ÓõæÑóÉõ ÇáúÝóÊúÍö ãóÏóäöíøóÉñ

þ æóåöíó ÊöÓúÚñ æóÚöÔúÑõæäó ÂíóÉð

سورة الفتح

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

إنا فتحنا لك فتح البلد عبارة عن الظفر به عنوة أو صلحا بحراب أو بدونه فإنه ما لم يظفر به منغلق مأخوذ من فتح باب الدار وإسناده الى نون العظمة لاستناد أفعال العباد إليه تعالى خلقا وإيجادا والمراد به فتح مكة شرفها اللّه وهو المروى عن أنس رضي اللّه عنه بشر به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عند انصرافه من الحديبية والتعبير عنه بصيغة الماضى على سنن سائر الأخبار الربانية لللإيذان بتحققه لا محالة تأكيدا للتبشير كما أن تصدير الكلام بحرف التحقيق لذلك وفيه من الفخامة المنبئة عن عظمة شان المخبر جل جلاله وعز سلطانه ما لا يخفى

وقيل هو ما أتيح له عليه الصلاة و السلام في تلك السنة من فتح خيبر وهو المروى عن مجاهد

وقيل هو صلح الحديبية فإنه وإن لم يكن فيه حراب شديد بل ترام بين الفريقين بسهام وحجارة لكن لما كان الظهور للمسلمين حيث سألهم المشركون الصلح كان فتحا بلا ريب وروى عن ابن عباس رضي اللّه عنهما رموا المشركين حتى أدخلوهم ديارهم وعن الكلى ظهروا عليهم حتى سألوا الصلح وقد روى أنه عليه الصلاة و السلام حين بلغه أن رجلا قال ما هذابفتح لقد صددنا عن البيت وصد هدينا قال بل هو اعظم الفتوح وقد رضى المشركون أن يدفعوكم بالراح ويسألوكم القضية ويرغبوا إليكم في الأمان وقد رأوا منكم ما يكرهون وعن الشعبي نزلت بالحديبية وأصاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في تلك الغزوة ما لم يصب في غزوة حيث أصاب أن بويع بيعة الرضوان وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وبلغ الهدى محله وأطعموا نخل خيبر وظهرت الروم على فارس ففرح به المسلمون وكان في فتح الحديبية آية عظييمة هي أنه نزح ماؤها حتى لم يبق فيها قطرة فتمضمض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم مجه فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه وشبع

وقيل فجاش الماء حتى امتلأت ولم ينفد ماؤها بعد

وقيل هو جميع ما فتح له عليه الصلاة و السلام من الفتوح

وقيل هو ما فتح اللّه له عليه الصلاة و السلام من الإسلام والنبوة والدعوة بالحجة والسيف ولا فتح أبين منه وأعظم وهو رأس الفتوح كافة إذ لا فتح من فتوح الإسلام إلا وهو شعبة من شعبه وفرع من فروعه

وقيل الفتح بمعنى القضاء ومنه انفتاحة للحكومة والمعنى قضينا لك على أهل مكة أن تدخلها من قابل وهو المروى عن قتادة رضى اللّه عنه وأيا ما كان فحذف المفعول للقصد الى نفس الفعل والإيذان بأن مناط التبشير نفس الفتح الصادر عنه سبحانه لا خصوصية المفتوح فتحا

مبينا بينا ظاهر الأمر مكشوف الحال أو فارقا بين الحق والباطل وقوله تعالى

٢

ليغفر لك اللّه غاية للفتح من حيث أنه مترتب على سعيه عليه الصلاة و السلام في إعلاء كلمة اللّه تعالى بمكابدة مشاق الحروب واقتحام موارد الخطوب والالتفات الى اسم الذات المستتبع لجميع الصفات للإشعار بأن كل واحد مما انتظم في سلك الغاية من أفعاله تعالى صادر عنه تعالى من حيثية غير حيثية الآخر مترتبة على صفة من صفاته تعلى

ما تقدم من ذنبك وما تأخر أى جميع ما فرط منك من ترك الأولى وتسميته ذنبا بالنظر الى منصبه الجليل

ويتم نعمته عليك بإعلاء الدين وضم الملك الى النبوة وغيرهما مما أفاضه عليه من النعم الدينية والدنيوية

ويهديك صراطا مستقيما في تبليغ الرسالة وإقامة مراسم الرياسة وأصل الاستقامة وإن كانت حاصلة قبل الفتح لكن حصل بعد ذلك من اتضاح سبل الحق واستقامة مناهجه مالم يكن حاصلا قبل

٣

وينصرك اللّه إظهار الاسم الجليل لكونه خاتمة الغايات ولإظهار كمال العناية بشأن النصر كما يعرب عنه تأكيده بقوله تعالى

نصرا عزيزا أى نصرا فيه عزة ومنعة أو قويا منيعا على وصف المصدر بوصف صاحبه مجازا للمبالغة أو عزيزا صاحبه

٤

هو الذى أنزل السكينة بيان لما افاض عليهم من مبادىء الفتح من الثبات والطمأنينة أى أنزلها

في قلوب المؤمنين بسبب الصلح والأمن إظهارا لفضله تعالى عليهم بتيسير الأمن بعد الخوف

ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم أى يقينا منضما الى يقينهم أو أنزل فيها السكون الى ما جاء به عليه والصلاة والسلام من الشرائع ليزدادوا إيمانا بها مقرونا مع إيمانهم بالوحدانية واليوم الاخر عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن اول ما أتاهم به النبي صلى اللّه عليه و سلم التوحيد ثم الصلاة والزكاة ثم الحج والجهاد فازدادوا إيمانا مع إيمانهم أو أنزل فيها الوقار والعظمة للّه تعالى ولرسوله ليزدادوا باعتقاد ذلك إيمانا الى إيمانهم

وللّه جنود السموات والأرض يدبر امرها كيفما يريد يسلط بعضها على بعض تارة ويوقع بينهما السلم أخرى حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصاح

وكان اللّه عليما مبالغا في العلم بجميع الأمور

حكيما في تقديره وتدبيره وقوله تعالى

٥

ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها متعلق بما يدل عليه ما ذكر من كون جنود السموات والأرض له تعالى من معنى التصرف والتدبير أى دبر ما دبر من تسليط المؤمنين ليعرفوا نعمة اللّه في ذلك ويشكروها فيدخلهم الجنة

ويكفر عنهم سيئاتهم أى يغطيها ولا يظهرها وتقديم الإدخال في الذكر على التكفير مع ان الترتيب في الوجود على العكس للمسارعة الى بيان ما هو المطلب الأعلى

وكان ذلك أى ما ذكر من الإدخال والتكفير

عند اللّه فوزا عظيما لا يقادر قدره لأنه منتهى ما يمتد إليه أعناق الهمم من جلب نفع ودفع ضر وعند اللّه حال من فوزا لأنه صفته في الأصل فلما قدم عليه صار حالا أى كائنا عند اللّه اى في علمه تعالى وقضائه والجملة اعتراض مقرر لما قبله

٦

ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات عطف على يدخل وفي تقديم المنافقين على المشركين مالا يخفى من الدلالة على أنهم أحق منهم بالعذاب

الظانين باللّه ظن السوء أى ظن الأمر السوء وهو أن لا ينصر رسوله والمؤمنين عليهم دائرة السوء أى ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم وقرىء دائرة السوء بالضم وهما لغتان من ساء كالكره والكره خلا أن المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه من كل شيء وأما المضموم فجار مجرى الشر

وغضب اللّه عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم عطف على ما استحقوه في الآخرة على ما استوجبوه في الدينا والواو في الأخيرين مع أن حقهما الفاء المفيدة لسببية ما قبلها لما بعدها للإيذان باستقلال كل منهما في الوعيد وأصالته من غير اعتبار استتباع بعضها لبعض

وساءت مصيرا أى جهنم

٧

وللّه جنود السموات والأرض وكان اللّه عزيزا حكيما إعادة لما سبق قالوا فائدتها التنبيه على ان للّه تعالى جنود الرحمة وجنود العذاب وأن المراد ههنا جنود العذاب كما ينبىء عنه التعرض لوصف العزة

٨

إنا أرسلناك شاهدا أى على أمتك لقوله تعالى ويكون الرسول عليكم شهيدا

ومبشرا على الطاعة

ونذيرا على المعصية

٩

لتؤمنوا باللّه ورسوله الخطاب للنبي عليه الصلاة و السلام ولأمته

وتزوروه وتقووه بتقوية دينه ورسوله وتوقروه وتعظموه

وتسبحوه وتنزهوه أو تصلوا له من السبحة

بكر وأصيلا غدوة وعشيا عن ابن عباس رضي اللّه عنهما صلاة الفجر وصلاة الظهر وصلاة العصر وقرىء الأفعال الأربعة بالياء التحتانية وقرىء وتعزروه بضم التاء وتخفيف الزاى المكسورة وقرىء بفتح التاء وضم الزاى وكسرها وتعززوه بزاءين وتوقروه من أوقره بمعنى وقره

١٠

إن الذين يبايعونك أى على قتال قريش تحت الشجرة وقوله تعالى

إنما يبايعون اللّه خبران يعنى ان مبايعتك هي مبايعة اللّه عز و جل لأن المقصود توثيق العهد بمراعاة أوامره ونواهيه وقوله تعالى

يد اللّه فوق أيديهم حال أو استئناف مؤكدله على طريقة التخييل والمعنى أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع اللّه تعالى من غير تفاوت بينهما كقوله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع اللّه وقرىء إنما يبايعون اللّه اى لأجله ولوجهه

فمن نكث فإنما ينكث على نفسه أى فمن نقض عهده فإنما يعود ضرر نكثه على نفسه وقرىء بكسر الكاف

ومن أوفى بما عاهد عليه اللّه بضم الهاء فإنه أبقى بعد حذف الواو توسلا بذلك الى تفخيم لامن الجلالة وقرىء بكسرها أى ومن وفى بعهده

فسيؤتيه أجرا عظيما هو الجنة وقرىء بما عهد وقريء فسنؤتيه بنون العظمة

١١

سيقول لك المخلفون من الأعراب هم أعراب غفار ومزينة وجهينة وأشجع وأسلم والديل تخلفوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين استنفر من حول المدينة من الإعراب وأهل البوادى ليخرجوا معه عند إرادته المسير الى مكة عام الحديبية معتمرا حذرا من قريش أن يتعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت وأحرم عليه الصلاة و السلام وساق معه الهدى ليعلم أنه لا يريد الحرب وتثاقلوا عن الخروج وقالوا نذهب الى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فنقاتلهم فأوحى اللّه تعالى اليه عليه الصلاة و السلام بأنهم سيعتلون ويقولون

شغلتنا أموالنا وأهلونا ولم يكن لنا من يخلفنا فيهم ويقوم بمصالحهم ويحميهم من الضياع وقرىء شغلتنا بالتشديد للتكثير

فاستغفر لنا اللّه تعالى ليغفر لنا تخلفنا عنك حيث لم يكن ذلك باختيار بل عن اضطرار

يقولون بألسنتهم ماليس في قلوبهم بدل من سيقول أو استئناف لتكذيبهم في الاعتذار والاستغفار

قل ردا لهم عند اعتذارهم إليك بأباطيلهم

فمن يملك لكم من اللّه شيئا أى فمن يقدر لأجلكم من مشيئته اللّه تعالى وقضائه على شىء من النفع

إن أراد بكم ضرا أى ما يضركم من هلاك الأهل والمال وضياعهما حتى تتخلفوا عن الخروج لحفظهما ودفع الضرر عنهما وقرىء ضرا بالضم

أو أراد بكم نفعا أى ومن يقدر على شيء من الضرر إن أراد بكم ما ينفعكم من حفظ أموالكم وأهليكم فأى حاجة الى التخلف لأجل القيام بحفظهما وهذا تحقيق للحق ورد لهم بموجب ظاهر مقالتهم الكاذبة وتعميم الضر والنفع لما يتوقع على تقدير الخروج من القتل والهزيمة والظفر والغنيمة يرده قوله تعلى

بل كان اللّه بما تعملون خبيرا فإنه إضراب عما قالوا وبيان لكذبه بعد بيان فساده على تقدير صدقه أى ليس الأمر كما تقولون بل كان اللّه خبيرا بجميع ما تعملون من الأعمال التي من جملتها تخلفكم وما هو من مباديه وقوله تعالى

١٢

بل ظننتم الخ بدل من كان الخ مفسر لما فيه من الإبهام أى بل ظننتم

أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا بأن يستأصلهم المشركون بالمرة فخشيتم إن كنتم معهم أن يصيبكم مااصابهم فلأجل

ذلك تخلفتم لا لما ذكرتم من المعاذير الباطلة والأهلون جمع أهل وقد يجمع على أهلات كأرضات على تقديره تاء التأنيث وأما الأهالى فاسم جمع كالليالى وقرىء إلى أهلهم وزين

ذلك في قلوبكم وقبلتموه واشتغلتم بشان أنفسكم غير مبالين بهم وقرىء زين على البناء للفاعل بإسناده الى اللّه سبحانه أو إلى الشيطان

وظننتم ظن السوء المراد به أما الظن الأول والتكرير لتشديد التوبيخ والتسجيل عليه بالسوء أو ما يعمه وغيره من الظنون الفاسدة التي من جملتها الظن بعدم صحة رسالته عليه الصلاة و السلام فإن الجازم بصحتها لا يحوم حول فكره ما ذكر من الاستئصال

وكنتم قوما بورا أى هالكين عند اللّه مستوجبين لسخطه وعقابه على أنه جمع بائر كعائذ وعوذ أو فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونياتكم لاخير فيكم

وقيل البور من بار كالهلك من ملك بناء ومعنى لذلك وصف به الواحد والجمع المذكر والمؤنث

١٣

ومن لم يؤمن باللّه ورسوله كلام مبتدأ من جهته تعالى غير داخل في الكلام الملقن مقرر لبوارهم ومبين لكيفيته أى ومن لم يؤمن بهما كدأب هؤلاء المخلفين

فإنا اعتدنا للكافرين سعيرا أى لهم وإنما وضع موضع الضمير الكافرون إيذانا بأن من لم يجمع بين الإيمان باللّه وبرسوله فهو كافر وأنه مستوجب للسعير بكفره وتنكير سعيرا للتهويل أو لأنها نار مخصوصة

١٤

وللّه ملك السموات والأرض وما فيهما يتصرف في الكل كيف يشاء

يغفر لمن يشاء أن يغفر له ويعذب من يشاء أن يعذبه من غير دخل لاحد في شيء منهما وجودا وعدما وفيه حسم لأطماعهم الفارغة في استغفاره عليه الصلاة و السلام لهم

وكان اللّه غفورا رحيما مبالغا في المغفرة والرحمة لمن يشاء ولا يشاء إلا لمن تقتضى الحكمة مغفرته ممن يؤمن به وبرسوله وأما من عداه من الكافرين فهم بمعزل من ذلك قطعا

١٥

سيقول المخلفون أى المذكورون وقوله تعالى

إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ظرف لما قبله لا شرط لما بعده أى سيقولون عند انطلاقكم الى مغانم خيبر لتحوزوها حسبما وعدكم إياها وخصكم بها عوضا مما فاتكم من غنائم مكة

ذرونا نتبعكم الى خيبر ونشهد معكم قتال أهلها

يريدون ان يبدلوا كلام اللّه بأن يشاركوا في الغنائم التى خصها باهل الحديبية فإنه عليه الصلاة و السلام رجع من الحديبية فى ذي الحجة من سنة ست وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم من سنة سبع ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها وغنم أموالا كثيرة فخصها بهم حسبما أمره اللّه عز و جل وقرىء كلم اللّه وهو جمع كلمة وأياما كان فالمراد ما ذكر من وعده تعالى غنائم خيبر لأهل الحديبية خاصة لا قوله تعالى لن تخرجوا معى أبدا فإن ذلك في غزوة تبوك قل إقناطا لهم لن تتبعونا أى لا تتبعونا فإنه نفي معنى النهى للمبالغة

كذلكم قال اللّه من قبل أى عند الأنصراف من الحديبية فسيقولون للمؤمنين عند سماع هذا النهى بل تحسدوننا أى ليس ذلك النهى حكم اللّه بل تحسدوننا أن نشارككم في الغنائم وقرىء تحسدوننا بكسر السين وقوله تعالى

بل كانوا لا يفقهون أى لا يفهون

إلا قليلا إلا فهما قليلا وهم فطنتهم لأمرور الدينا رد لقولهم الباطل ووصف لهم بما هو اعظم من الحسد وأطم من الجهل المفرط وسوء الفهم في أمور الدين

١٦

قل للمخلفين من الأعراب كرر ذكرهم بهذا العنوان مبالغة في ذمهم

ستدعون إلى قوم اولى بأس شديد هم بنو حنيفة قوم مسيلمة الكذاب أو غيرهم ممن ارتدوا بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أو المشركون لقوله تعالى

تقاتلونهم أو يسلمون أي يكون أحد الأمرين أما المقاتلة أبدا أو الإسلام لا غير كما يفصح عنه قراءة أو يسلموا وأمامن عداهم فينتهى قتالهم بالجزية كما ينتهي بالإسلام وفيه دليل على أمامة أبي بكر رضي اللّه عنه إذ لم تتفق هذه الدعوة لغيره إلا إذا صح أنهم ثقيف وهوازن فإن ذلك كان في عهد النبوة فيخص دوام نفى الاتباع بما في غزوة خيبر كما قاله محيى السنة

وقيل هم فارس والروم ومعنى يسلمون ينقادون فإن الروم نصارى وفارس مجوس يقبل منهم الجزية

فإن تطيعوا يؤتكم اللّه أجرا حسنا هو الغنيمة في الدنيا والجنة في الآخرة

وإن تتولوا عن الدعوة

كما توليتم من قبل في الحديبية

يعذبكم عذابا أليما لتضاعف جرمكم

١٧

ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج أى في التخلف عن الغزو لما بهم من العذر والعاهة فإن التكلف يدور على الاستطاعة وفي نفى الحرج عن كل من الطوائف المعدودة مزيد اعتناء بأمرهم وتوسيع لدائرة الرخصة

ومن يطع اللّه ورسوله فيما ذكر من الأوامر النواهى

يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار وقرىء ندخلة بنون العظمة

ومن يتول أى عن الطاعة

يعذبه وقرىء بالنون

عذابا أليما لا يقدر قدره

١٨

لقد رضى اللّه عن المؤمنين هم الذين ذكر شأن مبايعتهم وبهذه الآية سميت بيعة الرضوان وقوله تعالى

إذ يبايعونك تحت الشجرة منصوب برضى وضيغة المضارع لاستحضار صورتها وتحت الشجرة متعلق به أو بمحذوف هو حال من مفعوله روى أنه عليه الصلاة و السلام لما نزل الحديبية بعث خراش بن أمية الخزاعى رسولا االى اهل مكة فهموا به فمنعه الأحابيش فرجع فبعث عثمان بن عفان رضى اللّه عنه فأخبرهم أنه عليه الصلاة و السلام لم يأت لحرب وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته فوقروه وقالوا إن شئت أن تطوف بالبيت فافعل فقال ما كنت لأطوف قبل أن يطوف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم واحتبس عندهم فأرجف بأنهم قتلوه فقال عليه الصلاة و السلام لا نبرح حتى نناجز القوم ودعا الناس الى البيعة فبايعوه تحت الشجرة وكانت سمرة

وقيل سدرة على أن يقاتلوا قريشا ولا يفروا وروى على الموت دونه وأن لا يفروا فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنتم اليوم خير أهل الأرض وكانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين

وقيل ألفا وأربعمائة

وقيل ألفا وثلثمائة وقوله تعالى

فعلم ما في قلوبهم عطف على يبايعونك لما عرفت من أنه بمعنى بايعوك لاعلى رضى فإن رضاه تعالى عنهم مترتب على علمه تعالى بما في قلوبهم من الصدق والإخلاص عند مبايعتهم له صلى اللّه عليه و سلم وقوله تعالى

فأنزل السكينة عليهم عطف على رضى أى فأنزل عليهم الطمأنينة والأمن وسكون النفس بالربط على قلوبهم

وقيل بالصلح

وأثابهم فتحا قريبا هو فتح خيبر عقب انصرافهم من الحديبية كما مر تفصيله وقرىء وآتاهم

١٩

ومغانم كثيرة يأخذونها أى مغانم خيبر والالتفات إلى الخطاب على قراءة الأعمش وطلحة ونافع لتشريفهم في مقام الامتنان

وكان اللّه عزيزا غالبا

حكيما مراعيا لمقتضى الحكمة فى أحكامه وقضاياه

٢٠

وعدكم اللّه مغانم كثيرة هى ما يفيؤه على المؤمنين إلى يوم القيامة

تأخذونها فى أوقاتها المقدرة لكل واحدة منها

فعجل لكم هذه أى غنائم خيبر

وكف أيدى الناس عنكم أى أيدى أهل خيبر وحلفائهم من بنى أسد وغطفان حيث جاءوا لنصرتهم فقذف اللّه فى قلوبهم الرعب فنكصوا

وقيل أيدى أهل مكة بالصلح

ولتكون آية للمؤمنين أمارة يعرفون بها صدق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وعده إياهم عند رجوعه من الحديبية ما ذكر من المغانم وفتح مكة ودخول المسجد الحرام واللام متعلقة أما بمحذوف مؤخر أى ولتكون آية لهم فعل ما فعل من التعجيل والكف أو بما تعلق به علة أخرى محذوفة من أحد الفعلين أى فعجل لكم هذه أو كف أيدى الناس لتغتنموها ولتكون الخ فالواو على الأول اعتراضية وعلى الثانية عاطفة

ويهديكم بتلك الآية

صراطا مستقيما هو الثقة بفضل اللّه تعالى والتوكل عليه فى كل ما تأتون وما تذرون

٢١

وأخرى عطف على هذه أى فعجل لكم هذه المغانم ومغانم أخرى

لم تقدروا عليها وهى مغانم هوازن فى غزوة حنين ووصفها بعدم القدرة عليها لما كان فيها من الجولة قبل ذلك لزيادة ترغيبهم فيها وقوله تعالى

قد أحاط اللّه بها صفة أخرى لأخرى مفيدة لسهولة تأتيها بالنسبة إلى قدرته تعالى بعد بيان صعوبة منالها بالنظر إلى قدرتهم أى قد قدر اللّه عليها واستولى وأظهركم عليها

وقيل حفظها لكم ومنعها من غيركم هذا وقد قيل إن أخرى منصوب بمضمر يفسره قد أحاط اللّه بها أى وقضى اللّه أخرى ولا ريب فى أن الاخبار بقضاء اللّه إياها بعد اندراجها فى جملة المغانم الموعودة بقوله تعالى وعدكم مغانم كثيرة تأخذونها ليس فيه مزيد فائدة وإنما الفائدة فى بيان تعجيلها

وكان اللّه على كل شئ قدير لأن قدرته تعالى ذاتية لا تختص بشئ دون شئ

٢٢

ولو قاتلكم الذين كفروا أى أهل مكة ولم يصالحوكم

وقيل حلفاء خيبر

لولوا الأدبار منهزمين

ثم لا يجدون وليا يحرسهم

ولا نصيرا ينصرهم

٢٣

سنة اللّه التي قد خلت من قبل أى سن اللّه غلبة أنبيائه سنة قديمة فيمن مضى من الأمم

ولن تجد لسنة اللّه تبديلا أى تغييرا

٢٤

وهو الذى كف أيديهم أى أيدى سفار مكة

عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة أى فى داخلها

من بعد أن أظفركم عليهم وذلك أن عكرمة بن أبى جهل خرج فى خمسمائة إلى الحديبية فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خالد بن الوليد على جند فهزمهم حتى ادخلهم حيطان مكة ثم عاد

وقيل كان يوم الفتح وبه استشهد أبو حنيفة على أن مكة فتحت عنوة لا صلحا

وكان اللّه بما تعملون من مقاتلتهم وهزمهم أولا والكف عنهم ثانيا لتعظيم بيته الحرام وقرئ بالياء

بصيرا فيجازيكم بذلك أو يجازيهم

٢٥

هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى بالنصب عطفا على الضمير المنصوب فى صدوركم وقرئ بالجر عطفا على المسجد بحذف المضاف أى ونحر الهدى وبالرفع على وصد الهدى وقوله تعالى

معكوفا حال من الهدى أى محبوسا وقوله تعالى

أن يبلغ محله بدل اشتمال من الهدى أو منصوب بنزع الخافض أى محبوسا من ان يبلغ مكانه الذى يحل فيه نحره وبه استدل أبو حنيفة رحمه اللّه تعالى على أن المحصر محل هديه الحرم قالوا بعض الحديبية من الحرم وروى أن خيامه صلى اللّه عليه و سلم كانت فى الحل ومصلاه فى الحرم وهناك نحرت هداياه صلى اللّه عليه و سلم والمراد صدها عن محلها المعهود الذى هو منى

ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم وهو صفة لرجال ونساء وقوله تعالى

أن تطؤوهم أى توقعوا بهم وتهلكوهم بدل اشتمال منهم أو من الضمير المنصوب فى تعلموهم

فتصيبكم منهم أى من جهتهم

معرة أى مشقة ومكروه كوجوب الدية أو الكفارة بقتلهم والتأسف عليهم وتعيير الكفار وسوء قالتهم والإثم بالتقصير فى البحث عنهم وهى مفعلة من عره إذا عراه ودهاه ما يكرهه

بغير علم متعلق بأن تطؤهم أي غير عالمين بهم وجواب لولا محذوف لدلالة الكلام عليه والمعنى لولا كراهة أن تهلكوا ناسا مؤمنين بين الكافرين غير عالمين بهم فيصيبكم بذلك مكروه لما كف أيدييكم عنهم وقوله تعالى

ليدخل اللّه في رحمته متعلق بما يدل عليه الجواب المحذوف كأنه قيل عقيبة لكن كفها عنهم ليدخل بذلك الكف المؤدى الى الفتح بلا محذور في رحمته الواسعة بقسميها

من يشاء وهم المؤمنون فإنهم كانوا خارجين من الرحمة الدنيوية التي من جملتها الأمن مستضعفين تحت أيدى الكفرة وأما الرحمة الأخروية فهم وإن كانوا غير محرومين منها بالمرة لكنهم كانوا قاصرين في إقامة مراسم العبادة كما ينبغي فتوفيقهم لإقامتها على الوجه الأتم إدخال لهم في الرحمة الأخروية وقد جوز أن يكون من يشاء عبارة عمن رغب في الإسلام من المشركين ويأباه قوله تعالى

لو تزيلوا الخ فإن فرض التزيل وترتيب التعذيب عليه يقتضى تحقق الباينة بين الفريقين بالإيمان والكفر قبل التزيل حتما أي لو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض وقرىء لو تزايلوا

لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما بقتل مقاتلتهم وسبى ذرايهم والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها

٢٦

إذ جعل الذين كفروا منصوب باذكر على المفعولية أو بعذابنا على الظرفية

وقيل بمضمر هو احسن اللّه إليكم وأيا ما كان فوضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز الصلة وتعليل الحكم به والجعل أما بمعنى الإلقاء فقوله تعالى

في قلوبهم الحمية أى الأنفة والتكبر متعلق به أو بمعنى التصيير فهو متعلق بمحذوف هو مفعول ثان له أى جعلوها ثابتة راسخة في قلوبهم

حمية الجاهلية بدل من الحمية أى حمية الملة الجاهلية أو الحمية الناشئة من الجاهلية وقوله تعالى

فأنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين على الأول عطف على جعل والمراد تذكير حسن صنيع الرسول صلى اللّه عله وسلم والمؤمنين بتوفيق اللّه تعالى وسوء صنيع الكفرة وعلى الثاني على ما يدل عليه الجملة الامتناعية كأنه قيل لم يتزيلوا فلم نعذب فأنزل الخ وعلى الثالث على المضمر تفسير له والسكينة الثبات والوقار يروى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما نزل الحديبية بعث قريش سهيل بن عمرو القرشي وحويطب بن عبد العزى ومكرز ابن حفص بن الأحنف عل ان يعرضوا على النبي صلى اللّه عليه و سلم أن يرجع من عامه ذلك على أن تخلى له قريش مكة من العام القابل ثلاثة أيام ففعل ذلك وكتبوا بينهم كتابا فقال عليه الصلاة و السلام لعلى رضى اللّه عنه اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم فقالوا ما نعرف ما هذا اكتب باسمك اللّهم ثم قال اكتب هذا ما صالح عليه رسول اللّه أهل مكة فقالوا لو كنا نعلم أنك رسول اللّه ما صددناك عن البيت وما قاتلناك أكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد اللّه أهل مكة فقال صلى اللّه عليه و سلم اكتب ما يريدون فهم المؤمنون ان يأبوا ذلك ويبطشوا بهم فأنزل اللّه السكينة عليهم فتوقروا وحلموا

وألزمهم كلمة التقوى أى كلمة الشهادة أو بسم اللّه الرحمن الرحيم أو محمد رسول اللّه

وقيل كلمة التقوى هي الوفاء بالعهد والثبات عليه وإضافتها الى التقوى لأنها سبب التقوى وأساسها أو كلمة أهلها

وكانوا أحق بها متصفين بمزيد استحقاق لها على أن صيغة التفضيل للزيادة مطلقا

وقيل أحق بها من الكفار

وأهلها اى المستأهل لها

وكان اللّه بكل شيء عليما فيعلم حق كل شيء فيسوقه الى مستحقه

٢٧

لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قبل خروجه الى الحديبية كأنه وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا رؤسهم وقصروا فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا واستبشروا وحسبوا أنهم داخلوها في عامهم فلما تأخر ذلك قال عبد اللّه بن أبي وعبد اللّه بن نفيل ورفاعة بن الحرث واللّه ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام فنزلت أى صدقه صلى اللّه عليه و سلم في رؤياه كما في قولهم صدقنى سن بكره وتحقيقه أراه الرؤيا الصادقة وقوله تعالى

بالحق أما صفة لمصدر مؤكد محذوف أى صدقا ملتبسا بالحق أى بالغرض الصحيح والحمكة البالغة اليت هي التمييز بين الراسخ في الإيمان والمتزلزل فيه أو حال من الرؤيا أى ملتبسة بالحق ليست من قبيل أضغاث الأحلام وقد جوز أن يكون قسما بالحق الذي هو من اسماء اللّه تعالى أو بنقيض الباطل وقوله تعالى

لتدخلن المسجد الحرام جوابه وهو على الأولين جواب قسم محذوف أى واللّه لتدخلن الخ وقوله تعالى

إن شاء اللّه تعليق للعدة بالمشيئة لتعليم العباد أو للإشعار بأن بعضهم لا يدخلونه لموت أو غيبة أو غير ذلك أو هي حكاية لما قاله ملك الرؤيا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أول لما قاله عليه الصلاة و السلام لأصحابه

آمنين حال من فاعل لتدخلن والشرط معترض وكذا قوله تعالى

محلقين رؤسكم ومقصرين أى محلقا بعضكم ومقصرا آخرون

وقيل محلقين حال من ضمير آمنين فتكون متداخلة

لا تخافون حال مؤكدة من فاعل لتدخلن أو آمنن أو محلقين أو مقصرين أو استئناف أى لا تخافون بعد ذلك فعلم مالم تعلموا عطف على صدق والمراد بعلمه تعالى العلم الفعلى المتعلق بامر حادث بعد المعطوف عليه أى

فعلم عقيب ما اراه الرؤيا الصادقة

مالم تعلموا من الحكمة الداعية الى تقديم ما يشهد بالصدق علما فعليا

فجعل لأجله

من دون ذلك أى من دون تحقق مصداق ما رآه من دخول المسجد الحرام الخ

فتحا قريبا وهو فتح خيبر والمراد بجعله وعده وإنجازه من غير تسويف ليستدل به على صدق الرؤيا حسبما قال ولتكون آية للمؤمنين وأما جعل ما في قوله تعالى ما لم تعلموا عبارة عن الحكمة في تأخير فتح مكة الى العام القابل كما جنح إليه الجمهور فتأباه الفاء فإن علمه تعالى بذلك متقدم على إراءة الرؤيا قطعا

٢٨

هو الذى أرسل رسوله بالهدى أى ملتبسا به أو بسببه ولأجله

ودين الحق وبدين الإسلام

ليظهره على الدين كله ليعليه على جنس الدين بجميع أفراده التي هى الأديان المختلفة بنسخ ما كان حقا من بعض الأحكام المتبدلة بتبدل الأعصار وإظهار بطلان ما كان باطلا أو بتسليط المسلمين على اهل سائر الأديان إذ ما من أهل دين إلا وقد قهرهم المسلمون وفيه فضل تأكيد لما وعد من الفتح وتوطين لنفوس المؤمنين على انه سبحانه سيفتح لهم من البلاد ويتيح لهم من الغلبة على الأقاليم ما يستقلون إليه فتح مكة

وكفى باللّه شهيدا على ان ما وعده كائن لا محالة أو على نبوته عليه الصلاة و السلام بإظهار المعجزات محمد خبر مبتدأ محذوف وقوله تعالى رسول اللّه بدل أو بيان أو نعت أى ذلك الرسول المرسل بالهدى ودين الحق

٢٩

محمد رسول اللّه وقيل محمد مبتدأ رسول اللّه خبره والجملة مبينة للمشهود به وقوله تعالى

والذين معه مبتدأ خبره

أشداء على الكفار رحماء بينهم وأشداء جمع شديد ورحماء جمع رحيم والمعنى أنهم يظهرون لمن خالف دينهم الشدة والصلابة ولمن وافقهم في الدين الرحمة والرافة كقوله تعالى أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين وقرىء أشداء ورحماء بالنصب على المدح أو على الحال من المستكن في معه لوقوعه صلة فالخبر حينئذ قوله تعالى

تراهم ركعا سجدا أى تشاهدهم حال كونهم راكعين ساجدين لمواظبتهم على الصلوات وهو على الأول خبر آخر أو استئناف وقوله تعالى

يبتغون فضلا من اللّه ورضوانا أى ثوابا ورضا أما خبر آخر أو حال من ضمير تراهم أو من المستتر في ركعا سجدا أو استئنافا مبنى على سؤال نشأ من بيان مواظبتهم على الركوع والسجود كانه قيل ماذا يريدون بذلك فقيل يبتغون فضلا من اللّه الخ

سيماهم أى سمتهم وقرىء سيمياؤهم بالياء بعد الميم والمد وهما لغتان وفيها لغة ثالثة هي السيماء بالمد وهو مبتدأ خبره

في وجوههم أى في جباههم وقوله تعالى

من أثر السجود حال من المستكن في الجار أى من التأثير الذى يؤثره كثرة السجود وما روى عن النبي صلى اللّه عليه و سلم من قوله عليه الصلاة و السلام لا تعبدوا صوركم أى لا تسموها إنما هو فيما إذا اعتمد بجبهته على الأرض ليحدث فيها تلك السمة و

ذلك محض رياء ونفاق والكلام فيما حدث في جبهة السجاد الذى لا يسجد إلا خالصا لوجه اللّه عز و جل كان الإمام زين العابدين وعلى بن عبد اللّه بن العباس رضى عنهما يقال لهما ذو الثفنات لما أحدثت كثرة سجودهما في مواقعه منهما أشباه ثفنات البعير قال قائلهم ديار على والحسين وجعفر وحمزة والسجاد ذى الثفنات

وقيل صفرة الوجه من خشية اللّه تعالى

وقيل ندى الطهور وتراب الأرض

وقيل استنارة وجوههم من طول ما صلوا بالليل قال عليه الصلاة و السلام من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار وقرىء من آثار السجود ومن إثر السجود بكسر الهمزة ذلك إشارة الى ما ذكر من نعوتهم الجليلة وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان بعلو شانه وبعد منزلته في الفضل وهو مبتدأ خبره قوله تعالى

مثلهم أى وصفهم العجيب الشأن الجارى في الغرابة مجرى الأمثال وقوله تعالى

في التوارة حال من مثلهم والعامل معنى الإشارة وقوله تعالى

ومثلهم في الإنجيل عطف على مثلهم الأول كأنه قيل ذلك مثلهم في التوراة والإنجيل وتكرير مثلهم لتأكيد غرابته وزيادة تقريرها وقوله تعالى

كزرع أخرج شطأه الخ تمثيل مستأنف أى هم كزرع أخرج فراخه

وقيل هو تفسير لذلك على انه إشارة مبهمة

وقيل خبر لقوله تعالى ومثلهم في الإنجيل على ان الكلام قد تم عند قوله تعالى مثلهم في التوراة وقرىء شطأه بفتحات وقرىء شطاه بفتح الطاء وتخفيف الهمزة وشطاءه بالمد وشطه بحذف الهمزة ونقل حركتها الى ما قبلها وشطوه بقلبها واو فآزره فقواه من المؤازرة بمعنى المعاونة أو من الإيزار وهى الإعانة وقرىء

فأزره بالتخفيف وأزره بالتشديد أى شد أزره وقوله تعالى

فاستغلظ فصار غليظا بعد ما كان دقيقا

فاستوى على سوقه فاستقام على قصبه جمع ساق وقرىء سؤقه بالهمزة يعجب الزراع بقوته وكثافته وغلطة وحسن منظره وهو مثل ضربه اللّه عز و جل لأصحابه عليه الصلاة والصلام قلوا في بدء الإسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى أمرهم يوما فيوما بحيث أعجب الناس

وقيل مكتوب فى الإنجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وقوله تعالى ليغيظ بهم الكفار علة لما يعرب عنه الكلام من تشبههم بالزرع فى زكائه واستحكامه أو لما بعده من قوله تعالى

وعد اللّه الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما فإن الكفار إذا سمعوا بما أعد للمؤمنين فى الآخرة مع ما لهم فى الدنيا من العزة غاظهم ذلك أشد غيظ ومنهم للبيان عن النبى صلى اللّه عليه و سلم من قرأ سورة الفتح فكأنما كان ممن شهد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فتح مكة

﴿ ٠