ÓõæÑóÉõ ÇáúãõÏøóËøöÑö ãóßøöíøóÉñ

æóåöíó ÓöÊøñ æóÎóãúÓõæäó ÂíóÉð

سورة المدثر

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

يا أيها المدثر أي المتدثر وهو لابس الدثار وهو ما يلبس فوق الشعار الذي يلى الجسد قيل هى أول سورة نزلت روى عن جابر رضى اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أنه قال كنت على جبل حراء فنوديت يا محمد إنك رسول اللّه فنظرت عن يميني ويساري فلم أر شيئا فنظرت فوقى فإذا به قاعد على عرش بين السماء والأرض يعني الملك الذي ناداه فرعبت ورجعت إلى خديجة فقلت دثروني دثروني فنزل جبريل وقال يا أيها المدثر وعن الزهري أن اول ما نزل سورة أقرأ إلى قوله تعالى ما لم يعلم فحزن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وجعل يعلو شواهق الجبال فأتاه جبريل عليه السلام وقال إنك نبى اللّه فرجع إلى خديجة فقال دثروني وصبوا على ماء باردا فنزل جبريل فقال يأيها المدثر وثيل سمع من قريش ما كرهه فاغتم فتغطى بثوبه متفكرا كما يفعل المغموم فأمر أن لايدع إنذارهم وأن سمعوه وآذوه

وقيل كان نائما متدثرا

وقيل المراد المتدثر بلباس النبوة والمعارف الإلهية وقرئ المدثر على صيغة اسم المفعول من دثره أى الذي دثر هذا الأمر العظيم وعصب به وفي حرف أبي المنذر يأيها المتدثر على الأصل

٢

قم أى من مضجعك أو قم قيام عزم وتصميم

فأنذر أي أفعل الإنذار وأحدثه

وقيل انذر قومك كقوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربيتن أو جميع الناس حسبما ينبىء

عنه قوله تعالى وما أرسلناك الإكافة للناس بشيرا ونذيرا

٣

وربك فكبر واختص ربك بالتكبير وهو وصفه تعالى بالكبرياء اعتقادا وقولا ويروى أنه لما نزل قال رسول اللّه اللّه أكبر فكبرت خديجة وفرحت وأيقت أنه الوحي وقد يحمل على تكبير الصلاة والفاء لمعنى الشرط كأنه قيل ما كان أي أي شئ حدث فلا تدع تكبيره أو للدلالة على أن المقصود لأولى من الأمر بالقيام أن يكبر ربه وينزهه من الشرك فإن أول ما يجب معرفة الصانع جل جلاله ثم تنزيهه عما لا يليق بجنابة

٤

وثيابك فطهر مما ليس فإنه واجب الصلاة الأولى وأولى وأحب في غيرها وذلك بصيانتها وحفظها عن النجاسات وغسلها بعد تلطخها وبتقصيرها أيضا فإن طولها يؤدي إلى جر الذيول على القاذورات وهو أول ما أمر به عليه الصلاة و السلام من رفض العادات المذمومة

وقيل هو أمر بتطيهر النفس مما يستقذر من الأفعال ويستهجن من الأحوال يقال فلان طاهر الذيل والأردان إذا وصفوه بالنقاء من المعايب ومدانس الأخلاق

٥

والرجز فاهجر أي وأهجر العذاب بالثبات على هجر يؤدى إليه من المآثم وقريء بكسر الراء وهما لغتان كالذكر والذكر ولا تمنن تستكثر ولا تعط مستكثرا أي رائيا لما تعطيه كثيرا أو طالبا للكثير على أنه أنهى عن الاستغزار وهو أن يهب شيئا وهو يطمع ان يتعوض من الموهوب له أكثر مما أعطاه وهو جائز ومنه الحديث المستغرر يثاب من هبته فالنهى أما للتحريم وهو خاص برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لأن اللّه تعالى اختار له أشرف الأخلاق وأحسن الآداب أو للتنزيه للكل وقرئ تستكثر بالسكون اعتبارا بحال الوقف أو ابدالا من تمنن كأنه قيل

٦

ولا تمنن ولا تستكثر على أنه من المن الذي في قوله تعالى منا ولا أذى لأن من يمن بما يعطي يستكثره ويعتد به وقرىء بالنصب باضمار ان مع ابقاء عملها كقول من قال الا ايهذا الزاجري احضر الوغى وقد قرىء باثباتها ويجوز في قراءة الرفع ان يحذف ان ويبطل عملها كما يروى احضر الوغى بالرفع

٧

ولربك اي لوجهه تعالى أو لأمره

فاصبر فاستعمل الصبر

وقيل على أذية المشركين

وقيل على اداء الفرائض

٨

فاذا نقر في الناقور

اي نفخ في الصور وهو فاعل من النقر بمعنى التصويت وأصله القرع الذي هو سبب الصوت والفاء للسببية كأنه قيل اصبر على أذاهم فبين ايديهم يوم هائل يلقون فيه عاقبة اذاهم وتلقى عاقبة صبرك عليه والعامل في اذا ما دل عليه قوله تعالى

٩

فذلك يومئذ يوم عسير

١٠

على الكافرين وذلك إشارة إلى وقت النقر وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد مع قرب العهد بالمشار اليه للايذان ببعد منزلته في الهول والفظاعة ومحله الرفع على الابتداء ويومئذ بدل منه مبنى على الفتح لاضافته الى غير متمكن والخبر يوم عسير

وقيل يومئذ ظرف للخبر اذ التقدير وذلك الوقت وقوع يوم عسير وعلى متعلقة بعسير

وقيل بمحذوف هو صفة لعسير أو حال من المستكن فيه وقوله تعالى

غير يسير تأكيد لعسره عليهم مشعر ييسره على المؤمنين واختلف في أن المراد به يوم النفخة الاولى أو الثانية والحق أنها الثانية اذ هي التي يختص عسرها بالكافرين

وأما النفخة الاولى فحكمها الذي هو الاصعاق يعم البر والفاجر على أنها مختصة بمن كان حيا عند وقوعها وقد جاء في الأخبار أن في الصور ثقبا بعدد الأرواح كلها وأنها تجمع في تلك الثقوب في النفخة الثانية فتخرج عند النفخ من كل ثقبه روح الى الجسد الذي نزعت منه فيعود الجسد حيا باذن اللّه تعالى

١١

ذرني ومن خلفت وحيدا

حال أما من الياء اي ذرني وحدي معه فاني أكفيكه في الانتقام منه أو من التاء اي خلفته وحدي لم يشركني في خلقه احد أو من العائد المحذوف اي ومن خلقته وحيدا فريدا لا مال له ولا ولد

وقيل نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي وكان يلقب في قومه بالوحيد فهو تهكم به وبلقبه وصرف له عن الغرض الذي يؤمونه من مدحه الى جهة ذمه بكونه وحيدا من المال والولد أو وحيدا من أبيه لأنه كان زنيما كما مر أو وحيدا في الشرارة

١٢

وجلعت له مالا ممدودا

مبسوطا كثيرا أو ممدا بالنماء من مد النهر ومده نهر آخر قيل كان له الضرع والزرع والتجارة وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما هو ما كان له بين مكة والطائف من صنوف الاموال

وقيل كان له بالطائف بستان لا ينقطع ثماره صيفا وشتاء وقال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير كان له الف دينار وقال فتادة ستة آلاف دينار وقال ٣ سفيان الثوري أربعة الاف دينار وقال الثوري ايضا الف الف دينار

١٣

وبنين شهودا حضورا معه بمكة يتمتع بمشاهدتهم لا يفارقونه للتصرف في عمل أو تجارة لكونهم مكفيين لوفور نعمهم وكثرة خدمهم أو حضورا في الاندية والمحافل لوجاهتهم واعتبارهم قيل كان له عشرة بنين

وقيل ثلاثة عشر

وقيل سبعة كلهم رجال الوليد بن الوليد وخالد وعمارة وهشام والعاص والقيس وعبد شمس اسلم منهم ثلاثة خالد  وهشام وعمارة

١٤

ومهدت له تمهيدا وبسطت له الرياسة والجاه العريض حتى لقب ١٥ ريحانه قريش

١٥

ثم يطمع ان ازيد على ما أوتيه وهو استبعاد واستنكار لطمعه وحرصه أما لأنه لا مزيد على ما اوتي سعة وكثرة أو لأنه مناف لما هو عليه من كفران النعم ومعاندة المنعم

وقيل انه كان يقول ان كان محمد صادقا فما خلقت الجنة الالى

١٦

كلا ردع وزجر له عن طمعه الفارغ وقطع لرجائه الخائب وقوله تعالى

انه كان لآياتنا عنيدا تعليل لذلك على وجه الاستئناف التحقيقي فان معاندة آيات المنعم مع وضوحها وكفران نعمته مع سبوغها مما يوجب حرمانه بالكلية وانما أوتي ما أوتي استدراجا قيل ما زال بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله حتى هلك

١٧

سأرهقه صعودا سأغشيه بدل ما يطمعه من الزيادة أو الجنة عقبة شاقة المصعد وهو مثل لما يلقي من العذاب الصعب الذي لا يطاق وعن النبي صلى اللّه عليه و سلم يكلف ان يصعد عقبة في النار كلما وضع يده عليها ذابت فاذا رفعها عادت واذا وضع رجله ذابت فاذا رفعها عادت وعنه عليه الصلاة و السلام الصعود جبل من نار يصعد فيها سبعين خريفا ثم يهوي فيه كذلك ابدا

١٨

انه فكر وقدر تعليل للوعيد واستحقاقه له أو بيان لعناده لاياته تعالى ١٨ أي فكر ماذا يقول في شأن القرآن وقدر في نفسه ما يقوله

١٩

فقتل كيف قدر تعجيب  من تقديره واصابته فيه الغرض الذي كان ينتحيه قريش قاتلهم اللّه أو ثناء عليه بطريق الاستهزاء به أو حكاية لما كرروه من قولهم قتل كيف قدر تهكما بهم وباعجابهم بتقديره واستعظامهم لقوله ومعنى قولهم قتله اللّه ما اشجعه أو اخزاه اللّه ما اشعره الاشعار بأنه قد بلغ من الشجاعة والشعر مبلغا حقيقيا بأن يدعو عليه حاسده بذلك روي ان الوليد قال لبني مخزوم واللّه لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان اعلاه لمثمر وان اسفله لمغدق وانه يعلو وما يعلي فقالت قريش صبأ واللّه الوليد واللّه لتصبأن قريش كلهم فقال ابن اخيه ابو جهل انا اكفيكموه فقعد عنده حزينا وكلمه بما احماه فقام فأتاهم فقال تزعمون ان محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق وتقولون انه كاهن فهل رأيتموه يتكهن وتزعمون انه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا قط وتزعمون انه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب فقالوا في كل ذلك اللّهم لا ثم قالوا فما هو ففكر فقال ما هو الا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه وما الذي يقوله الا سحر يأثره عن أهل بابل فارتج النادي فرحا وتفرقوا معجبين بقوله متعجبين منه

٢٠

ثم قتل كيف قدر تكرير للمبالغة وثم للدلالة على أن الثانية أبلغ من الاولى ٢٢ ٢١ وفيما بعد على أصلها من التراخي الزماني

٢١

ثم نظر أي في القرآن مرة بعد مرة

٢٢

ثم عبس قطب وجهه لما لم يجد فيها مطعنا ولم يدر ماذا يقول

وقيل نظر في وجوه الناس ثم قطب وجهه

وقيل نظر الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم قطب في

وبسر اتباع لعبس

٢٣

ثم أدبر عن الحق أو عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم

واستكبر عن اتباعه

٢٤

فقال ان هذا الا سحر يؤثر اي يروى ويتعلم والفاء للدلالة على أن هذه الكلمة لما خطرت بباله تفوه بها من غير تلعثم وتلبث وقوله تعالى

٢٥

ان هذا الا قول البشر تأكيد لما قبله ولذلك اخلى عن العاطف

٢٦

سأصليه سقر بدل من سأرهقه صعودا

٢٧

وما ادراك ما سقر اي اي شيء اعلمك ما سقر على أن ما الأولى مبتدأ وادراك خبره وما الثانية خبر لانها المفيدة لما قصد افادته من التهويل والتفظيع وسقر مبتدأ اي اي شيء هي في وصفها لما مر مرارا من أن ما قد يطلب بها الوصف وان كان الغالب ان يطلب بها الاسم والحقيقة وقوله تعالى

٢٨

لا تبقي ولا تذر بيان لوصفها وحالها وانجاز للوعد الضمني الذي يلوح به وما ادراك ما سقر

وقيل حال من سقر وليس بذاك اي لا تبقي شيئا يلقي فها الا أهلكته واذا هلك لم تذره هالكا حتى يعاد أو لا تبقي على شيء ولا تدعه من الهلاك بل كل ما يطرح فيها هالك لا محالة

٢٩

لواحة للبشر مغيرة لأعالي الجلد مسودة لها قيل تلفح الجلد لفحة فتدعه اشد سوادا من الليل

وقيل تلوح للناس كقوله تعالى ثم لترونها عين اليقين وقرىء لواحة بالنصب على الاختصاص للتهويل

٣٠

عليها تسعة عشر اي ملكا أو صنفا أو صفا أو نقيبا من الملائكة يلون امرها ويتسلطون على أهلها وقرىء بسكون عين عشر حذارا من توالي الحركات فيما هو في حكم اسم واحد وقرىء تسعة اعشر جمع عشير مثل يمين وأيمن

٣١

وما جعلنا اصحاب النار اي المدبرين لأمرها القائمين بتعذيب اهلها

الا ملائكة ليخالفوا جنس المعذبين فلا يرقوا لهم ولا يستروحوا اليهم لأنهم اقوى الخلق وأقومهم بحق اللّه عز و جل وبالغضب له تعالى وأشدهم بأسا عن النبي صلى اللّه عليه و سلم لأحدهم مثل قوة الثقلين يسوق احدهم الأمة وعلى رقبته جبل فيرمى بهم في النار ويرمى بالجبل عليهم وروي انه لما نزل عليها تسعة عشر قال ابو جهل لقريش ايعجز كل عشرة منكم ان يبطشوا برجل منهم فقال ابو الأشد بن اسيد بن كلدة الجمحي وكان شديد البطش انا اكفيكم سبعة عشر فاكفوني انتم اثنين فنزلت اي ما جعلناهم رجالا من جنسكم

وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا

اي ما جعلنا عددهم الا العدد الذي تسبب لافتنانهم وهو التسعة عشر فعبر بالأثر عن المؤثر تنبيها على التلازم بينهما وليس المراد مجرد جعل عددهم ذلك العدد المعين في نفس الأمر بل جعله في القرآن أيضا كذلك وهو الحكم بأن عليها تسعة عشر اذ بذلك يتحقق افتتانهم باستقلالهم له واستبعادهم لتولي هذا العدد القليل لتعذيب اكثر الثقلين واستهزائهم به حسبما ذكر وعليه يدور ما سيأتي من استيقان اهل الكتاب وازدياد المؤمنين ايمانا قالوا المخصص لهذا العدد ان اختلاف النفوس البشرية في النظر والعمل بسبب القوى الحيوانية الاثنتي عشرة والطبيعية السبع أو أن جهنم سبع دركات ست منها لأصناف الكفرة كل صنف يعذب بترك الاعتقاد والاقرار والعمل أنواعا من العذاب يناسبها وعلى كل نوع ملك أو صنف أو صف يتولاه وواحدة لعصاة الأمة يعذبون فيها بترك العمل نوعا يناسبه ويتولاه واحد أو أن الساعات أربع وعشرون خمسة منها مصروفة للصلوات الخمس فيبقى تسعة عشر قد تصرف الى ما يؤاخذ به بأنواع العذاب يتولاها الزبانية

ليستيقن الذين اوتوا الكتاب متعلق بالجعل على المعنى المذكور اي ليكتسبوا اليقين بنبوته عليه الصلاة و السلام وصدق القرآن لما شاهدوا ما فيه موافقا لما في كتابهم

ويزداد الذين آمنوا ايمانا اي يزداد ايمانهم كيفية بما رآوا من تسليم اهل الكتاب وتصديقهم أنه كذلك أو كمية بانضمام ايمانهم بذلك الى ايمانهم بسائر ما انزل

ولا يرتاب الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون تأكيد لما قبله من الاستقيان وازدياد الايمان ونفي لما قد يعتري المستيقن من شبهة ما وانما لم ينظم المؤمنون في سلك اهل الكتاب في نفي الارتياب حيث لم يقل ولا يرتابوا للتنبيه على تباين النفيين حالا فان انتفاء الارتياب من أهل الكتاب مقارن لما ينافيه من الجحود ومن المؤمنين مقارن لما يقتضيه من الايمان وكم بينهما والتعبير عنهم باسم الفاعل بعد ذكرهم بالموصول والصلة الفعلية المنبئة عن الحدوث للايذان بثباتهم على الايمان بعد ازدياده ورسوخهم في ذلك

وليقول الذين في قلوبهم مرض شك أو نفاق فيكون اخبترا بما سيكون في المدينة بعد الهجرة

والكافرون المصرون على التكذيب

ماذا اراد اللّه بهذا مثلا اي أي شيء اراد بهذا العدد المستغرب استغراب المثل

وقيل لما استبعدوه حسبوا انه مثل مضروب وافراد قولهم هذا بالتعليل مع كونه من باب فتنتهم للاشعار باستقلاله في الشناعة

كذلك يضل اللّه من يشاء ذلك اشارة الى ما قبله من معنى الاضلال والهداية ومحل الكاف في الأصل النصب على أنها صفة لمصدر محذوف وأصل التقدير يضل اللّه من يشاء

ويهدي من يشاء اضلالا وهداية كائنين مثل ما ذكر من الاضلال والهداية فحذف المصدر واقيم وصفه مقامه ثم قدم على الفعل لافادة القصر فصار النظم مثل ذلك الاضلال وتلك الهداية يضل اللّه من يشاء اضلاله لصرف اختياره الى جانب الضلال عند مشاهدته لآيات الى جانب الهدى لا اضلالا وهداية ادنى منهما

وما يلعم جنود ربك اي جموع خلقه التي من جملتها الملائكة المذكورون

الا هو اذ لا سبيل لأحد الى حصر الممكنات والوقوف على حقائقها وصفاتها ولو اجمالا فضلا عن الاطلاع على تفاصيل احوالها من كم وكيف ونسبة

وما هي اي سقر أو عدة خزنتها أو الآيات الناطقة بأحوالها

الا ذكرى للبشر الا تذكرة لهم

٣٢

كلا ردع لمن انكرها أو انكار ونفي لأن يكون لهم تذكر

والقمر

٣٣

والليل اذ ادبر وقرىء اذا دبر بمعنى أدبر كقبل بمعنى أقبل ومنه قولهم صاروا كأمس الدار

وقيل هو من دبر الليل النهار اذا خلفه

٣٤

والصبح اذا أسفر اي أضاء وانكشف

٣٥

انها لاحدى الكبر جواب للقسم أو تعليل لكلا والقسم معترض للتوكيد والكبر جمع الكبرى جعلت الف التأنيث كتائها فكما جمعت فعلة على فعل جمعت فعلى عليها ونظيرها القواصع في جمع القاصعاء كأنها جمع قاصعة اي لاحدى البلايا أو لاحدى الدواهي الكبر على معنى أن البلايا الكبر أو الدواهي الكبر كثيرة وهذه واحدة في العظم لا نظيرة لها

٣٦

نذيرا للبشر تمييز أي لاحدى الكبر انذارا أو حال مما دلت عليه الجملة اي كبرت منذرة وقرىء نذير بالرفع على أنه خبر بعد خبر لأن أو لمبتدأ محذوف

٣٧

لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر بدل من للبشر أي نذيرا لمن شاء منكم أن يسبق الى الخير فيهديه اللّه تعالى أو لم يشأ ذلك فيضله

وقيل لمن شاء خبر وأن يتقدم أو يتأخر مبتدأ فيكون في معنى قوله تعالى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر

٣٨

كل نفس بما كسبت رهينة مرهونة عند اللّه تعالى بكسبها والرهينة اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم لا صفة والا لقيل رهين لأن فعيلا بمعنى مفعول لا يدخله التاء

٣٩

الا اصحاب اليمين فانهم فاكون رقابهم بما أحسنوا من أعمالهم كما يفك الراهن رهنه بأداء الدين

وقيل هم الملائكة

وقيل الأطفال

وقيل هم الذين سبقت لهم من اللّه تعالى الحسنى

وقيل الذين كانوا عن يمين آدم عليه السلام يوم الميثاق

وقيل الذين يعطون كتبهم بأيمانهم

٤٠

في جنات لا يكتنه كنهها ولا يدرك وصفها وهو خبر لمتبدأ محذوف والجملة استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ مما قبله من استثناء اصحاب اليمين كأنه قيل ما بالهم فقيل هم في جنات

وقيل حال من أصحاب اليمين

وقيل من ضميرهم في قوله تعالى

يتساءلون وقيل ظرف للتساؤل وليس المراد بتساؤلهم أن يسأل بعضهم بعضا على أن يكون كل واحد منهم سائلا ومسؤلا معا بل صدور السؤال عنهم مجردا عن وقوعه عليهم فان صيغة التفاعل وان وضعت في الأصل للدلالة على صدور الفعل عن المتعدد ووقوعه عليه معا بحيث يصير كل واحد من ذلك فاعلا ومفعولا معا كما في قولك تراءى القوم أي رأي كل واحد منهم الآخر لكنها قد تجرد عن المعنى الثاني ويقصد بها الدلالة على الأول فقط فيذكر للفعل حينئذ مفعول كما في قولك تراءوا الهلال فمعنى يتساءلون

٤١

عن المجرمين يسألونهم عن أحوالهم وقد حذف المسؤل لكونه عين المسؤل عنه وقوله تعالى

٤٢

ما سلككم في سقر مقدر بقول هو حال من فاعل يتساءلون أي يسألونهم قائلين أي شيء أدخلكم فيها فتأمل ودع عنك ما تكلف فيه المتكلفون

٤٣

قالوا اي المجرمون مجيبين للسائلين

لم نك من المصلين للصلوات الواجبة

٤٤

ولم نك نطعم المسكين على معنى استمرار نفي الاطعام لا على نفي استمرار الاطعام كما مر مرارا وفيه دلالة على أن الكفار مخاطبون بالفروع في حق المؤاخذة

٤٥

وكنا نخوض مع الخائضين اي نشرع في الباطل مع الشارعين فيه

٤٦

وكنا نكذب بيوم الدين اي بيوم الجزاء اضافوه الى الجزاء مع أن فيه من الدواهي والأهوال مالا غاية له لأنه ادهاها واهولها وأنهم ملابسوه وقد مضت بقية الدواهي وتأخير جناياتهم هذه مع كونها أعظم من الكل لتفخيمها كأنهم قالوا وكنا بعد ذلك كله مكذبين بيوم الدين ولبيان كون تكذيبهم به مقارنا لسائر جناياتهم المعدودة مستمرا الى آخر عمرهم حسبما نطق به قولهم

٤٧

حتى أتانا اليقين اي الموت ومقدماته

٤٨

فما تنفعهم شفاعة الشافعين لو شفعوا لهم جميعا والفاء في قوله تعالى

٤٩

فما لهم عن التذكرة معرضين لترتيب انكار اعراضهم عن القرآن بغير سبب على ما قبلها من موجبات الاقبال عليه والاتعاظ به من سوء حال المكذبين ومعرضين حال من الضمير في الجار الواقع خبرا لما الاستفهامية وعن متعلقة به أي فاذا كان حال المكذبين به على ما ذكر فأي شيء حصل لهم معرضين عن القرآن مع تعاضد موجبات الاقبال عليه وتآخذ الدواعي الى الايمان به وقوله تعالى

٥٠

كأنهم حمر مستنفرة حال من المستكن في معرضين بطريق التداخل اي مشبهين بحمر نافرة

٥١

فرت من قسورة اي من أسد فعولة من القسر وهو القهروالغلبة

وقيل هي جماعة الرماة الذين يتصيدونها شبهوا في اعراضهم عن القرآن واستماع ما فيه من المواعظ وشرادهم عنه بحمر جدت في نفارها مما افزعها وفيه من ذمهم وتهجين حالهم مالا يخفى وقوله تعالى

٥٢

بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشرة عطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قبل لا يكتفون بتلك التذكرة ولا يرضون بها بل يريد كل واحد منهم أن يؤتى قراطيس تنشر وتقرأ وذلك أنهم قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لن نتبعك حتى تأتي كل واحد منا بكتب من السماء عنوانها من رب العالمين الى فلان بن فلان نؤمر فيها باتباعك كما قالوا لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه وقرىء صحفا منشرة بسكون الحاء والنون

٥٣

كلا ردع لهم عن تلك الجراءة

بل لا يخافون الآخرة فلذلك يعرضون عن التذكرة لا لامتناع ايتاء الصحف

٥٤

كلا ردع عن اعراضهم

انه اي القرى

تذكرة وأي تذكرة

٥٥

فمن شاء أن يذكره

ذكره وحاز بسببه سعادة الدارين

٥٦

وما يذكرون بمجرد مشيئتهم للذكر كما هو المفعوم من ظاهر قوله تعالى فمن شاء ذكره اذ لا تأثير لمشيئة العبد وارادته في أفعاله وقوله تعالى

الا أن يشاء اللّه استثناء مفرغ من أعم الأحوال اي وما يذكرون بعلة من العلل أو في حال من الأحوال الا بأن يشاء اللّه أو حال أن يشاء اللّه ذلك وهو تصريح بأن افعال العباد بمشيئة اللّه عزل وجل وقرىء تذكرون على الخطاب التفاتا وقرىء بهما مشددا

هو أهل التقوى اي حقيق بأن يتقى عقابه ويؤمن به ويطاع

وأهل المغفرة حقيق بأن يغفر لمن آمن به وأطاعه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم

من قرأ سورة المدثر اعطاه اللّه عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد صلى اللّه عليه و سلم وكذب به بمكة

﴿ ٠