ÓõæÑóÉõ ÇáúÍõÌõÑóÇÊö ãóÏóäöíøóÉñ

þæóåöíó ËóãóÇäöíó ÚóÔóÑóÉó ÂíóÉð

سورة الحجرات

سورة الحجرات مدنية وآياتها ثمانى عشرة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

يا أيها الذين آمنوا تصدير الخطاب بالنداء لتنبيه المخاطبين على أن ما فى حيزه أمر خطير يستدعى مزيد اعتنائهم بشأنه وفرط اهتمامهم بتقليه ومراعاته ووصفه بالايمان لتنشيطهم والإيذان بأنه داع إلى المحافظة عليه ووازع عن الإخلال به

لا تقدموا أى لا تفعلوا التقديم على أن ترك المفعول للقصد إلى نفس الفعل من غير اعتبار تعلقه بأمر من الأمور على طريقة قولهم فلان يعطى ويمنع أى يفعل الإعطاء والمنع أو لا تقدموا أمرا من الأمور على أن حذف المفعول للقصد إلى تعميمه والأول أو فى بحق المقام لإفادته النهى عن التلبس بنفس الفعل الموجب لانتفائه بالكلية المستلزم لانتفاء تعلقه بمفعوله بالطريق البرهانى وقد جوز أن يكون التقديم بمعنى التقدم ومنه مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة ويعضده قراءة من قرأ لا تقدموا بحذف إحدى التاءين من تتقدموا وقرئ لا تقدموا من القدوم وقوله تعالى

بين يدى اللّه ورسوله مستعار مما بين الجهتين المسامتتين ليدى الإنسان تهجينا لما نهوا عنه والمعنى لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكما به

وقيل المراد بين يدى رسول اللّه وذكر اللّه تعالى لتعظيمه والإيذان بجلالة محله عنده عز و جل

وقيل نزل فيما جرى بين أبى بكر وعمر رضى اللّه عنهما لدى النبى صلى اللّه عليه و سلم فى تامير الأقرع بن حابس أو القعقاع بن معبد

واتقوا اللّه فى كل ما تأتون وما تذرون من الأقوال والأفعال التى من جملتها ما نحن فيه

إن اللّه سميع لأقوالكم

عليم بأفعالكم فمن حقه أن يتقى ويراقب

٢

يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي شروع فى النهى عن التجاوز فى كيفية القول عند النبى عليه الصلاة و السلام بعد النهى عن التجاوز فى نفس القول والفعل وإعادة النداء مع قرب العهد به للمبالغة فى الإيقاظ والتنبيه والإشعار باستقلال كل من الكلامين باستدعاء الاعتناء بشأنه أى لا تبلغوا بأصواتكم وراء حد يبلغه عليه الصلاة و السلام بصوته وقرئ لا ترفعوا بأصواتكم على أن الباء زائدة

ولا تجهروا له بالقول إذا كلمتموه

كجهر بعضكم لبعض أى جهرا كائنا كالجهر الجارى فيما بينكم بل اجعلوا صوتكم أخفض من صوته عليه الصلاة و السلام وتعهدوا فى مخاطبته اللين القريب من الهمس كما هو الدأب عند مخاطبة المهيب المعظم وحافظوا على مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها

وقيل معنى لا لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض لا تقولوا له يا محمد يا أحمد وخاطبوه بالنبوة قال ابن عباس رضى اللّه عنهما لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر يا رسول اللّه واللّه لا أكلمك إلا السرار أو أخا السرارحتى ألقى اللّه تعالى وعن عمر رضى اللّه عنه أنه كان يكلمه عليه الصلاة و السلام كأخى السرار لا يسمعه حتى يستفهمه وكان أبو بكر رضى اللّه عنه إذا قدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الوفود أرسل إليهم من يعلمهم كيف يسلمون ويأمرهم بالسكينة والوقار عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وقوله تعالى

أن تحبط أعمالكم أما علة للنهى أى لا تجهروا خشية أن تحبط أو كراهة أن تحبط كما فى قوله تعالى يبين اللّه لكم أن تضلوا أو للمنهى أى لا تجهروا لأجل الحبوط فإن الجهر حيث كان بصدد الأداء الى الحبوط فكأنه فعل لأجله على طريقة التمثيل كقوله تعالى ليكون لهم عدوا و حزنا وليس المراد بما نهى عنه من الرفع والجهر ما يقارنه الاستخفاف والاستهانة فإن ذلك كفر بل ما يتوهم أن يؤدي الى مما يجرى بينهم في أثناء المحاوره من الرفع والجهر حسبما يعرب عنه قوله تعالى كجهر بعضكم

لبعض خلا أن رفع الصوت فوق صوته عليه الصلاة و السلام لما كان منكرا محضا لم يقيد بشىء ولا ما يقع منهما في حرب أو مجادلة معاند أو إرهاب عدو أو نحو ذلك وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وكان في أذنه وقر وكان جهورى الصوت وربما كان يكلم رسول اللّه صلى اللّه عل وسلم فيتأذى بصوته وعن أنس رضى اللّه عنه أنه لما نزلت الآية فقد ثابت وتفقده عليه الصلاة و السلام فأخبر بشأنه فدعاه فسأله فقال يا رسول اللّه لقد أنزلت إليك هذه الآية وإني رجل جهير الصوت فأخاف أن يكون عملى قد حبط فقال له عليه الصلاة و السلام لست هناك إنك تعيش بخير وتموت بخير وإنك من أهل الجنة وأماما يروى عن الحسن من انها نزلت في بعض المنافقين الذين كانوا يرفعون أصواتهم فوق صوته عليه الصلاة و السلام فقد قيل محمله أن نهيهم مندرج تحت نهى المؤمنين بدلالة النص

وأنتم لا تشعون حال من فاعل تحبط أى والحال أنكم لا تشعرون بحبوطها وفيه مزيد تحذير مما نهوا عنه وقوله تعالى

٣

إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول اللّه الخ ترغيب في الانتهاء عما نهوا عنه بعد الترهيب عن الإخلال به أى يخفضونها مراعة للأدب أو خشية من مخالفة النهى

أولئك إشارة الى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه لما مر مرار من تفخيم شانه وهو مبتدأ خبره

الذين امتحن اللّه قلوبهم للتقوى أى جربها للتقوى ومرنها عليها أو عرفها كائنة للتقوى خالصة لها فإن الإمتحان سبب المعرفة واللام صلة لمحذوف أو للفعل باعتبار الأصل أو ضرب قلوبهم بضروب المحن والتكاليف الشاقة لأجل التقوى فإنها لا تظهر إلا بالإصطبار عليها أو أخلصها للتقوى من امتحن الذهب إذا أذابه وميز إبر يزه من خبثه وعن عمر رضى اللّه عنه أذهب عنها الشهوات

لهم فى الآخرة

مغفرة عظيمة لذنوبهم

وأجر عظيم لا يقادر قدره والجملة أما خبر آخر لأن كالمجملة المصدرة باسم الإشارة أو استئناف لبيان جزائهم إحمادا لحالهم وتعريضا بسوء حال من ليس مثلهم

٤

إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أى من خارجها من خلفها أو قدامها ومن ابتدائية دالة على ان المناداة نشات من جهة الوراء وأن المنادى داخل الحجرة لوجوب اختلاف المبدأ والمنتهى بحسب الجهة بخلاف ما لو قيل ينادونك وراء الحجرات وقرىء الحجرات بفتح الجيم وبسكونها وثلاثتها جمع حجرة وهى القطعة من الأرض المحجورة بالحائط ولذلك يقال لحظيرة الإبل حجرة وهي فعلة من الحجر بمعنى مفعول كالغرفة والقبضة والمراد بها حجرات أمهات المؤمنين ومناداتهم من ورائها أما بانهم أتوها حجرة حجرة فنادوه عليه الصلاة و السلام من ورائها أو بانهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له عليه الصلاة و السلام فنادوه بعض من وراء هذه وبعض من وراء تلك فأسند فعل الأبعاض الى الكل وقد جوز أن يكونوا قد نادوه من وراء الحجرة التي كان عليه الصلاة و السلام فيها ولكنها جمعت إجلال له عليه الصلاة و السلام

وقيل إن الذى ناداه عيينة بن حصن الفزارى والأقرع بن حابس وفدا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في سبعين رجلا من بنى تميم وقت الظهيرة وهو راقد فقالا يا محمد أخرج إلينا وإنما أسند النداء الى الكل لأنهم رضوا بذلك أو أمروا به لأنه وجد فيما بينهم

أكثرهم لا يعقلون إذ لو كان لهم عقل لما تجاسروا على هذه المرتبة من سوء الأدب

٥

ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم أى ولو تحقق صبرهم وانتظارهم حتى تخرج إليهم فإن أن وإن دلت بما فى حيزها على المصدر لكنها تفيد بنفسها التحقق والثبوت الفرق البين بين قولك بلغني قيامك وبلغني أنك قائم وحتى تفيد أن الصبر ينبغى أن يكون مغيا بخروجه عليه الصلاة و السلام فإنها مختصة بما هو غاية للشئ فى نفسه ولذلك تقول أكلت السمكة حتى رأسها ولا تقول حتى نصفها أو ثلثها بخلاف إلى فإنها عامة وفى إليهم إشعار بأنه لو خرج لا لأجلهم ينبغى أن يصبروا حتى يفاتحهم بالكلام أو يتوجه إليهم

لكان أى الصبر المذكور

خيرا لهم من الاستعجال لما فيه من رعاية حسن الادب وتعظيم الرسول الموجبين للثناء والثواب والإسعاف بالمسؤل إذ روى أنهم وفدوا شافعين فى أسارى بنى العنبر فأطلق النصف وفادى النصف

واللّه غفور رحيم بليغ المغفرة والرحمة واسعهما فلن يضيق ساحتهما عن هؤلاء إن تابوا وأصلحوا

٦

يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أى فتعرفوا وتفحصوا روى أنه عليه الصلاة و السلام بعث الوليد ابن عقبة أخا عثمان رضى اللّه عنه لأمه مصدقا إلى بنى المصطلق وكان بينه وبينهم أحنة فلما سمعوا به استقبلوه فحسب أنهم مقاتلوه فرجع وقال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد ارتدوا ومنعوا الزكاة فهم عليه الصلاة و السلام بقتالهم فنزلت

وقيل بعث إليهم خالد بن الوليد فوجدهم منادين بالصلاة متهجدين فسلموا إليه الصدقات فرجع وفى ترتيب الأمر بالتبين على فسق المخبر إشارة إلى قبول خبر الواحد العدل فى بعض المواد وقرئ فتثبتوا أى توقفوا إلى أن يتبين لكم الحال أن تصيبوا حذارا

أن تصيبوا قوما بجهالة ملتبسين بجهالة حالهم

فتصبحوا بعد ظهور براءتهم عما أسند إليهم

على ما فعلتم فى حقهم

نادمين مغتمين غما لازما متمنين أنه لم يقع فإن تركيب هذه الأحرف الثلاثة يدور مع الدوام

٧

واعلمواأن فيكم رسول اللّه أن بما فى حيزها ساد مسد مفعولى اعلموا باعتبار ما بعده من قوله تعالى

لو يطيعكم فى كثير من الأمر لعنتم فإنه حال من أحد الضميرين فى فيكم والمعنى أن فيكم رسول اللّه كائنا علىحالة يجب عليكم تغييرها أو كائنين على حالة الخ وهى أنكم تريدون أن يتبع عليه الصلاة و السلام رأيكم فى كثير من الحوادث ولو فعل ذلك لوقعتم فى الجهد والهلاك وفيه إيذان بأن بعضهم زينوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الإيقاع ببنى المصطلق تصديقا لقول الوليد أنه عليه الصلاة و السلام لم يطع رأيهم وأما صيغة المضارع فقد قيل أنها للدلالة على أن امتناع عنتهم لامتناع استمرار طاعته عليه الصلاة و السلام لهم لأن عنتهم إنما يلزم من استمرار الطاعة فيما يعن لهم من الأمور إذ فيه اختلال أمر الإبالة وانقلاب الرئيس مرؤسا لا من إطاعته فى بعض ما يرونه نادرا بل فيها استمالتهم بلا معرة

وقيل إنها للدلالة على أن امتناع عنتهم لاستمرار امتناع طاعته عليه الصلاة و السلام لهم فى ذلك فإن المضارع المنفى قد يدل على استمرار النفى بحسب المقام كما فى نظائر قوله تعالى ولا هم يحزنزن والتحقيق أن الاستمرار الذى تفيده صيغة المضارع يعتبر تارة بالنسبة إلى ما يتعلق بالفعل من الأمور الزمانية المتجددة وذلك بأن يعتبر الاستمرار فى نفس الفعل على الإبهام ثم يعتبر تعليق ما يتعلق به بيانا لما فيه الاستمرار وأخرى بالنسبة إلى ما يتعلق به من نفس الزمان المتجدد وذلك إذا اعتبر تعلقه بما يتعلق به أولا ثم اعتبر استمراره فيتعين أن يكون ذلك بحسب الزمان فإن أريد باستمرار الطاعة استمرارها وتجددها بحسب تجدد مواقعها الكثيرة التى يفصح عنها قوله تعالى فى كثير من الأمر فالحق هو الأول ضرورة أن مدار امتناع العنت هو امتناع ذلك الاستمرار سواء كان ذلك الامتناع بعدم وقوع الطاعة فى أمر ما من تلك الأمور الكثيرة أصلا أو بعدم وقوعها كلها مع وقوعها فى بعض يسير منها حتى لو لم يمتنع ذلك الاستمرار بأحد الوجهين المذكورين بل وقعت الطاعة فيما ذكر من كثير من الأمر فى وقت من الأوقات وقع العنت قطعا وإن أريد به استمرار الطاعة الواقعة فى الكل وتجددها بحسب تجدد الزمان واستمراره فالحق هو الثانى فإن مناط امتناع العنت حينئذ ليس امتناع استمرار الطاعة المذكورة ضرورة أنه موجب لوقوع العنت بل هو الاستمرار الزمانى لامتناع تلك الطاعة الواقعة فى تلك الأمور الكثيرة بأحد الوجهين المذكورين حتى لو لم يستمر امتناعها بأن وقعت تلك الطاعة فى وقت من الأوقات وقع العنت حتما واعلم أن الأحق بالاختيار والأولى بالاعتبار هو الوجه الأول لأنه أوفق بالقياس المقتضى لاعتبار الامتناع واردا على الاستمرار حسب ورود كلمة لو المفيدة للأول على صيغة المضارع المفيدة للثانى على أن اعتبار الاستمرار ارودا على النفى على خلاف القياس بمعونة المقام إنما يصار إليه إذا تعذر الجريان على موجب القياس أو لم يكن فيه مزيد مزية كما فى مثل قوله تعالى ولا هم يحزنون حيث حمل على استمرار نفى الحزن عنهم إذ ليس فى نفى استمرار الحزن مزيد فائدة وأما إذا انتظم الكلام مع مراعاة موجب القياس حق الانتظام فالعدول عنه تمحل لا يخفى وقوله تعالى

ولكن اللّه حبب إليكم الإيمان الخ تجريد للخطاب وتوجيه له إلى بعضهم بطريق الاستدراك بيانا لبراءتهم عن أوصاف الأولين وإحمادا لأفعالهم أى ولكنه تعالى جعل الإيمان محبوبا لديكم

وزينه فى قلوبكم حتى رسخ خبه فيها ولذلك أتيتم بما يليق به من الأقوال والأفعال

وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ولذلك اجتنبتم عما يليق بها مما لا خير فيه من آثارها وأحكامها ولما كان فى التحبيب والتكريه معنى إنهاء المحبة والكراهة وإيصالها إليهم استعملا بكلمة إلى

وقيل هو استدراك ببيان عذر الأولين كأنه قيل لم يكن ما صدر عنكم فى حق بنى المصطلق من خلل فى عقيدتكم بل من فرط حبكم للإيمان وكراهتكم للكفر والفسوق والعصيان والأول هو الأظهر لقوله تعالى

أولئك هم الراشدون أى السالكون إلى الطريق السوى الموصل إلى الحق والالتفات إلى الغيبة كالذى فى قوله تعالى وما آتيتم من زكاة تريدون وجه اللّه فأولئك هم المضعفون

٨

فضلا من اللّه ونعمة أى وانعاما تعليل لحبب أو كره وما بينهما اعتراض

وقيل نصبهما بفعل مضمر أى جرى ذلك فضلا

وقيل يبتغون فضلا

واللّه عليم مبالغ فى العلم فيعلم أحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل

حكيم يفعل كل مل يفعل بموجب الحكمة

٩

وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا أى تقاتلوا والجمع باعتبار المعنى

فأصلحوا بينهما بالنصح والدعاء إلى حكم اللّه تعالى

فإن بغت أى تعدت إحداهما على الأخرى ولم تتأثر بالنصيحة

فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ أى ترجع

إلى أمر اللّه إلى حكمه أو إلى ما أمر به

فإن فاءت إليه وأقلعت عن القتال حذارا من قتالكم

فأصلحوا بينهم بالعدل بفصل ما

بينهما على حكم اللّه تعالى ولا تكتفوا بمجرد متاركتهما عسى أن يكون بينهما قتال فى وقت آخر وتقييد الإصلاح بالعدل لأنه مظنة الحيف لوقوعه بعد المقاتلة وقد أكد ذلك حيث قيل

وأقسطوا أى وأعدلوا فى كل ما تأتون وما تذرون

إن اللّه يحب المقسطين فيجازيهم أحسن الجزاء والآية نزلت فى قتال حدث بين الأوس والخزرج فى عهده عليه الصلاة و السلام بالعسف والنعال وفيها دلالة على أن الباغى لا يخرج بالبغى عن الإيمان وأنه إذا أمسك عن الحرب ترك لأنه فىء إلى أمر اللّه تعالى وأنه يجب معاونة من بغى عليه بعد تقديم النصح والسعى فى المصالحة

١٠

إنما المؤمنون أخوة استئناف مقرر لما قبله من الأمر بالإصلاح أى أنهم منتسبون إلى أصل واحد هو الإيمان الموجب للحياة الأبدية والفاء فى قوله تعالى

فأصلحوا بين أخويكم للإيذان بأن الآخرة الدينية موجبة للإصلاح ووضع المظهر مقام المضمر مضافا إلى المأمورين للمبالغة فى تأكيد وجوب الإصلاح والتحضيض عليه وتخصيص الإثنين بالذكر لإثبات وجوب الإصلاح فيما فوق ذلك بالطريق الأولوية لتضاعف الفتنة والفساد فيه

وقيل المراد بالأخوين الأوس والخزرج وقرئ بين أخوتكم وإخوانكم

واتقوا اللّه فى كل ما تأتون وما تذرون ومن الأمور التى من جملتها ما أمرتم به من الإصلاح

لعلكم ترحمون راجين أن ترحموا على تقواكم

١١

يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم أى منكم

من قوم آخرين أيضا منكم وقوله تعالى

عسى أن يكونوا خيرا منهم تعليل للنهى أو لموجبه أى عسى أن يكون المسخور منهم خيرا عند اللّه تعالى من الساخرين والقوم مختص بالرجال لأنهم القوام على النساء وهو فى اللأصل أما جمع قائم كصوم وزور فى جمع صائم وزائر أو مصدر نعت به فشاع فى الجمع وأما تعميمه للفريقين فى مثل قوم عاد وقوم فرعون فإما للتغليب أو لأنهن توابع واختيار الجمع لغلبة وقوع السخرية فى المجمع والتنكير أما للتعميم أو للقصد إلى نهى بعضهم عن سخرية بعض لما أنها مما يجرى بين بعض وبعض

ولا نساء أى ولا تسخر نساء من المؤمنات

من نساء منهن

عسى أن يكن أى المسخور منهن

خيرا منهن أى من الساخرات فإن مناط الخيرية فى الفريقين ليس ما يظهر للناس من الصور والأشكال ولا الأوضاع والأطوار التى عليها يدور أمر السخرية غالبا بل إنما هو الأمور الكامنة فى القلوب فلا يجترئ أحد على استحقار أحد فلعله أجمع منه لما نيط به الخيرية عند اللّه تعالى فيظلم نفسه بتحقير من وقره اللّه تعالى والاستهانة بمن عظمه اللّه تعالى وقرئ عسوا أن يكونوا وعسين أن يكن فعسى حينئذ هى ذات الخبر كما فى قوله تعالى فهل عسيتم وأما على الأول فهى التى لا خبر لها

ولا تلمزوا أنفسكم أى ولا يعب بعضكم بعضا فإن المؤمنين كنفس واحدة أو لا تفعلوا ما تلمزون به فإن من فعل ما يستحق به اللمز فقد لمز نفسه واللمز الطعن باللسان وقرئ بضم الميم

ولا تنابزوا بالألقاب أى ولا يدع بعضكم بعضا بلقب السوء فإن النبز مخنص به عرفا

بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان أى بئس الذكر المرتفع للمؤمنين أن يذكروا بالفسق بعد دخولهم الإيمان أو اشتهارهم به فإن الاسم ههنا بمعنى الذكر من قولهم طار اسمه فى الناس بالكرم أو باللؤم والمراد به أما تهجين نسبة الكفر والفسوق إلى المؤمنين خصوصا إذ روى أن الآية نزلت فى صفية بنت حيي أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت إن النساء يقلن لى يا يهودية بنت يهوديين فقال عليه الصلاة و السلام هلا قلت إن أبى هرون وعمى موسى وزوجى محمد عليهم السلام أو الدلالة على أن التنابز فسق والجمع بينه وبين الإيمان قبيح

ومن لم يتب عما نهى عنه

فأولئك هم الظالمون بوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب

١٢

يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن أى كونوا على جانب منه وإبهام الكثير لإيجاب الاحتياط والتأمل فى كل ظن ظن حتى يعلم أنه من أى قبيل فإن من الظن ما يجب اتباعه كالظن فيما لا قاطع فيه من العمليات وحسن الظن باللّه تعالى ومنه ما يحرم كالظن فى الإلهيات والنبوات وحيث يخالفه قاطع وظن السوء بالمؤمنين ومنه ما يباح كالظن فى الأمور المعاشية

إن بعض الظن إثم تعليل للأمر بالاجتناب أو لموجبه بطريق الاستئناف التحقيقى والإثم الذنب الذى يستحق العقوبة عليه وهمزته منقلبة من الواو كأنه يثم الأعمال أى يكسرها

ولا تجسسوا أى ولا تبحثوا عن عورات المسلمين تفعل من الجس لما فيه من معنى الطلب كما أن التلمس بمعنى التطلب لما فى اللمس من الطلب وقد جاء بمعنى الطلب فى قوله تعالى وأنا لمسنا السماء وقرئ بالحاء من الحس الذى هو إثر الجس وغايته ولتقاربهما يقال للمشاعر الحواس بالحاء والجيم وفى الحديث لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع عورات المسلمين تتبع اللّه عورته حتى يفضحه ولو فى جوف بيته

ولا يغتب بعضكم بعضا أى لا يذكر بعضكم بعضا بالسوء فى غيبته وسئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الغيبة فقال أن تذكر أخاك بما يكره فإن كان فيه فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما الغيبة إدام كلاب الناس

أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا تمثيل وتصوير لما يصدر عن المغتاب من حيث صدوره عنه ومن حيث تعلقه بصاحبه على افحش وجه وأشنعه طبعا وعقلا وشرعا مع مبالغات من فنون شتى الاستفهام التقريرى وإسناد الفعل إلى أحد إيذانا بأن أحدا من الأحدين لا يفعل ذلك وتعليق المحبة بما هو فى غاية الكراهة وتمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان وجعل المأكول أخا للآكل وميتا وإخراج تماثلها مخرج أمر بين غنى عن الإخبار به وقرئ ميتا بالتشديد وانتصابه على الحالية من اللحم

وقيل من الأخ والفاء فى قوله تعالى

فكرهتموه لترتيب ما بعدها على ما قبلها من التمثيل كأنه قيل وحيث كان الأمر كما ذكر فقد كرهتموه وقرى كرهتموه أى جبلتم على كراهته

واتقوا اللّه بترك ما امرتم باجتنابه والندم على ما صدر عنكم من قبل

إن اللّه تواب رحيم مبالغ فى قبول التوبة وإفاضة الرحمة حيث يجعل التائب كمن لم يذنب ولا يخص ذلك بتائب دون تائب بل يعم الجميع وإن كثرت ذنوبهم روى أن رجلين من الصحابة رضى اللّه عنهم بعثا سلمان إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يبغى لهما إداما وكان أسامة على طعامه عليه الصلاة و السلام فقال ما عندى شئ فأخبرهما سلمان فقالا لو بعثنا سليمان إلى بئر سميحة لغار ماؤها فلما راحا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لهما ما لى أرى خضرة اللحم فى أفواهكما فقالا ما تناولنا لحما فقال عليه الصلاة و السلام إنكما قد اغتبتما فنزلت

١٣

يا أيها الذين آمنوا إنا خلقناكم من ذكر وأنثى من آدم وحواء أو خلقنا كل واحد منكم من أب وأم فالكل سواء فى ذلك فلا وجه للتفاخر بالنسب وقد جوز أن يكون تأكيدا للنهى السابق بتقرير الأخوة المانعة من الاغتياب

وجعلناكم شعوبا وقبائل الشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد وهو بجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر والعمارة تجمع البطون والبطن بجمع الأفخاذ والفخذ يجمع الفصائل فخزيمة شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصى بطن وهاشم فخذ والعباس فصيلة

وقيل الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب

لتعارفوا ليعرف بعضكم بعضا بحسب الأنساب فلا يعتزى أحد إلى غير آبائه لا لتتفاخروا بالآباء والقبائل وتدعوا التفاوت والتفاضل فى الأنساب وقرئ لتتعارفوا على الأصل ولتعارفوا بالإدغام ولتعرفوا

إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم تعليل للنهى عن التفاخر بالانساب المستفاد من الكلام بطريق الاستئناف التحقيقى كأنه قيل إن الأكرم عنده تعالى هو الاتقى فإن فاخرتم ففاخروا بالتقوى وقرئ بان المفتوحة على حذف لام التعليل كأنه قيل لم لا تتفاخروا بالأنساب فقيل لأن أكرمكم عند اللّه أتقاكم لا أنسبكم فإن مدار كمال النفوس وتفاوت الأشخاص هو التقوى فمن رام نيل الدرجات العلا فعليه بالتقوى قال عليه الصلاة و السلام من سره أن يكون اكرم الناس فليتق اللّه وقال عليه الصلاةو السلام يا أيها الناس إنما الناس رجلان مؤمن تقى كريم على اللّه تعالى وفاجر شقى هين على اللّه تعالى وعن ابن عباس رضى الللّه عنهما كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى

إن اللّه عليم بكم وبأعمالكم

خبير ببواطن أحوالكم

١٤

قالت الأعراب آمنا نزلت فى نفر من بنى أسد قدموا المدينة فى سنة جدب فأظهروا الشهادتين وكانوا يقولون لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدون الصدقة ويمنون عليه الصلاة و السلام ما فعلوا قل ردا لهم لم تؤمنوا إذ الإيمان هو التصديق المقارن للثقة وطمأنينة القلب ولم يحصل لكم ذلك وإلا لما مننتم على ما ذكرتم كما ينبئ عنه آخر السورة ولكن قولوا أسلمنا فإن الإسلام انقياد ودخول فى السلم وإظهار الشهادة وترك المحاربة مشعر به وإيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال لا تقولوا آمنا

ولكن قولوا أسلمنا أو لم تؤمنوا ولكن أسلمتم للاحتراز من النهى عن التلفظ بالإيمان وللتفادى عن إخراج قولهم مخرج التسليم والاعتداد به مع كونه تقولا محضا ولما يدخل الإيمان

فى قلوبكم حال من ضمير قولوا أى ولكن قولوا أسلمنا حال عدم مواطأة قلوبكم لألسنتكم وما فى لما من معنى التوقع مشعر بأن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد

وإن تطيعوا اللّه ورسوله بالإخلاص وترك النفاق

لا يلتكم من أعمالكم لا ينقصكم

شيئا من أجورها من لات يليت ليتا إذا نقص وقرىء لا يألتكم من الألت وهى لغة غطفان أو شيئا من النقص

إن اللّه غفور لما فرط من المطيعين رحيم بالتفضل عليهم

١٥

إنما المؤمنون الذين آمنوا باللّه ورسوله ثم لم يرتابوا لم يشكوا من ارتاب مطاوع رابه إذا أوقعه في الشك مع التهمة وفيه إشارة الى أن فيهم ما يوجب نفى الإيمان عنهم وثم للإشعار بأن اشتراط عدم الارتياب في اعتبار الإيمان ليس في حال إنشائه فقط بل وفيما يستقبل فهى كما في قوله تعالى ثم استقاموا

وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه في طاعته على تكثر فنونها من العبادات البدنية المحضة والمالية الصرفة والمشتملة عليها معا كالحج والجهاد

أولئك الموصوفون بما ذكر من الأوصاف الحميلة

هم الصادقون أى الذين صدقوا في دعوى الإيمان لا غيرهم روى أنه لما نزلت الآية جاؤا وحلفوا أنهم مؤمنون صادقون فنزل لتكذيبهم قوله تعالى

١٦

قل أتعلمون اللّه بدينكم أى أتخبرونه بذلك بقولكم آمنا والتعبير عنه بالتعليم لغاية تشنيعهم

واللّه يعلم ما في السموات وما في الأرض حال من مفعول تعلمون مؤكدة لتشنيعهم وقوله تعالى

واللّه بكل شيء عليم تذييل مقرر لما قبله اى مبالغ في العلم بجميع الأشياء التي من جملتها ما أخفوه من الكفر عند أظهارهم الإيمان وفيه مزيد تجهيل وتوبيخ لهم

١٧

يمنون عليك أن أسلموا أى يعدون إسلامهم منة عليك وهي النعمة التي لا يطلب موليها ثوابا ممن أنعم بها عليه من المن بمعنى القطع لأن المقصود بها قطع حاجته

وقيل النعمة الثقيلة من المن

قل لا تمنوا على إسلامكم اى لا تعدوا إسلامكم منة على أو لا تمنوا على بإسلامكم فنصب بنزع الخافض

بل اللّه يمن عليكم ان هداكم للإيمان على ما زعمتم مع أن الهداية لا تستلزم الإهتداء وقريء أن هداكم وإذ هداكم

أن كنتم صادقين في ادعاء الإيمان وجوابه محذوف يدل عليه ما قبله اأى فللّه المنة عليكم وفي سياق النظم الكريم من اللطف مالا يخفي فإنهم لما سموا ما صدر عنهم إيمانا ومنوا به فنفى كونه إيمانا وسمى إسلاما قيل يمنون عليك بما هو في الحقيقة إسلام وليس بجدير بالمن بل لوصح ادعاؤهم للإيمان فللّه المنة عليهم بالهداية إليه لا لهم

١٨

إن اللّه يعلم غيب السموات والأرض أى ما غاب فيهما

واللّه بصير بما تعلمون في سركم وعلانيتكم فكيف يخفى عليه سورة ق الآية  ما في ضمائركم وقرىء بالياء عن النبي صلى اللّه عليه و سلم

من قرا سورة الحجرات أعطى من الأجر بعدد من أطاع اللّه وعصاه

﴿ ٠