سُورَةُ الْعَلَقِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ تِسْعَ عَشَرَةَ آيَةً

سورةالعلق

سورةالعلق مكية وأيها تسع عشرة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

إقرأ أي ما يوحى إليك فإن الأمر بالقراءة يقتضي المقروء قطعا وحيث لم يعين وجب أن يكون ذلك ما يتصل بالأمر حتما سواء كانت السورة أول ما نزل أولا والأقرب أن هذا إلى قوله تعالى مالم يعلم أول ما نزل عليه الصلاة و السلام كما ينطق به حديث الزهر المشهور وقوله تعالى

باسم ربك متعلق بمضمر هو حال من ضميرالفاعل أي إقرأ ملتبسا باسمه تعالى أي مبتدئا به لتتحقق مقارنته لجميع أجزاء المقروء والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التربية والتبليغ إلى الكمال اللائق شيئا فشيئا مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام للإشعار بتبليغه عليه السلام إلى الغاية القاصية من الكمالات البشرية بإنزال الوحي المتواتر ووصف الرب بقوله تعالى

الذي خلق لتذكير أول النعماء الفائضة عليه الصلاة و السلام منه تعالى والتنبيه على أن من قدر على خلق الإنسان على ما هو عليه من الحياة وما يتبعها من الكمالات العلمية والعملية من مادة لم تشم رائحةالحياة فضلا عن سائر الكمالات قادر على تعليم القراءة للحي العالم المتكلم أي الذي أنشأ الخلق واستأثر به أو خلق كل شيء وقوله تعالى

٢

خلق الإنسان على الأول تخصيص لخلق اإلإنسان بالذكر من بين سائر المخلوقات لاستقلاله ببدائع الصنع والتدبير وعلى الثاني إفراد للإنسان من بين سائر المخلوقات بالبيان وتفخيم لشأنه إذ هو أشرفهم وإليه التنزيل وهو المأمور بالقراءة ويجوز أن يراد بالفعل الأول أيضا خلق الإنسان ويقصد بتجريده عن المفعول الإبهام ثم التفسير روما لتفخيم فطرته وقوله تعالى

من علق أي دم جامد لبيان كمال قدرته تعالى بإظهار ما بين حالته الأولى والآخرة من التباين البين وإيراده بلفظ الجمع بناء على أن الإنسان في معنى الجمع لمراعاة الفواصل ولعله هو السر في تخصيصه بالذكر من بين سائر أطوار الفطرةالإنسانية مع كون النطفة والتراب أدل منه على كمال القدرة لكونهما أبعد منه بالنسبة إلى الإنسانية ولما كان خلق الإنسان أول النعم الفائضة عليه الصلاة و السلام منه تعالى وأقدم الدلائل الدالة على وجوده عز و جل وكمال قدرته وعلمه وحكمته وصف ذاته تعالى بذلك أولا ليستشهد عليه السلام به على تمكينه تعالى له من القراءة ثم كرر الأمر بقوله تعالى

٣

إقرأ أي افعل ما أمرت به تأكيدا للإيجاب وتمهيدا لما يعقبه من قوله تعالى

وربك الأكرم الخ فإنه كلام مستأنف وارد لإزاحة ما بينه عليه السلام من العذر بقوله عليه السلام ما أنا بقارىء يريد أن القراءة شأن من يكتب ويقرأ وأنا أمي فقيل له وربك الذي أمرك بالقراءة مبتدئا باسمه هو الأكرم

٤

الذي علم بالقلم أي علم ما علم بواسطة القلم لا غيره فكما علم القارىء بواسطة الكتابة والقلم يعلمك بدونهما وقوله تعالى

٥

علم الإنسان مالم يعلم بدل اشتمال من علم بالقلم أي علمه به وبدونه من الأمور الكلية والجزئية والجلية والخفية مالم يخطر بباله وفي حذف المفعول أولا وإيراده بعنوان عدم المعلومية ثانيا من الدلالة علىكمال قدرته تعالى وكمال كرمه والإشعار بأنه تعالى يعلمه من العلوم ما لا تحيط به العقول ما لا يخفى

٦

كلا ردع لمن كفر بنعمة اللّه تعالى بطغيانه وإن لم يسبق ذكره للمبالغة في الزجر وقوله تعالى

إن الإنسان ليطغى أي ليجاوز الحد ويستكبر على ربه بيان للمردوع والمردوع عنه قيل هذا إلى آخر السورة نزل في أبي جهل بعد الزمان وهو الظاهر وقوله تعالى

٧

أن رآه استغنى مفعول له أي يطغى لأن رأى نفسه مستغنيا على أن استغنى مفعول ثان لرأى لأنه بمعنى علم ولذلك ساغ كون فاعله ومفعوله ضميري واحد كما في علمتني وإن جوزه بعضهم في الرؤية البصرية أيضا وجعل من ذلك قول عائشة رضي اللّه عنها لقد رأيتنا مع رسول اللّه وما لنا طعام إلا الأسودان وتعليل طغيانه برؤيته لا بنفس الاستغناء كما ينبىء عنه قوله تعالى ولو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض للإيذان بأن مدار طغيانه زعمه الفاسد روى أن أبا جهل قال لرسول اللّه أتزعم أن من استغنى طغى فاجعل لنا جبال مكة فضة وذهبا لعلنا نأخذ منها فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال إن شئت فعلنا ذلك ثم إن لم يؤمنوا فعلنا بهم ما فعلنا بأصحاب المائدة فكف رسول اللّه عن الدعاء إبقاء عليهم وقوله تعالى

٨

إن إلى ربك الرجعى تهديد للطاغي وتحذير له من عاقبة الطغيان والالتفات للتشديد في التهديد والرجعى مصدر بمعنى الرجوع كالبشرى وتقديم الجار والمجرور عليه لقصره عليه أي إن إلى مالك أمرك رجوع الكل بالموت والبعث لا إلى غيره استقلالا ولااشتراكا فسترى حينئذ عاقبة طغيانك وقوله تعالى

٩

انظر تفسير الآية: ١٠ 

١٠

أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى تقبيح وتشنيع لحاله وتعجيب منها وإيذان بأنها من الشناعة والغرابة بحيث يجب أن يراها كل من يتأتى منه الرؤية ويقضى منها العجب روي أن أبا جهل قال في ملأ من طغاة قريش لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن عنقه فرآه عليه السلام في الصلاة فجاءه ثم نكص على عقبيه فقالوا مالك قال إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة فنزلت ولفظ العبد وتنكيره لتفخيمه عليه السلام واستعظام النهي وتأكيد التعجب منه والرؤية ههنا بصرية وأما ما في قوله تعالى

١١

١٢

أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى وما في قوله تعالى

١٣

أرأيت إن كذب وتولى فقلبية معناه أخبرني فإن الرؤية لما كانت سببا للإخبار عن المرئي أجرى الاستفهام عنها مجرى الاستخبار عن متعلقها والخطاب لكل من صلح للخطاب ونظم الأمر والتكذيب والتولي في سلك الشرط المتردد بين الوقوع وعدمه ليس ليس باعتبار نفس الأفعال المذكورة من حيث صدورها عن الفاعل فإن ذلك ليس في حيز التردد أصلا بل باعتبار أوصافها التي هي كونها أمرا بالتقوى وتكذيبا وتوليا كما في قوله تعالى قل أرأيتم إن كان من عند اللّه ثم كفرتم به كما مر والمفعول الأول لأرأيت محذوف وهو ضمير يعود إلى الموصول أو اسم إشارة يشار به إليه ومفعوله الثاني سد مسده الجملة الشرطية بجوابها المحذوف فإن المفعول الثاني لأرأيت لا يكون إلا جملة استفهامية أو قسمية والمعنى أخبرني ذلك الناهي إن كان على الهدى فيما ينهى عنه من عبادة اللّه تعالى أو آمرا بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده أو مكذبا للحق معرضا عن الصوب كما نقول نحن

١٤

ألم يعلم بأن اللّه يرى أي يطلع على أحواله فيجازيه

 بها حتى اجترأ على ما فعل وإنما أفرد التكذيب والتولي بشرطية مستقلة مقرونة بالجواب مصدرة باستخبار مستأنف ولم ينظما في سلك الشرط الأول بعطفهما على كان للإيذان باستقلالهما بالوقوع في نفس الأمر واستتباع الوعيد الذي ينطق به الجواب

وأما القسم الأول فأمر مستحيل قد ذكر في حيزالشرط لتوسيع الدائرة وهو السر في تجريد الشرطية الأولى عن الجواب والإحالة به على جواب الثانية هذا وقد قيل أرأيت الأول بمعنى أخبرني مفعوله الأول الموصول ومفعوله الثاني الشرطية الأولى بجوابها المحذوف لدلالة جواب الشرطية الثانية عليه وأرأيت في الموضعين تكرير للتأكيد ومعناه أخبرني عمن ينهى بعض عباد اللّه عن صلاته إن كان ذلك الناهي على طريقة سديدة فيما ينهى عن عبادة اللّه تعالى أو كان آمرا بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده وكذلك إن كان على التكذيب للحق والتولي عن الدين الصحيح كما نقول نحن ألم يعلم بأن اللّه يرى ويطلع على أحواله من هداه وضلاله فيجازيه على حسب ذلك فتأمل

وقيل المعنى أرأيت الذي ينهى عبدا يصلي والمنهى عن الهدى آمر بالتقوى والناهي مكذب متول فما أعجب من ذا

وقيل الخطاب الثاني للكافر فإنه تعالى كالحاكم الذي حضره الخصمان يخاطب هذا مرة والآخر أخرى وكأنه قال يا كافر أخبرني إن كان صلاته هدى ودعاؤه إلى اللّه تعالى أمرا بالتقوى أتنهاه

وقيل هو أمية بن خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة كلا ردع للناهي اللعين وخسوء له واللام في قوله تعالى لئن لم ينته موطئة للقسم أي واللّه لئن لم ينته عما هو عليه ولم ينزجر لنسفعا بالناصية لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار والسفع القبض علىالشيء وجذبه بعنف وشدة وقرىء لنسفعن بالنون المشددة وقرىء لأسفعن وكتبته في المصحف بالألف على حكم الوقف والاكتفاء بلام العهد عن الإضافة لظهور أن المراد ناصية المذكور

١٦

ناصية كاذبة خاطئة بدل من الناصية وإنما جاز إبدالها من المعرفة وهي نكرة لوصفها وقرئت بالرفع على هي ناصية وبالنصب وكلاهما على الذم والشتم ووصفها بالكذب والخطأ على الإسناد المجازي وهما لصاحبها وفيه من الجزالة ما ليس في قولك ناصية كاذب المخطىء

١٧

فليدع نادية أي أهل ناديه ليعينوه وهو المجلس الذي ينتدى فيه القوم أي يجتمعون روى أن أبا جهل مر برسول اللّه وهو يصلي فقال ألم أنهك فأغلظ له رسول اللّه فقال أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي ناديا فنزلت

١٨

سندع الزبانية ليجروه إلى النار والزبانية لشرط الواحد زبنية كعفرية من الزبن وهو الدفع

وقيل زبني وكأنه نسب إلى الزبن ثم غير كأمسى وأصلها زباني فقيل زبانية بتعويض التاء عن الياء والمراد ملائكة العذاب وعن النبي لو دعا ناديه لأخذته الزبانية عيانا كلا ردع بعد ردع وزجر إثر زجر لا تطعه أي دم على ما أنت عليه من معاصاته واسجد وواظب على سجودك وصلاتك غير مكترث به واقترب وتقرب بذلك إلى ربك وفي الحديث أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد عن رسول اللّه من قرأ سورة العلق أعطي من الأجر كأنما قرأالمفصل كله

﴿ ٠