ÓõæÑóÉõ ÇáäøóÈóÃö ãóßøöíøóÉñ

æóåöíó ÃóÑúÈóÚõæäó ÂíóÉð

سورة النبأ

 مكية وآياتها اربعون

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

عم اصله عما فحذف منه الألف أما فرقا بين ما الاستفهامية وغيرها أو قصدا للخفة لكثرة استعمالها وقد قرىء على الأصل وما فيها من الابهام للايذان بفخامة شأن المسؤل عنه وهوله وخروجه عن حدود الأجناس المعهودة اي عن أي شيء عظيم الشأن

يتساءلون أي أهل مكة وكانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم ويخوضون فيه انكارا واستهزاء لكن لا على طريقة التساؤل عن حقيقته ومسماه بل عن وقوعه الذي هو حال من أحواله ووصف من أوصافه فان ما وان وضعت لطلب حقائق الأشياء ومسميات أسمائها كما في قولك ما الملك وما الروح لكنها قد يطلب بها الصفة والحال تقول ما زيد فيقال عالم أو طبيب

وقيل كانوا يسألون عنه الرسول صلى اللّه عليه و سلم والمؤمنين استهزاء كقولهم يتداعونهم اي يدعونهم وتحقيقه ان صيغة التفاعل في الأفعال المتعدية موضوعة لافادة صدور الفعل عن المتعدد ووقوعه عليه بحيث يصير كل واحد من ذلك فاعلا ومفعولا معا لكنه يرفع باسناد الفعل اليه ترجيحا لجانب فاعليته ويحال بمفعوليته على دلالة العقل كما في قولك تراءى القوم أي رأى كل واحد منهم الآخر وقد تجرد عن المعنى الثاني فيراد بها مجرد صدور الفعل عن المتعدد عاريا عن اعتبار وقوعه عليه فيذكر للفعل حينئذ مفعول متعدد كما في المثال المذكور أو واحد كما في قولك تراءوا الهلال وقد يحذف لظهوره كما فيما نحن فيه فالمعنى عن أي شيء يسأل هؤلاء القوم الرسول صلى اللّه عليه و سلم والمؤمنين وربما تجرد عن صدور الفعل عن المتعدد ايضا فيراد بها تعدده باعتبار تعدد متعلقه مع وحدة الفاعل كما في قوله تعالى فبأي آلاء ربك تتمارى وقوله تعالى

٢

عن النبأ العظيم بيان لشأن المسؤل عنه اثر تفخيمه بابهام امره وتوجيه اذهان السامعين نحوه وتنزيلهم منزلة المستفهمين فان ايراده على طريقة الاستفهام من علام الغيوب للتنبيه على أنه لانقطاع قرينه وانعدام نظيره خارج عن دائرة علوم الخلق خليق بأن يعتنى بمعرفته ويسأل عنه كأنه قيل عن أي شيء يتساءلون هل أخبركم به ثم قيل بطريق الجواب عن النبأ العظيم على منهاج قوله تعالى لمن الملك اليوم للّه الواحد القهار فعن متعلقة بما يدل عليه المذكور من مضمر حقه أن يقدر بعدها مسارعة الى البيان ومراعاة لترتيب السؤال هذا هو الحقيق بالجزالة التنزيلية وقد قيل هي متعلقة بالمذكور وعم متعلق بمضمر مفسر به وأيد ذلك بأنه قرىء عمه والأظهر أنه مبني على اجراء الوصل مجرى الوقف

وقيل عن الأولى للتعليل كأنه قيل لم يتساءلون عن النبأ العظيم

وقيل قبل عن الثانية استفهام مضمر كأنه قيل عم يتساءلون أعن النبأ العظيم والنبأ الخبر الذي له شأن وخطر وقد وصف بقوله تعالى

٣

الذي هم فيه مختلفون بعد وصفه بالعظيم تأكيدا لخطره اثر تأكيد واشعارا بمدار التساؤل عنه وفيه متعلق بمختلفون قدم عليه اهتماما به ورعاية للفواصل وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على الثبات أي هم راسخون في الاختلاف فيه فمن جازم باستحالته يقول ان هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما نحن بمبعوثين وشاك يقول ما ندري ما الساعة ان نظن الا ظنا وما نحن بمستقينين

وقيل منهم من ينكر المعادين معا كهؤلاء ومنهم من ينكر المعاد الجسماني فقط كجمهور النصارى وقد حمل الاختلاف على الاختلاف في كيفية الانكار فمنهم من ينكره لانكاره الصانع المختار ومنهم من ينكره بناء على استحالة اعادة المعدوم بعينه وحمله على الاختلاف بالنفي والاثبات بناء على تعميم التساؤل لفريقي المسلمين والكافرين على أن سؤال الأولين ليزدادوا خشية واستعدادا وسؤال الآخرين ليزدادوا كفرا وعنادا يرده قوله تعالى

٤

كلا سيعلمون الخ فانه صريح في أن المراد اختلاف الجاهلين به المنكرين له اذ عليه يدور الردع والوعيد لا على خلاف المؤمنين لهم وتخصيصهما بالكفرة بناء على تخصيص ضمير سيعلمون بهم مع عموم الضميرين السابقين للكل مما ينبغي تنزيه التنزيل عن أمثاله هذا ما أدى اليه جليل النظر والذي يقتضيه التحقيق ويستدعيه النظر الدقيق أن يحمل اختلافهم على مخالفتهم للنبي عليه الصلاة و السلام بأن يعتبر في الاختلاف محض صدور الفعل عن المتعدد حسبما ذكر في التساؤل فان الافتعال والتفاعل صيغتان متآخيتان كالاستباق والتسابق والانتضال والتناضل الى غير ذلك يجري في كل منهما ما يجري في الأخرى لا على مخالفة بعضهم لبعض من الجانبين لأن الكل وان استحق الردع والوعيد لكن استحقاق كل جانب لهما ليس لمخالفته للجانب الآخر اذ لاحقية في شيء منها حتى يستحق من يخالفه المؤاخذة بل لمخالفته له عليه الصلاة و السلام فكلا ردع لهم عن التساؤل والاختلاف بالمعنيين المذكورين وسيعلمون وعيد لهم بطريق الاستئناف وتعليل للردع والسين للتقريب والتأكيد وليس مفعوله ما يني عنه المقام من وقوع ما يتساءلون عنه ووقوع ما يختلفون فيه كما في قوله تعالى وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت الى قوله تعالى ليبين لهم الذي يختلفون فيه الآية فان ذلك عار عن صريح الوعيد بل هو عبارة عما يلاقونه من فنون الدواهي والعقوبات والتعبير عن لقائها بالعلم لوقوعه في معرض التساؤل والاختلاف والمعنى ليرتدعوا عما هم عليه فانهم سيعلمون عما قليل حقيقة الحال اذا حل بهم العذاب والنكال وقوله تعالى

٥

ثم كلا سيعلمون تكرير للردع والوعيد للمبالغة في التأكيد والتشديد وثم للدلالة على أن الوعيد الثاني أبلغ وأشد

وقيل الأول عند النزع والثاني في القيامة

وقيل الأول للبعث والثاني للجزاء وقرىء ستعلمون بالتاء على نهج الالتفات الى الخطاب المواقف لما بعده من الخطابات تشديدا للردع والوعيد لا على تقدير قل لهم كما توهم فان فيه من الاخلال بجزالة النظم الكريم مالا يخفى وقوله تعالى

٦

الم نجعل الأرض مهادا

٧

والجبال اوتادا الخ استئناف مسوق لتحقيق النبأ المستاءل عنه بتعداد بعض الشواهد الناطقة بحقيقه اثر ما نبه عليها بما ذكر من الردع والوعيد ومن ههنا اتضح ان المتساءل عنه هو البعث لا القرآن أو نبوة النبي عليه الصلاة و السلام كما قيل والهمزة للتقرير والالتفات الى الخطاب على القراءة المشهورة للمبالغة في الالزام والتبكيت والمهاد البساط والفراش وقرىء مهدا على تشبيهها بمهد الصبي وهو ما يمهد له فينوم عليه تسمية للممهود بالمصدر وجعل الجبال اوتادا لها ارساؤها بها كما يرسي البيت بالأوتاد

٨

وخلقناكم عطف على المضارع المنفي بلم داخل في حكمه فانه في قوة أما جعلنا الخ أو على ما يقتضيه الانكار التقريري فانه في قوة أن يقال قد جعلنا الخ

ازواجا اصنافا ذكرا وأنثى ليسكن كل من الصنفين الى الآخر وينتظم امر المعاشرة والمعاش ويتسنى التناسل

٩

وجعلنا نومكم سباتا أي موتا لانه احد التوفيين لما بينهما من المشاركة التامة في انقطاع احكام الحياة وعليه قوله تعالى وهو الذي يتوفاكم بالليل وقوله تعالى اللّه يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها

وقيل قطعا عن الاحساس والحركة لاراحة القوى الحيوانية وازاحة كلاهما والأول هو اللائق بالمقام كما ستعرفه

١٠

وجعلنا الليل الذي فيه يقع النوم غالبا

لباسا يستركم بظلامه كما يستركم اللباس ولعل المراد به ما يستر به عند النوم من اللحاف ونحوه فان شبه الليل به أكمل واعتباره في تحقيق المقصد ادخل فهو جعل الليل محلا للنوم الذي جعل موتا كما جعل النهار محلا لليقظة المعبر عنها بالحياة في قوله تعالى

١١

وجعلنا النهار معاشا اي وقت حياة تبعثون فيه من نومكم الذي هو اخو الموت كما في قوله تعالى وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا وجعل كون الليل لباسا عبارة عن تره عن العيون لمن اراد هربا من عدو أو بياتا له أو نحو ذلك مما لا مناسبة له بالمقام وكذا جعل النهار وقت التقلب في تحصيل المعايش والحوايج

١٢

وبنينا فوقكم سبعا شدادا أي سبع سموات قوية الخلق محكمة البناء لا يؤثر فيها مر الدهور وكر العصور والتعبير عن خلقها بالبناء مبنى على تنزيلها منزلة القباب المضروبة على الخلق وتقديم الظرف على المفعول ليس لمراعاة الفواصل فقط بل للتشويق اليه فان ما حقه التقديم اذا أخر تبقى النفس مترقبة له فاذا ورد عليها تمكن عندها فضل تمكن

١٣

وجلعنا سراجا وهاجا هذا الجعل بمعنى الانشاء والابداع كالخلق خلا انه مختص بالانشاء التكويني وفيه معنى التقدير والتسوية وهذا عام له كما في الآية الكريمة وللتشريعي أيضا كما في قوله تعالى ما جعل اللّه من بحيرة الخ وقوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وأياما كان ففيه انباء عن ملابسة مفعوله بشيء آخر بأن يكون فيه اوله أو منه أو نحو ذلك ملابسة مصححة لأن يتوسط بينهما شيء من الظروف لغوا كان أو مستقرا لكن لا على أن يكون عمدة في الكلام بل قيدا فيه كما في قوله تعالى وجعل بينهما برزخا وقوله تعالى وجعل فيها رواسي وقوله تعالى واجعل لنا من لدنك وليا الآية فان كل واحد من هذه الظروف أما متعلق بنفس الجعل أو بمحذوف وقع حالا من مفعوله تقدمت عليه لكونه نكرة ايا ما كان فهو قيد في الكلام حتى اذا اقتضى الحال وقوعه عمدة فيه يكون الجمل متعديا الى اثنين هو ثانيهما كما في قوله تعالى يجعلون أصابعهم في آذانهم وربما يشتبه الأمر فيظن أنه عمدة فيه وهو في الحقيقة قيد بأحد الوجهين كما سلف في قوله تعالى اني جاعل في الأرض خليفة والوهاج الوقاد المتلألىء من وهجت النار اذا أضاءت أو البالغ في الحرارة من الوهج والمراد به الشمس والتعبير عنها بالسراج من روادف التعبير عن خلق السموات بالبناء

١٤

وأنزلنا من المعصرات هي السحائب اذا اعصرت اي شارفت ان تعصرها الرياح فتمطر كما في احصد الزرع اذا حان له أن يحصد ومنه أعصرت الجارية اذا دنت ان تحيض أو الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب وقرىء بالمعصرات ووجه ذلك أن الانزال حيث كان من المعصرات سواء أريد بها السحائب أو الرياح فقد كان بها كما يقال اعطاه من يده وبيده وقد فسرت المعصرات بالرياح ذوات الاعاصير ووجهه أن الرياح هي التي نشيء السحاب وتدر اخلافه فصلحت ان تجعل مبتدأ للانزال

ماء ثجاجا أي منصبا بكثرة يقال ثج الماء اي سال بكثرة وثجه اي أساله ومنه قوله عليه الصلاة و السلام افضل الحج العج والثج اي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدي وقرىء ثجاجا بالحاء بعد الجيم قالوا مثاجح الماء مصابه

١٥

لنخرج به بذلك الماء

حبا يقتات كالحنطة والشعير ونحوهما

ونباتا يعتلف كالتبن والحشيش وتقديم الحب مع تأخره عن النبات في الاخراج لأصالته وشرفه لأن غالبه غذاء الانسان

١٦

وجنات الجنة في الأصل هي المرة من مصدر جنة اذا ستره تطلق على المخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف اغصانه قال زهير بن ابي سلمى

... كأن عيني في غربي مقتلة ... من النواضح تسقى جنة سحقا ...

وعلى الأرض ذات الشجر قال الفراء الجنة ما فيه النخيل والفردوس ما فيه الكرم والأول هو المراد وقوله تعالى

ألفافا اي ملتفة تداخل بعضها في بعض قالوا لا واحد له كالأوزاع والاخياف

وقيل الواحد لف ككن واكنان أو لفيف كشريف واشراف

وقيل هو جمع اف جمع لفاء كخضر وخضراء

وقيل جمع ملتفة بحذف الزوائد واعلم أن فيما ذكر من أفعاله عز و جل دلالة على صحة البعث وحقيته من وجوه ثلاثة الأول باعتبار قدرته تعالى فان من قدر على انشاء هذه الأفعال البديعة من غير مثال يحتذيه ولا قانون ينتحيه كان على الاعادة اقدر واقوى الثاني باعتبار علمه وحكمته فان من ابدع هذه المصنوعات على نمط رائع مستتبع لغايات جليلة ومنافع جميلة عائدة الى الخلق يتسحيل ان ينفيها بالكلية ولا يجعل لها عاقبة باقية والثالث باعتبار نفس الفعل فان اليقظة بعد النوم انموذج للبعث بعد الموت يشاهدونها كل يوم وكذا اخراج الحب والنبات من الأرض الميتة يعاينوه كل حين كأنه قيل ألم نفعل هذه الأفعال الآفاقية والانفسية الدالة بفنون الدلالات على حقية البعث الموجبة للايمان به فما لكم تخوضون فيه انكارا وتتساءلون عنه استهزاء وقوله تعالى

١٧

ان يوم الفصل كان ميقاتا شروع في بيان سر تأخير ما يتساءلون عنه ويستعجلون به قائلين متى هذا الوعد ان كنتم صادقين ونوع تفصيل لكيفية وقوعه وما سيلقونه عند ذلك من فنون العذاب حسبما جرى به الوعيد اجمالا أي ان يوم فصل اللّه عز و جل بين الخلائق كان في علمه وتقديره ميقاتا وميعادا لبعث الأولين والآخرين وما يترتب عليه من الجزاء ثوابا وعقابا لا يكاد يتخطاه بالتقدم والتأخر

وقيل حدا توقت به الدنيا وتنتهي عنده أو حدا للخلائق ينتهون فيه ولا ريب في أنهما بمعزل من التقريب الذي اشير اليه على أن الدنيا تنتهي عند النفخة الاولى (وقوله تعالى

١٨

يوم ينفخ في الصور اي نفخة ثانية بدل من يوم الفصل أو عطف بيان له مفيد لزيادة تفخيمه وتهويله ولا ضير في تأخر الفصل عن النفخ فانه زمان ممتد يقع في مبدئه النفخة وفي بقيته الفصل ومباديه وآثاره والصور هو القرن الذي ينفخ فيه اسرافيل عليه السلام عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لما فرغ اللّه تعالى من خلق السموات والأرض خلق الصور فأعطاه اسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص بصره الى العرش متى يؤمر به فينفخ فيه نفخة لا يبقى عندها في الحياة غير من شاء اللّه تعالى وذلك قوله تعالى ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض الا من شاء اللّه ثم يؤمر بأخرى فينفخ نفخه لا يبقى معها ميت الا بعث وقام وذلك قوله تعالى ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون والفاء في قوله تعالى

فتأتون فصيحة تفصح عن جملة قد حذفت ثقة بدلالة الحال عليها وايذانا بغاية سرعة الاتيان كما في قوله تعالى فقلنا اضرب بعصاك البحر فانفلق اي فتبعثون من قبوركم فتأتون الى الموقف عقيب ذلك من غير لبث أصلا

افواجا اي أمما كل امة مع امامها كما في قوله تعالى يوم ندعو كل اناس بامامهم أو زمرا وجماعات مختلفة الأحوال متباينة الأوضاع حسب اختلاف اعمالهم وتباينها عن معاذ رضي اللّه عنه أنه سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال صلى اللّه عليه و سلم يا معاذ سألت عن أمر عظيم من الأمور ثم ارسل عينيه وقال تحشر عشرة اصناف من امتي بعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون ارجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها وبعضهم عمي وبعضهم صم بكم وبعضهم يمضغون السنتهم فهي مدلاة على صدورهم يسيل القيح من افواههم يتقذرهم اهل الجمع وبعضهم مقطعة ايديهم وارجلهم وبعضهم مصلبون على جذوع من نار وبعضهم اشد نتنا من الجيف وبعضهم يلبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس

وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت

وأما المنكسون على وجوههم فأكلة الربا

وأما العمي فالذين يجورون في الحكم

وأما الصم البكم فالمعجبون بأعمالهم

وأما الذين يمضغون السنتهم فالعلماء الذين خالفت اقوالهم اعمالهم

وأما الذين قطعت ايديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون جيرانهم

وأما المصلبون على جذوع من نار فالسعاة بالناس الى السلطان

وأما الذين هم أشد نتنا من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ومنعوا حق اللّه تعالى في اموالهم

وأما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخيلاء

١٩

وفتحت السماء عطف على ينفخ وصيغة الماضي للدلالة على التحقق وقرىء فتحت بالتشديد وهو الأنسب بقوله تعالى

فكانت أبوابا

أي كثرت ابوابها المفتح لنزول الملائكة نزولا غير معتاد حتى صارت كأنها ليست الا ابوابا مفتحة

كقوله تعالى وفجرنا الأرض عيونا كأن كلها عيون متفجرة وهو المراد بقوله تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام وهو الغمام الذي ذكر في قوله تعالى هل ينظرون الا أن يأتيهم اللّه أي امره وبأسه في ظلل من الغمام والملائكة

وقيل الأبواب الطرق والمسالك أي تكشط فينتفح مكانها وتصير طرقا لا يسدها شيء

٢٠

وسيرت الجبال اي في الجو على هيآتها بعد قلعها من مقارها كما يعرب عنه قوله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب أي تراها رأى العين ساكنة في أماكنها والحال أنها تمر مر السحاب الذي يسيره الرياح سيرا حثيثا وذلك أن الأجرام العظام اذا تحركت نحوا من الأنحاء لا تكاد يتبين حركتها وان كانت في غاية السرعة لا سيما من بعيد وعليه قول من قال بارعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج وقد ادمج في هذا التشبيه تشبيه حال الجبال بحال السحاب في تخلخل الأجزاء وانتفاشها كما ينطق به قوله تعالى وتكون الجبال كالعهن المنفوش يبدل اللّه تعالى الأرض ويغير هيأتها ويسير الجبال على تلك الهيئة الهائلة عند حشر الخلائق بعد النفخة الثانية ليشاهدوها ثم يفرقها في الهواء وذلك قوله تعالى

فكانت سرابا اي فصارت بعد تسييرها مثل السراب كقوله تعالى وبست الجبال بسأ *  فكانت هباء منبثا اي غبارا منتشرا وهي وان اندكت ونصدعت عند النفخة الأولى لكن تسييرها وتسوية الأرض انما يكونان بعد النفخة الثانية كما نطق به قوله تعالى ويسألونك عن الجبال فقل ينفسها ربي نسفا * فيذرها قاعا صفصفا * لا ترى فيها عوجا ولا أمتا * يومئذ يتبعون الداعي وقوله تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا للّه الواحد القهار فان اتباع الداعي الذي هو اسرافيل عليه السلام وبروز الخلق للّه تعالى لا يكون الا بعد النفخة الثانية

٢١

ان جهنم كانت مرصادا شروع في تفصيل أحكام الفصل الذي أضيف اليه اليوم اثر بيان هو له ووجه تقديم بيان حال الكفار غنى عن البيان والمرصاد اسم للمكان الذي يرصد فيه كالمضمار الذي هو اسم للمكان الذي يضمر فيه الخيل والمنهاج اسم للمكان الذي ينهج فيه اي انها كانت في حكم اللّه تعالى وقضائه موضع رصد يرصد فيه خزنة النار الكفار ليعذبوهم فيها

٢٢

للطاغين متعلق بمضمر هو أما نعت لمرصادا اي كائنا للطاغين وقوله تعالى

مآبا بدل منه أي مرجعا يرجعون اليه لا محالة

وأما حال من مآبا قدمت عليه لكونه نكرة ولو تأخرت لكانت صفة له وقد جوز أن يتعلق بنفس مآبا على أنها مرصاد للفريقين مآب للكافرين خاصة ولا يخفى بعده فان المتبادر من كونها مرصادا لطائفة كونهم معذبين بها وقد قيل انها مرصاد لأهل الجنة يرصدهم الملائكة الذين يستقبلونهم عندها لأن مجازهم عليها وهي مآب للطاغين

وقيل المرصاد صيغة مبالغة من الرصد والمعنى أنها مجدة في ترصد الكفار لئلا يشذ منهم أحد وقرىء أن بالفتح على تعليل قيام الساعة بأنها مرصاد للطاغين

٢٣

لابثين فيها حال مقدرة من المستكن في للطاغين وقرىء لبثين وقوله تعالى

أحقابا ظرف للبثهم أي دهورا متتابعة كلما مضى حقب تبعه حقب آخر إلى غير نهاية فإن الحقب لا يكاد يستعمل إلا حيث يراد تتابع الأزمنة وتواليها فليس فيه ما يدل على تناهي تلك الأحقاب ولو أريد بالحقب ثمانون سنة أو سبعون ألف سنة وقوله تعالى

٢٤

انظر تفسير الآية: ٢٥

٢٥

لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا * إلا حميم وغساقا جملة مبتدأة أخبر عنهم بأنهم لا يذوقون فيها شيئا ما من برد وروح ينفس عنهم حر النار ولا شراب يسكن من عطشهم ولكن يذوقون فيها حميما وغساقا

وقيل البرد النوم وقرىء غساقا بالتخفيف وكلاهما ما يسيل من صديدهم

٢٦

جزاء أي جوزوا بذلك جزاء

وفاقا ذا وفاق لأعمالهم أو نفس الوفاق مبالغة أو وافقها وفاقا وقرىء وفاقا على أنه فعال من وفقه كذا أي لاقه

٢٧

إنهم كانوا الا يرجون حسابا تعليل لاستحقاقهم الجزاء المذكور أي كانوا لا يخافون أن يحاسبوا بأعمالهم

٢٨

وكذبوا يآياتنا الناطقة بذلك

كذابا أي تكذيبا مفرطا ولذلك كانوا مصرين على الكفر وفنون المعاصي وفعال من باب فعل شائع فيما بين الفصحاء وقرىء بالتخفيف وهو مصدر كذب قال فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابه وانتصابه أما بفعله المدلول عليه بكذبوا أي وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذابا

وأما بنفس كذبوا لتضمينه معنى كذبوا فإن كل من يكذب بالحق فهو كاذب وقرىء كذابا وهو جمع كاذب فانتصابه على الحالية أي كذبوا بآياتنا كاذبين وقد يكون الكذاب بمعنى الواحد البليغ في الكذب فيجعل صفة لمصدر كذبوا أي تكذيبا كذابا مفرطا كذبه

٢٩

وكل شىء من الأشياء التي من جملتها أعمالهم وانتصابه بمضمر يفسره

أحصيناه أي حفظناه وضبطناه وقرىء بالرفع على الابتداء

كتابا مصدر مؤكد لأحصيناه لما أن الإحصاء والكتبة من واد واحد أو لفعله المقدر أو حال بمعنى مكتوبا في اللوح أو في صحف الحفظة والجملة اعتراض وقوله تعالى

٣٠

فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات وفي الإلتفات المنبىء عن التشديد في التهديد وإيراد لن المفيدة لكون ترك الزيادة من قبيل مالا يدخل تحت الصحة من الدلالة على تبالغ الغضب مالا يخفى وقد روى النبي عليه الصلاة و السلام أن هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار

٣١

إن للمتقين مفازا شروع في بيان محاسن أحوال المؤمنين إثر بيان سوء أحوال الكفرة أي أن للذين يتقون الكفر وسائر قبائح اعمال الكفرة فوزا وظفرا بمباغيهم أو موضع فوز

وقيل نجاة مما فيه اولئك أو موضع نجاة وقوله تعالى

٣٢

حدائق وأعنابا أي بساتين فيها أنواع الأشجار المثمرة وكروما بدل من مفازا

٣٣

وكواعب أي نساء فلكت ثديهن وهن النواهد

أترابا أي لدات

٣٤

وكأسا دهاقا أي مترعة يقال أدهق الحوض أي ملأه

٣٥

لايسمعون فيها أي في الجنة

وقيل في الكأس

لغوا ولا كذابا أي لا ينطقون بلغو ولا يكذب بعضا وقرىء كذابا بالتخفيف أي لا يكذبه أو لا يكاذبه

٣٦

جزاء من ربك مصدر مؤكد منصوب بمعنى إن للمتقين مفازا فإنه في قوة أن يقال جازي المتقين بمفاز جزاء كائنا من ربك والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى الكمال شيئا فشيئا مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة و السلام مزيد تشريف له صلى اللّه عليه و سلم

عطاء أي تفيضلا وإحسانا منه تعالى إذ لا يجب عليه شىء وهو بدل من جزاء حساب صفة لعطاء بمعنى كافيا علىمصدر أقيم مقام الوصف أو بولغ فيه من أحسبه الشىء إذا كفاه حتى قال حسبي

وقيل على حسب أعمالهم وقرىء حسابا بالتشديد على أنه بمعنى المتحسب كالدراك بمعنى المدرك

٣٧

رب السموات والأرض وما بينهما بدل من ربك وقوله تعالى

الرحمن صفة له

وقيل صفة للأول وأيا ما كان ففي ذكر ربوبيته تعالى للكل ورحمته الواسعة إشعار بمدار الجزاء المذكور وقوله تعالى

لايملكون منه خطابا استئناف مقرر لما أفاده الربوبية العامة من غاية العظمة والكبرياء وإستقلاله تعالى بما ذكر من الجزاء والعطاء من غير أن يكون لأحد قدرة عليه وقرىء برفعهما فقيل على أنهما خبران لمبتدأ مضمر

وقيل الثاني نعت للأول

وقيل الأول مبتدأ والثاني خبره ولا يملكون خبر آخر أو هو الخبر والرحمن صفة للأول

وقيل لا يملكون حال لازمة

وقيل الأول مبتدأ والرحمن مبتدأ ثان ولايملكون خبره والجملة خبر للأول وحصل الربط بتكرير المبتدأ بمعناه على رأي من يقول به والآوجه أن يكون كلاهما مرفوعا على المدح أو يكون الثاني نعتا للأول ولا يملكون إستئنافا على حاله ففيه ما ذكر من الإشعار بمدار الجزاء والعطاء كما في البدلية لما أن المرفوع أو المنصوب مدحا تابع لما قبله معنى إن كان منقطعا عنه إعرابا كما فصل في قوله تعالى الذين يؤمنون بالغيب من سورة البقرة وقرىء بجر الأول على البدلية ورفع الثاني على الإبتداء والخبر ما بعده أو على أنه خبر لمبتدأ مضمر وما بعده استئناف أو خبر ثان أو حال وضمير لا يملكون لأهل السموات والأرض أي لا يملكون أن يخاطبوه تعالى من تلقاء أنفسهم كما ينبىء عنه لفظ الملك خطابا ما في شىء ما والمراد نفي قدرتهم على أن يخاطبوه تعالى بشىء من نقص العذاب أو زيادة الثواب من غير إذنه على أبلغ وجه وآكده

وقيل ليس في أيديهم مما يخاطب اللّه به يأمر به في أمر الثواب والعقاب خطاب واحد يتصرفون فيه تصرف الملاك فيزيدون فيه أو ينقصون منه

٣٨

يوم يقوم الروح والملائكة صفا قيل الروح خلق اعظم من الملائكة وأشرف منهم وأقرب من رب العالمين

وقيل هم ملك ما خلق اللّه عز و جل بعد العرش خلقا أعظم منه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه إذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا والملائكة كلهم صفا وعنه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أنه قال الروح جند من جنود اللّه تعالى ليسوا ملائكة لهم رؤس وأيد وأرجل يأكلون الطعام ثم قرأ يوم يقوم الروح الآية وهذا قول أبي صالح ومجاهد قالوا ما ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد منهم نقله البغوى

وقيل هم أشراف الملائكة

وقيل هم حفظة على الملائكة

وقيل جبريل عليه السلام وصفا حال أي مصطفين قيل هما صفان الروح صف واحد أو متعدد والملائكة صف

وقيل صفوف وهو الأفق لقوله تعالى والملك صفا صفا

وقيل يقوم الكل صفا واحدا ويوم ظرف لقوله تعالى

لا يتكلمون وقوله تعالى

إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا بدل من ضمير لا يتكلمون العائد إلى اهل السموات والأرض الذين من جملتهم الروح والملائكة وذكر قيامهم واصطفافهم لتحقيق عظمة سلطانه وكبرياء ربوبيته وتهويل يوم البعث الذي عليه مدار الكلام من  مطلع السورة الكريمة إلى مقطعها والجملة استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى لا يملكون الخ ومؤكد له على معنى ان أهل السموات والأرض إذا لم يقدروا يومئذ على أن يتكلموا بشىء من جنس الكلام إلا من أذن اللّه تعالى له منهم في التلكم وقال ذلك المأذون له قولا صوابا أي حقا فكيف يملكون خطاب رب العزة مع كونه أخص من مطلق الكلام وأعز منه مراما لا على معنى أن الروح والملائكة مع كونهم أفضل الخلائق وأقربهم من اللّه تعالى إذا لم يقدروا أن يتكلموا بما هو صواب من الشفاعة لمن ارتضى إلا بإذنه فكيف يكلمه غيرهم كما قيل فإنه مؤسس على قاعدة الإعتزال فمن سلكه مع تجويزه أن يكون يوم ظرفا للايملكون فقد اشتبه عليه الشؤن واختلط به الظنون

وقيل إلا من أذن الخ منصوب على أصل الإستثناء والمعنى لا يتكلمون إلا في حق شخص أذن له الرحمن وقال ذلك الشخص صوابا أي حقا هو التوحيد وإظهار الرحمن في موضع الإضمار للإيذان بأن مناط الإذن هو الرحمة البالغة لا أن أحدا يستحقه عليه سبحانه وتعالى

٣٩

ذلك إشارة إلى يوم قيامهم على الوجه المذكور وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للايذان بعلو درجته وبعد منزلته في الهول والفخامة ومحله الرفع على الإبتداء خبره ما بعده أي ذلك اليوم العظيم الذي يقوم فيه روح والملائكة مصطفين غير قادرين هم وغيرهم على التكلم من الهيبة والجلال

اليوم الحق أي الثابت المتحقق لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه والفاء في قوله تعالى

فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا فصيحة تصفح عن شرط محذوف ومفعول المشيئة محذوف لوقوعها شرطا وكون مفعولها مضمون الجزاء وانتفاء الغرابة في تعلقه بها حسب القاعدة المستمرة وإلى ربه متعلق بمآبا قدم عليه اهتماما به ورعاية للفواصل كأنه قيل وإذا كان الأمر كما ذكر من تحقق اليوم المذكور لا محالة فمن شاء أن يتخذ مرجعا إلى ثواب ربه الذي ذكر شأنه العظيم فعل ذلك بالإيمان والطاعة وقال قتادة مآبا أي سبيلا وتعلق الجارية لما فيه من معنى الإفضاء والإيصال كما مر في قوله تعالى من استطاع إليه سبيلا

٤٠

إنا أنذرناكم أي بما ذكر في السورة من الايات الناطقة بالبعث وبما بعده من الدواهي أو بها بسائر القوارع الواردة في القرآن

عذابا قريبا هو عذاب الآخرة وقربه لتحقيق إتيانه حتما ولأنه قريب بالنسبة إليه تعالى وإن رأوه بعيدا وسيرونه قريبا لقوله تعالى كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها وعن قتادة هو عقوبة الدنيا لأنه أقرب العذابين وعن مقاتل هو قتل قريش يوم بدر وقوله تعالى

يوم ينظر المرء ما قدمت يداه فإنه أما بدل من عذابا أو ظرف لمضمر هو صفة له أي عذابا كائنا يوم ينظر المرء أي يشاهد قدمه من خير أو شر على أن ما موصولة منصوبة بينظر والعائد محذوف أو ينظر أي شىء قدمت يداه على أنها استفهامية منصوبة بقدمت

وقيل المرء عبارة عن الكافر وما في قوله تعالى

ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ظاهر وضع موضع الضمير لزيادة الذم قيل معنى تمنيه ليتني كنت ترابا في الدنيا فلم أخلق ولم ولم أكلف أو ليتني كنت ترابأ في هذا اليوم فلم أبعث

وقيل يحشر اللّه تعالى الحيوان فيقتص للجماء من القرناء ثم يرده ترابا فيود الكافر حاله

وقيل الكافر أبليس يرى آدم وولده وثوابهم فيتمنى أن يكون الشىء الذي أحتقره حين قال خلقتني من نار وخلقته من طين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم

من قرأ سورة عم يتساءلون سقاه اللّه تعالى برد الشراب يوم القيامة والحمد للّه وحده

﴿ ٠