ÓõæÑóÉõ ÇáÑøóÍúãٰäö ãóßøöíøóÉñ Çóæú ãóÏóäöíøóÉñ

æóåöíó ËóãóÇäò æóÓóÈúÚõæäó ÂíóÉð

سورة الرحمن

بسم اللّه الرحمن الرحيم لما عد في السورة السابقة ما نزل بالأمم السالفة من ضروب نقم اللّه عز و جل وبين عقيب كل ضرب منها أن القرآن قد يسر لحمل الناس على التذكر والأتعاظ ونعى عليهم اعراضهم عن ذلك عدد في هذه السورة الكريمة ما افاض على كافة الأنام من فنون نعمه الدينية والدنيوية والأنفسية ولآفاقية وأنكر عليهم أثر كل فن منها إخلالهم بمواجب شكرها وبدىء بتعليم القرآن فقيل

_________________________________

١

٢

الرحمن علم القرآن لأنه أعظم النعم شأنان وأرفعها مكانا كيف لا وهو مدار للسعادة الدينية والدنيوية عيار على سائر الكتب السماوية ما من مرصد يرنو إليه أحداق الأمم إلا وهو منشؤه ومناطه ولا مقصد يمتد إليه أعناق الهمم إلا وهو منهجه وصراطه وإسناد تعليمه الى اسم الرحمن للإيذان بأنه من آثا الرحمة الواسعة وأحكامها وقد اقتصر على ذكره تنبيها على أصالته وجلالة قدره ثم قيل

٣

خلق الإنسان

٤

علمه البيان تعيينا للمعلم وتبيينا لكيفية التعليم والمراد بخلق الإنسان إنشاؤه على ما هو عليه من القوى الظاهرة والباطنة والبيان هو التعبير عما في الضمير وليس المراد بتعليمه مجرد تمكين الإنسان من بيان نفسه بل منه ومن فهم بيان غيره أيضا إذ هو الذى يدور عليه تعليم القرآن والجمل الثلاث أخبار مترادفة للرحمن وإخلاء الأخيرتين عن العاطف لورودها على منهاج التعديد

٥

الشمس والقمر بحسبان اى يجريان بحساب مقدر في بروجهما ومنازلهما بحيث ينتظم بذلك أمور الكائنات السفلية وتختلف الفصول والأوقات وتعلم السنون الحساب

٦

والنجم أى النبات الذى ينجم أى يطلع من الأرض ولا ساق له

والشجر أى الذى له ساق

يسجدان أي ينقادان له تعالى فيما يريد بهما طبعا انقياد الساجدين من المكلفين طوعا والجملتان خبران آخران للرحمن جردتا عن الرابط اللفظي تعويلا على كمال قوة الارتباط المعنوى إذ لا يتوهم ذهاب الوهم الى كون حال

الشمس والقمر بتسخير غيره تعالى ولا إلى كون سجود النجم

والشجر لما سواه تعالى كأنه قيل

الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان له وإخلاء الجملة الأولى عن العاطف لما ذكر من قبل وتوسيط العاطف بينها وبين الثانية لتناسبهما من حيث التقابل لما أن

الشمس والقمر علويان والنجم والشجر سفليان ومن حيث إن كلا من حال العلويين وحال السفليين من باب الانقياد لأمر اللّه عز و جل

٧

والسماء رفعها أى خلقها مرفوعة محلا ورتبة حيث جعلها منشأ أحكامه وقضاياه ومتنزل أوامره ومحل ملائكته وفيه من التنبيه على كبرياء شأنه وعظم ملكه وسلطانه مالا يخفى وقرىء بالرفع على الابتداء

ووضع الميزان اى شرع العدل وأمر به بأن وفر كل مستحق ما استحقه ووفى كل ذى حق حقه حتى انتظم به أمر العالم واستقام كما قال عليه الصلاة و السلام بالعدل قامت السموات والأرض قيل فعلى هذا الميزان القرآن وهو قول الحسين بن الفضل كما في قوله تعالى

وأنزلنا معهم الكتاب والميزان

وقيل هو ما يعرف به مقادير الأشياء من ميزان ومكيال ونحوهما وهو قول الحسن وقتادة والضحاك فالمعنى خلقه موضوعا مخوضا على الأرض حيث علق به احكام عبادة وقضاياهم وما تعبدهم به من التسوية والتعديل في أخذهم وإعطائهم

٨

ألا تظغوا في الميزان أى لئلا تطغوا فيه على ان أن ناصبة ولا نافيه ولام العلة مقدرة متعلقة بقوله تعالى

ووضع الميزان أو أى لا تطغوا على أنها مفسرة لما في الشرع من معنى القول ولا ناهية أى لا تعتدوا ولا تتجاوزوا الإنصاف وقرىء

لا تطغوا على إرادة القول

٩

وأقيموا الوزن بالقسط قوموا وزنكم بالعدل

وقيل أقيموا لسان الميزان بالقسط والعدل

وقيل الإقامة باليد والقسط بالقلب

ولا تخسروا الميزان أى لا تنقصوه أمر أولا بالتسوية ثم نهى عن الطغيان الذى هو اعتداء وزيادة ثم عن الخسران الى هو تطفيف ونقصان وكرر لفظ الميزان تشديدا للتوصية به وتأكيدا للأمر باستعماله والحث عليه وقرىء

ولا تخسروا بفتح التاء وضم السين وكسرها يقال خسر الميزان يخسر ويخسره وبفتح السين أيضا على أن الأصل

ولا تخسروا فى الميزان فحذف الجار وأوصل الفعل

١٠

والأرض وضعها أى خفضها مدحوة على الماء

للأنام أى الخلق قيل المراد به كل ذى روح

وقيل كل ما على ظهر الأرض من دابة

وقيل الثقلان وقوله تعالى

١١

فيها فاكهة الخ استئناف مسوق لتقرير ما أفادته الجملة السابقة من كون الأرض موضوعة لمنافع الأنام وتفصيل المنافع العائده الى البشر

وقيل حال مقدرة من الأرض فالأحسن حينئذ أن يكون الحال هو الجار والمجرور وفاكهة رفع على الفاعلية أى فيها ضروب كثيرة مما يتفكه به

والنخل ذات الأكمام هي أوعية الثمر جمع كم أو كل ما يكم أي يغطي من ليف وسعف وكفرى فإنه مما ينتفع به كالمكموم من ثمره وجماره وجذوعه

١٢

والحب هو ما يتغذى به كالحنطة والشعير

ذو العصف هو ورق الزرع

وقيل التبن

والريحان قيل هو الرزق أريد به اللب أى فيها ما يتلذذ به من الفواكه والجامع بين التلذذ والتغذي وهو ثمر النخل وما يتغذى به وهو الحب الذى له عصف هو علف الأنعام وريحان هو مطعم الناس وقرىء

والحب ذا العصف والريحان أى خلق الحب والريحان أو أخص ويجوز ان يرادو ذا الريحان فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والريحان أما فعيلان من روح فقلبت الواو ياء وأدغم ثم خفف أو فعلان قلبت واوه ياء للتخفيف أو للفرق بينه وبين الروحان وهو ماله روح قاله القرطبى

١٣

فبأي آلاء ربكما تكذبان الخطاب للثقلين المدلول عليهما بقوله تعالى للأنام وسينطق به قوله تعالى

أيها الثقلان والفاء لترتيب الإنكار والتوبيخ على ما فصل من فنون النعماء وصنوف الآلاء الموجبة للإيمان والشكر والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن المالكية الكلية والتربية مع الإضافة الى ضميرهم لتأكيد النكير وتشديد التوبيخ ومعنى تكذيبهم بآلائه تعالى كفرهم بها أما بإنكار كونه نعمة في نفسه كتعليم القرآن ومايستند إليه من النعم الدينية وأما بإنكار كونه من اللّه تعالى مع الاعتراف بكونه نعمة في نفسه كالنعم الدنيوية الواصلة إليهم بإسنادة الى غيره تعالى استقلال أو اشتراكا صريحا أو دلالة فإن إشراكهم لألهتم به تعالى في العبادة من دواعى إشراكهم لها به تعالى فيما يوجبها والتعبير عن كفرهم المذكور بالتكذيب لما أن دلالة الآلاء المذكورة على وجوب الإيمان والشكر شهادة منها بذلك فكفرهم بها تكذيب بها لا محالة أى فإذا كان الأمر كما فصل

فبأى فرد من أفراد

آلاء ما لككما ومربيكما بتلك الآلاء

تكذبان مع أن كلا منها ناطق بالحق شاهد بالصدق

١٤

خلق الإنسان من صلصال كالفخار تمهيد للتوبيخ على إخلالهم بمواجب شكر النعمة المتعلقة بذاتي كل واحد من الثقلين والصلصال الطين اليابس الذى له صلصال والفخار الخزف وقد خلق اللّه تعالى آدم عليه السلام من تراب جعله طينا ثم حمأ مسنونا ثم صلصال فلا تنافى بين الآية الناطقة بأحدها وبين ما نطق باحد الآخرين

١٥

وخلق الجان أى الجن أو أبا الجن

من مارج من لهب صاف

من نار بيان لمارج فإنه في الأصل للمضطرب من مرج إذا اضرطب

١٦

فبآى آلاء ربكما تكذبان مما أفاض عليكما في تضاعيف خلقكما من سوابغ النعم

١٧

رب المشرقين ورب المغربين بالرفع على خبرية مبتدأ محذوف أى الذى فعل ما ذكر من الأفاعيل البديعة رب مشرقى الصيف والشتاء ومغربيهما ومن قضيته أن يكون رب ما بينهما من الموجودات قاطبة

وقيل على الابتداء والخبر قوله تعالى مرج الخ وقرىء بالجر على انه بدل من ربكما

١٨

فبأى آلاء ربكما تكذبان مما في ذلك من فوائد لا تحصى من اعتدال الهواء واختلاف الفصول وحدوث ما يناسب كل فصل في وقته الى غير ذلك

١٩

مرج البحرين أى أرسلهما من مرجت الدابة أذا أرسلتها والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب

يلتقيان أى يتجاوران ويتماس سطوحهما لافصل

٢٠

بينهما في مرأى العين

وقيل أرسل بحرى فارس والروم يلتقيان في المحيط لأنهما خليجان يتشعبنا منه بينهما

برزخ أى حاجز من قدرة اللّه عز و جل أو من الأرض

لا يبغيان أى لا يبغي أحدهام على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية أو لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما

٢١

فبأى آلاء ربكما تكذبان وليس منهما شىء يقبل التكذيب

٢٢

يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان

اللؤلؤ الدر والمرجان الخرز الأحمر المشهور

وقيل اللؤلؤ كبار الدر والمرجان صغاره فنسبة خروجهما حينئذ الى البحرين مع انهما إنما يخرجان من الملح على ما قالوا لما قيل أنهما لا يخرجان إلا من ملقتى الملح والعذب أو لأنهام لما التقيا وصارا كالشيء الواحد ساغ أن يقال يخرجان من البحر مع أنهما لا يخرجان من جمع البحر ولكن من بعضه وهو الأظهر وقرىء يخرج مبنيا للمفعول من الإخراج ومبنيا للفاعل بنصب اللؤلؤ والمرجان وبنون العظمة

٢٣

فبأى آلاء ربكما تكذبان

٢٤

وله الجوار أى السفن جمع جارية وقرىء برفع الراء وبحذف الياء كقول من قال لها ثنايا أربع حسان وأربع فكلها ثمان

المنشآت المرفوعات الشرع أو المصنوعات وقرىء بكسر الشين أى الرافعات الشرع أو اللاتى ينشئن الأمواج بجريهن

في البحر كالأعلام كالجبال الشاهقة جمع علم وهو الجبل الطويل

٢٥

فبأى آلاء ربكما تكذبان من خلق مواد السفن والإرشاد إلى أخذها وكيفية تركيبها وجرائها في البحر بأسباب لا يقدر على خلقها وجمعها وترتيبها غيره سبحانه

٢٦

كل من عليها أى على الأرض من الحيوانات أو المركبات ومن التغليب أو من الثقلين

فان هالك لا محالة

٢٧

ويبقى وجه ربك أى ذاته عز و جل

ذو الجلال والإكرام أى ذو الاستغناء المطبق والفضل التام

وقيل الذى عنده الجلال والأكرام للمخلصين من عباده وهذه من عظائم صفاته تعالى ولقد قال صلى اللّه عليه و سلم ألظوا بياذا الجلال والإكرام وعنه عليه الصلاة و السلام أنه برجل وهو يصلى ويقول يا ذا الجلال والإكرام فقال استجيب لك وقرىء ذى الجلال والإكرام على أنه صفة ربك وأيا ما كان ففى وصفه تعالى بذلك بعد ذكر فناء الخلق وبقائه تعالى إيذان يفيض عليهم بعد فنائهم أيضا أثار لطفه وكرمه حسبما ينبىء عنه قوله تعالى

٢٨

فبأى آلاء ربكما تكذبان فإن إحياؤهم بالحياة الأبدية وإثابتهم بالنعيم المقيم أجل النعماء وأعظم الآلاء

٢٩

يسأله من في السموات والأرض قاطبة ما يحتاجون إليه في ذواتهم ووجوداتهم حدوثا وبقاء سائر أحوالهم سؤالا مستمرا بلسان المقال أو بلسان الحال فإنهم كافة من حيث حقائقهم الممكنة بمعزل من استحقاق الوجود وما يتفرع عليه من الكمالات بالمرة بحيث لو انقطع ما بينهم وبين العناية الإلهية من العلاقة لم يشموا رأئحة الوجود أصلا فهم في كل آن مستمرون على الاستدعاء والسؤال وقد مر في تفسير قوله تعالى وأن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها من سورة إبراهيم عليه السلام

كل يوم أى كل وقت من الأوقات

هو في شأن من الشؤن التي من جملتها إعطاء ما سألوا فإنه تعالى لا يزال ينشىء أشخاصا ويغني آخرين ويأتي بأحوال ويذهب بأحوال حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة وفي الحديث من شانه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين قيل وفيه رد على اليهود حيث يقولون إن اللّه لا يقضى يوم السبت شيئا

٣٠

فبأى آلاء ربكما تكذبان مع مشاهدتكم لما ذكر من إحسانه

٣١

سنفرغ لكم أى سنتجرد لحسابكم وجزائكم وذلك يوم القيامة عند انتهاء شؤن الخلق المشار إليها بقوله تعالى كل يوم هو في شأن فلا يبقى حينئذ إلا شأن واحد هو الجزاء فعبر عنه بالفراغ لهم بطريق التمثيل

وقيل هو مستعار من قول المتهدد لصاحبه سأفرغ لك اى سأتجرد للإيقاع بك من كل ما يشغلني عنه والمراد التوفر على النكاية فيه والانتقام منه وقريء سيفرغ مبنيا للفاعل وللمفعول قرىء سنفرغ إليكم اى سنقصد إليكم

أيها الثقلان هما الإنس والجن سميا بذلك لثقلهما على الأرض أو لرزانة آرائهما أو لأنهما مثقلان بالتكليف

٣٢

فبأى آلاء ربكما التى من جملتها التنبيه على ما سيلقونه يوم القيامة للتحذير عما يؤدي الى سوء الحساب

تكذبان بأقوالكما وأعمالكما

٣٣

يا معشر الجن والإنس هما الثقلان خوطبا باسم جنسهما لزيادة التقرير ولأن الجن مشهورون بالقدرة على الأفاعيل الشاقة فخوطبوا بما ينبىء عن ذلك لبيان أن قدرتهم لا تفى بما كلفوه

إن استطعتم أن قدرتم على

أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض أى أن تهربوا من قضائى وتخرجوا من ملكوتي ومن أقطار سمواتى وأرضى

فانفذوا منها وخلصوا أنفسكم من عقابي

لا تنفذون لا تقدرون على النفوذ

إلا بسلطان أى بقوة وقهر وأنتم من ذلك بمعزل بعيد روى أن الملائكة تنزل فتحيط بالخلائق فإذا رآهم الجن والإنسن هربوا فلا يأتون وجها

إلا وجدوا الملائكة أحاطت به

٣٤

فبأى آلاء ربكما تكذبان أى من التنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة على القوبة

٣٥

يرسل عليكما شواظ قيل هو اللّهب الخالص

وقيل المختلط بالدخان

وقيل اللّهب الأحمر

وقيل اللّهب الأخضر المنقطع من النار

وقيل هو الدخان الخارج من اللّهب

وقيل هو النار والدخان جميعا وقرىء شواظ بكسر الشين

من نار متعلق بيرسل أو بمضمر هو صفة للشواط أى كائن من نار والتنوين للتفخيم

ونحاس اى دخان

وقيل صفر مذاب يصب على رؤسهم وقرىء بكسر النون وقرىء بالجر عطفا على نار وقرىء نرسل بنون العظمة ونصب شواظا ونحاسا وقرىء نحس جمع نحاس مثل لحاف ولحف وقرىء ونحس اى نقتل بالعذاب

فلا تنتصران أى لا تمتنعان

٣٦

فبآى آلاء ربكما تكذبان فإن بيان عاقبة ما هم عليه من الكفر والمعاصى لطف وأى لطف ونعمة وأى نعمة

٣٧

فإذا انشقت السماء اى انصدعت يوم القيامة

فكانت وردة كوردة حمراء وقرئ وردة بالرفع على أن كان تامة أى حصلت سماء وردة فيكون من باب التجريد كقول من قال

... ولئن بقيت لارحلن بغزوة تحوى الغنائم أو يموت كريم ...

كالدهان خبر ثان لكانت أو نعت لوردة أو حال من اسم كانت أى كدهن الزيت وهو أما جمع دهن أو اسم لما يدهن به كالحزام والإدام

وقيل هو الأديم الأحمر وجواب إذا محذوف أى يكون من الأحوال والأهوال مالا يحيط به دائرة المقال

٣٨

فبأي آلاء ربكما تكذبان مع عظم شأنها

٣٩

فيومئذ أى يوم إذ تنشق السماء حسبما ذكر

لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان لأنهم يعرفون بسيماهم وذلك أول ما يخرجون من القبور ويحشرون إلى الموقف ذودا ذودا على اختلاف مراتبهم

وأما قوله تعالى فوربك لنسألنهم أجميعن ونحوه ففي موقف المناقشة والحساب وضمير ذنبه للإنس لتقدمه رتبة وإفراده لما ان المراد فرد من الإنس كأنه قيل لا يسأل ذنبه إنسى ولا جنى

٤٠

فبأى آلاء ربكما تكذبان مع كثرة منافعها فإن الإخبار بما ذكر مما يزجركم عن الشر المؤدي إليه

وأما ما قيل مما أنعم اللّه على عباده المؤمنين في هذا اليوم فلا تعلق له بالمقام وقوله تعالى

٤١

يعرف المجرمون بسيماهم استئناف يجري مجرى التعليل لعدم السؤال قيل يعرفون بسواد الوجوه وزرقة العيون

وقيل بما يعلوهم من الكآبة والحزن

فيؤخذ بالنواصى والأقدام الجار والمجرور هو القائم مقام الفاعل يقال أخذه إذا كان المأخوذ مقصودا بالأخذ ومنه قوله تعالى خذوا حذركم ونحوه وأخذ به إذا كان المأخوذ شيئا من ملابسات المقصود بالأخذ ومنه قوله تعالى لا تأخذ بلحيتي ولا برأسى وقول المستغيث خذ بيدي أخذ اللّه بيدك أى يجمع بين نواصيهم وأقدامهم في سلسلة من وراء ظهورهم

وقيل تسحبهم الملائكة تارة تأخذ بالنواصي وتارة تأخذ بالأقدام

٤٢

فبأى آلاء ربكما تكذبان وقوله تعالى

٤٣

هذه جهنم التى يكذب بها المجرمون على إرادة القول أى يقال لهم ذلك بطريق التوبيخ على أن الجملة أما استئناف وقع جوابا عن سؤال ناشئ من حكاية الأخذ بالنواصى والأقدام كأنه قيل فماذا يفعل بهم عند ذلك فقيل يقال الخ أو حال من أصحاب النواصى والاقدام لأن الألف واللام عوض عن المضاف إليه وما بينهما اعتراض

٤٤

يطوفون أى بين النار يحرقون بها

وبين حميم آن ماء بالغ من الحرارة أقصاها يصب عليهم أو يسقون منه

وقيل إذا استغاثوا من النار أغيثوا بالحميم

٤٥

فبأى آلاء ربكما تكذبان وقد اشير إلى سر كون بيان أمثال هذه الأمور من قبيل الآلاء مرارا

٤٦

ولمن خاف مقام ربه شروع فى تعداد الآلاء الفائضة عليهم فى الآخرة بعد تعداد ما وصل إليهم فى الدنيا من الآلاء الدينية والدنيوية واعلم أن ما عدد فيما بين هذه الآية وبين خاتمة السورة الكريمة من فنون الكرامات كما أن أنفسها آلاء جليلة واصلة إليهم فى الآخرة كذلك حكاياتها الواصلة إليهم فى الدنيا ألاء عظيمة لكونها داعية لهم إلى السعى فى تحصيل ما يؤدى إلى نيلها من الإيمان والطاعة وأن ما فصل من فاتحة السورة الكريمة إلى قوله تعالى كل يوم هو فى شأن من النعم الدينية والدنيوية الأنفسية والآفاقية آلاء جليلة واصلة إليهم فى الدنيا وكذلك حكاياتها من حيث إيجابها للشكر والمثابرة على ما يؤدى إلى استدامتها وأما ما عدد فيما بين قوله تعالى سنفرغ لكم وبين هذه الآية من الأحوال الهائلة التى ستقع فى الآخرة فليست هى من قبيل الآلاء وإنما الآلاء حكاياتها الموجبة للانزجار عما يؤدى على الابتلاء بها من الكفر والمعاصى كما أشير إليه فى تضاعيف تعدادها ومقامه تعالى موقفه الذى يقف فيه العباد للحساب يوم يقوم الناس لرب العالمين أو قيامه تعالى على أحواله من قام عليه إذا راقبه أو مقام الخائف عند ربه للحساب بأحد المعنيين وإضافته إلى الرب للتفخيم والتهويل أو مقحم للتعظيم

جنتان جنة للخائف الإنسى وجنة للخائف الجنى فإن الخطاب للفريقين فالمعنى لكل خائفين منكما أو لكل واحد جنة لعقيدته وأخرى لعمله أو جنة لفعل الطاعات وأخرى لترك المعاصى أو جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه أو روحانية وجسمانية وكذاا ما جاء مثنى بعد

٤٧

فبأى آلاء ربكما تكذبان وقوله تعالى

٤٨

ذواتا أفنان صفة لجنتان وما بينهما اعتراض وسط بينهما تنبيها على أن تكذيب كل من الموصوف والصفة موجب للإنكار والتوبيخ والأفنان أما جمع فن أى ذواتا أنواع من الأشجار والثمار أو جمع فنن أى ذواتا أغصان متشعبة من فروع الشجر وتخصيصها بالذكر لأنها التى تورق وتثمر وتمد الظل

٤٩

فبأى آلاء ربكما تكذبان وليس فيها شئ يقبل التكذيب

٥٠

فيهما عينان تجريان صفة أخرى لجنتان أى فى كل واحدة عين تجرى كيف يشاء صاحبها فى الاعالى والأسافل

وقيل تجريان من جبل من مسك وعن ابن عباس والحسن تجريان بالماء الزلال إحداهما التسنيم والأخرى السلسبيل

وقيل أحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين قال أبو بكر الوراق فيهما عينان تجريان لمن كانت عيناه فى الدنيا تجريان من مخافة اللّه عز و جل

٥١

فبأى آلاء ربكما تكذبان وقوله تعالى,

٥٢

فيهما من كل فاكهة زوجان أى صنفان معروف وغريب أو رطب ويابس صفة أخرى لجنتان وتوسيط الاعتراض بين الصفات لما مر آنفا

٥٣

فبأى آلاء ربكما تكذبان وقوله تعالى

٥٤

متكئين حال من الخائفين لأن من خاف فى معنى الجمع أو نصب على المدح

على فرش بطائنها من إستبرق من ديباج ثخين وحيث كانت بطائنها كذلك فما ظنك بظهائرها

وقيل ظهائرها من سندس

وقيل من نور

وجنى الجنتين دان أى ما يجتنى من أشجارها من الثمار قريب يناله القائم والقاعد والمضطجع قال ابن عباس رضى اللّه عنهما تدنو الشجرة حتى تجتنيها ولى اللّه إن شاء قائما وإن شاء قاعدا وإن شاء مضطجعا وقرئ بكسر الجيم

٥٥

فبأى آلاء ربكما تكذبان وقوله تعالى

٥٦

فيهن أى فى الجنان المدلول عليه بقوله تعالى جنتان لما عرفت أنهما لكل خائفين من الثقلين أو لكل خائف حسب تعدد عمله وقد اعتبر الجمعية فى قوله تعالى متكئين

وقيل فيهما من الأماكن والقصور

وقيل فى هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والفاكهة والفرش

قاصرات الطرف نساء يقصرن أبصارهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم

لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان أى لم يمس الإنسيات أحد من الإنس ولا الجنيات أحد من الجن قبل أزواجهن المدلول عليهم بقاصرات الطرف

وقيل بقوله تعالى متكئين وفيه دليل على أن الجن يطمثون وقرئ يطمثهن بضم الميم والجملة صفة لقاصرات الطرف لأن إضافتها لفظية أو حال منها لتخصصها بالإضافة

٥٧

فبأى آلاء ربكما تكذبان وقوله تعالى

٥٨

كأنهن الياقوت والمرجان أما صفة لقاصرات الطرف أو حال منها كالتى قبلها أى مشبهات بالياقوت فى حمرة الوجنة والمرجان أى صغار الدر فى بياض البشر وصفائها فإن صغار الدر أنصع بياضا من كباره قيل إن الحوراء تلبس سبعين حلة فيرى مخ ساقها من ورائها كما يرى الشراب الأحمر فى الزجاجة البيضاء

٥٩

فبأى آلاء ربكما تكذبان وقوله تعالى

٦٠

هل جزاء الإحسان إلا الأحسان استئناف مقرر لمضمون ما فصل قبله أى ما جزاء الإحسان فى العمل إلا الإحسان فى الثواب

٦١

فبأى آلاء ربكما تكذبان وقوله تعالى

٦٢

ومن دونهما جنتان مبتدأ وخبر أى ومن دون تينك الجنتين الموعودتين للخائفين المقربين جنتان أخريان لمن دونهن من أصحاب اليمين

٦٣

فبأى آلاء ربكما تكذبان وقوله تعالى

٦٤

مدهامتان صفة لجنتان وسط بينهما الاعتراض لما ذكر من التنبيه على أن تكذيب كل من الموصوف والصفة حقيق بالإنكار والتوبيخ أى خضراوان تضربان إلى السواد من شدة الخضرة وفيه إشعار بأن الغالب على هاتين الجنتين النبات والرياحين المنبسطة على وجه الأرض وعلى الأولين الأشجار والفواكه

٦٥

فبأى آلاء ربكما تكذبان

٦٦

فيهما عينان نضاختان أى فوارتان بالماء والنضح أكثر من النضح بالحاء المهملة وهو الرش

٦٧

فبأى آلاء ربكما تكذبان

٦٨

فيهما فاكهة ونخل ورمان عطف الأخيران على الفاكهة عطف جبريل وميكال على الملائكة بيانا لفضلهما فإن ثمرة النخل فاكهة وغذاء والرمان فاكهة ودواء وعن هذا قال أبو حنيفة رحمه اللّه من حلف لا يأكل فاكهة فأكل رمانا أو رطبا لم يحنث

٦٩

فبأى آلاء ربكما تكذبان وقوله تعالى

٧٠

فيهن خيرات صفة اخرى لجنتان كالجملة التى قبلها والكلام فى جميع الضمير كالذى مر فيما مر وخيرات مخففة من خيرات لأن خيرا الذى بمعنى أخير لا يجمع وقد قرئ على الأصل

حسان أى حسان الخلق والخلق

٧١

فبأى آلا وبكما تكذبان وقوله تعالى

٧٢

حور بدل من خيرات

مقصورات في الخيام قصرن في خدورهن يقال امرأة قصيرة وقصورة أى مخدرة أو مقصورات الطرف على أزواجهن

وقيل إن الخيمة من خيامهن درة مجوفة

٧٣

فبأى آلاء ربكام تكذبان وقوله تعالى

٧٤

لم يطمثهن أنس قبلهم ولا جان كالذى مر في نظيره من جميع الوجوه

٧٥

فبأى آلاء ربكما تكذبان

٧٦

متكئين نصب على الاختصاص

على رفرف خضر الرفرف أما اسم جنس أو اسم جمع واحده رفرفة قيل هو ماتدلى من الأسرة من أعالى الثياب

وقيل هو ضرب من البسط أو البسط

وقيل الوسائد

وقيل النمارق

وقيل كل ثوب عريض رفرف

وقيل لأطراف البسط وفضول الفسطاط رفارف ورفرف السحاب هيدبه

وعبقرى حسان العبقري منسوب الى عبقر تزعم العرب أنه اسم بلد الجن فينسبون إليه كل شيء عجيب والمراد به الجنس ولذلك وصف بالجمع حملا على المعنى كما في رفرف على أحد الوجهين وقرىء على رفارف خضر بضمتين وعباقري كمدائني نسبة الى عباقر في اسم البلد

٧٧

فبأى آلاء ربكما تكذبان وقوله تعالى

٧٨

تبرك اسم ربك تنزيه وتقديس له تعالى فيه تقرير لما ذكر في السورة الكريمة من آلائه الفائضة على الأنام أى تعالى اسمه الجليل الذى من جملته ما صدرت به السورة من اسم الرحمن المنبىء عن إفاضته الآلاء المفصلة وارتفع عما لا يليق بشأنه من الأمور التي من جملتها جحود نعمائه وتكذيبها وإذا كان حال اسمه بملامسة دلالته عليه فما ظنك بذاته الأقدس الأعلى

وقيل الاسم بمعنى الصفة

وقيل مقحم كما في قول من قال

... الى الحول ثم اسم السلام عليكما ...

ذى الجلال والإكرام وصف به الرب تكميلا لما ذكر من التنزيه والتقرير وقرىء ذو الجلال على أنه نعت للاسم عن النبي صلى اللّه عليه و سلم

من قرأ سروة الرحمن أدى شكر ما أنعم اللّه عليه

﴿ ٠