إيحائه إليه عليهما السلام إرساله إليه بالوحي

ما كنت تدرى قبل الوحى

ما الكتاب أى أي شىء هو

ولا الإيمان أي الإيمان بتفاصيل ما في تضاعبف الكتاب من الأمور التي لا تهتدى إليها العقول لا الإيمان بما يستقل به العقل والنظر عليه فإن درايته عليه الصلاة و السلام له مما لا ريب فيه قطعا

ولكن جعلناه أى الروح الذى أوحيناه إليك

نورا نهدى به من نشاء هدايته من عبادنا وهو الذى يصرف اختياره نحو الاهتداء به وقوله تعالى

وإنك لتهدى تقرير لهدايته تعالى وبيان لكيفيتها ومفعول لتهدى محذوف ثقة بغاية الظهور أى وأنك لتهدي بذلك النور من نشاء هدايته

الى صراط مستقيم هو الإسلام وسائر الشرائع والاحكام وقرىء لتهدى أي ليهديك اللّه وقرىء لتدعوا صراط اللّه بدل من الأول وإضافته الى الاسم الجليل ثم وصفه بقوله تعالى الذى له ما في السموات والأرض لتفخيم شأنه وتقرير استقامته وتأكيد وجوب سلوكه فإن كون جميع ما فيها من الموجودات له تعالى خلقا وملكا وتصرفا مما يوجب ذلك أتم إيجاب ألا الى اللّه تصير الأمور أى أمرو ما فيهما قاطبة لا إلى غيره ففيه من الوعد للمهتدين الى الصراط المستقيم والوعيد للضالين عنه ملا يخفى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن قرأ سورة حم عسق كان ممن تصلى عليه الملائكة ويستغفرون ويسترحمون له

﴿ ٠