ÓõæÑóÉõ Çáúãõáúßö ãóßøöíøóÉñ

æóåöíó ËóáÇóËõæäó ÂíóÉð

سورة الملك

سورة الملك مكية وتسمى الواقية والمنجية لأنها تقي وتنجي قارئها من عذاب القبر وآياتها ثلاثون بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

تبارك الذى بيده الملك البركة والنماء والزيادة حسية كانت أو عقلية وكثرة الخير ودوامه ايضا ونسبتها الى اللّه عز و جل على المعنى الأول

وهو الأليق بالمقام باعتبار تعاليه عما سواه في ذاته وصفاته وأفعاله وصيغة التفاعل للمبالغة في ذلك فان مالا يتصور نسبته اليه تعالى من الصيغ كالتكبر ونحوه انما تنسب اليه سبحانه باعتبار غاياتها وعلى الثاني باعتبار كثرة ما يفيض منه على مخلوقاته من فنون الخيرات والصيغة حينئذ يجوز ان تكون لافادة نماء تلك الخيرات وازديادها شيئا فشيئا وآنا فآنا بحسب حدوثها أو حدوث متعلقاتها ولاستقلالها بالدلالة على غاية الكمال وانبائها عن نهاية التعظيم لم يجز استعمالها في حق غيره سبحانه ولا استعمال غيرها من الصيغ في حقه تبارك وتعالى واسنادها الى الموصول للاستشهاد بما في حيز الصلة على تحقق مضمونها واليد مجاز عن القدرة التامة والاستيلاء الكامل أي تعالى وتعاظم بالذات عن كل ما سواه ذاتا وصفة وفعلا الذي بقبضة قدرته التصرف الكلي في كل الأمور

وهو على كل شيء من الأشياء

قدير مبالغ في القدرة عليه يتصرف فيه حسبما تقتضيه مشيئته المببنية على الحكم البالغة والجملة معطوفة على الصلة مقررة لمضمونها مفيدة لجريان احكام ملكه تعالى في جلائل الأمور ودقائقها وقوله تعالى

٢

الذي خلق الموت والحياة شروع في تفصيل بعض أحكام الملك وآثار القدرة وبيان ابتنائهما على قوانين الحكم والمصالح واستتباعهما لغايات جليلة والموصول بدل من الموصول الأول داخل معه في حكم الشهادة بتعاليه تعالى والموت عند اصحابنا صفة وجودية مضادة للحياة وأما ما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما من أنه تعالى خلق الموت في صورة كبش املح لا يمر بشيء ولا يجد رائحتها شيء الا حي وخلق الحياة في صورة فرس بلقاء لا تمر بشيء ولا يجد رائحتها شيء إلا حي فكلام وارد على منهاج التمثيل والتصوير

وقيل هو عدم الحياة فمعنى خلقه حينئذ تقديره أو ازالة الحياة وأيا ما كان فالأقرب ان المراد به الموت الطارىء وبالحياة ما قبله وما بعده لظهور مداريتهما لما ينطق به قوله تعالى

ليبلوكم أيكم أحسن عملا فان استدعاء ملاحظتهما لاحسان العمل مما لا ريب فيه مع أن نفس العمل لا يتحقق بدون الحياة الدنيوية وتقديم الموت لكونه ادعى الى احسان العمل واللام متعلقة بخلق اي خلق موتكم وحياتكم على ان الالف واللام عوض عن المضاف اليه ليعاملكم معاملة من يختبركم ايكم احسن عملا فيجازيكم على مراتب متفاوته حسب تفاوت طبقات علومكم واعمالكم فان العمل غير مختص بعمل الجوارح ولذلك فسره عليه الصلاة و السلام بقوله ايكم احسن عقلا واورع عن محارم اللّه واسرع في طاعة اللّه فان لكل من القلب والقالب عملا خاصا به فكما ان الأول اشرف من الثاني كذلك الحال في عمله كيف لا ولا عمل بدون معرفة اللّه عز و جل الواجبة على العباد اثر ذي اثير وانما طريقها النظري التفكر في بدائع صنع اللّه تعالى والتدبر في آياته المنصوبة في الأنفس والآفاق وقد وقد روي عنه عليه الصلاة و السلام انه قال لا تفضلوني على يونس بن متى فانه كان يرفع له كل يوم مثل عمل اهل الأرض قالوا وانما كان ذلك التفكر في أمر اللّه عز و جل الذي هو عمل القلب ضرورة ان احدا لا يقدر على ان يعمل بجوارحه كل يوم مثل عمل اهل الأرض وتعليق فعل البلوي اي تعقيبة بحرف الاستفهام لا التعليق المشهور الذي يقتضي عدم ايراد المفعول اصلا مع اختصاصه بأفعال القلوب لما فيه من معنى العلم باعتبار عاقبته كالنظر ونظائره ولذلك اجري مجراه بطريق التمثيل

وقيل بطريق الاستعارة التبعية وايراد صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل لهم باعتبار اعمالهم المنقسمة الى الحسن والأحسن فقط للايذان بأن المراد بالذات والمقصد الأصلي من الابتلاء هو ظهور كمال احسان المحسنين مع تحقق اصل الايمان والطاعة في الباقين ايضا لكمال تعاضد الموجبات له

وأما الاعارض عن ذلك فبمعزل من الاندراج تحت الوقوع فضلا عن الانتظام في سلك الغاية للأفعال الاليهة وانما هو عمل يصدر عن عامله بسوء اختياره من غير مصحح له ولا تقريب وفيه من الترغيب في الترقي الى معارج العلوم ومدارج الطاعات والزجر عن مباشرة نقائضها ما لا يخفي

وهو العزيز الغالب الذي لا يفوته من أساء العمل

الغفور لمن تاب منهم

٣

الذي خلق سبع سموات قيل هو نعت للعزيز الغفور أو بيان أو بدل والأوجه انه نصب أو رفع على المدح متعلق بالموصولين السابقين معنى وان كان منقطعا عنهما اعرابا كما مر تفصيله في قوله تعالى الذين يؤمنون بالغيب من سورة البقرة منتظم معهما في سلك الشهادة بتعاليه اليه سبحانه ومع الموصول الثاني في كونه مدارا للبلوي كما نطق به قوله تعالى وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا وقوله تعالى

طباقا صفة لسبع سموات اي مطابقة على أنه مصدر طابقت النعل اذا خصفتها وصف به المفعول أو مصدره مؤكد لمحذوف هو صفتها اي طوبقت طباقا وقوله تعالى

ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت صفة اخرى لسبع سموات وضع فيها خلق الرحمن موضوع الضمير للتعظيم والاشعار بعلة الحكم وبأنه تعالى خلقها بقدرته القاهرة رحمة وتفضلا وبأن في ابداعها نعما جليلة أو استئناف والخطاب للرسول صلى اللّه عليه و سلم أو لكل احد ممن يصلح للخطاب ومن لتأكيد النفي أي ما ترى فيه شيئا من تفاوت اي اختلاف وعدم تناسب من الفوت فان كلا من المتفاوتين يفوت منه بعض ما في الآخر وقرىء من تفوت ومعناهما واحد وقوله تعالى

فارجع البصر هل ترى من فطور متعلق به على معنى التسبيب حيث اخبر اولا بأنه لا تفاوت في خلقهن

٤

ثم فارجع البصر حتى يتضح لك ذلك بالمعاينة ولا يبقى عندك شبهة ما والفطور الشقوق والصدوع جمع فطر وهو الشق يقال فطره فانفطر ثم ارجع البصر

كرتين اي رجعتين اخريين في ارتياد الخلل والمراد بالتثنية التكرير والتكثير كما في لبيك وسعديك اي رجعة بعد رجعة وان كثرت

ينقلب اليك البصر خاسئا اي بعيدا محروما من اصابة ما التمسه من العيب والخلل كأنه يطرد عن ذلك طردا بالصغار والقماءة

وهو حسير اي كليل لطول المعاودة وكثرة المراجعة وقوله تعالى

٥

ولقد زينا السماء الدنيا بيان لكون خلق السموات في غاية الحسن والبهاء اثر بيان خلوها عن شائبة القصور وتصدير الجملة بالقسم لابراز كمال الاعتناء

بمضمونها اي وباللّه لقد زينا اقرب السموات الى الأرض بمصابيح اي بكواكب مضيئة بالليل اضاءة السرج من السيارات والثوابت تتراءى كأن كلها مركوزة فيها مع أن بعضها في سائر السموات وما ذاك الا لأن كل واحدة منها مخلوقة على نمط رائق تحار في فهمه الأفكار وطراز فائق تهيم في دركه الأنظار

وجعلناها رجوما للشياطين وجعلنا لها فائدة اخرى هى رجم اعدائكم بانقضاض الشهب المقتبسة من نار الكواكب

وقيل معناه وجعلناها ظنونا ورجوما بالغيب لشياطين الانس وهم المنجمون ولا يساعده المقام والرجوم جمع رجم بالفتح وهو ما يرجم به

واعتدنا لهم في الآخرة

عذاب السعير بعد الاحتراق في الدنيا بالشهب

٦

وللذين كفروا بربهم من الشياطين وغيرهم

عذاب جهنم وقرئ بالنصب على أنه عطف على

عذاب السعير وللذين على لهم

  وبئس المصير أي جهنم

٧

اذا القوا فيها سمعوا لها اي لجهنم وهو متعلق بمحذوف وقع حالا من قوله تعالى

  شهيقا لأنه في الأصل صفته فلما قدمت صارت حالا أي سمعوا كائنا لها شهيقا أي صوتا كصوت الحمير وهو حسيسها المنكر الفظيع قالوا الشهيق في الصدر والزفير في الحلق

  وهي تفور اي والحال أنها تغلي بهم غليان المرجل بما فيه وجعل الشهيق لأهلها منهم وممن طرح فيها قبلهم كما في قوله تعالى لهم فيها زفير وشهيق يرده قوله تعالى

٨

تكاد تميز اي تتميز وتتفرق

من الغيظ اي من شدة الغضب عليهم فانه صريح في انه من آثار الغضب عليهم كما في قوله تعالى سمعوا لها تغيظأ وزفيرا فأين هو من شهيقهم الناشيء من شدة ما يقاسونه من العذاب الأليم والجملة أما حال من فاعل تفور أو خبر آخر وقوله تعالى

كلما القى فيها فوج استئناف مسوق لبيان حال أهلها بعد بيان حال نفسها

وقيل حال من ضميرها اي كلما القي فيها جماعة من الكفرة

سألهم خزنتها بطريق التوبيخ والتقريع ليزدادوا عذابا فوق عذاب وحسرة على حسرة

الم يأتكم نذير يتلو عليكم آيات ربكم وينذركم لقاء يومكم هذا كما وقع في سورة الزمر ويعرب عنه جوابهم ايضا

٩

قالوا اعترافا بأنه تعالى قد ازاح عللّهم بالكليه بلى قد جاءنا نذير جامعين بين حرف الجواب ونفس الجملة المجاب بها مبالغة في الاعتراف بمجيء النذير وتحسرا على ما فاتهم من السعادة في تصديقهم وتمهيدا لبيان ما وقع منهم من التفريط تندما واغتماما على ذلك اي قال كل فوج من تلك الأفواج

قد جاءنا نذير اي واحدة حقيقة أو حكما كأنبياء بني اسرائيل فانهم حكم نذير واحد فأنذرنا وتلا علينا ما نزل اللّه تعالى عليه من آياته

فكذبنا ذلك النذير في كونه نذيرا من جهته تعالى

وقلنا في حق ما تلاه من الآيات افراطا في التكذيب وتماديا في النكير

ما نزل اللّه أحد

من شيء من الأشياء فضلا عن تنزيل الآيات عليكم

ان انتم اي ما انتم في ادعاء انه تعالى نزل عليكم آيات تنذروننا بما فيها

الا في ضلال كبير بعيد عن الحق والصواب وجمع ضمير الخطاب مع ان مخاطب كل فوج نذيره لتغليبه على أمثاله مبالغة في التكذيب وتماديا في التضليل كما ينبىء عنه تعميم المنزل مع ترك ذكر المنزل عليه فانه ملوح بعمومه حتما

وأما اقامة تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل فأمر تحقيقى يصار اليه لتهويل ما ارتكبوه من الجنايات لامساغ لاعتباره من جهتهم ولا لادراجه تحت عبارتهم كيف لا وهو منوط بملاحظة اجماع النذر على مالا يختلف من الشرائع والأحكام باختلاف العصور والأعوام وأين هم من ذلك وقد حال الجريض دون القريض هذا اذا جعل ما ذكر حكاية عن كل واحد من الأفواج

وأما اذا جعل حكاية عن الكل فالنذير أما بمعنى الجمع لأنه فعيل أو مصدر مقدر بمضاف عام اي اهل نذير أو منعوت به فيتفق كلا طرفي الخطاب في الجمعية ومن اعتبر الجمعية بأحد الوجوه الثلاثة على التقدير الأول ولم يخص اعتبارها بالتقدير الأخير فقد اشتبه عليه الشئون واختلط به الظنون وقد جوز ان يكون الخطاب من كلام الخزنة للكفار على ارادة القول على أن مرادهم بالضلال ما كانوا عليه في الدنيا أو هلاكهم أو عقاب ضلالهم تسمية له باسم سببه وان يكون من كلام الرسل للكفرة وقد حكموه للخزانة فتأمل وكن على الحق المبين

١٠

وقالوا أيضا معترفين بأنهم لم يكونوا ممن يسمع أو

لو كنا نسمع كلاما

أو نعقل شيئا

ما كنا في اصحاب السعير اي في عدادهم ومن اتباعهم وهم الشياطين لقوله تعالى واعتدنا لهم عذاب السعير كأن الخزنة قالوا لهم في تضاعيف التوبيخ الم تسمعوا آيات ربكم ولم تعقلوا معانيها حتى لا تكذبوا بها فأجابوا بذلك

١١

فاعترفوا بذنبهم الذي هو كفرهم وتكذيبهم بآيات اللّه ورسله

فسحقا بسكون الحاء وقرىء بضمها مصدر مؤكد أما لفعل متعد من المزيد بحذف الزوائد كما في قعدك اللّه اي فاسحقهم اللّه اي ابعدهم من رحمته سحقا أي اسحاقا أو لفعل مترتب على ذلك الفعل أي فاسحقهم اللّه فسحقوا اي بعدوا سحقا اي بعدا كما في قول من قال أو عضة دهريا ابن مروان لم تدع من المال الا مسحت أو مجلف اي لم تدع فلم يبق الا مسحت الخ وعلى هذين الوجهين قوله تعالى وانبتها نباتا حسنا واللام في قوله تعالى

لأصحاب السعير للبيان كما في هيت لك ونحوه والمراد بهم الشياطين والداخلون في عدادهم بطريق التغليب

١٢

ان الذين يخشون ربهم بالغيب اي يخافون عذابه غائبا عنهم أو غائبين عنه أو عن أعين الناس أو بما خفى منهم وهو قلوبهم

لهم مغفرة عظيمة لذنوبهم

وأجر كبير لا يقادر قدره

١٣

واسروا قلكوم أو اجهروابه بيان لتساوي السر والجهر بالنسبة الى علمه تعالى كما في قوله سواء منكم من اسر القول ومن جهر به قال ابن عباس رضي اللّه عنهما نزلت في المشركين كانوا ينالون من النبي عليه الصلاة و السلام فيوحى اليه عليه الصلاة و السلام فقال بعضهم لبعض اسروا قولمكم كيلا يسمع رب محمد فقيل لهم اسروا ذلك أو اجهروا به فان اللّه يعلمه وتقديم السر على الجهر للايذان بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه من اول الأمر والمبالغة في بيان شمول علمه المحيط لجميع المعلومات كأن علمه تعالى بما يسرونه اقدر منه بما يجهرون به مع كونهما في الحقيقة على السوية فان علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شيء في نفسه علم بالنسبة اليه تعالى أو لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة الجهر اذ ما من شيء يجهر به الا وهو أو مباديه مضمر في القلب يتعلق به الأسرار غالبا فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية وقوله تعالى

انه عليم بذات الصدور تعليل لما قبله وتقرير له وفي صيغة الفعيل وتحلية الصدور بلام الاستغراق ووصف الضمائر بصاحبيتها من الجزالة ما لا غاية وراءه كأنه قيل انه مبالغ في الاحاطة بمضمرات جميع الناس واسرارهم الخفية المستكنة في صدورهم بحيث لا تكاد تفارقها اصلا فكيف يخفى عليه ما تسرونه وتجهرون به ويجوز أن يراد بذات الصدور القلوب التي في الصدر والمعنى انه عليم بالقلوب واحوالها فلا يخفى عليه سر من أسرارها وقوله تعالى

١٤

الا يعلم من خلق انكار ونفي لعدم احاطة علمه تعالى بالمضمر والمظهر اي الا يعلم السر والجهر من اوجد بموجب حكمته جميع الأشياء التي هما من جملتها وقوله تعالى

وهو اللطيف الخبير حال من فاعل يعلم مؤكدة للانكار والنفي اي الا يعلم ذلك والحال انه المتوصل علمه الى ما ظهر من خلقه وما بطن ويجوز ان يكون من خلق منصوبا والمعنى الا يعلم اللّه من خلقه والحال انه بهذه المثابة من شمول العلم ولا مساغ لاخلاء العلم عن المفعول باجرائه مجرى يعطي ويمنع على معنى الا يكون عالما من خلق لان الخلق لا يتأتى بدون العلم لخلو الحال حينئذ من الافادة لأن نظم الكلام حينئذ الا يكون عالما وهو مبالغ في العلم

١٥

هو الذي جعل لكم الارض ذلولا لينة يسهل عليكم السلوك فيها وتقديم لكم على مفعولي الجعل مع أن حقه التأخر عنهما للاهتمام بما قدم والتشويق الى ما اخر فان ما حقه التقديم اذا اخر لا سيما عند كون المقدم مما يدل على كون المؤخر من منافع المخاطبين تبقى النفس مترقبة لوروده فيتمكن لديها عند ذكره فضل تمكن والفاء في قوله تعالى

فامشوا في مناكبها لترتيب الأمر على الجعل المذكور اي فاسلكوا في جوانبها أو جبالها وهو مثل لفرط التذليل فان منكب البعير ارق اعضائه وانباها عن ان يطأه الراكب بقدمه فاذا جعل الأرض في الذل بحيث يتأتى المشي في مناكبها لم يبق منها شيء لم يتذلل

وكلوا من رزقه والتمسوا من نعم اللّه تعالى

واليه النشور اي المرجع بعد البعث لا الى غيره فبالغوا في شكر نعمه وآلائه

١٦

أأمنتم من في السماء اي الملائكة الموكلين بتدبير هذا العالم أو اللّه سبحانه على تأويل من في السماء امره وقضاؤه أو على زعم العرب حيث كانوا يزعمون انه تعالى في السماء اي أأمنتم من تزعمون انه في السماء وهو متعال عن المكان

أن يخسف بكم الأرض بعدما جعلها لكم ذلولا تشمون في مناكبها وتأكلون من رزقه لكفر إنكم تلك النعمة أي يقبلها ملتبسة بكم فيغييكم فيها كما فعل بقارون وهو بدل اشتمال من من

وقيل هو على حذف الجار أي من أن يخسف

فإذا هي تمور أي تضطرب ذهابا ومجيئا على خلاف ما كانت عليه من الذل والإطمئنان

١٧

أم أمنتم من في السماء إضراب عن التهديد بما ذكر وانتقال التهديد بوجه آخر أي بل أأمنتم من في السماء

أن يرسل عليكم حاصبا أي حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل

وقيل ريحا فيها حجارة وحصباء كأنها تقلع الحصباء لشدتها وقوتها

وقيل هي سحاب فيها حجارة

فستعلمون عن قريب البتة

كيف نذير اي انذاري عند مشاهدتكم للمنذر به ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ وقرىء فسيعلمون بالياء

١٨

ولقد كذب الذين من قبلهم اي من قبل كفار مكة من كفار الأمم السالفة كقوم نوح وعاد وأضرابهم والالتفات الى الغيبة لابرازالاعراض عنهم

فكيف كان نكير اي انكاري عليهم بانزال العذاب اي كان على غاية الهول والفظاعة وهذا هو مورد التأكيد القسمي لا تكذيبهم فقط وفيه من المبالغة في تسلية رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وتشديد التهديد لقومه مالا يخفى

١٩

أو لم يروا اغفلوا ولم ينظروا

الى الطير فوقهم صافات باسطات اجنحتهن في الجو عند طيرانها فانهن اذا بسطنها صففن قوادمها صفا

ويقبضن ويضممنها اذا ضربن بها جنوبهن حينا فحينا للاستظهار به على التحرك وهو السر في ايثار يقبضن الدال على تجدد القبض تارة بعد تارة على قابضات

ما يمسكهن في الجو عند الصف والقبض على خلاف مقتضى الطبع

الا الرحمن الواسع رحمته كل شيء بأن برأهن على أشكال وخصاصئص وهيأهن للجري في الهواء والجملة مستأنفة أو حال من الضمير في يقبضن

انه بكل شيء بصير يعلم كيفية ابداع المبدعات وتدبير المصنوعات وقوله تعالى

٢٠

ام من هذا هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن تبكيت لهم بنفي ان يكون لهم ناصر غير اللّه تعالى كما يلوح به التعرض لعنوان الرحمانية ويعضده قوله تعالى ما يمسكهن الا الرحمن أو ناصر من عذابه تعالى كما هو الأنسب بما سيأتي من قوله تعالى ان امسك رزقه كقوله تعالى ام لهم آلهة تمنعهم من دوننا في المعنيين معا خلا ان الاستفهام هناك متوجه الى نفس المانع وتحققه وههنا الى تعيين الناصر لتبكيتهم باظهار عجزهم عن تعيينه وام منقطعة مقدرة ببل المفيدة للانتقال من توبيخهم على ترك التأمل فيما يشاهدونه من احوال الطير المنبئة عن تعاجيب آثار قدرة اللّه عز و جل الى التبكيت بما ذكر والالتفات للتشديد في ذلك ولا سبيل الى تقدير الهمزة معها لأن ما بعدها من الاستفهامية وهي مبتدأ وهذا خبره والموصول مع صلته صفته كما في قوله تعالى من ذا الذي يشفع عنده وايثار هذا لتحقير المشار اليه وينصركم صفة لجند باعتبار لفظه ومن دون الرحمن على الوجه الأول أما حال من فاعل ينصركم أو نعت لمصدره وعلى الثاني متعلق بينصركم كما في قوله تعالى من ينصرني من اللّه فالمعنى بل من هذا الحقير الذي هو في زعمكم جند لكم ينصركم نصرا كائنا من دون نصره تعالى أو ينصركم من عذاب كائن من عند اللّه عز و جل وتوهم ان أم معادلة لقوله تعالى أو لم يروا الخ مع القول بأن من استفهامية مما لا تقريب له اصلا وقوله تعالى

ان الكافرون الا في غرور اعتراض مقرر لما قبله ناع عليهم ما هم فيه من غاية الضلال اي ما هم في زعمهم انهم محفوظون من النوائب بحفظ آلهتهم لا بحفظه تعالى فقط أو ان آلهتهم تحفظهم من بأس اللّه الا في غرور عظيم وضلال فاحش من جهة الشيطان ليس لهم في ذلك شيء يعتد به في الجملة والالتفات الى الغيبة للايذان باقتضاء حالهم للاعراض عنهم وبيان قبائحهم لغيرهم والاظهار في موقع الاضمار لذمهم بالكفر وتعليل غرورهم به والكلام في قوله تعالى

٢١

أم من هذا الذي يرزقكم ان أمسك اي اللّه عزل وجل

رزقه بامساك المطر وسائر مباديه كالذي مر تفصيله خلا ان قوله تعالى

بل لجوا في عتو ونفور منبىء عن مقدر يستدعيه المقام كأنه قيل اثر تمام التبكيت والتعجيز لم يتأثروا بذلك ولم يذعنوا للحق بل لجوا وتمادوا في عتو اي عناد واستكبار وطغيان ونفور اي شراد عن الحق وقوله تعالى

٢٢

افمن يمشي مكبا على وجهه اهدى الخ مثل ضرب للمشرك والموحد توضيحا لحالهما وتحقيقا لشأن مذهبهما والفاء لترتيب ذلك على ما ظهر من سوء حالهم وخرورهم في مهاوي الغرور وركوبهم متن عشواء العتو والنفور وعدم اهتدائهم في مسلك المحاجة الى جهة يتوهم فيها رشد في الجملة فان تقدم الهمزة عليها صورة انما هو لاقتضائها الصدارة

وأما بحسب المعنى فالأمر بالعكس كما هو المشهور حتى لو كان مكان الهمزة هل لقيل فهل من يمشي مكبا الخ والمكب الساقط على وجهه يقال اكب خر على وجهه وحقيقته صار ذاكب ودخل في الكب كأقشع الغمام اي صار ذاقشع والمعنى افمن يمشي وهو يعثر في كل ساعة ويخر على وجهه في كل خطوة لتوعر طريقه واختلال قواه اهدى الى المقصد الذي يؤمه

ام من يمشي سويا اي قائما سالما من الخبط والعثار

على صراط مستقيم مستوى الأجزاء لا عوج فيه ولا انحراف قيل خبر من الثانية محذوف لدلالة خبر الأولى عليه ولا حاجة الى ذلك فان الثانية معطوفة على الأولى عطف المفرد على المفرد كقولك ازيد افضل ام عمرو

وقيل اريد بالمكب الأعمى وبالسوي البصير

وقيل من يمشي مكبا هو الذي يحشر على وجهه الى النار ومن يمشي سويا الذي يحشر على قدميه الى الجنة

٢٣

قل هو الذي انشأكم انشاء بديعا

وجعل لكم السمع لتسمعوا آيات اللّه وتمتثلوا بما فيها من الأوامر والنواهي وتتعظوا بمواعظها

والأبصار لتنظروا بها الى الآيات التكوينية الشاهدة بشؤون اللّه عز و جل

والأفئدة لتتفكروا بها فيما تسمعونه وتشاهدونه من الآيات التنزيليه والتكوينية وترتقوا في معارج الايمان والطاعة

قيللا ما تشكرون اي باستعمالها فيما خلقت لأجله من الأمور المذكورة وقليلا نعت لمحذوف وما مزيدة لتأكيد القلة اي شكرا قليلا أو زمانا قليلا تشكرون

وقيل القلة عبارة عن العدم

٢٤

قل هو الذي ذرأكم في الأرض اي خلقكم وكثركم فيها لا غيره واليه تحشرون للجزاء لا الى غيره اشتراكا أو استقلالا فابنوا أموركم على ذلك ويقولون من فرط عتوهم وعنادهم متى هذا الوعد اي الحشر الموعود كما ينبىء عنه قوله تعالى

واليه تحشرون ان كنتم صادقين يخاطبون به النبي صلى اللّه عليه و سلم والمؤمنين حيث كانوا

مشاركين له عليه الصلاة و السلام في الوعد وتلاوة الآيات المتضمنة له وجواب الشرط محذوف اي

٢٥

ان كنتم صادقين فيما تخبرونه من مجيء الساعة والحشر فبينوا وقته

٢٦

قل انما العلم اي العلم بوقته

عند اللّه عز و جل لا يطلع عليه غيره كقوله تعالى قل انما علمها عند ربي

وانما انا نذير مبين انذركم وقوع الموعود لا محالة

وأما العلم بوقت وقوعه فليس من وظائف الانذار والفاء في قوله تعالى

٢٧

فلما رأوه فصيحة معربة عن تقدير جملتين وترتيب الشرطية عليهما كأنه قيل وقد اتاهم الموعود فرأوه فلما رأوه الى آخر كما مر تحقيقه في قوله تعالى فلما رآه مستقرا عنده الا ان المقدر هناك أمر واقع مرتب على ما قبله بالفاء وههنا أمر منزل منزلة الواقع وارد على طريقة الاستئناف وقوله تعالى

زلفة حال من مفعول رأوا أما بتقدير المضاف اي ذا زلفة وقرب أو على انه مصدر بمعنى الفاعل اي مزدلفا أو على انه مصدر نعت به مبالغة أو ظرف اي رأوه في مكان ذي زلفة

سيئت وجوه الذين كفروا بأن غشيتها الكآبة ورهفها القتر والذلة ووضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بالكفر وتعليل المساءة به

وقيل توبيخا لهم وتشديدا لعذابهم

هذا الذي كنتم به توعدون اي تطلبونه في الدنيا وتستعجلونه انكارا واستهزاء على أنه تفتعلون من الدعاء

وقيل هو من الدعوى اي تدعون ان لا بعث ولا حشر وقرىء تدعون هذا وقد روي عن مجاهد ان الموعود عذاب يوم بدر وهو بعيد

٢٨

قل أرأيتم اي اخبروني

ان اهلكني اللّه اي أماتني والتعبير عنه بالاهلاك لما كانوا يدعون عليه صلى اللّه عليه و سلم وعلى المؤمنين بالهلاك

ومن معي من المؤمنين

أو رحمنا بتأخير آجالنا فنحن في جوار رحمته متربصون لاحدى الحسنيين

فمن يجير الكافرين من عذاب اليم اي لا ينجيكم منه احد متنا أو بقينا ووضع الكافرين موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بالكفر وتعليل نفي الانجاء به

٢٩

قل هو الرحمن اي الذي ادعوكم الى عبادته مولى النعم كلها

آمنا به وحده لما علمنا أن كل ما سواه أما نعمة أو منعم عليه

وعليه توكلنا لا على غيره أصلا لعلمنا بأن ما عداه كائنا ما كان بمعزل من النفع والضر

فستعلمون عن قريب البتة

من هو في ضلال مبين منا ومنكم وقرىء فسيعلمون بالياء التحتانية

٣٠

قل أرأيتم اي اخبروني

ان اصبح ماؤكم غورا اي غائرا في الأرض بالكلية

وقيل بحيث لا تناله الدلاء وهو مصدر وصف به

فمن يأتيمكم بماء معين جار أو ظاهر سهل المأخذ عن النبي صلى اللّه عليه و سلم

من قرأ سورة الملكأنه احيا ليلة القدر

﴿ ٠