ÓõæÑóÉõ ÇáäøóÇÒöÚóÇÊö ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ÓöÊøñ æóÃóÑúÈóÚõæäó ÂíóÉð سورة النازعاتمكية آياتها ست وأربعون بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١والنازعات غرقا ٢والناشطات نشطا ٣والسابحات سبحا ٤فالسابقات سبقا ٥فالمدبرات أمرا إقسام من اللّه عز و جل بطوائف الملائكة الذين ينزعون الأرواح من الأجساد على الإطلاق كما قاله ابن عباس رضي اللّه عنهما ومجاهد أو أرواح الكفرة كما قاله على رضي اللّه عنه وابن مسعود وسعيد بن جبير ومسروق وينشطونها أي يخرجونها من الأجساد من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها ويسبحون في إخراجها سبح الغواص الذي يخرج من البحر ما يخرج فيسبقون بأرواح الكفرة إلى النار وبأرواح المؤمنين إلى الجنة فيدبرون أمر عقابها وثوابها بأن يهيؤها لإدراك ما أعدلها من الآلام واللذات والعطف مع اتحاد الكل بتزيلي التغاير الذاتي كما في قوله إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتائب في المزدحم للإشعار بأن كل واحد من الأوصاف المعدودة من معظمات الأمور حقيق بأن يكون على حياله مناطا لاستحقاق موصوفه للإجلال والإعظام بالإقسام به من غير انضمام الأوصاف الأخر إليه والفاء في الأخيرين للدلالة على ترتبهما على ما قبلهما بغير مهملة كما في قوله يا لهف زبابة الصائح فالغانم فالآئب وغرقا مصدر مؤكد بحذف الزوائد أي إغراقا في النزع حيث تنزعها من أقاصي الأجساد قال ابن مسعود رضي اللّه عنه تنزع روح الكافر من جسده من تحت كل شعرة ومن تحت الأظافير وأصول القدمين ثم تغرقها في جسده ثم تنزعها حتى إذا كادت تخرج تردها في جسده فهذا عملها بالكفار وقيل يرى الكافر نفسه في وقت النزع كأنها تغرق وانتصاب نشطا وسبحا وسبقا أيضا على المصدرية وأما أمرا فمفعول للمدبرات وتنكيره وللتهويل والتفخيم ويجوز أن يراد بالسابحات وما بعدها طوائف من الملائكة يسبحون في مضيهم أي يسرعون فيه فيسبقون إلى ما أمروا به من الأمور الدنيوية والأخروية والمقسم عليه محذوف تعويلا على إشارة ما قبله من المقسم به إليه ودلالة ما بعده من أحوال القيامة عليه وهو لتبعثن فإن الإقسام بمن يتولى نزع الأرواح ويقوم بتدبير أمورها يلوح بكون المقسم عليه من قبيل تلك الأمور لا محالة وفيه من الجزالة مالا يخفي وقد جوز أن يكون إقساما بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب غرقا في النزع بأن تقطع الفلك حتى تنحط في أقصى الغرب وتنشط من برج إلى برج أي تخرج من نشط الثور إذا خرج من بلد إلى بلد وتسبح في الفلك فيسبق بعضها بعضا فتدبر أمرا نيط بها كاختلاف الفصول وتقدير والأزمنة وتبين مواقيت العبادات وحيث كانت حركاتها من المشرق إلى المغرب قسرية وحركاتها من برج إلى برج ملائمة عبر عن الأولى بالنزع وعن الثاني بالنشط أو بأنفس الغزاة أو أيديهم التي تنزع القسى بإغراق السهام وينشطون بالسهم للرمى ويسبحون في البر والبحر فيسبقون إلى حرب العدو فيدبرون أمرها أو بخيلهم التي تنزع في أعنتها نزعا تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها لأنها عراب وتخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب وتسبح في جريها لتسبق إلى الغابة فتدبر أمر الظفر والغلبة وإسناد التدبير إليها لأنها من أسبابه هذا والذي يليق بشأن التنزيل هو الأول قوله تعالى ٦يوم ترجف الراجفة منصوب بالجواب المضمر والمراد بالراجفة الواقعة التي ترجف عندها الأجرام الساكنة أي تتحرك حركة شديدة وتتنزلزل زلزلزلة عظيمة كالأرض والجبال وهي النفخة الأولى وقيل الرجفة الأرض والجبال لقوله تعالى يوم ترجف الأرض والجبال وقوله تعالى ٧تتبعها الرادفة أي الواقعة التي تردف الأولى وهي النفخة الثانية تابعة لها لا قبل ذلك فإنه عبارة عن الزمان الممتد الذي يقع فيه النفختان وبينهما أربعون سنة واعتبار امتداده مع أن البعث لا يكون إلا عند النفخة الثانية لتهويل اليوم ببيان كونه موقعا لداهيتين عظيمتين لا يبقى عند وقوع الأولى حي الإ مات ولا عند وقوع الثانية إلا بعث وقام ووجه إضافته إلى الأولى ظاهر وقيل يوم ترجف منصوب باذكر فتكون الجملة استئنافا مقررا لمضمون الجواب المضمر كأنه قيل لرسول اللّه اذكر لهم يوم النفختين فإنه وقت بعثهم وقيل هو منصوب بما دل عليه قوله تعالى ٨قلوب يومئذ واجفة أي يوم ترجف وجفت القلوب قيل قلوب مبتدأ ويومئذ متعلق بواجفة وهي صفة لقلوب مسوغة لوقوعه مبتدأ وقوله تعالى ٩أبصارها أي أبصار أصحاب خاشعة جملة من مبتدأ وخبر وقعت خبرا لقلوب وقد مر أن حق الصفة أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصوف عند السامع حتى قالوا إن الصفات قبل العلم بها أخبار والأخبار بعد العلم بها صفات فحيث كان ثبوت الوجيف للقلوب وثبوت الخشوع لأبصار أصحابها سواء في المعرفة والجهالة كان جعل الأول عنوانا للموضوع مسلم الثبوت مفروغا عنه وجعل الثاني مخبرا به مقصود الإفادة تحكما بحتا على أن الوجيف الذي هو عبارة عن شدة إضطراب القلب وقلقه من الخوف والوجل أشد من خشوع البصر وأهول فجعل أهون الشرين عمدة وأشدهما فضلة مما لا عهد له في الكلام وأيضا فتخصيص الخشوع بقلوب موصوفة بصفة معينة غير مشعرة بالعموم والشمول تهوين للخطب في موقع التهويل فالوجه أن يقال تنكير قلوب يقوم مقام الوصف المختص سواء على حمل التنويع كما قيل وإن لم يذكر النوع المقابل فإن المعنى منسحب عليه أو على التكثير كما في شر أهر ذا ناب فإن التفخيم كما يكون بالكيفية يكون بالكمية أيضا كأنه قيل قلوب كثيرة يوم إذ يقع النفختان واجفة أي شديدة الإضطراب قال ابن عباس رضى اللّه عنهما خائفة وجلة وقال السدى رائلة عن أماكنها كما في قوله تعالى إذ القلوب لدى الحناجر وقوله تعالى ١٠يقولون أننا لمردودن في الحافرة حكاية لما يقوله المنكرون للبعث المكذبون بالآيات الناطقة به إثر بيان وقوعه بطريق التوكيد القسمي وذكر مقدماته الهائلة وما يعرض عند وقوعها للقلوب والأبصار أي يقولون إذا قيل لهم إنكم تبعثون منكرين له متعجبين منه أئنا لمردودون بعد موتنا في الحافرة أي في الحالة الأولى يعنون الحياة من قولهم رجع فلان في حافرته أي في طريقته التي جاء فيها فحفرها أي أثر فيها بمشيه وتسميتها حافرة مع أنها محفورة كقوله تعالى في عيشة راضية أي منسوبة إلى الحفر والرضا أو كقولهم نهاره صائم على تشبيه القابل بالفاعل وقرىء في الحفرة وهي بمعنى المحفورة وقوله تعالى ١١ائذا كنا عظاما نخرة تأكيد لانكار الرد ونفيه بنسبته الى حالة منافية له والعامل في اذا مضمر يدل عليه مردودون أي ائذا كنا عظاما بالية نرد ونبعث مع كونها ابعد شيء من الحياة وقرىء اذا كنا على الخبر أو اسقاط حرف الانكار وناخرة من نخر العظم فهو نخر وناخر وهو البالي الأجوف الذي يمر به الريح فيسمع له نخير ١٢قالوا حكاية لكفر آخرهم متفرع على كفرهم السابق ولعل توسيط قالوا بينهما للايذان بأن صدور هذا الكفر عنهم ليس بطريق الاطراد والاستمرار مثل كفرهم السابق المستمر صدوره عنهم في كافة اوقاتهم حسبما ينبىء عنه حكايته بصيغة المضارع اي قالوا بطريق الاستهزاء مشيرين الى ما أنكروه من الردة في الحافرة مشعرين بغاية بعدها من الوقوع تلك اذا كرة خاسرة أي ذات خسران أو خاسرة اصحابها أي ان صحت فنحن اذن خاسرون لتكذبينا بها وقوله تعالى ١٣فانما هي زجرة واحدة تعليل لمقدر يقتضيه انكارهم لاحياء العظام النخرة التي عبروا عنها بالكرة فان مداره لما كان استصعابهم اياها رد عليهم ذلك فقيل لا تستصعبوها فانما هي صيحة واحدة أي حاصلة بصيحة واحدة وهي النفخة الثانية عبر عنها بها تنبيها على كمال اتصالها بها كأنها عينها وقيل هي راجع الى الرادفة فقوله تعلى ١٤فاذا هم بالساهرة حينئذ بيان لترتب الكرة على الزجرة مفاجأة اي فاذا هم احياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتا في جوفها وعلى الأول بيان لحضورهم الموقف عقيب الكرة التي عبر عنها بالزجرة والساهرة الأرض البيضاء المستوية سميت بذلك لأن السراب يجري فيها من قولهم عين ساهرة جارية الماء وفي ضدها نائمة وقيل لأن سالكها لا ينام خوف الهلكة وقيل اسم لجهنم وقال الراغب هي وجه الأرض وقيل هي أرض القيامة وروي الضحاك عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن الساهرة أرض من فضة لم يعص اللّه تعالى عليها قط خلقها حينئذ وقيل هي أرض يجددها اللّه عز و جل يوم القيامة وقيل هي اسم الأرض السابعة يأتي بها اللّه تعالى فيحاسب الخلائق عليها وذلك حين تبدل الأرض غير الأرض وقال الثوري الساهرة أرض الشام وقال وهب بن منبه جبل بيت المقدس وقيل الساهرة بمعنى الصحراء على شفير جهنم وقوله تعالى ١٥هل أتاك حديث موسى كلام مستأنف وارد لتسلية رسولة اللّه صلى اللّه عليه و سلم من تكذيب قومه بأنه يصبهم مثل ما أصاب من كان اقوى منهم وأعظم ومعنى هل أتاك ان اعتبر هذا أول ما أتاه عليه الصلاة و السلام من حديثه عليه السلام ترغيب له عليه الصلاة و السلام في استماع حديثه كأنه قيل هل أتاك حديثه أنا اخبرك به وان اعتبر اتيانه قبل هذا وهو المتبادر من الايجاز في الاقتصاص حمله عليه الصلاة و السلام على أن يقر بأمر يعرفه قبل ذلك كأنه قيل أليس قد أتاك حديثه وقوله تعالى ١٦اذ ناداه ربه بالواد المقدس ظرف للحديث لا للاتيان لاختلاف وقتيهما طوى بضم الطاء غير منون وقرىء منونا وقرىء بالكسر منونا وغير منون فمن نونه أوله بالمكان دون البقعة وقيل هو كشنى مصدر لنادي أو المقدس اي ناداه ندائين أو المقدس مرة بعد أخرى ١٧اذهب الى فرعون على ارادة القول وقيل هو تفسير للنداء أي ناداه اذهب وقيل هو على حذف أن المفسرة ويدل عليه قراءة عبد اللّه ان اذهب لأن في النداء معنى القول انه طغى تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به ١٨فقل بعدما أتيته هل لك رغبة وتوجه الى أن تزكى بحذف احدى التاءين من تتزكى اي تتطهر من دنس الكفر والطغيان وقرىء تزكى بالتشديد ١٩وأهديك الى ربك وأرشدك الى معرفته عز و جل فتعرفه فتخشى اذ الخشية لا تكون الا بعد معرفته تعالى قال عز و جل انما يخشى اللّه من عباده العلماء وجعل الخشية غاية للّهداية لأنها ملاك الأمر من خشي اللّه تعالى أتى منه كل خير ومن أمن اجتر على كل شر أمر عليه الصلاة و السلام بأن يخاطبه بالاستفهام الذي معناه العرض ليستدعيه بالتلطف في القول ويستنزله بالمداراة من عتوه وهذا ضرب تفصيل لقوله تعالى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى والفاء في قوله تعالى ٢٠فأراه الآية الكبرى فصيحة تفصح عن جمل قد طويت تعويلا على تفصيلها في السور الأخرى فانه عليه الصلاة و السلام ما أراه اياها عيب هذا الأمر بل بعد ما جرى بينه وبين اللّه تعالى ما جرى من الاستدعاء والاجابة وغيرهما من المراجعات وبعد ما جرى بينه وبين فرعون ما جرى من المحاورات الى أن قال ان كنت جئت بآية فأت بها ان كنت من الصادقين والاراءة أما بمعنى التبصير أو التعريف فان اللعين حين أبصرها عرفها وادعاء سحريتها انما كان اراءة منه واظهارا للتجلد ونسبتها اليه عليه الصلاة و السلام بالنظر الى الظاهر كما أن نسبتها الى نون العظمة في قوله تعالى ولقد أريناه آياتنا بالنظر الى الحقيقة والمراد بالآية الكبرى قلب العصا حية وهو قول ابن عباس رضي اللّه عنهما فانها كانت المقدمة والأصل والأخرى كالتبع لها أوهما جميعا وهو قول مجاهد فانهما كالآية الواحدة وقد عبر عنهما بصيغة الجمع حيث قال اذهب انت وأخوك بآياتي باعتبر ما في تضاعيفهما من بدائع الأمور التي كل منها آية بينة لقوم يعقلون كما في سورة طه ولا مساغ لحملها على مجموع معجزاته فان ما عدا هاتين الآيتين من الآيات التسع انما ظهرت على يده عليه الصلاة و السلام بعد ما غلب السحرة على مهل في نحو من عشرين سنة كما مر في سورة الأعراف ولا ريب في أن هذا مطلع القصة وأمر السحرة مترقب بعد ٢١فكذب بموسى عليه السلام وسمي معجزاته سحرا وعصى اللّه عز و جل بالتمرد بعد ما علم صحة الأمر ووجوب الطاعة أشد عصيان وأقبحه حيث اجترأ على انكار وجود رب العالمين رأسا وكان اللعين وقومه مأمورين بعبادته عز و جل وترك العظيمة التي كان يدعيها الطاغية ويقبلها منه فئته الباغية لا بارسال بني اسرائيل من الأسر والقسر فقط ٢٢ثم أدبر أي تولى عن الطاعة أو انصرف عن المجلس يسعى اي يجتهد في معارضة الآية أو اريد ثم اقبل أي انشأ يسعى فوضع موضعه أدبر تحاشيا عن وصفه بالاقبال وقيل أدبر هاربا من الثعبان فانه روي أنه عليه الصلاة و السلام لما ألقى العصا انقلبت ثعبانا أشعر فاغرا فاه بين لحييه ثمانون ذراعا وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر فتوجه نحو فرعون فهرب وأحدث وانهزم الناس مردحمون فمات منهم خمسة وعشرون ألفا من قومه وقيل انها حين انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة نحو فرعون وجعلت تقول يا موسى مرني بما شئت ويقول فرعون أنشدك بالذي أرسلك الا اخذته فأخذه فعاد عصا ويأباه أن ذلك كان قبل الاصرار على التكذيب والعصيان والتصدي للمعارضة كما يعرب عنه قوله تعالى ٢٣فحشر أي فجمع السحرة لقوله فأرسل فرعون في المدائن حاشرين وقوله تعالى فتولى فرعون فجمع كيده أي ما يكاد به من السحرة وآلاتهم وقيل جنوده ويجوز أن يراد جميع الناس فنادى في المجمع بنفسه أو بواسطة المنادي ٢٤فقال أنا ربكم الأعلى قيل قام فيهم خطيبا فقال تلك العظيمة ٢٥فأخذه اللّه نكال الآخرة والأولى النكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم وهو التعذيب الذي ينكل من رآه أو سمعه ويمنعه من تعاطي ما يفضي اله ومحله النصب على أنه مصدر مؤكد كوعد اللّه وصبغة اللّه كأنه قيل نكل اللّه به نكال الآخرة والأولى وهو الاحراق في الآخرة والاغراق في الدنيا وقيل مصدر لأخذ أي آخذه اللّه أخذ نكال الآخرة الخ وقيل مفعول له أي آخذه لأجل نكال الخ وقيل نصب على نزع الخافض أي أخذه بنكال الآخرة والأولى واضافته الى الداين باعتبار وقوع نفس الأخذ فيهما لا باعتبار أن ما فيه من معنى المنع يكون فيهما فان ذلك لا يتصور في الآخرة بل في الدنيا فان العقوبة الأخروية تنكل من سمعها وتمنعه من تعاطي ما يؤدي اليها لا محالة وقيل المراد بالآخرة والأولى قوله أنا ربكم الأعلى وقوله ما علمت لكم من اله غيري قيل كان بين الكلمتين أربعون سنة فالاضافة اضافة المسبب الى السبب ٢٦ان في ذلك أي فيما ذكر من قصة فرعون وما فعل وما فعل به لعبرة عظيمة لمن يخشى أي لمن من شأنه أن يخشى وهو من من شأنه المعرفة وقوله تعالى ٢٧أأنتم أشد خلقا خطاب لأهل مكة المنكرين للبعث بناء على صعوبته في زعمهم بطريق التوبيخ والتبكيت بعد ما بين كمال سهولته بالنسبة الى قدرة اللّه تعالى بقوله تعالى فانما هي زجرة واحدة اي اخلقكم بعد موتكم أشد أي أشق وأصعب في تقديركم أم السماء أي أم خلق السماء على عظمها وانطوائها على تعاجيب البدائع التي تحار العقول عن ملاحظة أدناها كقوله تعالى لخلق السموات والأرض اكبر من خلق الناس وقوله تعالى أوَليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم وقوله تعالى بناها الخ بيان وتفصيل لكيفية خلقها المستفاد من قوله أم السماء وفي عدم ذكر الفاعل فيه وفيما عطف عليه من الأفعال من التنبيه على تعينه وتفخيم شأنه عز و جل ما لا يخفى وقوله تعالى ٢٨رفع سمكها بيان للبناء أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض وذهابها الى سمت العلو مديدا رفيعا مسيرة خمسمائة عام فسواها فعلدها مستوية ملساء ليس فيها تفاوت ولا فطور أو فتممها بما علم أنها تتم به من الكواكب والتداوير وغيرها مما لا يعلمه إلا الخلاق العليم من قولهم سوى أمر فلان إذا صلحه ٢٩وأغطش ليلها أي جعله مظلما يقال غطش الليل وأغطشه اللّه تعالى كما يقال ظلم وأظلمه وقد مر هذا في قوله تعالى وإذا أظلم عليهم قاموا ويقال أيضا أغطش الليل كما يقال أظلم وأخرج ضحاها أي أبرز نهارها عبر عنه بالضحى لأنه أشرف أوقاته وأطيبها فكان أحق بالذكر في مقام الامتنان وهو السر في تأخير ذكره عن ذكر الليل وفي التعبير عن إحداثه بالإخراج فإن إضافة النور بعد الظلمة أتم في الإنعام واكمل في الاحسان واضافة الليل والضحى الى السماء لدوران حدوثهما على حركتهما ويجوز أن تكون اضافة الضحى اليها بواسطة الشمس أي أبرز ضوء شمسها والتعبير عنه بالضحى لأنه وقت قيام سلطانها وكما اشراقها ٣٠والأرض بعد ذلك دحاها أي بسطها ومهدها لسكنى أهلها وتقلبهم في أقطارها وانتصاب الأرض بمضمر يفسره دحاها ٣١أخرج منها ماءها بأن فجر منها عيونا وأجرى أنهارا ومرعاها أي رعيها وهو في الأصل موضع الرعي وقيل هو مصدر ميمي بمعنى مفعول وتجريد الجملة عن العاطف أما لأنها بيان وتفسير لدحاها وتكملة له فان السكنى لا تتأتي بمجرد البسط والتمهيد بل لا بد من تسوية أمر المعاش من المأكل والمشرب حتما وأما لأنها حال من فاعله باضمار قد عند الجمهور أو بدونه عن الكوفيين والأخفش كما في قوله تعالى أو جاءوكم حصرت صدورهم ٣٢والجبال منصوب بمضمر يفسره أرساها أي اثبتها وأثبت بها الأرض أن تميد بأهلها وهذا تحقيق للحق وتنبيه على أن الرسو المنسوب اليها في مواضع كثيرة من التنزيل بالتعبير عنها بالرواسي ليس من مقتضيات ذواتها بل هو بارسائه عز و جل ولولاه لما ثبتت في أنفسها فضلا عن اثباتها للأرض وقرىء والأرض والجبال بالرفع على الابتداء ولعل تقديم اخراج الماء والمرعى ذكرا مع تقدم الارساء عليه وجودا وشدة تعلقه بالدحو لابراز كمال الاعتناء بأمر المأكل والمشرب مع ما فيه من دفع توهم رجوع ضميري الماء والمرعى الى الجبال وهذا كما ترى يدل يظاهره على تأخر دحو الأرض عن خلق السماء وما فيها كما يروى عن الحسن من أنه تعالى خلق الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليه دخان ملتزق بها ثم اصعد الدخان وخلق منه السموات وأمسك الفهر في موضعها وبسط منها الأرض وذلك قوله تعالى كانتا رتقا ففتقناهما الآية وقد مر في سورة حم السجدة أن قوله تعالى قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين الى قوله تعالى ثم استوى الى السماء وهي دخان الآية ان حمل ما فيه من الخلق وما عطف عليه من الأفعال الثلاثة على معانيها الظاهرة لا على تقديرها فهو وما في سورة البقرة من قوله تعالى هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سموات يدلان على تقدم خلق الأرض وما فيها على خلق السماء وما فيها وعليه اطباق اكثر أهل التفسير وقد روي أن العرش كان قبل خلق السموات والأرض على الماء ثم انه تعالى أحدث في الماء اضطرابا فأزبد فارتفع منه دخان فاما الزبد فبقي على وجه الماء فخلق منه اليبوسة فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعلها أرضين وأما الدخان فارتفع وعلا فخلق منه السموات وروي أنه تعالى خلق جرم الأرض يوم الأحد ويوم لاثنين ودحاها وخلق ما فيها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء وخلق السموات وما فيهن يوم الخميس ويوم الجمعة وخلق آدم عليه السلام في آخر ساعة منه وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة فالأقرب كما قيل تأمويل هذه الآية بأن يجعل ذلك اشارة الى ذكر ما ذكر من بناء السماء ورفع سمكها وتسويتها وغيرها لا الى انفسها ويحمل بعدية في الذكر كما هو المعهود في ألسنة العرب والعجم لا في الوجود لما عرفت من أن انتصاب الأرض بمضمر مقدم قد حذف على شريطة التفسير لا بما ذكر بعده ليفيد القصر وتتعين البعدية في الوجود وفائدة تأخيره في الذكر أما التنبيه على أنه قاصر في الدلالة على القدرة القاهرة بالنسبة الى أحوال السماء وأما الاشعار بأنه ادخل في الالزام لما أن المنافع المنوطة بما في الأرض أكثر وتعلق مصالح الناس بذلك اظهر واحاطتهم بتفاصيل أحواله أكمل وليس ما روي عن الحسن نصا في تأخر دحو الأرض عن خلق السماء فان بسط الأرض معطوف على اصعاد الدخان وخلق السماء بالواو هي بمعزل من الدلالة على الترتيب هذا على تقدير حمل ما ذكر في آيات سورة السجدة من الخلق وما عطف عليه من الأفعال الثلاثة على معانيها الظاهرة وأما اذا حملت على تقديرها فلا دلالة فيها الا على تقدم تقدير الأرض وما فيها على ايجاد السماء كما لا دلالة على الترتيب أصلا اذا حملت كلمة ثم فيها وفيما في سورة البقرة على التراخي في الرتبة وقد سلف تفصيل الكلام في السورة المذكورة وقوله تعالى ٣٣متاعا لكم ولأنعامكم أما مفعول له أي فعل ذلك تمتيعا لكم ولأنعامكم لأن فائدة ما ذكر من البسط والتميهد واخراج الماء والمرعى واصلة اليهم والى أنعامهم فان المراد المرعى ما يعم ما يأكله الانسان وغيره بناء على استعارة الرعي لتناول المأكول على الاطلاق كاستعارة المرسن للأنف وقيل مصدر مؤكد لفعله المضمر أي متعكم بذلك متاعا أو مصدر من غير لفظه فان قوله تعالى أخرج منها ماءها ومرعاها في معنى متع بذلك وقوله تعالى ٣٤فاذا جاءت الطامة الكبرى أي الداهية العظمى التي تطم على سائر الطامات أي تعلوها وتغلبها وهي القيامة أو النفخة الثانية وقيل هي الساعة التي يساق الخلائق الى محشرهم وقيل التي يساق أهل الجنة الى الجنة وأهل النار الى النار شروع في بيان أحوال معادهم اثر بيان أحوال معاشهم بقوله تعالى متاعا لكم الخ والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها عما قليل كما يبنى منه لفظ المتاع ٣٥يوم يتذكر الانسان ما سعى قيل هو بدل من اذا جاءت والأظهر انه منصوب بأعنى كما قيل تفسيرا للطامة الكبرى فان الابدال منها بالظرف المحض مما يوهن تعلقها بالجواب ويجوز أن يكون بدلا من الطامة الكبرى مفتوحا لاضافته الى الفعل على رأي الكوفيين أي يتذكر فيه كل أحد ما عمله من خير أو شر بأن يشاهده مدونا في صحيفة أعماله وقد كان نسيه من فرط الغفلة وطول الأمد كقوله تعالى أحصاه اللّه ونسوه ويجوز أن تكون ما مصدرية ٣٦وبرزت الجحيم عطف على جاءت أي أظهرت اظهارا بينا لا يخفى على أحد لمن يرى كائنا من كان يروى أنه يكشف عنها فتتلظى فيرها كل ذي بصر وقرىء وبرزت بالتخفيف ولمن رأى ولمن ترى على فيه ضمير الجحيم كما في قوله تعالى اذا رأتهم من مكان بعيد وعلى أنه خطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أي لم تراه من الكفار وقوله تعالى ٣٧فأما من طغى الخ جواب فاذا جاءت على طريقة قوله تعالى فاما يأتينكم مني هدى الآية وقيل هو تفصيل للجواب المحذوف تقديره انقسم الراؤون قسمين فأما فأما من الخ والذي تستدعيه فخامة التنزيل ويقتضيه مقام التهويل أن الجواب المحذوف كان من عظائم الشؤن ما لم تشاهده العيون كما مر في قوله تعالى يوم يجمع اللّه الرسل أي فأما من عتا وتمرد عن الطاعة وجاوز الحد في العصيان ٣٨آثر الحياة الدنيا الفانية التي هي على جناح الفوات فانهمك فيما متع به فيها ولم يستعد للحياة الأخروية الأبدية بالايمان والطاعة ٣٩فان الجحيم التي ذكر شأنها هي المأوى أي هي مأواه واللام سادة مسد الاضافة للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغي كما في قولك غض الطرف ودخول اللام في المأوى والطرف للتعريف لأنهما معروفان وهي أما ضمير فصل أو مبتدأ قيل نزلت الآية في النضر وأبيه الحرث المشهورين بالغلو في الكفر والطغيان ٤٠وأما من خاف مقام ربه أي مقامه بين يدي مالك أمره يوم الطامة الكبرى يوم يتذكر الانسان ما سعى ونهى النفس عن الهوى عن الميل اليه بحكم الجبلة البشرية ولم يعتد بمتاع الحياة الدنيا وزهرتها ولم يغتر بزخارفها وزينتها علما منه بوخامة عاقبتها ٤١فان الجنة هي المأوى له لا غيرها وقيل نزلت الآياتان في أبي عزيز بن عمير ومصعب بن عمير وقد قتل مصعب أخاه أبا عزيز يوم أحد ووقي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى استشهد رضي اللّه عنه هذا وقد قيل جواب اذا ما يدل عليه قوله تعالى يوم يتذكر الخ أي فاذا جاءت الطامة الكبرى يتذكر الانسان ما سعى على طريقة قوله تعالى علمت نفس ما أحضرت وقوله تعالى علمت نفس ما قدمت وأخرت فيكون قوله تعالى وبرزت الجحيم عطفا عليه وصيغة الماضي للدلالة على التحقق أو حالا من الانسان باضمار قد أو بدونه على اختلاف الرأيين ولمن يرى مغن عن العائد وقوله تعالى فأما من طغى الخ تفصيلا لحالي الانسان الذي يتذكر ما سعى وتقسيما له بحسب أعماله الى القسمين المذكورين ٤٢يسألونك عن الساعة أيان مرساها متى ارساؤها أي اقامتها يردون متى يقيمها اللّه تعالى ويثبتها ويكونها وقيل أيام منتهاها ومستقرها كما أن مرسى السفينة حيث تنتهي اليه وتستقر فيه وقوله تعالى ٤٣فيم أنت من ذكراها انكار ورد لسؤال المشركين عنها أي في أي شيء أنت من تذكر لهم وقتها وتعلمهم به حتى يسألونك بيانها كقوله تعالى يسألونك كأنك خفي عنها أي ما أنت من ذكرها لهم وتبيين وقتها في شيء لأن ذلك فرع علمك به وأنى لك ذلك وهو مما استأثر بعلمه علام الغيوب ومن قال بصدد التعليل فان ذكرها لا زيدهم الا غيا فقد نأى عن الحق وقيل فيم انكار لسؤالهم وما بعده من الاستئناف تعليل للانكار وبيان لبطلان السؤال أي فيم هذا السؤال ثم ابتدىء فقيل أنت من ذكراه أي ارسالك وأنت خاتم الأنبياء المبعوث في نسيم الساعة علامة من علاماتها ودليل يدلهم على العلم بوقوعها عن قريب فحسبهم هذه المرتبة من العلم فمعنى قوله تعالى ٤٤الى ربك منتهاها على هذا الوجه اليه تعالى يرجع متهى علمها أي علمها بكنهها وتفاصيل أمرها ووقت وقوعها لا الى أحد غيره وانما وظيفتهم أن يعلموا باقترابها ومشارفتا وقد حصل لهم ذلك بمبعثك فما معنى سؤالهم عنها بعد ذلك وأما على الوجه الأول فمعناه اليه تعالى انتهاء علمها ليس لأحد منه شيء ما كائنا من كان فلأي شيء يسألونك عنها وقوله تعالى ٤٥انما أنت منذر من يخشاها على الوجه الأول تقرير لما قبله من قوله تعالى فيم أنت من ذكراها وتحقيق لما هو المراد منه وبيان لوظيفته عليه الصلاة و السلام في ذلك الشأن فان انكار كونه عليه الصلاة و السلام في شيء من ذكراها مما يوهم بظاهره أن ليس له عليه الصلاة و السلام أن يذكرها بوجه من الوجوه فأزيح ذلك ببيان أن المنفي عنه عليه الصلاة و السلام ذكرها لهم بتعيين وقتها حسبما كانوا يسألونه عليه الصلاة و السلام عنها فالمعنى انما أنت منذر من يخشاها وظيفتك الامتثال بما أمرت به من بيان اقترابها وتفصيل ما فيها من فنون الأهوال كما تحيط به خبرا لا تعيين وقتها الذي لم يفوض اليك فما لهم يسألونك عما ليس من وظائفك بيانه وعلى الوجه الثاني هو تقرير لقوله تعالى أنت من ذكراها ببيان أن ارساله عليه الصلاة و السلام وهو خاتم الأنبياء عليهم السلام منذر بمجيء الساعة كما ينطق به قوله عليه الصلاة و السلام بعثت أنا والساعة كهاتي ان كادت لتسبقني وقرىء منذر بالتنوين وهو الأصل والاضافة تخفيف صالح للحال والاستقبال فاذا أريد الماضي تعينت الاضافة وتخصيص الانذار بمن يخشى مع عموم الدعوة لأنه المنتفع به وقوله تعالى ٤٦كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا الا عشية أو ضحاها أما تقرير وتأكيد لما ينبىء عنه الإنذار من سرعة مجىء المنذر به لا سيما على الوجه الثاني أي كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا بعد الإنذار بها إلا عشية يوم واحد أو ضحاه فلما ترك اليوم أضيف ضحاه إلى عشيته وأما رد لما أدمجوه في سؤالهم فإنهم كانوا يسألون عنها بطريق الإستبطاء مستعجلين بها وإن كان على نهج الإستهزاء بها ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين فالمعنى كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا بعد الوعيد تحقيقا للانذار وردا لاستبطائهم والجملة على الأول حال من الموصول فانه على تقديري الاضافة وعدمها مفعول لمنذر كما أن قوله تعالى كأن لم يلبثوا الا ساعة من النهار حال من ضمير المفعول في يحشرهم أي يحشرهم مشبيهن بمن لم يلبث في الدنيا الا ساعة خلا أن الشبه هناك في الأحوال الظاهرة من الزي والهيئة وفيما نحن فيه في الاعتقاد كأنه قيل تنذرهم مشبهين يوم يرونها في الاعتقاد بمن لم يلبث بعد الانذار بها الا تلك المدة اليسيرة وعلى الثاني مستأنفة لا محل لها من الاعراب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قرأ سورة النازعات كان ممن حبسه اللّه عز و جل في القبر والقيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة مكتوبة واللّه أعلم |
﴿ ٠ ﴾