سُورَةُ التِّينِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَمَانِي آياَتٍ

سورة التين

مكية

وقيل مدنية وآيها ثمان

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

والتين والزيتون هما هذا التين وهذا الزيتون خصهمااللّه سبحانه من بين الثمار بالإقسام بهما لاختصاصهما بخواص جليلة فإن التين فاكهة طيبة لا فضل له غذاء لطيف سريع الهضم ودواء كثير النفع يلين الطبع ويحلل البلغم ويطهرالكليتين ويزيل ما في المثانة من الرمل ويسمن البدن ويفتح سدد الكبد والطحال وروى أبو ذر رضي اللّه عنه أنه أهدى للنبي سل من تين فأكل منه وقال لأصحابه كلوا فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذا لأن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس وعن علي بن موسى الرضا التين يزيل نكهة الفم ويطول الشعر وهو أمان من الفالج

وأما الزيتون فهو فاكهة وإدام ودواء ولو لم يكن له سوى اختصاصه بدهن كثير المنافع مع حصوله في بقاع لا دهنية فيها لكفى به فضلا وشجرته هي الشجرة المباركة المشهود لها في التنزيل ومر معاذ بن جبل رضي اللّه عنه بشجرة الزيتون فأخذ منها قضيا واستاك به وقال سمعت النبي يقول نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة يطيب الفم ويذهب بالحفرة وسمعته يقول هو سواكي وسواك الأنبياء قبلي

وقيل هما جبلان من الأرض المقدسة يقال لهما بالسريانية طور تينا

٢

وطور زيتا لأنهما منبتا التين والزيتون

وقيل التين جبل ما بين حلوان وهمدان والزيتون جبال الشام لأنهما منابتهما كأنه قيل ومنابت التين والزيتون وقال قتادة التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس وقال عكرمة وابن زيد التين دمشق والزيتون بيت المقدس وهو اختيارالطبري وقال محمد بن كعب التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيليا وعن ابن عباس رضي اللّه عنهماالتين مسجد نوح عليه السلام الذي بناه على الجودي والزيتون مسجد بيت المقدس وقال الضحاك التين المسجد الحرام والزيتون المسجد الأقصى والصحيح هو الأول قال ابن عباس رضي اللّه عنهما هو تينكم الذي تاكلون وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت وبه قال مجاهد وعكرمة وإبراهيم النخعي وعطاء وجابر وزيد ومقاتل والكلبي

وطور سينين هو الجبل الذي ناجى عليه موسى ربه وسينين وسيناء علمان للموضع الذي هو فيه ولذلك أضيف إليهما وسينون كبيرون في جواز الإعراب بالواو والياء والإقرار على الياء وتحريك النون بالحركات الإعرابية

٣

وهذا البلد الأمين أي الآمن من أمن الرجل أمانة فهو أمين وهو مكة شرفها اللّه تعالى وأمانتها أنها تحفظ من دخلها كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول من أمنه لأنه مأمون الغوائل كما وصف بالآمن في قوله تعالى حرما آمنا بمعنى ذي أمن ووجه الإقسام بهاتيك البقاع المباركة المشحونة ببركات الدنيا والدين غنى عن الشرح والتبيين

٤

لقد خلقنا الإنسان أي جنس الإنسان

في أحسن تقويم أي كائنا في أحسن ما يكون من التقويم والتعديل صورة ومعنى حيث برأه اللّه تعالى مستوى القامة متناسب الأعضاء متصفا بالحياة والعلم والقدرة والإرادة والتكلم والسمع والبصر وغير ذلك من الصفات التي هي من أنموذجات من الصفات السبحانية وآثار لها وقد عبر بعض العلماء عن ذلك بقوله خلق آدم على صورته وفي رواية على صورة الرحمن وبنى عليه تحقيق معنى قوله من عرف نفسه فقد عرف ربه وقال إن النفس الإنسانية مجردة ليست حالة في البدن ولا خارجة عنه متعلقة به تعلق التدبير والتصرف تستعمله كيفما شاءت فإذا أرادت فعلا من الأفاعيل الجسمانية تلقيه إلى ما في القلب من الروح الحيواني الذي هو أعدل الأرواح وأصفاها واقربها منها وأقواها مناسبة إلى عالم المجردات إلقاء روحانيا وهو يلقيه بواسطة ما في الشرايين من الأرواح إلى الدماغ الذي هو منبت الأعصاب التي فيها القوى المحركة للإنسان فعند ذلك يحرك من الأعضاء ما يليق بذلك الفعل من مباديه البعيدة والقريبة فيصدر عنه ذلك بهذه الطريقة فمن عرف نفسه على هذه الكيفية من صفاتها وأفعالها تسنى له أن يترقى إلى معرفة رب العزة عز سلطانه ويطلع على أنه سبحانه منزه عن كونه داخلا في العالم أو خارجا عنه يفعل فيه ما يشاء ويحكم ما يريد بواسطة ما رتبه فيه من الملائكة الذين يستدل على شؤونهم بما ذكر من الأرواح والقوى المرتبة في العالم الإنساني الذي هو نسخة للعالم الأكبر وأنموذح منه وقوله تعالى

٥

ثم رددناه أسفل سافلين أي جعلناه من أهل النار الذين هم أقبح من كل قبيح وأسفل من كل سافل لعدم جريانه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات التي لو عمل بمقتضاها لكان في أعلى عليين

وقيل رددناه إلى أرذل العمر وهو الهرم بعد الشباب والضعف بعد القوة كقوله تعالى ومن نعمره ننكسه في الخلق وأيا ما كان فأسفل سافلين

أما حال من المفعول أي رددناه حال كونه أسفل سافلين أو صفة لمكان محذوف أي رددناه مكانا أسفل سافلين والأول أظهر وقرىء أسفل السافلين وقوله تعالى

٦

إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات على الأول استثناء متصل من ضمير رددناه فإنه في معنى الجمع وعلى الثاني منقطع أي لكن الذين كانوا صالحين من الهرمى

فلهم أجر غير ممنون غير منقطع على طاعتهم وصبرهم على بلاء اللّه تعالى بالشيخوخة والهرم وعلى مقاساة المشاق والقيام بالعبادة على تخاذل نهوضهم أو غير ممنون به عليهم وهذه الجملة علىالأول مقررة لما يفيده الاستثناء من خروج المؤمنين عن حكم الرد ومبينة لكيفية حالهم والخطاب في قوله تعالى

٧

فما يكذبك بعد بالدين للرسول أي فأي شيء يكذبك دلالة أو نطقا بالجزاء بعد ظهور هذه الدلائل الناطقة به

وقيل ما بمعنى من

وقيل الخطاب للإنسان على طريق الالتفات لتشديد التوبيخ والتبكيت أي فما يجعلك كاذبا بسبب الدين وإنكاره بعد هذه الدلائل والمعنى أن خلق الإنسان من نطفة وتقويمه بشرا سويا وتحويله من حال إلى حال كمالا ونقصانا من أوضح الدلائل على قدرة اللّه عز و جل على البعث والجزاء فأي شيء يضطرك بعد هذا الدليل القاطع إلى أن تكون كاذبا بسبب تكذيبه أيها الإنسان

٨

أليس اللّه بأحكم الحاكمين أي أليس الذي فعل ما ذكر بأحكم الحاكمين صنعا وتدبيرا حتى يتوهم عدم الإعادة والجزاء وحيث استحال عدم كونه أحكم الحاكمين تعين الإعادة والجزاء فالجملة تقرير لما قبلها

وقيل الحكم بمعنى القضاء فهي وعيد للكفار وأنه يحكم عليهم بما يستحقونه من العذاب عن النبي أنه كان إذا قرأها يقول بلى وأنا على ذلك من الشاهدين وعنه

من قرأ سورة التين أعطاه اللّه تعالى الخصلتين العافية واليقين ما دام في دار الدنيا وإذا مات أعطاه اللّه تعالى من الأجر بعدد من قرأ هذه السورة

﴿ ٠