ÓõæÑóÉõ ÇáúÃóÍúÞóÇÝö ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ÎóãúÓñ æóËóáÇóËõæäó ÂíóÉð سورة الأحقافسورة الأحقاف مكية وآيها خمس وثلاثون بسمك اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١حم ٢تنزيل الكتاب من اللّه العزيز الحكيم الكلام فيه كالذي مر في مطلع السورة السابقة ٣ما خلقناالسموات والأرض بما فيهما من حيث الجزئية منهما ومن حيث الاستقرار فيهما وما بينهما من المخلوقات إلا بالحق استثناء مفرغ من أعم المفاعيل أى إلا خلقا ملتبسا بالحق الذي تقتضيه الحكمة التكوينية والتشريعية أو من أعم الأحوال من فاعل خلقنا أو مفعوله أى ما خلقناها في حال من الأحوال إلا حال ملابستنا بالحق أو حال ملابستها به وفيه من الدلالة على وجود الصانع تعالى وصفات كماله وابتناء أفعاله على حكم بالغة وانتهائها إلى غايات جليلة ما لا يخفى وأجل مسمى عطف على الحق بتقدير مضاف أى وبتقدير أجل مسمى ينتهى إليه أمر الكل وهو يوم القيامة يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا للّه الواحد القهار وقيل هو آحر مدة البقاء المقدر لكل واحد ويأباه قوله تعالى والذين كفروا عما أنذروا معرضون فإن ما أنذرواوه يوم القيامة وما فيه من الطامة التامة والأهوال العامة لا آخر أعمارهم وقد جوز كون ما مصدرية والجملة حالية أى ما خلقنا الخلق إلا بالحق وتقدير الأجل الذى يجاوزون عنده والحال أنهم غير مؤمنين به معرضون عنه وعن الاستعداد له ٤قل توبيخا لهم وتبكيتا أرأيتم أخبروني وقرئ أرأيتكم ما تدعون ما تعبدون من دون اللّه من الأصنام أروني تأكيد لأرأيتم ماذا خلقوا من الأرض بيان للإبهام في ماذا أم لهم شرك أى شركة مع اللّه تعالى فى السموات أى في خلقها أو ملكها وتدبيرها حتى يتوهم أن يكون لهم شائبة استحقاق للمعبودية فإن مالا مدخل له في وجود شئ من الأشياء بوجه من الوجوه فهو بمعزل من ذلك الاستحقاق بالمرة وإن كان من الاحياء العقلاء فما ظنكم بالجماد وقوله تعالى ائتوني بكتاب الخ تبكيت لهم بتعجيزهم عن الاتيان بسند نقاى بعد تبكيتهم بالتعجيز عن الاتيان بسند عقلى أى ائتونى بكتاب إلهى كائن من قبل هذا الكتاب أى القرآن الناطق بالتوحيد وإبطال الشرك دال على صحة دينكم أو أثارة من علم أو بقيت من علم بقيت عليكم من علوم الاولين شاهدة باستحقاقهم للعبادة إن كنتم صادقين فى دعواكم فإنها لا تكاد تصح ما لم يقم عليها برهان عقلى أو سلطان نقلى وحيث لم يقم عليها شئ منهما وقد قامت على خلافها أدلة العقل والنقل تبين بطلانها وقرئ إثارة بكسر الهمزة أى مناظرة فإنهعا تثير المعانى وأثرة أى شئ أوثرتم به وخصخصتم من علم مطوى من غيركم وأثرة بالحركات الثلاث مع سكون الثاء أما المكسورة فبمعنى الأثرة وأما المفتوحة فهى المرة من أثر الحديث أى رواه وأما المضمومة فاسم ما يؤثر الخطبة التى هى اسم ما يخطب به ٥ومن أضل ممن يدعو من دون اللّه من لايستجيب له إنكار ونفى لأن يكون أحد يساوى المشركين في الضلال وإن كان سبك التركيب لنفى الأضل منهم من غير تعرض لنفى المساوى كما مر غير مرة أى هم أضل من كل ضال حيث تركوا عبادة خالقهم السميع القادر المجيب الخبير إلى عبادة مصنوعهم العارى عن السمع والقدرة والاستجابة إلى يوم القيامة غاية لنفى الاستجابة وهم عن دعائهم الضمير الأول لمفعول ويدعو الثانى لفاعله والجمع فيهما باعتبار معنى من كما أن الإفراد فيما سبق باعتبار لفظها غافلون لكونهم جمادات وضمائر العقلاء لإجرائهم إياها مجرى العقلاء ووصفها بما ذكر من ترك الاستجابة والغفلة مع ظهور حالها للتهكم بها وبعبدتها كقوله تعالى إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم الآية ٦وإذا حشر الناس عند قيام القيامة كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين أى مكذبين بلسان الحال أو المقال على ما يروى أنه تعالى يحى الأصنام فتتبرأ عن عبادتهم وقد جوز أن يراد بهم كل ما يعبد من دون اللّه من الملائكة والجن والإنس وغيرهم ويبنى إرجاع الضمائر وإسناد العداوة والكفر إليهم على التغليب ويراد بذلك تبرؤهم عنهم وعن عبادتهم وقيل ضمير كانوا للعبدة وذلك قولهم واللّه ربنا ما كنا مشركين ٧وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات واضحات أو مبينات قال الذين كفروا للحق أى لأجله وفى شأنه وهو عبارة عن الآيات المتلوة وضع موضع ضميرها تنصيصا على حقيتها ووجوب الإيمان بها كما وضع الموصول موضع ضمير المتلو عليهم تسجيلا عليهم بكمال الكفر والضلالة لما جاءهم أى فى أول ما جاءهم من غير تدبر وتأمل هذا سحر مبين أى ظاهر كونه ٨يقولون افتراه إضراب وانتقال من حكاية شناعتهم السابقة إلى حكاية ما هو أشنع منها وما فى أم من الهمزة للإنكار التوبيخي المتضمن للتعجيب أى بل أيقولون افترى القرآن قل إن افتريته على الفرض فلا تملكون لى من اللّه شيئا إذلا ريب فى أنه تعالى يعاجلنى حينئذ بالعقوبة فكيف أجترئ على أن افترى عليه تعالى كذبا فأعرض نفسى للعقوبة التى لا مناص عنها هو اعلم بما تفيضون فيه أى تندفعون فيه من القدح فى وحى اللّه والطعن فى آياته وتسميته سحرا تارة وفرية أخرى كفى به شهيدا بينى وبينكم حيث يشهد لى بالصدق والبلاغ وعليكم بالكذب والجحود وهو وعيد بجزاء إفاضتهم وقوله تعالى وهو الغفور الرحيم وعد بالغفران والرحمة لمن تاب وآمن وإشعار بحلم اللّه تعالى عنهم مع عظم جرائمهم ٩قل ما كنت بدعا من الرسل البدع بمعنى البديع كالخل بمعنى الخليل وهو ما لا مثل له وقرئ بفتح الدال على أنه صفة كقيم وزيم أو جمع مقدر مضاف أى ذا بدع وقد جوز ذلك فى القراءة الأولى أيضا على أنه مصدر كانوا يقترحون عليه الصلاة و السلام آيات عجيبة ويسألونه عن المغيبات عنادا ومكابرة فأمر عليه السلام بأن يقول لهم ما كنت بديعا من الرسل قادرا على ما لم يقدروا حتى آتيكم بكل ما تقترحونه وأخبركم بكل ما تسلون عنه من الغيوب فإن من قبلى من الرسل عليهم الصلاة والسلام والسلام ما كانوا يأتون إلا بما آتاهم اللّه تعالى من الآيات ولا يخبرونهم إلا بما أوحى إليهم وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم أى أى شئ يصيبنا فيما يستقبل من الزمان من أفعاله تعالى وماذا يقدر لنا من القضاياه وعن الحسن رضى اللّه عنه ما أدرى ما يصير إليه أمرى وأمركم فى الدنيا وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ما يفعل بى ولا بكم فى الآخرة وقال هى منسوخة بقوله تعالى ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر وقيل يجوز أن يكون المنفى هى الدراية المفصلة والأظهر الأوفق لما ذكر من سبب النزول أن ما عبارةعما ليس علمه من وظائف النبوةمن الحوادث والواقعات الدنيوية دون ما سيقع فى الآخرة فإن العلم بذلك من وظائف النبوة وقد ورد به الوحى الناطق بتفاصيل ما يفعل بالجانبين هذا وقد روى عن الكلبى أن أصحاب النبى صلى اللّه عليه و سلم قالوا له عليه السلام وقد ضجروا من أذية المشركين حتى متى نكون على هذا فقال ما أدرى ما يفعل بى ولا بكم أأترك بمكة أم أومر بالخروج إلى أرض ذات نخيل وشجر قد رفعت لى ورأيتها يعنى فى منامه وجوز أن تكون ما موصولة والاستفهامية أقضى لحق مقام التبرؤ عن الدراية وتكرير لا لتذكير النفى المنسحب إليه وتأكيده وقرئ ما يفعل على اسناد الفعل إلى ضميره تعالى إن أتبع إلا ما يوحى إلى أى ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إلى على معنى قصر أفعاله عليه الصلاة و السلام على اتباع الوحى لاقصر اتباعه على الوجى كما هو المتسارع إلى الأفهام وقد مر تحقيقه فى سورة الأنعام وقرئ يوحى على البناء للفاعل وهو جواب عن اقتراحهم الإخبار عما لم يوح إليه عليه السلام من الغيوب وقيل عن استعجال المسلمين أن يتخلصوا عن أذية المشركين والأول هو الأوفق لقوله تعالى وما أنا إلا نذير أنذركم عقاب اللّه تعالى حسبما يوحى إلى مبين بين الإنذار بالمعجزات الباهرة ١٠قل أرأيتم إن كان أى ما يوحى إلى من القرآن من عند اللّه لا سحرا ولا مفترى كما تزعمون وقوله تعالى وكفرتم به حال بإضمار قد من الضمير فى الخبر وسطت بين أجزاء الشرط مسارعة إلى التسجيل عليهم بالكفر أو عطف على كان كما فى قوله تعالى قل أرأيتم إن كان من عند اللّه ثم كفرتم به لكن لا على أن نظمه فى سلك الشرط المتردد بين الوقوع وعدمه عندهم باعتبار حاله فى نفسه بل باعتبار حال المعطوف عليه عندهم فإن كفرهم به أمر محقق عندهم أيضا وإنما ترددهم فى أن ذلك كفر بما من عند اللّه تعالى أم لا وكذا الحال فى قوله تعالى وشهد شاهد من بنى اسرائيل وما بعده من الفعلين فإن الكل أمور محققة عندهم وإنما ترددهم فى أنها شهادة وإيمان بما من عند اللّه تعالى واستكبار عنه أولا والمعنى أخبرونى إن كان ذلك فى الحقيقة من عند اللّه وكفرتم به وشهد شاهد عظيم الشأن من بنى اسرائيل الواقفين على شؤن اللّه تعالى وأسرار الوحى بما أوتوا من التوراة على مثله أى مثل القرآن من المعانى المنطوية فى التوراة المطابقة لما فى القرآن من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك فإنها عين ما فيه فى الحقيقة كما يعرب عنه قوله تعالى وأنه لفى زبر الأولين وقوله تعالى إن هذا لفى الصحف الأولى والمثلية باعتبار تأديتها بعبارات أخر أو على مثل ما ذكر من كونه من عند اللّه تعالى والمثلية لما ذكر وقيل المثل صلة والفاء فى قوله تعالى فآمن للدلالة على أنه سارع إلى الإيمان بالقرآن لما علم أنه من جنس الوحى الناطق بالحق وهو عبداللّه بن سلام لما سمع بمقدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المدينة أتاه فنظر إلى وجهه الكريم فعلم أنه ليس بوجه كذاب وتأمله فتحقق أنه النبى المنتظر فقال له إنى سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبى ما أول أشراط الساعة وما أول طعام أكله أهل الجنة والولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه فقال عليه الصلاة و السلام أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب وأما طعام أهل الجنة فزيادة كبد حوت وأما الولد فإن سبق ماء الرجل نزعه وإن سبق ماء المرأة نزعته فقال أشهد أنك رسول اللّه حقا فقام ثم قال يا رسول اللّه إن اليهود قوم بهت فإن علموا بإسلامى قبل أن تسألهم عنى بهتونى عندك فجاءت اليهود فقال لهم النبى عليه الصلاة و السلام أى رجل عبداللّه فيكم فقالوا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا قال أرأيتم إن أسلم عبد اللّه قالوا أعاذه اللّه من ذلك فحرج إليهم عبداللّه فقال أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدا رسول اللّه فقالوا شرنا وابن شرنا وانتقصوه قال هذا ما كنت أخاف يا رسول اللّه واحذر قال سعد بن أبي وقاص رضى اللّه عنه ما سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول لأحد يمشى على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد اللّه ابن سلام وفيه نزل وشهد شاهد الآية وقيل الشاهد موسى عليه السلام وشهادته بما فى التوراة من بعثة النبى عليهما الصلاة السلام وبه قال الشعبى وقال مسروق واللّه ما نزلت فى عبداللّه بن سلام فإن آل حم نزلت بمكة وإنما أسلم عبداللّه بالمدينة وأجاب الكلبى بأن الآية مدنية وإن كانت السورة مكية واستكبرتم عطف على شهد شاهد وجواب الشرط محذوف والمعنى أخبرونى إن كان من عند اللّه تعالى وشهد على ذلك أعلم بنى اسرائيل فآمن به من غير تلعثم واستكبرتم عن الإيمان به بعد هذه المرتبة من أضل منكم بقرينة قوله تعالة قال أرأيتم إن كان من عند اللّه ثم كفرتم به من أضل ممن هو فى شقاق بعيد وقوله تعالى إن اللّه لا يهدى القوم الظالمين فإن عدم الهداية مما ينبئ عن الضلال قطعا ووصفهم بالظلم للإشعار بعلة الحكم فإن تركه تعالى لهدايتهم لظلمهم ١١وقال الذين كفروا حكاية لبعض آخر من أقاويلهم الباطلة فى حق القرآن العظيم والمؤمنين به أى قال كفار مكة للذين آمنوا أى لأجلهم لو كان أى ما جاء به عليه الصلاة و السلام من القرآن والدين خيرا ما سبقونا إليه فإن معالى الأمور لا ينالها أيدى الأراذل وهم سقاط عامتهم فقراء وموال ورعاة قالوه زعما منهم أن الرياسة الدينية مما ينال بأسباب دنيوية كما قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وزل عنهم أنها منوطة بكمالات نفسانية وملكات روحانية مبناها الإعراض عن زخازف الدنيا الدنية والإقبال على الآخرة بالكلية وأن من فاز بها فقد حازها بحذافيرها ومن حرمها فماله منها من خلاق وقيل قاله بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع لما أسلم جهينة ومزينة وأسلم وغفار وقيل قالته اليهود حين أسلم عبداللّه بن سلام وأصحابه ويأباه أن السورة مكيى ولا بد حينئذ من الالتجاء إلى ادعاء أن الآية نزلت بالمدينة وإذا لم يهتدوا به ظرف لمحذوف يدل عليه ما قبله ويترتب عليه ما بعده أى وإذ لم يهتدوا بالقرآن قالوا ما قالوا فسيقولون غير مكتفين بنغى خيريته هذا إفك قديم كما قالوا أساطير الأولين وقيل المحذوف ظهر عنادهم وليس بذاك ١٢ومن فبله أى من قبل القرآن وهو خبر لقوله تعالى كتاب موسى قيل والجملة حالية أو مستأنفة وأيا ما كان فهو لرد قولهم هذا إفك قديم وإبطاله فإن كونه مصدقا لكتاب موسى مقرر لحقيته قطعا إماما ورحمة حالان من كتاب موسى أى إماما يقتدى به فى دين اللّه تعالى وشرائعه كما يقتدى بالإمام ورحمة من اللّه تعالى لمن آمن به وعمل بموجبه وهذا الذي يقولون فى حقه ما يقولون كتاب عظيم الشأن مصدق أى لكتاب موسى الذى هو إمام ورحمة أو لما من بين يديه من جميع الكتب الإلهية وقد قرئ كذلك لسانا عربيا حال من ضمير الكتاب فى مصدق أو من نفسه لتخصصه بالصفة وعاملها معنى الإشارة وعلى الأول مصدق وقيل مفعول لمصدق أى يصدق ذا لسان عربى لينذر الذين ظلموا متعلق بمصدق وفيه ضمير الكتاب أو اللّه أو الرسول عليه الصلاة و السلام ويؤيد الأخير القراءة بتاء الخطاب وبشرى للمحسنين فى حيز النصب عطفا على محل لينذر وقيل فى محل الرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر أى وبشرى وقيل على انه عطف على مصدق ١٣إن الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا أى جمعوا بين التوحيد الذى هو خلاصة العلم والاستقامة فى أمور الدين التى هى منتهى العمل وثم للدلالة على تراخى رتبة العمل وتوقف الاعتداد به على التوحيد فلا خوف عليهم من لحوق مكروه ولا هم يحزنون من فوات محبوب والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط والمراد بيان دوام نفى الحزن لا بيان نفى دوام الحزن كما يوهمه كون الخبر مضارعا وقد مر بيانه مرارا ١٤اولئك الموصوفون بما ذكر من الوصفين الجليلين أصحاب الجنة خالدين فيها حال من المستكن فى أصحاب وقوله تعالى جزاء منصوب أما بعامل مقدر أى يجزون جزاء أو بمعنى ما تقدم فإن قوله تعالى أولئك أصحاب الجنة فى معنى جازيناهم بما كانوا يعملون من الحسنات العلمية والعملية ١٥ووصينا الانسان بأن يحسن بوالديه إحسانا وقرئ حسنا أى بأن يفعل بهما حسنا أى فعلا ذا حسن أو كأنه في ذاته نفس الحسن لفرط حسنه وقرىء بضم السين أيضا وبفتحهما أي بأن يفعل بهما فعل حسنا أو وصيناه إيصاء حسنا حملته أمه كرها ووضعته كرها أى ذات كره أو حملا ذا كره وهو المشقة وقرئ بالفتح وهما لغتان كالفقر والفقر وقيل المضموم اسم والمفتوح مصدر وحمله وفصاله أى مدة حمله وفصاله وهو الفطام وقرئ ةفصله والفصل والفصال كالفطم والفطام بناء ومعنى والمراد به الرضاع التام المنتهى به كما اراد بالامد المدة من ال كل حى مستكمل مدة العمر ومود إذا انتهى أمده ثلاثون شهرا تمضى عليها بمعاناة المشاق ومقاساة الشدائد لأجله وهذا دليل على ان أقل مدة الحمل ستة أشهر لما أنه حط عنه للفصال حولان لقوله تعالى حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة يبقى للحمل ذلك قيل ولعل تعيين أقل مدة الحمل وأكثر مدة الرضاع لانضباطهما وتحقق ارتباط النسب والرضاع بهما حتى إذا بلغ أشده أى اكتهل واستحكم قوته وعقله وبلغ أربعين سنة قيل لم يبعث نبى قبل أربعين وقرئ حتى إذا استوى وبلغ اشده قال ربى أوزعنى أى ألهمنى وأصله أولعنى من أوزعته بكذا أن اشكر نعمتك التى أنعمت على وعلى والدى أى نعمة الدين أو ما يعمها وغيرها وأن اعمل صالحا ترضاه التنكير للتفخيم والتكثير وأصلح لى فى ذريتى أى واجعل الصلاح ساريا فى ذريتى راسخا فيهم كما فى قوله يجرح فى عراقيبها نصلى قال ابن عباس أجاب اللّه تعالى دعاء أبى بكر رضى اللّه عنهم فأعتق تسعة من المؤمنين منهم بلال وعامر بن فهيرة ولم يرد شيئا من الخير إلا أعانه اللّه تعالى عليه ودعا أيضا فقال وأصلح لى فى ذريتى فأجابه اللّه عز و جل فلم يكن له ولدا إلا أمنوا جميعا فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعا فأدرك أبوه أبو قحافة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وابنه عبدالرحمن بن ابى بكر وابن عبدالرحمن أبو عتيق كلهم أدركوا النبى عليه الصلاة و السلام ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين إنى تبت إليك عما لا ترضاه أو عما يشغلنى عن ذكرك وإنى من المسلمين الذين اخلصوا لك انفسهم ١٦أولئك إشارة إلى الانسان والجمع لأن المراد به الجنس المتصف بالوصف المحكى عنه وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو رتبته وبعد منزلته أى أولئك المنعوتون بما ذكر من النعوت الجليلة الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا من الطاعات فإن المباح حسن ولا يثاب عليه ونتجاوز عن سيئاتهم وقرئ الفعلان بالياء على إسنادهما إلى اللّه تعالى وعلى بنائهما للمفعول ورفع أحسن على أنه قائم مقام الفاعل وكذا الجار والمجرور فى أصحاب الجنة أى كائنين فى عدادهم منتظمين فى سلكهم وعد الصدق مصدر مؤكد لما أن قوله تعالى يتقبل ونتجاوز وعد من اللّه تعالى لهم بالتقبل والتجاوز الذى كانوا يوعدون على ألسنة الرسل ١٧والذى قال لوالديه عند دعوتهما له إلى الإيمان أف لكما هو صوت يصدر عن المرء عند تضجرخ واللام لبيان المؤفف له كما فى هيت لك وقرئ أف بالفتح والكسر بغير تنوين وبالحركات الثلاث مع التنوين والموصول عبارة عن الجنس القائل ذلك القول ولذلك أخبر عنه بالمجموع كما سبق قيل هو فى الكافر العاق لوالديه المكذب بالبعث وعن قتادة هو نعت عبد سوء عاق لوالديه فاجر لربه وما روى من أنها نزلت فى عبدلرحمن بن أبى بكر رضى اللّه عنهما قبل إسلامه يرده ما سيأتى من قوله تعالى ١٨أولئك الذين حق عليهم القول الآية فإنه كان من أفاصل المسلمين وسرواتهم وقد كذبت الصديقة رضى اللّه عنها من قال ذلك أتعداننى أن أخرج أبعث من القبر بعد الموت وقرئ أخرج من الخروج وقد خلت القرون من قبلى ولم يبعث منهم أحد وهما يستغيثان اللّه يسألانه أن يغيثه ويوفقه للإيمان ويلك إى قائلين له ويلك وهو فى الأصل دعاء عليه بالثبور أريد به الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهلاك آمن إن وعد اللّه حق أى البعث أضافا إليه تعالى تحقيقا للحق وتنبيها على حطئه فى إسناد الوعد إليهما وقرئ أن وعد اللّه أى آمن بأن وعد اللّه حق فيقول مكذبا لهما ما هذا الذى تسميانه وعد اللّه إلا أساطير الاولين أباطيلهم التى سطروها فى الكتب من غير أن يكون لها حقيقة أولئك القائلون هذه المقالات الذين حق عليهم القول وهو قوله تعالى لأبليس لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين كما ينبئ عنه قوله تعالى فى أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس وقد مر تفسيره فى سورة الم السجدة إنهم جميعا كانوا خاسرين قد ضيعوا فطرتهم الأصلية الجارية مجرى رؤس أموالهم باتباعهم الشيطان والجملة تعليل للحكم بطريق الاستئناف التحقيقى ١٩ولكل من الفريقين المذكورين درجات مما عملوا مراتب من أجزية ما عملوا من الخير والشر والدرجات غالبة فى مراتب المثوبة وإيرادها بطريق التغليب وليوفيهم أعمالهم أى أجزية أعمالهم وقرئ بنون العظمة وهم لا يظلمون بنقص ثواب الأولين عقاب الآخرين والجملة أما حال مؤكدة للتوفية أو استئناف مقرر لها واللام متعلقة بمحذوف مؤخر كأنه قيل ليوفيهم أعمالهم ولا يظلمهم حقوقهم فعل ما فعل من تقدير الأجزية على مقادير أعمالهم فجعل الثواب والعقاب دركات ٢٠ويوم يعرض الذين كفروا على النار أى يعذبون بها من قولهم عرض الأسارى على السيف أى قتلوا وقيل يعرض النار عليهم بطريق القلب مبالغة أذهبتم طيباتكم أى يقال لهم ذلك وهو الناصب للظرف وقرئ أأذهبتم بهمزتين وبألف بينهما على الاستفهام التوبيخى أى أصبتم أو أخذتم ما كتب لكم من حظوظ الدنيا ولذائذها فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فلم يبق لكم بعد ذلك شئ منها فاليوم تجزون عذاب الهون أى الهوان وقد قرئ كذلك بما كنتم فى الدنيا تستكبرون فى الأرض بغير الحق بغير استحقاق لذلك وبما كنتم تفسقون أى تخرجون عن طاعة اللّه عز و جل أى بسبب أستكباركم وفسقكم المستمرين وقرئ تفسقون بكسر السين ٢١واذكر أى لكفار مكة أخا عاد أى هودا عليه السلام إذ أنذر قومه بدل اشتمال منه أى وقت انذاره إياهم بالأحقاف جمع حقف وهو مل مستطيل مرتفع فيه إنحناء من احقوقف الشئ إذا اعوج وكانت عاد أصحاب عمد يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بأرض يقال لها الشجر من بلاد اليمن وقيل بين عمان ومهرة وقد خلت النذر أى الرسل جمع نذير بمعنى المنذر من بين يديه أى من قبله ومن خلفه أى من بعده والجملة اعتراض مقرر لما قبله مؤكد لوجوب العمل بموجب الإنذار وسط بين أنذر قومه وبين قوله أن لا تعبدوا إلا اللّه مسارعة إلى ما ذكر من التقرير والتأكيد وإيذانا باشتراكهم فى العبارة المحكية والمعنى واذكر لقومك إنذار هود قومه عاقبة الشرك والعذاب العظيم وقد أنذر من تقدمه من الرسل ومن تأخر عنه قومهم مثل ذلك فاذكرهم وأما جعلها حالا من فاعل أنذر على معنى أنه عليه الصلاة و السلام أنذرهم وقال لهم لا تعبدوا إلا اللّه إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم وقد أعلمهم أن الرسل الذين بعثوا قبله والذين سيبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره فمع ما فيه من تكلف تقدير الأعلام لا بد فى نسبة الخلو إلى من بعده من الرسل من تنزيل الآتى منزلة الخالى ٢٢قالوا أجئتنا لتأفكنا أى تصرفنا عن آلهتنا عبادتهم فأتنا بما تعدنا من العذاب العظيم إن كنت من الصادقين فى وعدك بنزوله بنا ٢٣قال إنما العلم أى بوقت نزوله أو العلم بجميع الأشياء التى من جملتها ذلك عند اللّه وحده لا علم لى بوقت نزوله ولا مدخل لى فى إتيانه وحلوله وإنما علمه عند اللّه تعالى فيأتيكم به فى وقته المقدر له وأبلغكم ما أرسلت به من مواجب الرسالة التى من جملتها بيان نزول العذاب إن لم تنتهوا عن الشرك من غير وقوف على وقت نزوله وقرئ أبلغكم من الإبلاغ ولكنى أراكم قوما تجهلون حيث تقترحون على ما ليس من وظائف الرسل من الإتيان بالعذاب وتعيين وقته والفاء فى قوله تعالى ٢٤فلما رأوه فصيحة والضمير أما مبهم يوضحه قوله تعالى عارضا أما تمييز أو حالا أو راجع إلى ما استعجلوه بقولهم فأئتنا بما تعدنا أى فأتاهم فلما رأوه سحابا يعرض فى أفق السماء مستقبل أوديتهم أى متوجه أوديتهم والإضافة فيه لفظية كما فى قوله تعالى قالوا هذا عارض ممطرنا ولذلك وقعا وصفين للنكرة بل هو أى قال هود وقد قرئ كذلك وقرئ قل وهو رد عليهم أى ليس الأمر كذلك بل هو ما استعجلتم به من العذاب ريح بدل من ما أو خبر لمبتدأ محذوف فيها عذاب أليم صفة لريح وكذا قوله تعالى ٢٥تدمر أى تهلك كل شئ من نفوسهم وأموالهم بأمر ربها وقرئ يدمر كل شئ من دمر دمارا إذا هلك فالعائد إلى الموصوف محذوف أو هو الهاء فى ربها ويجوز ان يكون استئنافا وأرادا لبيان أن لكل ممكن فناء مقضيا منوطا بأمر بارئه وتكون الهاء لكل شئ لكونه بمعنى الأشياء وفى ذكر الأمر والرب والأضافة إلى الريح من الدلالة على عظمة شأنه عز و جل ما لا يخفى والفاء فى قوله تعالى فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم فصيحة أى فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا بحيث لا يرى إلا مساكنهم وقرئ ترى بالتاء ونصب مساكنهم خطابا لكل أحد يتأنى منه الرؤية تنبيها على أن حالهم بحيث لو حضر كل أحد بلادهم لا يرى فيها إلا مساكنهم كذلك أى مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزى القوم المجرمين وقد مر تفصيل القصة فى سورة الأعراف وقد روى أن الريح كانت تحمل الفسطاط والظعينة فترفعها فى الجو حتى ترى كأنها جرادة قيل أول من أبصر العذاب امرأة منهم قالت رأيت ريحا فيها كشهب النار وروى أن أول ما عرفوا به أنه عذاب ما رأوا ما كان فى الصحراء من رحالهم ومواشيهم تطير بها الريح بين السماء والأرض فدخلوا بيوتهم وغلقوا أبوابهم فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم فأمال اللّه تعالى الأحقاف فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين ثم كشفت الريح عنهم فاحتملتهم فطرحتهم فى البحر وروى ان هودا عليه السلام لما احس بالريح خط على نفسه وعلى المؤمنين خطا إلى جنب عين نبع وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما اعتزل هود ومن معه فى حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما يلين على الجلود وتلذه الأنفس وإنها لتمر من عاد بالظعن بين بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة ولقد مكناهم أى قررنا عادا أو أقدرناهم وما فى قوله تعالى فيما إن مكناكم فيه موصولة أو موصوفة وإن نافية أى فى الذى أو فى شئ ما مكناكم فيه من السعة والبسطة وطول الأعمار وسائر مبادى التصرفات كما فى قوله تعالى ألم يروا كم اهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم فى الأرض ما لم نمكن لكم ومما يحسن موقع إن ههنا التفصى عن تكرار لفظة ما وهو الداعى إلى قلب ألفها هاء فى مهما وجعلها شرطية أو زائدة مما لا يليق بالمقام وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ليستعملوها فيما خلقت له ويعرفوا بكل منها ما بيطت به معرفته من فنون النعم ويستدلوا بها على شؤن منعهما عز و جل ويداوموا على شكره فما أغنى عنهم سمعهم حيث لم يستعملوه فى استماع الوحي ومواعظ الرسل ولا أبصارهم حيث لم يجتلوا بها الآيات التكوينية المنصوبة فى صحائف العلم ولا أفئدتهم حيث لم يستعملوها فى معرفة اللّه تعالى من شئ أى شيئا من الإغناء ومن مزيدة للتأكيد وقوله تعالى إذ كانوا يجحدون بآيات اللّه متعلق بما أغنى وهو ظرف جرى مجرى التعليل من حيث إن الحكم مرتب على ما أضيف إليه فإن قولك أكرمته إذ أكرمنى فى قوة قولك أكرمته لإكرامه إذا أكرمته وقت إكرامه فإنما أكرمته فيه لوجود إكرامه فيه كذا الحال في حيث وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون من العذاب الذى كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء ويقولون فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ٢٧ولقد أهلكتا ما حولكم يا أهل مكة من القرى كحجر ثمود وقرى قوم لوط وصرفنا الآيات كررناها لهم لعلهم يرجعون لكى يرجعوا عما هم فيه من الكفر والمعاصى ٢٨فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون اللّه قربانا آلهة القربان ما يتقرب به إلى اللّه تعالى وأحد مفعولى اتخذوا ضمير الموصول المحذوف والثانى آلهة وقربانا حال والتقدير فهلا نصرهم وخلصهم من العذاب الذين اتخذوهم آلهة حال كونها متقربا بها إلى اللّه تعالى حيث كانوا يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللّه زلفى هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه وفيه تهكم بهم ولا مساغ لجعل قربانا مفعولا ثانيا آلهة بدلا منه لفساد المعنى فإن البدل وإن كان هو المقصود لكنه لا بد في غير بدل الغلط من صحة المعنى فإن البدل وإن كان هو المقصود فلا بد في غير بدل الغلط من صحة المعنى بدونه ولا ريب فى أن قولنا اتخذوهم من دون اللّه قربانا أى متقربا به ما لا صحة له قطعا لأنه تعالى متقرب إليه لا متقرب به فلا يصح أنهم اتخذوهم قربانا متجاوزين اللّه فى ذلك وقرئ قربانا بضم الراء بل ضلوا عنهم أى غابوا عنهم وفيه تهكم آخر بهم كأن عدم نصرهم لغيبتهم أوضاعوا عنهم أى ظهر ضياعهم عنهم بالكلية وقيل امتنع نصرهم امتناع نصر الغائب عن المنصور وذلك أى ضياع آلهتهم عنهم وامتناع نصرهم إفكهم أى إثر إفكهم الذى هو اتخاذهم إياها آلهة ونتيجة شركهم وقرئ إفكهم و كلاهما مصدر كالحذر والحذر وقرئ إفكهم على صيغة الماضى فذلك إشارة حينئذ إلى الاتخاذ أى وذلك الاتخاذ الذى هو ثمرته وعاقبته صرفهم عن الحق وقرئ إفكهم بالتشديد للمبالغة وآفكهم من الأفعال أى جعلهم آفكين وقرئ آفكهم على صيغة اسم الفاعل مضافا إلى ضميرهم أى قولهم الإفك كما يقال قول كاذب وما كانوا يفترون عطف على إفكهم أى وأثر افترائهم على اللّه أو أثر ما كانوا يفترونه عليه تعالى وقرئ وذلك إفك مما كانوا يفترون أى بعض ما كانوا يفترون من الإفك ٢٩وإذ صرفنا إليك نفر من الجن أملناهم إليك وأفبلنا بهم نحوك وقرئ صرفنا بالتشديد للتكثير لأنهم جماعة وهو السر فى جمع الضمير فى قوله تعالى يستمعون القرآن وما بعده وهو حال مقدرة من نفرا لتخصصه بالصفة أو صفة أخرى له أى واذكر لقومك وقت صرفنا إليك نفرا كائنا من الجن مقدرا استماعهم القرآن فلما حضروا أى القرآن عند تلاوته أو الرسول عند تلاوته له على الالتفات والاول هو الأظهر قالوا أى قال بعضهم لبعض انصتوا أى استكنوا لنسمعه فلما قضى أتم وفرغ عن تلاوته وقرئ على البناء للفاعل وهو ضمير الرسول عليه الصلاة و السلام وهذا يؤيد ضمير حضروه إليه عليه الصلاة و السلام ولوا إلى قومهم منذرين مقدرين إنذارهم عند رجوعهم إليهم وروى أن الجن كانت تسترق السمع فلما حرست السماء ورجموا بالشهب ٣٠قالوا ما هذا إلا لنبأ حدث فنهض سبعة نفر أو ستة نفر من أشراف جن نصيبين أو نينوى منهم زوبعة فضربوا حتى بلغو تهامة ثم اندفعوا إلى وادى نخلة فوافوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وهو قائم فى جوف الليل يصلى أو فى صلاة الفجر فاستمعوا لقراءته وذلك عند منصرفه من الطائف وعن سعيد بن جبير ما قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على الجن ولا رآهم وإنما كان يتلوا فى صلاته فمروا به فوقفوا مستمعين وهو لا يشعر بهم فأنبأه اللّه تعالى باستماعهم وقيل بل أمره اللّه تعالى أن ينذر الجن ويقرأ عليهم فصرف إليه نفرا منهم جمعهم له فقال عليه الصلاة و السلام إنى أمرت أن أقرأ على الجن اليلة فمن يتبعنى قالها ثلاثا فأطرقوا إلا عبداللّه بن مسعود رضى اللّه عنه قال فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة في شعب الجحون خط لى خطا فقال لا تخرج منه حتى اعود إليك ثم افتتح القرآن وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته عليه الصلاة و السلام ثم انقطعوا كقطع السحاب فقال لى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هل رأيت شيئا قلت نعم رجالا سودا مستشعرى ثياب بيض فقال أولئك جن نصيبين وكانوا إثنى عشر ألفا والسورة التى قراها عليهم افرأ باسم ربك قالوا أى عند رجوعهم إلى قومهم يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى قيل قالوه لأنهم كانوا على اليهودية وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما أن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام مصدقا لما بين يديه أرادوا به التوراة يهدى إلى الحق من العقائد الصحيحة وإلى طريق مستقيم موصل إليه وهو الشرائع والأعمال الصالحة ٣١يا قومنا أجيبوا داعى اللّه وآمنوا به أراردوا به ما سمعوه من الكتاب وصفوه بالدعوة إلى اللّه تعالى بعدما وصفوه بالهداية إلى الحق والصراط المستقيم لتلازمهما دعوهم إلى ذلك بعد بيان حقيته واستقامته ترغيبا لهم فى الأجابة ثم أكدوه بقولهم يغفر لكم من ذنوبكم أى بعض ذنوبكم وهو ما كان في خالص حق اللّه تعالى فإن حقوق العباد لا تغفر بالإيمان ويجركم من عذاب أليم معد للكفرة واختلف فى أن لهم أجرا غير هذا أولا والأظهر أنهم في حكم بن آدم ثوابا وعقابا وقوله تعالى ٣٢ومن لا يجب داعى اللّه فليس بمعجز في الأرض إيجاب للإجابة بطريق الترهيب إثر إيجابها بطريق الترغيب وتحقيق لكونهم منذرين وإظهار دعى اللّه من غير اكتفاء بأحد الضميرين للمبالغة في الإيجاب بزيادة التقرير وتربية المهابة وإدخال الروعة وتقييد الإعجاز بكونه في الأرض لتوسيع الدائرة أى فليس بمعجز له تعالى بالهرب وإن هرب كل مهرب من أقطارها أو دخل فى أعماقها وقوله تعالى وليس له من دونه أولياء بيان لاستحالة نجاته بواسطة الغير إثر بيان استحالة نجاته بنفسه وجمع الأولياء باعتبار معنى من فيكون من بابا مقابلة الجمع بالجمع لانقسام الآحاد إلى الآحاد كما منا أن الجمع في ق تعالى أولئك بذلك الاعتبار أى أولئك الموصوفون بعدم إجابة داعى اللّه في ضلال مبين أى ظاهر كونه ضلالا بحيث لا يخفى على احد أعرضوا عن إجابة من هذا شانه ٣٣أولم يروا الهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يستدعيه المقام والرؤية قلبية اى ألم يتفكروا ولم يعلموا علما جازما متاخما للمشاهدة والعيان أن اللّه الذى خلق السموات والأرض ابتداء من غير مثال بجتذيه ولا قانون بنتحيه ولم يعى يخلقهن أى لم يتعب ولم ينصب بذلك أصلا أو لم يعجز عنه يقال عييت بالأمر إذا لم يعرف وجهه وقوله تعالى بقادر في حيز الرفع لأنه خبر إن كما ينبىء عنه القراءة بغير باء ووجه دخولها في القراءة الأولى اشتمال النفي الوارد في صدر الآية على ان وما في حيزها كأنه قيل أو ليس اللّه بقادجر على أن يحيى الموتى ولذلك أجيب عنه بقوله تعالى بلى إنه على كل شيء قدير تقريرا للقدرة على وجه عام يكون كالبرهان على المقصود ٣٤ويوم يعرض الذين كفروا على النار ظرف عامله قول مضمر مقوله أليس هذا بالحق على أن الإشارة إلى ما يشاهدونه حينئذ من حيث هو من غير أن يخطر بالبال لفظ يدل عليه فضلا عن تذكيره وتأنيثه إذ هو اللائق بتهويله وتفخيمه وقد مر فى سورة الأحزاب وقيل هى إلى العذاب وفيه تهكم بهم وتوبيخ لهم على استهزائهم بوعد اللّه ووعيده وقولهم وما نحن بمعذبين قالوا بلى وربنا أكد جوابهم بالقسم كأنهم يطمعون فى الخلاص بالاعتراف بحقيتها كما فى الدنيا وأنى لهم ذلك قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون بها فى الدنيا ومعنى الأمر الإهانة بهم والتوبيخ لهم والفاء فى قوله تعالى ٣٥فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل جواب شرط محذوف أى إذا كان عاقبة أمر الكفرة ما ذكر فاصبر على ما يصيبك من جهتهم كما صبر أولوا الثبات والحزم من الرسل فإنك من جملتهم بل من عليتهم ومن للتبيين والمراد بأولى العزم أصحاب الشرائع الذين اجتهدوا فى تأسيسها وتقريرها وصبروا على تحمل مشاقها ومعاداة الطاعنين فيها ومشاهيرهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وقيل هم الصابرون على بلاء اللّه كنوح صبر على اذية قومه كانوا يضربونه حتى يغشى عليه وابراهيم صبر على النار وعلى ذبح ولده والذبيح على الذبح ويعقوب على فقد الولد والبصر ويوسف على الجب والسجن وايوب على الضر وموسى قال له قومه إنا لمدركون قال كلا إن معى ربى سيهدين وداود بكى على خطيئته أربعين سنة وعيسى لم يضع لبنة على لبنة صلوات اللّه تعالى عليهم أجمعين ولا تستعجل لهم أى لكفار مكة بالعذاب فإنه على شرف النزول بهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون من العذاب لم يلبثوا فى الدنيا إلا ساعة يسيرة من نهار لما يشاهدون من شدة العذاب وطول مدته وقوله تعالى بلاغ خبر مبتدأ محذوف أى هذا الذى وعظتم به كفاية فى الموعظة أو تبليغ من الرسول ويؤيده أنه قرئ بلغ وقرئ بلاغا أى بلغوا بلاغا فهل يهلك إلا القوم الفاسقون أى الخارجون عن الاتعاظ به أو عن الطاعة وقرئ بفتح الياء وكسر اللام وبفتحهما من هلك وهلك وبنون العظمة من الاهلاك ونصب القوم ووصفه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قرأ سورة الأحقاف كتب له عشر حسنات بعدد كل رملة فى الدنيا |
﴿ ٠ ﴾