سُورَةُ الضُّحٰي مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ إِحْدَى عَشَرَةَ آيَةً

سورة الضحى

سورة الضحى مكية وآيها احدى عشرة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

والضحى هو وقت ارتفاع الشمس وصدر النهار قالوا تخصيصه بالاقسام به لأنها الساعة التي كلم فيها موسى عليه السلام وألقى فيها السحرة سجدا لقوله تعالى وأن يحشر الناس ضحى

وقيل أريد به النهار كما في قوله تعالى أن يأتيهم بأسنا ضحى في مقابلة بياتا

٢

والليل أي جنس الليل

اذا سجى أي سكن أهله أو ركد ظلامه من سجا البحر سجوا اذا سكنت امواجه ونقل عن قتادة ومقاتل وجعفر الصادق ان المراد بالضحى هو الضحى الذي كلم اللّه تعالى فيه موسى عليه السلام وبالليل ليلة المعراج وقوله تعالى

٣

ما ودعك ربك جواب القسم أي ما قطعك قطع المودع وقرىء بالتخفيف أي ما تركك

وما قلى

أي وما أبغضك وحذف المفعول

أما للاستغناء عنه بذكره من قبل أو للقصد الى نفي صدور الفعل عنه تعالى بالكلية مع أن فيه مراعاة للفواصل روي أن الوحي تأخر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أياما لتركه الاستثناء كما مر في سورة الكهف أو لزجره سائلا ملحا فقال المشركون ان محمدا ودعه ربه وقلاه فنزلت ردا عليهم وتبشيرا له عليه الصلاة و السلام بالكرامة الحاصلة والمترقبة كما يشعر به ايراد اسم الرب المنبىء عن التربية والتبليغ الى الكمال مع الاضافة الى ضميره عليه الصلاة و السلام وحيث تضمن ما سبق من نفي التوديع والقلي أنه تعالى يواصله بالوحي والكرامة في الدنيا بشره عليه الصلاة و السلام بأن ما سيؤتيه في الآخرة أجل وأعظم من ذلك فقيل

٤

وللآخرة خير لك من الأولى لما أنها باقية صافية عن الشوائب على الاطلاق وهذه فانية مشوبة بالمضار وما أوتي عليه الصلاة و السلام من شرف النبوة وان كان مما لا يعادله شرف ولا يدانيه فضل لكنه لا يخلو في الدنيا من بعض العوارض الفادحة في تمشية الأحكام مع أنه عندما أعد له عليه الصلاة و السلام في الآخرة من السبق والتقدم على كافة الأنبياء والرسل يوم الجمع يوم يقوم الناس لرب العالمين وكون أمته شهداء على سائر الأمم ورفع درجات المؤمنين واعلاء مراتبهم بشفاعته وغير ذلك من الكرامات السنية التي لا تحيط بها العبارة بمنزلة بعض المبادىء بالنسبة الى المطالب

وقيل المراد بالآخرة عاقبة أمره عليه الصلاة و السلام أي لنهاية أمرك خير من بدايته لا تزال تتزايد قوة وتتصاعد رفعة وقوله تعالى

٥

ولسوف يعطيك ربك فترضى عدة كريمة شاملة لما أعطاه اللّه تعالى في الدنيا من كمال النفس وعلوم الأولين والآخرين وظهور الأمر واعلاء الدين بالفتوح الواقعة في عصره عليه الصلاة و السلام وفي أيام خلفائه الراشدين وغيرهم من الملوك الاسلامية وفشو الدعوة والاسلام في مشارق الأرض ومغاربها ولما ادخر له من الكرامات التي لا يعلمها الا اللّه تعالى وقد أنبأ ابن عباس رضي اللّه عنهما عن شمة منها حيث قال له عليه الصلاة و السلام في الجنة الف قصرمن لؤلؤ ابيض ترابه المسك واللام للابتداء دخلت الخبر لتأكيد مضمون الجملة والمبتدأ محذوف تقديره ولأنت سوف يعطيك الخ لا للقسم لأنها لا تدخل على المضارع الا مع النون المؤكدة وجمعها مع سوف للدلالة على أن الاعطاء كائن لا محالة وان تراخي لحكمة

وقيل هي للقسم وقاعدة التلازم بينها وبين نون التأكيد قد استثنى النجاة منها صورتين احداهما ان يفصل بينها وبين الفعل بحرف التنفيس كهذه الآية وكقوله واللّه لسأعطيك والثانية أن يفصل بينهما بمعمول الفعل كقوله تعالى لالى اللّه تحشرون وقال ابو علي الفارسي ليست هذه اللام هي التي في قولك ان زيدا لقائم بل هي التي في قولك لأقومن ونابت سوف عن احدى نوني التأكيد فكأنه قيل وليعطينك وكذلك اللام في قوله تعالى وللآخرة الخ وقوله تعالى

٦

الم يجدك يتيما فآوى تعديد لما أفاض عليه الصلاة و السلام من أول أمره الى ذلك الوقت من فنون النعماء العظام ليستشهد بالحاضر الموجود على المترقب الموعود فيطمئن قلبه وينشرح صدره والهمزة لانكار النفي وتقرير المنفي على أبلغ وجه كأنه قيل قد وجدك الخ والوجود بمعنى العلم ويتيما مفعوله الثاني

وقيل بمعنى المصادقة ويتيما حال من مفعوله روي أن أباه مات وهو جنين قد أتت عليه ستة أشهر وماتت أمه وهو ابن ثمان سنين فكفله عمه ابو طالب وعطفه اللّه عليه فأحسن تربيته وذلك أيواؤه وقرىء فأوى وهو

أما من أواه بمعنى آواه أو من أوى له اذا رحمه وقوله تعالى

٧

ووجدك ضالا عطف على ما يقتضيه الانكار السابق كما أشير اليه أو على المضارع المنفي بلم داخل في حكمه كأنه قيل

أما وجدك يتيما فأوى ووجدك غافلا عن الشرائع التي لا تهتدي إليها العقول كما في قوله تعالى ما كانت تدري ما الكتاب

وقيل ضل في صباه في بعض شعاب مكة فرده أبو جهل إلى عبدالمطلب

وقيل ضل مرة أخرى وطلبوه فلم يجدوه فطاف عبدالمطلب بالكعبة سبعا وتضرع إلى اللّه تعالى فسمعوا مناديا ينادي من السماء يا معشرالناس لا تضجوا فإن لمحمد ربا لا يخذله ولا يضيعه وإن محمدا بوادي تهامة عند شجر السمر فسار عبدالمطلب وورقة بن نوفل فإذا النبي قائم تحت شجرة يلعب بالأغصان والأوراق

وقيل أضلته مرضعته حليمة عند باب مكة حين فطمته وجاءت به لترده على عبدالمطلب

وقيل ضل في طريق الشام حين خرج به أبو طالب يروى أن إبليس أخذ بزمام ناقته في ليلة ظلماء فعدل به عن الطريق فجاء جبريل عليه السلام فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى أرض الهند ورده إلى القافلة فهدى فهداك إلى مناهج الشرائع المنطوية في تضاعيف ما أوحى إليك من الكتاب المبين وعلمك ما لم تكن تعلم أو أزال ضلالك عن جدك أو عمك

٨

ووجدك عائلا أي فقيرا وقرىء عيلا وقرىء عديما

فأغنى فأغناك بمال خديجة أو بمال حصل لك من ربح التجارة أو بمال أفاء عليك من الغنائم قال عليه الصلاة و السلام جعل رزقي تحت ظل رمحي

وقيل قنعك وأغنى قلبك

٩

فأما اليتيم فلا تقهر فلا تغلبه على ماله وقال مجاهد لا تحتقر وقرىء فلا تكهر أي فلا تعبس في وجهه

١٠

وأما السائل فلا تنهر فلا تزجر ولا تغلظ له القول بل رده ردا جميلا قال إبراهيم بن أدهم نعم القول السؤال يحملون زادنا إلى الآخرة وقال إبراهيم النخعي السائل يريد الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول أتبعثون إلى أهليكم بشيء

وقيل المراد بالسائل ههنا الذي يسأل عن الدين

١١

وأما بنعمة ربك فحدث بشكرها وإشاعتها وإظهار آثارها وأحكامها أريد بها ما أفاضه اللّه تعالى عليه الصلاة و السلام من فنون النعم التي من جملتها النعم المعدودة الموجودة منها والموعودة والمعنى إنك كنت يتيما وضالا وعائلا فآواك اللّه تعالى وهداك وأغناك فمهما يكن من شيء فلا تنس حقوق نعمة اللّه تعالى عليك في هذه الثلاث واقتد باللّه تعالى وأحسن كما أحسن اللّه إليك فتعطف على اليتيم فآوه وترحم على السائل وتفقده بمعروفك ولا تزجره عن بابك وحدث بنعمة اللّه كلها وحيث كان معظمها نعمة النبوة فقد اندرج تحت الأمر هدايته عليه الصلاة و السلام للضلال وتعليمه للشرائع والأحكام حسبما هداه اللّه عز و جل وعلمه من الكتاب والحكمة عن النبي

من قرأ سورة الضحى جعله اللّه تعالى فيمن يرضى لمحمد أن يشفع له وعشر حسنات يكتبها اللّه له بعدد كل يتيم وسائل

﴿ ٠