٢

هو الذى اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب من ديارهم بيان لبعض آثار عزته تعالى واحكام حكمته إثر وصفه تعالى بالعزة القاهرة والحكمة الباهرة على الإطلاق والضمير راجع إليه تعلى بذلك العنوان أما بناء على كمال ظهور اتصافه تعالى بهما مع مساعدة تامة من المقام أو على جعله مستعارا لاسم الإشارة كما في قوله تعالى قل أرأيتم إن أخذ اللّه سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير اللّه يأتيكم به أي بذلك وعليه قول رؤبة بن العجاج

... كأنه في الجلد توليع البهق ...

كما هو المشهور كأنه قيل ذلك المنعوت بالعزة والحكمة الذى أخرج الخ ففيه إشعار بأن في الإخراج حكمة باهرة وقوله تعالى

لأول الحشر أى في أول حشرهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط وهم أول من أخرج من جزيرة العرب الى الشام أو هذا أول حشرهم وآخر حشرهم إجلاء عمر رضى اللّه عنه إياهم من خيبر الى الشام

وقيل آخر حشرهم حشر يوم القيامة لأن المحشر يكون بالشام

ما ظننتم أيها المسلمون

أن يخرجوا من ديارهم بهذا الذل والهوان لشدة بأسهم وقوة منعتهم

وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من اللّه اى ظنوا أن حصونهم تمنعهم أو ما نعتهم من بأس اللّه تعالى وتغيير النظم بتقديم الخبر وإسناد الجملة الى ضميرهم للدلالة على كمال وثوقهم بحصانة حصونهم واعتقادهم في أنفسهم أنهم في غرة ومنعة لا يبالى معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع في معازتهم ويجوز ان يكون ما نعتهم خبرا لأن وحصونهم مرتفعا على الفاعلية

فأتاهم اللّه أى أمر اللّه تعالى وقدره المقدور لهم

من حيث لم يحتسبوا ولم يخطر ببالهم وهو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف فإنه مما أضعف قوتهم وفل شوكتهم وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة

وقيل الضمير في أتاهم ولم يحتسبوا للمؤمنين أى فأتاهم نصر اللّه وقرىء فتاهم أى فآتاهم اللّه العذاب أو النصر

وقذف في قلوبهم الرعب أى أثبت فيها الخوف الذى يرعبها أى يملؤها

يخربون بيوتهم بأيديهم ليسدوا بما نقضوا منها من الخشب والحجارة أفواه الأزقة ولئلا يبقى بعد جلائهم مساكن للمسلمين ولينقلوا معهم بعض آلاتها المرغوب فيها مما يقبل النقل

وأيدى المؤمنين حيث كانوا يخربونها إزالة لمتحصنهم ومتمنعهم وتوسعا لمجال القتال ونكاية لهم وإسناد هذا إليهم لما أنهم السبب فيه فكانهم كلفوهم إياه وأمروهم به قيل الجملة حال أو تفسير للرعب وقرىء يخربون بالتشديد للتكثير

وقيل الإخراب التعطيل أو ترك الشىء خرابا والتخريب النقض والهدم

فاعتبروا يأولى الأبصار فاتعظوا بما جرى عليهم من الأمور الهائلة على وجه لا يكاد يهتدى إليه الأفكار واتقوا مباشرة ما أداهم إليه من الكفر والمعاصى أو انتقلوا من حال الفريقين الى حال أنفسكم فلا تعولوا على تعاضد الأسباب بل توكلوا على اللّه عز و جل وقد استدل به على حجية القياس كما فصل في موقعه

﴿ ٢