ÓõæÑóÉõ ÇáúÍóÔúÑö ãóÏóäöíøóÉñ æóåöíó ÃóÑúÈóÚñ æóÚöÔúÑõæäó ÂíóÉð سورة الحشربسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١سبح للّه ما فى السموات وما فى الأرض وهو العزيز الحكيم مر ما فيه من الكلام فى صدر سورة الحديد وقد كرر الموصول ههنا لزيادة التقرير والتنبيه على استقلال كل من الفريقين بالتسبيح روى أنه عليه الصلاة و السلام لما قدم المدينة صالح بنى النضير وهم رهط من اليهود من ذرية هرون عليه السلام نزلوا المدينة فى فتن بنى إسرائيل انتظارا لبعثة النبى عليه الصلاة و السلام وعاهدهم أن لا يكونوا له ولا عليه فلما ظهر عليه الصلاة و السلام يوم بدر قالوا هو النبى الذى نعته في التوارة لا ترد له راية فلما كان يوم أحد ما كان ارتابوا ونكثوا فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا الى مكة فحالفوا قريشا الى الكعبة على قتاله عليه الصلاة و السلام سقط فأمر عليه الصلاة و السلام محمد بن مسلمة الانصارى فقتل كعبا غيلة وكان أخاه من الرضاعة ثم صبحهم بالكتاب فقال لهم اخرجوا من المدينة فاستهملوه عليه الصلاة و السلام عشرة أيام ليتجهزوا للخروج فدس عبداللّه بن أبى المنافق وأصحابه إليهم لا تخرجوا من الحصن فإن قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم ولئن خرجتم لنخرجن معكم فدربوا على الأزقة وحصنوها فحاصرهم النبي عليه الصلاة و السلام إحدى وعشرين ليلة فلما قذف اللّه في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح فأبى عليهم إلا الجلاء على أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاؤوا من متاعهم فجلوا الى الشأم الى أريحا وأذرعات إلا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق وآل حيي بن أخطب فإنهم لحقوا بخيبر ولحقت طائفة منهم بالحيرة فإنزل اللّه تعالى سبح للّه مافي السموات الى قوله واللّه على كل شيء قدير وقوله تعالى ٢هو الذى اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب من ديارهم بيان لبعض آثار عزته تعالى واحكام حكمته إثر وصفه تعالى بالعزة القاهرة والحكمة الباهرة على الإطلاق والضمير راجع إليه تعلى بذلك العنوان أما بناء على كمال ظهور اتصافه تعالى بهما مع مساعدة تامة من المقام أو على جعله مستعارا لاسم الإشارة كما في قوله تعالى قل أرأيتم إن أخذ اللّه سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير اللّه يأتيكم به أي بذلك وعليه قول رؤبة بن العجاج ... كأنه في الجلد توليع البهق ... كما هو المشهور كأنه قيل ذلك المنعوت بالعزة والحكمة الذى أخرج الخ ففيه إشعار بأن في الإخراج حكمة باهرة وقوله تعالى لأول الحشر أى في أول حشرهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط وهم أول من أخرج من جزيرة العرب الى الشام أو هذا أول حشرهم وآخر حشرهم إجلاء عمر رضى اللّه عنه إياهم من خيبر الى الشام وقيل آخر حشرهم حشر يوم القيامة لأن المحشر يكون بالشام ما ظننتم أيها المسلمون أن يخرجوا من ديارهم بهذا الذل والهوان لشدة بأسهم وقوة منعتهم وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من اللّه اى ظنوا أن حصونهم تمنعهم أو ما نعتهم من بأس اللّه تعالى وتغيير النظم بتقديم الخبر وإسناد الجملة الى ضميرهم للدلالة على كمال وثوقهم بحصانة حصونهم واعتقادهم في أنفسهم أنهم في غرة ومنعة لا يبالى معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع في معازتهم ويجوز ان يكون ما نعتهم خبرا لأن وحصونهم مرتفعا على الفاعلية فأتاهم اللّه أى أمر اللّه تعالى وقدره المقدور لهم من حيث لم يحتسبوا ولم يخطر ببالهم وهو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف فإنه مما أضعف قوتهم وفل شوكتهم وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة وقيل الضمير في أتاهم ولم يحتسبوا للمؤمنين أى فأتاهم نصر اللّه وقرىء فتاهم أى فآتاهم اللّه العذاب أو النصر وقذف في قلوبهم الرعب أى أثبت فيها الخوف الذى يرعبها أى يملؤها يخربون بيوتهم بأيديهم ليسدوا بما نقضوا منها من الخشب والحجارة أفواه الأزقة ولئلا يبقى بعد جلائهم مساكن للمسلمين ولينقلوا معهم بعض آلاتها المرغوب فيها مما يقبل النقل وأيدى المؤمنين حيث كانوا يخربونها إزالة لمتحصنهم ومتمنعهم وتوسعا لمجال القتال ونكاية لهم وإسناد هذا إليهم لما أنهم السبب فيه فكانهم كلفوهم إياه وأمروهم به قيل الجملة حال أو تفسير للرعب وقرىء يخربون بالتشديد للتكثير وقيل الإخراب التعطيل أو ترك الشىء خرابا والتخريب النقض والهدم فاعتبروا يأولى الأبصار فاتعظوا بما جرى عليهم من الأمور الهائلة على وجه لا يكاد يهتدى إليه الأفكار واتقوا مباشرة ما أداهم إليه من الكفر والمعاصى أو انتقلوا من حال الفريقين الى حال أنفسكم فلا تعولوا على تعاضد الأسباب بل توكلوا على اللّه عز و جل وقد استدل به على حجية القياس كما فصل في موقعه ٣ولوا أن كتب اللّه عليهم الجلاء أى الخروج عن أوطانهم على ذلك الوجه الفظيع لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبى كما فعل ببنى قريظة ولهم في الآخرة عذاب النار استئناف غير متعلق بجواب لولا جىء به لبيان أنهم إن نجوا من عذاب الدنيا بكتابة الجلاء لانجاه لهم من عذاب الآخرة ٤ذلك أى ما حاق بهم وما سيحيق بأنهم بسبب أنهم شاقوا اللّه ورسوله وفعلوا ما فعلوا مما حكى عنهم من القبائح ومن يشاق اللّه وقرىء يشاقق اللّه كما في الانفال والاقتصار على ذكر مشاقته تعالى لتضمنها لمشاقته عليه الصلاة و السلام وليوافق قوله تعالى فإن اللّه شديد العقاب وهو أما نفس الجزاء قد حذف منه العائد الى من عند من يلتزمه أى شديد العقاب له أو تعليل للجزاء المحذوف أى يعاقبه اللّه فإن اللّه شديد العقاب وأياما كان فالشرطية تكملة لما قبلها وتقرير لمضمونه وتحقيق للسببية بالطريق البرهاني كأنه قيل ذلك الذى حاق بهم من العقاب العاجل والآجل بسبب مشاقتهم للّه تعالى ورسوله وكل من يشاق اللّه كائنا من كان فله بسبب ذلك عقاب شديد فإذن لهم عقاب شديد ٥ما قطعتم من لينة أى أى شيء قطعتم من نخلة وهى فعلى من اللون وياؤها مقلوبة من واو لكسرة ما قبلها كديمة وتجمع على ألوان وقيل من اللين وتجمع على لين وهي النخلة الكريمة أو تركتموها الضمير لما وتأنيثه لتفسيره باللينة كما في قوله تعالى ما يفتح اللّه للناس من رحمة فلا يمسك لها قائمة على أصولها كما كانت من غير أن تتعرضوا لها بشىء ما وقرىء على أصلها أما على الاكتفاء من الواو بالضم أو على أنه جمع كرهن وقرىء قائما على أصوله ذهابا الى لفظ ما فبإذن اللّه فذاك أى قطعها وتركها بأمر اللّه تعالى وليخزى الفاسقين أى وليذل اليهود ويغيظهم إذن في قطعها وتركها لأنهم إذا رأوا المؤمنين يتحكمون في أموالهم كيف أحبوا ويتصرفون فيها حسبما شاؤا من القطع والترك يزدادون غيظا ويتضاعفون حسرة واستدل به على جواز هدم ديار الكفرة وقطع أشجارهم وإحراق زروعهم زيادة لغيظهم وتخصيص اللينة بالقطع إن كانت من الألوان لاستبقاء العجوة والبرنية اللتين هما كرام النخيل وإن كانت هي الكرام ليكون غيظهم أشد وقوله تعالى ٦وما أفاء اللّه على رسوله شروع في بيان حال ما أخذ من أموالم بعد بيان ما حل بأنفسهم من العذاب العاجل والأجل وما فعل بديارهم ونخيلهم من التخريب والقطع أى ما أعاده إليه من ما لهم وفيه إشعار بانه كان حقيقا بأن يكون له عليه الصلاة و السلام وإنما وقع في أيديهم بغير حق فرجعه اللّه تعالى الى مستحقه لأنه تعالى خلق الناس لعبادته وخلق ما خلق ليتوسلوا به الى طاعته فهو جدير بأن يكون للمطيعين منهم أى من بنى النضير فما أوجفتم عليه أى فما أجريتم على تحصيله وتغنمه من الوجيف وهو سرعة السير من خيل ولا ركاب هى ما يركب من الإبل خاصة كما ان الراكب عندهم راكبها لا غير وأما راكب الفرس فإنما يسمونه فارسا ولا واحد لها من لفظها وإنما الواحدة منها راحلة والمعنى ما قطعتم لها شقة بعيدة ولا لقيتم مشقة شديدة ولا قتالا شديدا وذلك لأنه كانت قراهم على ميلين من المدينة فمشوا إليها مشيا وما كان فيهم راكب إلا النبي عليه الصلاة و السلام فافتحها صلحا من غير ان يجري بينهم مسابقة كانه قيل وما أفاء اللّه على رسوله منهم فما حصلتموه بكد اليمين وعرق الجبين ولكن اللّه يسلط رسله على من يشاء أى سنته تعالى جارية على أن يسلطهم على من يشاء من أعدائهم تسليطا خاصا وقد سلط النبي عليه الصلاة و السلام على هؤلاء تسليطا غير معتاد من غير أن تقتحموا مضايق الخطوب وتقاسوا شدائد الحروب فلا حق لكم في أموالهم واللّه على كل شيء قدير فيفعل ما يشاء كما يشاء تارة على الوجوه المعهودة وأخرى على غيرها وقوله تعالى ٧ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى بيان لمصارف الفىء بعد بيان إفاءته عليه الصلاة و السلام من غير أن يكون للمقاتلة فيه حق وإعادة عين العبارة الأولى لزيادة التقرير ووضع أهل القرى موضع ضميرهم للإشعار بشمول مالعقاراتهم فللّه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل اختلف في قسمة الفىء فقيل يسدس لظاهر الآية ويصرف سهم اللّه الى الكعبة وسائر المساجد وقيل يخمس لأن ذكر اللّه للتعظيم ويصرف الآن سهم الرسول عليه الصلاة و السلام إلى الإمام على قول وإلى العساكر والثغور على قول وإلى مصالح المسلمين على قول وقيل يخمس خمسة كالغنيمة فإنه عليه الصلاة و السلام كان يقسم الخمس كذلك ويصرف الأخماس الأربعة كما يشاء والآن على الخلاف المذكور كيلا يكون أى الفىء الذى حقه أن يكون للفقراء يعيشون به دوله بضم الدال وقرىء بفتحها وهي ما يدول الإنسان أى يدور من الغنى والجد والغلبة وقيل الدولة بالفتح من الملك بكسرها أو بالضم في المال وبالفتح في النصرة أى كيلا يكون جدا بين الأغنياء منكم يتكاثرون به أو كيلا يكون دولة جاهلية بينكم فإن الرؤساء منهم كانوا يستأثرون بالغنيمة ويقولون من عز بز وقيل الدولة بالضم ما يتداول كالغرفة اسم ما يغترف فالمعنى كيلا يكون الفىء شيئا يتداوله الأغنياء بينهم ويتعارونه فلا يصيب الفقراء والداولة بالفتح بمعنى التداول فالمعنى كيلا يكون ذا تداول بينهم أو كيلا يكون إمساكه تداولا بينهم لا يخرجونه الى الفقراء وقرىء دولة بالرفع على أن كان تامة أى كيلا يقع دولة على ما فصل من المعانى وما آتاكم الرسول أى ما أعطاكموه من الفىء أو من الأمر فخذوه فإنه حقكم أو فتمسكوا به فإنه واجب عليكم وما نهاكم عنه عن أخذه أو عن تعاطيه فانتهوا عنه واتقوا اللّه في مخالفته عليه الصلاة و السلام إن اللّه شديد العقاب فيعاقب من يخالف أمره ونهيه ٨للفقراء المهاجرين بدل من الذى القربى وما عطف عليه فإن الرسول عليه الصلاة و السلام لا يسمى فقيرا ومن أعطى أغنياء ذوى القربى خص الإبدال بما بعده وأما تخصيص اعتبار الفقر بفىء بنى النضير فتعسف ظاهر الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم حيث أضطرهم كفار مكة وأحوجوهم الى االخروج وكانوا مائة رجل فخرجوا منها يبتغون فضلا من اللّه ورضوانا اى طالبين منه تعالى رزقا فى الدنيا ومرضاة في الآخرة وصفوا أولا بما يدل على استحقاقهم للفىء من الإخراج من الديار والأموال وقيد ذلك ثانيا بما يوجب تفخيم شأنهم ويؤكده وينصرون اللّه ورسوله عطف على يبتغون فهى حال مقدرة اى ناوين لنصرة اللّه تعالى ورسوله أو مقارنة فإن خروجهم من بين الكفار مراغمين لهم مهاجرين الى المدينة نصرة وأى نصرة أولئك الموصوفون بما فصل من الصفات الحميدة هم الصادقون الراسخون في الصدق حيث ظهر ذلك بما فعلوا ظهورا بينا ٩والذين تبوأوا الدار والإيمان كلام مستأنف مسوق لمدح الأنصار بخصال حميدة من جملتها محبتهم للمهاجرين ورضاهم باختصاص الفئ بهم أحسن رضا وأكمله ومعنى تبوئهم الدار أنهم اتخذوا المدينة والإيمان مباءة وتمكنوا فيهما أشد تمكن على تنزيل الحال منزلة المكان وقيل ضمن التبوؤ ومعنى اللزوم وقيل تبوؤا الدار وأخلصوا الإيمان كقول من قال ... علفتها تبنا وماءا باردا ... وقيل المعنى تبوؤا دار الهجرة ودار الإيمان فحذف المضاف إليه من الأول وعوض منه اللام وقيل سمى المدينة بالإيمان لكونها مظهره ومنشأه من قبلهم أى من قبل هجرة المهاجرين على المعانى الأول ومن قبل تبوؤ المهاجرين على الأخيرين ويجوز أن يجعل إتخاذ الإيمان مباءة ولزومه وإخلاصه على المعانى الأول عبارة عن إقامة كافة حقوقه التى من جملتها إظهار عامة شعائره وأحكامه ولا ريب فى تقدم الأنصار في ذلك على المهاجرين لظهور عجزهم عن إظهار بعضها لا عن إخلاصه قلبا واعتقادا إذ لا يتصور تقدمهم عليهم فى ذلك يحبون من هاجر إليهم خبر للموصول أى يحبونهم من حيث مهاجرتهم إليهم لمحبتهم الإيمان ولا يجدون فى صدورهم أى فى نفوسهم حاجة أى شيئا محتاجا إليه يقال خذ منه حاجتك أى ما تحتاج إليه وقيل إثر حاجة كالطلب والحرازة والحسد والغيظ مما أوتوا أى مما أوتى المهاجرون من الفئ وغيره ويؤثرون أى يقدمون المهاجرين على أنفسهم فى كل شئ من أسباب المعاش حتى أن من كان عنده امرأتان كان ينزل عن إحداهما ويزوجها واحدا منهم ولو كان بهم خصاصة أى حاجة وخلة وأصلها خصاص البيت وهى فرجه والجملة فى حيز الحال وقد عرفت وجهه مرارا وكان النبى عليه الصلاة و السلام قسم أموال بنى النضير على المهاجرين ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة نفر محتاجين أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحرث بن الصمة وقال لهم إن شئتم قسمتم للمهاجرين من اموالكم ودياركم وشاركتموهم فى هذه الغنيمة وإن شئتم كانت لكم دياركم واموالكم ولم يقسم لكم شئ من الغنيمة فقالت الانصار بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فنزلت وهذا صريح فى ان قوله تعالى والذين تبوؤا الخ مستأنف غير معطوف على الفقراء أو المهاجرين نعم يجوز عطفه على أولئك فإن ذلك إنما يستدعى شركة الأنصار للمهاجرين فى الصدق دون الفىء فيكون قوله تعالى يحبون وما عطف عليه استئنافا مقررا لصدقهم أو حالا من ضمير تبوؤا ومن يوق شح نفسه الشح بالضم والكسر وقد قرئ به أيضا اللؤم وإضافته إلى النفس لأنه غريزة فيها مقتضية للحرص على المنع الذى هو البخل أى ومن يوق بتوفيق اللّه تعالى شحها حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الإنفاق فأولئك إشارة إلى من باعتبار معناها العام المنتظم للمذكورين انتظاما أوليا هم المفلحون الفائزون بكل مطلوب الناجون عن كل مكروه والجملة اعتراض وارد لمدح الأنصار والثناء عليهم وقرئ يوق بالتشديد ١٠والذين جاؤا من بعدهم هم الذين هاجروا بعد ما قوى الإسلام أو التابعون بإحسان وهم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة ولذلك قيل إن الآية قد استوعبت جميع المؤمنين وأيا ما كان فالموصول مبتدأ وخبره يقولون الخ والجملة مسوقة لمدحهم بمحبتهم لمن تقدمهم من المؤمنين ومراعاتهم لحقوق الأخوة فى الدين والسبق بالإيمان كما أن ما عطفت عليه من الجملة السابقة لمدح الأنصار أى يدعون لهم ربنا اغفر لنا ولإخواننا أى فى الدين الذى هو أعز وأشرف عندهم من النسب للذين سبقونا بالإيمان وصفوهم بذلك اعترافا بفضلهم ولا تجعل فى قلوبنا غلا وقرئ غمرا وهما الحقد للذين آمنوا على الإطلاق ربنا إنك رؤوف رحيم أى مبالغ فى الرأفة والرحمة فحقيق بأن تجيب دعاءنا ١١ألم تر إلى الذين نافقوا حكاية لما جرى بين الكفرة والمنافقين من الأقوال الكاذبة والأحوال الفاسدة وتعجيب منها بعد حكاية محاسن أحوال المؤمنين وأقوالهم على اختلاف طبقاتهم والخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أو لكل أحد ممن له حظ من الخطاب وقوله تعالى يقولون الخ استئناف لبيان المتعجب منه وصيغة المضارع للدلالة على استمرارا قولهم أو لاستحضار صورته واللام فى قوله تعالى لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب للتبليغ والمراد بإخوتهم أما توافقهم فى الكفر أو صداقتهم وموالاتهم واللام فى قوله تعالى لئن أخرجتم أى من دياركم قسرا موطئة للقسم وقوله تعالى لنخرجن معكم جواب القسم أى واللّه لئن أخرجتم لنخرجن معكم البتة ونذهبن فى صحبتكم أينما ذهبتم ولا نطيع فيكم أى فى شأنكم أحدا يمنعنا من الخروج معكم أبدا وإن طال الزمان وقيل لا نطيع فى قتالكم أو خذلانكم وليس بذاك لأن تقدير القتال مترقب بعد ولأن وعدهم لهم على ذلك التقدير ليس مجرد عدم طاعتهم لمن يدعوهم إلى قتالهم بل نصرتهم عليه كما ينطق به قوله تعالى وإن قوتلتم لننصرنكم أى لنعاوننكم على عدوكم على أن دعوتهم إلى خذلان اليهود مما لا يمكن صدوره عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم والمسلمين حتى يدعوا عدم طاعتهم فيها ضرورة أنها لو كانت لكانت عند استعدادهم لنصرتهم وإظهار كفرهم ولا ريب فى أن ما يفعله عليه الصلاة و السلام عند ذلك قتلهم لا دعوتهم إلى ترك نصرتهم وأما الخروج معهم فليس بهذه المرتبة من إظهار الكفر لجواز أن يدعوا أن خروجهم معهم لما بينهم من الصداقة الدنيوية لا للموافقة فى الدين واللّه يشهد إنهم لكاذبون فى مواعيدهم المؤكدة بالإيمان الفاجرة وقوله تعالى ١٢لئن أخرجوا لا يخرجون معهم الخ تكذيب لهم فى كل واحد من أقوالهم على التفصيل بعد تكذيبهم في الكل على الإجمال ولئن قوتلوا لاينصرونهم وكان الأمر كذلك فإن إبن أبى وأصحابه أرسلوا الى بنى النضير ذلك سرا ثم أخلفوهم وفيه حجة بينة لصحة النبوة وإعجاز القرآن ولئن نصروهم على الفرض والتقدير ليولن الأدبار فرارا ثم لا ينصرون اى المنافقون بعد ذلك اى يهلكهم اللّه ولا ينفهم نفاقهم لظهور كفرهم أو ليهزمن اليهود ثم لا ينفعهم نصرة المنافين بعد ذلك ١٣لأ نتم أشد رهبة أى أشد مرهوبية على أنها مصدر من المبنى للمفعول في صدورهم من اللّه أى رهبتهم منكم في السر أشد مما يظهرونه لكم من رهبة اللّه فإنهم كانوا يدعون عندهم رهبة عظيمة من اللّه تعالى ذلك أى ما ذكر من كون رهبتهم منكم أشد من رهبة اللّه بأنهم بسبب أنهم قوم لا يفقهون أى شيئا حتى يعلموا عظمة اللّه تعالى فيخشوه حق خشيته ١٤لا يقاتلونكم أى اليهود والمنافقون بمعنى لا يقدرون على قتالكم جميعا اى مجتمعين متفقين في موطن من المواطن إلا في قرى محصنة بالدروب والخنادق أو من وراء جدر دون ان يصحروا لكم ويبارزوكم لفرط رهبتهم وقرىء جدر بالتخفيف وقرىء جدار وبإمالة فتحة الدال وجدر وجدر وهما الجدار بأسهم بينهم شديد استئناف سيق لبيان أن ما ذكر من رهبتم ليس لضعفهم وجبنهم في أنفسهم فإن بأسهم بالنسبة الى أقرانهم شديد وإنما ضعفهم وجبنهم بالنسبة إليكم بما قذف اللّه تعالى في قلوبهم من الرعب تحسبهم جميعا مجتمعين متفقين وقلوبهم شتى متفرقة لا ألفة بينها ذلك اى ما ذكر من تشتت قلوبهم بسبب أنهم قوم لا يعقلون أى لا يعقلون شيئا حتى يعرفوا الحق ويتبعوه وتطمئن به قلوبهم وتتحد كلمتهم ويرموا عن قوس واحدة فيقعون في تيه الضلال وتتشتت قلوبهم حسب تشتت طرقه وتفرق فنونه وأما ما قيل من أن المعنى لا يعقلون أن تشتت القلوب مما يوهن قواهم فبمعزل من السداد وقوله تعالى ١٥كمثل الذين من قبلهم خبر مبتدأ محذوف تقديره مثلهم أى مثل المذكورين من اليهود والمنافقين كمثل أهل بدر أو بنى قينقاع على ما قيل إنهم أخرجوا قبل بني النضير قريبا في زمان قريب وانتصابه بمثل ذا التقدير كوقوع مثل الخ ذاقوا وبال أمرهم أى سوء عاقبة كفرهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب أليم لا يقادر قدره والمعنى أن حال هؤلاء كحال أولئك في الدنيا والآخرة لكن لا على أن حال كلهم كحالهم بل حال بعضهم الذين هم اليهود كذلك وأما حال المنافقين فهى ما نطق به قوله تعالى ١٦كمثل الشيطان فإنه خبر ثان للمبتدأ المقدر مبين لحالهم متضمن لحال أخرى لليهود وهى اغترارهم بمقابلة المنافقين أولا وخيبتهم آخرا وقد أجمل فى النظم الكريم حيث أسند كل من الخبرين إلى المقدر المضاف إلى ضمير الفريقين من غير تعيين ما أسند إليه بخصوصه ثقة بأن السامع يرد كلا من المثلين إلى ما يماثله كأنه قيل مثل اليهود فى حلول العذاب بهم كمثل الذين من قبلهم الخ ومثل المنافقين فى إغرائهم إياهم على القتال حسبما نقل عنهم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر أى اغراه على الكفر إغراء الآمر الأمور على المأمور به فلما كفر قال إنى برئ منك وقرئ أنا برئ منك إن أريد بالإنسان الجنس فهذا التبرؤ من الشيطان يكون يوم القيامة كما ينبئ عنه قوله تعالى إنى أخاف اللّه رب العالمين وإن أريد به أبو جهل فقوله تعالى اكفر عبارة عن قول إبليس يوم بدر لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم وتبرؤه قوله يومئذ إنى برئ منكم إنى أرى ما لا ترون إنى أخاف اللّه الآية ١٧فكان عاقبتهما بالنصب على أنه خبر كان واسمها أنهما فى النار وقرئ بالعكس وقد مر أنه أوضح خالدين فيها وقرئ خالدان فيها على أنه خبر أن وفى النار لغو وذلك جزاء الظالمين أى الخلود فى النار جزاء الظالمين على الإطلاق دون هؤلاء خاصة ١٨يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه أى فى كل ما تأتون وما تذرون ولتنظر نفس ما قدمت لغد أى أى شئ قدمت من الأعمال ليوم القيامة عبر عنه بذلك لدنوه أو لأن الدنيا كيوم والآخرة غده وتنكيره لتفخيمه وتهويله كأنه قيل لغد لا يعرف كنهه لغاية عظمه وأما تنكير نفس فلاستقلال الأنفس النواظر فيما قدمن لذلك اليوم الهائل كأنه قيل ولتنظر نفس واحدة ذلك واتقوا اللّه تكرير للتأكيد أو الأول فى أداء الواجبات كما يشعر به ما بعده من الأمر بالعمل وهذا ترك المحارم كما يؤذن به الوعيد بقوله تعالى إن اللّه خبير بما تعملون أى من المعاصى ١٩ولا تكونوا كالذين نسوا اللّه أى نسوا حقوقه تعالى وما قدروه حق قدره ولم يراعوا مواجب أوامره ونواهيه حق رعايتها فأنساهم بسبب ذلك أنفسهم أى جعلهم ناسين لها حتى لم يسمعوا ما ينفعها ولم يفعلوا ما يخلصها أو أراهم يوم القيامة من الأهوال ما أنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون الكاملون في الفسوق ٢٠لا يستوى أصحاب النار الذين نسوا اللّه تعالى فاستحقوا الخلود في النار وأصحاب الجنة الذين اتقوا اللّه فاستحقوا الخلود في الجنة ولعل تقديم أصحاب النار في الذكر للإيذان من أول الأمر بأن المقصور الذى ينبىء عنه عدم الاستواء من جهتهم لا من جهة مقابليهم فإن مفهوم عدم الاستواء بين الشيئين المتفاوتين زيادة ونقصانا وإن جاز اعتباره بحسب زيادة الزائد لكن المتبادر اعتباره بحسب نقصان الناقص وعليه قوله تعالى هل يستوى الأعمى والبصير أم هل يستوى الظلمات والنور الى غير ذلك من المواقع وأما قوله تعالى هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون فلعل تقديم الفاضل فيه لأن صلته ملكة لصلة المفضول والأعدام مسبوقة بملكاتها ولا دلالة في الآية الكريمة على ان المسلم لا يقتص بالكافرون وان الكفار لا يملكون اموال المسلمين بالقهر لأن المراد عدم الاستواء في الأخروية كما ينبىء عنه التعبير عن الفريقين بصاحبية النار وصاحبتيه الجنة وكذا قوله تعالى أصحاب الجنة هم الفائزون فإنه استئناف مبين لكيفية عدم الاستواء بين الفريقين أى هم الفائزون بكل مطلوب الناجون عن كل مكروه ٢١لو أنزلنا هذا القرآن العظيم الشأن المنطوى على فنون القوارع على جبل من الجبال لرأيته مع كونه علما في القسوة وعدم التأثر مما يصادمه خاشعا متصدعا من خشية اللّه أى متشققا منها وقرىء مصدعا بالإدغام وهذا تمثيل وتخييل لعلو شان القرآن وقوة تأثير ما فيه من المواعظ كما ينطق به قوله تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون أريد به توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وعدم تخشعه عند تلاوته وقلة تدبره فيه ٢٢هو اللّه الذى لا إله إلا هو وحده عالم الغيب والشهادة أى ما غاب عن الحس من الجواهر القدسية وأحالها وما حضر له من الأجرام وأعراضاها وتقديم الغيب على الشهادة لتقدمه في الوجود وتعلق العلم القديم به أو المعدوم والموجود أو السر والعلانية هو الرحمن الرحيم ٢٣هو اللّه الذى لا إله إلا هو كرر لإبراز الاعتناء بامر التوحيد الملك القدوس البليغ في النزاهة عما يوجب نقصانا وقرىء بالفتح وهي لغة فيه السلام ذو السلامة من كل نقص وآفة مصدر وصف به للمبالغة المؤمن واهب الأمن وقرىء بالفتح بمعنى المؤمن به على حذف الجار المهيمن الرقيب الحافظ لكل شيء مفيعل من الأمن بقلب همزته هاء العزيز الغالب الجبار الذى جبر خلقه على ما أراد أو جبر أحوالهم أى أصلحها المتكبر الذى تكبر عن كل ما يوجب حاجة أو نقصانا أو البليغ الكبرياء والعظمة سبحان اللّه عما يشركون تنزيه له تعالى عما يشركونه به تعالى أو عن إشراكهم به تعالى إثر تعداد صفاته التي لا يمكن أن يشاركه تعالى في شيء منها شيء ما اصلا ٢٤هو اللّه الخالق المقدر للأشياء على مقتضى حكمته البارىء الموجد لها بريئا من التفاوت وقيل المميز بعضها من بعض بالأشكال المختلفة المصور الموجد لصورها وكيفيتها كما أراد له الأسماء الحسنى لدلاتها على المعانى الحسنة يسبح له ما في السموات والأرض ينطق بتنزهه تعالى عن جميع النقائض تنزها ظاهرا وهو العزيز الحكيم الجامع للكمالات كافة فإنها مع تكثرها وتشعبها راجعة الى الكمال في القدرة والعلم عن النبي عليه الصلاة و السلام من قرأ سورة الحشر غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تاخر |
﴿ ٠ ﴾