سُورَةُ الْبَقَرَةِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ مِائَتَانِ وَسِتٌّ وَثَمَانُونَ آيَةً سورة البقرة مدنية وآياتها ست وثمانون ومائتان، إلا آية ٢٨١ فنزلت في حجة الوداع مقدمة سورة البقرة أخرج ابن الضريس في فضائله وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ وابن مردويه والبيهقي في دلائل النبوة من طرق عن ابن عباس قال: نزلت بالمدينة سورة البقرة. وأخرج ابن مردويه عن عبد اللّه بن الزبير قال: أنزل بالمدينة سورة البقرة. وأخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ عن عكرمة قال: أول سورة نزلت بالمدينة، سورة البقرة. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن جامع ابن شداد قال: كنا في غزاة فيها عبد الرحمن بن يزيد، ففشا في الناس أن ناسا يكرهون أن يقولوا سورة البقرة، وآل عمران، حتى يقولوا: السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران. فقال عبد الرحمن: إني أسمع عبد اللّه بن مسعود إذا استبطن الوادي فجعل الجمرة على حاجبه الأيمن، ثم استقبل الكعبة فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة. فلما فرغ قال: من ههنا - والذي لا إله غيره - رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة. وأخر ابن الضريس والطبراني في الأوسط وابن مردويه والبيهقي في الشعب بسند ضعيف عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لاتقولوا سورة البقرة، ولا سورة آل عمران، ولا سورة النساء، وكذلك القرآن كله ولكن قولوا: السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، وكذلك القرآن كله". وأخرج البيهقي في الشعب بسند صحيح عن ابن عمر قال: لا تقولوا سورة البقرة، ولكن قولوا: السورة التي يذكر فيها البقرة. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن حذيفة قال "صليت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليلة من رمضان، فافتتح البقرة، فقلت: يصلي بها ركعة. ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها مترسلا. إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ". وأخرج أحمد وابن الضريس والبيهقي عن عائشة قال "كنت أقوم مع رسول اللّه في الليل فيقرأ بالبقرة، وآل عمران، والنساء، فإذا مر بآية فيها استبشار دعا ورغب، وإذا مر بآية فيها تخويف دعا واستعاذ". وأخرج أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي والبيهقي عن عوف بن مالك الأشجعي قال "قمت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليلة، فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ. ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة. ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك. ثم قام فقرأ بآل عمران، ثم قرأ سورة سورة". وأخرج ابن شيبة في المصنف عن سعيد بن خالد قال "صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالسبع الطوال في ركعة". وأخرج أبو عبيد وأحمد وحميد بن زنجويه في فضائل القرآن ومسلم وابن الضريس وابن حبان والطبراني وأبو ذر الهروي في فضائله والحاكم والبيهقي في سننه عن أبي أمامة الباهلي قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: اقرؤا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه. اقرؤا الزهراوين: سورة البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غبابتان، وكأنهما غمامتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما. اقرؤوا سورة البقرة. فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطعيها بطلة". وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه ومسلم والترمذي ومحمد بن نصر عن نواس بن سمعان قال " سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: يؤتى بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمهم سورة البقرة وآل عمران، قال: وضرب لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاثة أمثال، ما نسيتهن بعد. قال: كأنهما غمامتان، أو كانهما غبابتان، أو كأنهما ظلتان سوداوان بينهما شرف، أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل وابن أبي عمر العربي في مسانيدهم والدارمي ومحمد بن نصر والحاكم وصححه عن بريدة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "تعلموا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطعيها البطلة - ثم سكت ساعة - ثم قال: تعلموا سورة البقرة، وآل عمران، فإنهما الزهروان يظلان صاحبهما يوم القيامة، كأنهما غمامتان، أو غبابتان، أو فرقان من طير صواف". وأخرج الطبراني وأبو ذر الهروي في فضائله بسند ضعيف عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "تعلموا الزهراوين. البقرة، وآل عمران، فإنهما يجيآن يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غبابتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما. تعلموا البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة". وأخرج البزار بسند صحيح وأبو ذر الهروي ومحمد بن نصر قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اقرؤا البقرة، وآل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غبابتان، أو فرقان من طير صواف". وأخرج أبو عبيد والدارمي عن أبي أمامة قال: إن أخا لكم رأى في المنام أن الناس يسلكون في صدر جبل وعر طويل، وعلى رأس الجبل شجرتان خضراوان تهتفان: هل فيكم من يقرأ سورة البقرة؟ هل فيكم من يقرأ سورة آل عمران؟ فإذا قال الرجل: نعم. دنتا منه بأعناقهما حتى يتعلق بهما، فيخطرا به الجبل. وأخرج الدارمي عن ابن مسعود أنه قرأ عنده رجل سورة البقرة، وآل عمران، فقال: قرأت سورتين فيهما اسم اللّه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى. وأخرج أبو عبيد وابن الضريس عن أبي منيب عن عمه. أن رجلا قرأ البقرة، وآل عمران، فلما قضى صلاته قال له كعب: أقرأت البقرة، وآل عمران؟ قال: نعم. قال - فوالذي نفسي بيده - إن فيهما اسم اللّه الذي إذا دعي به استجاب قال: فأخبرني به؟ قال: لا واللّه لا أخبرك، ولو أخبرتك لأوشكت أن تدعو بدعوة أهلك فيها أنا وأنت. وأخرج أحمد ومسلم وأبو نعيم في الدلائل عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: كان الرجل إذا قرأ البقرة، وآل عمران، جد فينا،. يعني عظم. وأخرج الدارمي عن كعب قال: من قرأ البقرة، وآل عمران، جاءتا يوم القيامة يقولان: ربنا لا سبيل عليه. وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن عبد الواحد بن أيمن قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قرأ سورة البقرة، وآل عمران، في ليلة الجمعة كان له الأجر كما بين لبيدا وعروبا. فلبيدا: الأرض السابعة، وعروبا: السماء السابعة". وأخرج حميد بن زنجويه في فضائل الأعمال عن عبد الواحد بن أيمن عن حميد الشامي قال: من قرأ في ليلة البقرة، وآل عمران، كان أجره ما بين لبيدا وعروبا. قال عروبا: السماء السابعة. ولبيدا: الأرض السابعة. وأخرج حميد بن زنجويه في فضائل القرآن من طريق محمد بن أبي سعيد عن وهب بن منبه قال: من قرأ ليلة الجمعة سورة البقرة، وسورة آل عمران، كان له نورا ما بين عريبا وعجيبا. قال محمد: عريبا: العرش. وعجيبا: أسفل الأرضين. وأخرج أبو عبيد عن أبي عمران. أنه مع أبا الدرداء يقول: إن رجلا ممن قد قرأ القرآن أغار على جار له فقتله، وأنه أقيد منه فقتل. فما زال القرآن ينسل منه سورة سورة، حتى بقيت البقرة، وآل عمران جمعة، ثم إن آل عمران انسلت منه فأقامت البقرة جمعة. فقيل لها {مايبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد} (ق الآية ٢٩) قال: فخرجت كأنها السحابة العظيمة قال: أبو عبيد: يعني أنهما كانتا معه في قبره تدفعان عنه وتؤنسانه، فكانتا من آخر ما بقي معه من القرآن. وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب عن عمر ابن الخطاب قال: من قرأ البقرة، وآل عمران، والنساء، في ليلة كتب من القانتين. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما خيب اللّه امرأ قام في جوف الليل فافتتح سورة البقرة وآل عمران. وأخرج أبو عبيد عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي أن يزيد بن الأسود الجرشي كان يحدث: إنه من قرأ البقرة، وآل عمران، في يوم برئ من النفاق حتى يمسي، ومن قرأهما في ليلة برئ من النفاق حتى يصبح. قال: فكان يقرؤهما كل يوم وكل ليلة سوى جزئه. وأخرج أبو ذر في فضائله عن سعيد بن أبي هلال قال: بلغني أنه ليس من عبد يقرأ البقرة، وآل عمران، في ركعة قبل أن يسجد، ثم يسأل اللّه شيئا إلا أعطاه. وأخرج أحمد ومسلم والترمذي عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر، الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة. ولفظ الترمذي: وإن البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان". وأخرج أبو عبيد والنسائي وابن الضريس ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا قبورا، وزينوا أصواتكم بالقرآن فإن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة". وأخرج أبو عبيد عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن الشيطان يخرج من البيت إذا سمع سورة البقرة تقرأ فيه". وأخرج ابن عدي في الكامل وابن عساكر في تاريخه عن أبي الدرداء"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: تعلموا القرآن فوالذي نفسي بيده - إن الشيطان ليخرج من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة". وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن عبد اللّه بن مغفل قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان تلك الليلة". وأخرج ابن الضريس والنسائي وابن الأنباري في المصاحف والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان بسند ضعيف عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا ألقين أحدم يضع إحدى رجليه على الأخرى، ثم يتعنى ويدع أن يقرأ سورة البقرة فإن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة". وأخرج الدارمي ومحمد بن نصر وابن الضريس والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: إن لكل شيء سناما، وسنام القرآن البقرة. وإن الشيطان إذا سمع سورة البقرة نفر من البيت الذي يقرأ فيه، وله ضريط. وأخرج أبو يعلى وابن حبان والطبراني والبيهقي في الشعب عن سهل بن سعد الساعدي قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن لكل شيء سناما، وسنام القرآن سورة البقرة، من قرأها في بيته نهارا لم يدخله الشيطان ثلاث ليال". وأخرج وكيع والحرث بن أبي أسامة ومحمد بن نصر وابن الضريس بسند صحيح عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أفضل القرآن سورة البقرة، وأعظم آية فيه آية الكرسي. وإن الشيطان ليفر من ابيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة". وأخرج سعيد بن منصور والترمذي ومحمد بن نصر وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن لكل شيء سناما، وإن سنام القرآن البقرة، وفيها آية هي سيدة أي القرآن {آية الكرسي} لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه". وأخرج البخاري في تاريخه عن السائب بن حباب. ويقال له صحبة قال: البقرة سنام القرآن. وأخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "السورة التي يذكر فيها البقرة فسطاط القرآن، فتعلموها فإن تعلمها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة". وأخرج الدارمي عن خال بن معدان موقوفا. مثله. وأخرج أحمد ومحمد بن نصر والطبراني بسند صحيح عن معقل بن يسار أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم" قال البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا، استخرجت {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم} من تحت العرش، فوصلت بها". وأخرج البغوي في معجم الصحابة وابن عساكر في تاريخه عن ربيعة الحرشي قال "سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أي القرآن أفضل؟ قال: السورة التي يذكر فيها البقرة قيل: فأي البقرة أفضل؟ قال: آية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، نزلن من تحت العرش". وأخرج عبيد وأحمد والبخاري في صحيحه تعليقا ومسلم والنسائي والحاكم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في دلائل النبوة من طرق عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده. إذا جالت الفرس فسكت. فسكنت... ثم قرأ فجالت الفرس فسكت. فسكنت... ثم قرأ فجالت فسكت. فسكنت... ثم قرأ فجالت. فانصرف إلى ابنه يحيى وكان قريبا منها فأشفق أن تصيبه، فلما أخذه رفع رأسه إلى السماء، فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء، حتى ما يراها، فلما أصبح حدث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذلك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أتدري ما ذاك؟ قال: لا يا رسول اللّه قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت تنظر الناس إليها، لا تتوارى منهم". وأخرج ابن حبان والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب عن أسيد بن حضير أنه قال "يا رسول اللّه بينما أقرأ الليلة سورة البقرة إذا سمعت وجبة من خلفي، فظننت أن فرسي انطلق فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: اقرأ يا أبا عبيد. فالتفت فإذا مثل المصباح مدلى بين السماء والأرض، فما استطعت أن أمضي فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: تلك الملائكة نزلت لقراءتك سورة البقرة، أما إنك لو مضيت لرأيت العجائب". وأخرج الطبراني عن أسيد بن حضير قال: كنت أصلي في ليلة مقمرة وقد أوثقت فرسي، فجالت جولة ففزعت، ثم جالت أخرى فرفعت رأسي، وإذا ظلة قد غشيتني، وإذا هي قد حالت بيني وبين القمر، ففزعت فدخلت البيت. فلما أصبحت ذكرت ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم فقال "تلك الملائكة، جاءت تسمع قراءتك من آخر الليل سورة البقرة". وأخرج أبو عبيد عن محمد بن جرير بن يزيد "أن أشياخ أهل المدينة حدثوه: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قيل له: ألم تر أن ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح؟ قال "فلعله قرأ سورة البقرة. فسئل ثابت فقال: قرأت سورة البقرة". أخرج ابن الضريس في فضائله وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ وابن... ... وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان عن ابن مسعود قال: خرج رجل من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لقيه الشيطان، فاتخذا فاصطرعا، فصرعه الذي من أصحاب محمد فقال الشيطان: أرسلني أحدثك حديثا، فأرسله قال: لا. فاتخذ الثانية فاصطرعا، فصرعه الذي من أصحاب محمد فقال: أرسلني فلأحدثنك حديثا يعجبك، فأرسله فقال: حدثني قال: لا. فاتخذ الثالثة فصرعه الذي من أصحاب محمد، ثم جلس على صدره وأخذ بإبهامه يلوكها فقال: أرسلني.. فقال: لا أرسلك حتى تحدثني قال: سورة البقرة، فإنه ليس من آية منها تقرأ في وسط الشياطين إلا تفرقوا، أولا تقرأ في بيت فيدخل ذلك البيت شيطان قالوا: يا أبا عبد الرحمن فمن ذلك الرجل؟ قال: فمن ترونه إلا عمر بن الخطاب؟. وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه ومحمد بن نصر الموزي في كتاب الصلاة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال "بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعثا وهم ذوو عدد، فاستقرأهم فاستقرأ كل رجل منهم يعني ما معه من القرآن، فآتى على رجل منهم من أحدثهم سنا فقال: ما معك يا فلان؟ قال: معي كذا وكذا.. وسورة البقرة قال: أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم. قال: اذهب فأنت أميرهم فقال رجل من أشرافهم. واللّه ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا خشية أن لا أقوم بها. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: تعلموا القرآن واقرؤه، فإن مثل القرآن لمن تعلمه، فقرأه، وقام به، كمثل جراب محشو مسكا يفوح ريحه في كل مكان، ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه. كمثل جراب أوكى على مسك". وأخرج البيهقي في الدلائل عن عثمان ابن العاص قال "استعملني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأنا أصغر السته الذين وفدوا عليه من ثقيف، وذلك أني كنت قرأت سورة البقرة " وأخرج البيهقي في شعب الإيمان بسند ضعيف عن الصلصال ابن الدلهمس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: اقرؤا سورة البقرة في بيوتكم، ولا تجعلوها قبورا قال: ومن قرأ سورة البقرة تتوج بتاج في الجنة". وأخرج وكيع والدارمي ومحمد بن نصر وابن الضريس عن محمد بن الأسود قال: من قرأ سورة البقرة في ليلة توج بها تاجا في الجنة. وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: من قرأ سورة البقرة فقد أكثر وأطاب. وأخرج وكيع وأبو ذر الهروي في فضائله عن التميمي قال: سألت ابن عباس أي سورة في القرآن أفضل؟ قال: البقرة قلت: فأي آية؟ قال: آية الكرسي. وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أشرف سورة في القرآن البقرة، وأشرف آية. آية الكرسي. وأخرج الحاكم وصححه وأبو ذر الهروي والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر قال: تعلموا سورة البقرة، سورة النساء، وسورة الحج، وسورة، وسورة النور، فإن فيهن الفرائض. وأخرج الدارقطني والبيهقي في السنن عن ابن مسعود "أن امرأة أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللّه رأيي في رأيك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للذي خطبها: هل تقرأ من القرآن شيئا؟ فقال: نعم. سورة البقره، وسورة من المفصل، فقال: قد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها". وأخرج أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال للرجل: ما تحفظ من القرآن؟ قال: سورة البقرة، والتي تليها. قال: قم فعلمها عشرين آية، وهي امرأتك"وكان مكحول يقول: ليس ذلك لأحد بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن عمران بن أبان قال: أتي عثمان بسارق فقال: أراك جميلا! ما مثلك يسرق! قال: هل تقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم. أقرأ سورة البقرة قال: اذهب فقد وهبت يدك بسورة البقرة. وأخرج البيهقي في سننه عن أبي جمرة قال: قلت لإبن عباس: إني سريع القراءة فقال: لأن أقرأ سورة البقرة فأرتلها، أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله. وأخرج الخطيب في رواة مالك والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال: تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما ختمها نحر جزورا. وذكر مالك في الموطأ: أنه بلغه أن عبد اللّه بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها. وأخرج ابن سعد في طبقاته عن ميمون. أن ابن عمر تعلم سورة البقرة في أربع سنين. وأخرج مالك وسعيد بن منصور والبيهقي في سننه عن عروة. أن أبا بكر الصديق صلى الصبح، فقرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين كلتيهما. وأخرج الشافعي في الأم وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي عن أنس. أن أبا بكر الصديق صلى بالناس الصبح، فقرأ بسورة البقرة فقال عمر: كربت الشمس أن تطلع فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين. وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس. أن أبا بكر قرأ في يوم عيد البقرة، حتى رأيت الشيخ يميد من طول القيام. وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي في الجنائز وأبو ذر الهروي في فضلائله عن الشعبي قال: كانت الأنصار يقرؤون عن الميت بسورة البقرة. وأخرج أبو بكر بن الأنباري في المصاحف من طريق ابن وهب عن سليمان قال: سئل ربيعة - وأنا حاضر - لم قدمت البقرة وآل عمران، وقد نزل قبلهما نيف وثمانون سورة بمكة؟ فقال: يعلم من قدمهما بتقدمتهما، فهذا ما ينتهى إليه، ولا يسأل عنه. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة معا في المصنف عن عروة قال: كان شعار أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم مسيلمة، يا أصحاب سورة البقرة. وأخرج أحمد في الزهد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن سليمان بن يسار قال: استيقظ أبو أسيد الأنصاري ليلة وهو يقول: إنا للّه وإنا إليه راجعون. فاتني وردي الليلة - وكان وردي البقرة - فلقد رأيت قفي المنام كأن بقرة تنطحني. وأخرج ابن أبي شيبة عن مسدد عن ابن مسعود قال: من حلف بسورة البقرة، وفي لفظ بسورة من القرآن، فعليه بكل آية منها يمين. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من حلف بسورة من القرآن فعليه بكل آية منها يمين صبر، فمن شاء بر ومن شاء فجر". وأخرج أحمد والحاكم في الكنى عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من قرأ سورة البقرة، وآل عمران، جعل اللّه له جاحين منظومين بالدر والياقوت"قال أبو أحمد: هذا الحديث منكر. _________________________________ قوله تعالى: الم أخرج وكيع وعبد بن حميد عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يعد {الم} آية (وحم) آية. وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وصححه وابن الضريس ومحمد بن نصر وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو ذر الهروي في فضائله والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من قرأ حرفا من كتاب اللّه فله به حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها. لا تقول {ألم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف". وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والدارمي وابن الضريس والطبراني ومحمد بن نصر عن ابن مسعود موقوفا. مثله. وأخرج محمد بن نصر وأبو جعفر النحاس في كتاب الوقف والابتداء والخطيب في تاريخه وأبو نصر السجزي في الإبانة عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اقرؤا القرآن، فإنكم تؤجرون عليه. أما إني لا أقول {ألم} حرف، ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر، فتلك ثلاثون". وأخرج ابن أبي شيبة والبزار والمرهبي في فضل العلم وأبو ذر الهروي وأبو نصر السجزي بسند ضعيف عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من قرأ القرآن كتب اللّه له بكل حرف حسنة. لا أقول {ألم، ذلك الكتاب} حرف، ولكن الألف حرف، والذال، والألف، والكاف". وأخرج محمد بن نصر والبيهقي في شعب الإيمان والسجزي عن عوف بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من قرأ حرفا من القرآن كتب اللّه له به حسنة. لا أقول {بسم اللّه} ولكن باء، وسين، وميم، ولا أقول {ألم} ولكن الألف، واللام، والميم". وأخرج محمد بن نصر السلفي في كتاب الوجيز في ذكر المجاز والمجيز عن أنس بن مالك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من قرأ حرفا من القرآن كتب اللّه له عشر حسنات. بالباء، والتاء، والثاء". وأخرج ابن أبي داود في المصاحف وأبو نصر السجزي عن ابن عمر قال: إذا فرغ الرجل من حاجته، ثم رجع إلى أهله ليأت المصحف، فليفتحه فليقرأ فيه، فإن اللّه سيكتب له بكل حرف عشر حسنات. أما أني لا أقول {ألم} ولكن الألف عشر، واللام عشر، والميم عشر. وأخرج أبو جعفر النحاس في الوقف والابتداء وأبو نصر السجزي عن قيس بن سكن قال: قال ابن مسعود: تعلموا القرآن فإنه يكتب بكل حرف منه عشر حسنات، ويكفر به عشر يئات. أما أني لا أقول {ألم} حرف، ولكن أقول ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس من طرق عن ابن عباس في قوله {ألم} قال: أنا اللّه أعلم. وأخرج ابن جرير والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن ابن مسعود قال {ألم} حروف اشتقت من حروف هجاء أسماء اللّه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {ألم} (وحم) و (ن) قال: اسم مقطع. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في كتاب الأسماء عن ابن عباس في قوله {ألم} و (المص) و (الر) و (المر) و (كهيعص) و (طه) و (طسم) و (طس) و (يس) و (ص) و (حم) و (ق) و (ن) قال: هو قسم أقسمه اللّه، وهو من أسماء اللّه. وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال {ألم} قسم. وأخرج ابن جريج عن ابن مسعود في قوله {ألم} قال: هو اسم اللّه الأعظم. وأخرج ابن جريج وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ألم} و (حم) و (طس) قال: هي اسم اللّه الأعظم. وأخرج ابن أبي شيبة في تفسيره وعبد بن حميد وابن المنذر عن عامر. أنه سئل عن فواتح السور نحو {ألم} و {الر} قال: هي أسماء من أسماء اللّه مقطعة الهجاء، فإذا وصلتها كانت أسماء من أسماء اللّه. وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله {ألم} قال: ألف مفتاح اسمه اللّه، ولام مفتا اسمه لطيف، وميم مفتاح اسمه مجيد. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: فواتح السور أسماء من أسماء اللّه. وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن السدي قال: فواتح السور كلها من أسماء اللّه. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ألم} قال: اسم من أسماء ألقرآن. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {ألم} قال: اسم من أسماء القرآن. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ بن حبان عن مجاهد قال {ألم} و (حم) و (المص) و (ص) فواتح افتتح اللّه بها القرآن. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال {ألم} و (طسم) فواتح يفتتح اللّه بها السور. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: فواتح السور كلها {ألم} و (المر) و (حم) و (ق) وغير ذلك هجاء موضوع. وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم قال {ألم} ونحوها أسماء السور. وأخرج ابن إسحق والبخاري في تاريخه وابن جرير بسند ضعيف عن ابن عباس عن جابر بن عبد اللّه بن رباب قال: مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة {ألم ذلك الكتاب} فأتاه أخوه حيي بن أخطب في رجال من اليهود فقال: تعلمون - واللّه - لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه {ألم ذلك الكتاب} فقالوا أنت سمعته؟ قال: نعم. فمشى حيي في أولئك النفر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: قد جاءك بهذا جبريل من عند اللّه؟ قال: نعم. قالوا: لقد بعث اللّه قبلك أنبياء، مانعلمه بين لنبي لهم ما مدة ملكه، وما أجل أمته غيرك فقال حيي بن أخطب: وأقبل على من معه الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه احدى وسبعون سنة. أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته احدى وسبعون سنة! ثم أقبل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا محمد هل مع هذا غيره؟ قال: نعم. قال: وما ذاك؟ قال (المص) قال: هذه أثقل وأطول. الأف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فهذه مائة واحدى وستون. هل مع هذا يا محمد غيره؟ قال: نعم. قال: ماذا؟ قال (الر) قال: هذه أثقل وأطول. الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مائتان، فهذه احدى وثلاثون ومائتا سنة. فهل مع هذا غيره؟ قال: نعم. (المر) قال: فهذه أثقل وأطول. الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والراء مائتان، فهذه احدى وسبعون سنة ومائتان. ثم قال: لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلا أعطيت، أم كثيرا! ثم قاموا فقال أبو ياسر لأخيه حيي ومن معه من الأحبار: ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله. احدى وسبعون، واحدى وستون، ومائة، واحدى وثلاثون ومائتان، واحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة واربع وثلاثون. فقالوا: لقد تشابه علينا أمره. فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} (آل عمران الآية ٧). وأخرج ابن المنذرعن ابن جريج قال: إن اليهود كانوا يجدون محمدا وأمته [في كتابهم اصحفنا لمعرفة المعج]، أن محمدا مبعوث ولا يدرون ما مدة أمة محمد. فلما بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم وأنزل {ألم} قالوا: قد كنا نعلم أن هذه الأمة مبعوثة، وكنا لا ندري كم مدتها، فإن كان محمد صادقا فهو نبي هذه الأمة قد بين لنا كم مدة محمد، لأن {ألم} في حساب جملنا إحدى وسبعون سنة، فما نصنع بدين إنما هو واحد وسبعون سنة؟ فلما نزلت (الر) وكانت في حسابهم مائتي سنة وواحدا وثلاثين سنة قالوا: هذا الآن مائتان وواحدا وثلاثون سنة وواحدة وسبعون. قيل ثم أنزل (المر) فكان في حساب حملهم مائتي سنة وواحدة وسبعين سنة في نحو هذا من صدور السور فقالوا: قد التبس علينا أمره. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفا، دارت فيها الألسن كلها، ليس منها إلا حرف وهو مفتاح اسم من أسمائه، وليس منها حرف إلا وهو من آية وثلاثة، وليس منها حرف إلا وهو في مدة قوم وآجالهم. فالألف مفتاح اسمه اللّه، واللام مفتاح اسمه اللطيف، والميم مفتاح اسمه مجيد. فالألف آلاء اللّه، واللام لطف اللّه، والميم مجد اللّه. فالألف سنة، واللام ثلاثون، والميم أربعون. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ بن حبان في التفسير عن داود بن أبي هند قال: كنت أسأل الشعبي عن فواتح السور قال: يا داود إن لكل كتاب سرا، وإن سر هذا القرآن فواتح السور، فدعها وسل عما بدا لك. وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة عن ابن عباس قال: آخر حرف عارض به جبريل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}. ٢ أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة آية في نعت المنافقين، ومن أربعين آية إلى عشرين ومائة في بني إسرائيل. وأخرج وكيع عن مجاهد قال: هؤلاء الآيات الأربع في أول سورة البقرة إلى {المفلحون} نزلت في نعت المؤمنين، واثنتان من بعدها إلى {عظيم} نزلت في نعت الكافرين، وإلى العشر نزلت في المنافقين. وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال: أربع آيات من فاتحة سورة البقرة في الذين آمنوا، وآيتان في قادة الأحزاب. وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود {ألم} حرف اسم اللّه، و {الكتاب} القرآن {لا ريب} لا شك فيه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ذلك الكتاب} قال: هذا الكتاب. وأخرج ابن جرير وابن الأنباري في المصاحف عن عكرمة. مثله. وأخرج ابن اسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {لا ريب فيه} قال: لا شك فيه. وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال {الريب} الشك من الكفر. وأخرج الطستي في مسائل ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {لا ريب فيه} قال: لا شك فيه قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم. أما سمعت ابن الزبعرى وهو يقول: ليس في الحق يا أمامة ريب* إنما الريب ما يقول الكذوب وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {لا ريب فيه} قال: لا شك فيه. وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله. أخرج وكيع وابن جرير عن الشعبي في قوله {هدى} قال: من الضلالة. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {هدى} قال: نور {للمتقين} قال: هم المؤمنون. وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {هدى للمتقين} أي الذين يحذرون من أمر اللّه عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء منه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {هدى للمتقين} قال: للمؤمنين الذين يتقون الشرك ويعملون بطاعتي. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {هدى للمتقين} قال: جعله اللّه هدى وضياء لمن صدق به، ونور للمتقين. وأخرج ابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل قال: يحبس الناس يوم القيامة بقيع واحد، فينادي مناد: أين المتقون؟ فيقومون في كنف الرحمن، لا يحتجب اللّه منهم، ولا يستتر. قيل: من المتقون؟ قال: قوم اتقوا الشرك، عبادة الأوثان واخلصوا، للّه العبادة، فيمرون إلى الجنة. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عطية السعدي وكان من الصحابة قال: "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يبلغ العبد المؤمن أن يكون من المتقين، حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به بأس". وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن أبي هريرة. أن رجلا قال له: ما التقوى؟ قال: هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم. قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عدلت عنه، أو جاوزته، أو قصرت عنه، قال: ذاك التقوى. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم عن طلق بن حبيب أنه قيل له: ألا تجمع لنا التقوى في كلام يسير يرونه؟ قال: التقوى العمل بطاعة اللّه على نور من اللّه رجاء رجمة اللّه، والتقوى ترك معاصي اللّه على نور من اللّه مخافة عذاب اللّه. وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا عن أبي الدرداء قال: تمام التقوى أن يتقي اللّه العبد، حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما. يكون حجابا بينه وبين الحرام. وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن قال: ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال مخافة الحرام. وأخرج ابن أبي الدنيا عن سفيان الثوري قال: إنما سموا المتقين لأنهم اتقوا ما لا يتقى. وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد اللّه بن المبارك قال: لو أن رجلا اتقى مائة شيء ولم يتق شيئا واحدا، لم يكن من المتقين. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن عون بن عبد اللّه قال: تمام التقوى أن تبتغي علم ما لم تعلم منها، إلى ما قد علمت منها. وأخرج ابن أبي الدنيا عن رجاء قال: من سره أن يكون متقيا فليكن أذل من قعود أبل، كل من أتى عليه أرغاه. وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق مالك بن أنس عن وهب بن كيسان قال: "كتب رجل إلى عبد اللّه بن الزبير بموعظة. أما بعد... فإن لأهل التقوى علامات يعرفون بها ويعرفونها من أنفسهم. من صبر على البلاء، ورضى بالقضاء، وشكر النعماء، وذل لحكم القرآن". وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن المبارك قال: قال داود لابنه سليمان عليه السلام: يا بني إنما تستدل على تقوى الرجل بثلاثة أشياء. لحسن توكله على اللّه فيما نابه، ولحسن رضاه فيما أتاه، ولحسن زهده فيما فاته. وأخرج ابن أبي الدنيا عن سهم بن سحاب قال: معدن من التقوى لا يزال لسانك رطبا من ذكر اللّه. وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: بلغنا أن رجلا جاء إلى عيسى فقال: يا معلم الخير كيف أكون تقيا للّه كما ينبغي له؟ قال: بيسير من الأمر. تحب اللّه بقلبك كله، وتعمل بكدحك وقوتك ما استطعت، وترحم ابن جنسك كما ترحم نفسك. قال: من ابن جنسي يا معلم الخير؟ قال: ولد آدم كلهم، وما لا تحب أن يؤتى إليك فلا تأته إلى أحد فأنت تقي للّه حقا. وأخرج ابن أبي الدنيا عن إياس بن معاوية قال: رأس التقوى ومعظمه أن لا تعبد شيئا دون اللّه، ثم تتفاض الناس بالتقى والنهى. وأخرج ابن أبي الدنيا عن عون بن عبد اللّه قال: فواتح التقوى حسن النية، وخواتمها التوفيق، والعبد فيما بين ذلك، بين هلكات وشبهات، ونفس تحطب على سلوها، وعدو مكيد غير غافل ولا عاجز. وأخرج ابن أبي الدنيا عن محرز الطفاري قال: كيف يرجو مفاتيح التقوى من يؤثر على الآخرة الدنيا؟! وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمر بن عبد العزيز قال: ليس تقوى اللّه بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى اللّه، ترك ما حرم اللّه، وأداء ما افترض اللّه، فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير. وأخرج ابن أبي الدنيا عن محمد بن يوسف الفريابي قال: قلت لسفيان أرى الناس يقولون سفيان الثوري، وأنت تنام الليل؟ فقال لي: اسكت... ملاك هذا الأمر التقوى. وأخرج ابن أبي الدنيا عن شبيب بن شبة قال: تكلم رجل من الحكماء عند عبد الملك بن مروان، فوصف المتقي فقال: رجل آثر اللّه على خلقه، وآثر الآخرة على الدنيا، ولم تكربه المطالب، ولم تمنعه المطامع، نظر ببصر قلبه إلى معالي إرادته، فسما لها ملتمسا لها، فزهده مخزون، يبيت إذا نام الناس ذا شجون، ويصبح مغموما في الدنيا مسجون، قد انقطعت من همته الراحة دون منيته، فشفاؤه القرآن، ودواؤه الكلمة من الحكمة والموعظة الحسنة، لا يرى منها الدنيا عوضا، ولا يستريح إلى لذة سواها. فقال عبد الملك: أشهد أن هذا أرجئ بالا منا، وأنعم عيشا. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو نعيم في الحلية عن ميمون بن مهران قال: لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه، حتى تعلم من أين مطعمه، ومن أين ملبسه، ومن أين مشربه، أمن حل ذلك أو من حرام؟ وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمر بن عبد العزيز. أنه لما ولي حمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: أوصيكم بتقوى اللّه، فإن تقوى اللّه خلف من كل شيء، وليس من تقوى اللّه خلف. وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمر بن عبد العزيز قال: يا أيها الناس اتقوا اللّه، فإنه ليس من هالك إلا له خلف إلا التقوى. وأخرج ابن أبي الدنيا عن قتادة قال: لما خلق اللّه الجنة قال لها تكلمي قالت: طوبى للمتقين. وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال: القيامة عرس المتقين. وأخرج ابن أبي الدنيا عن محمد بن يزيد الرحبي قال: قيل لأبي الدرداء: أنه ليس أحد له بيت في الأنصار إلا قال شعرا، فما لك لا تقول؟! قال: وأنا قلت فاستمعوه: يريد المرء أن يعطى مناه وي * أبى [ويأبى] اللّه إلا ما أرادا يقول المرء فائدتي وذخري * وتقوى اللّه أفضل ما استفادا وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العفيف وكان من أصحاب معاذ بن جبل قال: يدخل أهل الجنة على أربعة أصناف. المتقين، ثم الشاكرين، ثم الخائفين، ثم أصحاب اليمين. ٣ أخرج جرير عن قتادة {هدى للمتقين} قال: نعتهم ووصفهم بقوله {الذين يؤمنون بالغيب} الآية. وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس في قوله {الذين يؤمنون} قال: يصدقون {بالغيب} قال: بما جاء منه، يعني من اللّه. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {الذين يؤمنون بالغيب} قال: هم المؤمنون من العرب قال: و {الإيمان} التصديق و {الغيب} ما غاب عن العباد من أمر الجنة والنار، وما ذكر اللّه في القرآن لم يكن تصديقهم بذلك من قبل أصحاب الكتاب، أو علم كان عندهم {والذين يؤمنون بما أنزل إليك} هم المؤمنون من أهل الكتاب، ثم جمع الفريقين فقال {أؤلئك على هدى} الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {الذين يؤمنون بالغيب} قال: باللّه وملائكته، ورسله، واليوم الآخر، وجنته، وناره، ولقائه، والحياة بعد الموت. وأخرج عبد بن حميد وابن جريرعن قتادة في قوله {الذين يؤمنون بالغيب} قال: آمنوا بالبعث بعد الموت، والحساب، والجنة والنار، وصدقوا بموعود اللّه الذي وعد في هذا القرآن. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {الذين يؤمنون بالغيب} قال: ما غاب عنهم من أمر الجنة والنار قال وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت أبا سفيان بن الحرث يقول: وبالغيب آمنا وقد كان قومنا* يصلون للأوثان قبل محمد وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم كلاهما في معرفة الصحابة عن تويلة بنت أسلم قال: صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة، فاستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا سجدتين ثم جاءنا من يخبرنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام، فتحول الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال، فصلينا السجدتين الباقيتين، ونحن مستقبلو البيت الحرام. فبلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذلك فقال "أولئك قوم آمنوا بالغيب". وأخرج سفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وأحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه وابن مردويه عن الحرث بن قيس أنه قال لإبن مسعود: عند اللّه يحتسب ما سبقتمونا به يا أصحاب محمد من رؤية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فقال ابن مسعود: عند اللّه يحتسب إيمانكم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ولم تروه! إن أمر محمد كان بيننا لمن رآه. والذي لا إله غيره. ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب. ثم قرأ {ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه} (البقرة الآية ١ - ٢) إلى قوله {المفلحون} (البقرة الآية ٥). وأخرج البزار وأبو يعلى والمرهبي في فضل العلم والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب قال كنت جالسا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال "أنبئوني بأفضل أهل الإيمان إيمانا؟ قالوا: يا رسول اللّه الملائكة...؟ قال: هم كذلك، ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم اللّه المنزلة التي أنزلهم بها قالوا: يا رسول اللّه الأنبياء الذين أكرمهم اللّه برسالاته والنبوة! قال: هم كذلك، ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم اللّه المنزلة التي أنزلهم بها قالوا: يا رسول اللّه الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء... قال: هم كذلك، ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أكرمهم اللّه بالشهادة مع الأنبياء. بل غيرهم قالوا: فمن يا رسول اللّه؟! قال: أقوام في أصلاب الرجال، يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني، ويصدقوني ولم يروني، يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا. وأخرج الحسن بن عروة في حزبه المشهور والبيهقي في الدلائل والأصبهاني في الترغيب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أي الخلق أعجب إليكم إيمانا؟ قالوا: الملائكة... قال: وما لهم لا يؤمنون، وهم عند ربهم. قالوا:فالأنبياء... قال: فما لهم لا يؤمنون، والوحي ينزل عليهم. قالوا: فنحن... قال: وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم، ألا إن أعجب الخلق إلي إيمانا، لقوم يكونون من بعدكم يجدون صحفا فيها كتاب يؤمنون بما فيه". وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوما فقال "ما من ماء ما من ماء؟ قالوا: لا. قال: فهل من شن؟ فجاؤا بالشن، فوضع بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ووضع يده عليه ثم فرق أصابعه، فنبع الماء مثل عصا موسى من بين أصابع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا بلال اهتف بالناس بالوضوء، فأقبلوا يتوضؤن من بين أصابع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكانت همة ابن مسعود الشرب، فلما توضؤا صلى بهم الصبح، ثم قعد للناس فقال: يا أيها الناس من أعجب الخلق إيمانا؟ قالوا: الملائكة. قال: كيف لا تؤمن الملائكة وهم يعاينون الأمر! قالوا: فالنبيون يا رسول اللّه. قال: كيف لا يؤمن النبيون والوحي ينزل عليهم من السماء! قالوا: فأصحابك يا رسول اللّه. فقال: وكيف لا تؤمن أصحابي وهم يرون ما يرون، ولكن أعجب الناس إيمانا، قوم يجيئون بعدي يؤمنون بي ولم يروني، ويصدقوني ولم يروني أولئك إخواني". وأخرج الإسماعيلي في معجمه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أي شيء أعجب إيمانا؟ قيل: الملائكة... فقال: كيف وهم في السماء يرون من اللّه ما لا ترون! قيل: فالأنبياء... قال: كيف وهم يأيتهم الوحي؟ قالوا: فنحن... قال: كيف وأنتم تتلى عليكم آيات اللّه وفيكم رسوله! ولكن قوم يأتون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني، أولئك أعجب إيمانا، وأولئك إخواني، وأنتم أصحابي". وأخرج البزار عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"أي الخلق أعجب إيمانا؟ قالوا: الملائكة.. قال: الملائكة... كيف لا يؤمنون؟ قالوا: النبيون... قال: النبيون يوحى إليهم فكيف لا يؤمنون؟ ولكن أعجب الناس إيمانا، قوم يجيئون من بعدكم، فيجدون كتابا من الوحي، فيؤمنون به ويتبعونه. فهؤلاء أعجب الناس إيمانا". وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده عن عوف بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يا ليتني قد لقيت إخواني؟ قالوا يا رسول اللّه ألسنا إخوانك وأصحابك؟ قال: بلى. ولكن قوما يجيئون من بعدكم، يؤمنون بي إيمانكم، ويصدقوني تصديقكم، وينصروني نصركم. فيا ليتني قد لقيت إخواني". وأخرج ابن عساكر في الأربعين السباعية من طريق أبي هدبة وهو كذاب عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ليتني قد لقيت إخواني؟ فقال له رجل من أصحابه: أولسنا إخوانك؟ قال: بلى. أنتم أصحابي، وإخواني قوم يأتون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني، ثم قرأ {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة} ". وأخرج أحمد والدارمي والباوردي وابن قانع معا في معجم الصحابة والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي جمعة الأنصاري قال "قلنا يا رسول اللّه هل من قوم أعظم منا آجرا؟ آمنا بك، واتبعناك. قال: ما يمنعكم من ذلك ورسول اللّه بين أظهركم، يأتيكم الوحي من السماء! بل قوم يأتون من بعدي، يأتيهم كتاب بين لوحين، فيؤمنون به، ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجرا". وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي عمر وأحمد والحاكم عن أبي عبد الرحمن الجهني قال "بينما نحن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ طلع راكبان فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كنديان، أو مذحجيان، حتى أتيا فإذا رجلان من مذحج. فدنا أحدهما ليبايعه، فلما أخذ بيده قال: يا رسول اللّه أرأيت من آمن بك واتبعك وصدقك، فماذا له؟ قال: طوبى له، فمسح على يده وانصرف. ثم جاء الآخر ختى أخذ على يده ليبايعه فقال: يا رسول اللّه أرأيت من آمن بك وصدقك واتبعك ولم يرك؟ قال: طوبى له. ثم طوبى له. ثم مسح على يده وانصرف". وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات". وأخرج أحمد وابن حبان عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن رجلا قال: يا رسول اللّه طوبى لمن رآك و آمن بك. قال: طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني". وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد عن نافع قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن رأيتم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأعينكم هذه؟ قال: نعم. قال: طوبى لكم. فقال ابن عمر: ألا أخبرك بشيء سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: بلى. قال: سمعته يقول "قال طوبى لمن رأني وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني ثلاث مرات". وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات". وأخرج الحاكم عن أبي هريرة مرفوعا "إن ناسا من أمتي يأتون بعدي، يود أحدهم لو اِشترى رؤيتي بأهله وماله". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن إسحق عن ابن عباس في قوله {ويقيمون الصلاة} قال: الصلوات الخمس {ومما رزقتاهم ينفقون} قال: زكاة أموالهم. وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ويقيمون الصلاة} قال: يقيمونها بفروضها {ومما رزقناهم ينفقون} قال: يؤدون الزكاة احتسابا لها. وأخرج ابن جريرعن ابن عباس قال: إقامة الصلاة إتمام الركوع، والسجود، والتلاوة، والخشوع، والإقبال، عليها فيها. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {يقيمون الصلاة} قال: إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها، ووضؤئها، وركوعها، وسجودها {ومما رزقناهم ينفقون} قال: انفقوا في فرئض اللّه التي افترض اللّه عليهم، في طاعته وسبيله. وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله {ومما رزقناهم ينفقون} قال: إنما يعني الزكاة خاصة، دون سائر النفقات. لا يذكر الصلاة إلا ذكر معها الزكاة، فإذا لم يسم الزكاة قال في أثر ذكر الصلاة {ومما رزقناهم ينفقون}. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {ومما رزقناهم ينفقون} قال: هي نفقة الرجل على أهله. وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {ومما رزقناهم ينفقون} قال: كانت النفقات قربانا يتقربون بها إلى اللّه على قدر ميسورهم وجهدهم، حتى نزلت فرائض الصدقات في سورة براءة. هن الناسخات المبينات. ٤ انظر تفسير الآية: ٦ ٥ أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {والذين يؤمنون بما أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك} أي يصدقونك بما جئت به من اللّه، وما جاء به من قبلك المرسلين، لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاؤوهم به من ربهم {وبالأخرة هم يوقنون} أي بالبعث، والقيامة، والجنة، والنار، والحساب، والميزان، أي لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان قبلك ويكفرون بما جاءك من ربك. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {والذين يؤمنون بما أنزل إليك} قال: هو الفرقان الذي فرق اللّه به بين الحق والباطل {وما أنزل من قبلك} أي الكتب التي خلت قبله {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} قال: استحقوا الهدى والفلاح بحق، فاحقه اللّه عليهم. وهذا نعت أهل الإيمان، ثم نعت المشركين فقال {إن الذين كفروا سواء عليهم} (البقرة الآية ٦) الآيتين. وأخرج عبد اللّه بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند والحاكم والبيهقي في الدعوات عن أبي بن كعب قال "كنت عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: يا نبي اللّه إن لي أخا وبه وجع قال: وما وجعه؟ قال: به لمم قال: فائتني به. فوضعه بين فعوذه النبي صلى اللّه عليه وسلم بفاتحة الكتاب، وأربع آيات من أول سورة البقرة، وهاتين الآيتين {وإلهكم إله واحد} (البقرة الآية ١٦٣) وآية الكرسي، وثلاث آيات من آخر سورة البقرة، وآية من آل عمران {شهد اللّه أنه لا إله إلا هو} (آل عمران ١٨) وآية من الأعراف {إن ربكم اللّه} (الأعراف الآية ٥٤) وآخر سورة المؤمنين {فتعإلى اللّه الملك الحق} (المؤمنون الآية ١١٦) وآية من سورة الجن {وأنه تعالى حد ربنا} (الجن الآية ٣) وعشر آيات من أول الصافات، وثلاث آيات من آخر سورة الحشر، و {قل هو اللّه أحد} و (المعوذتين) فقام الرجل كأنه لم يشك قط". وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل عن أبيه. مثله سواء. وأخرج الدارمي وابن الضريس عن ابن مسعود قال: من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة، وآية الكرسي، وآيتين بعد آية الكرسي، وثلاثا من آخر سورة البقرة، لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان، ولا شيء يكرهه في أهله ولا ماله، ولا يقرأن على مجنون إلا أفاق. وأخرج الدارمي وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود قال: من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة حتى يصبح. أربع من أولها، وآية الكرسي، وآيتان بعدها، وثلاث خواتيمها. أولها {للّه ما في السموات} (البقرة الآية ٢٨٤). وأخرج سعيد بن منصور والدارمي والبيهقي في شعب الإيمان عن المغيرة بين سبيع وكان من أصحاب عبد اللّه قال: من قرأ عشر آيات من البقرة عند منامه لم ينس القرآن. أربع آيات من أولها، وآية الكرسي، وآيتان بعدها، وثلاث من آخرها. وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره، وليقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة، وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة، في قبره". وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج قال: قال لي أبي: يا بني إذا وضعتني في لحدي فقل: بسم اللّه، وعلى ملة رسول اللّه. ثم سن علي التراب سنا، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها. فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول ذلك. وأخرج ابن النجار في تاريخه من طريق محمد بن علي المطلبي عن خطاب بن سنان عن قيس بن الربيع عن ثابت بن ميمون عن محمد بن سيرين قال: نزلنا يسيرى فاتانا أهل ذلك المنزل فقالوا: ارحلوا فإنه لم ينزل عندنا هذا المنزل أحد إلا اتخذ متاعه فرحل أصحابي وتخلفت للحديث الذي حدثني ابن عمر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "من قرأ في ليلة ثلاثا وثلاثين آية لم يضره في تلك الليلة سبع ضار، ولا لص طار، وعوفي في نفسه، وأهله، وماله حتى يصبح". فلما أمسينا حتى رأيتهم قد جاءوا أكثر من ثلاثين مرة، مخترطين سيوفهم فما يصلون إلي، فلما أصبحت رحلت فلقيني شيخ منهم فقال: يا هذا إنسي أم جني؟ قلت: بل إنسي! قال: فما بالك..! لقد أتيناك أكثر من سبعين مرة كل ذلك يحال بيننا وبينك بسور من حديد. فذكرت له الحديث، والثلاث وثلاثون آية، أربع آيات من أول البقرة إلى قوله {المفلحون} وآية الكرسي، وآيتان بعدها إلى قوله {خالدون} (البقرة الآية ٢٥٧) والثلاث آيات من آخر البقرة {للّه ما في السموات وما في الأرض} (البقرة الآية ٢٨٤) وثلاث آيات من الأعراف {إن ربكم اللّه} إلى قوله {من المحسنين} (الأعراف الآية ٥٤ - ٥٧) وآخر بني إسرائيل {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن} (الإسراء الآية ١١٠) إلى آخرها، وعشر آيات من أول الصافات إلى قوله {لا زب} وآيتان من الرحمن {يا معشر الجن والإنس} إلى قوله {فلا تنتصران} (الرحمن الآية ٣٣ - ٣٤) ومن آخر الحشر {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل} (الحشر الآية ٢١) إلى آخر السورة، وآيتان من {قل أوحي إلي} إلى {وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة} إلى قوله {شططا} (الجن الآية ١ - ٤). فذكرت هذا الحديث لشعيب بن حرب فقال لي: كنا نسميها آيات الحرب، ويقال: إن فيها شفاء من كل داء. فعد علي الجنون، والجذام، والبرص، وغير ذلك. قال محمد بن علي: فقرأتها على شيخ لنا قد فلج حتى أذهب اللّه عنه ذلك. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: من قرأ عشر من سورة البقرة أول النهار لا يقربه شيطان حتى يمسي، وإن قرأها حين يمسي لم يقربه حتى يصبح، ولا يرى شيئا يكرهه في أهله وماله، وإن قرأها على مجنون أفاق. أربع آيات من أولها، وآية الكرسي، وآيتان بعدها، وثلاث آيات من آخرها. ٦ أخرج ابن جريج وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير في السنة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله {إن الذين كفروا سوآء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} ونحو هذا من القرآن قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس، ويتابعوه على الهدى، فأخبره اللّه أنه لا يؤمن إلا من سبق له من اللّه السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من سبق له من اللّه الشقاء في الذكر الأول. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن عمرو قال "قيل يا رسول اللّه أنا تقرأ من القرآن فنرجو، ونقرأ فنكاد نيأس فقال: ألا أخبركم عن أهل الجنة وأهل النار؟ قالوا: بلى يا رسول اله {ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} إلى قوله {المفلحون} هؤلاء أهل الجنة قالوا: إنا نرجو أن نكون هؤلاء. ثم قال: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم} إلى قوله {عظيم} هؤلاء أهل النار. قلنا لسنا هم يا رسول اللّه؟ قال: أجل". وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن الذين كفروا} أي بما أنزل إليك، وإن قالوا إنا قد آمنا بما جاء من قبلك {سواء عليه أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} أي أنهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك، وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق لك، فقد كفروا بما جاءك، وبما عندهم مما جاءهم به غيرك، فكيف يسمعون منك إنذارا وتخويفا، وقد كفروا بما عندهم من نعتك {ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة} أي عن الهدى أن يصيبوه أبدا بغير ما كذبوا به من الحق الذي جاءك من ربك، حتى يؤمنوا به وأن آمنوا بكل ما كان قبلك، ولهم بما هو عليه من خلافك {عذاب عظيم} فهذا في الأحبار من يهود. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {إن الذين كفروا} قال: نزلت هاتان الآيتان في قادة الأحزاب، وهم الذين ذكرهم في هذه الآية {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة اللّه كفرا} (إبراهيم الآيه ٢٨) قال: فهم الذين قتلوا يوم بدر، ولم يدخل من القادة أحد في الإسلام إلا رجلان. أبو سفيان، والحكم بن أبي العاص. وأخرج ابن المنذر عن السدي في قوله {أأنذرتهم أم لم تنذرهم} قال: وعظتهم أم لم تعظهم. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} قال: أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم، فختم اللّه على قلوبهم، وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة، فهم لا يبصرون هدى، ولا يسمعون، ولا يفقهون، ولا يعقلون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: الختم على قلوبهم، وعلى سمعهم، والغشاوة على أبصارهم. ٧ وأخرج ابن جريج عن ابن مسعود قال {ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم} فلا يعقلون، ولا يسمعون، وجعل على أبصارهم يقول: أعينهم {غشاوة} فلا يبصرون. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأرزق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {ختم اللّه على قلوبهم} قال: طبع اللّه عليها قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: أما سمعت الأعشى وهو يقول: وصهباء طاف يهود بها* فأبرزها وعليها ختم وأخرج سعيد بن منصورعن الحسن وأبي رجاء قرأ أحدهما {غشاوة} والآخر {غشوة}. ٨ أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ومن الناس من يقول آمنا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} يعني المنافقين من الأوس والخزرج، ومن كان على أمرهم. وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس. أن سورة البقرة إلى المائة منها، هي رجال سماهم بأعيانهم وأنسابهم من أحبار يهود، ومن المنافقين من الأوس والخزرج. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {ومن الناس من يقول آمنا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} قال: المراد بهذه الآية المنافقون. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله {ومن الناس من يقول آمنا باللّه وباليوم الآخر} حتى بلغ {وما كانوا مهتدين} قال: هذه في المنافقين. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {ومن الناس من يقول آمنا باللّه} الآية. قال: هذا نعت المنافق، نعت عبدا خائن السريرة، كثير الإخلاف، يعرف بلسانه، وينكر بقلبه، ويصدق بلسانه، ويخالف بعمله، ويصبح على حال، ويمسي على غيره، ويتكفأ تكفؤ السفينة، كلما هبت ريح هب فيها. وأخرج ابن المنذر عن محمد بن سيرين قال: لم يكن عندهم أخوف من هذه الآية {ومن الناس من يقول آمنا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}. وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن عتيق قال: كان محمد يتلو هذه الآية عند ذكر الحجاج ويقول: أنا لغير ذلك أخوف {ومن الناس من يقول آمنا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}. وأخرج ابن سعد عن أبي يحيى قال سأل رجل حذيفة وأنا عنده فقال: وما النفاق؟ قال: أن تتكلم باللسان، ولا تعمل به. قوله تعالى: يخادعون اللّه والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ٩ أخرج أحمد بن منيع في مسنده بسند ضعيف عن رجل من الصحابة. إن قائلا من السلمين قال: يا رسول اللّه ما النجاة غدا قال: لا تخدع اللّه قال وكيف نخادع اللّه قال أن تعمل بما أمرك به تريد به غيره، فاتقوا الرياء فإنه الشرك باللّه، فإن المرائي ينادى به يوم القيامة على رؤوس الخلائق بأربعة أسماء. يا كافر، يا فاجر، يا خاسر، يا غادر. ضل عملك، وبطل أجرك، فلا خلاق لك اليوم عند اللّه، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع، وقرأ من القرآن {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا} (الكهف الآية ١١٠) الآية {وإن المنافقين يخادعون اللّه} (النساء الآية ١٤٢) الآية.وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله {يخادعون اللّه} قال: يظهرون لا إله إلا اللّه، يريدون أن يحرزوا بذلك دمائهم وأموالهم، وفي أنفسهم غير ذلك. وأخرج ابن جرير عن ابن وهب قال: سألت ابن زيد عن قوله {يخادعون اللّه والذين آمنوا} قال: هؤلاء المنافقون، يخادعون اللّه ورسوله، والذين آمنوا أنهم يؤمنون بما أظهروه.وعن قوله {وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} قال: ما يشعرون بأنهم ضروا أنفسهم بما أسروا من الكفر والنفاق، ثم قرأ {يوم يبعثهم اللّه جميعا} قال هم المنافقون حتى بلغ قوله {ويحسبون أنهم علي شيء} (المجادلة الآية ١٨). وأخرج البيهقي في الشعب عن قيس بن سعد قال: لولا أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "المكر والخديعة في النار، لكنت أمكر هذه الأمة". ١٠ أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {مرض} قال: شك {فزادهم اللّه مرضا} أي قال: شكا. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {في قلوبهم مرض} قال: النفاق {ولهم عذاب أليم} قال: نكال موجع {بما كانوا يكذبون} قال: يبدلون ويحرفون. وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله تعالى {في قلوبهم مرض} قال: النفاق قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم.أما سمعت قول الشاعر: أجامل أقواما حياء وقد أرى* صدروهم تغلي علي مراضها قال: فأخبرني عن قوله {ولهم عذاب أليم} قال {الأليم} الموجع قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم.أما سمعت قول الشاعر: نام من كان خليا من ألم* وبقيت الليل طولا لم أنم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كل شيء في القرآن {أليم} فهو الموجع. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال {الأليم} الموجع في القرآن كله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {مرض} قال: ريبة وشك في أمر اللّه {فزادهم اللّه مرضا} قال: ريبة وشكا {ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} قال: إياكم والكذب فإنه من باب النفاق، وإنا واللّه ما رأينا عملا قط أسرع في فساد قلب عبد من كبر أو كذب. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {في قلوبهم مرض} قال: هذا مرض في الدين، وليس مرضا في الأجساد.وهم المنافقون و {المرض} الشك الذي دخل في الإسلام. وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله {في قلوبهم مرض} قال: هؤلاء أهل النفاق.والمرض في قلبوهم الشك في أمر اللّه عز وجل {فزادهم اللّه مرضا} قال: شكا. وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: العذاب الأليم.هم الموجع وكل شيء في القرآن من {الأليم} فهو الموجع. ١١ أخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض} قال: الفساد هو الكفر والعمل بالمعصية وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} قال: إذا ركبوا معصية فقيل لهم لا تفعلوا كذا، قالوا إنما نحن على الهدى. وأخرج ابن اسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إنما نحن مصلحون} أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين، وأهل الكتاب. وأخرج وكيع وابن جرير وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد اللّه الأسدي قال: قرأ سلمان هذه الآية {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} قال: لم يجيء أهل هذه الآية بعد. ١٢ انظر تفسير الآية: ١٣ ١٣ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس} قال: صدقوا كما صدق أصحاب محمد أنه نبي ورسول، وأن ما أنزل عليه حق {قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء} يعنون أصحاب محمد {ألا إنهم السفهاء} يقول: الجهال {ولكن لا يعلمون} يقول: لا يعقلون. وأخرج ابن عساكر في تاريخه بسند واه عن ابن عباس في قوله آمنوا كما من الناس قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {كما آمن السفهاء} قال: يعنون أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج عن الربيع وابن زيد مثله. ١٤ أخرج الواحدي والثعلبي بسنده عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في عبد اللّه بن أبي وأصحابه، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول اللّه فقال عبد اللّه بن أبي: انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم، فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال: مرحبا بالصديق سيد بني تميم، وشيخ الإسلام، وثاني رسول اللّه في الغار، الباذل نفسه وماله لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ثم أخذ بيد عمر فقال: مرحبا بسيد عدي بن كعب، الفاروق القوي في دين اللّه، الباذل نفسه وماله لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ثم أخذ بيد علي وقال: مرحبا بابن عم رسول اللّه وختنه، سيد بني هاشم ما خلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ثم افترقوا فقال عبد اللّه لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت؟ فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت، فأثنوا عليه خيرا.فرجع المسلمون إلى النبي وأخبروه بذلك، فنزلت هذه الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإذا لقوا الذين آمنوا} الآية.قال: كان رجال من اليهود إذا لقوا أصحاب النبي أو بعضهم قالوا: أنا على دينكم {وإذا خلوا إلى شياطينهم} وهم إخوانهم {قالوا: إنا معكم} أي على مثل ما أنتم عليه {إنما نحن مستهزئون} قال: ساخرون بأصحاب محمد {اللّه يستهزئ بهم} قال: يسخر بهم للنقمة منهم {ويمدهم في طغيانهم} قال: في كفرهم {يعمهون} قال يترددون. وأخرج البيهقي في الأسماء عن ابن عباس في قوله {وإذا لقوا الذين أمنوا قالوا آمنا} وهم منافقو أهل الكتاب، فذكرهم وذكر استهزاءهم، وأنهم {إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم} على دينكم {إنما نحن مستهزئون} بأصحاب محمد.يقول اللّه {اللّه يستهزئ بهم} في الآخرة، يفتح لهم بابا في جهنم من الجنة ثم يقال لهم: تعالوا فيقبلون يسبحون في النار، والمؤمنون على الأرائك وهي السرر في الحجال ينظرون إليهم، فإذا انتهوا إلى الباب سد عنهم، فضحك المؤمنون منهم فذلك قول اللّه {اللّه يستهزئ بهم} في الآخرة، ويضحك المؤمنون منهم حين غلقت دونهم الأبواب.فذلك قوله {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون} (المطففون الآية ٣٤). أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} أي صاحبكم رسول اللّه ولكنه إليكم خاصة {وإذا خلوا إلى شياطينهم}، من يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب {قالوا إنا معكم} أي إنا على مثل ما أنتم عليه {إنما نحن مستهزئون} أي إنما نحن مستهزئون بالقوم، ونلعب بهم. وأخرج ابن الأنباري عن اليماني أنه قرأ {وإذا لاقوا الذين آمنوا}. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله {إذا خلوا} قال: مضوا. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال: رؤوسهم في الكفر. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {إذا خلوا إلى شياطينهم} قال: أصحابهم من المنافقين والمشركين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال: إلى إخوانهم من المشركين، ورؤوسهم وقادتهم في الشر {قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} يقولون: إنما نسخر من هؤلاء القوم ونستهزئ بهم. ١٥ وأخرج ابن المنذر عن أبي صالح في قوله {اللّه يستهزئ بهم} قال: يقال: لأهل النار وهم في النار أخرجوا، وتفتح لهم أبواب النار، فإذا رأوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك، فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم.فذلك قوله {اللّه يستهزئ بهم} ويضحك عليهم المؤمنون حين غلقت دونهم.ذلك قوله {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون، على الأرائك ينظرون} (المطففون الآية ٣٤ - ٣٥). وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود ي قوله {ويمدهم} قال: يملي لهم {في طغيانهم يعمهون} قال: في كفرهم يتمادون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {يعمهون} قال: يتمادون. وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله عز وجل {يعمهون} قال: يلعبون ويترددون.قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم.أما سمعت قول الشاعر: أراني قد عمهت وشاب رأسي* وهذا اللعب شين بالكبير وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله {ويمدهم} قال: يزيدهم {في طغيانهم يعمهون} قال: يلعبون ويترددون في الضلالة. ١٦ أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} قال: الكفر بالإيمان. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {استروا الضلالة بالهدى} قال: أخذوا الضلالة، تركوا الهدى. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} قال: آمنوا ثم كفروا. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} قال: استحبوا الضلال على الهدى {فما ربحت تجارتهم} قال: قد واللّه رأيتم خرجوا من الهدى إلى الضلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة. ١٧ انظر تفسير الآية: ٢٠ ١٨ انظر تفسير الآية: ٢٠ ١٩ انظر تفسير الآية: ٢٠ ٢٠ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والصابوني في المائتين عن ابن عباس في قوله {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا} الآية.قال: هذا ضربه اللّه للمنافقين، كانوا يعتزون بالإسلام، فيناكحم المسلمون، ويوارثوهم، ويقاسمونهم الفيء.فلما ماتوا سلبم اللّه العز كما سلب صاحب النار ضوءه {وتركهم في ظلمات} يقول في عذاب {صم بكم عمي} لا يسمعون الهدى، ولا يبصرونه، ولا يعقلونه {أو كصيب} هو المطر.ضرب مثله في القرآن {فيه ظلمات} يقول: ابتلاء {ورعد وبرق} تخويف {يكاد البرق يخطف أبصارهم} يقول: يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين {كلما أضاء لهم مشوا فيه} يقول: كلما أصاب المنافقون من الإسلام اطمأنوا، فإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله {ومن الناس من يعبد اللّه على حرف..} (الحج الآية ١١) الآية. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا...} الآية.قال: إن ناس دخلوا في الإسلام مقدم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة، ثم نافقوا، فكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة، فأوقدا نارا {فأضاءت ما حوله} من قذى أو أذى، فأبصره حتى عرف ما يتقى.فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره، فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى، فكذلك المنافق كان في ظلمة الشرك فأسلم، فعرف الحلال من الحرام، والخير من الشر، بينا هو كذلك إذ كفر، فصار لا يعرف الحلال من الحرام، ولا الخير من الشر، فهم {صم بكم} فهم الخرس {فهم لا يرحعون} إلى الإسلام.وفي قوله {أو كصيب...} الآية.قال: كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول اللّه إلى المشركين، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر اللّه.فيه رعد شديد، وصواعق، وبرق، فجعلا كلما أصابتهما الصواعق يجعلان أصابعهما في آذانهما من الفرق، أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما، وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه، وإذا لم يلمع لم يبصرا.قاما مكانهما لا يمشيان، فجعلا يقولان.ليتنا قد أصبحنا، فنأتي محمد فنضع أيدينا في يده، فأصبحا فأتياه فأسلما، ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما. فضرب اللّه شأن هذين المنافقين الخارجين، مثلا للمنافقين الذين بالمدينة، وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي صلى اللّه عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء، أو يذكر بشيء، فيقتلوا كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما {وإذا أضاء لهم مشوا فيه} فإذا كثرت أموالهم وولدهم، وأصابوا غنيمة وفتحا {مشوا فيه} وقالوا: إن دين محمد حينئذ صدق: واستقاموا عليه كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء بهما البرق {وإذا أظلم عليهم قاموا} فكانوا إذا هلكت أموالهم وولدهم، وأصابهم البلاء، قالوا هذا من أجل دين محمد، وارتدوا كفارا، كما كان ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {كمثل الذي استوقد} قال: ضربه اللّه مثلا للمنافق.وقوله {ذهب اللّه بنورهم} أما {النور} فهو إيمانهم الذي يتكلمون به، وأما {الظلمة} فهي ضلالهم وكفرهم.وفي قوله {أو كصيب} الآية.قال {الصيب} المطر.وهو مثل المنافق في ضوء ما تكلم بما معه من كتاب اللّه، وعمل مراءاة للناس، فإذا خلا وحده عمل بغيره، فهو في ظلمة ما أقام على ذلك، وأما {الظلمات} فالضلالة، وأما {البرق} فالإيمان.وهم أهل الكتاب {وإذا أظلم عليهم} فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه. وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {مثلهم..} الآية.قال: ضرب اللّه مثلا للمنافقين يبصرون الحق ويقولون به، حتى إذا خرجوا من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم ونفاقهم، فتركهم في ظلمات الكفر لا يبصرون هدى ولا يستقيمون على حق {صم بكم عمي} عن الخير {فهم لا يرجعون} إلى هدى، ولا إلى خير.وفي قوله {أو كصيب..} الآية.يقول: هم من ظلمات ماهم فيه من الكفر، والحذر من القتل، على الذي هم عليه من الخلاف والتخويف منكم، على مثل ما وصف من الذي هم في ظلمة الصيب، فجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق {حذر الموت واللّه محيط بالكافرين} منزل ذلك بهم من النقمة {يكاد البرق يخطف أبصارهم} أي لشدة ضوء الحق {كلما أضاء لهم مشوا فيه} أي يعرفون الحق ويتكلمون به فهم من قولهم به على استقامة، فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر {قاموا} أي متحيرين {ولو شاء اللّه لذهب بسمعهم} أي لما سمعوا، تركوا من الحق بعد معرفته. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا} قال: أما إضاءة النار فإقبالهم إلى المؤمنين والهدى، وذهاب نورهم إقبالهم إلى الكافرين والضلالة، وإضاءة البرق على نحو المثل {واللّه محيط بالكافرين} قال: جامعهم في جهنم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا} قال: هذا مثل ضربه اللّه للمنافقين.إن المنافق تكلم بلا إله إلا اللّه فناكح بها المسلمين، ووارث بها المسلمين، وغازى بها المسلمين، وحقن بها دمه وماله.فلما كان عند الموت لم يكن لها أصل في قلبه، ولا حقيقة في عمله، فسلبها المنافق عند الموت، فترك في ظلمات وعمى يتسكع فيها.كما كان أعمى في الدنيا عن حق اللّه وطاعته صم عن الحق فلا يبصرونه {فهم لا يرحعون} عن ضلالتهم، ولا يتوبون ولا يتذكرون {أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت} قال: هذا مثل ضربه اللّه للمنافق لجنبه، لا يسمع صوتا إلا ظن أنه قد أتي، ولا يسمع صياحا إلا ظن أنه قد أتي، ولا يسمع صياحا إلا ظن أنه ميت.أجبن قوم، وأخذله للحق.وقال اللّه في آية أخرى {يحسبون كل صيحة عليهم} (المنافقون الآية ٤) {يكاد البرق يخطف أبصارهم} الآية.قال {البرق} هو الإسلام و {الظلمة} هو البلاء والفتنة.فإذا رأى المنافق من الإسلام طمأنينة، وعافية، ورخاء، وسلوة من عيش {قالوا: إنا معكم} ومنكم، وإذا رأى من الإسلام شدة، وبلاء، فقحقح عند الشدة فلا يصبر لبلائها، ولم يحتسب أجرها، ولم يرج عاقبتها.إنما هو صاحب دنيا لها يغضب، ولها يرضى، وو كما هو نعته اللّه. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وأبو يعلى في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة من طرق عن ابن عباس في قوله {أو كصيب من السماء} قال: المطر. وأخرج ابن جرير عن مجاهد والربيع وعطاء.مثله. وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إنما الصيب من ههنا.وأشار بيده إلى السماء". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {يكاد البرق} قال: يلتمع {يخطف أبصارهم} ولما يخطف.وكل شيء في القرآن {يكاد، وأكاد، وكادوا} فإنه لا يكون أبدا. وأخرج وكيع عن المبارك بن فضالة قال: سمعت الحسين يقرؤها {يكاد البرق يخطف أبصارهم}. ٢١ أخرج البزار والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال: ما كان {يا آيها الذين آمنوا} أنزل بالمدينة، وما كان {يا أيها الناس} فبمكة. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: قرأنا المفصل ونحن بمكة حجيجا، ليس فيها {يا أيها الذين آمنوا}. وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن الضريس وابن المنذر وأبو الشيخ بن حبان في التفسير عن علقمة قال: كل شيء في القرآن {يا أيها الناس} فهو مكي، وكل شيء في القرآن {يا أيها الذين آمنوا} فإنه مدني. وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه وعبد بن حميد وابن المنذر عن الضحاك،مثله. وأخرج أبو عبيد عن ميمون بن مهران قال: ماكان في القرآن {يا أيها الناس، ويابني آدم} فإنه مكي وما كان {يا أيها الذين آمنوا} فإنه مدني. وأخرج ابن أبي شيبه وابن مردويه عن عروه قال: ماكان (يا أيها الناس) بمكه، وماكان (يا أيها الذين آمنوا) بالمدينه. وأخرج ابن أبي شيبه وابن مردويه عن عروة قال: ما كان من حج، أو فريضة، فإنه نزل بالمدينة، أو حد، أو جهاد، فإنه نزل بالمدينة.وما كان من ذكر الأمم، والقرون، وضرب الأمثال، فإنه نزل بمكة. وأخرج ابن أي شيبة عن عكرمة قال: كل سورة فيها {يا أيها الذين آمنوا} فهي مدنية. وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فيقوله {يا أيها الناس} فهي للفريقين جميعا من الكفار والمؤمنين {اعبدوا} قال: وحدوا. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {الذي خلقكم والذين من قبلكم} يقول: خلقكم، وخلق الذين من قبلكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قوله {لعلكم} يعني كي غير آية في الشعراء {لعلكم تخلدون} (الشعراء ١٢٩) يعني كأنكم تخلدون. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عون بن عبد اللّه بن غنية قال {لعل} من اللّه واجب. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {لعلكم تتقون} قال: تطعيون. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {لعلكم تتقون} قال: تتقون النار. ٢٢ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله {الذي جعل لكم الأرض فراشا} قال: هي فراش يمشي عليها، وهي المهاد، والقرار، {والسماء بناء} قال بنى السماء على الأرض كهيئة القبة، وهي سقف على الأرض. وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن جبير بن مطعم قال "جاء أعرابي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه جهدت الأنفس، وضاعت العيال، ونهكت الأموال، وهلكت المواشي.استسق لنا ربك، فإنا نستشفع باللّه عليك، وبك على اللّه.فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم "سبحان اللّه! فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه فقال: ويحك أتدري ما اللّه؟ إن شأنه أعظم من ذاك، وإنه لا يستشفع به على أحد، وإنه لفوق سمواته على عرشه، وعرشه على سمواته، وسمواته على أرضيه هكذا - وقال بأصابعه مثل القبة - وإنه لئط به أطيط الرحل بالراكب". وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة عن إياس بن معاوية قال: السماء مقببة على الأرض مثل القبة. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن وهب بن منبه قال: شيء من أطراف السماء محدق بالأرضين، والبحار، كأطراف الفسطاط. وأخرج ابن أبي حاتم عن القاسم بن أبي برة قال: ليست السماء مربعة، ولكنها مقببة يراها الناس خضراء. أما قوله تعالى {وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم} أخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن.أنه سئل المطر من السماء أم من السحاب؟ قال: من السماء، إنما السحاب علم ينزل عليه الماء من السماء. وأخرج أبو الشيخ عن وهب قال: لا أدري المطر أنزل قطرة من السماء في السحاب، أم خلق في السحاب فأمطر؟ وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن كعب قال: السحاب غربال المطر، ولولا السحاب حين ينزل الماء من السماء لأفسد ما يقع عليه من الأرض، والبذر ينزل من السماء. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن خالد بن معدان قال: المطر ماء يخرج من تحت العرش، فينزل من سماء إلى سماء حيث يجمع في السماء الدنيا، فيجتمع في موضع يقال له الإيرم، فتجيء السحاب السود، فتدخله فتشربه مثل شرب الاسفنجة، فيسوقها اللّه حيث يشاء. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال: ينزل الماء من السماء السابعة، فتقع القطرة منه على السحابة مثل البعير. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن خالد بن يزيد قال: المطر منه من السماء، ومنه ماء يسقيه الغيم من البحر، فيعذبه الرعد والبرق.فأما ما كان من البحر فلا يكون له نبات، وأما النبات فما كان من السماء. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال: ما أنزل اللّه من السماء قطرة إلا أنبت بها في الأرض عشبة، أو في البحر لؤلؤة. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب المطر عن ابن عباس قال: إذا جاء القطر من السحاب تفتحت له الأصداف فكان لؤلؤا. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: يخلق اللّه اللؤلؤ في الأصداف من المطر، تفتح الأصداف أفواهها عند المطر، فاللؤلؤة العظيمة من القطرة العظيمة، واللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة. وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي الدنيا في كتاب المطر عن المطلب بن حنطب.أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها، يصرفه اللّه حيث يشاء". وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: ما نزل مطر من السماء إلا ومعه البذر.أما أنكم لوبسطتم نطعا لرأيتموه. وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: المطر مزاجه من الجنة، فإذا عظم المزاج عظمت البركة، وإن قل المطر، وإذا قل المزاج قلت البركة وإن كثر المطر. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: ما من عام بأمطر من عام، ولكن اللّه يصرفه حيث يشاء، وينزل مع المطر كذا وكذا من الملائكة، ويكتبون حيث يقع ذلك المطر، ومن يرزقه، وما يخرج منه مع كل قطرة. أما قوله تعالى: {فلا تجعلوا للّه أندادا وأنتم تعلمون} أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {فلا تجعلوا للّه أندادا} أي لا تشركوا به غيره من الأنداد التي لا تضر ولا تنفع {وأنتم تعلمون} أنه لا رب لكم يرزقكم غيره. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال {الأنداد} هو الشرك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {الأنداد} قال: أشباها.وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {فلا تجعلوا للّه أندادا} قال: أكفاء من الرجال تطعيونهم في معصية اللّه. وأخرج الطستي عن ابن عباس.أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قول اللّه عز وجل {أندادا} قال: الأشباه والأمثال قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم.أما سمعت قول لبيد: أحمد اللّه فلا ند له* بيديه الخير ما شاء فعل وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {أندادا} قال: شركاء. وأخرج ابن أبي حاتم عن عوف بن عبد اللّه قال "خرج النبي صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم من المدينة فسمع مناديا ينادي للصلاة فقال: اللّه أكبر اللّه أكبر فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: على الفطرة فقال: أشهد أن لا إله إلا اللّه فقال: خلع الأنداد". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن ماجه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال "قال رجل للنبي صلى اللّه عليه وسلم: ما شاء اللّه وشئت فقال: جعلتني للّه ندا، ما شاء اللّه وحده". وأخرج ابن سعد عن قتيلة بنت صيفي قال "جاء حبر من الأحبار إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون قال: وكيف؟ قال: يقول أحدكم: لا والكعبة.فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: إنه قد قال فمن حلف فليحلف برب الكعبة فقال: يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم {تجعلون للّه أندادا} قال: وكيف ذلك؟! قال: يقول أحدكم ما شاء اللّه وشئت.فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم للحبر: أنه قد قال فمن قال منكم فليقل ما شاء ثم شئت". وأخرج أحمد وابن ماجه والبيهقي عن طفيل بن سخبرة "أنه رأ ى فيما يرى النائم كأنه مر برط من اليهود فقال: أنتم نعم القوم لولا أنكم تزعمون أن عزيرا ابن اللّه فقالوا: وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء اللّه وشاء محمد. ثم مر برهط من النصارى فقال: أنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن اللّه قالوا: وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء اللّه وشاء محمد. فلما أصبح أخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم، فخطب فقال: إن طفيلا رأى رؤيا، وأنكم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم، فلا تقولوها ولكن قولوا: ما شاء اللّه وحده لا شريك له". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن حذيفة ابن اليمان عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لا تقولوا ما شاء اللّه وشاء فلان. قولوا: ما شاء اللّه ثم شاء فلان". وأخرج ابن جريج عن قتادة في قوله {فلا تجعلوا للّه أندادا} أي عدلاء {وأنتم تعلمون} قال: إن اللّه خلقكم وخلق السموات والأرض. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {فلا تجعلوا للّه أندادا} أي عدلاء {وأنتم تعلمون} قال تعلمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل لا ند له. ٢٣ انظر تفسير الآية: ٢٤ ٢٤ وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه اللّه إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة". وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {وإن كنتم في ريب} الآيه قال: هذا قول اللّه لمن شك من الكفار في ما جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وإن كنتم في ريب} قال: في شك {مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله} قال: من مثل هذا القرآن حقا وصدقا، لا باطل فيه ولا كذب. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جريروابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فأتوا بسورة من مثله} قال: مثل القرآن {وادعوا شهداءكم من دون اللّه} قال: ناس يشهدون لكم إذا أتيتم بها أنه مثله. وأخرج ابن جرير وابن إسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وادعوا شهداءكم} قال: أعوانكم على ما أنتم عليه {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} فقد بين لكم الحق. وأخرج عبد بن حميد وابن جريج عن قتادة {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} يقول: لن تقدروا على ذلك ولن تطيقوه. أما قوله تعالى: {فاتقوا النار} أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن مسعود قال: إذا مر أحدكم في الصلاة بذكر النار فلسيتعذ باللّه من النار، وإذا مر أحدكم بذكر الجنة فليسأل اللّه الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن ماجه عن أبي ليلى قال "صليت إلى جنب النبي صلى اللّه عليه وسلم فمر بآية فقال: أعوذ باللّه من النار، ويل لأهل النار". وأخرج ابن أبي شيبة عن النعمان بن بشير قال "سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو على المنبر يقول: أنذركم النار، أنذركم النار حتى سقط أحد عطفي ردائه على منكبيه". وأما قوله تعالى {التي وقودها الناس والحجارة} أخرج عبد بن حميد من طريق طلحة عن مجاهد.أنه كان يقرأ كل شيء في القرآن {وقودها} برفع الواو الأولى إلا التي في"والسماء ذات البروج" {النار ذات الوقود} (البروج الآية ٥) بنصب الواو. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والفريابي وهناد بن السري في كتاب الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: إن الحجارة التي ذكرها اللّه في القرآن في قوله {وقودها الناس والحجارة} حجارة من كبريت خلقها اللّه عنده كيف شاء. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: هي حجارة في النار من كبريت أسود يعذبون به مع النار. وأخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون قال: هي حجارة من كبريت، خلقها اللّه يوم خلق السموات والأرض، في السماء الدنيا فأعدها للكافرين. وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال "تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية {وقودها الناس والحجارة} فقال: أوقد عليها ألف عام حتى احمرت، وألف عام حتى ابيضت، وألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهبها". وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أوقدت النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة". وأخرج أحمد ومالك والبخاري ومسلم والبيهقي في البعث عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزء من نار جهنم فقالوا: يا رسول اللّه إن كانت لكافية؟ قال: فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها". وأخرج مالك في الموطأ والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: أترونها حمراء مثل ناركم هذه التي توقدون؟ إنها لأشد سوادا من القار. وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، لكل جزء منها حرها". وأخرج ابن ماجه والحاكم وصححه عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، لولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم منها بشيء، وإنها لتدعو اللّه أن لا يعيدها فيها". وأخرج البيهقي في البعث عن ابن مسعود قال: إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من تلك النار، ولولا أنها ضربت في البحر مرتين ما امنتفعتم منها بشيء. وأخرج البيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، ضربت بماء البحر مرتين، ولولا ذلك ما جعل اللّه فيها منفعة لأحد". وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: إن ناركم هذه تعوذ من نار جهنم. وأما قوله تعالى: {أعدت للكافرين} أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {أعدت للكافرين} قال: أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر. ٢٥ أخرج ابن ماجه وابن أبي الدنيا في صفة الجنة ةالبزار وابن أبي حاتم وابن حبان وابن أبي داود والبيهقي كلاهما في البعث وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن أسامة ابن زيد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ألا هل مشمر للجنة فإن للجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تزهر، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة ومقام في أبد في فاكهة دار سليمة، وفاكهة خضرة وخيرة ونعمة، في محلة عالية بهية قالوا: نعم يا رسول اللّه قال: قولوا إن شاء اللّه قال القوم: إن شاء اللّه...". وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده والترمذي وابن حبان في صحيحه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قلنا يا رسول اللّه حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال "لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وحصاؤها الؤلؤ والياقوت، وملاطها المسك، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم لا ييأس، ويخلد لا يموت.لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه". وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والطبراني وابن مردويه عن ابن عمر قال: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الجنة كيف هي؟ قال "من يدخل الجنة يحيا لا يموت، وينعم لا ييأس.لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه. قيل يا رسول اللّه كيف بناؤها؟ قال: لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها مسك أذفر، وحصاؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران". أخرج البزار والبيهقي في البعث عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إن حائط الجنة لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، ومجامرهم الألوه، وأمشاطهم الذهب، ترابها زعفران، وطيبها مسك". وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن أبي هريرة قال: حائط الجنة لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، ودرمها اللؤلؤ والياقوت، ورضاضها اللؤلؤ، وترابها الزعفران. وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "أرض الجنة بيضاء، عرصتها صخور الكافور وقد أحاط به المسك مثل كثبان الرمل، فيها أنهار مطردة. فيجتمع أهل الجنة أولهم وآخرهم، يتعارفون فيبعث اللّه عليهم ريح الرحمة، فتهيج عليهم المسك، فيرجع الرجل إلى زوجه وقد ازداد حسنا وطيبا فتقول: لقد خرجت من عندي وأنا بك معجبة، وأنا بك الآن أشد إعجابا". وأخرج أبو نعيم عن سعيد بن جبير قال: أرض الجنة فضة. وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، ثم شقق فيها الأنهار، وغرس فيها الأشجار، فلما نظرت الملائكة إلى حسنها وزهرتها قالت: طوباك منازل الملوك". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم عن أبي سعيد. أن النبي صلى اللّه عليه وسلم سأله ابن صائد عن تربة الجنة فقال " درمكة بيضاء مسك خالص". وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة وأبو الشيخ في العظمة عن أبي زميل. أنه سأل ابن عباس ما أرض الجنة؟ قال: مرمرة بيضاء من فضة كانها مرآة قال: ما نورها؟ قال: ما رأيت الساعة التي يكون فيها طلوع الشمس فذلك نورها، إلا أنه ليس فيها شمس، ولا زمهرير قال: فما أنهارها أفي أخدود؟ قال: لا ولكنها نقيض على وجه الأرض، لا تفيض ههنا ولا ههنا قال: فمن حللّها؟ قال: فيها الشجر الثمر كأنه الرمان، فإذا أراد ولي اللّه منها كسوة انحدرت إليه من أغصانها فانفلقت له من سبعين حلة، ألوانا بعد ألوان ثم لتطبق فترجع كما كانت. وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خلق اللّه جنة عدن بيده وذلل فيها ثمارها وشق فيها أنهارها ثم نظر إليها فقال لها تكلمي فقالت {قد أفلح المؤمنون} (المؤمنون الآية ١) فقال وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل. وأخرج البزار عن ابن عباس. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إن اللّه خلق جنة عدن بيضاء". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول صلى اللّه عليه وسلم "لقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب". وأخرج ابن أبي شيبة وهناد بن السري في الزهد وابن ماجه عن أبي سعيد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "الشبر في الجنة خير من الدنيا وما فيها". وأخرج الترمذي وابن أبي الدنيا عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "لو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت له ما بين خوافق السموات والأرض، ولو أن رجلا من أهل الجنه اطلع فبدا أساوره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم". وأخرج البخاري عن أنس قال: أصيب حارثة يوم بدر فجاءت أمه فقالت: يا رسول اللّه قد علمت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة صبرت، وإن يكن غير ذلك ترى ما أصنع؟ فقال "إنها ليست بجنة واحدة، إنها جنان كثيرة، وإنه في الفردوس الأعلى". وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من خاف ادلج، ومن ادلج بلغ المنزل إلا إن سلعة اللّه غالية". وأخرج الحاكم عن أبي كعب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من خاف ادلج، ومن ادلج بلغ المنزل. إلا إن سلعة اللّه غالية، إلا أن سلعة اللّه الجنة، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه". وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: والذي أنزل الكتاب على محمد صلى اللّه عليه وسلم إن أهل الجنة ليزدادون حسنا وجمالا كما يزدادون في الدنيا قباحة وهرما. أما قوله تعالى: {تجري من تحتها الأنهار}. أخرج ابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أنهار الجنة تفجر من تحت جبال مسك". وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ بن حبان في التفسير والبيهقي في البعث وصحه عن ابن مسعود قال: إن أنهار الجنة تفجر من جبل مسك. وأخرج أحمد مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "سيحان وجيحان، والفرات، والنيل، كل من أنهار الجنة". وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن ابن عباس قال: إن في الجنة نهرا يقال له البيدخ، عليه قباب من ياقوت، تحته جوار نابتات يقول: أهل الجنة انطلقوا بنا إلى البيدخ، فيجيئون فيتصفحون تلك الجواري، فإذا أعجب رجل منهم بجارية مس معصمها، فتبعته وتنبت مكانها أخرى". وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده والنسائي وأبو يعلى والبيهقي في الدلائل والضياء المقدسي في صفة الجنة وصححه عن أنس قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تعجبه الرؤيا الحسنة، فجاءت إمراءة فقالت: يا رسول اللّه رأيت في المنام كأني أخرجت فأدخلت الجنة، فسمعت وجبة التجت لها الجنة، فإذا أنا بفلان وفلان حتى عدت اثني عشر رجلا، وقد بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سرية قبل ذلك، فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم فقيل: اذهبوا بهم إلى نهر البيدخ، فغمسوا فيه، فخرجوا وحوهم كالقمر ليلة البدر، وأتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عليها، وجيء بصحفة من ذهب فيها بسرة، فأكلوا من بسره ما شاؤا، فما يقبلونها لوجهة إلا أكلوا من فاكهة ما شاؤا، فجاء البشير فقال: يا رسول اللّه كان كذا وكذا... وأصيب فلان وفلان، حتى عد اثني عشر رجلا فقال: علي بالمرأة فجاءت فقال: قصي رؤياك على هذا فقال الرجل: هو كما قالت أصيب فلان وفلان". وأخرج البيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: إن في الجنة نهرا طول الجنة، حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين بأحسن أصوات، يسمعها الخلائق حتى ما يرون أن في الجنة لذة مثلها. قلنا: يا أبا هريرة وما ذاك الغناء؟ قال: إن شاء اللّه التسبيح، والتحميد، والتقديس، وثناء على الرب. وأخرج أحمد بن حنبل في الزهد والدارقطني في المديح عن المعتمر بن سليمان قال: إن في الجنة نهرا ينبت الحواري الأبكار. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس مرفوعا"في الجنة نهر يقال له الريان، عليه مدينة من مرجان، لها سبعون ألف باب من ذهب وفضة، لحامل القرآن". وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في البعث عن مسروق قال: أنهار الجنة تجري في غير أخدود، ونخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها. وثمرها أمثال القلال كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى، والعنقود اثنا عشر ذراعا. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والضياء المقدسي كلاهما في صفة الجنة عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لعلكم تظنون أن أنهار الجنة أخدود في الأرض لا... واللّه إنها لسائحة على وجه الأرض، افتاه خيام اللؤلؤ، وطينها المسك الأذفر. قلت: يا رسول اللّه ما الأذفر؟ قال: الذي لا خلط معه". وأخرج ابن أبي الدنيا وابن مردويه والضياء عن أبي موسى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن أنهار الجنة تشخب من جنة عدن في حوبة ثم تصدع بعد أنهارا". وأما قوله تعالى {كلما رزقوا منها} الآية وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا} قال: أتوا بالثمره في الجنة فينظروا إليها فقالوا {هذا الذي رزقنا من من قبل} في الدنيا، وأتوا به متشابها اللون، والمرأى وليس يشبه الطعم. وأخرج عبد بن حميد عن علي بن زيد {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل} يعني به ما رزقوا به من فاكهة الدنيا قبل الجنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن جرير وابن الأنباري في كتاب الأضداد عن قتادة في قوله {هذا الذي رزقنا من قبل} أي في الدنيا {وأتوا به متشابها} قال: يشبه ثمار الدنيا غير أن ثمر الجنة أطيب. وأخرج مسدد وهناد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال: ليس في الدنيا مما في الجنة شيءإلا الأسماء. وأخرج الديلمي عن عمر" سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: في طعام العرس مثقال من ريح الجنة". وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله {هذا الذي رزقنا من قبل} قال: قولهم من قبل معناه. مثل الذي كان بالأمس. وأخرج ابن جرير عن يحيى بن كثير قال: يؤتى أحدهم بالصحفة فيأكل منها ثم يؤتى بأخرى فيقول: هذا الذي أتينا به من قبل فيقول الملك: كل اللون واحد والطعم مختلف. وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {وأتوا به متشابها} قال: متشابها في اللون مختلفا في الطعم. مثل الخيار من القثاء. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {وأتوا به متشابها} قال: خيارا كله لا رذل فيه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله {أتوا به متشابها} قال: خيار كله يشبه بعضه بعضا لا رذل فيه. ألم تر إلى ثمار الدنيا كيف ترذلون بعضه. وأخرج البزار والطبراني عن ثوبان. أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "لاينزع رجل من أهل الجنة من ثمره إلا أعيد في مكانها مثلاها". وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق ابن حيوة عن خالد بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان قال: بينا أسير في أرض الجزيرة إذ مررت برهبان، وقسيسين، وأساقفة، فسلمت فردوا السلام فقلت: أين تريدون؟ فقالوا: نريد راهبا في هذا الدير، نأتيه في كل عام، فيخبرنا بما يكون في ذلك العام لمثله من قابل فقلت: لآتين هذا الراهب فلأنظرن ما عنده - وكنت معنيا بالكتب - فأتيته وهوعلى باب ديره، فسلمت فرد السلام ثم قال: ممن أنت؟ فقلت: من المسلمين قال: أمن أمة محمد؟ فقلت: نعم. فقال: من علمائهم أنت أم من جهالهم؟ قلت: ما أنا من علمائهم، ولا من جهالهم قال: فإنكم تزعمون أنكم تدخلون الجنة فتأكلون من طعامها، وتشربون من شرابها، ولا تبولوا ولا تتغوطون قلت: نحن نقول ذلك وهو كذلك قال: فإن له مثلا في الدنيا فأخبرني ماهو؟ قلت: مثله كمثل الجنين في بطن أمه إنه يأتيه رزق اللّه ولا يبول، ولا يتغوط. قال: فتربد وجهه ثم قال لي: أما أخبرتني أنك لست من علمائهم! قلت: ما كذبتك قال: فإنكم تزعمون أنكم تدخلون الجنة فتأكلون من طعامها، وتشربون من شرابها، ولا ينقص ذلك منها شيئا قلت: نحن نقول ذلك وهو كذلك قال: فإن له مثلا في الدنيا فأخبرني ما هو؟ قلت: مثله في الدنيا كمثل الحكمة، لو تعلم منها الخلق أجمعون لم ينقص ذلك منها شيئا، فتربد وجهه ثم قال: أما أخبرتني أنك لست من علمائهم! قلت: وما كذبتك ما أنا من علمائهم، ولا من جهالهم. وأخرج الحاكم وابن مردويه وصححه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال: من الحيض، والغائط، والنخامة، والبزاق". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال: من القذر، والأذى. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال: لا يحضن، ولا يحدثن، ولا يتنخمن. وأخرج وكيع وعبد الرزاق وهناد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال: من الحيض، والغائط، والبول، والمخاط، والنخامة، والبزاق، والمني، والولد. وأخرج وكيع وهناد عن عطاء في قوله {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال: لا يحضن، ولا يمنين، ولا يلدن، ولا يتغوطن، ولا يبلن، ولا يبزقن. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال: طهرهن اللّه من كل بول، وغائط، وقذر، ومآثم. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يتمخطون، ولا يتغوطون، آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم من الألوة، ورضخهم المسك، ولكل واحد مهم زوجتان، يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن، لااختلاف بينهم، ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد، يسبحون اللّه بكرة وعشيا". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أول زمرة تدخل الجنة وجوههم كالقمر ليلة البدر. والزمرة الثانية أحسن كوكب دري في السماء، لكل امرئ زوجتان، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ ساقهن من وراء الحلل". وأخرج أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم، واثنتان وسبعون زوجة، ومنصب له قبة من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، كما بين الجابية وصنعاء". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والبيقهي في النعت عن أبي هريرة أنهم تذاكروا الرجال أكثر في الجنة أم النساء؟ فقال: ألم يقل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما في الجنة أحد إلا له زوجتان. إنه ليرى مخ ساقهما من وراء سبعين حلة، ما فيها عزب". وأخرج الترمذي وصححه والبزار عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "يزوج العبد في الجنة سبعين زوجة فقيل: يا رسول اللّه يطيقها قال: يعطى قوة مائة". وأخرج ابن السكن في المعرفة وابن عساكر في تاريخه عن حاطب بن أبي بلتعة سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "يزوج المؤمن في الجنة اثنتين وسبعين زوجة من نساء الآخرة، واثنتين من نساء الدنيا". وأخرج ابن ماجه وابن عدي في الكامل والبيهقي في البعث عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من أحد يدخله اللّه الجنة إلا زوجه اثنتين وسبعين زوجة. اثنتين من الحور العين، وسبعين من ميراثه من أهل الجنة، ما منهن واحدة إلا ولها قبل شهي، وله ذكر لا ينثني". وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن أدنى أهل الجنة منزلة من له سبع درجات وهو على السادسة، وفوقه السابعة، وإن له لثلثمائة خادم، ويغدى عليه كل يوم ويراح بثلثمائة صحفة من ذهب، في كل صحفة لون ليس في الأخرى، وأنه ليلذ أوله كما يلذ آخره، وأنه ليقول: يا رب لو أذنت لي لأطعمت أهل الجنة وسقيتهم لم ينقص مما عندي شيء، وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة، وإن الواحدة منهن لتأخذ مقعدتها قدر ميل من الأرض. وأخرج البيهقي في البعث عن أبي عبد اللّه بن أبي أوفى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يزوج كل رجل من أهل الجنة بأربعة آلاف بكر، وثمانية آلاف أيم، ومائة حوراء. فيجتمعن في كل سبعة أيام فيقلن بأصوات حسان لم يسمع الخلائق بمثلهن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلانبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، ونحن المقيمات فلا نظعن، طوبى لمن كان لنا وكنا له". وأخرج أحمد والبخاري عن أنس. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "غدوة في سبيل اللّه أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحا، ولنصيفها على رأسها - يعني الخمار - خير من الدنيا وما فيها". وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن ابن عباس. لو أن امرأة من نساء أهل الجنة بصقت في سبعة أبحر كانت تلك الأبحر أحلى من العسل. وأخرج أحمد في الزهد عن عمر بن الخطاب. سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت الأرض ريح مسك". وأخرج ابن أبي شيبة وهناد بن السري عن كعب قال: لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت كفها لأضاء ما بين السماء والأرض. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وهناد بن السري في الزهد والنسائي وعبد بن حميد في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم قال: جاء رجل من أهل الكتاب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ فقال: والذي نفسي بيده إن الرجل ليؤتى قوة مائة رجل منكم. في الأكل، والشرب، والجماع، والشهوة، قال: فإن الذي يأكل ويشرب يكون له الحاجة، والجنة طاهرة ليس فيها قذر ولا أذى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: حاجتهم عرق يفيض مثل ريح مسك، فإذا كان ذلك ضمر له بطنه". وأخرج أبو يعلى والطبراني وابن عدي في الكامل والبيهقي في البعث عن أبي أمامة "إن رجلا سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هل تتناكح أهل الجنة؟ فقال: دحاما دحاما... لا مني ولا منية .. وأخرج البزار والطبراني والخطيب والبغدادي في تاريخه عن أبي هريرة قال "قيل يا رسول اللّه هل نصل إلى نسائنا في الجنة؟ فقال: إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء". وأخرج أبو يعلى والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال "قيل يا رسول اللّه أنفضي إلى نسائنا في الجنة كما نفضي إليهن في الدنيا؟ قال: والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء". وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أمامة قال "سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تتناك أهل الجنة؟ فقال: نعم. بفرج لا يمل، وذكر لا ينثني، وشهوة لا تنقطع، دحما دحما". وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا والبزار عن أبي هريرة قال "سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هل تمس أهل الجنة أزواجهم؟ قال: نعم. بذكر لا يمل، وفرج لا يحفى، وشهوة لا تنقطع". وأخرج الحرث بن أبي أسامة وابن أبي حاتم عن سليم بن عامر والهيثم الطائي "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم سئل عن البضع في الجنة قال: نعم بقبل شهي، وذكر لا يمل، وإن الرجل ليتكئ فيها المتكأ مقدار أربعين سنة، لا يتحول عنه، ولا يمله، يأتيه فيه ما اشتهت نفسه، ولذت عينه". وأخرج البيهقي في البعث وابن عساكر في تاريخه عن خارجة العذري قال: سمعت رجلا بتبوك قال "يا رسول اللّه أيباضع أهل الجنة؟ قال: يعطى الرجل منهم من القوة في اليوم الواحد أفضل من سبعين منكم". وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم. أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن البول والجنابة عرق يسيل من تحت ذوائبهم إلى أقدامهم مسك". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والأصبهاني في الترغيب عن أبي الدرداء قال: ليس في الجنة مني ولا منية، إنما يدحمونهن دحما. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن طاوس قال: أهل الجنة ينكحون النساء ولا يلدن، ليس فيها مني ولا منية. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء الخراساني. مثله. وأخرج وكيع وعبد الرزاق وهناد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن إبراهيم النخعي قال: في الجنة جماع ما شئت، ولا ولد قال: فيلتفت فينظر النظرة فتنشأ له الشهوة، ثم ينظر النظرة فتنشأ له شهوة أخرى. وأخرج الضياء المقدسي في صفة الجنة عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أنه سئل أنطأ في الجنة؟ قال: نعم. والذي نفسي بيده دحما دحما... فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا". وأخرج البزار والطبراني في الصغير وأبو الشيخ في العظمة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عادوا أبكارا". وأخرج عبد بن حميد وأحمد بن حنبل في زوائد الزهد وابن المنذر عن عبد اللّه ابن عمرو قال: إن المؤمن كلما أراد زوجته وجدها بكرا. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: طول الرجل من أهل الجنة تسعون ميلا. وطول المرأة ثلاثون ميلا. ومقعدتها جريب، وإن شهوته لتجري في جسدها سبعين عاما تجد اللذة. وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن أبي داود في البعث عن معاذ ابن جبل عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: قاتلك اللّه فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا". أما قوله تعالى: {وهم فيها خالدون} أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وهم فيها خالدون} أي خالدون أبدا. يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله لا انقطاع له. وأخرج أحمد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {وهم فيها خالدون} يعني لا يموتون. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل وهم فيها خالدون؟ قال: ماكثون لا يخرجون منها أبدا قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول عدي بن زيد: فهل من خالد إما هلكنا* وهل بالموت يا للناس عار وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن مردويه عن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار. ثم يقول مؤذن بينهم: يا أهل النار لا موت، ويا أهل الجنة لا موت، كل خالد فيما هو فيه". وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "يقال لأهل الجنة خلود ولا موت، ولأهل النار خلود ولا موت". وأخرج عبد بن حميد وابن ماجه والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يؤتى بالموت في هيئة كبش أملح، فيوقف على الصراط فيقال: يا أهل الجنة. فيطلعون خائفين وجلين مخافة أن يخرجوا مما هم فيه فيقال: تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت فيقال: يا أهل النار. فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا مما هم فيه. فيقال: أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم. هذا الموت. فيؤمر به، فيذبح على الصراط، فيقال للفريقين: خلود فيما تجدون، لا موت فيها أبدا". وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن معاذ بن جبل "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعثه إلى اليمن فلما قدم عليهم قال: يا أيها الناس إني رسول رسول اللّه إليكم إن المرد إلى اللّه، إلى جنة أو نار، خلود بلا موت، وإقامة بلا ظعن، وأجساد لا تموت". وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لو قيل لأهل النار ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا بها، ولو قيل لأهل الجنة إنكم ماكثون عدد كل حصاة لحزنوا، ولكن جعل لهم الأبد". ٢٦ انظر تفسير الآية: ٢٧ ٢٧ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا: لما ضرب اللّه هذين المثلين للمنافقين قوله {كمثل الذي استوقد نارا} وقوله {أو كصيب من السماء} قال المنافقون: اللّه أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال. فأنزل اللّه {إن اللّه لا يستحي أن يضرب مثلا} إلى قوله {أولئك هم الخاسرون}. وأخرج عبد الغني الثقفي في تفسيره والواحدي عن الن عباس قال: إن اللّه ذكر آلهة المشركين فقال {وإن يسلبهم الذباب شيئا} وذكر كيد الآلهة كبيت العنكبوت فقالوا: أرأيت حيث ذكر اللّه الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد. أي شيء كان يصنع بهذا؟ فأنزل اللّه {إن اللّه لا يستحي أن يضرب مثلا} الآية. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال: لما ذكر اللّه العنكبوت والذباب قال المشركون: ما بال العتكبوت والذباب يذكران؟ فأنزل اللّه {إن اللّه لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها}. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: لما أنزلت (يا أيها الناس ضرب مثل) قال المشركون: ما هذا من الأمثال فيضرب، أو ما يشبه هذا الأمثال. فأنزل اللّه {إن اللّه لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها} لم يرد البعوضة إنما أراد المثل. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: {البعوضة} أضعف ما خلق اللّه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والديلمي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يا أيها الناس لا تغتروا باللّه، فإن اللّه لو كان مغفلا شيئا لأغفل البعوضة، والذرة، والخردلة". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق} قال: يؤمن به المؤمنون، ويعلمون أنه الحق من ربهم، ويهديهم اللّه به، ويعرفه الفاسون فيكفرون به. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله {يضل به كثيرا} يعني المنافقين {ويهدي به كثيرا} يعني المؤمنين {وما يضل به إلا الفاسقين} قال: هم المنافقون. وفي قوله {الذين ينقضون عهد اللّه} فأقروا به، ثم كفروا فنقضوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وما يضل به إلا الفاسقين} يقول: يعرفه الكافرون فيكفرون به. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {وما يضل به إلا الفاسقين} يقول: فسقوا فأضلم اللّه بفسقهم. وأخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعد بن أبي وقاص قال: الحرورية هم {الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه} قال: إياكم ونقض هذا الميثاق. وكان يسميهم الفاسقين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه} قال: إياكم ونقض هذا الميثاق، فإن اللّه قد كره نقضه، وأوعد فيه، وقدم فيه في آي من القرآن تقدمة، ونصيحة، وموعظة، وحجة. ما نعلم اللّه أوعد في ذنب ما أوعد في نقض هذا الميثاق. فمن أعطى عهد اللّه وميثاقه من ثمرة قلبه فليوف به. وأخرج أحمد والبزار وابن حبان والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال "خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال (ألا لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له). وأخرج الطبراني في الكبير من حديث عبادة بن الصامت وأبي أمامة. مثله. وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر. مثله. وأخرج البخاري في تاريخه والحاكم وصححه عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (حسن العهد من الإيمان). وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {ويقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل} قال: الرحم والقرابة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {ويفسدون في الأرض} قال: يعملون فيها بالمعصية. وأخرج ابن المنذر عن مقاتل في قوله تعالى {أولئك هم الخاسرون} يقول هم أهل النار. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كل شيء نسبه اللّه إلى غير أهل الإسلام من اسم. مثل خاسر، ومسرف، وظالم، وفاسق، فإنما يعني به الكفر، وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به الذنب. ٢٨ أخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله {وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم} قال: لم تكونوا شيئا فخلفكم {ثم يميتكم ثم يحييكم} يوم القيامه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله {وكنتم أمواتا} في أصلاب آبائكم لم تكونوا شيئا حتى خلقكم، ثم يميتكم موتة الحق، ثم يحييكم حياة الحق حين يبعثكم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم فأحياهم اللّه فأخرجهم، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة. فهما حياتان وموتتان. وأخرج وكيع وابن جرير عن أبي صالح في الآية قال {يميتكم ثم يحييكم} في القبر ثم يميتكم. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال: لم تكونوا شيئا حتى خلقكم ثم يميتكم موتة الحق، ثم يحييكم وقوله {ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} مثلها. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في الآية يقول: لم يكونوا شيئا، ثم أماتهم، ثم أحياهم، ثم يوم القيامة يرجعون إليه بعد الحياة. ٢٩ أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} قال: سخر لكم ما في الأرض جميعا كرامة من اللّه، ونعمة لإبن آدم. متاعا، وبلغة، ومنفعة إلى أجل. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد في قوله {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} قال: سخر لكم ما في الأرض جميعا {ثم استوى إلى السماء} قال: خلق اللّه الأرض قبل السماء، فلما خلق الأرض ثار منها دخان، فذلك قوله {ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات} يقول: خلق سبع سموات بعضهن فوق بعض، وسبع أرضين بعضهن تحت بعض. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في قوله {قوله تعالى: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات} قال: إن اللّه كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا قبل الماء، فلما أراد أن يخلق أخرج من الماء دخانا، فارتفع فوق الماء، فسما سماء، ثم أيبس الماء فجعله أرضا فتقها واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين. في الأحد، والاثنين، فخلق الأرض على حوت وهو الذي ذكره في قوله (ن، والقلم) والحوت في الماء، والماء على ظهر صفاة، والصفاة على ظهر ملك، والملك على صخرة، والصخرة في الريح، وهي الصخرة التي ذكرها لقمان. ليست في السماء ولا في الأرض، فتحرك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض، فأرسى عليها الجبال، فالجبال تفخر على الأرض. فذلك قوله وجعل لها {رواسي أن تميد بكم} وخلق الجبال فيها، وأقوات أهلها، وشجرها، وما ينبغي لها في يومين: في الثلاثاء، والأربعاء، وذلك قوله {إنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض} إلى قوله {وبارك فيها} يقول: أنبت شجرها، وقدر فيها أقواتها، يقول لأهلها (في أربعة أيام سواء للسائلين) يقول: من سأل فهكذا الأمر {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تتنفس، ثم جعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين: في الخميس، والجمعة، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض {وأوحى في كل سماء أمرها} قال: خلق في كل سماء خلقها. من الملائكة، والخلق الذي فيها، من البحار، وجبال، البرد، ومما لا يعلم. ثم زين السماء بالكواكب، فجعلها زينة وحفظا من الشياطين، فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله {ثم استوى إلى السماء} يعني خلق سبع سموات قال: أجرى النار على الماء، فبخر البحر، فصعد في الهواء، فجعل السموات منها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي العالية في قوله {ثم استوى إلى السماء} قال: ارتفع. وفي قوله {فسواهن} قال: سوى خلقهن. وأخرج عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرد على الجهمية عن عبد اللّه بن عمرو قال: لما أراد اللّه أن يخلق الأشياء إذا كان عرشه على الماء، وإذ لا أرض ولا سماء. خلق الريح فسلطها على الماء حتى اضطربت أمواجه، وأثار ركامه، فأخرج من الماء دخانا وطينا وزبدا، فأمر الدخان فعلا وسمل ونما، فخلق منه السموات، وخلق من الطين الأرضين، وخلق من الزبد الجبال. وأخرج أحمد والبخاري في التاريخ ومسلم والنسائي وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال "أخذ النبي صلى اللّه عليه وسلم بيدي فقال: خلق اللّه التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة، بعد العصر". وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية وابن أبي الدنيا في كتاب المطر وابن أبي عاصم في السنة وأبو يعلى وابن خزيمة في التوحيد وابن أبي حاتم وأبو أحمد والحاكم في الكنى والطبراني في الكبير وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه واللالكائي في السنة والبيهقي في الأسماء والصفات عن العباس بن عبد المطلب قال "كنا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا: اللّه ورسوله أعلم! قال: بينهما مسيرة خمسمائة عام، ومن مسيرة سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام، وكثف كل سماء خمسمائة سنة، وفوق السماء السابعة بحر. بين أعلاه وأسفله كما بين السماء وأرض، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال، بين وركهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض، ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه ما بين السماء والأرض، واللّه سبحانه وتعالى علمه فوق ذلك، وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء". وأخرج إسحق بن راهويه فس مسنده والبزار وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي عن أبي ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، كذلك إلى السماء السابعة. والأرضون مثل ذلك، وما بين السماء السابعة إلى العرش مثل جميع ذلك، ولو حفرتم لصاحبكم ثم دليتموه لوجد اللّه ثمة يعني علمه). وأخرج الترمذي وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال "كنا جلوسا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمرت سحابة فقال: أتدرون ما هذه؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم فقال: هذه الغبابة، هذه روايا الأرض يسوقها اللّه إلى بلد لا يعبدونه ولا يشكرونه. هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم! قال: فإن فوق ذلك سماء. هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم! قال: فإن فوق ذلك موجا مكفوفا وسقفا محفوظا. هل تدروت ما فوق ذلك؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم! قال: فإن فوق ذلك سماء. هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم! قال: فإن فوق ذلك سماء أخرى. هل تدرون كم ما بينهما؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم! قال: فإن بينهما مسيرة خمسمائة عام حتى عد سبع سموات بين كل سمائين مسيرة خمسمائة عام، ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم! قال: فإن فوق ذلك العرش. فهل تدرون كم بينهما؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم! قال: فإن بين ذلك كما بين السمائين، ثم قال: هل تدرون ما هذه؟ هذه أرض. هل تدرون ماتحتها؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم! قال: أرض أخرى وبينهما مسيرة خمسمائة عام حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام". وأخرج عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه واللالكائي والبيهقي عن ابن مسعود قال: بين السماء والأرض خمسمائة عام، وما بين كل سماءين خمسمائة عام، ومصير كل سماء - يعني غلظ ذلك - مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي والماء مسيرة خمسمائة عام. والعرش على الماء، واللّه فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه. وأخرج البيهقي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنه نظر إلى السماء فقال: تبارك اللّه ما أشد بياضها، والثانية أشد بياضها منها، ثم كذلك حتى بلغ سبع سموات. وخلق فوق السابعة الماء، وجعل فوق الماء العرش، وجعل فوق السماء الدنيا الشمس، والقمر، والنجوم، والرجوم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال "قال رجل: يا رسول اللّه ما هذه السماء؟ قال: هذه موج مكفوف عنكم". وأخرج إسحق بن راهويه في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال: السماء الدنيا موج مكفوف، والثانية مرمرة بيضاء، والثالثة حديد، والرابعة نحاس، والخامسة فضة، والسادسة ذهب، والسابعة ياقوتة حمراء، وما فوق ذلك صحارى من نور، ولا يعلم ما فوق ذلك إلا اللّه، وملك موكل بالحجب يقال له ميطاطروش. وأخرج أبو الشيخ عن سلمان الفارسي قال: السماء الدنيا من زمردة خضراء واسمها رقيعاء، والثانية من فضة بيضاء واسمها أزقلون، والثالثة من ياقوتة حمراء واسمها قيدوم، والرابعة من درة بيضاء واسمها ماعونا، والخامسة من ذهبة حمراء واسمها ريقا، والسادسة من ياقوتة صفراء واسمها دقناء، والسابعة من نور واسمها عريبا. وأخرج أبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: اسم السماء الدنيا رقيع، واسم السابعة الصراخ. وأخرج عثمان ابن سعيد الدارمي في كتاب الرد على الجهمية وابن المنذر عن ابن عباس قال: سيد السموات السماء التي فيها العرش، وسيد الأرضين الأرض التي أنتم عليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن السماء من أي شيء هي؟ فكتب إليه: إن السماء من موج مكفوف. وأخرج ابن أبي حاتم عن حبة العوفي قال: سمعت عليا ذات يوم يحلف، والذي خلق السماء من دخان وماء. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن كعب قال: السماء أشد بياضا من اللبن. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري قال: تحت الأرضين صخرة، بلغنا أن تلك الصخرة منها خضرة السماء. وأخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات اللّه، فإن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور. وهو فوق ذلك. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله {فسواهن سبع سموات} قال: بعضهن فوق بعض، بين كل سمائين مسيرة خمسمائة عام. أما قوله تعالى: {وهو بكل شيء عليم} أخرج ابن الضريس عن ابن مسعود قال: أن أعدل آية في القرآن آخرها اسم من أسماء اللّه تعالى. ٣٠ أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: ما كان في القرآن {إذ} فقد كان. وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله {إني جاعل} قال: فاعل. وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: كل شيء في القران {جعل} فهو خلق. وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر عن ابن عباس قال: إن اللّه أخرج آدم من الجنه قبل أن يخلقه ثم قرأ {إني جاعل في الأرض خليفة}. وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: لقد أخرج اللّه آدم من الجنة قبل أن يدخلها قال اللّه {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجان، ففسدوا في الأرض، وسفكوا الدماء. فلما أفسدوا في الأرض بعث عليهم جنودا من الملائكة، فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور، فلما قال اللّه {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} كما فعل أولئك الجان فقال اللّه {إني أعلم ما لا تعلمون}. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر. مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من بين الملائكة، وكان اسمه الحارث، فكان خازنا من خزان الجنة، وخلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي، وخلقت الجن من مارج من نار. وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت، فأول من سكن الأرض الجن، فأفسدوا فيها، وسفكوا الدماء، وقتلوا بعضهم بعضا، فبعث اللّه إليهم إبليس في جند من الملائكة فقتلهم حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، فلما فعل إبليس ذلك اغتر بنفسه وقال: قد صنعت شيئا لم يصنعه أحد، فاطلع اللّه على ذلك من قلبه ولم يطلع عليه الملائكة. فقال اللّه للملائكة {إني جاعل في الأرض خليفة} فقالت الملائكه {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} كما أفسدت الجن قال {إني أعلم ما لا تعلمون} يقول: إني قد اطلعت من قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره. ثم أمر بتربة آدم فرفعت، فخلق اللّه آدم عليه السلام من طين (لازب) واللازب اللزج الطيب من (حمأ مسنون) منتن، وإنما كان حمأمسنون بعد التراب، فخلق منه آدم بيده، فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى، فكان إبليس يأتيه يضربه برجله، فيصلصل فيصوت ثم يدخل من فيه ويخرج من دبره، ويدخل من دبره ويخرج من فيه، ثم يقول: لست شيئا. ولشيء ما خلقت! ولئن سلطت عليك لأهلنك، ولئن سلطت على لأعصينك. فلما نفخ اللّه فيه من روحه أتت النفخة من قبل رأسه، فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحما ودما، فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من جسده، فذهب لينهض فلم يقدر. فهو قول اللّه (خلق الإنسان من عجل). فلما تمت النفخة في جسده عطس فقال (الحمد للّه رب العالمين) بإلهام من اللّه فقال اللّه له"يرحمك اللّه يا آدم"، ثم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات: (اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر) لما حدث في نفسه من الكبر فقال: لا أسجد له، وأنا خير منه، وأكبر سنا، وأقوى خلقا، فأبلسه اللّه وآيسه من الخير كله، وجعله شيطانا رجيما. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن أبي العالية قال: إن اللّه خلق الملائكة يوم الأربعاء، وخلق الجن يوم الخميس، وخلق آدم يون الجمعة، فكفر قوم من الجن. فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم، فكانت الدماء، وكان الفساد في الأرض. فمن ثم قالوا {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: لما خلق اللّه النار ذعرت منها الملائكة ذعرا شديدا وقالوا: ربنا لم خلقت هذه؟ قال: لمن عصاني من خلقي - ولم يكن للّه خلق يمئذ إلا الملائكة - قالوا: يا رب ويأتي دهر نعصيك فيه؟ قال: لا. إني أريد أن أخلق في الأرض خلقا، وأجعل فيها خليفة يسفكون الدماء، ويفسدون في الأرض قالوا {أتجعل فيها من يفسد فيها} فاجعلنا نحن فيها {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون}. وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة. لما فرغ اللّه من خلق ما أحب، استوى على العرش فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا. وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن، وإنما سموا الجن لأنهم خزائن الجنه، وكان إبليس مع ملكه خازنا، فوقع في صدره كبر وقال: ما أعطاني اللّه هذا إلا لمزيد أو لمزية لي، فاطلع اللّه على ذلك منه فقال للملائكو {إني جاعل في الأرض خليفة} قالوا ربنا {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء... قال إني أعلم ما لا تعلمون}. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإذ قال ربك للملائكة...} الآية. قال: إن اللّه قال للملائكة: إني خالق بشرا، وإنهم متحاسدون فيقتل بعضهم بعضا ويفسدون في الأرض. فلذلك قالوا {أتجعل من يفسد فيها} قال: وكان إبليس أميرا على ملائكة سماء الدنيا، فاستكبر وهم بالمعصية وطغى، فعلم اللّه ذلك منه. فذلك قوله {إني أعلم ما لا تعلمون} وإن في نفس إبليس بغيا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} قال: قد علمت الملائكة وعلم اللّه أنه لا شيء أكره عند اللّه من سفك الدماء والفساد في الأرض. وأخرج ابن المنذر وابن بطة في أماليه عن ابن عباس قال: إياكم والرأي فإن اللّه تعالى رد الرأي على الملائكة، وذلك إن اللّه قال {إني جاعل في الأرض خليفة} قالت الملائكة {أتجعل فيها من يفسد فيها... قال إني أعلم ما لا تعلمون}. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة عن أنس قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن أول من لبى الملائكة قال اللّه {إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} قال: "فزادوه فأعرض عنهم، فطافوا بالعرش ست سنين يقولون: لبيك لبيك اعتذارا إليك، لبيك لبيك نستغفرك ونتوب إليك". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن سابط "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: دحيت الأرض من مكة، وكانت الملائكة تطوف بالبيت فهي أول من طاف به، وهي الأرض التي قال اللّه {إني جاعل في الأرض خليفة} وكان النبي إذا هلك قومه نجا هو والصالحون أتاها هو ومن معه، فيعبدون اللّه بها حتى يموتوا فيها، وإن قبر نوح، وهود، وشعيب، وصالح، بين زمزم وبين الركن والمقام". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} قال {التسبيح} التسبيح و {التقديس} الصلاة. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي ذر "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: أحب الكلام إلى اللّه ما اصطفاه اللّه لملائكته. سبحان ربي وبحمده - وفي لفظ - سبحان اللّه وبحمده". وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير "أن عمر بن الخطاب سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن صلاة الملائكة، فلم يرد عليه شيئا. فأتاه جبريل فقال: إن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة، يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، وأهل السماء الثانية ركوع إلى يوم القيامة، يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة، يقولون: سبحان الحي الذي لا يموت". وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله {ونقدس لك} قال: نصلي لك. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال {التقديس} التطهير. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {ونقدس لك} قال: نعظمك ونكبرك. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح في قوله {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} قال: نعظمك ونمجدك. وأخرج وكيع وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير في قوله {إني أعلم ما لا تعلمون} قال. علم من إبليس وخلقه لها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {إني أعلم ما لا تعلمون} قال: كان في علم اللّه أنه سيكون من تلك الخليقة أنبياء، ورسل، وقوم صالحون، وساكنو الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في الأمل عن الحسن قال: لما خلق اللّه آدم وذريته قالت الملائكة: ربنا إن الأرض لم تسعهم قال: إني جاعل موتا قالوا: إذا لا يهنأ لهم العيش قال: إني جاعل أملا. وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده وابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات وابن حبان في صحيحه والبيهقي في الشعب عن عبد اللّه بن عمر "أنه سمع رسول اللّه صلى اله عليه وسلم يقول: إن آدم لما أهبطه إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب {أتجعل فيها من يفسد فيها ويفسك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون} قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم قال اللّه للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض فننظر كيف يعملان؟ فقالوا: ربنا هاروت وماروت... قال فاهبطا إلى الأرض، فتمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر، فجاءتهما فسألاها نفسها فقالت: لا واللّه حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك قالا: واللّه لا نشرك باللّه أبدا. فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله، فسألاها نفسها فقالت: لا واللّه حتى تقتلا هذا الصبي قالا: لا واللّه لا نقتله أبدا. فذهبت ثم رجعت بقدح من خمر، فسألاها نفسها فقالت: لا واللّه حتى تشربا هذا الخمر، فشربا فسكرا فوقعا عليها، وقتلا الصبي. فلما أفاقا قالت المرأة: واللّه ما تركتما شيئا أبيتماه علي قد فعلتماه حين سكرتما. فخيرا عند ذلك بين عذاب الدنيا والآخرة، فاختارا عذاب الدنيا". وأخرج ابن سعد في طبقاته وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والحكيم في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسى الأشعري قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن اللّه خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض. جاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك والسهل، والحزن، والخبيث، والطيب". وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: خلقت الكعبة قبل الأرض بألفي سنة قالوا كيف خلقت قبل وهي من الأرض؟ قال: كانت حشفة على الماء عليها ملكان يسبحان الليل والنهار ألفي سنة، فلما أراد اللّه أن يخلق الأرض دحاها منها فجعلها في وسط الأرض، فلما أراد اللّه أن يخلق آدم بعث ملكا من حملة العرش يأتي بتراب من الأرض، فلما هوى ليأخذ قالت الأرض: أسألك بالذي أرسلك أن لا تأخذ مني اليوم شيئا يكون منه للنار نصيب غدا، فتركها فلما رجع إلى ربه قال: ما منعك أن تأتي بما أمرتك؟ قال: سألتني بك فعظمت أن أرد شيئا سألني بك، فأرسل ملكا آخر فقال: مثل ذلك حتى أرسلهم كلهم، فأرسل ملك الموت فقالت له: مثل ذلك قال: إن الذي أرسلني أحق بالطاعة منك. فأخذ من وجه الأرض كلها. من طيبها، وخبيثها، حتى كانت قبضة عند موضع الكعبة، فجاء به إلى ربه فصب عليه من ماء الجنة، فجاءحمأ مسنونا، فخلق منه آدم بيده، ثم مسح على ظهره فقال: تبارك اللّه أحسن الخالقين، فتركه أربعين ليلة لا ينفخ فيه الروح، ثم نفخ فيه الروح، فجرى فيه الروح من رأسه إلى صدره، فأراد أن يثب. فتلا أبو هريرة (خلق الإنسان من عجل). فلما جرى فيه الروح قعد جالسا فعطس، فقال اللّه: قل الحمد للّه. فقال: الحمد للّه فقال: رحمك ربك، ثم قال: انطلق إلى هؤلاء الملائكة فسلم عليهم فقال: السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته فقالوا: وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته فقال: هذه تحيتك وتحية ذريتك. يا آدم. أي مكان أحب إليك أن أريك ذريتك فيه؟ فقال: بيمين ربي وكلتا يدي ربي يمين. فبسط يمينه فأراه فيها ذريته كلهم وما هو خالق إلى يوم القيامة. الصحيح على هيئته، والمبتلى على هيئته، والأنبياء على هيئتهم. فقال: أي رب ألا عافيهتم كلهم؟ فقال: إني أحببت أن أشكر فرأى فيها رجلا ساطعا نوره فقال: أي رب من هذا؟ فقال: هذا ابنك داود فقال: كم عمره؟ قال: ستون سنة قال: كم عمري؟ قال: ألف سنة قال: انقص من عمري أربعين سنة فزدها في عمره، ثم رأى آخر ساطعا نوره ليس مع أحد من الأنبياء مثل ما معه فقال: أي رب من هذا؟ قال: هذا ابنك محمد، وهو أول من يدخل الجنة فقال آدم: الحمد للّه الذي جعل من ذريتي من يسبقني إلى الجنة ولا أحسده. فلما مضى لآدم ألف سنة إلا أربعين جاءته الملائكة تتوفاه عيانا قال: ما تريدون؟ قالوا: أردنا أن نتوفاك قال: بقي من أجلي أربعون! قالوا: أليس قد أعطيتها ابنك داود؟ قال: ما أعطيت أحدا شيئا. قال أبو هريرة: جحد آدم، وجحدت ذريته، ونسي، ونسيت ذريته. وأخرج ابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن ابن مسعود ونا س من الصحابة قالوا: بعث اللّه جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها فقالت الأرض: أعوذ منك أن تنقص مني، فرجع ولم يأخذ شيئا وقال: يا رب إنها أعاذت بك فأعذتها. فبعث اللّه ميكائيل كذلك. فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال: وأنا أعوذ باللّه أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض وخلط ولم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء، وبيضاء، وسوداء - فذلك خرج بنو آدم مختلفين - فصعد به، فبل التراب حتى صار طينا (لا زبا) واللازب: هو الذي يلزق بعضه ببعض ثم قال للملائكة: إني خالق بشرا من طين، فخلقه اللّه بيده لئلا يتكبر عليه إبليس، فخلقه بشرا سويا، فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرت به الملائكة، ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم منه فزعا إبليس، فكان يمر به فيضربه، فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصلة فيقول: لأمر ما خلقت! ويدخل من فيه ويخرج من دبره ويقول للملائكة: لا ترهبوا منه فإن ربكم صمد وهذا أجوف، لئن سلطت عليه لأهلكنه. فلما بلغ الحين الذي يريد اللّه أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخ فيه الروح فدخل في رأسه عطس فقالت الملائكة: الحمد للّه فقال: الحمد للّه فقال اللّه له: يرحمك ربك. فلما دخلت الروح في عنقه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخلت إلى جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ إلى رجليه عجلا إلى ثمار الجنة. وذلك قوله تعالى (خلق الإنسان من عجل). وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس قال: بعث رب العزة إبليس، فأخذ من أديم الأرض: من عذبها، ومالحها، فخلق منها آدم. فكل شيء خلقه من عذبها فهو صائر إلى السعادة وإن كان ابن كافرين، وكل شيء خلقه من مالحها فهو صائر إلى الشقاء وإن كان أبن نبيين. قال: ومن ثم قال إبليس: (أأسجد لمن خلقت طينا)؟ إن هذه الطينة أنا جئت بها. ومن ثم سمي آدم لأنه أخذ من أديم الأرض. وأخرج ابن جرير عن علي قال: إن آدم خلق من أديم الأرض. فيه الطيب، والصالح، والرديء، فكل ذلك أنت راء في ولده. وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن أبي ذر "سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: إن آدم خلق من ثلاث تربات: سوداء، وبيضاء، وحمراء". وأخرج ابن سعد في الطبقات وعبد بن حميد وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات وابن عساكر عن سعيد بن جبير قال: خلق اللّه آدم من أرض يقال لها دحناء. وأخرج الديلمي عن أبي هريرة مرفوعا"الهوى، والبلاء، والشهوة، معجونة بطينة آدم عليه السلام". وأخرج الطيالسي وابن سعد وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو يعلى وابن حبان وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: لما صور اللّه تعالى آدم في الجنة تركه ما شاء أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو، فلما رآه أجوف علم أنه خلق لا يتمالك. ولفظ أبي الشيخ قال: خلق لا يتمالك ظفرت به". وأخرج ابن حبان عن أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: لما نفخ اللّه في آدم الروح فبلغ الروح رأسه عطس فقال (الحمد للّه رب العالمين) فقال له تبارك وتعالى: يرحمك اللّه". وأخرج ابن حبان عن أبي هريرة قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لما خلق اللّه آدم عطس، فألهمه اللّه ربه أن قال: الحمد للّه قال له ربه: يرحمك اللّه. فلذلك سبقت رحمته غضبه". وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: لما فرغ اللّه من خلق آدم وجرى فيه الروح عطس فقال: الحمد للّه فقال له ربه: يرحمك اللّه. وأخرج ابن سعد وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن اللّه خلق آدم من تراب، ثم جعله طينا، ثم تركه حتى إذا كا حمأ مسنونا خلقه وصوره، ثم تركه حتى إذا كان صلصالا كالفخار، وجعل إبليس يمر به فيقول: لقد خلقت لأمر عظيم، ثم نفخ اللّه فيه من روحه، فكأن أول شيء جرى فيه الروح بصره وخياشيمه، فعطس فلقنه اللّه حمد ربه فقال الرب: يرحمك ربك. ثم قال: يا آدم اذهب إلى أولئك النفر فقل لهم وانظر ماذا يقولون؟ فجاء فسلم عليهم فقالوا: وعليك السلام ورحمة اللّه، فجاء إلى ربه فقال: ماذا قالوا لك وهو أعلم بما قالوا له؟ قال: يا رب سلمت عليهم فقالوا وعليك السلام ورحمة اللّه قال: يا آدم هذه تحيتك وتحية ذريتك، قال: يا رب وما ذريتي؟! قال: اختر يدي، قال: أختار يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين. فبسط اللّه كفه فإذا كل ماهو كائن من ذريته في كف الرحمن عز وجل". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "خلق اللّه آدم وطوله ستون ذراعا قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة فاسمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فذهب فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة اللّه، فزادوه ورحمة اللّه. فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعا، فلم تزل الخلق تنقص حتى الآن". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي الدنيا في صفة الجنة والطبراني في الكبير عن أبي هريرة قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا بيضا، جعادا مكحلين، أبناء ثلاث وثلاثين، وهم عبى خلق آدم طوله ستون ذراعا في عرض سبعة أذرع". وأخرج مسلم وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة. فيه خلق اللّه آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه مات، وفيه تيب عليه، وفيه تقوم الساعة". وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي نضرة قال: لما خلق اللّه آدم ألقى جسده في السماء لا روح فيه، فلما رأته الملائكة راعهم ما رأوه من خلقه، فأتاه إبليس فلما رأى خلقه منتصبا راعه، فدنا منه فنكته برجله، فصل آدم فقال: هذا أجوف لا شيء عنده. وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج قال: خلق اللّه آدم في سماء الدنيا، وإنما أسجد له ملائكة سماء الدنيا ولم يسجد له ملائكة السموات. وأخرج أبو الشيخ بسند صحيح عن ابن زيد يرفعه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن اللّه لما أراد أن يخلق آدم بعث ملكا والأرض يومئذ وافرة فقال: اقبض لي منها قبضة آتني بها أخلق منها خلقا قالت: فإني أعوذ بأسماء اللّه أن تقبض اليوم مني قبضة يخلق خلقا يكون لجهنم منه نصيب، فعرج الملك ولم يقبض شيئا فقال له: مالك..؟ قال: عاذت بأسمائك أن أقبض منها خلقا يكون لحهنم منه نصيب فلم أجد عليها نجازا، فبعث ملكا خر، فلما أتاها قالت له مثل ما قالت للأول، ثم بعث الثالث فقالت له مثل قالت لهما، فعرج ولم يقبض منها شيئا، فقال له الرب تعالى مثل ما قال للذين قبله. ثم دعا إبليس - واسمه يومئذ في الملائكة حباب - فقال له: اذهب فاقبض لي من الأرض قبضة، فذهب حتى أتاها، فقالت له مثل ما قالت للذين من قبله من الملائكة، فقبض منها قبضة ولم يسمع لحرجها، فلما أتاه قال اللّه تعالى: ما أعاذت بأسمائي منك؟ قال: بلى. قال: فما كان من أسمائي ما يعيذها منك؟ قال: بلى. ولكن أمرتني فأطعتك فقال اللّه: لأخلقن منها خلقا يسوء وجهك، فألقى اللّه تلك القبضة في نهر من أنهر الجنة حتى صارت طينا، فكان أول طين، ثم تركها حتى صارت حمأ مسنونا منتن الريح، ثم خلق منها آدم، ثم تركه في الجنة أربعين سنة حتى صار صلصللا كالفخار، يبس حتى كان كالفخار. ثم نفخ فيه الروح بعد ذلك، وأوحى اللّه إلى ملائكته: إذا نفخت فيه من الروح فقعوا له ساجدين، وكان آدم مستلقيا في الجنة فجلس حين وجد مس الروح فعطس فقال اللّه له: أحمد ربك فقال: يرحمك ربك. فمن هنالك يقال: سبقت رحمته غضبه. وسجدت الملائكة إلا هو قام فقال (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك أستكبرت أم كنت من العالين) فأخبر اللّه أنه لا يستطيع أن يعلن على اللّه ما له يكيد على صاحبه فقال (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، قال: فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها) إلى قوله (ولاتجد أكثرهم شاكرين) وقال اللّه (إن إبليس قد صدق عليهم ظنه) وإنما كان ظنه أن لا يجد أكثرهم شاكرين". ٣١ انظر تفسير الآية: ٣٣ ٣٢ انظر تفسير الآية: ٣٣ ٣٣ أخرج الفريابي وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض، الحمرة، والبياض، والسواد، وكذلك ألوان الناس مختلفة فيها الأحمر، والأبيض، والأسود، والطيب، والخبيث. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: خلق اللّه آدم من أديم الأرض. من طينة حمراء، وبيضاء، وسوداء. وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير قال: أتدرون لم سمي آدم؟ لأنه خلق من آديم الأرض. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: علمه اسم الصحفة، والقدر، وكل شيء، حتى الفسوة والفسية. وأخرج وكيع وابن جرير عن ابن عباس في قوله {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: علمه اسم كل شيء. حتى علمه القصعة والقصيعة، والفسوة والفسية. وأخرج وكيع وابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: علمه اسم كل شيء. حتى البعير، والبقرة والشاة. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: ما خلق اللّه. وأخرج الديلمي عن أبي رافع قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: مثلت لي أمتي في الماء والطين، وعلمت الأسماء كما علم آدم الأسماء كلها". وأخرج وكيع في تاريخه وابن عساكر والديلمي عن عطية بن يسر مرفوعا. في قوله {وعلم آدم الأسماء كلها} قال "علم اللّه في تلك الأسماء ألف حرفة من الحرف وقال له: قل لولدك وذريتك يا آدم إن لم تصبروا عن الدنيا فاطلبوا الدنيا بهذه الحرف، ولا تطلبوها بالدين فإن الدين لي وحدي خالصا. ويل لمن طلب الدنيا بالدين ويل له". وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: أسماء ذريته أجمعين {ثم عرضهم} قال: أخذهم من ظهره. وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في قوله {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: أسماء الملائكة. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: علم آدم من الأسماء أسماء خلقه، ثم قال ما لم تعلم الملائكة فسمى كل شيء باسمه، وألجأ كل شيء إلى جنسه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: علم اللّه آدم الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس. إنسان، دابة، وأرض، وبحر، وسهل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها {ثم عرضهم على الملائكة} يعني عرض أسماء جميع الأشياء التي علمها آدم من أصناف الخلق {فقال أنبئوني} يقول: أخبروني {بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} إن كنتم تعلمون أني لم أجعل في الأرض خليفة {قالوا سبحانك} تنزيها للّه من أن يكون يعلم الغيب أحد غيره تبنا إليك {لا علم لنا} تبريا منهم من علم الغيب {إلا ما علمتنا} كما علمت آدم. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {ثم عرضهم} قال: عرض أصحاب الأسماء على الملائكة. وأخرج ابن جرير عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن اللّه لما أخذ في خلق آدم قالت الملائكة: ما اللّه خالق خلقا أكرم عليه منا، ولا أعلم منا. فابتلوا بخلق آدم. وأخرج ابن جرير عن قتادة والحسن قالا: لما أخذ اللّه في خلق آدم همست الملائكة فيما بينها فقالوا: لن يخلق اللّه خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه. فلما خلقه أمرهم أن يسجدوا له لما قالوا.. ففضله عليهم، فعلموا أنهم ليسوا بخير منه فقالوا: إن لم نكن خيرا منه فنحن أعلم منه لأنا كنا قبله {فعلم آدم الأسماء كلها} فعلم اسم كل شيء. جعل يسمي كل شيء باسمه، وعرضوا عليه أمة {ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} ففزعوا إلى التوبة فقالوا {سبحانك لا علم لنا...} الآية. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {إنك أنت العليم الحكيم} قال: العليم الذي قد كمل في علمه {الحكيم} الذي قد كمل في حكمه. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله {إن كنتم صادقين} قال: إن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. وفي قوله {وأعلم ما تبدون} قال: قولهم {أتجعل فيها من يفسد فيها...،... وماكنتم تكتمون} يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} قال: ما أسر إبليس من الكفر في السجود. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وأعلم ما تبدون} قال: ما تظهرون {وما كنتم تكتمون} يقول: أعلم السر كما أعلم العلانية. وأخرج ابن جرير عن قتادة والحسن في قوله {ما تبدون} يعني قولهم {أتجعل فيها من يفسد فيها} {وما كنتم تكتمون} يعني قول بعضهم لبعض: نحن خير منه وأعلم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مهدي بن ميمون قال: سمعت الحسن، وسأله الحسن بن دينار فقال: يا أبا سعيد أرأيت قول اللّه للملائكة {وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} ما الذي كتمت الملائكة؟ قال: إن اللّه لما خلق آدم رأت الملائكة خلقا عجبا فكأنهم دخلهم من ذلك شيء قال: ثم أقبل بعضهم على بعض فأسروا ذلك بينهم فقال بعضه لبعض: ما الذي يهمكم من هذا الخلق؟ إن اللّه لا يخلق خلقا إلا كنا أكرم عليه منه. فذلك الذي كتمت. ٣٤ أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {اسجدوا لآدم} قال: كانت السجدة لآدم، والطاعة للّه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: أمرهم أن يسجدوا فسجدوا له كرامة من اللّه أكرم بها آدم. وأخرج ابن عساكر عن أبي إبراهيم المزني أنه سئل عن سجود الملائكة لآدم فقال: إن اللّه جعل آدم كالكعبة. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن محمد بن عباد بن حعفر المخزومي قال: كان سجود الملائكة لآدم إيماء. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ضمرة قال: سمعت من يذكر أن أول الملائكة خر ساجدا للّه حين أمرت الملائكة بالسجود لآدم إسرافيل، فأثابه اللّه بذلك أن كتب القرآن في جبهته. وأخرج ابن عساكر عن عمر بن عبد العزيز قال: لما أمر اللّه الملائكة بالسجود لآدم كان أول من سجد إسرافيل، فأثابه اللّه أن كتب القرآن في جبهته. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} قال: كانت السجدة لآدم، والطاعة للّه، وحسد عدو اللّه إبليس آدم على ما أعطاه من الكرامة فقال: أنا ناري وهذا طيني. فكان بدء الذنوب الكبر. استكبر عدو اللّه أن يسجد لآدم. وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: كان إبليس اسمه عزازيل، وكان من أشرف الملائكة من ذوي الأجنحة الأربعة، ثم أبلس بعد. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن ابن عباس قال: إنما سمي إبليس لأن اللّه أبلسه من الخير كله، آيسه منه.وأخرج ابن اسحاق في المبتدأ وابن جرير وابن الأنباري عن ابن عباس قال: كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل، وكان من سكان الأرض، وكان أشد الملائكة اجتهادا، وأكثرهم علما. فذلك دعاه إلى الكبر، وكان من حي يسمون جنا. وأخرج ابن جرير عن السدي قال: كان اسم إبليس الحرث. وأخرج وكيع وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: كان إبليس من خزان الجنة، وكان يدبر أمر السماء الدنيا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال: كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: كان إبليس من أشرف الملائكة من أكبرهم قبيلة، وكان خازن الجنان، وكان له سلطان سماء الدنيا، سلطان الأرض. فرأى أن لذلك عظمة وسلطانا على أهل السموات، فأضمر في قلبه من ذلك كبرا لم يعلمه إلا اللّه، فلما أمر اللّه الملائكه بالسجود لآدم خرج كبره الذي كان يسر. وأخرج ابن جرير وابن الأنباري عن ابن عباس قال: إن اللّه خلق خلقا فقال {اسجدوا لآدم} فقالوا: لا نفعل فبعث نارا فأحرقهم، ثم خلق هؤلاء فقال {اسجدوا لآدم} فقالوا: نعم. وكان إبليس من أولئك الذين أبوا أن يسجدوا لآدم. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: لما خلق اللّه الملائكة قال (إني خالق بشرا من طين) فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فقالوا: لا نفعل. فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم. وخلق ملائكة أخرى فقال (إني خالق بشرا من طين) فإذا أنا خلقته فاسجدوا له. فأبوا فأرسل عليه نارا فأحرقتهم، ثم خلق ملائكة أخرى فقال (إني خالق بشرا من طين) فإذا أنا خلقته فاسجدوا له. فقالوا: سمعنا وأطعنا إلا إبليس كان من الكافرين الأولين. وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن عامر المكي قال: خلق اللّه الملائكة من نور، وخلق الجان من نار، وخلق البهائم من ماء، وخلق آدم من طين، فجعل الطاعة في الملائكة، وجعل المعصية في الجن والأنس. وأخرج محمد بن نصر عن أنس قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن اللّه أمر آدم بالسجود فسجد فقال: لك الجنة ولمن سجد من ذريتك، وأمر إبليس بالسجود فأبى أن يسجد فقال: لك النار ولمن أبى من ولدك أن يسجد". وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان عن ابن عمر قال: لقي إبليس موسى فقال: يا موسى أنت الذي اصطفاك اللّه برسالاته وكلمك تكليما إذ تبت؟ وأنا أريد أن أتوب فاشفع لي إلى ربي أن يتوب علي قال موسى: نعم. فدعا موسى ربه فقيل"يا موسى قد قضيت حاجتك "فلقي موسى إبليس قال: قد أمرت أن تسجد لقبر آدم ويتاب عليك. فاستكبر وغضب وقال: لم أسجد حياء أسجد به ميتا؟ ثم قال إبليس: يا موسى إن لك علي حقا بما شفعت لي إلى ربك فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن. أذكرني حين تغضب فإني أجري منك مجرى الدم، وأذكرني حين تلقى الزحف فإني آتي ابن آدم حين يلقى الزحف. فاذكره ولده وزوجته حتى يولي، وإياك أن تجالس امرأة ليست بذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها. وأخرج ابن المنذر عن أنس قال: إن نوحا لما ركب السفينة أتاه إبليس فقال له نوح: من أنت؟ قال: أنا إبليس قال: فما جاء بك؟ قال: جئت تسأل لي ربي هل لي من توبة؟ فأوحى اللّه إليه: إن توبته أن يأتي قبر آدم فيسجد له قال: أما أنا لم أسجد له حيا أسجد له ميتا؟ قال: فاستكبر وكان من الكافرين. وأخرج ابن المنذر من طريق مجاهد عن جنادة بن أبي أمية قال: كان أول خطيئة كانت الحسد. حسد إبليس آدم أن يسجد له حين أمر، فحمله الحسد على المعصية. وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: ابتدأ اللّه خلق إبليس على الكفر والضلالة، وعمل بعمل الملائكة، فصيره إلى ما بدئ إليه خلقه من الكفر قال اللّه {وكان من الكافرين}. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {وكان من الكافرين} قال: جعله اللّه كافرا لا يستطيع أن يؤمن. ٣٥ أخرج الطبراني وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن أبي ذر قال "قلت يا رسول اللّه أرأيت آدم نبيا كان؟ قال: نعم. كان نبيا رسولا كلمه اللّه قبلا، قال له {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} ". وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن أبي ذر قلت "يا رسول اللّه من أول الأنبياء؟ قال: آدم. قلت: نبي كان؟ قال: نعم مكلم. قلت: ثم من؟ قال: نوح وبينهما عشرة آباء". وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه والبزار والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال "قلت: يا رسول اللّه أي الأنبياء كان أول؟ قال: آدم قلت: يا رسول اللّه ونبي كان؟ قال: نعم. نبي مكلم. قلت: كم كان المرسلون يا رسول اللّه؟ قال: ثلثمائة وخمسة عشر. جما غفيرا". وأخرج عبد بن حميد والآجري في الأربعين عن أبي ذر قال "قلت يا رسول من كان أولهم؟ - يعني الرسل - قال: آدم قلت: يا رسول اللّه أنبي مرسل؟ قال: نعم. خلقه اللّه بيده، ونفخ فيه من روحه، وسواه قبلا". وأخرج ابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي أمامة الباهلي "أن رجلا قال: يا رسول اللّه أنبي كان آدم؟ قال: نعم. مكلم. قال: كم بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون قال: كم بين نوح وبين إبراهيم؟ قال: عشرة قرون قال: يا رسول اللّه كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. قال: يا رسول اللّه كم كانت الرسل من ذلك؟ قال: ثلثمائة وخمسة عشر. جما غفيرا". وأخرج أحمد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة "أن أبا ذر قال: يا نبي اللّه أي الأنبياء كان أول؟ قال: آدم. قال: أونبي كان آدم؟ قال: نعم. نبي مكلم، خلقه اله بيده، ثم نفخ فيه من روحه، ثم قال له يا آدم قبلا. قلت: يا رسول اللّه كم وفى عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. الرسل من ذلك ثلثمائة وخمسة عشر. جما غفيرا". وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبيهقي في الشعب وابن عساكر في تاريخه عن الحسن قال: قال موسى يا رب كيف يستطيع آدم أن يؤدي شكر ما صنعت إليه، خلقته بيدك، ونفخت فيه من روحك، وأسكنته جنتك، وأمرت الملائكة فسجدوا له؟ فقال: يا موسى علم أن ذلك مني فحمدني عليه، فكان ذلك شكرا لما صنعت إليه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: خلق اللّه آدم يوم الجمعة، وأدخله الجنة يوم الجمعة، فجعله في جنات الفردوس. وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: ما سكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن ابن عباس قال: خلق اللّه آدم من أديم الأرض يوم الجمعة بعد العصر فسماه آدم، ثم عهد إليه فنسي فسماه الإنسان. قال ابن عباس: فتاللّه ما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى أهبط من الجنة إلى الأرض. وأخرج الفريابي وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن قال: لبث آدم في الجنة ساعة من نهار. تلك الساعة مائة وثلاثون سنة من أيام الدنيا. وأخرج أحمد في الزهد عن سعيد بن جبير قال: ما كان آدم عليه السلام في الجنة إلا مقدار ما بين الظهر والعصر. وأخرج عبد اللّه في زوائده عن موسى بن عقبة قال: مكث آدم في الجنة ربع النهار، وذلك ساعتان ونصف، وذلك مائتان سنة وخمسون سنة، فبكى على الجنة مائة سنة. أما قوله تعالى: {وزوجك} أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر من طريق السدي بن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن ابن مسعو وناس من الصحابة قالوا: لما سكن آدم الجنة كان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها، فنام نومة فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها اللّه من ضلعه، فسألها ما أنت؟ قالت: امرأة قال: ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إلي قالت له الملائكة ينظرون ما يبلغ علمه: ما اسمها يا آدم؟ قال: حواء. قالوا: لم سميت حواء؟ قال: لأنها خلقت من حي فقال اللّه {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة}. وأخرج سفيان بن عيينة عن مجاهد قال: نام آدم فخلقت حواء من قصيراه، فاستيقظ فرآها فقال: من أنت؟ فقالت: أنا أسا. يعني امرأة بالسريانية. وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء من الضلع رأسه، وإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته تركته وفيه عوج. فاستوصوا بالنساء خيرا". وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس قال: إنما سميت حواء لأنها أم كل حي. وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر من وجه آخر عن ابن عباس قال: إنما سميت المرأة مرأة لأنها خلقت من المرء، وسميت حواء لأنها أم كل حي. وأخرج اسحاق بن بشر وابن عساكر عن عطاء قال: لما سجدت الملائكة لآدم نفر إبليس نفرة ثم ولى هاربا وهو يلتفت أحيانا ينظر هل عصى ربه أحد غيره. فعصمهم اللّه ثم قال اللّه لآدم: قم يا آدم فسلم عليهم. فقام فسلم عليهم وردوا عليه، ثم عرض الأسماء على الملائكة فقال اللّه لملائكته: زعتم أنكم أعلم منه (أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك) إن العلم منك ولك، ولا علم لنا إلا ما علمتنا، فلما أقروا بذلك (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم) فقال آدم: هذه ناقة، جمل، بقرة، نعجة، شاة، فرس، وهو من خلق ربي. فكل شيء سمى آدم فهو اسمه إلى يوم القيامة، وجعل يدهو كل شيء باسمه حين يمر بين يديه حتى بقي الحمار وهو آخر شيء مر عليه. فجاء الحمار من وراء ظهره فدعا آدم: أقبل يا حمار. فعلمت الملائكة أنه أكرم على اللّه وأعلم منهم، ثم قال له ربه: يا آدم ادخل الجنة تحيا وتكرم، فدخل الجنة فنهاه عن الشجرة قبل أن يخلق حواء. فكان آدم لا يستأنس إلى خلق في الجنة، ولا يسكن إليه، ولم يكن في الجنة شيء يشبهه، فألقى اللّه عليه النوم وهو أول نوم كان، فانتزعت من ضلعه الصغرى من جانبه الأيسر، فخلقت حواء منه فلما استيقظ آدم جلس، فنظر إلى حواء تشبهه من أحسن البشر، ولكل امرأة فضل على الرجل بضلع، وكان اللّه علم آدم اسم كل شيء، فجاءته الملائكة فهنوه وسلموا عليه فقالوا: يا آدم ما هذه؟ قال: هذه مرأة قيل له: فما اسمها؟ قال: حواء فقيل له: لم سميتها حواء؟ قال: لأنها خلقت من حي. فنفخ بينهما من روح اللّه فما كان من شيء يتراحم الناس به فهو من فضل رحمتها. وأخرج ابن أبي حاتم عن أشعث الحداني قال: كانت حواء من نساء الجنة، وكان الولد يرى في بطنها إذا حملت ذكر أم أنثى من صفاتها. وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن إبراهيم النخعي قال: لما خلق اللّه آدم وخلق له زوجته، بعث إليه ملكا، وأمره بالجماع ففعل، فلما فرغ قالت له حواء: يا آدم هذه طيب زدنا منه. أما قوله تعالى {وكلا منها رغدا} أخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال {الرغد} الهني. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال {الرغد} سعة العيشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وكلا منها رغدا حيث شئتما} قال: لا حساب عليكم. أما قوله تعالى: {ولاتقربا هذه الشجرة} أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال: الشجرة التي نهى اللّه عنها آدم السنبلة. وفي لفظ البر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: الشجرة التي نهى اللّه عنها آدم البر، ولكن الحبة منها في الجنة ككلي البقر، ألين من الزبد، وأحلى من العسل. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن أبي مالك الغفاري في قوله {ولاتقربا هذه الشجرة} قال: هي السنبلة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس قال: الشجرة التي نهى عنها آدم. الكرم. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود. مثله. وأخرج وكيع وابن سعد وابن جرير وأبو الشيخ عن جعدة بن هبيرة قال: الشجرة التي افتتن بها آدم الكرم، وجعلت فتنة لولده من بعده، والتي أكل منها آدم العنب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: هي اللوز. قلت: كذا في النسخة وهي قديمة، وعندي إنها تصحفت من الكرم. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ولا تقربا هذه الشجرة} قال: بلغني أنها التينة. وأخرج ابن جرير عن بعض الصحابة قال: هي تينة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: هي التين. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك في قوله {ولا تقربا هذه الشجرة} قال: هي النخلة. وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيط قال: هي الأترج. وأخرج أحمد في الزهد عن شعيب الحيائي قال: كانت الشجرة التي نهى اللّه عنها آدم وزوجته شبه البر. تسمى الرعة، وكان لباسهم النور. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي العالية قال: كانت الشجرة من أكل منها أحدث ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ولا تقربا هذه الشجرة} قال: ابتلى اللّه آدم كما ابتلى الملائكة قبله، وكل شيء خلق مبتلى، ولم يدع اللّه شيئا من خلقه إلا ابتلاه بالطاعة، فما زال البلاء بآدم حتى وقع فيما نهي عنه. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: ابتلى اللّه آدم فاسكنه الجنة يأكل منها رغدا حيث شاء، ونهاه عن شجرة واحدة أن يأكل منها، وقدم إليه فيها. فما زال به البلاء حتى وقع بما نهي عنه، فبدت له سوءته عند ذلك، وكان لا يراها فاهبط من الجنة. ٣٦ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فأزلهما} قال: فأغواهما. وأخرج ابن أبي حاتم عن عاصم بن بهدلة {فأزلهما} فنحاهما. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءتنا في البقرة مكان {فأزلهما} فوسوس. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا: لما قال اللّه لآدم {اسكن أنت وزوجك الجنة} أراد إبليس أن يدخل عليهما فأتى الحية، هي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير، وهي كأحسن الدواب فكلمها إن تدخله في فمها حتى تدخل به إلى آدم، فأدخلته في فمها فمرت الحية على الخزنة، فدخلت ولا يعلمون لما أراد اللّه من الأمر، فكلمه من فمها فلم يبال بكلامه، فخرج إليه فقال {يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} وحلف لهما باللّه {إني لكما لمن الناصحين} فأبى آدم أن يأكل منها، فقعدت حواء فأكلت ثم قالت: يا آدم كل فإني قد أكلت فلم يضر بي. فلما أكل {بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة}. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ابن عباس قال: إن عدو اللّه إبليس عرض نفسه على دواب الأرض أنها تحمله حتى يدخل الجنة معها ويكلم آدم. فكل الدواب أبى ذلك عليه حتى كلم الحية فقال لها: أمنعك من ابن آدم فإنك في ذمتي إن أدخلتني الجنة، فحملته بين نابين حتى دخلت به، فكلمه من فيها وكانت كاسية تمشي على أربع قوائم فأعراها اللّه، وجعلها تمشي على بطنها. يقول ابن عباس: فاقتلوها حيث وجدتموها، اخفروا ذمة عدو اللّه فيها. وأخرج سفيان بن عيينة وعبد الرزاق وابن المنذر وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس قال: كانت الشجرة التي نهى اللّه عنها آدم وزوجته السنبلة، فلما {أكلا منها بدت لهما سوآتهما} وكان الذي دارى عنهما من سوآتهما أظفارهما {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} ورق التين يلزقان بعضه إلى بعض، فانطلق آدم موليا في الجنة، فأخذت برأسه شجرة من شجر الجنة، فناداه به: يا آدم أمني تفر؟ قال: لا، ولكني استحيتك يا رب قال: أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة عما حرمت عليك؟ قال: بلى يا رب ولك - وعزتك - ما حسبت أن أحدا يحلف بك كاذبا قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض، ثم لا تنال العيش إلا كدا. فاهبطا من الجنة وكانا يأكلان منها رغدا، فاهبط إلى غير رغد من طعام ولا شراب، فعلم صنعة الحديد، وأمر بالحرث فحرث فزرع، ثم سقى حتى إذا بلغ حصد، درسه، ثم ذراه، ثم طحنه، عجنه، ثم خبزه، ثم أكله، فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء اللّه أن يبلغ، وكان آدم حين أهبط من الجنة بكى بكاء لم يبكه أحد، فلو وضع بكاء داود على خطيئته، وبكاء يعقوب على ابنه، وبكاء ابن آدم على أخيه حين قتله، ثم بكاء أهل الأرض ما عدل ببكاء آدم عليه السلام حين أهبط. وأخرج ابن عساكر عن عبد العزيز بن عميرة قال "قال اللّه لآدم أخرج من جواري وعزتي لا يجاورني في داري من عصاني، يا جبريل أخرجه إخراجا غير عنيف، فأخذ بيده يخرجه". وأخرج ابن اسحاق في المبتدأ وابن سعد وأحمد وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في التوبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي بن كعب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "إن آدم كان رجلا طوالا كأنه نخلة سحوق ستين ذراعا، كثير شعر الرأس. فلما ركب الخطيئة بدت له عورته، وكان لا يراها قبل ذلك، فانطلق هاربا في الجنة، فتعلقت به شجرة فأخذت بناصيته فقال لها: أرسليني قال: لست بمرسلتك، وناداه ربه: يا آدم أمني تفر؟ قال: يا رب إني استحييتك قال: يا آدم أخرج من جواري فبعزتي لا أساكن من عصاني، ولو خلقت ملء الأرض مثلك خلقا ثم عصوني لأسكنتهم دار العاصين. قال: أرأيت إن أنا تبت ورجعت أتتوب علي؟ قال: نعم. يا آدم. وأخرج ابن عساكر من حديث أنس. مثله. وأخرج ابن منيع وابن أبي الدنيا في كتاب البكاء وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن ابن عباس قال "قال اللّه لآدم: يا آدم ما حملك على أن أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: يا رب زينته لي حواء قال: فإني عاقبتها بأن لا تحمل إلا كرها ولا تضع إلا كرها، ودميتها في كل شهر مرتين قال: فرنت حواء عند ذلك فقيل لها: عليك الرنة وعلى بناتك". وأخرج الدارقطني في الأفراد وابن عساكر عن عمر بن الخطاب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إن اللّه بعث جبريل إلى حواء حين دميت فنادت ربها جاء مني دم لا أعرفه. فناداها لأدمينك وذريتك، ولأجعنله لك كفارة وطهورا". وأخرج البخاري والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها". وأخرج البيهقي في الدلائل والخطيب في التاريخ والديلمي في مسند الفردوس وابن عساكر بسند واه عن ابن عمر مرفوعا"فضلت على آدم بخصلتين. كان شيطاني كافرا فأعانني اللّه عليه حتى أسلم، وكان أزواجي عونا لي. وكان شيطان آدم كافرا، وزوجته عونا له على خطيئته". وأخرج ابن عساكر في حديث أبي هريرة مرفوعا. مثله. وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن زيد. أن آدم ذكر محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: إن أفضل ما فضل به علي ابني صاحب البعير إن زوجته كانت عونا له على دينه، وكانت زوجتي عونا لي على الخطيئة. وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي حاتم والآجري في الشريعة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: تحاج آدم وموسى فحج آدم موسى، فقال موسى: أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي أعطاه اللّه كل شيء، واصطفاه برسالته؟ قال: نعم. قال: فتلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق". وأخرج عبد بن حميد في مسنده وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: احتج آدم وموسى. فقال موسى: أنت خلقك اللّه بيده، أسكنك جنته، وأسند لك ملائكته، فأخرجت ذريتك من الجنة، وأشقيتهم؟ فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك اللّه بكلامه ورسالاته، تلومني في شيء وجدته قد قدر علي قبل أن أخلق؟ فحج آدم موسى". وأخرج أبو داود والآجري في الشريعة والبيهقي في الأسماء والصفات عن عمر بن الخطاب قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن موسى قال يا رب أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة؟ فأراه اللّه آدم فقال: أنت أبونا آدم؟ فقال له آدم: نعم. قال: أنت الذي نفخ اللّه فيك من روحه، وعلمك الأسماء كلها، و أمر الملائكة فسجدوا لك؟ قال: نعم. فقال: ما حملك على أن أخرجتنا من الجنة؟ فقال له آدم: ومن أنت؟ قال: موسى قال: أنت نبي بني إسرائي الذي كلمك اللّه من وراء الحجاب، لم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه؟ قال: نعم. قال: فما وجدت إن ذلك كان في كتاب اللّه قبل أن أخلق؟ قال: نعم. قال: فلم تلومني في شيء سبق فيه من اللّه القضاء قبل؟ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: عند ذلك فحج آدم موسى. فحج آدم موسى". وأخرج النسائي وأبو يعلى والطبراني والآجري عن جندب البجلي قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: احتج آدم وموسى فقال موسى: يا آدم أنت الذي خلقك اللّه بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك جنته، وفعلت ما فعلت فأخرجت ولدك من الجنة؟ فقال آدم: أنت موسى الذي بعثك اللّه رسالته، وكلمك، وآتاك التوراة، وقربك نجيا؟ أنا أقدم أم الذكر؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فحج آدم موسى". وأخرج أبو بكر الشافعي في الغيلانيات عن أبي موسى قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: احتج آدم وموسى فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك اللّه بيده، وأسجد لك ملائكته، وعملت الخطيئة التي أخرجتك من الجنة؟ قال آدم ك أنت موسى الذي اصطفاك اللّه برسالته، وأنزل عليك التوراة، وكلمك تكليما، فبكم خطيئتي سبقت خلقي؟ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فحج آدم موسى". وأخرج ابن النجار عن ابن عمر قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: التقى آدم وموسى عليهما السلام فقال له موسى: أنت آدم الذي خلقك اللّه بيده، وأسجد لك ملائكته، وأدخلك جنته، ثم أخرجتنا منها؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك اللّه برسالته، وقربك نجيا، وأنزل عليك التوراة، فأسألك بالذي أعطاك ذلك بكم تجده كتب علي قبل أن أخلق؟ قال: أجده كتب عليك بالتوراة بألفي عام فحج آدم موسى". أما قوله تعالى {وقلنا اهبطوا} الآية. أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو} قال: آدم وحواء، وإبليس والحية {ولكم في الأرض مستقر} قال: القبور {ومتاع إلى حين} قال: الحياة. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله {اهبطوا بعضكم لبعض عدو} قال: آدم، والحية والشيطان. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة عن أبي صالح قال {اهبطوا} قال: آدم، وحواء، والحية. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال {اهبطوا} يعني آدم، وحواء، وإبليس. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال "سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن قتل الحيات؟ فقال: خلقت هي والإنسان كل واحد منهما عدو لصاحبه. إن رآها أفزعته، وإن لدغته أوجعته. فاقتلها حيث وجدتها". وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله {ولكم في الأرض مستقر} فوق الأرض، ومستقر تحت الأرض. قال {ومتاع إلى حين} حتى يصير إلى الجنة، أو إلى النار. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أهبط آدم إلى أرض يقال لها دجنا، بين مكة والطائف. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: اهبط آدم بالصفا، وحواء بالمروة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس. أن أول ما أهبط اللّه آدم إلى أرض الهند. وفي لفظ بدجناء أرض الهند. وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في البعث وابن عساكر عن ابن عباس قال: قال علي بن أبي طالب: أطيب ريح الأرض الهند. أهبط بها آدم فعلق ريحها من شجر الجنة. وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس قال: أهبط آدم بالهند وحواء بجدة، فجاء في طلبها حتى أتى جمعا، فازدلفت إليه حواء. فلذلك سميت "المزدلفة" واجتمعا بجمع فلذلك سميت "جمعا". وأخرج ابن أبي حاتم عن رجاء بن أبي سلمة قال: أهبط آدم يديه على ركبتيه مطأطئا رأسه، وأهبط إبليس مشبكا بين أصابعه رافعا رأسه إلى السماء. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن حميد بن هلال قال: إنما كره التخصر في الصلاة لأن إبليس أهبط متخصرا. وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن أبي هريرة قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: نزل آدم عليه السلام بالهند فاستوحش، فنزل جبريل بالأذان: اللّه أكبر أشهد أن لا إله إلا اللّه مرتين، أشهد أن محمدا رسول اللّه مرتين. فقال: ومن محمد هذا؟ قال: هذا آخر ولدك من الأنبياء". وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وابن المنذر وابن عساكر عن جابر بن عبد اللّه قال: إن آدم لما أهبط إلى الأرض هبط، بالهند وإن رأسه كان ينال السماء، وإن الأرض شكت إلى ربها ثقل آدم، فوضع الجبار تعالى يده على راسه، فانحط منه سبعون ذراعا، وهبط معه بالعجوة، والأترنج، والموز. فلما أهبط قال: رب هذا العبد الذي جعلت بيني وبينه عداوة، إن لم تعني عليه لا أقوى عليه، قال: لا يولد لك ولد إلا وكلت به ملكا قال: رب زدني قال: أجازي السيئة بالسيئة، وبالحسنة عشرة أمثالها إلى ما أزيد قال: رب زدني قال: باب التوبة له مفتوح ما دام الروح في الجسد قال إبليس: يا رب هذا العبد الذي أكرمته إن لم تعني عليه لا أقوى عليه قال: لا يولد له ولد إلا ولد لك ولد قال: يا رب زدني قال: تجري منه مجرى الدم، وتتخذ في صدروهم بيوتا قال: رب زدني قال {اجلب عليهم بخيلك ورجلك، وشاركهم في الأموال والأولاد} [الإسراء آية ٦٤]. وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال: لما خلق اللّه آدم كان رأسه يمس السماء، فوطاه اللّه إلى الأرض حتى صار ستين ذراعا في سبعة أذرع عرضا. وأخرج الطبراني عن عبد اللّه بن عمر قال: لما اهبط اللّه آدم أهبطه بأرض الهند ومعه غرس من شجر الجنة فغرسه بها، وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وكان يسمع كلام الملائكة فكان ذلك يهون عليه وحدته، فغمز غمزة فتطأطأ إلى سبعين ذراعا، فأنزل اللّه أني منزل عليك بيتا يطاف حوله كما تطوف الملائكة حول عرشي، ويصلى عنده كما تصلي الملائكة حول عرشي. فأقبل نحو البيت، فكان موضع كل قدم قرية، وما بين قدميه مفازة، حتى قدم مكة فدخل من باب الصفا، وطاف بالبيت، وصلى عنده، ثم خرج إلى الشام فمات بها. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن مجاهد قال: لما أهبط آدم إلى الأرض فزعت الوحوش ومن في الأرض من طوله، فأطر منه سبعون ذراعا. وأخرج ابن جرير في تاريخه والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن ابن عباس قال: إن آدم حين خرج من الجنة كان لا يمر بشيء إلا عنت به فقيل للملائكة: دعوه فليتزود منها ما شاء. فنزل حين نزل بالهند، ولقد حج منها أربعين حجة على رجليه. وأخرج سعيد بن منصور عن عطاء بن أبي رياح قال: هبط آدم بأرض الهند ومعه أعواد أربعة من أعواد الجنة، وهي هذه التب تتطيب بها الناس، وأنه حج هذا البيت على بقرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: أخرج آدم من الجنة للساعة التاسعة أو العاشرة، فأخرج معه غصنا من شجر الجنة على رأسه تاج من شجر الجنة. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن الحسن قال: أهبط آدم بالهند، وهبطت حواء بجدة، وهبط إبليس بدست بيسان البصرة على أميال، وهبطت الحية بأصبهان. وأخرج ابن جرير في تاريخه عن ابن عمر قال: إن اللّه أوحى إلى آدم وهو ببلاد الهند إن حج هذا البيت فحج، فكلما وضع قدميه صار قرية، ومابين خطوتيه مفازة، حتى انتهى إلى البيت، فطاف به، وقضى المناسك كلها، ثم أراد الرجوع، فمضى حتى إذا كان بالمازمين تلقته الملائكة فقالت: بر حجك يا آدم، فدخله من ذلك... فلما رأت ذلك الملائكة منه قالت: يا آدم إنا قد حججنا هذا قبلك قبل أن تخلق بألفي عام. فتقاصرت إليه نفسه. وأخرج الشافعي في الأم والبيهقي في الدلائل والأصبهاني في الترغيب عن محمد بن كعب القرظي قال: حج آدم عليه السلام، فلقيته الملائكة فقالوا: بر نسكك يا آدم لقد حججنا قبلك بألفي عام. وأخرج الخطيب في التاريخ بسند فيه من لا يعرف عن يحيى بن أكثم أنه قال في مجلس الواثق: من حلق رأس آدم حين حج؟ فتعايا الفقهاء عن الجواب فقال الواثق: أنا أحضر من ينبئكم بالخبر. فبعث إلى علي بن محمد بن جعفر بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحين بن علي بن أبي طالب فسأله...؛ فقال: حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن جده قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أمر جبريل أن ينزل بياقوتة من الجنة فهبط بها، فمسح بها رأس آدم، فتناثر الشعر منه، فحيث بلغ نورها صار حرما". وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن اللّه لما أخرج آدم من الجنة زوده من ثمار الجنة، وعلمه صنعة كل شيء. فثماركم من ثمار الجنة غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصحه والبيهقي في البعث عن أبي موسى الأشعري. موقوفا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أهبط آدم بثلاثين صنفا من فاكهة الجنة، منها ما يؤكل داخله وخارجه، ومنها ما يؤكل داخله ويطرح خارجه، ومنها ما يؤكل خارجه ويطرح داخله. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب البكاء عن علي بن أبي طلحة قال: أول شيء أكله آدم حين أهبط إلى الأرض الكمثرى، وأنه لما أراد أن يتغوط أخذه من ذلك كما يأخذ المرأة عند الولادة، فذهب شرقا وغربا لا يدري كيف يصنع! حتى نزل إليه جبريل فأقعى آدم، فخرج ذلك منه، فلما وجد ريحه مكث يبكي سبعين سنة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ثلاثة أشياء أنزلت مع آدم. السندان، والكلبتان، والمطرقة. وأخرج ابن عدي وابن عساكر في التاريخ بسند ضعيف عن سلمان قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن آدم أهبط إلى الأرض ومعه السندان، والكلبتان، والمطرقة، واهبطت حواء بجدة". وأخرج ابن عساكر من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال "قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: إن اللّه لما خلق الدنيا لم يخلق فيها ذهبا ولا فضة، فلما أن أهبط آدم وحواء أنزل معهما ذهبا وفضة، فسلكه ينابيع الأرض منفعة لأولادهما من بعدهما، وجعل ذلك صداق آدم لحواء. فلا ينبغي لأحد أن يتزوج إلا بصداق. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: لما أهبط اللّه آدم أهبطه بأشياء ثمانية: أزواج من الأبل، والبقر، والضأن، والمعز، وأهبطه بباسنة فيها بذر، وتعريشة عنبة، وريحانة، والباسنة: قيل: آلات الصناع، وقيل هي سكة الحرث وليس بعربي محض. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن السري بن يحيى قال: اهبط آدم من الجنة ومعه البذور، فوضع إبليس عليها يده، فما أصاب يده ذهيت منفعته. وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن أنس قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: هبط آدم وحواء عريانيين جميعا، عليهما ورق الجنة، فأصابه الحر حتى قعد يبكي ويقول لها: يا حواء قد آذاني الحر، فجاءه جبريل بقطن، وأمرها أن تغزل وعلمها، وعلم آدم وأمر آدم بالحياكة وعلمه، وكان لم يجامع إمرائته في الجنة حتى هبط منها، وكان كل منهما ينام على حدة حتى جاءه جبريل فأمره أن يأتي أهله وعلمه كيف يأيتها، فلما أتاها جاءه جبريل فقال: كيف وجدت امرأتك؟ قال: صالحة". وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أنس مرفوعا"أول من حاك آدم عليه السلام".وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: كان آدم عليه السلام حراثا، وكان إدريس خياطا، وكان نوح نجارا، وكان هود تاجرا، وكان إبراهيم راعيا، وكان داود زرادا، وكان سليمان خواصا، وكان موسى أجيرا، وكان عيسى سياحا، وكان محمد صلى اللّه عليه وسلم شجاعا جعل رزقه تحت رمحه. وأخرج الحاكم عن ابن عباس أنه قال لرجل عنده: إدن مني أحدثك عن الأنبياء المذكورين في كتاب اللّه.. أحدثك عن آدم كان حراثا، وعن نوح كان نجارا، وعن إدريس كان خياطا، وعن داود كان زرادا، وعن موسى كان راعيا، وعن إبراهيم كان زراعا عظيم الضيافة، وعن شعيب كان راعيا، وعن لوط كان زراعا، وعن صالح كان تاجرا، وعن سليمان كان ولي الملك. ويصوم من الشهر ستة أيام في أوله، وثلاثة في وسطه، وثلاثة في آخره، وكان له تسعمائة سرية، وثلاثمائة مهرية، وأحدثك عن ابن العذراء البتول عيسى. أنه كان لا يخبئ شيئا لغد، ويقول: الذي غداني سوف يعشيني والذي عشاني سوف يغديني، ويعبد اللّه ليلته كلها، وهو بالنهار يسبح ويصوم الدهر ويقوم الليل كله. وأخرج أبو الشيخ والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس قال: نزل آدم بالحجر الأسود من الجنة يمسح به دموعه، ولم ترق دموع آدم حين خرج من الجنة حتى رجع إليها. وأخرج أبو الشيخ عن جابر بن عبد اللّه قال: إن آدم لما أهبط إلى الأرض شكا إلى ربه الوحشة، فأوحى اللّه إليه: أن أنظر بحيال بيتي الذي رأيت ملائكتي يطوفون به، فاتخذ بيتا فطف به كما رأيت ملائكتي يطوفون به. فكان ما بين يديه مفاوز، وما بين قدميه الأنهار والعيون. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: نزل آدم بالهند، فنبتت شجرة الطيب. وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال: خرج آدم من الجنة بين الصلاتين. صلاة الظهر، وصلاة العصر، فأنزل إلى الأرض. وكان مكثه في الجنة نصف يوم من أيام الآخرة، وهو خمسمائة سنة من يوم كان مقداره اثنتي عشرة ساعة، واليوم ألف سنة مما يعد أهل الدنيا. فأهبط آدم على جبل بالهند يقال له نود، وأهبطت حواء بجدة، فنزل آدم معه ريح الجنة، فعلق بشجرها وأوديتها، فامتلأ ما هنالك طيبا، ثم يؤتى بالطيب من ريح آدم وقالوا: أنزل عليه من طيب الجنة أيضا، وأنزل معه الحجر الأسود، وكان أشد بياضا من الثلج، وعصا موسى وكانت من آس الجنة. طولها عشرة أذرع على طول موسى. ومر ولبان. ثم أنزل عليه بعد السندان، والكلبة، والمطرقتان، فنظر آدم حين أهبط على الجبل إلى قضيب من حديد نابت على الجبل فقال: هذا من هذا! فجعل يكسر أشجارا قد عتقت ويبست بالمطرقة، ثم أوقد على ذلك القضيب حتى ذاب، فكان أول شيء ضرب منه مدية، فكان يعمل بها، ثم ضرب التنور وهو الذي ورثه نوح، وهو الذي فار بالهند بالعذاب. فلما حج آدم عليه السلام وضع الحجر الأسود على أبي قبيس، فكان يضيء لأهل مكة في ليالي الظلم كما يضيء القمر، فلما كان قبيل الإسلام بأربع سنين، وقد كان الحيض والجنب يعمدون إليه يمسحونه فاسود، فأنزلته قريش من أبي قبيس، وحج آدم من الهند أربعين حجة إلى مكة على رجليه. وكان آدم حين أهبط يمسح رأسه السماء، فمن ثم صلع وأورث ولده الصلع، ونفرت من طوله دواب البر فصارت وحشا يومئذ، وكان آدم وهو على ذلك الجبل قائما يسمع أصوات الملائكة، ويجد ريح الجنة. فهبط من طوله ذلك إلى ستين ذراعا، فكان ذلك طوله حتى مات. ولم يجمع حسن آدم لأحد من ولده إلا ليوسف عليه السلام، وأنشأ آدم يقول: رب كنت جارك في دارك ليس لي رب غيرك ولا رقيب دونك، آكل فيها رغدا واسكن حيث أحببت، فأهبطتني إلى هذا الجبل المقدس، فكنت أسمع أصوات الملائكة، وأراهم كيف يحفون بعرشك، وأجد ريح الجنة وطيبها. ثم أهبطتني إلى الأرض وحططتني إلى ستين ذراعا، فقد انقطع عني الصوت والنظر، وذهب عني ريح الجنة فأجابه اللّه تبارك وتعالى: لمعصيتك يا آدم فعلت ذلك بك. فلما رأى اللّه عري آدم وحواء أمره أن يذبح كبشا من الضأن من الثمانية الأزواج التي أنزل اللّه من الجنة، فأخذ آدم كبشا وذبحه، ثم أخذ صوفه فغزلته حواء ونسجته هو، فنسج آدم جبة لنفسه، وجعل لحواء درعا وخمارا فلبساه، وقد كانا اجتمعا بجمع فسميت "جمعا" وتعارفا بعرفة فسميت "عرفة" وبكيا عاى ما فاتهما مائة سنة، ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما، ثم أكلا وشربا وهما يومئذ على نود الجبل الذي أهبط عليه آدم، ولم يقرب حواء مائة سنة. وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس. أن آدم كان لغته في الجنة العربية، فلما عصى سلبه اللّه العربية فتكلم بالسريانية، فلما تاب رد عليه العربية. وأخرج أبو نعيم وابن عساكر عن مجاهد قال: أوحى اللّه إلى الملكين: أخرجا آدم وحواء من جواري فإنهما عصياني، فالتفت آدم إلى حواء باكيا وقال: استعدي للخروج من جوار اللّه هذا أول شؤم المعصية، فنزع جبريل التاج عن رأسه، وحل ميكائيل الأكليل عن جبينه، وتعلق به غصن، فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة، فنكس رأسه يقول: العفو العفو فقال اللّه: فرار مني؟ فقال: بل حياء منك يا سيدي. وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن عطاء. أن آدم لما أهبط من الجنة خر في موضع البيت ساجدا، فمكث أربعين سنة لا يرفع رأسه. وأخرج ابن عساكر عن قتادة قال: لما أهبط اللّه آدم إلى الأرض قيل له: لن تأكل الخبز بالزيت حتى تعمل عملا مثل الموت. وأخرج ابن عساكر عن عبد الملك بن عمير قال: لما أهبط آدم وإبليس، ناح إبليس حتى بكى آدم، ثم حدا ثم ضحك. وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال "بلغني أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن آدم قبل أن يصيب الذنب كان أجله بين عينيه وأمله خلفه، فلما أصاب الذنب جعل اللّه أمله بين عينيه وأجله خلفه، فلا يزال يؤمل حتى يموت". وأخرج وكيع وأحمد في الزهد عن الحسن قال: كان آدم قبل أن يصيب الخطيئة أجله بين عينيه وأمله وراء ظهره، فلما أصاب الخطيئة حول أمله بين عينيه وأجله وراء ظهره. وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال: كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده. وأخرج ابن عساكر عن الحسن. أن آدم لما أهبط إلى الأرض تحرك بطنه فأخذ لذلك غم، فجعل لا يدري كيف يصنع، فأوحى اللّه إليه: أن أقعد فقعد، فلما قضى حاجته فوجد الريح جزع وبكى وعض على إصبعه، فلم يزل يعض عليها ألف عام. وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: بكى آدم حين أهبط من الجنة بكاء لم يبكه أحد، فلو أن بكاء جميع بني آدم مع بكاء داود على خطيئته ما عدل بكاء آدم حين أخرج من الجنة، ومكث أربعين سنة لا يرفع رأسه إلى السماء. وأخرج الطبراني في الأوسط وابن عدي في الكامل والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب وابن عساكر معا في التاريخ عن بريدة يرفعه قال: لو أن بكاء داود وبكاء جميع أهل الأرض يعدل بكاء آدم ما عدله. ولفظ البيهقي: لو وزن دموع آدم بجميع دموع ولده لرجحت دموعه على جميع دموع ولده. وأخرج ابن سعد عن الحسن قال: بكى آدم على الجنة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال: إن اللّه لما أهبط آدم وحواء قال: اهبطوا إلى الأرض، فلدوا للموت، وابنوا للخراب. وأخرج ابن المبارك في الزهد عن مجاهد قال: لما أهبط آدم إلى الأرض قال له ربه عز وجل: ابن للخراب، ولد للفناء. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير قال: لما أهبط آدم إلى الأرض كان فيها نسر، وحوت في البحر، ولم يكن في الأرض غيرهما، فلما رأى النسر آدم وكان يأوي إلى الحوت ويبيت عنده كل ليلة قال: يا حوت لقد أهبط ايوم إلى الأرض شيء يمشي على رجليه ويبطش بيده فقال له الحوت: لئن كنت صادقا مالي في البحر منه منجى ولا لك في البر. ٣٧ أخرج الطبراني في المعجم الصغير والحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عمر بن الخطاب قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لما أذنب آدم بالذنب الذي أذنبه، رفع رأسه إلى السماء فقال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي؟ فأوحى اللّه إليه: ومن محمد؟ فقال: تبارك اسمك. لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب"لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه"فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممن جعلت اسمه مع اسمك. فأوحى اللّه إليه: يا آدم إنه آخر النبيين من ذريتك، ولولا هو ما خلقتك". وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في التوبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال: أي رب ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى. قال: أي رب ألم تنفخ في من روحك؟ قال: بلى. قال أي رب ألم تسبق إلي رحمتك قبل غضبك؟ قال: بلى. قال: أي رب أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: نعم. وأخرج الطبراني في الأوسط وابن عساكر بسند ضعيف عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لما أهبط اللّه آدم إلى الأرض قام وجاء الكعبة فصلى ركعتين، فألهمه اللّه هذا الدعاء: اللّهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي. اللّهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي، وأرضني بما قسمت لي. فأوحى اللّه إليه: يا آدم قد قبلت توبتك، وغفرت ذنك، ولن يدعوني أحد بهذا الدعاء إلا غفرت له ذنبه، وكفيته المهم من أمره، وزجرت عنه الشيطان، واتجرت له من وراء كل تار، وأقبلت إليه الدنيا راغمة وإن لم يردها". وأخرج الجندي والطبراني وابن عساكر في فضائل مكة عن عائشة قالت: لما أراد اللّه أن يتوب على آدم أذن له فطاف بالبيت سبعا - والبيت يومئذ ربوة حمراء - فلما صلى ركعتين قام استقبل البيت وقال: اللّهم إنك تعلم سريرتي وعلانيتي فاقبل معذرتي فأعطني سؤلي، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي. اللّهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي، والرضا بما قسمت لي. فأوحى اللّه إليه: إني قد غفرت ذنبك، ولن يأتي أحد من ذريتك يدعوني بمثل ما دعوتني إلا غفرت ذنوبه، وكشفت غمومه وهمومه، ونزعت الفقر من بين عينيه، واتجرت له من وراء كل تاجر، وجاءته الدنيا وهي راغمة وإن كان لا يريدها. وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة والطبراني في الأوسط والبيهقي في الدعوات وابن عساكر بسند لا بأس به عن بريدة قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لما أهبط اللّه آدم إلى الأرض طاف بالبيت أسبوعا، وصلى حذاء البيت ركعتين ثم قال: اللّهم أنت تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، وتعلم ما عندي فاغفر لي ذنوبي. أسألك إيمانا يباهي قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتيت لي، ورضني بقضائك. فأوحى اللّه إليه: يا آدم إنك دعوتني بدعاء فاستجبت لك فيه، ولن يدعوني به أحد من ذريتك إلا استجبت له، وغفرت له ذنبه، وفرجت همه وغمه، واتجرت له من وراء كل تاجر، وأتته الدنيا راغمة وإن كان لا يريدها". وأخرج وكيع وعبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم عن عبيد ان عمير اللثي قال: قال آدم: يا رب أرأيت ما أتيت أشيء كتبته علي قبل أن تخلقني أو شيء ابتدعته علي نفسي؟ قال: بل شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك قال: يا رب فكما كتبته علي فاغفره لي. فذلك قوله {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}. وأخرج عبد بن حميد والن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن قتادة في قوله {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال: ذكر لنا أنه قال: يا رب أرأيت إن تبت وأصلحت؟ قال: فإني إذن أرجعك إلى الجنة (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) فاستغفر آدم ربه وتاب إليه فتاب عليه. وأما عدو اللّه إبليس فواللّه ما تنصل من ذنبه، ولا سأل التوبة حين وقع بما وقع به، ولكنه سأل النظرة إلى يوم الدين، فأعطى اللّه كل واحد مهما ما سأل. وأخرج الثعلبي من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال: قوله (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين). وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال هو قوله {ربنا ظلمنا أنفسنا...} الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن محمد بن كعب القرظي في قوله {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال: هو قوله {ربنا ظلمنا أنفسنا...} الآيه. ولو سكت اللّه عنها لتفحص رجال حتى يعلموا ما هي. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال: هو قوله {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن وعن الضحاك. مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحق التميمي قال: قلت لإبن عباس ما الكلمات التي تلقى آدم من ربه؟ قال: علم شأن الحج. فهي الكلمات. وأخرج عبد بن حميد عن عبد اللّه بن زيد ي قوله {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال: لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك. رب عملت سوءا وظلمت نفسي فإغفر لي إنك أنت خير الغافرين. لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين. لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك. رب عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنت أنت التواب الرحيم. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن أنس في قوله {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال: سبحانك اللّهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين. لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين. لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم. وذكر أنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ولكن شك فيه. وأخرج هناد في الزهد عن سعيد بن جبير قال: لما أصاب آدم الخطيئة فزع إلى كلمة الإخلاص فقال: لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك. رب عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم. وأخرج ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس. إن آدم عليه السلام طلب التوبة مائتي سنة حتى آتاه اللّه الكلمات، ولقنه إياها قال: بينا آدم عليه السلام جالس يبكي، واضع راحته على جبينه إذا أتاه جبريل فسلم عليه، فبكى آدم وبكى جبريل لبكائه فقال له: يا آدم ما هذه البلية التي أجحف بك بلاؤها وشقاؤها، وما هذا البكاء؟ قال: يا جبريل وكيف لا أبكي وقد حولني ربي من ملكوت السموات إلى هوان الأرض، ومن دار المقام إلى دار الظعن والزوال، ومن دار النعمة إلىدار البؤس والشقاء؟ ومن دار الخلد إلى دار الفناء؟ كيف أحصي يا جبريل هذه المصيبة؟ فانطلق جبريل إلى ربه فأخبره بقالة آدم فقال اللّه عز وجل: انطلق يا جبريل إلى آدم فقل: يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ قال: بلى يا رب قال: ألم أنفخ فيك من روحي؟ قال: بلى يا رب قال: ألم أسجد لك ملائكتي؟ قال: بلى يا رب قال ألم أسكنك جنتي؟ قال: بلى يا رب قال: ألم آمرك فعصيتني؟ قال: بلى يا رب قال: وعزتي وجلالي وارتفاعي في علو مكاني لو أن ملء الأرض رجالا مثلك ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين، غير أنه يا آدم قد سبقت رحمتي غضبي، قد سمعت صوتك وتضرعك، ورحمت بكاءك، وأقلت عثرتك، فقل: لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت خير الراحمين. لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي. فتب علي إنك أنت التواب الرحيم. فذلك قوله {فتلقى آدم من ربه كلمات...} الآية. وأخرج ابن المنذر عن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب قال: لما أصاب آدم الخطيئة عظم كربه، واشتد ندمه. فجاءه جبريل فقال: يا آدم هل أدلك على باب توبتك الذي يتوب اللّه عليك منه؟ قال: بلى يا جبريل قال: قم في مقامك الذي تناجي فيه ربك فمجده وامدح، فليس شيء أحب إلى اللّه من المدح قال: فأقول ماذا يا جبريل؟ قال: فقل لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير كله وهو على كل شيء قدير. ثم تبوء بخطيئتك فتقول: سبحانك اللّهم وبحمدك لا إله إلا أنت. رب إني ظلمت نفسي وعملت السوء فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. اللّه إني أسألك بجاه محمد عبدك وكرامته عليك أن تغفر لي خطيئتي. قال: ففعل آدم فقال اللّه: يا آدم من علمك هذا؟ فقال: يا رب إنك لما نفخت في الروح فقمت بشرا سويا أسمع وأبصر وأعقل وأنظر رأيت على ساق عرشك مكتوبا"بسم اللّه الرحمن الرحيم، لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له محمد رسول اللّه"فلما لم أر أثر اسمك اسم ملك مقرب، ولا نبي مرسل غير اسمه علمت أنه أكرم خلقك عليك. قال: صدقت. وقد تبت عليك وغفرت لك خطيئتك قال: فحمد آدم ربه وشكره وانصرف بأعظم سرور، ولم ينصرف به عبد من عند ربه. وكان لباس آدم النور قال اللّه (ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما) ثياب النور قال: فجاءته الملائكة أفواجا تهنئه يقولون: لتهنك توبة اللّه يا أبا محمد. وأخرج أحمد في الزهد عن قتادة قال: اليوم الذي تاب اللّه فيه على آدم يوم عاشوراء. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسند واه عن علي قال "سألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن قول اللّه {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} فقال: إن اللّه أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، وإبليس ببيسان، والحية بأصبهان. وكان للحية قوائم كقوائم البعير، ومكث آدم بالهند مائة سنة باكيا على خطيئته حتى بعث اللّه إليه جبريل وقال: يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أسجد لك ملائكتي؟ ألم أزوجك حواء أمتي؟ قال: بلى. قال: فما هذا البكاء؟ قال: وما يمنعني من البكاء وقد أخرجت من جوار الرحمن! قال: فعليك بهؤلاء الكلمات. فإن اللّه قابل توبتك، وغافر ذنبك. قل: اللّهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد، سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم. اللّهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم. فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم". وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال "سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال: سأل بحق محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، ألا تبت علي فتاب عليه". وأخرج الخطيب في أماليه وابن عساكر بسند فيه مجاهيل عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن آدم لما أكل من والشجرة أوحى اللّه إليه: اهبط من جواري. وعزتي لا يجاورني من عصاني. فهبط إلى الأرض مسودا، فبكت الأرض وضجت. فأوحى اللّه: يا آدم صم لي اليوم يوم ثلاثة عشر. فصامه فأصبح ثلثه أبيض، ثم أوحى اللّه إليه: صم لي هذا اليوم يوم أربعة عشر. فصامه فأصبح ثلثاه أبيض، ثم أوحى اللّه إليه صم لي هذا اليوم يوم خمسة عشر. فصامه فأصبح كله أبيض. فسميت أيام البيض". وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال: لما أهبط اللّه آدم من الجنة إلى الأرض قال له: يا آدم أربع احفظهن. واحدة لي عندك، وأخرى لك عندي، وأخرى بيني وبينك، وأخرى بينك وبين الناس. فأما التي لي عندك فتعبدني لا تشرك بي شيئا، وأما التي لك عندي فأوفيك عملك لا أظلمك شيئا، وأما التي بيني وبينك فتدعوني فاستجيب لك، وأما التي بينك وبين الناس فترضى للناس أن تأتي إليهم بما ترضى أن يؤتوا إليك بمثله. وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي في الأسماء والصفات عن سلمان قال: لما خلق اللّه آدم قال: يا آدم واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك. فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئا، وأما التي لك فما عملت من شيء جزيتك به وأن أغفر فأنا غفور رحيم، وأما التي بيني وبينك فمنك المسألة والدعاء وعلي الإجابة والعطاء. وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن سلمان رفعه. وأخرج الخطيب وابن عساكر عن أنس قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لما أهبط اللّه آدم إلى الأرض مكث فيها ما شاء اللّه أن يمكث، ثم قال له بنوه: يا أبانا تكلم. فقام خطيبا في أربعين ألفا من ولده وولد ولده فقال: إن اللّه أمرني فقال: يا آدم أقلل كلامك ترجع إلى جواري". وأخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما أهبط اللّه آدم إلى الأرض أكثر ذريته فنمت، فاجتمع إليه ذات يوم ولده وولد ولده، فجعلوا يتحدثون حوله وآدم ساكت لا يتكلم فقالوا: يا أبانا ما لنا نحن نتكلم وأنت ساكت لا تتكلم؟! فقال: يا بني إن اللّه لما أهبكني من جواره إلى الأرض عهد إلي فقال: يا آدم أقل الكلام حتى ترجع إلى جواري. وأخرج ابن عساكر عن فضالة بن عبيد قال: إن آدم كبر حتى تلعب به بنو بنيه فقيل له: إلا تنهى بني بنيك أن يلعبوا بك قال: إني رأيت ما لم يروا، وسمعت ما لم يسمعوا، وكنت في الجنة وسمعت الكلام، إن ربي وعدني إن أنا أسكت فمي أن يدخلني الجنة. وأخرج ابن الصلاح في أماليه عن محمد بن النضر قال: قال آدم: يا رب شغلتني بكسب يدي فعلمني شيئا فيه مجامع الحمد والتسبيح. فأوحى اللّه إليه: يا آدم إذا أصبحت فقل ثلاثا، وإذا أمسيت فقل ثلاثا. الحمد للّه رب العالمين، حمدا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده. فذلك مجامع الحمد والتسبيح. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن قتادة قال: كان آدم عليه السلام يشرب من السحاب. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن كعب قال: أول من ضرب الدينار والدرهم آدم عليه السلام. وأخرج ابن عساكر عن معاوية بن يحيى قال: أول من ضرب الدينار والدرهم آدم، ولا تصلح المعيشة إلا بهما. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: أول من مات آدم عليه السلام. وأخرج ابن سعد والحاكم وابن مردويه عن عن أبي بن كعب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: لما حضر آدم قال لبنيه: انطلقوا فاجنوا لي من ثمار الجنة، فخرجوا فاستقبلتهم الملائكة فقالوا: أين تريدون؟ قالوا: بعثنا أبونا لنجني له من ثمار الجنة فقالوا: ارجعوا فقد كفيتم. فرجعوا معهم حتى دخلوا على آدم، فلما رأتهم حواء ذعرت منهم وجعلت تدنو إلى آدم وتلصق به فقال: إليك عني. إليك عني، فمن قبلك أتيت. خلي بيني وبين ملائكة ربي قال: فقبضوا روحه، ثم غسلوه وحنطوه، وكفنوه، ثم صلوا عليه، ثم حفروا له ودفنوه، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم في موتاكم فكذلكم فافعلوا". وأخرجه ابن أبي شيبة عن أبي. موقوفا. وأخرج ابن عساكر عن أبي "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن آدم لما حضرته الوفاة أرسل اللّه إليه بكفن وحنوط من الجنة، فلما رأت حواء الملائكة جزعت فقال: خلي بيني وبين رسل ربي. فما لقيت الذي لقيت إلا منك، ولا أصابني الذي أصابني إلا منك". وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: كان لآدم بنون. ود، سواع، ويغوث، ويعوق، ونسر. فكان أكبرهم يغوث فقال له: يا بني انطلق. فإن لقيت أحدا من الملائكة فأمره يجيئني بطعام من الجنة، وشراب من شرابها. فانطلق فلقي جبريل بالكعبة فسأله عن ذلك قال: ارجع فإن أباك يموت. فرجع فوجداه يجود بنفسه، فوليه جبريل فجاءه بكفن، وحنوط، وسدر، ثم قال: يا بني آدم أترون ما أصنع بأبيكم؟ فاصنعوه بموتاكم فغسلوه، وكفنوه، وحنطوه، ثم حملوه إلى الكعبة فكبر عليه أربعا، ووضعوه مما يلي القبلة عند القبور، ودفنوه في مسجد الخيف. وأخرج الدارقطني في سننه عن ابن عباس قال: صلى جبريل على آدم وكبر عليه أربعا. صلى جبريل بالملائكة يومئذ في مسجد الخيف، وأخذ من قبل القبلة، ولحد له، وسنم قبره. وأخرج أوب نعيم في الحلية عن ابن عباس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أتي بجنازة فصلى عليها وكبر أربعا وقال: كبرت الملائكة على آدم أربع تكبيرات". وأخرج ابن عساكر عن أبي "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ألحد آدم، وغسل بالماء وترا. فقالت الملائكة: هذه سنة ولد آدم من بعده". وأخرج ابن عساكر عن عبد اللّه بن أبي فراس قال: قبر آدم في مغارة فيما بين بيت المقدس ومسجد إبراهيم، ورجلاه عند الصخرة، ورأسه عند مسجد إبراهيم. و بينهما ثمانية عشر ميلا. وأخرج ابن عساكر عن عطاء الخراساني قال: بكت الخلائق على آدم حين توفي سبعة أيام. وأخرج ابن عدي في الكامل وأبو الشيخ في العظمة وابن عساكر عن جابر "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ليس أحد من أهل الجنة إلا يدعى باسمه إلا آدم فإنه يكنى أبا محمد، وليس أحد من أهل الجنة إلا وهم جرد مرد إلا ما كان من موسى بن عمران فإن لحيته تبلغ سرته". وأخرج ابن عدي والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن علي قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أهل الجنة ليست لهم كنى إلا آدم فإنه يكنى أبا محمد تعظيما وتوقيرا". وأخرج ابن عساكر عن كعب قال: ليس أحد في الجنة له لحية إلا آدم عليه السلام له لحية سوداء إلى سرته: وذلك أنه لم يكن له في الدنيا لحية وإنما كانت اللحى بعد آدم، وليس أحد يكنى في الجنة غير آدم. يكنى فيها أبا محمد. وأخرج أبو الشيخ عن بكر بن عبد اللّه المزني قال: ليس أحد في الجنة له كنية إلا آدم يكنى أبا محمد. أكرم اللّه بذلك محمدا صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن عساكر عن غالب بن عبد اللّه العقيلي قال: كنية آدم في الدنيا أبو البشر، وفي الجنة أبو محمد. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن خالد بن معدان قال: أهبط آدم بالهند، وأنه لما توفي حمله خمسون ومائة رجل من بنيه إلى بيت المقدس، وكان طوله ثلاثين ميلا ودفنوه بها، وجعلوا رأسه عند الصخرة، ورجليه خارجا من بيت المقدس ثلاثين ميلا. وأخرج الطبراني عن أبي برزة الأسلمي قال: إن آدم لما طؤطئ منع كلام الملائكة - وكان يستأنس بكلامهم - بكى على الجنة مائة سنة فقال اللّه عز وجل له: يا آدم ما يحزنك؟ قال: كيف لا أحزن وقد أهبطتني من الجنة ولا أدري أعود إليها أم لا؟ فقال اللّه تعالى: يا آدم قل: اللّهم لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك سبحانك وبحمدك. رب إني عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين. والثانية: اللّهم لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك سبحانك وبحمدك. رب إني عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت أرحم الراحمين. والثالثة اللّهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك لا شريك لك، رب عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت التواب الرحيم. فهي الكلمات التي أنزل اللّه على محمد صلى اللّه عليه وسلم {فتلقى آدم من ريه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} قال: وهي لولده من بعده وقال آدم لابن له يقال هبة اللّه. ويسميه أهل التوراة وأهل الإنجيل شيث: تعبد لربك وأسأله أيردني إلى الجنة أم لا؟ فتعبد اللّه وسأل. فأوحى اللّه إليه: إني راده إلى الجنة فقال: أي رب إني لست آمن إن أبي سيسألني العلامة، فألقى اللّه سوارا من أسورة الحورفلما أتاه قال: ما وراءك؟ قال: أبشر قال: أخبرني أنه رادك إلى الجنه قال: فما سألته العلامة. فأخرج السوار فرآه فعرفه، فخر ساجدا فبكى حتى سال من عينيه نهر من دموع. وآثاره تعرف بالهند. وذكر أن كنز الذهب بالهند مما ينبت من ذلك السوار، ثم قال: استطعم لي ربك من ثمر الجنة. فلما خرج من عنده مات آدم، فجاءه جبريل فقال: إلى أين؟ قال: إن أبي أرسلني أن أطلب إلى ربي أن يطعمه من ثمر الجنة قال: فإن ربه قضى أن لا يأكل منها شيئا حتى يعود إليها، وأنه قد مات فأرجع فواره، فأخذ جبريل عليه السلام فغسله، وكفنه، وحنطه، وصلى عليه، ثم قال جبريل: هكذا فاصنعوا بموتاكم. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: قبر آدم عليه السلام بني في مسجد الخيف، وقبر حواء بجدة. وأخرج ابن أبي حنيفة في تاريخه وابن عساكر عن الزهري والشعبي قالا: لما هبط آدم من الجنة وانتشر ولده أرخ بنوه من هبوط آدم فكان ذلك التاريخ حتى بعث اللّه نوحا، فأرخوا ببعث نوح حتى كان الغرق، فكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم، فأرخ بنو إسحق من نار إبراهيم إلى بعث يوسف، ومن بعث يوسف إلى مبعث موسى، ومن مبعث موسى إلى ملك سليمان، ومن ملك سليمان إلى ملك عيسى، ومن مبعث عيسى إلى مبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأرخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم إلى بناء البيت حين بناه إبراهيم وإسماعيل. فكان التاريخ من بناء البيت حتى تفرقت معد، فكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا مخرجهم حتى مات كعب بن لؤي فأرخوا من موته إلى الفيل، فكان التاريخ من الفيل حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة. وذلك سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة. وأخرج ابن عساكر عن عبد العزيز بن عمران قال: لم يزل للناس تاريخ كانوا يؤرخون في الدهر الأول من هبوط آدم من الجنة، فلم يزل ذلك حتى بعث اللّه نوحا، فأرخوا من دعاء نوح على قومه، ثم أرخوا من الطوفان، ثم أرخوا من نار إبراهيم، ثم أرخ بنو إسماعيل من بنيان الكعبة، ثم أرخوا من موت كعب بن لؤي، ثم أرخوا من عام الفيل، ثم أرخ المسلمون بعد من هجرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ٣٨ انظر تفسير الآية: ٣٩ ٣٩ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى} قال: الهدى الأنبياء والرسل والبيان. وأخرج ابن المنذر عن قتادة في قوله {فمن اتبع هداي...} الآية. قال: ما زال للّه في الأرض أولياء منذ هبط آدم، ما أخلى الأرض لإبليس إلا وفيها أولياء له يعملون للّه بطاعته. وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبي الطفيل قال: قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {فمن اتبع هدي} بتثقيل الياء وفتحها. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {فلا خوف عليهم} يعني في الآخرة {ولا هم يحزنون} يعني لا يحزنون للموت. وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في شعب الإيمان عن قتادة قال: لما هبط إبليس قال: أي رب قد لعنته فما علمه؟ قال: السحر. قال: فما قراءته؟ قال: الشعر. قال: فما كتابه؟ قال: الوشم. قال: فما طعامه؟ قال: كل ميتة وما لم يذكر اسم اللّه عليه. قال: فما شرابه؟ قال: كل مسكر. قال: فأين مسكنه؟ قال: الحمام. قال: فأين مجلسه؟ قال: الأسواق. قال: فما صوته؟ قال: المزمار. قال: فما مصائده؟: قال: النساء. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: قال رسول صلى اللّه عليه وسلم "قال إبليس لربه تعالى: يا رب قد أهبط آدم، وقد علمت أنه سيكون كتاب ورسل، فما كتابهم ورسلهم؟ قال: رسلهم الملائكة والنبيون، وكتبهم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. قال: فما كتابي؟ قال: كتابك الوشم، وقراءتك الشعر، ورسلك الكهنة، وطعامك ما لم يذكر اسم اللّه عليه، وشرابك كل مسكر، وصدقك الكذب، وبيتك الحمام، ومصائدك النساء، ومؤذنك المزمار، ومسجدك الأسواق". ٤٠ انظر تفسير الآية: ٤٣ ٤١ انظر تفسير الآية: ٤٣ ٤٢ انظر تفسير الآية: ٤٣ ٤٣ أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال: إسرائيل يعقوب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: إسرائيل هو يعقوب. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي مجلز قال: كان يعقوب رجلا بطيشا فلقي ملكا فعالجه فصرعه الملك فضربه على فخذيه، فلما رأى يعقوب ما صنع به بطش به، فقال: ما أنا بتاركك حتى تسميني اسما. فسماه إسرائيل. قال أبو مجلز: ألا ترى أنه من أسماء الملائكة إسرائيل، وجبريل، وميكائيل، وإسرافيل. وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كانت الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة. نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحق، ومحمد عليه السلام، ولم من الأنبياء من له اسمان إلا إسرائيل وعيسى، فإسرائيل يعقوب، وعيسى المسيح. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس: إن إسرائيل وميكائيل وجبريل وإسرافيل كقولك عبد اللّه.وأخرج ابن جرير عن عبد اللّه بن الحرث البصري قال ايل اللّه بالعبرانية. وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {يا بني إسرائيل} قال: للأحبار من اليهود {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} أي آلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاهم به من فرعون وقومه {أوفوا بعهدي} الذي أخذت بأعناقكم للنبي صلى اللّه عليه وسلم إذ جاءكم {أوف بعهدكم} أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقكم معه وأتباعه بوضع ما كان عليهم من الإصر والأغلال {وإياي فارهبون} أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات {وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به} وعندكم به من العلم ما ليس عند غيركم {وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {أوفوا بعهدي} يقول: ما أمرتكم به من طاعتي ونهيتكم عنه من معصيتي في النبي صلى اللّه عليه وسلم وغيره {أوف بعهدكم} يقول: أرض عنكم وأدخلكم الجنة. وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود. مثله. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال: هو الميثاق الذي أخذ عليهم في سورة (لقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل...) (المائدة الآية ١٢) الآية. وأخرج عبد بن حميدعن قتادة في قوله {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال: العهد الذي أخذ اللّه عليهم وأعطاهم الآية التي في سورة المائدة (لقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل...) (المائدة الآية ١٢) إلى قوله (ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار). وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال: أوفوا بما افترضت عليكم أوف لكم بما رايت الوعد لكم به على نفسي. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة عن الضحاك في قوله {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال: أوفوا بطاعتي أوف لكم بالجنة. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {وآمنوا بما أنزلت} قال: القرآن {مصدقا لما معكم} قال: التوراة والإنجيل. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله {ولا تكونوا أول كافر به} قال: بالقرآن. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في الآية قال: يقول يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت على محمد مصدقا لما معكم لأنكم تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل {ولا تكونوا أول كافر به} يقول: لا تكونوا أول من كفر بمحمد {ولا تشتروا بآياتي ثمنا} يقول: لا تأخذوا عليه أجرا. قال: وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول: يا ابن آدم علم مجانا كما علمت مجانا. وأخرج أبو الشيخ عن أبي العالية في قوله {لا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا} قال: لا تأخذ على ما علمت أجرا، فإنما أجر العلماء والحكماء على اللّه وهم يجدونه عندهم، يا ابن آدم علم مجانا كما علمت مجانا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ولا تلبسوا الحق بالباطل} قال: لا تخلطوا الصدق بالكذب {وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} قال: لا تكتموا الحق وأنتم قد علمتم أن محمدا رسول اللّه. وأخرج عبد بن حميدعن قتادة في قوله {ولا تلبسوا الحق بالباطل} قال: لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام وأنتم تعلمون أن دين اللّه الإسلام، وأن اليهودية والنصرانية بدعة ليست من اللّه {وتكتمون الحق وأنتم تعلمون} قال: كتموا محمدا وهم يعلمون أنه رسول اللّه يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث. وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في قوله {ولا تلبسوا الحق بالباطل} قال: الحق التوراة التي أنزل اللّه، والباطل الذي كتبوه بأيديهم. وأخرج ابن جرير عن السدي عن مجاهد في قوله {وتكتموا الحق} قال: هو محمد صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {واركعوا} قال: صلوا. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله {واركعوا مع الراكعين} قال: أمرهم أن يركعوا مع أمة محمد يقول: كونوا منهم ومعهم. ٤٤ أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {أتأمرون النتس بالبر وتنسون أنفسكم} قال: أولئك أهل الكتاب كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب ولا ينتفعون بما فيه. وأخرج الثعلبي والواحدي عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في يهود أهل المدينة، كان الرجل منهم يقول لصهره ولذوي قرابته ولمن بينه وبينهم رضاع من المسلمين: اثبت على الدين الذي أنت عليه وما يأمرك به هذا الرجل - يعنون به محمدا - فإن أمره حق، وكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {أتأمرون الناس بالبر} قال: بالدخول في دين محمد {وأنتم تتلون} يقولون: تدرسون الكتاب بذلك {أفلا تعقلون} تفهمون، ينهاهم عن هذا الخلق القبيح. وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: تنهون الناس عن الكفر لما عندكم من النبوة والعهد من التوراة وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي قلابة في الآية قال: قال أبو الدرداء: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات اللّه، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبزار وابن أبي داود في البعث وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت رجعت، فقلت لجبريل: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء خطباء من أمتك، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق به أقتابه، فيدور بها كما يدور الحمار برحاه، فيطف به أهل النار فيقولون: يا فلان مالك، ما أصابك، ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر...؟ ! فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه". وأخرج الخطيب في اقتضاء العلم بالعمل وابن النجار في تاريخ بغداد عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "اطلع قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فقالوا: بم دخلتم النار، وإنما دخلنا الجنة بتعليمكم؟! قالوا: إنا كنا نأمركم ولا نفعل". وأخرج الطبراني والخطيب في اقتضاء العلم بالعمل وابن عساكر بسند ضعيف عن الوليد بن عقبة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن أناسا من أهل الجنة يتطلعون إلى أناس من أهل النار فيقولون: بم دخلتم النار، فواللّه ما دخلنا الجنة إلا بتعليمكم؟! فيقولون: إنا كنا نقول ولا نفعل. وأخرج عبد اللّه بن أحمد في زوائد الزهد عن الوليد بن عقبة أنه خطب الناس، فقال في خطبته: ليدخلن أمراء النار ويدخلن من أطاعهم الجنة، فيقولون لهم وهم في النار: كيف دخلتم النار وإنما دخلنا الجنة بطاعتكم؟ فيقولون لهم: إنا كنا نأمركم بأشياء نخالف إلى غيرها. وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال: يشرف قوم في الجنة على قوم في النار فيقولون: ما لكم في النار، وإنما كنا نعمل بما تعلمون...؟ ! قالوا: كنا نعلمكم ولا نعمل به. وأخرج ابن المبارك في الزهد عن الشعبي قال: يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من النار فيقولون: ما أدخلكم النار، وإنما دخلنا الجنة بفضل تأدبيكم وتعليمكم؟ قالوا: إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله. وأخرج الطبراني والخطيب في الإقتضاء والأصبهاني في الترغيب بسند جيد عن جندب بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد اللّه بن أحمد في زوائد الزهد عن جندب البجلي قال: إن مثل الذي يعظ الناس وينسى نفسه كمثل المصباح يضيء لغيره ويحرق نفسه. وأخرج الطبراني والخطيب في الإقتضاء عن أبي بزرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مثل الذي يعلم الناس وينسى نفسه كمثل الفتيلة تضيء للناس وتحرق نفسها". وأخرج ابن قانع في معجمه والخطيب في اٌلإقتضاء عن سليك قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول "إذا علم العالم ولم يعمل كان كالمصباح يضيء للناس ويحرق نفسه". وأخرج الأصبهاني في الترغيب بسند ضعيف عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يجاء بالعالم السوء يوم القيامة فيقذف في جهنم فيدور بقصبه - قلت: ما قصبه؟ قال: أمعاؤه - كما يدور الحمار بالرحى، فيقال: يا ويله، بم لقيت هذا وإنما اهتدينا بك؟! قال: كنت أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه". وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من دعا الناس إلى قول أو عمل ولم يعمل هو به لم يزل في ظل سخط اللّه حتى يكف أو يعمل ما قال ودعا إليه". وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن ابن عباس. أنه جاءه رجل فقال: يا ابن عباس إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. قال: أو بلغت ذلك؟ قال: أرجو. قال: فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب اللّه فافعل. قال: وما هن؟ قال: قوله عز وجل {أتأمرون النتس بالبر وتنسون أنفسكم} أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فالحرف الثاني قال قوله تعالى (لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون) (الصف، الآية ٣) أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فالحرف الثالث قال قول العبد الصالح شعيب (ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) (هود، الآية ٨٨) أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فابدأ بنفسك. وأخرج ابن المبارك في الزهد والبيهقي في شعب الإيمان عن الشعبي قال: ما خطب خطيب في الدنيا إلا سيعرض اللّه عليه خطبته ما أراد بها. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: ويل للذي لا يعلم مرة ولو شاء اللّه لعلمه، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات. وأخرج أحمد في الزهد عن عبد اللّه بن مسعود قال: ويل للذي لا يعلم ولو شاء اللّه لعلمه، وويل لمن يعلم ثم لا يعمل سبع مرات. ٤٥ أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {واستعينوا بالصبر والصلاة} قال: إنهما معونتان من اللّه فاستعينوا بهما. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب العزاء وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: الصبر اعتراف العبد للّه بما أصاب منه، واحتسابه عند اللّه رجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر. وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال: الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن، وأحسن منه الصبر عن محارم اللّه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: الصبر بابين، الصبر للّه فيما أحب وإن ثقل على الأنفس والأبدان، والصبر عما كره وإن نازعت إليه الأهواء، فمن كان هكذا فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم إن شاء اللّه تعالى. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر وأبو الشيخ في الثواب والديلمي في مسند الفردوس عن علي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الصبر ثلاثة، فصبر على المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر على المعصية". وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده والترمذي وحسنه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وفي الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: كنت رديف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال "يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك اللّه بهن؟ قلت: بلى. قال: احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده أمامك، تعرف إلى اللّه في الرخاء يعرفك في الشدة، وأعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وإن الخلائق لو اجتمعوا على أن يعطوك شيئا لم يرد اللّه أن يعطيكه لم يقدروا على ذلك، أو أن يصرفوا عنك شيئا أراد اله أن يعطيكه لم يقدروا على ذلك، وأن قد جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فإذا سألت فسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه، وإذا اعتصمت فاعتصم باللّه، واعمل للّه بالشكر في اليقين، وأعلم أن الصبر على ما تكره خير كثير، وإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، إن مع العسر يسرا". وأخرج الدارقطني في الأفراد وابن مردويه والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن سهل بن سعد الساعدي. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لعبد اللّه بن عباس "ألا أعلمك كلمات تنتفع بهن؟ قال: بلى يا رسول اللّه. قال: احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده أمامك، تعرف إلى اللّه في الرخاء يعرفك في الشدة، فإذا سألت فسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه، جف القلم بما هو كائن، فلو جهد العباد أن ينفعوك بشيء لم يكتبه اللّه عليك لم يقدروا عليه، ولو جهد العباد أن يضروك بشيء لم يكتبه اللّه عليك لم يقدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل للّه بالصدق في اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأعلم أن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا". وأخرج الحكيم والترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس قال: كنت ذات يوم رديف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "ألا أعلمك خصالا ينفعك اله بهن؟ قلت: بلى. قال: عليك بالعلم فإن العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل دليله، والعمل قيمه، والرفق أبوه، واللين أخوه، والصبر أمير جنوده". وأخرج البيهقي في شعب الإيمان والخرائطي في كتاب الشكر عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الإيمان نصفان. فنصف في الصبر، ونصف في الشكر". وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله". وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود موقوفا مثله. وقال البيهقي: إنه المحفوظ. وأخرج البيهقي عن علي بن أبي طالب قال: الإيمان على أربع دعائم. على الصبر والعدل واليقين والجهاد. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن جابر بن عبد اللّه قال: "قيل يا رسول اللّه أي الإيمان أفضل؟ قال: الصبر والسماحة. قيل: فأي المؤمنين أكمل إيمانا؟ قال: أحسنهم خلقا". وأخرج البيهقي عن عبد اللّه بن عبيد بن عمير الليثي عن أبيه عن جده قال: بينا أنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا جاءه رجل فقال: يا رسول اللّه ما الإيمان؟ قال: الصبر والسماحة. قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر السوء. قال: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من أهرق دمه وعقر جواده. قال: فأي الصدقة أحسن أفضل؟ قال: جهد المقل. قال: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت". وأخرج أحمد والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال: قال رجل "يا رسول اللّه أي العمل أفضل؟ قال: الصبر والسماحة. قال: أريد أفضل من ذلك. قال: لا تتهم اللّه في شيء من قضائه". وأخرج البيهقي عن الحسن قال: الإيمان الصبر والسماحة الصبر عن محارم اللّه وأداء فرائض اللّه. وأخرج ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان والبيهقي عن علي قال: الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، إذا قطع الرأس نتن باقي الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الحسن. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "ادخل نفسك في هموم الدنيا وأخرج منها بالصب، وليردك عن الناس ما تعلم من نفسك". وأخرج البيهقي عن البراء بن عازب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من قضى نهمته في الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة، ومن مد عينيه إلى زينة المترفين كان مهينا في ملكوت السماء، ومن صبر على القوت الشديد أسكنه اللّه الفردوس حيث شاء". وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه والبيهقي واللفظ له عن ابن عمر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال "قد أفلح من أسلم وكان رزقه كفافا وصبر على ذلك". وأخرج البيهقي عن أبي الحويرث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "طوبى لمن رزقه اللّه الكفاف وصبر عليه". وأخرج البيهقي عن عسعس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقد رجلا فسأل عنه، فجاء فقال: يا رسول اللّه إني أردت أن آتي هذا الجبل فأخلو فيه وأتعبد فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لصبر أحدكم ساعة على ما يكره في بعض مواطن الإسلام خير من عبادته خاليا أربعين سنة". وأخرج البيهقي من طريق عسعس بن سلامة عن أبي حاضر الأسدي "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقد رجلا فسأل عنه، فقيل: إنه قد تفرد يتعبد. فبعث إليه فأتى إليه فقال: رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ألا إن موطنا من مواطن المسلمين أفضل من عبادة الرجل وحده ستين سنة. قالها ثلاثا". وأخرج البخاري في الأدب والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم". وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أيكم يسره أن يقيه اللّه من فيح حهنم، ثم قال: ألا إن عمل الجنة خزن بربوة ثلاثا، ألا إن عمل النهار سهل لشهوة ثلاثا، والسعيد من وقي الفتن ومن ابتلي فصبر، فيا لها ثم يا لها...! ". وأخرج البيهقي وضعفه عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما صبر أهل بيت على جهد ثلاثا إلا أتاهم اللّه برزق. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من حديث ابن عمر. مثله. وأخرج البيهقي من وجه آخر ضعيف عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من جاع أو احتاج فكتمه الناس كان حقا على اللّه أن يرزقه رزق سنة من حلال". وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: ما من مؤمن تقي يحبس اللّه عنه الدنيا ثلاثة أيام وهو في ذلك راض عن اللّه من غير جزع إلا وجبت له الجنة. وأخرج البيهقي عن شريح قال: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد اللّه عليها أربع مرات: أحمده إذ لم تكن أعظم مما هي، وأحمده إذ رزقني الصبر عليها، وأحمده إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب، وأحمده إذ لم يجعلها في ديني. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الحسن قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم فقال "هل منكم من يريد أن يؤتيه اللّه علما بغير تعلم وهديا بغير هداية، هل منكم من يريد أن يذهب اللّه عنه العمى ويجعله بصيرا، ألا إنه من زهد الدنيا وقصر أمله فيها أعطاه اللّه علما بغير تعلم وهدى بغير هداية، ألا إنه سيكون بعدكم قوم لا يستقيم لهم الملك إلا بالقتل والتجبر، ولا الغنى إلا بالبخل والفخر، ولا المحبة إلا بالاستجرام في الدين واتباع الهوى، ألا فمن أدرك ذلك الزمان منكم فصبر للفقر وهو يقدر على الغنى، وصبر للبغضاء وهو يقدر على المحبة، وصبر على الذل وهو يقدر على العز، لا يريد بذلك إلا وجه اللّه أعطاه ثواب خمسين صديقا". وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أفضل الإيمان الصبر والسماحة". وأخرج مالك وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إنه من يستعف يعفه اللّه، ومن يستغن يغنه اللّه، ومن يتصبر يصبره اللّه، ولم تعطوا عطاءا خيرا وأوسع من الصبر". وأخرج أحمد في الزهد عن عمر بن الخطاب قال: وجدنا خير عيشنا الصبر. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ميمون بن مهران قال: ما نال رجلا من جسيم الخير شيء إلا بالصبر. وأما قوله تعالى: {والصلاة} أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {واستعينوا بالصبر والصلاة} قال: على مرضاة اللّه، واعلموا أنهما من طاعة اللّه. وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير عن حذيفة قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة". وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن أبي الدرداء قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا كانت ليلة ريح كان مفزعه إلى المسجد حتى يسكن، وإذا حدث في السماء حدث من كسوف شمس أو قمر كان مفزعه إلى الصلاة". وأخرج أحمد والنسائي وابن حبان عن صهيب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "كانوا - يعني الأنبياء - يفزعون إذا فزعوا إلى الصلاة". وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس. أنه كان في مسير له، فنعي إليه ابن له، فنزل فصلى ركعتين ثم استرجع وقال: فعلنا كما أمرنا اللّه فقال {واستعينوا بالصبر والصلاة}. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن ابن عباس. أنه نعي إليه أخوه قثم وهو في مسير فاسترجع، ثم تنحى عن الطريق فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عبادة بن محمد بن عبادة بن الصامت قال: لما حضرت عبادة الوفاة قال: أحرج على إنسان منكم يبكي، فإذا خرجت نفسي فتوضؤوا وأحسنوا الوضوء، ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجدا فيصلي، ثم يستغفر لعباده ولنفسه فإن اللّه تبارك وتعالى قال {واستعينوا بالصبر والصلاة} ثم أسرعوا بي إلى حفرتي. وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي من طريق معمر عن الزهري عن حميد ابن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة وكانت من المهاجرات الأول في قوله {واستعينوا بالصبر والصلاة} قالت: غشي على الرحمن بن عبد الرحمن غشية، فظنوا أنه أفاض نفسه فيها، فخرجت امرأته أم كلثوم إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة، فلما أفاق قال: أغشي علي آنفا؟ قالوا: نعم. قال: صدقتم، إنه جاءني ملكان فقالا لي: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين. فقال ملك أخر: ارجعا فإن هذا ممن كتبت له السعادة وهم في بطون أمهاتهم ويستمع به بنوه ما شاء اللّه، فعاش بعد ذلك شهرا ثم مات. وأخرج البيهقي في الشعب عن مقاتل بن حبان في قوله {واستعينوا بالصبر والصلاة} يقول: استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض والصلاة، فحافظوا عليها وعلى مواقيتها وتلاوة القرآن فيها، وركوعها وسجودها وتكبيرها والتشهد فيها والصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم وإكمال ظهورها فذلك إقامتها، وإتمامها قوله {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} يقول: صرفك عن بيت المقدس إلى الكعبة كبر ذلك على المنافقين واليهود {إلا على الخاشعين} يعني المتواضعين. وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {وإنها لكبيرة} قال: لثقيلة. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {وإنها لكبيرة} قال: قال المشركون واله يا محمد إنك لتدعونا إلى أمر كبير. قال: إن الصلاة والإيمان باللّه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إلا على الخاشعين} قال: المصدقين بما أنزل اللّه. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {إلا على الخاشعين} قال: المؤمنين حقا. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {إلا على الخاشعين} قال: الخائفين. ٤٦ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كل ظن في القرآن فهو يقين. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ما كان من ظن الآخرة فهو علم. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {وإنهم إليه راجعون} قال: يسيقنون أنهم راجعون إليه يوم القيامة. ٤٧ أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا تلا {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} قال: مضى القوم وإنما يعني به أنتم. وأخرج ابن جرير عن سفيان بن عينية في قوله {اذكروا نعمتي} قال: إيادي اللّه عليكم وأيامه. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {يا بني إسرائيل اذكروا نعمني التي أنعمت عليكم} قال: نعمة اللّه التي أنعم على بني إسرائيل فيما سمي وفيما سوى ذلك، فجر لهم الحجر، وأنزل عليهم المن والسلوى، وأنجاهم من عبودية آل فرعون. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله {وإني فضلتكم على العالمين} قال: فضلوا على العالم الذي كانوا فيه، ولكل زمان عالم. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {وإني فضلتكم على العالمين} قال: على من هم بين ظهريه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {وإني فضلتكم على العالمين} قال: بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على من كان في ذلك الزمان، فإن لكل زمان عالما. ٤٨ أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: قرأت على أبي بن كعب {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس} بالتاء {لاتقبل منها شفاعة} بالتاء {ولا يؤخذ منها عدل} بالياء. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {لاتجزى نفس عن نفس شيئا} قال: لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا. وأخرج ابن جرير عن عمر بن قيس الملائي عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن الثناء عليه قال: "قيل: يا رسول اللّه ما العدل؟ قال: العدل الفدية". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {ولا يؤخذ منها عدل} قال: بدل البدل الفدية. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءتنا قبل الخمسين من البقرة مكان {لا تقبل منها شفاعة} لا يؤخذ. ٤٩ أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: قالت الكهنة لفرعون: أنه يولد في هذا العام مولود يذهب بملكك. فجعل فرعون على كل ألف امرأة مائة رجل، وعلى كل مائة عشرة، وعلى كل عشر رجلا، فقال: أنظروا كل امرأة حامل في المدينة، فإذا وضعت حملها ذكرا فاذبحوه، وإن أتت أنثى فخلوا عنها، وذلك قوله {يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم...} الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {يسومونكم سوء العذاب...} الآية. قال: إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة، فقال له الكهنة: سيولد العام بمصر غلام يكون هلاكك على يديه. فبعث في أهل مصر للنساء قوابل، فإذا ولدت أمرأة غلاما أتى به فرعون فقتله ويستحي الجواري. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {بلاء من ربكم عظيم} يقول: نعمة. وأخرج وكيع عن مجاهد في قوله {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم} قال: نعمة من ربكم عظيمة. ٥٠ أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون} قال: أي واللّه لفرق بهم البحر حتى صار طريقا يبسا يمشون فيه (فأنجاهم وأغرق آل فرعون) عدوهم نعم من عند اللّه يعرفهم لكيما يشكروا ويعرفوا حقه. وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي عن ابن عباس قال: قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا اليوم الذي تصومون؟ قالوا: هذا يوم صالح نجى اللّه فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: نحن أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصومه". وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير. إن هرقل كتب إلى معاوية وقال: إن كان بقي فيهم شيء من النبوة فسيخبرني عما اسالهم عنه. قال: وكتب إليه يسأله عن المجرة، وعن القوس، وعن البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة واحدة، قال: فلما أتى معاوية الكتاب والرسول قال: إن هذا شيء مل كنت آبه له أن أسال عنه إلى يومي هذا، من لهذا؟ قالوا: ابن عباس. وطوى معاوية كتاب هرقل وبعثه إلى ابن عباس، فكتب إليه: إن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق، والمجرة باب السماء الذي تشق منه، وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من نهار فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل. وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "فلق البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء". ٥١ أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة} قال: ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة، وذلك حين خلف موسى أصحابه واستخلف عليهم هارون، فمكث على الطور أربعين ليلة وأنزل عليهم التوراة في اللوح، فقربه الرب نجيا وكلمه وسمع صرير القلم، وبلغنا أنه لم يحدث حدثا في الأربعين ليلة حتى هبط الطور. أما قوله {ثم اتخذتم} أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: اسم عجل بني 'سرائيل الذي عبدوه يهبوب. ٥٢ أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {ثم عفونا عنكم من بعد ذلك} يعني من بعد ما اتخذتم العجل. ٥٣ أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان} قال: الكتاب هو الفرقان، فرق بين الحق والباطل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: الفرقان جماع اسم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. ٥٤ أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: أمر موسى قومه عن أمر ربه أن يقتلوا أنفسهم، واحتبى الذين عكفوا على العجل فجلسوا، وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم، وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضا، فانجلت الظلمة عنهم وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل، كل من قتل منهم كانت له توبة، وكل من وبقي كانت له توبة. وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال: قالوا لموسى: ما توبتنا؟ قال: يقتل بعضكم بعضا، فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه - واللّه لا يبالي من قتل - حتى قتل منهم سبعون ألفا، فأوحى اللّه إلى موسى: مرهم فليرفعوا أيديهم وقد غفر لمن قتل، وتيب على من بقي. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {إنكم ظلمتم أنفسكم...} الآية. قال: أمر القوم بشديدة من البلاء، فقاموا يتناحرون بالشفار، ويقتل بعضهم بعضا، حتى بلغ اللّه نقمته فيهم وعقوبته، فلما بلغ ذلك سقطت الشفار من أيديهم وأمسك عنهم القتل، فجعله اللّه للحي منهم توبة وللمقتول شهادة. وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن الزهري قال: لما أمرت بنو إسرائي بقتل أنفسها برزوا ومعهم موسى، فاضطربوا بالسيوف وتطاعنوا بالخناجر وموسى رافع يديه، حتى إذا أفنوا بعضهم قالوا: يا نبي اللّه ادع لنا، وأخذوا بعضديه فلم يزل أمرهم على ذلك حتى إذا قبل اللّه توبتهم قبض أيديهم بعضهم عن بعض، فألقوا السلاح وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم، فأوحى اللّه إلى موسى: ما يحزنك...؟ أما من قتل منكم فحي عندي يرزق، وأما من بقي فقد قبلت توبته. فسر بذلك موسى وبنو إسرائيل. وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {إلى بارئكم} قال: خالقكم. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول تبع: شهدت على أحمد أنه* رسول من اللّه باري النسم وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {إلى بارئكم} قال: خالقكم. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: كان أمر موسى قومه عن أمر ربه أن يقتل بعضهم بعض بالخناجر، ففعلوا فتاب اللّه عليهم. ٥٥ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {حتى نرى اللّه جهرة} قال: علانية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة} قال: هم السبعون الذي اختارهم موسى {فأخذتكم الصاعقة} قال: ماتوا {ثم بعثناكم من بعد موتكم} فبعثوا من بعد الموت ليستوفوا آجالهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: عوقب القوم فأماتهم اللّه عقوبة، ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليتوفوها. وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {فأخذتكم الصاعقة} قال: العذاب، وأصله الموت. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت ربيعة وهو يقول: وقد كنت أخشى عليك الحتوف * وقد كنت آمنك الصاعقة ٥٦ انظر تفسير الآية: ٥٧ ٥٧ أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وظللنا عليكم الغمام} قال: غمام أبرد من هذا وأطيب، وهو الذي يأتي فيه يوم القيامة، وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر، وكان معهم في التيه. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وظللنا عليكم الغمام} قال: ليس بالسحاب، هو الغمام الذي يأتي اللّه فيه يوم القيامة ولم يكن إلا لهم. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة {وظللنا عليكم الغمام} قال: هو السحاب الأبيض الذي لا ماء فيه. وأخرج عبد بن حميد عن أبي مجلز في قوله {وظللنا عليكم الغمام} قال: ظلل عليهم في التيه. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتاد في قوله {وظللنا عليكم الغمام...} الآية. قال: كان هذا في البرية، ظلل عليهم الغمام من الشمس، وأطعمهم المن والسلوى حين برزوا إلى البرية، فكان المن يسقط عليهم في محلتهم سقوط الثلج، أشد بياضا من الثلج، يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فيأخذ الرجل قدر ما يكفيه يومه ذلك فإن تعدى فسد وما يبقى عنده، حتى إذا كان يوم سادسه جمعة أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه فيبقي عنده، لأن إذا كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر معيشة ولا لطلب شيء، وهذا كله في البرية. أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال {المن} شيء أنزله اللّه عليهم مثل الطل شبه الرب الغليظ {والسلوى} طير أكبر من العصفور. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: {المن} صمغة {السلوى} طائر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: قالوا يا موسى كيف لنا بماء ههنا، أين الطعام؟ فأنزل اللّه عليهم المن، فكان يسقط على شجرة الترنجبين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه. أنه سئل ما المن؟ قال: خبز الرقاق مثل الذرة، أو مثل النقي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال {المن} شراب كان ينزل عليهم مثل العسل، فيمزجونه بالماء ثم يشربونه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان المن ينزل عليهم بالليل على الأشجار، فيغذون إليه فيأكلون منه ما شاؤوا {والسلوى} طائر شبيه بالسماني كانوا يأكلون منه ما شاؤوا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: {المن} الذي يسقط من السماء على الشجر فتأكله الناس {والسلوى} هو السماني. وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي حاتم عن سعيد بن زيد قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين". وأخرج أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة. مثله. وأخرج النسائي من حديث جابر بن عبد اللّه وأبي سعيد الخدري وابن عباس. مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة {السلوى} طائر يشبه السماني. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الضحاك أنه كان يقول: السماني هي السلوى. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: كانت السلوى طيرا إلى الحمرة تحشرها عليهم الريح الجنوب، فكان الرجل منهم يذبح منها قدر ما يكفيه يومه ذلك، فإذا تعدى فسد ولم يبق عنده، حتى إذا كان يوم سادسه يوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه. وأخرج سفيان بن عينية وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: سألت بنو إسرائيل موسى اللحم فقال اللّه: لأطعمنهم من أقل لحم يعلم في الأرض. فأرسل عليهم ريحا فاذرت عند مساكنهم السلوى - وهو السماني - ميلا في ميل قيد رمح في السماء، فجنوا للغد فنتن اللحم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أنه سئل عن السلوى فقال: طير سمين مثل الحمام، وكان يأيتهم فيأخذون منه سبت إلى سبت. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وما ظلمونا} قال: نحن أعز من أن نظلم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} قال: يضرون. ٥٨ أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ادخلوا هذه القرية} قال: بيت المقدس. وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله {وادخلوا الباب} قال: باب ضيق {سجدا} قال: ركعا {وقولوا حطة} قال: مغفرة قال: فدخلوا من قبل استاههم وقالوا: حنطة استهزاء قال: فذلك قوله عز وجل (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) (البقرة الآية ٥٩). وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وادخلوا الباب سجدا} قال: هو أحد أبواب بيت المقدس وهو يدعى باب حطة. وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: قيل لهم {ادخلوا الباب سجدا} فدخلوا مقنعي رؤوسهم {وقولوا حطة} فقالوا: حنطة حبة حمراء فيها شعيرة، فذلك قوله {فبدل الذين ظلموا} (البقرة الآية ٥٩) وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ والحاكم عن ابن مسعود أنهم قالوا: هطى سمقاثا أزبة مزبا. فهي بالعربية حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعيرة سوداء. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {وقولوا حطة} أي احطط عنا خطايانا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {وادخلوا الباب سجدا} قال: طأطئوا رؤوسكم {وقولوا حطة} قال: قولوا لا إله إلا اللّه. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله {وقولوا حطة} قال: لا إله إلا اللّه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان الباب قبل القبلة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: باب حطة من أبواب بيت المقدس، أمر موسى قومه أن يدخلوا ويقولوا حطة، وطؤطئ لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم، فلما سجدوا قالوا حنطة. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {وادخلوا الباب سجدا} قال: كنا نتحدث أنه باب من أبواب بيت المقدس {وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين} قال: من كان خاطئا غفرت له خطيئته، ومن كان محسنا زاده اللّه إحسانا (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) (البقرة الآية ٥٩) قال: بين لهم أمرا علموه فخالفوه إلى غيره جرأة على اللّه وعتوا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وسنزيد المحسنين} قال: من كان قبلكم محسنا زيد في إحسانه ومن كان مخطئا نغفر له خطيئته. وأخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة، فبدلوا فدخلوا يزحفون على استاههم، وقالوا حبة في شعرة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس وأبي هريرة قالا: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ادخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجدا يزحفون على استاههم، وهم يقولون: حنطة في شعيرة". وأخرج أبو داود والضياء المقدسي في المختارة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "قال اللّه لبني إسرائيل {ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم} ". وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال: "سرنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى إذا كان من آخر الليل اجتزنا في برية يقال لها ذات الحنظل، فقال: ما مثل هذه الثنية الليلة إلا كمثل الباب الذي قال اللّه لبني إسرائيل {ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم} ". وأخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب قال: إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكتاب حطة في بني إسرائيل. ٥٩ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كل شيء في كتاب اللّه من الرجز يعني به العذاب. وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن مالك وأسامة بن زيد وخزيمة بن ثابت قالوا: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن هذا الطاعون رجز وبقية عذاب عذب به أناس من قبلكم، فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا بلغكم أن بأرض فلا تدخلوها". وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في الآية قال: الرجز الغضب. ٦٠ أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وإذ وإذ استسقى موسى لقومه...} الآية. قال: ذلك في التيه، ضرب لهم موسى الحجر فصار فيه اثنتا عشرة عينا من ماء، لكل سبط منهم عين يشربون منها. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {وإذ وإذ استسقى موسى لقومه...} الآية. قال: كان هذا في البرية حيث خشوا الظمأ استسقى موسى فأمر بحجر أن يضربه، وكان حجرا طورانيا من الطور يحملونه معهم، حتى إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه {فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشاربهم} قال: لكل سبط مهم عين معلومة يستفيد ماءها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: انفجر لهم الحجر بضربة موسى اثنتي عشرة عينا، كل ذلك كان في تيههم حين تاهوا. وأخرج ابن أبي حاتم عن جوبير أنه سئل في قوله {قد علم كل أناس مشاربهم} قال: كان موسى يضع الحجر ويقوم من كل سبط رجل، ويضرب موسى الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينا، فينتضح من كل عين على رجل، فيدعو ذلك الرجل سبطه إلى تلك العين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تعثوا في الأرض} قال: لا تسعوا. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} قال: لا تسعوا في الأرض فسادا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله {ولا تعثوا} قال: يعني ولا تمشوا بالمعاصي. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} قال: لا تسيروا في الأرض مفسدين. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: استسقى موسى لقومه فقال: اشربوا يا حمير: فقال اللّه تعالى له: لا تسم عبادي حميرا. ٦١ أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد} قال: المن والسلوى، استبدلوا به البقل وما ذكر معه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قالوا: ملوا طعامهم في البرية وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه قبل ذلك، فقالوا {ادع لنا ربك...} الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله {وفومها} قال: الخبز. وفي لفظ: البر. وفي لفظ: الحنطة بلسان بني هاشم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير من طرق عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى {وفومها} قال: الحنطة. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت أحيحة بن الجلاح وهو يقول: قد كنت أغنى الناس شخصا واحدا * ورد المدينة عن زراعة فوم وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وعطاء في قوله {وفومها} قالا: الخبز. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن وأبي مالك في قوله {وفومها} قالا: الخبز. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن وأبي مالك في قوله {وفومها} قالا: الحنظة. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس قال: الفوم الثوم. وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال: الفوم الثوم - وفي بعض القراءة وثومها. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر عن ابن مسعود: أنه قرأ وثومها. وأخرج ابن أبي داود عن ابن عباس قال: قرائتي قراءة زيد، وأنا آخذ ببضعة عشر حرفا من قراءة ابن مسعود هذا أحدها {من بقلها وقثائها وثومها}. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {وفومها} قال: الفوم الحنطة. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت أبا محجن الثقفي وهو يقول: قد كنت أحسبني كأغنى واحد * قدم المدينة عن زراعة فوم قال: يا ابن الأزرق ومن قرأها على قراءة ابن مسعود فهو المنتن قال أمية ابن أبي الصلت: كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة * فيها الفراديس والفومات والبصل وقال أمية ابن الصلت أيضا: أنفي الدياس من الفوم الصحيح كما * أنفي من الأرض صوب الوابل البرد وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {أتسبدلون الذي هو أدنى} قال: أردأ. وأخرج سفيان بن عينية وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {اهبطوا مصرا} قال: مصرا من الأمصار. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {اهبطوا مصرا} يقول: مصرا من الأمصار. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {اهبطوا مصرا} قال: يعني به مصر فرعون. وأخرج ابن أبي داود وابن الأنباري في المصاحف عن الأعمش أنه كان يقرأ {اهبطوا مصرا} بلا تنوين، ويقول: هي مصر التي عليها صالح بن علي. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وضربت عليهم الذلة والمسكنة} قال: هم أصحاب الجزية. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة والحسن {وضربت عليهم الذلة والمسكنة} قال: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {والمسكنة} قال: الفاقة. وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {وباؤوا بغضب من اللّه} قال: استحقوا الغضب من اللّه. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {وباؤوا} قال: انقلبوا. وأما قوله تعالى: {ويقتلون النبيين}. أخرج أبو داود والطاليسي وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة نبي، ثم يقيمون سوق بقلهم في آخر النهار. وأخرج أحمد عن ابن مسعود. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتل نبيا أو قتله نبي، وإمام ضلالة وممثل من الممثلين". وأخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أبي ذر قال "جاء إعرابي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا نبيء اللّه. قال: لست بنبيء اللّه ولكنني نبي اللّه قال الذهبي: منكر لم يصح". وأخرج ابن عدي عن حمران بن أعين "أن رجلا من أهل البادية أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: السلام عليك يا نبيء اللّه. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: لست بنبيء اللّه ولكنني نبي اللّه". وأخرج الحاكم عن ابن عمر قال "ما همز رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا الخلفاء، وإنما الهمز بدعة من بعدهم. ٦٢ أخرج ابن أبي عمر العدني في سنده وابن أبي حاتم عن سلمان قال: سألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم، فذكر من صلاتهم وعبادتهم، فنزلت {وإن الذين آمنوا والذين هادوا...} الآية. وأخرج الواحدي عن مجاهد قال: لما قص سلمان على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قصة أصحابه قال: هم في النار. قال سلمان: فأظلمت علي الأرض، فنزلت {وإن الذين آمنوا والذين هادوا} إلى قوله {يحزنون} قال: فكأنما كشف عني جبل. وأخرج ابن جرير واللفظ له وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {وإن الذين آمنوا والذين هادوا...} الآية. قال: نزلت هذه الآية في أصحاب سلمان الفارسي، وكان رجلا من جند نيسابور، وكان من أشرافهم، وكان ابن الملك صديقا له مؤاخيا لا يقضي واحد منهما أمر دون صاحبه، وكانا يركبان إلى الصيد جميعا، فبينما هما في الصيد إذ رفع لهما بيت من عباءة، فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه وهو يبكي فسألاه ما هذا؟ فقال: الذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما، فإن كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا حتى أعلمكما، فنزلا إليه فقال لهما: هذا كتاب جاء من عند اللّه، أمر فيه بطاعته ونهى عن معصيته، فيه أن لا تسرق ولا تزني ولا تأخذ أموال الناس بالباطل، فقص عليهما ما فيه وهو الإنجيل الذي أنزل اللّه على عيسى، فوقع في قلوبهما وتابا فأسلما، وقال لهما: إن ذبيحة قومكما عليكما حرام، فلم يزالا معه كذلك يتعلمان منه حتى كان عيد للملك، فجمع طعاما ثم جمع الناس والأشراف، وأرسل إلى ابن الملك رسولا فدعاه إلى ضيعته ليأكل مع الناس، فأبى الفتى وقال: إني عنك مشغول فكل أنت وأصحابك، فلما أكثر عليه من الرسل أخبرهم أنه لا يأكل من طعامهم، فبعث الملك إلى ابنه ودعاه وقال: ما أمرك هذا؟ قال: إنا لا نأكل من ذبائحكم، إنكم كفار ليس تحل ذبائحكم. فقال له الملك: من أمرك هذا؟ فأخبره أن الراهب أمره بذلك، فدعا الراهب فقال: ماذا يقول ابني؟ قال: صدق ابنك. قال له: لولا الدم فينا عظيم لقتلتك ولكن أخرج من أرضنا، فأجله أجلا فقال سلمان: فقمنا نبكي عليه. فقال لهما: إن كنتما صادقين فإنا في بيعة في الموصل، ستين رجلا نعبد اللّه فأتونا فيها، فخرج الراهب وبقي سلمان وابن الملك، فجعل سلمان يقول لابن الملك: انطلق بنا. وابن الملك يقول: نعم. وجعل ابن الملك يبيع متاعه يريد الجهاز، فلما أبطأ على سلمان خرج سلمان حتى أتاهم، فنزل على صاحبه وهو رب البيعة، فكان أهل تلك البيعة أفضل مرتبة من الرهبان، فكان سلمان معه يجتهد في العبادة ويتعب نفسه، فقال له سلمان: أرأيت الذي تأمرني به هو أفضل أو الذي أصنع؟ قال: بل الذي تصنع. قال: فخل عني. ثم إن صاحب البيعة دعاه فقال أتعلم أن هذه البيعة لي وأنا أحق الناس بها، ولو شئت أن أخرج منها هؤلاء لفعلت ولكني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء، وأنا أريد أن أتحول من هذه البيعة إلى بيعة أخرى هم أهون عبادة من ههنا، فإن شئت أن تقيم هنا فاقم وإن شئت أن تنطلق معي فانطلق. فقال له سلمان: أي البيعتين أفضل أهلا؟ قال: هذه. قال سلمان: فأنا اكون في هذه فأقام سلمان بها وأوصى صاحب البيعة بسلمان يتعبد معهم. ثم إن الشيخ أراد أن يأتي بيت المقدس فدعا سلمان فقال: إني أريد أن آتي بيت المقدس، فإن شئت أن تنطلق معي فانطلق، وإن شئت أن تقيم فأقم. قال له سلمان: أيهما أفضل، أنطلق معك أو أقيم؟ قال: لا بل تنطلق. فانطلق معه فمروا بمقعد على ظهر الطريق ملقى، فلما رآهما نادى يا سيد الرهبان ارحمني رحمك اللّه، فلم يكلمه ولم ينظر إليه، وانطلقا حتى أتيا بيت المقدس، وقال الشيخ لسلمان: أخرج فاطلب العلم، فإنه يحضر هذا المسجد علماء الأرض. فخرج سلمان يسمع منهم، فرجع يوما حزينا فقال له الشيخ مالك يا سلمان قال: إن الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء والأتباع. فقال له الشيخ: لا تحزن فإنه قد بقي نبي ليس من نبي بأفضل تبعا منه، وهذا الزمان الذي يخرج فيه ولا أراني أدركه، وأما أنت فشاب فلعلك أن تدركه، وهو يخرج في أرض العرب فإن أدركته فآمن به واتبعه. قال له سلمان: فأخبرني عن علامته بشيء. قال: نعم، وهو مختوم في ظهره بخاتم النبوة وهو يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، ثم رجعا حتى بلغا مكان المقعد فناداهما فقال: يا سيد الرهبان ارحمني رحمك اللّه فعطف إليه حماره فأخذ بيده فرفعه فضرب به الأرض ودعا له، وقال: قم بإذن اللّه. فقام صحيحا يشتد. فجعل سلمان يتعجب وهو ينظر إليه، وسار الراهب فغيب عن سلمان ولا يعلم سلمان. ثم إن سلمان فزع بطلب الراهب، فلقيه رجلان من العرب من كلب، فسألهما هل رأيتما الراهب؟ فأناخ أحدهما راحلته قال: نعم [؟؟] راعي الصرمة هذا، فحمله فانطلق به إلى المدينة قال سلمان: فأصابني من الحزن شيء لم يصبني مثله قط، فاشترته امرأة من جهينة فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم، هذا يوما وهذا يوما، وكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد صلى اللّه عليه وسلم. فبينما هو يوما يرعى إذ أتاه صاحبه بعقبة فقال له: أشعرت أنه قد قدم المدينة اليوم رجل يزعم أنه نبي؟! فقال له سلمان: أقم في الغنم حتى آتيك. فهبط سلمان إلى المدينة فنظر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ودار حوله، فلما رآه النبي صلى اللّه عليه وسلم عرف ما يريد، فأرسل ثوبه حتى خرج خاتمة، فلما رآه أتاه وكلمه، ثم انطلق فاشترى بدينار ببعضه شاة فشواها وببعضه خبزا، ثم أتاه به فقال: ماهذه؟ قال سلمان: هذه صدقة. قال: لا حاجة لي بها فأخرجها فليأكلها المسلمون. ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزا ولحما، ثم أتى به النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قال: هذه هدية. قال: فاقعد فكل. فقعد فأكلا منها جميعا. فبينما هو يحدثه إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم، فقال: كانوا ويصومون ويؤمنون بك، ويشهدون أنك ستبعث نبيا، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يا سلمان هم من أهل النار" فاشتد ذلك على سلمان وقد كان قال له سلمان: لو أدركوك صدقوك واتبعوك. فأنزل اللّه هذه الآية {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن باللّه واليوم الآخر}. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال "سأل سلمان الفارسي النبي صلى اللّه عليه وسلم عن أولئك النصارى، وما رأى أعمالهم، قال: لم يموتوا على الإسلام. قال سلمان: فأظلمت علي الأرض وذكرت اجتهادهم، فنزلت هذه الآية {إن الذين آمنوا والذين هادوا} فدعا سلمان فقال: نزلت هذه الآية في أصحابك، ثم قال: من مات على دين عيسى قبل أن يسمع بي فهو على خير، ومن سمع بي ولم يؤمن فقد هلك". وأخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن الذين آمنوا والذين هادوا...} الآية. قال: فأنزل اللّه بعد هذا (ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد اللّه بن نجى عن علي قال: إنما سميت اليهود لأنهم قالوا: إنا هدنا إليك. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن مسعود قال: نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية، بكلمة موسى عليه السلام إنا هدنا إليك، ولم تسمت النصارى بالنصرانية، من كلمة عيسى عليه السلام كونوا أنصار اللّه. وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود قال: نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية، ولم تسمت النصارى بالنصرانية، إنما تسمت اليهود باليهودية بكلمة قالها موسى إنا هنا إليك، فلما مات قالوا هذه الكلمة كانت تعجبه فتسموا اليهود، وإنما تسمت النصارى بالنصرانية لكلمة قالها عيسى من أنصاري إلى اللّه؟ قال الحواريون: نحن أنصار اللّه فتسموا بالنصرانية. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: إنما سموا نصارى بقرية يقال لها ناصرة ينزلها عيسى بن مريم، فهو اسم تسموا به ولم يؤمروا به. وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن جرير عن ابن عباس قال: إنما سميت النصارى لأن قرية عيسى كانت تسمى ناصرة. وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الصابئون قوم بين اليهود والمجوس والنصارى ليس لهم دين. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: الصابئون ليسوا بيهود ولا نصارى، هم قوم من المشركين لا كتاب لهم. وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال: سئل ابن عباس عن الصابئين؟ فقال: هم قوم بين اليهود والنصارى والمجوس، لا تحل ذبائحهم ولا مناكحهم. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: الصابئون منزله بين النصرانية والمجوسية. لفظ ابن أبي حاتم: منزلة بين اليهود والنصارى. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: ذهبت الصابئون إلى اليهود فقالوا: ما أمركم؟ قالوا: نبينا موسى جاءنا بكذا وكذا ونهانا عن كذا وكذا، وهذه التوراة فمن تابعنا دخل الجنة، ثم أتوا النصارى فقالوا في عيسى ما قالت اليهود في موسى، وقالوا هذا الإنجيل فمن تابعنا دخل الجنة، فقالت الصابئون هؤلاء يقولون نحن ومن اتبعنا في الجنة، واليهود يقولون نحن ومن اتبعنا في الجنة، فنحن به لا ندين، فسماهم اللّه الصابئين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور. وأخرج وكيع عن السدي قال الصابئون من أهل الكتاب. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: الصابئون قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى غير القبلة، ويقرؤون الزبور. وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: الصابئ: الذي يعرف اللّه وحده، وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الزناد قال: الصابئون قال: الصابئون مما يلي العراق، وهم بكوثى يؤمنون بالنبيين كلهم. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: يقولون الصابئون: وما الصابئون [؟؟] الصابئون ويقولون: الخاطئون وما الخاطئون الخاطئون. ٦٣ انظر تفسير الآية: ٦٤ ٦٤ أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور} فقال: جبل نزلوا بأصله فرفع فوقهم، فقال: لتأخذن أمري أو لأرمينكم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الطور الذي أنزلت عليه التوراة، وكان بنو إسرائيل أسفل منه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: الطور ما أنبت من الجبال، وما لم ينبت فليس بطور. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الطور الجبل بالسريانية. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: النبط يسمون الجبل الطور. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {خذوا ما آتيناكم بقوة} قال: بجد. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية {واذكروا ما فيه} يقول: اقرؤوا ما في التوراة واعلموا به. وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس في قوله {لعلكم تتقون} قال: لعلكم تنزعون عما أنتم عليه. ٦٥ انظر تفسير الآية: ٦٦ ٦٦ أخرج ابن جرير عن ابن عباس {ولقد علمتم} قال: عرفتم، وهذا تحذير لهم من المعصية يقول: احذورا أن يصيبكم ما أصاب أصحاب السبت إذ عصوني اعتدوا يقول: اجترؤوا في السبت بصيد السمك فقلنا لهم {كونوا قردة خاسئين} فمسخهم اللّه قردة بمعصيتهم، ولم يعش مسخ فوق ثلاثة أيام، ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إنما كان الذين اعتدوا في السبت فجعلوا قردة فواقا، ثم هلكوا ما كان للمسخ نسل.. وأخرج ابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس قال: القردة والخنازير من نسل الذين مسخوا. وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال: انقطع ذلك النسل. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله {فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} قال: مسخت قلوبهم ولم يمخوا قردة، وإنما هو مثل ضربه اللّه لهم مثل الحمار يحمل أسفارا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: أحلت لهم الحيتان وحرمت عليهم يوم السبت ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، فكان القوم فيهم ثلاثة أصناف، وأما صنف فأمسك ونهى عن المعصية، وأما صنف فأمسك عن حرمة اللّه، وأما صنف فانتهك المعصية ومرن على المعصية، فلما أبوا إلا عتوا عما نهاهم اللّه عنه {قلنا لهم كونوا قردة خاسئين} وصار القوم قردوا تعاوى لها الذئاب بعد ما كانوا رجالا ونساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {خاسئين} قال: ذليلين. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {خاسئين} قال: صاغرين. وأخرج ابن جرير عن مجاهد. مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {فجعلناها نكالا لما بين يديها} من الذنوب {وما خلفها} من القرى {وموعظة للمتقين} الذين من بعدهم إلى يوم القيامة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فجعلناها} يعني الحيتان {نكالا لما بين يديها وما خلفها} من الذنوب التي عملوا قبل وبعد. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فجعلناها} قال: فجعلنا تلك العقوبة وهي المسخة {نكالا} عقوبة {لما بين يديها} يقول: ليحذر من بعدهم عقوبتي {وما خلفها} يقول: للذين بقوا معهم {وموعظة} تذكرة وعبرة للمتقين. وأخرج عبد بن حميد عن سفيان في قوله {نكالا لما بين يديها وما خلفها} قال: من الذنوب {وموعظة للمتقين} قال: لأمة محمد عليه السلام. ٦٧ أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت عن ابن عباس قال: كانت مدينتان في بني إسرائيل. وأحداها حصينة ولها أبواب، والآخرى خربة. فكان أهل المدينة الحصينة إذا أمسوا أغلقوا أبوابها، فإذا أصبحوا قاموا على سور المدينة فنظروا هل حدث فيما حولها حادث، فأصبحوا يوما فإذا شيخ قتيل مطروح بأصل مدينتهم، فأقبل أهل المدينة الخربة فقالوا: قتلتم صاحبنا وابن أخ له شاب يبكي عليه ويقول: قتلتم عمي. قالوا: واللّه ما فتحنا مدينتنا منذ أغلقناها، وما لدينا من دم صاحبكم هذا! فأتوا موسى، فأوحى اللّه إلىموسى {إن اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرة} إلى قوله {فذبحوها وما كادوا يفعلون ْ. قال: وكان في بني إسرائيل غلام شاب يبيع في حانوت له، وكان له أب شيخ كبير، فأقبل رجل من بلد آخر يطلب سلعة له عنده فأعطاه بها ثمنا، فانطلق معه ليفتح حانوته فيعطيه الذي طلب والمفتاح مع أبيه، فإذا أبوه نائم في ظل الحانوت فقال: أيقظه. قال ابنه: إنه نائم وأنا أكره أن أروعه من نومته. فانصرفا فأعطاه ضعف ما أعطاه على أن يوقظه فأبى، فذهب طالب السلعة. فاستيقظ الشيخ فقال له ابنه: يا أبت واللّه لقد جاء ههنا رجل يطلب سلعة كذا، فأعطى بها من الثمن كذا وكذا، فكرهت أن أروعك من نومك فلامه الشيخ، فعوضه اللّه من بره بوالده أن نتجت من بقر تلك البقرة التي يطلبها بنو إسرائيل، فأتوه فقالوا له: بعناها فقال: لا. قالوا: إذن نأخذ منك. فأتوا موسى فقال: اذهبوا فأرضوه من سلعته. قالوا: حكمك؟ قال: حكمي أن تضعوا البقرة في كفة الميزان ذهبا صامتا في الكفة الآخرى، فإذا مال الذهب أخذته ففعلوا، وأقبلوا بالبقرة حتى انتهوا بها إلى قبر الشيخ، واجتمع أهل المدينتين فذبحوها، فضرب ببضعة من لحمها القبر، فقام الشيخ ينفض رأسه يقول: قتلني ابن أخي طال عليه عمري وأراد أخذ مالي ومات. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عبيدة السلماني قال: كان رجل من بني إسرائيل عقيما لا يولد له، وكان له مال كثير، وكان ابن أخيه وارثه، فقتله ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم إلى بعض، فقال ذوو الرأي منهم: علا م يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول اللّه فيكم؟ فأتوا موسى فذكروا ذلك له فقال {إن اللّه يأمركم أن تذبجوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين} قال: فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم، حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها، فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها فقال: واللّه لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا، فذبحوها فضربوه ببعضها فقام، فقالوا: من قتلك؟ فقال: هذا لإبن أخيه ثم مال ميتا، فلم يعط من ماله شيئا ولم يورث قاتل بعد.وأخرج عبد الرزاق عن عبيدة قال: أول ما قضي أنه لا يرث القاتل في صاحب بني إسرائيل. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال: أول ما منع القاتل الميراث لكان صاحب البقرة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إن شيخا من بني إسرائيل على عهد موسى كان مكثرا من المال، وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم، وكان الشيخ لا ولد له، وكان بنو أخيه ورثته فقالوا: ليت عمنا قد مات فورثنا ماله، وأنه لما تطاول عليهم أن لا يموت أتاهم الشيطان فقال: هل لكم إلى أن تقتلوا عمكم وتغرموا أهل المدينة التي لستم بها ديته، وذلك أنهما كانتا مدينتين كانوا في أحداهما، وكان القتيل إذ قتل فطرح بين المدينتين قيس ما بين القتيل والقريتين فأيهما كانت أقرب إليه غرمت الدية، وأنهم لما سول لهم الشيطان ذلك عمدوا إليه فقتلوه، ثم طرحوه على باب المدينة التي ليسوا بها، فلما أصبح أهل المدينة جاء بنو أخي الشيخ فقالوا: عمنا قتل على باب مدينتكم، فواللّه لتغرمن لنا ديته. قال: أهل المدينة نقسم باللّه ما قتلنا، ولا علمنا قاتلا، ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا، فعمدوا إلى موسى، فجاءه جبريل فقال: قل لهم {إن اللّه يأمركم أن تذبجوا بقرة} فتضربوه ببعضها. وأخرج سفيان بن عينية عن عكرمة قال: كان لبني إسرائيل مسجد له اثنا عشر بابا، لكل سبط منهم باب يدخلون منه ويخرجون، فوجد قتيل على باب سبط من الأسباط قتل على باب سبط وجر إلى باب سبط آخر، فاختصم فيه أهل السبطين. فقال هؤلاء: أنتم قتلتم هذا، وقال الآخرون: بل أنتم قتلتموه، ثم جررتموه إلينا. فاختصموا إلى موسى فقال {ن اللّه يأمركم أن تذبجوا بقرة...} الآية. {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك} قال: فذهبوا يطلبونها فكأنها تعذرت عليهم، فرجعوا إلى موسى فقالوا {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي... وإنا إن شاء اللّه لمهتدون} ولولا أنهم قالوا إن شاء اللّه ما وجدوها {قال: إنه يقول إنها بقرة لا ذلول} ألا وإنما كانت البقرة يومئذ بثلاثة دنانير، ولو أنهم أخذوا أدنى بقرهم فذبحوها كفتهم ولكنهم شددوا فشدد اللّه عليهم. فذهبوا يطلبونها فيجدون هذه الصفة عند رجل فقالوا: تبيعنا هذه البقرة؟ قال: أبيعها. قالوا: بكم تبيعها؟ قال: بمائة دينار. فقالوا: إنها بقرة بثلاثة دنانير! فأبوا أن يأخذوها، فرجعوا إلى موسى فقالوا: وجدناها عند رجل فقال لا أنقطكم من مائة دينار، وإنها بقرة بثلاثة دنانير قال: هو أعلم هو صاحبها، إن شاء باع وإن لم شاء لم يبع، فرجعوا إلى الرجل فقالوا: قد أخذناها بمائة دينار. فقال: لا أنقصها عن مائتي دينار. فقالوا، سبحان اللّه...! قد بعتنا بمائة دينار ورضيت فقد أخذناها. قال: ليس أنقصها من مائتي دينار. فتركوها ورجعوا إلى موسى فقالوا له: قد أعطاناها بمائة دينار، فلما رجعنا إليه قال: لا أنقصها من مائتي دينار. قال: هو أعلم إن شاء باعها وإن شاء لم يبعها، فعادوا إليه فقالوا: قد أخذناها بمائتي دينار. فقال: لا أنقصها من أربعمائة دينار. قالوا: قد كنت أعطيتناها بمائتي دينار فقد أخذناها! فقال: ليس أنقصها من أربعمائة دينار، فتركوها وعادوا إلى موسى فقالوا: قد أعطيناه مائتي دينار، فأبى أن يأخذها وقال: لا أنقصها من أربعمائة دينار. فقال: هو أعلم هو صاحبها إن شاء باع وإن شاء لم يبع، فرجعوا إليه فقالوا: قد أخذناها بأربعمائة دينار فقال: لا أنقصها من ثمانمائة دينار. فلم يزالوا يعودون إلى موسى ويعودون عليه، فكلما عادوا إليه أضعف عليه الثمن حتى قال: ليس أبيعها إلا بملء مسكها، فأخذوها فذبحوها فقال: اضربوه ببعضها، فضربوه بفخذها فعاش. فقال: قتلني فلان. فإذا هو رجل كان له عم، وكان لعمه مال كثير وكان له ابنة فقال: أقتل عمي هذا وأرث ماله وأتزوج ابنته، فقتل عمه فلم يرث شيئا ولم يورث قاتل منذ ذلك شيئا، قال موسى: إن لهذه البقرة لشأنا ادعوا إلي صاحبها، فدعوه فقال: أخبرني عن هذه البقرة وعن شأنها؟ قال: نعم. كنت رجلا أبيع في السوق وأشتري، فسامني رجل بضاعة عندي فبعته إياها، وكنت قد أشرفت منها على فضل كبير، فذهبت لآتيه بما قد بعته، فوجدت المفتاح تحت رأس والدتي، فكرهت أن أوقظها من نومها، ورجعت إلى الرجل فقلت: ليس بيني وبينك بيع، فذهب ثم رجعت فنتجت لي هذه البقرة، فألقى اللّه عليها مني محبة فلم يكن عندي شيء أحب إلي منها، فقيل له إنما أصبت هذا ببر والدتك. ٦٨ انظر تفسير الآية: ٧١ ٦٩ انظر تفسير الآية: ٧١ ٧٠ انظر تفسير الآية: ٧١ ٧١ أخرج البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: إن بني إسرائيل لو أخذوا أدنى بقرة لأجزاهم ذلك أو لأجزأت عنهم. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لولا أن بني إسرائيل قالوا {وإنا إن شاء اللّه لمهتدون} ما أعطوا أبدا، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا فشدد اللّه عليهم". وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر عن عكرمة يبلغ به النبي صلى اللّه عليه وسلم "فقال لو أن بني إسرائيل أخذوا أدنى بقرة فذبحوها أجزأت عنهم ولكنهم شددوا ولولا أنهم قالوا {وإنا إن شاء اللّه لمهتدون} ما وجدوها". وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد اللّه عليهم، ولو لم يستثنوا ما بينت لهم آخر الأبد". وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول "إنما أمر القوم بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد عليهم، والذي نفس محمد بيده لو لم يستثنوا ما بينت لهم". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال: لو أخذوا أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا وتعنتوا موسى فشدد اللّه عليهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله {لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك} قال: الفارض الهرمة، والبكر الصغيرة، والعوان النصف. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {لا فارض} قال: الكبيرة الهرمة. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول: لعمري لقد أعطيت ضيفك فارضا * تساق إليه ما تقوم على رجل قال: أخبرني عن قوله {صفراء فاقع لونها} الفاقع الصافي اللون من الصفرة قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول: سدما قليلا عهده بأنيسه * من بين أصفر فاقع ودفان وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير. أنه كان يستحب أن يسكت على بكر، ثم يقول: عوان بين ذلك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {عوان بين ذلك} قال: بين الصغيرة والكبيرة، وهي أقوى ما يكون وأحسنه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {صفراء فاقع لونها} قال: شديدة الصفرة، تكاد من صفرتها تبيض. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله {صفراء} قال: صفراء الظلف {فاقع لونها} قال: صافي. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {فاقع لونها} قال: صاف لونها {تسر الناظرين} قال: تعجب الناظرين. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والخطيب والديلمي عن ابن عباس قال: من لبس نعلا صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها وذلك قوله {صفراء فاقع لونها تسر الناظرين}. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله {صفراء فاقع لونها} قال: سوداء شديدة السواد. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة. أنه قرأ {إن الباقر تشابه علينا}. وأخرج عبد بن حميد عن يحيى عن يعمر. أنه قرأ {إن الباقر تشابه علينا}. وقال: الباقر أكثر من البقر. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءتنا {إن البقر متشابه علينا}. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {إنها بقرة لا ذلول} أي لم يذله العمل {تثير الأرض} يعني ليست بذلول فتثير الأرض {ولا تسقي الحرث} يقول: ولا تعمل في الحرث {مسلمة} قال: من العيوب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {بقرة لا ذلول تثير} يقول: ليست بذلول فتفعل ذلك {مسلمة} قال: من الشبه قال {لاشية فيها} قال: لا بياض ولا سواد. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {مسلمة} قال: لا عوار فيها. وأخرج ابن جرير عن عطية {لاشية فيها} قال: لونها واحد ليس فيها لون سوى لونها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {لا ذلول} يعني صنفة يقول: لم يذلها العمل {مسلمة} قال: من العيوب {لاشية فيها} قال: لا بياض فيها {قالوا الآن جءت بالحق} قالوا: الآن بينت لنا {فذبحوها وما كادوا يفعلون}. وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب في قوله {فذبحوها وما كادوا يفعلون} لغلاء ثمنها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس. أن أصحاب البقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة، حتى وجدوها عند رجل في بقر له وكانت بقرة تعجبه، فجعلوا يعطونه بها فيأبى حتى أعطوه ملء مسكها دنانير، فذبحوها فضربوه بعضو منها، فقام تشخب أوداجه دما، فقالوا له: من قتلك؟ قال: قتلني فلان. وأخرج وكيع وابن أبي حاتم عن عطاء قال: الذبح والنحر في البقر سواء، لأن اللّه يقول {فذبحوها}. وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كان لبني إسرائيل الذبح وأنتم لكم النحر، ثم قرأ {فذبحوها} {فصل لربك وانحر} [سورة الكوثر الآية ٢]. ٧٢ أخرج عبد بن حميد وابن جريرعن مجاهد في قوله {وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها} قال: اختلفتم فيها {واللّه مخرج ما كنتم تكتمون} قال: ماتغيبون. وأما قوله تعالى: {واللّه مخرج ما كنتم تكتمون} أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن المسيب بن رافع قال: ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها اللّه، وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها اللّه، وتصديق ذلك كتاب اللّه {واللّه مخرج ما كنتم تكتمون}. وأخرج أحمد والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لو أن رجلا عمل في صخرة صماء لا باب فيها ولا كوة خرج عمله إلى الناس كائنا ما كان". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن عثمان بن عفان قال: من عمل عملا كساه اللّه رداءه، وإن خيرا فخير وإن شرا فشر. وأخرج البيهقي من وجه آخر عن عثمان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من كانت له سريرة صالحة أو سيئة أظهر اللّه عليه منها رداء يعرف به. قال البيهقي: الموقوف أصح". وأخرج أبو الشيخ والبيهقي وضعفه عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه "من المؤمن؟ قالوا اللّه رسوله أعلم. قال: المؤمن الذي لا يموت حتى يملاء اللّه مسامعه مما يحب، ولو أن عبدا اتقى اللّه في جوف بيت إلى سبعين بيتا على كل بيت باب من حديد لألبسه اللّه رداء عمله حتى يتحدث به الناس ويزيدون. قالوا: وكيف يزيدون يا رسول اللّه؟ قال: لأن التقي لو يستطيع أن يزيد في بره لزاد. ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من الكافر؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: الكافر الذي لا يموت حتى يملاء اللّه مسامعه مما يكره، ولو أن فاجرا فجر في جوف بيت إلى سبعين بيتا على كل بيت باب من حديد لألبسه اللّه رداء عمله حتى يتحدث به الناس ويزيدون. قالوا: وكيف يزيدون يا رسول اللّه؟ قال: لأن الفاجر لو يستطيع أن يزيد في فجوره لزاد". وأخرج ابن عدي عن أنس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إن اللّه مرد كل امرئ رداء عمله". وأخرج البيهقي عن ثابت قال: كان يقال لو أن ابن آدم عمل بالخير في سبعين بيتا لكساه اللّه تعالى رداء عمله حتى يعرف به. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن سعيد بن المسيب قال: الناس يعرف أعمالهم من تحت كنف اللّه، فإذا أراد اللّه بعبد فضيحة أخرجه من تحت كنفه فبدت عورته. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي إدريس الخولاني رفعه قال: لا يهتك اللّه عبدا وفيه مثقال حبة من خير. وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: لو أن عبدا اكتتم بالعبادة كما يكتتم بالفجور لأظهر اللّه ذلك منه. ٧٣ أخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فقلنا اضربوه ببعضها} قال: ضرب بالعظم الذي يلي الغضروف. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: ذكر لنا أنهم ضربوه بفخذها، فلما فعلوا أحياه اللّه حتى أنبأهم بقاتله الذي قتله، وتكلم ثم مات. وأخرج وكيع وابن جرير عن عكرمة في الآية قال: ضربوه بفخذها فحي، فما زاد على أن قال: قتلني فلان، ثم عاد فمات. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال: ضرب بفخذ البقرة فقام حيا فقال: قتلني فلان، ثم عاد في ميتته. وأخرج ابن جرير عن السدي قال: ضرب بالبضعة التي بين الكتفين. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال: أمرهم أن يأخذوا عظما فيضربوا به القتيل، ففعلوا فرجع اللّه روحه فسمى قاتله، ثم عاد ميتا كما كان. وأما قوله تعالى: {كذلك يحيي اللّه الموتى} الآية. أخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال: إن فتى من بني إسرائيل كان برا بوالدته، وكان يقوم ثلث الليل يصلي، ويجلس عند رأس والدته ثلث الليل، فيذكرها بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد، ويقول: يا أمه إن كنت ضعفت عن قيام الليل فكبري اللّه وسبيحه وهلليه، فكان ذلك عملهما الدهر كله، فإذا أصبح أتى الجبل فاحتطب على ظهره فيأتي به السوق فيبيعه بما شاء اللّه أن يبيعه، فيتصدق بثلثه ويبقي لعبادتع ثلثا ويعطي الثلث أمه، وكانت أمه تأكل النصف وتتصدق بالنصف، وكان ذلك عملهما الدهر كله. فلما طال عليها قالت: يا بني أعلم أني قد ورثت من أبيك بقرة وختمت عنقها، وتركتها في البقر على اسم إله إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب، قالت وسأبين لك ما لونها وهيئتها، فإذا أتيت البقر فادعها باسم إله إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب فإنها تفعل كما وعدتني، وقالت: إن علامتها ليست بهرمة ولا فتية، غير أنها بينهما وهي صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، إذا نظرت إلى جلدها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها، وليست بالذلول، ولا صعبة تثير الأرض، ولا تسقي الحرث، مسلمة لا شية فيها ولونها واحد، فإذا رأيتها فخذ بعنقها فإنها تتبعك بإذن إله إسرائيل. فانطلق الفتى وحفظ وصية والدته، وسار في البرية يومين أو ثلاثا، حتى إذا كان صبيحة ذلك اليوم انصرف فصاح بها فقال: بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب ألا ما أتيتني، فأقبلت البقرة عليه وتركت الرعي، فقامت بين يدي الفتى، فأخذ بعنقها فتكلمت البقرة وقالت: يا أيها الفتى البر بوالدته اركبني فإنه أهون عليك. قال الفتى: لم تأمرني والدتي أن أركب عليك ولكنها أمرتني أن أسوقك سوقا فأحب أن أبلغ قولها. فقالت: بإله إسرائيل لو ركبتني ما كنت لتقدر علي، فانطلق يا أيها الفتى البر بوالدته، لو أنك أمرت هذا الجبل أن ينقلع لك من أصله لأنقلع لبرك بوالدتك ولطاعتك إلهك. فانطلق حتى إذا كان من مسيرة يوم من منزله استقبله عدو اللّه إبليس، فتمثل له على صورة راع من رعاة البقر، فقال: يا أيها الفتى من أين جئت بهذه البقرة، ألا تركبها فإني أراك قد أعييت؟ أظنك لا تملك من الدنيا مالا غير هذه البقرة، فإني أعطيك الأجر ينفعك ولا يضرها، فإني رجل من رعاة البقر اشتقت إلى أهلي، فأخذت ثورا من ثيراني فحملت عليه طعامي وزادي، حتى غذا بلغت شطر الطريق أخذني وجع بطني، فذهبت لأقضي حاجتي فعدا وسط الجبل وتركني وأنا أطلبه ولست أقدر عليه، فأنا أخشى على نفسي الهلاك وليس معي زاد ولا ماء، فإن رأيت أن تحملني على بقرتك فتبلغني مراعي وتنجيني من الموت وأعطيك أجرها بقرتين. قال الفتى: إن بني آدم ليس بالذي يقتلهم اليقين وتهلكهم أنفسهم، فلو علم اللّه منك اليقين لبلغك بغير زاد ولا ماء، ولست براكب أمرا لم أومر به، إنما أنا عبد مأمور ولو علم سيدي أني عصيته في هذه البقرة لأهلكني وعاقبني عقوبة شديدة، وما أنا بمؤثر هواك على هوى سيدي، فانطلق يا أيها الرجل بسلام فقال له إبليس: أعطيك بكل خطوة تخطوها إلى منزلي درهما فذلك مال عظيم وتفدي نفسي من الموت في هذه البقرة. قال الفتى: إن سيدي له ذهب الأرض وفضتها، فإن أعطيتني شيئا منها علم أنه من ماله، ولكن أعطني من ذهب السماء وفضتها، فأقول أنه ليس هذا من مالك فقال إبليس: وهل في السماء ذهب وفضة، أو هي يقدر أحد على هذا؟ قال الفتى: أو هل يستطيع العبد بما لم يأمر به سيده كما لا تستطيع أنت ذهب السماء وفضتها. قال له إبليس: أراك أعجز العبيد في أمرك. قال له الفتى: إن العاجز من عصى ربه. قال له إبليس: ما لي لا أرى معك زادا ولاماء؟ قال الفتى: زادي التقوى، وطعامي الحشيش، وشرابي من عيون الجبال، قال إبليس: ألا آمرك بأمر يرشدك؟ قال: مر به نفسك فإني على رشاد إن شاء اللّه. قال له إبليس: ما أراك تقبل نصيحة! قال له الفتى: الناصح لنفسه من أطاع سيده وأدى الحق الذي عليه، فإن كنت شيطانا فأعوذ باللّه منك، وإن كنت آدميا فأخرج فلا حاجة لي في صحابتك. فجمد إبليس عند ذلك ثلاث ساعات مكانه، ولو ركبها له إبليس ما كان الفتى يقدر عليها ولكن اللّه حبسه عنها. فبينما الفتى يمشي إذ طار طائر من بين يديه فاختلس البقرة، ودعاها الفتى وقال: بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب ألا ما آتيتني، فأتت البقرة إليه وقامت بين يديه، فقالت: يا أيها الفتى ألم تر إلى ذلك الطائر الذي طار من بين يديك؟ فإنه إبليس عدو اللّه اختلسني، فلما ناديتني بإله إسرائيل جاء ملك من الملائكة فانتزعني منه فردني إليك لبرك بوالدتك وطاعتك إلهك، فانطلق فلست ببارحتك حتى تأتي أهلك إن شاء اللّه. قال: فدخل الفتى إلى أمه يخبرها الخبر، فقالت: يا بني إني أراك تحتطب على ظهرك الليل و النهار فتشخص، فاذهب بهذه البقرة فبعها وخذ ثمنها فتقو به وودع به نفسك. قال الفتى: بكم أبيعها؟ قالت: بثلاثة دنانير على رضا مني. فانطلق الفتى إلى السوق فبعث اللّه إليه ملكا من الملائكة ليري خلقه قدرته، فقال للفتى: بكم تبيع هذه البقرة أيها الفتى؟ فقال: أبيعها بثلاثة دنانير على رضا من والدتي. قال: لك ستة دنانير ولا تستأمر والدتك. فقال: لو أعطيتني زنتها لم أبعها حتى أستأمرها، فخرج الفتى فأخبر والدته الخبر، فقالت: بعها بستة دنانير على رضا مني. فانطلق الفتى وأتاه الملك فقال: ما فعلت؟ فقال: أبيعها بستة دنانير على رضا من والدتي. قال: فخذ اثني عشر دينارا ولا تستأمرها. قال: لا. فانطلق الفتى إلى أمه فقالت: يا بني إن الذي يأتيك ملك من الملائكة في صورة آدمي، فإذا أتاك فقل له: إن والدتي تقرأ عليك السلام، وتقول: بكم تأمرني أن أبيع هذه البقرة؟ قال له الملك: يا أيها الفتى يشتري بقرتك هذه موسى بن عمران لقتيل يقتل من بني إسرائيل، وله مال كثير ولم يترك أبوه ولدا غيره، وله أخ له بنون كثيرون، فيقولون كيف لنا أن نقتل هذا الغلام ونأخذ ماله، فدعوا الغلام إلى منزلهم فقتلوه فطرحوه إلى جانب دارهم، فأصبح أهل الدار فأخرجوا الغلام إلى باب الدار، وجاء بنو عم الغلام فأخذوا أهل الدار، فانطلقوا بهم إلى موسى، فلم يدر موسى كيف يحكم بينهم من أجل أن أهل الدار برآء من الغلام...! فشق ذلك على موسى فدعا ربه، فأوحى اللّه إليه: أن خذ بقرة صفراء فاقعا لوناه فاذبحها، ثم اضرب الغلام ببعضها. فعمدوا إلى بقرة الفتى فاشتروها على أن يملؤوا جلدها دنانير، ثم ذبحوها ثم ضربوا الغلام ببعضها، فقام يخبرهم فقال: إن بني عمي قتلوني وأهل الدار مني برآء، فأخذهم موسى فقالوا: يا موسى أتتخذنا هزوا قد قتلنا ابن عمنا مظلوما، وقد علموا أن سيفضحوا، فعمدوا إلى جلد البقرة فملؤوه دنانير ثم دفعوه إلى الفتى، فعمد الفتى فتصدق بالثلثين على فقراء بني إسرائيل وتقوى بالثلث {وكذلك يحيي اللّه الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون}. ٧٤ أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك} قال: من بعد ما أراهم اللّه من إحياء الموتى، ومن بعد ما أراهم من أمر القتيل {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} ثم عذر اللّه الحجارة ولم يعذر شقي ابن آدم فقال {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية اللّه}. وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإن من الحجارة...} الآية. أي أن من الحجارة لألين من قلوبكم، لما تدعون إليه من الحق. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: كل حجر يتفجر منه الماء، أو يشقق عن ماء أو يتردى من رأس جبل فمن خشية اللّه. نزل بذلك القرآن. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإن من منها لما يهبط من خشية اللّه} قال: إن الحجر ليقع على ألرض، ولو اجتمع عليه كثير من الناس ما استطاعوه، وإنه ليهبط من خشية اللّه. ٧٥ أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ثم قال اللّه لنبيه ومن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام اللّه} وليس قوله التوراة كلها، وقد سمعها ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم...} الآية. قال: فالذين يحرفونه والذين يكتبونه م العلماء منهم، والذين نبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم هؤلاء كلهم يهود. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {يسمعون كلام اللّه} قال: هي التوراة حرفوها. ٧٦ انظر تفسير الآية: ٧٧ ٧٧ أخرج ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس في قوله {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} أي بصاحبكم رسول اللّه ولكنه إليكم خاصة، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليكم فكان منهم {ليجادلوكم به عند ربكم} أي يقرون أنه نبي وقد علمتم أنه قد أخذ عليكم الميثاق بإتباعه، وهو يخبرهم أنه النبي الذي كان ينتظر، ونجده في كتابنا اجحدوه ولا تقروا به. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وإذا لقوا الذين آمنوا...} الآية. قال: هذه الآية في المنافقين من اليهود. وقوله {بما فتح اللّه عليكم} يعني بما أكرمكم به. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قام النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم فقال "يا إخوان القردة والخنازير، ويا عبدة الطاغوت. فقالوا: من أخبر هذا الأمر محمد، ما خرج هذا الأمر إلا منكم {أتحدثونهم بما فتح اللّه عليكم} بما حكم اللّه ليكون لهم حجة عليكم". وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن. فقال: رؤساء اليهود: اذهبوا فقولوا آمنا واكفروا إذا رجعتم إلينا، فكانوا يأتون المدينة بالبكر ويرجعون إليهم بعد العصر، وهو قوله (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار وأكفروا آخره) (آل عمران الآية ٧٢) وكانوا يقولون: إذا دخلوا المدينة نحن مسلمون ليعلموا خبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأمره، فكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون، فيقولون لهم: أليس قد قال لكم في التوراة كذا وكذا؟ فيقولون: بلى. فإذا رجعوا إلى قومهم قالوا {أتحدثونهم بما فتح اللّه به عليكم...} الآية". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: نزلت هذه الآية في ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به، فقال بعضهم لبعض {أتحدثونهم بما فتح اللّه به عليكم} من العذاب ليقولوا نحن أحب إلى اللّه منكم وأكرم على اللّه منكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة "أن امرأة من اليهود أصابت فاحشة، فجاؤوا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم يبتغون منه الحكم رجاء الرخصة، فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عالمهم وهو ابن صوريا، فقال له: احكم... قال: فجبؤة. والتجبئة يحملونه على حمار ويجعلون على وجهه إلى ذنب الحمار. فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أبحكم اللّه حكمت؟ قال: لا. ولكن نساءنا كن حسانا، فأسرع فيهن رجالنا فغيرنا الحكم، وفيه أنزلت {وإذا خلا بعضهم إلى بعض...} الآية". وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} قالوا: هم اليهود، وكانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، فصانعوهم بذلك ليرضوا عنهم، وإذا خلا بعضهم إلى بعض نهى بعضهم بعضا أن يحدثوا بما فتح اللّه عليهم، وبين لهم في كتابه من أمر محمد عليه السلام رفعته ونبوته، وقالوا: إنكم إذا فعلتم ذلك احتجوا عليكم بذلك عند ربكم {أفلا تعقلون، أو لا يعلمون أن اللّه يعلم ما يسرون وما يعلنون} قال: ما يعلنون من أمرهم وكلامهم إذا لقوا الذين آمنوا، وما يسرون إذا خلا بعضهم إلى بعض من كفرهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وتكذيبهم به، وهم يجدونه مكتوبا عندهم. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {و لا يعلمون أن اللّه يعلم ما يسرون} يعني من كفرهم بمحمد وتكذيبهم به {وما يعلنون} حين قالوا للمؤمنين: آمنا. ٧٨ أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله اللّه، ولا كتابا أنزله، فكتبوا كتابا بأيديهم، ثم قالوا لقوم سفلة جهال: هذا من عند اللّه. وقال: قد أخبرهم أنهم يكتبون بأيديهم، ثم سماهم أميين لجحودهم كتب اللّه ورسله. وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي في قوله {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب} قال: منهم من لا يحسن أن يكتب. وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس في قوله {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب} قال: لا يدرون ما فيه {وإن هم إلا يظنون} وهم يجحدون نبؤتك بالظن. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب} قال: ناس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب اللّه، ويقولن هو من الكتاب أماني تمنونها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إلا أماني} قال: إلا أحاديث. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {إلا أماني} قال: إلا قولا يقولون بأفواههم كذبا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {إلا أماني} قال: إلا كذبا {وإن هم إلا يظنون} قال: إلا يكذبون. ٧٩ أخرج وكيع وابن المنذر والنسائي عن ابن عباس في قوله {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} قال: نزلت في أهل الكتاب. وأخرج أحمد وهناد بن السري بن الزهد وعبد بن حميد والترمذي وابن أبي الدنيا في صفة النار وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "ويل واد في حهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره". وأخرج ابن جرير عن عثمان بن عفان عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "في قوله {فويل لهم مما كتبت أيديهم} قال: الويل جبل في النار، وهو الذي أنزل في اليهود لأنهم حرفوا التوراة، زادوا فيها ما أحبوا، ومحوا منها ما كانوا يكرهون، ومحوا اسم محمد صلى اللّه عليه وسلم من التوراة". وأخرج البزار وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن في النار [؟؟] حجرا يقال لها ويل يصعد عليه العرفاء وينزلون فيه". وأخرج الحربي في فوائده عن عائشة قالت: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ويحك يا عائشة...! فجزعت منها. فقال لي: يا حميراء إت ويحك أو ويك رحمة فلا تحجزعي منها، ولكن اجزعي من الويل". وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن علي بن أبي طالب قال: الويح والويل بابان. فأما الويح فباب رحمة، وأما الويل فباب عذاب. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والطبراني والبيهقي في البعث عن ابن مسعود قال: ويل واد في جهنم يسيل من صديد أهل النار. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن النعمان بن بشير قال: الويل واد من فيح في جهنم. وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن عطاء بن يسار قال: ويل واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت من شدة حره. وأخرج هناد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ويل سيل من صديد في أصل جهنم وفي لفظ ويل واد في جهنم يسيل فيه صديده. وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر مولى عفرة قال: إذا سمعت اللّه يقول: ويل هي النار. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فويل للذين يكتبون الكتاب...} الآية. قال: هم أحبار اليهود،، وجدوا صفة النبي صلى اللّه عليه وسلم مكتوبة في التوراة أكحل أعين ربعة، جعد الشعر، حسن الوجه، فلما وجدوه في التوراة محوه حسدا وبغيا، فأتاهم نفر من قريش فقالوا: تجدون في التوراة نبيا أميا؟ فقالوا: نعم، نجده طويلا أزرق سبط الشعر، فأنكرت قريش وقالوا: ليس هذا منا. وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: وصف اللّه محمد صلى اللّه عليه وسلم في التوراة، فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حسده أحبار اليهود فغيروا صفته في كتابهم، وقالوا: لا نجد نعته عندنا، وقالوا للسفلة: ليس هذا نعت النبي الذي يحرم كذا وكذا كما كتبوه، وغيروا نعت هذا كذا كما وصف فلبسوا على الناس، وإنما فعلوا ذلك لأن الأحبار كانت لهم مأكلة يطعمهم إياها السفلة لقيامهم على التوراة، فخافوا أن تؤمن السفلة فتنقطع تلك المأكلة. وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبخاري وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس أنه قال: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل اللّه على نبيه أحدث أخبارا للّه تعرفونه غضا محضا لم يشب، وقد حدثكم اللّه ان أهل الكتاب قد بدلوا كتاب اللّه وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا: هو من عند اللّه ليشتروا به ثمنا، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسائلهم، ولا واللّه ما رأينا منهم أحدا قط سألكم عن الذي أنزل إليكم؟.وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال كان ناس من اليهود يكتبون كتابا من عندهم، ويبيعونه من العرب، ويحدثونهم أنه من عند اللّه، فيأخذون ثمنا قليلا. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر واين أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: كان ناس من بني إسرائيل كتبوا كتابا بأيديهم ليتأكلوا الناس، فقالوا: هذه من عند اللّه وما هي من عند اللّه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ليشتروا به ثمنا قليلا} قال: عرضا من عرض الدنيا {فويل لهم مما يكسبون} يقول: مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي داود في المصاحف وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي. أنه كره كتابة المصاحف بالأجر، وتلا هذه الآية {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم...} الآية. وأخرج وكيع عن الأعمش. أنه كره أن يكتب المصاحف بالأجر، وتأول هذه الآية {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند اللّه}. وأخرج وكيع وابن أبي داود عن محمد بن سيرين أنه يكره شراء المصاحف وبيعها. وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن أبي داود عن أبي الضحى قال: سألت ثلاثة من أهل الكوفة عن شراء المصاحف. عبد اللّه بن يزيد الخطمي، ومسروق بن الأجدع، وشريحا، فكلهم قال: لا نأخذ لكتاب اللّه ثمنا. وأخرج ابن أبي داود من طريق قتادة عن زرارة عن مطرف قال: شهدت فتح تستر مع الأشعري، فأصبنا دانيال بالسوس، وأصبنا معه ربطتين من كتان، وأصبنا معه ربعة فيها كتاب اللّه، وكان أول من وقع عليه رجل من بلعنبر يقال له حرقوص، فأعطاه الأشعري الربطتين وأعطاه مائتي درهم، وكان معنا أجير نصراني يسمى نعيما فقال: بيعوني هذه الربعة بما فيها، فقالوا: إن يكن فيها ذهب أو فضة أو كتاب اللّه؟ قال: فإن الذي فيها كتاب اللّه، فكرهوا أن يبيعوه الكتاب فبعناه الربعة بدرهمين ووهبنا له الكتاب. قال قتادة: فمن ثم كره بيع المصاحف لأن الأشعري وأصحابه كرهوا بيع ذلك الكتاب. وأخرج ابن أبي داود من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن: أنهما كرها بيع المصاحف. وأخرج ابن أبي داود عن حماد بن أبي سليمان أنه سئل عن بيع المصاحف فقال: إن إبراهيم يكره بيعها وشراءها. وأخرج ابن أبي داود عن سالم قال: كان ابن عمر إذا أتى على الذي يبيع المصاحف قال: بئس التجارة. وأخرج ابن أبي داود عن عبادة بن نسي. أن عمر كان يقول: لا تبيعوا المصاحف ولا تشتروها. وأخرج ابن أبي داود عن ابن سيرين وإبراهيم. أن عمر كان يكره بيع المصاحف وشراءها. وأخرج ابن أبي داود عن ابن مسعود: أنه كره بيع المصاحف وشراءها. وأخرج ابن أبي داود من طريق نافع عن ابن عمر قال: وددت أن الأيدي تقطع على بيع المصاحف. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي داود من طريق سعيد بن جبير قال: وددت أن الأيدي قطعت على بيع المصاحف وشرائها. وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة قال: سمعت سالم بن عبد اللّه يقول: بئس التجارة المصاحف. وأخرج ابن أبي داود عن جابر بن عبد اللّه: أنه كره بيع المصاحف وشراءها. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي داود عن عبد اللّه بن شقيق العقيلي: أنه كان يكره بيع المصاحف قال: وكان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يشددون في بيع المصاحف ويرونه عظيما. وأخرج ابن أبي داود عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: أنه كره بيع المصاحف كراهية شديدة، وكان يقول: أعن أخاك بالكتاب أو هب له. وأخرج ابن أبي داود عن علي بن حسين قال: كانت المصاحف لا تباع، وكان الرجل يأتي بورقة عند المنبر فيقول من الرجل يحتسب فيكتب لي؟ ثم يأتي الآخر فيكتب حتى يتم المصحف. وأخرج ابن أبي داود عن مسروق وعلقمة وعبد اللّه بن يزيد الأنصاري وشريح وعبادة. أنهم كرهوا بيع المصاحف وشراءها، وقالوا: لا نأخذ لكتاب اللّه ثمنا. وأخرج ابن أبي داود عن إبراهيم عن أصحابه قال: كانوا يكرهون بيع المصاحف وشراءها. وأخرج ابن أبي داود عن أبي العالية. أنه كان يكره بيع المصاحف، وقال: وددت أن الذين يبيعون المصاحف ضربوا. وأخرج ابن أبي داود عن ابن سيرين قال: كانوا يكرهون بيع المصاحف وكتابتها بالأجر. وأخرج ابن أبي داود عن ابن جريج قال: قال عطاء: لم يكن من مضى يبيعون المصاحف إنما حدث ذلك الآن، وإنما يجلسون بمصاحفهم في الحجر فيقول أحدهم للرجل إذا كان كاتبا وهو يطوف: يا فلان إذا فرغت تعال فاكتب لي. قال: فيكتب المصحف وما كان من ذلك حتى يفرغ من مصحفه. وأخرج ابن أبي داود عن عمرو بن مرة قال: كان في أول الزمان يجتمعون فيكتبون المصاحف، ثم إنهم استأجروا العباد فكتبوها لهم، ثم إن العباد بعد أن كتبوها باعوها، وأول من باعها هم العباد [العباد: جمع عبد وهم قبائل شتى من العرب اجتمعوا بالحيرة على المسيحية قبل الإسلام والنسبة عبادي]. وأخرج أبو عبيد وابن أبي داود عن عمران بن جرير قال: سألت أبا مجلز عن بيع المصاحف قال: إنما بيعت في زمن معاوية فلا تبعها. وأخرج ابن أبي داود عن محمد بن سيرين قال: كتاب اللّه أعز من أن يباع. وأخرج ابن سعيد عن حنظلة قال: كنت أمشي مع طاوس فمر بقوم يبيعون المصاحف فاسترجع. ذكر من رخص في بيعها وشراءها أخرج ابن أبي داود عن ابن عباس أنه سئل عن بيع المصاحف فقال: لا بأس، إنما يأخذون أجور أيديهم. وأخرج ابن أبي داود عن ابن الحنفية أنه سئل عن بيع المصاحف قال: لا بأس، إنما يبيع الورق. وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن أبي داود عن الشعبي قال: لا بأس ببيع المصاحف، إنهم لا يبيعون كتاب اللّه إنما يبيعون الورق وعمل أيديهم. وأخرج ابن أبي داود عن جعفر عن أبيه قال: لا بأس بشراء المصاحف وأن يعطى الأجر على كتابتها. وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن أبي داود عن مطر الوراق. أنه سئل عن بيع المصاحف فقال: كان خيرا أو حبرا هذا الأمة لا يريان يبيعها بأسا، الحسن والشعبي. وأخرج ابن أبي داود عن حميد. أن الحسن كان يكره بيع المصاحف، فلم يزل به مطر الوراق حتى رخص فيه. وأخرج ابن أبي داود من طرق عن الحسن قال: لا بأس ببيع المصاحف ونقطها بالأجر. وأخرج ابن أبي داود عن الحكم: أنه كان لا يرى بأسا بشراء المصاحف وبيعها. وأخرج أبو عبيد وابن أبي داود عن أبي شهاب موسى بن نافع قال: قال لي سعيد بن جبير: هل لك في مصحف عندي قد كفيتك عرضه فتشتريه؟ وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن أبي داود من طرق عن ابن عباس قال: اشتر المصاحف ولا تبعها. وأخرج ابن أبي داود عن ابن عباس قال: رخص في شراء المصاحف وكره في بيعها. قال ابن أبي داود: كذا قال رخص كأنه صار مسندا. وأخرج أبو عبيد وابن أبي داود عن جابر بن عبد اللّه في بيع المصاحف قال: ابتعها ولا تبعها. وأخرج ابن أبي داود عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير. مثله. وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر. مثله. ٨٠ أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس أن يهود كانوا يقولون: مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار، وإنما هي سبعة أيام معدودات ثم ينقطع العذاب، فأنزل اللّه في ذلك {وقالوا لن تمسنا النار} إلى قوله {هم فيها خالدون}. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد. مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والواحدي عن ابن عباس قال: وجد أهل الكتاب مسيرة ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين، فقالوا: لن يعذب أهل النار إلا قدر أربعين، فإذا كان يوم القيامة ألجموا في النار فساروا فيها حتى انتهوا إلى سقر، وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعهودة، فقال له خزنة النار: يا أعداء اللّه زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياما معدودة فقد انقضى العدد وبقي الأبد، فيأخذون في الصعود يرهقون على وجوههم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس. أن اليهود قالوا: لن تمسنا النار إلا أربعين يوما مدة عبادة العجل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: اجتمعت يهود يوما فخاصموا النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وسموا أربعين يوما، ثم يخلفنا فيها ناس وأشاروا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ورد يده على رؤوسهم كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا نخلفكم فيها إن شاء اللّه تعالى أبدا، ففيهم أنزلت هذه الآية {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} يعنون أربعين ليلة". وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لليهود "أنشدكم باللّه وبالتوراة التي أنزل اللّه على موسى يوم طور سيناء من أهل النار الذين أنزلهم اللّه في التوراة؟ قالوا: إن ربهم غضب عليهم غضبة فنمكث في النار أربعين ليلة، ثم نخرج فتخلفوننا فيها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: كذبتم واللّه لا نخلفكم فيها أبدا، فنزل القرآن تصديقا لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم وتكذيبا لهم {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} إلى قوله {وهم فيها خالدون} ". وأخرج أحمد والبخاري والدارمي والنسائي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال "لما افتتحت خيبر أهديت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شاة فيها سم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: اجمعوا لي من كان ههنا من اليهود، فقال لهم: من أبوكم؟ قال: فلان. قال: كذبتم، بل أبوكم فلان. قالوا: صدقت وبررت. ثم قال لهم: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. فقال لهم: من أهل النار؟ قالوا: نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها. فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: اخسئوا - واللّه - لا نخلفكم فيها أبدا". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {قل أتخذتم عند اللّه عهدا} أي موثقا من اللّه بذلك أنه كما تقولون. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما قالت اليهود ما قالت قال اللّه لمحمد {قل أتخذتم عند اللّه عهدا} يقول: ادخرتم عند اللّه عهدا. يقول: أقلتم لا إله إلا اللّه لم تشركوا ولم تكفروا به، فإن كنتم قلتموها فأرجوا بها، وإن كنتم لم تقولوها فلم تقولون على اللّه ما لا تعلمون. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {قل أتخذتم عند اللّه} قال: بفراكم وبزعمكم أن النار ليس تمسكم إلا أياما معدودة، يقول: إن كنتم اتخذتم عند اللّه عهدا بذلك فلن يخلف اللّه عهده {أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون} قال: قال القوم: الكذب والباطل، وقالوا عليه ما لا يعلمون. ٨١ انظر تفسير الآية: ٨٢ ٨٢ أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {بلى من كسب} قال: الشرك. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وعكرمة وقتادة. مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله {وأحاطت به خطيئته} قال: أحاط به شركه. وأخرج ابن اسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {بلى من كسب سيئة} أي من عمل مثل أعمالكم وكفر بما كفرتم به حتى يحيط كفره بما له من حسنة {فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، والذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي من آمن بما كفرتم به، وعمل بما تركتم من دينه، فلهم الجنة خالدين فيها يخبرهم أن الثواب بالخير والشر، مقيم على أهله أبدا لا انقطاع له أبدا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {وأحاطت به خطيئته} قال: هي الكبيرة الموجبة لأهلها النار. وأخرج وكيع وابن جرير عن الحسن أنه سئل عن قوله {وأحاطت به خطيئته} ما الخطيئة؟ قال: اقرؤوا القرآن، فكل آية وعد اللّه عليها النار فهي الخطيئة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {وأحاطت به خطيئته} قال: الذنوب تحيط بالقلوب، فكلما عمل ذنبا ارتفعت حتى تغشى القلب حتى يكون هكذا وقبض كفه، ثم قال: والخطيئة كل ذنب وعد اللّه عليه النار. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن الربيع بن خيثم في قوله {وأحاطت به خطيئته} قال: هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب. وأخرج وكيع وابن جرير عن الأعمش في قوله {وأحاطت به خطيئته} قال: مات بذنبه. ٨٣ أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال {وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل} أي ميثاقكم. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} الآية. قال: أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له وأن لا يعبدوا غيره. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} قال: ميثاق أخذه اللّه على بني إسرائيل فاسمعوا على ما أخذ ميثاق القوم {لا تعبدون إلا اللّه وبالوالدين إحسانا...} الآية. وأخرج عبد بن حمي عن عيسى بن عمر قال: قال الأعمش: نحن نقرأ {لا يعبدون إلا اللّه} بالياء لأنا نقرأ آخر الآية {ثم تولوا} عنه وأنتم تقرؤون {ثم توليتم} فاقرؤوها لا تعبدون. وأخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله {وقولوا للناس حسنا} قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمرهم أن يأمروا بلا إله إلا اللّه من لم يقلها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وقولوا للناس حسنا} قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن علي بن أبي طالب في قوله {وقولوا للناس حسنا} قال: يعني الناس كلهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء وأبي جعفر في قوله {وقولوا للناس حسنا} قالا: للناس كلهم. وأخرج أبو عبيد سعيد بن منصور وابن المنذر عن عبد الملك بن سليمان أن زيد ابن ثابت كان يقرأ {وقولوا للناس حسنا} وكان ابن مسعود يقرأ {وقولوا للناس حسنا}. وأخرج ابن اسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ثم توليتم} أي تركتم ذلك كله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ثم توليتم} قال: أعرضتم عن طاعتي {إلا قليلا منكم} وهم الذين اخترتهم لطاعتي. ٨٤ انظر تفسير الآية: ٨٦ ٨٥ انظر تفسير الآية: ٨٦ ٨٦ أخرج عبد بن حميد عن عاصم. أنه قرأ {لا تسفكون دمائكم} بنصب التاء وكسر الفاء ورفع الكاف. وأخرج عبد بن حميد عن طلحة بن مصرف أنه قرأها {تسفكون} برفع الفاء. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دمائكم} يقول: لا يقتل بعضكم بعضا {ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} يقول: لا يخرج بعضكم بعضا من الديار، ثم أقررتم بهذا الميثاق وأنتم تشهدون. يقول: وأنتم شهود. وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ثم أقررتم وأنتم تشهدون} إن هذا حق من ميثاقي عليكم {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} أي أهل الشرك ختى تسفكوا دماءكم معهم {وتخرجون فريقا منكم من ديارهم} قال: تخرجونهم من ديارهم معهم {تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان} فكانوا إذا كان بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت النضير وقريظة من الأوس، وظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى تسافكوا دماءهم، فإذا وضعت أوزارها افتدوا أسراهم تصديقا لما في التوراة {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم} وقد عرفتم أن ذلك عليكم في دينكم {وهو محرم عليكم} في كتابكم {إخراجهم} {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} أتفادونهم مؤمنين بذلك وتخرجونهم كفرا بذلك. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية أن عبد اللّه بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة، وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه العرب، ولا يفادي من وقع عليه العرب، فقال له عبد اللّه بن سلام: أما مكتوب عندك في كتابك أن فادوهن كلهن. وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنه قرأ {وإن يأتوكم أسارى تفدوهم}. وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنه قرأ {أسارى تفادوهم}. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءتنا {وإن يؤخذوا تفدوهم}. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: يكون أول الآية عاما وآخرها خاصا، وقرأ هذه الآية (ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما اللّه بغافل عما تعملون). وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله {أولئك اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة} قال: استحبوا قليل الدنيا على كثير الآخرة. ٨٧ أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله {وقفينا} اتبعنا. وأخرج ابن عساكر من طريق جوبير عن الضحاك عن ابن عباس في قوله {ولقد آتينا موسى الكتاب} يعني التوراة جملة واحدة مفصلة محكمة {وقفينا من بعده بالرسل} يعني رسولا يدعى اشمويل بن بابل، ورسولا يدعى مشتانيل، ورسولا يدعى شعيا بن أمصيا، ورسولا يدعى حزقيل، ورسولا يدعى أرميا بن حلقيا وهو الخضر، ورسولا يدعى داود بن ايشا وهو أبو سليمان، ورسولا يدعى المسيح عيسى بن مريم، فهؤلاء الرسل ابتعثهم اللّه وانتخبهم للأمة بعد موسى بن عمران، وأخذ عليهم ميثاقا غليظا أن يؤدوا إلى أممهم صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم وصفة أمته. وأما قوله تعالى {وآتينا عيسى بن مريم البينات} أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم قال: هي الآيات التي وضعت على يده من إحياء الموتى، وخلقه من الطين كهيئة الطير، وإبراء الأسقام، والخبر بكثير من الغيوب، وما رد عليهم من التوراة مع الإنجيل الذي أحدث اللّه إليه. وأما قوله تعالى: {وأيدناه بروح القدس} أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وأيدناه} قال: قويناه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: روح القدس. الاسم الذي كان عيسى يحيي به الموتى. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: القدس اللّه تعالى. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: القدس هو الرب تعالى. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: القدس الطهر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: القدس البركة. وأخرج ابن أبي حاتم عن إسماعيل بن أبي خالد في قوله {وأيدناه بروح القدس} قال: أعانه جبريل. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: روح القدس جبريل. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "روح القدس جبريل". وأخرج ابن سعيد وأحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وضع لحسان منبرا في المسجد، فكان ينافح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: اللّهم أيد حسان بروح القدس كما نافح عن نبيه". وأخرج ابن حبان عن ابن مسعود "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن روح القدس نفث في روعي: إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا اللّه وأجملوا في الطلب". وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من كلمه روح القدس لن يؤذن للأرض أن تأكل من لحمه". وأما قوله تعالى: {ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: {فريقا} يعني طائفة. ٨٨ أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إنما سمي القلب لتقلبه. أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس أنه كان يقرأ {قلوبنا غلف} مثقلة، كيف تتعلم وإنما قلوبنا غلف للحكمه أي أوعية للحكمة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {قلوبنا غلف} مملوءة علما لا تحتاج إلى علم محمد صلى اللّه عليه وسلم ولا غيره. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطية في قوله {وقالوا قلوبنا غلف} قال: هي القلوب المطبوع عليها. وأخرج وكيع عن عكرمة في قوله {قلوبنا غلف} قال: عليها طابع. وأخرج ابن جرير عن مجاهد {وقالوا قلوبنا غلف} عليها غشاوة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {وقالوا قلوبنا غلف} قال: قالوا لا تفقه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص وابن جرير عن حذيفة قال: القلوب أربعة. قلب أغلف فذلك قلب الكافر، وقلب مصفح فذلك قلب المنافق، وقلب أجرد فيه مثل السراج فذلك قلب المؤمن، وقلب فيه إيمان ونفاق، فمثل الإيمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب، ومثل النفاق كمثل قرحة يمدها القيح والدم، فأي المادتين غلبت صاحبتها أهلكته. وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال: تعرض فتنة على القلوب، فأي قلب أنكرها نكتت في قلبه نكتة بيضاء، وأي قلب لم ينكرها نكتت في قلبه نكتة سوداء، ثم تعرض فتنة أخرى على القلوب فإن أنكرها القلب الذي أنكرها نكتت في قلبه نكتة بيضاء، وإن لم ينكرها نكتت نكتة سوداء، ثم تعرض فتنة أخرى فإن أنكرها ذلك القلب الذي اشتد وابيض وصفا ولم تضره فتنة أبدا، وإن لم ينكرها في المرتين الأوليتين اسود وارتد ونكس، فلا يعرف حقا ولا ينكر منكرا. وأخرج ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان والبيهقي في شعب الإيمان عن علي رضي اللّه عنه قال: إن الإيمان يبدو لحظة بيضاء في القلب، فكلما ازداد الإيمان عظما ازداد ذلك البياض، فإذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله، وإن النفاق لحظة سوداء في القلب، فكلما ازداد النفاق عظما ازداد ذلك السواد، فإذا استكمل النفاق اسود القلب كله، وأيم اللّه لو شققتم على قلب مؤمن لوجدتموه أبيض، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود. وأخرج أحمد بسند جيد عن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "القلوب أربعة. قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح، وأما القلب الأجرد فقلب المؤمن سراجه فيه نوره، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الكافر عرف ثم أنكر، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق، ومثل الإيمان كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق كمثل القرحة يمدها القيح والدم، فأي المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه". وأخرج ابن أبي حاتم عن سلمان الفارسي موقوفا مثله سواء. وأما قوله تعالى: {فقليلا ما يؤمنون} أخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله {فقليلا ما يؤمنون} قال: لا يؤمن منهم إلا قليل. ٨٩ أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {ولما جاءكم كتاب من عند اللّه} قال: هو القرآن {مصدق لما معهم} قال: من التوراة والإنجيل. وأما قوله تعالى: {وكانوا من قبل يستفتحون} الآية. أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طريق عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري حدثني أشياخ منا قالوا: لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منا، كان معنا يهود، وكانوا أهل كتاب وكنا أصحاب وثن، وكنا إذا بلغنا منهم ما يكرهون قالوا: إن نبيا يبعث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وارم، فلما بعث اللّه رسوله اتبعناه وكفروه به، ففينا - واللّه - وفيهم أنزل اللّه {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا...} الآية كلها. وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة في الآية قال: كانت العرب تمر باليهود فيؤذونهم، وكانوا يجدون محمدا في التوراة فيسألون اللّه أن يبعثه نبيا فيقاتلون معه العرب، فلما جاءهم محمد كفروا به حين لم يكن من بني إسرائيل. وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس قال: كانت يهود بني قريظة والنضير من قبل أن يبعث محمد صلى اللّه عليه وسلم يستفتحون اللّه، يدعون على الذين كفروا ويقولون: اللّهم إنا نستنصرك بحق النبي الأمي إلا نصرتنا عليهم فينصرون {فلما جاءهم ما عرفوا} يريد محمدا ولم يشكوا فيه {كفروا به}. وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان يهود أهل المدينة قبل قدوم النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا قاتلوا من يليهم من مشركي العرب من أسد، وغطفان، وجهينة، وعذرة، يستفتحون عليهم ويستنصرون، يدعون عليهم باسم نبي اللّه فيقولون: اللّهم ربنا انصرنا عليهم باسم نبيك وبكتابك الذي تنزل عليه، الذي وعدتنا إنك باعثه في آخر الزمان. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم عن قتادة قال: كانت اليهود تستفتح بمحمد على كفار العرب، يقولون: اللّهم ابعث النبي الذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم، فلما بعث اللّه محمد كفروا به حين رأوه بعث من غيرهم حسدا للعرب، وهم يعلمون أنه رسول اللّه. وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل بسند ضعيف عن ابن عباس قال: كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فكلما التقوا هزمت يهود، فعاذت بهذا الدعاء: اللّهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم، فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا فهزموا غطفان، فلما بعث النبي صلى اللّه عليه وسلم كفروا به، فأنزل اللّه {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} يعني وقد كانوا يستفتحون بك يا محمد إلى قوله {فلعنة اللّه على الكافرين}. وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس. أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل مبعثه، فلما بعثه اللّه من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ ابن جبل، وبشر بن البراء، ودادو بن سلمة: يا معشر يهود اتقوا اللّه وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك، وتخبرونا بأنه مبعوث، وتصفونه بصفته. فقال سلام بن مشكم أحد بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم، فأنزل اللّه {ولما جاءهم كتاب من عند اللّه...} الآية. وأخرج أحمد وابن قانع والطبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم كلاهما في الدلائل عن سلمة بن سلامة وقش وكان من أهل بدر قال: كان لنا جار يهودي في بني عبد الأشهل، فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيسير حتى وقف على مجلس بني الأشهل، قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا، علي بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي، فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار، قال: ذلك لأهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت. فقالوا له: ويحك يا فلان.! ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزنون فيها بأعمالهم؟ فقال: نعم، والذي يحلف به يود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطيونه عليه وإن ينجو من تلك النار غدا. قالوا له: ويحك وما آية ذلك؟! قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكة واليمن. فقالوا: ومتى نراه؟ قال: فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا أن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه، قال سلمة: فواللّه ما ذهب الليل والنهار حتى بعث اللّه رسوله صلى اللّه عليه وسلم وهو بين أظهرنا، فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا، فقلنا ويلك يا فلان ألست بالذي قلت لنا؟! قال: بلى، وليس به. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} يقول يستنصرون بخروج محمد على مشركي العرب يعني بذلك أهل الكتاب، فلما بعث اللّه محمدا ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} قال: نزلت في اليهود عرفوا محمدا أنه نبي وكفروا به. ٩٠ أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {بئسما اشتروا به أنفسهم...} الآية. قال: هم اليهود كفروا بما أنزل اللّه وبمحمد صلى اللّه عليه وسلم، بغيا وحسدا للعرب {فباءوا بغضب على غضب} قال: غضب اللّه عليهم مرتين بكفرهم بالإنجيل وبعيسى، وبكفرهم بالقرآن وبمحمد. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {بئسما اشتروا به أنفسهم} قال: بئس ما باعوا به أنفسهم حيث باعوا نصيبهم من الآخرة بطمع يسير من الدنيا. قال: وهل تعرف ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول: يعطى بها ثمنا فيمنعها * ويقول صاحبها ألا تشرى وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {بغيا أن ينزل اللّه} أي أن اللّه جعله من غيرهم {فباءوا بغضب} بكفرهم بهذا النبي {على غضب} كان عليهم فيما ضيعوه من التوراة. وأخرج ابن جرير عن عكرمة {فباءوا بغضب على غضب} قال: كفرهم بعيسى وكفرهم بمحمد. وأخرج ابن جرير عن مجاهد {فباءوا بغضب} اليهود غضب بما كان من تبديلهم التوراة قبل خروج النبي صلى اللّه عليه وسلم {على غضب} جحودهم النبي صلى اللّه عليه وسلم وكفرهم بما جاء به. ٩١ انظر تفسير الآية: ٩٢ ٩٢ أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {ويكفرون بما وراءه} قال: بما بعده. وأخرج ابن جرير عن الدي في قوله {ويكفرون بما وراءه} قال: القرآن. ٩٣ أخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله {واشربوا في قلوبهم العجل} قال: اشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم. ٩٤ انظر تفسير الآية: ٩٥ ٩٥ أخرج ابن جرير عن أبي العالية قال (قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هود أو نصارى) (البقرة الآية ١١١)، وقالوا (نحن أبناء اللّه وأحباؤه) (المائدة الآية ١٨) فأنزل اللّه {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند اللّه خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} فلم يفعلوا. وأخرج ابن جرير عن قتادة. مثله. وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في هذه الآية قال: قل لهم يا محمد {إن كانت لكم الدار الآخرة} يعني الجنة كما زعتم {خالصة من دون الناس} يعني المؤمنين {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} إنها لكم خالصة من دون المؤنين فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن كنتم في مقالتكم صادقين قولوا اللّهم أمتنا، فو الذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه، فأبوا أن يفعلوا وكرهوا ما قال لهم، فنزل {ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم} يعني عملته أيديهم {واللّه عليم بالظالمين} أنهم لن يتمنوه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند نزول هذه الآية: واللّه لا يتمنونه أبدا". وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فتمنوا الموت} أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب فأبوا ذلك، ولو تمنوه يوم قال ذلك ما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (قل إن لكم الدار الآخرة) يعني الجنة {خالصة} خاصة {فتمنوا الموت} فاسألوا الموت {ولن يتمونه أبدا} لأنعم يعلمون أنهم كاذبون {بما قدمت} قال: أسلفت. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: لو تمنى اليهود الموت لماتوا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه. وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا، ولرأوا مقاعدهم من النار". ٩٦ أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} قال: اليهود {ومن الذين أشركوا} قال: الأعاجم. وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} يعني اليهود {ومن الذين أشركوا} وذلك أن المشرك لا يرجو بعثا بعد الموت فهو يحب طول الحياة، وإن اليهودي قد عرف ما له في الآخرة من الخزي بما صنع بما عنده من العلم {وما هو بمزحزحه} قال: بمنجية. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والحاكم عن ابن عباس في قوله {يود أحدهم لو يعمر ألف سنة} قال: هو قول الأعاجم إذا عطس أحدهم زه هزا رسال يعني ألف سنة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وما هو بمزحزحه} قال: هم الذين عادوا جبريل. ٩٧ انظر تفسير الآية: ٩٨ ٩٨ أخرج الطيالسي والفريابي وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن ابن عباس قال: حضرت عصابة من اليهود نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي. قال "سلوني عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة اللّه وما أخذ يعقوب على نبيه لئن أنا حدثتكم شيئا فعرفتموه لتتابعني؟ قالوا: فذلك لك. قالوا: أربع خلال نسألك عنها. أخبرنا أي طعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، وأخبرنا كيف ماء الرجل من ماء المرأة وكيف الأنثى منه والذكر، وأخبرنا كيف هذا النبي الأمي في النوم، ومن وليه من الملائكة، فأخذ عليهم عهد اللّه لئن أخبرتكم لتتابعني، فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق. قال: فأنشدكم بالذي أنزل التوراة هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا طال سقمه، فنذر نذرا لئن عافاه اللّه من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها؟ فقالوا: اللّهم نعم. فقال: اللّهم اشهد. قال: أنشدكم بالذي لا إله إلا هو هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ وأن ماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان له الواد والشبه بإذن اللّه، إن علا ماء الرجل كان ذكرا بإذن اللّه وإن علا ماء المرأة كان أنثى بإذن اللّه؟ قالوا: اللّهم نعم. قال: اللّهم اشهد قال: فأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن النبي الأمي هذا تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا: نعم. قال: اللّهم اشهد عليهم. قالوا: أنت الآن فحدثنا من وليك من الملائكة فعندها نتابعك أو نفارقك؟ قال: وليي جبريل ولم يبعث اللّه نبيا قط إلا وهو وليه. قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليك سواه من الملائكة لأتبعناك وصدقناك. قال: فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا: هو عدونا. فأنزل اللّه تعالى {من كان عدوا لجبريل} إلى قوله {كأنهم لا يعلمون} فعند ذلك باؤوا بغضب على غضب". وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف واسحاق بن راهويه في مسنده وابن جرير وابن أبي حاتم عن الشعبي قال "نزل عمر رضي اللّه عنه بالروحاء، فرأى ناسا يبتدرون أحجارا فقال: ما هذا؟ فقالوا: يقولون أن النبي صلى اللّه عليه وسلم صلى إلى هذه الأحجار، فقال: سبحان اللّه...! ما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا راكبا مر بواد فحضرت الصلاة فصلى، ثم حدث فقال: إني كنت أغشى اليهود يوم دراستهم فقالوا: ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك لأنك تأتينا. قلت: وما ذاك إلا أني أعجب من كتب اللّه كيف يصدق بعضها بعضا، كيف تصدق التوراة والفرقان التوراة، فمر النبي صلى اللّه عليه وسلم يوما وأنا أكلمهم فقلت: أنشدكم باللّه وما تقرؤون من كتابه، أتعلمون أنه رسول اللّه؟ قالوا: نعم. فقلت: هلكتم واللّه، تعلمون أنه رسول اللّه ثم لا تتبعونه؟ فقالوا: لم نهلك ولكن سألناه من يأتيه بنبوته فقال: عدونا جبريل، لأنه ينزل بالغلظة والشدة والحرب والهلاك ونحو هذا، فقلت فمن سلمكم من الملائكة؟ فقالوا: ميكائيل ينزل بالقطر والرحمة وكذا. قلت: وكيف م نزلتهما من ربهما؟ فقالوا: أحدهما عن يمينه والآخر من الجانب الآخر. قلت: فإنه لا يحل لجبريل أن يعادي ميكائيل، ولا يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل، وإني أشهد أنهما وربهما سلم لمن سالموا وحرب لمن حاربوا، ثم أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم وأنا أريد أن أخبره، فلما لقيته قال: ألا أخبرك بآيات أنزلت علي؟ قلت: بلى يا رسول اللّه فقرأ {من كان عدوا لجبريل} حتى بلغ {الكافرين} قلت: واللّه يا رسول اللّه ما قمت من عند اليهود إلا إليك لأخبرك بما قالوا إلي، وقلت لهم فوجدت اللّه قد سبقني. صحيح الإسناد ولكن الشعبي لم يدرك عمر". وأخرج سفيان بن عينية عن عكرمة قال "كان عمر يأتي يهود يكلمهم فقالوا: إنه ليس من أصحابك أحد أكثر إتيانا إلينا منك، فأخبرنا من صاحب صاحبك الذي يأتيه بالوحي؟ فقال: جبريل. قالوا: ذاك عدونا من الملائكة، ولو أن صاحبه صاحب صاحبنا لأتبعناه، فقال عمر: ومن صاحب صاحبكم؟ قالوا: ميكائيل. قال: وما هما؟ قالوا: أما جبريل فينزل بالعذاب والنقمة وأما ميكائيل فينزل بالغيث والرحمة وأحدهما عدو لصاحبه. فقال عمر. وما م نزلتهما؟ قالوا: إنهما من أقرب الملائكة منه أحدهما عن يمينه وكلتا يديه يمين والآخر على الشق الآخر. فقال عمر: لئن كانا كما تقولون ما هما بعدوين، ثم خرج من عندهم فمر بالنبي صلى اللّه عليه وسلم فدعاه فقرأ عليه {من كان عدوا لجبريل...} الآية. فقال عمر: والذي بعثك بالحق إنه الذي خاصمتهم به آنفا. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا عمر بن الخطاب انطلق ذات يوم إلى اليهود، فلما أبصروه رحبوا به فقال عمر: واللّه ما جئت لحبكم ولا للرغبة فيكم ولكني جئت لأسمع منكم، وسألوه فقالوا: من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم: جبريل، قالوا: ذاك عدونا من الملائكة يطلع محمد على سرنا، وإذا جاء، جاء بالحرب والسنة ولكن صاحبنا ميكائيل، وإذا جاء جاء بالخصب والسلم. فتوجه نحو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليحدثه حديثهم، فوجده قد أنزل هذه الآية {قل من كان عدوا لجبريل...} الآية. وأخرج ابن جرير عن السدي قال "لما كان لعمر أرض بأعلى المدينة يأتيها، وكان ممره على مدارس اليهود، وكان كلما مر دخل عليهم فسمع منهم، وإنه دخل عليهم ذات يوم فقال لهم: أنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتجدون محمدا عندكم؟ قالوا: نعم، إنا نجده مكتوبا عندنا ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي جبريل وجبريل عدونا، وهو صاحب كل عذاب وقتال وخسف، ولو كان وليه ميكائيل لآمنا به، فإن ميكائيل صاحب كل رحمة وكل غيث. قال عمر: فأين مكان جبريل من اللّه؟ قالوا: جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره. قال عمر: فأشهدكم أن الذي عدو للذي عن يمينه عدو للذي هو عن يساره والذي عدو للذي عن يساره عدو للذي هو عن يمينه، وأنه من كان عدوهما فإنه عدو للّه، ثم رجع عمر ليخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال فوجد جبريل قد سبقه بالوحي، فدعاه النبي صلى اللّه عليه وسلم فقرأ {قل من كان عدوا لجبريل...} الآية. فقال عمر: والذي بعثك بالحق لقد جئت وما أريد إلا أن أخبرك". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. أن يهوديا لقي عمر فقال: إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا. فقال عمر {من كان عدوا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإن اللّه عدو الكافرين} قال: فنزلت على لسان عمر، وقد نقل ابن جرير الإجماع على أن سبب نزول الآية ذلك. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وأبو يعلى وابن حبان والبيهقي في الدلائل عن أنس قال "سمع عبد اللّه بن سلام بمقدم النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو بأرض يخترف، فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي. ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام أهل الجنة، وما ينزع الولد إلى أبيه أو أمه؟ قال: أخبرني جبريل بهن آنفا. قال: جبريل؟ قال: نعم. قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة. فقرأ هذه الآية {من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك} قال: أما أول أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق فتحشر الناس إلى المغرب، وأما أول ما يأكل أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأما ما ينزع الولد إلى أبيه وأمه فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها. قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك رسول اللّه". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فإنه نزله على قلبك بإذن اللّه} يقول: جبريل نزل بالقرآن بإذن اللّه يشدد به فؤادك، ويربط به على قلبك {مصدقا لما بين يديه} يقول: لما قبله من الكتب التي أنزلها، والآيات والرسل الذين بعثهم اللّه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {مصدقا لما بين يديه} قال: من التوراة والإنجيل {وهدى وبشرى للمؤمنين} قال: جعل اللّه هذا القرآن هدى وبشرى للمؤمنين، لأن المؤمن إذا سمع القرآن حفظه، ووعاه، وانتفع به، وإطمأن إلبه، وصدق بموعود اللّه الذي وعده فيه، وكان على يقين من ذلك. وأخرج ابن جرير من طريق عبيد اللّه العكي عن رجل من قريش قال: سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم اليهود فقال "أسألكم بكتابكم الذي تقرؤون هل تجدونه قد بشر بي عيسى أن يأيتكم رسول اسمه أحمد؟ فقالوا: اللّهم وجدناك في كتابنا ولكنا كرهنا لأنك تستحل الأموال وتهرق الدماء، فأنزل اللّه {من كان عدوا له وملائكته ورسله} الآية". وأما قوله تعالى {وجبريل وميكال}. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: جبريل كقولك عبد اللّه جبر عبد وإيل اللّه. وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عباس قال: جبريل عبد اللّه، وميكائيل عبيد اللّه، وكل اسم فيه إيل فهو معبد للّه. وأخرج الديلمي عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اسم جبريل عبد اللّه، واسم اسرافيل عبد الرحمن". وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن علي بن حسين قال: اسم جبريل عبد اللّه، واسم ميكائيل عبيد اللّه، واسم إسرافيل عبد الرحمن، وكل شيء راجع إلى ايل فهو معبد للّه عز وجل. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: جبريل اسمه عبد اللّه، وميكائيل اسمه عبيد اللّه، قال: والإل اللّه، وذلك قوله (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة) (التوبة الآية ١٠) قال: لا يرقبون اللّه. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأها جبرال، ويقول جبر هو عبد وال هو اللّه. وأخرج وكيع عن علقمة أنه كان يقرأ مثقلة {جبريل وميكائيل}. وأخرج وكيع وابن جرير عن عكرمة قال: جبر عبد وايل اللّه، وميك عبد وايل اللّه، واسراف عبد وايل اللّه. وأخرج الطبراني وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان بسند حسن عن ابن عباس قال: "بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومعه جبريل يناجيه إذ انشق أفق السماء، فأقبل جبريل يتضاءل ويدخل بعضه في بعض ويدنو من الأرض، فإذا ملك قد مثل بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام، ويخيرك بين أن تكون نبيا ملكا وبين أن تكون نبيا عبدا. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فأشار جبريل إلي بيده أن تواضع، فعرفت أنه لي ناصح فقلت: عبد نبي. فعرج ذلك الملك إلى السماء فقلت: يا جبريل قد كنت أردت أن أسألك عن هذا، فرأيت من حالك ماشغلني عن المسألة فمن هذا يا جبريل؟ قال: هذا اسرافيل خلقه اللّه يوم خلقه بين يديه صافا قدميه لا يرفع طرفه، بينه وبين الرب سبعون نورا ما منها نور يدنو منه إلا احترق، بين يديه اللوح المحفوظ فإذا أذن اللّه في شيء في السماء أو في الأرض ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته فينظر فيه، فإذا كان من عملي أمرني به، وإن كان من عمل ميكائيل أمره به، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به. قلت: يا جبريل على أي شيء أنت؟ قال: على الرياح والجنود. قلت: على أي شيء ميكائيل؟ قال: على النبات والقطر. قلت: على أي شيء ملك الموت؟ قال: على قبض الأنفس، وما ظننت أنه هبط إلا بقيام الساعة، وما ذاك الذي رأيته مني إلا خوفا من قيلم الساعة". وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ألا أخبركم بأفضل الملائكة جبريل، وأفضل النبيين آدم، وأفضل الأيام يوم الجمعة، وأفضل الشهور رمضان، وأفضل الليالي ليلة القدر، وأفضل النساء مريم بنت عمران". وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن عبد العزيز بن عمير قال: اسم جبريل في الملائكة خادم اللّه عز وجل. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عكرمة قال: قال جبريل عليه السلام: إن ربي عز وجل ليبعثني على الشيء لأمضيه فأجد الكون قد سبقني إليه. وأخرج أبو الشيخ عن موسى بن عائشة قال: بلغني أن جبريل إمام أهل السماء. وأخرج أبو الشيخ عن عمرو بن مرة قال: جبريل على ريح الجنوب. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ثابت قال: بلغنا أن اللّه تعالى وكل جبريل بحوائج الناس، فإذا دعا المؤمن قال "يا جبريل احبس حاجته فإني أحب دعاءه، وإذا دعا الكافر قال: يا جبريل اقض حاجته فإني أبغض دعاءه". وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عبد اللّه بن عبيد قال "إن جبريل موكل بالحوائج، فإذا سأل المؤمن ربه قال: احبس احبس حبا لدعائه أن يزداد، وإذا سأل الكافر قال: أعطه أعطه بغضا لدعائه". وأخرج البيهقي والصابوني في المائتين عن جابر بن عبد اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن جبريل موكل بحاجات العباد، فإذا دعا المؤمن قال: يا جبريل احبس حاجة عبدي فإني أحبه وأحب صوته، وإذا دعا الكافر قال: يا جبريل اقض حاجة عبدي فإني أبغضه وأبغض صوته". وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لجبريل: وددت أني رأيتك في صورتك قال: وتحب ذلك؟ قال: نعم. قال: موعدك كذا وكذا من الليل بقيع الغرقد، فلقيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم موعده، فنشر جناحا من أجنحته فسد أفق السماء حتى ما يرى من السماء شيء". وأخرج أحمد وأبو الشيخ عن عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "رأيت جبريل مهبطا قد ملأ ما بين الخافقين، عليه ثياب سندس معلق بها اللؤلؤ والياقوت". وأخرج أبو الشيخ عن شريح بن عبيد "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما صعد إلى السماء رأى جبريل في خلقته منظومة أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت، قال: فخيل إلي أن ما بين عينيه قد سد الأفق، وكنا أراه قبل ذلك على صور مختلفة، وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي، وكنت أحيانا أراه كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربال". وأخرج ابن جرير عن حذيفة وقتادة. دخل حديث بعضهم لبعض لجبريل جناحان، وعليه وشاح من در منظوم، وهو براق الثنايا، أجلى الجبينين، ورأسه حبك حبكا مثل المرجان، وهو اللؤلؤ كأنه الثلج، وقدماه إلى الخضرة. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ما بين منكبي جبريل مسيرة خمسمائة عام للطائر السريع الطيران". وأخرج أبو الشيخ عن وهب بن منبه. أنه سئل عن خلق جبريل؟ فذكر أن ما بين منكبيه من ذي إلى ذي خفق الطير سبعمائة عام. وأخرج ابن سعد والبيهقي في الدلائل عن عمار بن أبي عمار. أن حمزة بن عبد المطلب قال: يا رسول اللّه أرني جبريل على صورته. قال "إنك لا تستطيع أن تراه. قال: بلى فأرنيه. قال: فاقعد. فقعد فنزل جبريل على خشبة كانت الكعبة يلقي المشركون عليها ثيابهم إذا طافوا، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ارفع طرفك. فانظر فرفع طرفه، فرأى قدميه مثل الزبرجد الأخضر، فخر مغشيا عليه". وأخرج ابن المبارك في الزهد عن ابن شهاب "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سأل جبريل أن يترأى له في صورته فقال جبريل: إنك لن تطيق ذلك. قال: إني أحب أن تفعل. فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المصلى في ليلة مقمرة، فأتاه جبريل في صورته، فغشي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين رآه، ثم أفاق وجبريل مسنده وواضع إحدى يديه على صدره والآخرى بين كتفيه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما كنت أرى إن شيئا من الخلق هكذا! فقال جبريل: فكيف لو رأيت اسرافيل، إن له لأثني عشر جناحا، منها جناح في المشرق، وجناح في المغرب، وإن، العرش على كاهله، وإنه ليتضاءل أحيانا لعظمة اللّه عز وجل حتى يصير مثل الوصع، حتى ما يحمل عرشته إلا عظمته". وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أبي جعفر قال: كان أبو بكر يسمع مناجاة جبريل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا يراه. وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: قال لي النبي صلى اللّه عليه وسلم "لما رأيت جبريل لم يره خلق إلا عمي إلا أن يكون نبيا، ولكن أن جعل ذلك في آخر عمرك". وأخرج أبو الشيخ عن أبي سعيد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إن في الجنة لنهرا ما يدخله جبريل من دخلة فيخرج فينتفض إلا خلق اللّه من كل قطرة تقطر ملكا". وأخرج أبو الشيخ عن أبي العلاء بن هارون قال: لجبريل في كل يوم انغماسة في نهر الكوثر، ثم ينتفض فكل قطرة يخلق منها ملك. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: إن جبريل ليأتيني كما يأتي الرجل صاحبه في ثياب بيض مكفوفة باللؤلؤ والياقوت، رأسه كالحبك، وشعره كالمرجان، ولونه كالثلح، أجلى الجبين، براق الثنايا، عليه وشاحان من در منظوم، وجناحاه أخضران ورجلاه مغموستان في الخضرة، وصورته التي صور عليها تملأ ما بين الأفقين، وقد قال صلى اللّه عليه وسلم: أشتهي أن أراك في صورتك يا روح اللّه. فتحول له فيها فسد ما بين الأفقين". وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لجبريل"هل ترى ربك؟ قال: إن بيني وبينه لسبعين حجابا من نار أو نور، لو رأيت أدناه لاحترقت". وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية بسند واه عن أبي هرير. أن رجلا من اليهود أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه هل احتجب اللّه بشيء عن خلقه غير السموات؟ قال: "نعم، بينه وبين الملائكة الذين حول العرش سبعون حجابا من نور، وسبعون حجابا من نار، وسبعون حجابا من ظلمه، وسبعون حجابا من رفارف الاستبرق، وسبعون حجابا من ظلمة، وسبعون حجابا من رفاف السندس، وسبعون حجابا من در أبيض، وسبعون حجابا من در أخضر، وسبعون حجابا من در أحمر، وسبعون حجابا من در أصفر، وسبعون حجابا من در أخضر، وسبعون حجابا من ضياء، وسبعون حجابا من ثلج، وسبعون حجابا من برد، وسبعون حجابا من عظمة اللّه التي لا توصف، قال: فأخبرني عن ملك اللّه الذي يليه؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: إن الملك الذي يليه اسرافيل، ثم جبريل، ثم ميكائيل، ثم ملك الموت عليهم السلام". وأخرج أحمد في الزهد عن أبي عمران الجوني "أنه بلغه أن جبريل أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يبكي فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: وما يبكيك؟! قال: ومالي لا أبكي...! فواللّه ما جفت لي عين منذ خلق اللّه النار، مخافة أن أعصيه فيقذفني فيها". وأخرج أحمد في الزهد عن رباح قال "حدثت أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لجبريل: لم تأتني إلا وأنت صار بين عينيك؟ قال: إني لم أضحك منذ خلقت النار". وأخرج أحمد في مسنده وأبو الشيخ عن أنس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لجبريل: مالي لم أر ميكائيل ضاحكا قط؟ قال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار". وأخرج أبو الشيخ عن عبد العزيز بن أبي رواد قال "نظر اللّه إلى جبريل وميكائيل وهما يبكيان، فقال اللّه: ما يبكيكما وقد علمتما أني لا أجور...؟ فقالا: يا رب إنا لا نأمن مكرك. قال: هكذا فافعلا فإنه لا يأمن مكري إلا كل خاسر". وأخرج أبو الشيخ من طريق الليث عن خالد بن سعيد قال: بلغنا أن اسرافيل يؤذن لأهل السماء فيؤذن لاثنتي عشرة ساعة من النهار، ولاثنتي عشرة ساعة من الليل لكل ساعة تأذين، يسمع تأذينه من في السموات السبع ومن في الأرضين السبع إلا الجن والإنس، ثم يتقدم بهم عظيم الملائكة فيصلي بهم. قال: وبلغنا أن ميكائيل يؤم الملائكة في البيت المعمور. وأخرج الحكيم الترمذي عن زيد بن رفيع قال "دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جبريل وميكائيل وهو يستاك، فناول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جبريل السواك، فقال جبريل: كبر. قال جبريل: ناول ميكائيل فإنه أكبر". وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة بن خالد "أن رجلا قال: يا رسول اللّه أي الخلق أكرم على اللّه عز وجل؟ قال: لا أدري...! فجاءه جبريل عليه السلام فقال: يا جبريل أي الخلق أكرم على اللّه؟ قال: لا أدري...! فعرج جبريل ثم هبط، فقال: أكرم الخلق على اللّه جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، فأما جبريل فصاحب الحرب وصاحب المرسلين، وأما ميكائيل فصاحب كل قطرة تسقط وكل ورقة تنيت وكل ورقة تسقط، وأما ملك الموت فهو موكل بقبض كل روح عبد في بر أو بحر، وأما إسرافيل فأمين اللّه بينه وبينهم". وأخرج أبو الشيخ عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أقرب الخلق إلى اللّه جبريل وميكائيل واسرافيل وهم منه مسيرة خمسين ألف سنة، جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره واسرافيل بينهما". وأخرج أبو الشيخ عن خالد بن أبي عمران قال: جبريل أمين اللّه إلى رسله، وميكائيل يتلقى الكتب التي تلقى من أعمال الناس، واسرافيل كمنزلة الحاجب". وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وابن أبي داود في المصاحف وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اسرافيل صاحب الصور، وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وهو بينهما". وأخرج أبو الشيخ عن وهب قال: إن أدنى الملائكة من اللّه جبريل ثم ميكائيل، فإذا ذكر عبدا بأحسن عمله قال: فلان بن فلان عمل كذا وكذا من طاعتي صلوات اللّه عليه، ثم سأل ميكائيل جبريل ما أحدث ربنا؟ فيقول: فلان بن فلان ذكر بأحسن عمله فصلى عليه صلوات اللّه عليه، ثم سأل ميكائيل من يراه من أهل السماء فيقول: ماذا أحدث ربنا؟ فيقول: ذكر فلان بن فلان بأحسن عمله فصلى عليه صلوات اللّه عليه، فلا يزال يقع إلى الأرض. وإذا ذكر عبدا بأسوأ عمله قال: عبدي فلان بن فلان عمل كذا وكذا من معصيتي فلعنتي عليه، ثم سأل ميكائيل جبريل ماذا أحث ربنا؟ فيقول: ذكر فلان بن فلان بأسوأ عمله فعليه لعنة اللّه، فلا يزال يقع من سماء إلى سماء حتى يقع إلى الأرض. وأخرج الحاكم عن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "وزيراي من السماء جبريل وميكائيل، ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر". وأخرج البزار والطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه أيدني بأربعة وزراء، اثنين من أهل السماء جبريل وميكائيل، واثنين من أهل الأرض أبي بكر وعمر". وأخرج الطبراني بسند حسن عن أم سلمة. أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن في السماء ملكين أحدهما يأمر بالشدة والآخر يأمر باللين وكل مصيب جبريل وميكائيل. ونبيان أحدهما يأمر باللين والآخر يأمر بالشده وكل مصيب وذكر إبراهيم ونوحا، ولي صاحبان أحدهما يأمر باللين والآخر يأمر بالشده وكل مصيب وذكر أبا بكر وعمر". وأخرج البزار والطبراني في الأوسط والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد اللّه بن عمرو قال "جاء فئام الناس إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: يا رسول اللّه زعم أبو بكر أن الحسنات من اللّه والسيئات من العباد، وقال عمر: الحسنات والسيئات من اللّه فتابع هذا قوم وهذا قوم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لأقضين بينكما بقضاء اسرافيل بين جبريل وميكائيل، إن ميكائيل قال بقول أبي بكر، وقال جبريل بقول عمر. فقال جبريل لميكائيل: إنا متى تختلف أهل السماء تختلف أهل الأرض فلنتحاكم إلى اسرافيل، فتحاكما إليه فقضى بينهما بحقيقة القدر خيره وشره وحلوه ومره كله من اللّه، ثم قال: يا أبا بكر إن اللّه لو أراد أن لا يعصى لم يخلق إبليس. فقال أبو بكر: صدق اللّه ورسوله". وأخرج الحاكم عن أبي المليح عن أبيه "أنه صلى مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ركعتي الفجر، فصلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ركعتين خفيفتين قال: فسمعته يقول: اللّهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل ومحمد أعوذ بك من النار ثلاث مرات". وأخرج أحمد في الزهد عن عائشة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أغمي عليه وراسه في حجرها، فجعلت تمسح وجهه وتدعو له بالشفاء، فلما أفاق قال: لا بل أسأل اللّه الرفيق الأعلى مع جبريل وميكائيل واسرافيل عليهم السلام". ٩٩ انظر تفسير الآية: ١٠١ ١٠٠ انظر تفسير الآية: ١٠١ ١٠١ أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال "قال ابن صوريا للنبي صلى اللّه عليه وسلم: يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه ما أنزل اللّه عليك من آية بينة، فأنزل اللّه في ذلك {ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون} وقال مالك بن الضيف: حين بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وذكر ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في محمد، واللّه ما عهد إلينا في محمد ولا أخذ علينا ميثاقا، فأنزل اللّه تعالى {أو كلما عاهدوا عهدا...} الآية". وأخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله {ولقد أنزلنا إليك آيات بينات} يقول: فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية وبين ذلك. وأنت عندهم أمي لم تقرأ كتابا، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه، ففي ذلك عبرة لهم وبيان وحجة عليهم لو كانوا يعلمون. وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله {نبذه} قال: نقضه. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله {نبذه فريق منهم} قال: لم يكن في الأرض عهد يعاهدون إليه إلا نقضوه ويعاهدون اليوم وينقضون غدا قال: وفي قراءة عبد اللّه: نقضه فريق منهم. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {ولما جاءهم رسول من عند اللّه مصدق لما معهم...} الآية. قال: ولما جاءهم محمد صلى اللّه عليه وسلم عارضوه بالتوراة فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت، كأنهم لا يعلمون ما في التوراة من الأمر باتباع محمد صلى اللّه عليه وسلم وتصديقه. ١٠٢ أخرج سفيان بن عينية وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصحه عن ابن عباس قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فإذا سمع أحدهم بكلمة حق كذب عليها ألف كذبة فاشربتها قلوب الناس واتخذوها دواوين، فاطلع اللّه على ذلك سليمان بن داود فأخذها فقذفها تحت الكرسي، فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثل كنزه الممنع؟ قالوا: نعم. فأخرجوه فإذا هو سحر فتناسخها الأمم، وأنزل اللّه عذر سليمان فيما قالوا من السحر فقال {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان...} الآية. وأخرج النسائي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان آصف كاتب سليمان وكان يعلم الاسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحرا وكفرا، وقالوا: هذا الذي كان سليمان يعمل به، فاكفره جهال الناس وسبوه، ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبونه حتى أنزل اللّه على محمد {واتبعوا ما تتلو الشياطين}. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما ذهب ملك سليمان ارتد فئام من الجن والإنس واتبعوا الشهوات، فلما رجع إلى سليمان ملكه وقام الناس على الدين، ظهر على كتبهم فدفنها تحت كرسيه، وتوفي حدثان ذلك، فظهر الجن والإنس على الكتب بعد وفاة سليمان، وقالوا: هذا كتاب من اللّه نزل على سليمان أخفاه عنا، فأخذوه فجعلوه دينا، فأنزل اللّه {واتبعوا ما تتلو الشياطين} أي الشهوات التي كانت الشياطين تتلو، وهي المعازف واللعب وكل شيء يصد عن ذكر اللّه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء أو يأتي شيئا من شأنه، أعطى الجرادة وهي امرأته خاتمه، فلما أراد اللّه أن يبتلي سليمان بالذي ابتلاه به أعطى الجرادة ذلك اليوم خاتمه، فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها: هاتي خاتمي. فأخذه فلبسه، فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإنس، فجاءها سليمان فقال: هاتي خاتمي. فقالت: كذبت لست سليمان. فعرف أنه بلاء ابتلي به، فانطلقت الشياطين فكتبت في تلك الأيام كتبا فيها سحر وكفر، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أخرجوها فقرؤوها على الناس وقالوا: إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب، فبرئ الناس من سليمان وأكفروه حتى بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم، وأنزل عليه {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا}. وأخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال: قال اليهود: انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل، يذكر سليمان مع الأنبياء إنما كان ساحرا يركب الريح، فأنزل اللّه {واتبعوا ما تتلو الشياطين...} الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: إن اليهود سألوا النبي صلى اللّه عليه وسلم زمانا عن أمور من التوراة لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل اللّه عليه ما سألوا عنه فيخصمهم، فلما رأوا ذلك قالوا هذا أعلم بما أنزل علينا منا، وأنهم سألوه عن السحر وخاصموه به، فأنزل اللّه {واتبعوا ما تتلو الشياطين...} الآية. وأن الشياطين عمدوا إلى كتاب فكتبوا فيه السحر والكهانة وما شاء اللّه من ذلك، فدفنوه تحت مجلس سليمان، وكان سليمان لا يعلم الغيب، فلما فارق سليمان الدنيا استخرجوا ذلك السحر وخدعوا به الناس، وقالوا: هذا علم كان سليمان يكتمه ويحسد الناس عليه، فأخبرهم النبي صلى اللّه عليه وسلم بهذا الحديث، فرجعوا من عنده وقد حزنوا وأدحض اللّه حجتهم. وأخرج سعيد بن منصور عن خصيف قال: كان لسليمان إذا نبتت الشجرة قال: لأي داء أنت؟ فتقول: لكذا وكذا. فلما نبتت الشجرة الخرنوبة قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لمسجدك أخربه. فلم يلبث أن توفي، فكتب الشياطين كتابا فجعلومه في مصلى سليمان، فقالوا: نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به، فانطلقوا فاستخرجوا ذلك الكتاب، فغذا فيه سحر ورقى، فأنزل اللّه {واتبعوا ما تتلو الشياطين} إلى قوله {وما أنزل على الملكين} وذكر أنها في قراءة أبي (وما يتلى على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) سبع مرار، فإن أبى إلا أن يكفر علماه فيخرج منه نور حتى يسطع في السماء قال: المعرفة التي كان يعرف. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي مجلز قال: أخذ سليمان من كل دابة عهدا، فإذا أصيب رجل فيسأل بذلك العهد خلي عنه، فرأى الناس بذلك السجع والسحر وقالوا: هذا كان يعمل به سليمان. فقال اللّه {وما كفر سليمان} الآية. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ما تتلو} قال: ما تتبع. وأخرج ابن جرير عن عطاء في قوله {ما تتلو الشياطين} قال: يراد ما تحدث. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله {على ملك سليمان} يقول: في ملك سليمان. وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله {وما كفر سليمان} يقول: ما كان عن مشورته ولا رضا منه ولكنه شيء افتعلته الشياطين دونه {يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين} فالسحر سحران، سحر تعلمه الشياطين، وسحر يعلمه هاروت وماروت. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {وما أنزل على الملكين} قال: هذا سحر خاصموه به، فإن كلام الملائكة فيما بينهم إذا علمته الإنس فصنع وعمل به كان سحرا. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: أما السحر فإنما يعلمه الشياطين، وأما الذي يعلمه الملكان فالتفريق بين المرء وزوجه.وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وما أنزل على الملكين} قال: التفرقة بين المرء وزوجه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وما أنزل على الملكين} قال: لم ينزل اللّه السحر. وأخرج ابن أبي حاتم عن علي في الآية قال: هما ملكان من ملائكة السماء. وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عنه مرفوعا. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبزى. أنه كان يقرؤها (وما أنزل على الملكين داود وسليمان). وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك. أنه قرأ {وما أنزل على الملكين} وقال: هما علجان من أهل بابل. وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر عن ابن عباس {وما أنزل على الملكين} يعني جبريل وميكائيل {ببابل هاروت وماروت} يعلمان الناس السحر. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية {وما أنزل على الملكين} قال: ما أنزل على جبريل وميكائيل السحر. وأما قوله تعالى: {ببابل} أخرج أبو داود وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن علي قال "إن حبيبي صلى اللّه عليه وسلم نهاني أن أصلي بأرض بابل، فإنها ملعونه". وأخرج الدينوري في المجالسة وابن عساكر من طريق نعيم بن سالم - وهو متهم - عن أنس بن مالك قال: لما حشر اللّه الخلائق إلى بابل بعث إليهم ريحا شرقية وغربية وقبلية وبحرية فجمعتهم إلى بابل، فاجتمعوا يومئذ ينظرون لما حشروا له، إذ نادى مناد: من جعل المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره، واقتصد إلى البيت الحرام بوجهه فله كلام أهل السماء. فقام يعرب بن قحطان فقيل له: يا يعرب بن قحطان بن هود أنت هو، فكان أول من تكلم بالعربية، فلم يزل المنادي ينادي: من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا حتى افترقوا على اثنين وسبعين لسانا، وانقطع الصوت وتبلبلت الألسن فسميت بابل، وكان اللسان يومئذ بابليا، وهبطت ملائكة الخير والشر، وملائكة الحياء والإيمان، وملائكة الصحة والشفاء، وملائكة الغنى، وملائكة الشرف، وملائكة المروءة، وملائكة الجفاء، وملائكة الجهل، وملائكة السيف، وملائكة البأس، حتى انتهوا إلى العراق فقال بعضهم لبعض: افترقوا. فقال ملك الإيمان: أنا أسكن المدينة ومكة. فقال ملك الحياء: أنا أسكن معك. وقال ملك الشفاء: أسكن البادية. فقال ملك الصحة: وأنا معك. وقال ملك الجفاء: وأنا أسكن المغرب. فقال ملك الجهل. وأنا معك. وقال ملك السيف: أنا أسكن الشام. فقال ملك البأس: وأنا معك. وقال ملك الغنى: أنا أقيم ههنا. فقال ملك المروءة: أنا معك. فقال ملك الشرف: وأنا معكما. فاجتمع ملك الغنى والمروءة والشرف بالعراق. وأخرج ابن عساكر بسند فيه مجاهيل عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن اللّه عز وجل خلق أربعة أشياء وأردفها أربعة اشياء، خلق الجدب وأردفه الزهد وأسكنه الحجاز، وخلق العفة وأردفها الغفلة وأسكنها اليمن، وخلق الرزق وأردفه الطاعون وأسكنه الشام، وخلق الفجور وأردفه الدرهم وأسكنه العراق". وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن يسار قال: كتب عمر بن الخطاب إلى كعب الأحبار أن اختر لي المنازل. فكتب إليه يا أمير المؤمنين أنه بلغنا أن الأشياء اجتمعت فقال السخاء: أريد اليمن. فقال حسن الخلق: أنا معك. وقال الجفاء: أريد الحجاز. فقال الفقر: أنا معك. قال البأس: أريد الشام. فقال السيف: أنا معك. وقال العلم: أريد العراق. فقال العقل: أنا معك. وقال الغنى: أريد مصر. فقال الذل: أنا معك. فاختر لنفسك يا أمير المؤمنين، فلما ورد الكتاب على عمر قال: العراق إذن، فالعراق إذن. وأخرج ابن عساكر عن حكيم بن جابر قال: أخبرت أن الإسلام قال: أنا لاحق بأرض الشام. قال الموت: وأنا معك. قال الملك: وأنا لاحق بأرض العراق. قال القتل: وأنا معك. قال الجوع: وأنا لاحق بأرض العرب. قالت الصحة: وأنا معك. وأخرج ابن عساكر عن دغفل قال: قال المال: أنا أسكن العراق. فقال الغدر: أنا أسكن معك. وقالت الطاعة: أنا أسكن الشام. فقال الجفاء: أنا أسكن معك. وقالت المروءة: أنا أسكن الحجاز. فقال: وأنا أسكن معك. وأما قوله تعالى: {هاروت وماروت} قد تقدم حديث ابن عمر في قصة آدم وبقيت آثار أخر. أخرج سعيد وابن جرير والخطيب في تاريخه عن نافع قال: سافرت مع ابن عمر، فلما كان من آخر الليل قال: يا نافع انظر هل طلعت الحمراء؟ قلت: لا مرتين أو ثلاثا، ثم قلت: قد طلعت. قال: لا مرحبا بها ولا أهلا. قلت: سبحان اللّه...! نجم مسخر سامع مطيع؟ قال: ما قلت لك إلا ما سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إن الملائكة قالت: يا رب كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب؟ قال: إني ابتليتهم وعافيتكم. قالوا: لو كنا مكانهم ما عصيناك. قال: فاختاروا ملكين منكم، فلم يألوا جهدا أن يختاروا، فاختاروا هاروت وماروت فنزلا، فالقى اللّه عليهم الشبق. قلت: وما الشبق؟ قال: الشهوة. فجاءت امرأة يقال لها الزهرة، فوقعت في قلوبهما، فجعل كل واحد منهما يخفي عن صاحبه ما في نفسه، ثم قال أحدهما للآخر: هل وقع في نفسك ما وقع في قلبي؟ قال: نعم، فطلباها لأنفسهما فقالت: لا أمكنكما حتى تعلماني الاسم الذي تعرجان به إلى السماء وتهبطان به فأبيا، ثم سألاها أيضا فأبت ففعلا، فلما استطيرت طمسها اللّه كوكبا وقطع أجنحتهما، ثم سألا التوبة من ربهما فخيرهما فقال: إن شئتما رددتكما إلى ما كنتما عليه فإذا كان يوم القيامة عذبتكما، وإن شئتما عذبتكما في الدنيا فإذا كان يوم القيامة رددتكما إلى ما كنتما عليه. فقال أحدهما لصاحبه: إن عذاب الدنيا ينقطع ويزول، فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة. فأوحى اللّه إليهما: أن ائتيا بابل. فانطلقا إلى بابل، فخسف بهما فهما منكوسان بين السماء والأرض معذبان إلى يوم القيامة". وأخرج سعيد بن منصور عنمجاهد قال: كنت مع ابن عمر في سفر فقال لي: ارمق الكوكب، فإذا طلعت أيقظني، فلما طلعت أيقظته فاستوى جالسا، فجعل ينظر إليها ويسبها سبا شديدا، فقلت: يرحمك اللّه أبا عبد الرحمن، نجم ساطع مطيع ماله تسبه؟! فقال: أما إن هذه كانت بغيا في بني إسرائيل، فلقي الملكان منها ما لقيا. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق موسى بن جبير عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أشرفت الملائكة على الدنيا فرأت بني آدم يعصون فقالت: يا رب ما أجهل هؤلاء! ما أقل معرفة هؤلاء بعظمتك! فقال اللّه: لو كنت في مسالخهم لعصيتموني. قالوا: كيف يكون هذا ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال: فاختاروا منكم ملكين، فاختاروا هاروت وماروت، ثم أهبطا إلى الأرض وركبت فيهما شهوات مثل بني آدم، ومثلت لهما امرأة فما عصما حتى واقعا المعصية، فقال اللّه: اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة، فنظر أحدهما إلى صاحبه قال: ما تقول فاختر؟ قال: أقول أن عذاب الدنيا ينقطع وأن عذاب الآخرة لا ينقطع، فاختارا عذاب الدنيا فهما اللذان ذكر اللّه في كتابه {وما أنزل على الملكين...} الآية". وأخرج إسحق بن راهويه وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في العقوبات وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب قال: إن هذه الزهرة تسميها العرب الزهرة والعجم أناهيذ، وكان الملكان يحكمان بين الناس، فأتتهما فأرادها كل واحد عن غير علم صاحبه فقال أحدهما: يا أخي إن في نفسي بعض الأمر أريد أن أذكره لك. قال: اذكره لعل الذي في نفسي مثل الذي في نفسك، فاتفقا على أمر في ذلك. فقالت المرأة: ألا تخبراني بما تصعدان به إلى السماء وبما تهبطان به إلى الأرض؟ فقالا: باسم اللّه الأعظم. قالت: ما أنا بمؤاتيتكما حتى تعلمانيه. فقال أحدهما لصاحبه: علمها إياه. فقال: كيف لنا بشدة عذاب اللّه؟ قال الآخر: إنا نرجو سعة رحمة اللّه، فعلمها إياه فتكلمت به فطارت إلى السماء، ففزع ملك في السماء لصعودها فطأطأ رأسه فلم يجلس بعد، ومسخها اللّه كوكبا. وأخرج ابن راهويه وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لعن اللّه الزهرة فإنها هي التي فتنت الملكين هاروت وماروت". وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه عن أبي العباس قال: كانت الزهرة امرأة في قومها، يقال لها في قومها بيذخت. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عباس قال: إن المرأة التي فتن بها الملكان مسخت، فهي هذه الكوكبة الحمراء يعني الزهرة. وأخرج موحد بن عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان من طريق الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب قال: ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب، فقيل: لو كنتم مكانهم لأتيتم مثل الذي يأتون فاختاروا منكم اثنين، فاختاروا هاروت وماروت فقيل لهما: أني أرسل إلى بني آدم رسلا فليس بيني وبينكما رسول، أنزلكما لا تشركا بي شيئا، ولا تزنيا، ولا تشربا الخمر، قال كعب: فواللّه ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استكملا جميع ما نهيا عنه. وأخرج الحاكم وصححه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عمر. أنه كان يقول: أطلعت الحمراء بعد فإذا رآها قال: لا مرحبا. ثم قال: إن ملكين من الملائكة هاروت وماروت سألا اللّه أن يهبطا إلى الأرض، فأهبطا إلى الأرض فكانا يقضيان بين الناس، فإذا أمسيا تكلما بكلمات فعرجا بها إلى السماء، فقيض اللّه لهما امرأة من أحسن الناس وألقيت عليهما الشهوة، فجعلا يؤخرانها وألقيت في نفسيهما، فلم يزالا يفعلان حتى وعدتهما ميعادا فأتتهما للميعاد فقالت: كلماني الكلمة التي تعرجان بها فعلماها الكلمة، فتكلمت بها فعرجت إلى السماء فمسخت فجعلت كما ترون، فلما أمسيا تكلما بالكلمة فلم يعرجا، فبعث إليهما إن شئتما فعذاب الآخرة وإن شئتما فعذاب الدنيا إلى أن تقوم الساعة. فقال أحدهما لصاحبه: بل نختار عذاب الدنيا ألف ألف ضعف، فهما يعذبان إلى يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كنت نازلا عند عبد اللّه بن عمر في سفر، فلما كان ذات ليلة قال لغلامه: انظر طلعت الحمراء لا مرحبا بها ولا أهلا ولا حياها اللّه هي صاحبة الملكين، قالت الملائكة: كيف تدع عصاة بني آدم وهم يسفكون الدم الحرام، وينتهكون محارمك، ويفسدون في الأرض؟ قال: إني قد ابتليتهم فلعل أن أبتليكم بمثل الذي ابتليتهم به فعلتم كالذي يفعلون. قالوا: لا. قال: فاختاروا من خياركم اثنين. فاختاروا هاروت وماروت، فقال لهما: إني مهبطكما إلى الأرض، ومعاهد إليكما أن لا تشركا، ولا تزنيا، ولا تخونا. فأهبطا إلى الأرض وألقى عليهما الشبق، وأهبطت لهما الزهرة في أحسن صورة امرأة، فتعرضت لهما فأراداها عن نفسها، فقالت: إني على دين لا يصلح لأحد أن يأتيني إلا من كان على مثله. قالا: وما دينك؟ قالت: المجوسية. قالا: أنشرك؟ هذا شيء لا نقر به. فمكثت عنهما ما شاء اللّه، ثم تعرضت لهما فأراداها عن نفسها، فقالت: ما شئتما غير أن لي زوجا وأنا أكره أن يطلع على هذا مني فافتضح، وإن أقررتما لي بديني وشرطتما أن تصعدا بي إلى السماء فعلت. فأقرا لها بدينها وأتياها فيما يريان ثم صعدا بها إلى السماء، فلما انتهيا إلى السماء اختطفت منهما وقطعت أجنحتهما فوقعا خائفين نادمين يبكيان. وفي الأرض نبي يدعو بين الجمعتين، فإذا كان يوم الجمعة أجيب فقالا: لو أتينا فلانا فسألناه يطلب لنا التوبة. فأتياه فقال: رحمكما اللّه كيف تطلب أهل الأرض لأهل السماء؟ قالا: إما ابتلينا. قال: ائتياني يوم الجمعة، فأتياه فقال: ما أجبت فيكما بشيء ائتياني في الجمعة الثانية، فأتياه فقال: اختارا فقد خيرتما إن أحببتما معافاة الدنيا وعذاب الآخرة، وإن أحببتما فعذاب الدنيا وأنتما يوم القيامة على حكم اللّه. فقال أحدهما: الدنيا لم يمض منها إلا القليل، وقال الآخر: ويحك...! إني قد أطعتك في الأول فأطعني الآن، وأن عذابا يفنى ليس كعذاب يبقى. قال: إننا يوم القيامة على حكم اللّه فأخاف أن يعذبنا. قال: لا إني أرجو أن علم اللّه أنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة لا يجمعهما اللّه علينا. قال فاختارا عذاب الدنيا، فجعلا في بكرات من حديد في قليب مملوءة من نار، أعاليهما أسافلهما قال ابن كثير: إسناده يد، وهو أثبت وأصح إسنادا من رواية معاوية بن صالح عن نافع. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: لما وقع الناس من بني آدم فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر باللّه، قالت الملائكة في السماء: رب هذا العالم الذي إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك، وقد وقعوا فيما وقعوا فيه، وركبوا الكفر، وقتل النفس، وأكل مال الحرام، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، فجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرنهم. فقيل: إنهم في غيب فلم يعذروهم. فقيل لهم: اختاروا منكم من أفضلكم ملكي آمرهما وأنهاهما، فاختاروا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض، وجعل لهما شهوات بني آدم، وأمرهما أن يعبداه ولا يشركا به شيئا، ونهاهما عن قتل النفس الحرام، وأكل مال الحرام، وعن الزنا، وشرب الخمر، فلبثا في الأرض زمانا يحكمان بين الناس بالحق، وذلك في زمان إدريس، وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب. وأنهما أتيا عليها فخضعا لها في القول، وأراداها عن نفسها فأبت إلا أن يكونا على أمرها ودينها، فسألاها عن دينها فأخرجت لهما صنما، فقالت: هذا أعبده. فقالا: لا حاجة لنا في عبادة هذا. فذهبا فغبرا ما شاء اللّه، ثم أتيا عليها فأراداها عن نفسها، ففعلت مثل ذلك، فذهبا ثم أتيا فأراداها عن نفسها، فلما رأت أنهما أبيا أن يعبدا الصنم قال لهما: اختارا أحد الخلال الثلاث. إما أن تعبدا هذا الصنم، أو أن تقتلا هذا النفس، ووإما أن تشربا هذا الخمر، فقالا: كل هذا لا ينبغي وأهون الثلاثة شرب الخمر. فأخذت منهما فواقعا المرأة، فخشيا أن يخبر الإنسان عنهما فقتلاه، فلما ذهب عنهما السكر وعلما ما وقعا فيه من الخطيئة أراد أن يصعد إلى السماء فلم يستطيعا، وحيل بينهما وبين ذلك وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء، فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه فعجبوا كل العجب، وعرفوا أنه من كان في غيب فهو أقل خشية، فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض، فنزل في ذلك (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض) (الشورى الآية ٥). فقيل لهما: اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة؟ فقالا: أما عذاب الدنيا فإنه ينقطع ويذهب، وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له، فاختارا عذاب الدنيا فجعلا ببابل فهما يعذبان. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إن أهل سماء الدنيا أشرفوا على أهل الأرض فرأوهم يعملون بالمعاصي، فقالوا: يا رب أهل الأرض يعملون بالمعاصي! فقال اللّه: أنتم معي وهم غيب عني. فقيل لهم: اختاروا منكم ثلاثة: فاختاروا منهم ثلاثة على أن يهبطوا إلى الأرض يحكمون بين أهل الأرض وجعل فيهم شهوة الآدميين - فأمروا أن لا يشربوا خمرا، ولا يقتلون نفسا، ولا يزنوا، ولا يسجدوا لوثن. فاستقال منهم واحد فأقيل فأهبط اثنان إلى الأرض، فأتتهما امرأة من أحسن الناس يقال لها أناهيلة فهوياها جميعا، ثم أتيا منزلها فاجتمعا عندها فأراداها، فقالت لهما: لا حتى تشربا خمري، وتقتلا ابن جاري، وتسجدوا لوثني. فقالا: لا نسجد. ثم شربا من الخمر، ثم، قتلا، ثم سجدا، فأشرف أهل السماء عليهما، وقالت لهما: أخبراني بالكلمة التي إذا قلتماها طرتما، فأخبراها فطارت فمسخت جمرة وهي هذه الزهرة، وأما هما فأرسل إليهما سليمان بن داود، فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فهما مناطان بين السماء والأرض. وأخرج ابن جرير من طريق أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود وابن عباس قالا: لما كثر بنو آدم وعصوا دعت الملائكة عليهم والأرض والجبال: ربنا لا تمهلهم. فأوحى اللّه إلى الملائكة: أني أزلت الشهوة والشيطان من قلوبكم، ولو تركتكم لفعلتم أيضا. قال: فحدثوا أنفسهم أن لو ابتلوا لعصموا، فأوحى اله إليهم: أن اختاروا ملكين من أفضلكم. فاختاروا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض، وأنزلت الزهرة إليهما في صورة امرأة من أهل فارس يمونها بيدخت. قال: فواقعاها بالخطيئة، فكانت الملائكة يستغفرون للذين آمنوا، فلما وقعا بالخطيئة استغفروا لمن في الأرض، فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق الزهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه في هذه الآية. كانا ملكين من الملائكة فأهبطا ليحكما بين الناس، وذلك أن الملائكة سخروا من حكام بني آدم، فحاكمت إليهما امرأة فخافا لها، ثم ذهبا يصعدان فحيل بينهما وبين ذلك، وخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا. وأخرج سعيد بن منصور عن خصيف قال: كنت مع مجاهد، فمر بنا رجل من قريش فقال له مجاهد: حدثنا ما سمعت من أبيك؟ قال: حدثني أبي: أن الملائكة حين جعلوا ينظرون إلى أعمال بني آدم وما يركبون من المعاصي الخبيثة وليس يستر الناس من الملائكة شيء، فجعل بعضهم يقول لبعض: انظروا إلى بني آدم كيف يعملون كذا وكذا ما أجرأهم على اللّه، يعيبونهم بذلك! فقال اللّه لهم: لقد سمعت الذي تقولون في بني آدم، فاختاروا منكم ملكين أهبطهما إلى الأرض، وأجعل فيهما شهوة بني آدم، فاختاروا هاروت وماروت، فقالوا: يا رب ليس فينا مثلهما. فأهبطا إلى الأرض، وجعلت فيهما شهوة بني آدم، ومثلت لهما الزهرة في صورة امرأة، فلما نظرا إليها لم يتمالكا أن تناولا ما اللّه أعلم به، وأخذت الشهوة بأسماعهما وأبصارهما، فلما أرادا أن يطيرا إلى السماء لم يستطيعا، فأتاهما ملك فقال: إنكما قد فعلتما ما فعلتما، فاختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة. فقال أحدهما للآخر: ماذا ترى؟! قال: أرى أن أعذب في الدنيا ثم أعذب أحب إلي من أن أعذب ساعة واحدة في الآخرة، فهما معلقان منكسان في السلاسل وجعلا فتنة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إن اللّه أفرج السماء إلى ملائكته ينظرون إلى أعمال بني آدم، فلما أبصروهم يعملون بالخطايا قالوا: يا رب هؤلاء بنو آدم الذي خلقت بيدك، وأسجدت له ملائكتك، وعلمته أسماء كل شيء، يعملون بالخطايا. قال: أما أنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم. قالوا: سبحانك ما كان ينبغي لنا، فأمروا أن يختاروا من يهبط إلى الأرض، فاختاروا هاروت وماروت وأهبطا إلى الأرض، وأحل لهما ما فيها من شيء غير أنهما لا يشركا باللّه شيئا، ولا يسرقا، ولا يزنيا، ولا يشربا الخمر، ولا يقتلا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق، فعرض لهما امرأة قد قسم لها نصف الحسن يقال لها بيذخت، فلما أبصراها أراداها قالت: لا، إلا أن تشركا باللّه، وتشربا الخمر وتقتلا النفس، وتسجدا لهذا الصنم. فقالا: ما كنا نشرك باللّه شيئا! فقال أحدهما للآخر: أرجع إليها. فقالت: لا، إلا أن تشربا الخمر، فشربا حتى ثملا، ودخل عليهما سائل فقتلاه، فلما وقعا فيما وقعا فيه أفرج اللّه السماء لملائكته، فقالوا: سبحانك...! أنت أعلم. فأوحى اللّه إلى سليمان بن داود أن يخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فكبلا من أكعبهما إلى أعناقهما بمثل أعناق البخت، وجعلا ببابل. وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت". وأخرج الخطيب في رواية مالك عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "قال أخي عيسى: معاشر الحواريين احذروا الدنيا لا تسحركم، لهي واللّه أشد سحرا من هاروت وماروت، واعلموا أن الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة، وإن لكل واحدة منهما بنين فكونوا من أبناء الآخرة دون بني الدنيا، فاليوم عمل ولا حساب، وغدا الحساب ولا عمل". وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد اللّه بن بسر المازني قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اتقوا الدنيا، فو الذي نفسي بيده إنها لأسحر من هاروت وماروت". وأخرج ابن جرير عن الربيع قال: لما وقع الناس من بني آدم فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر باللّه قالت الملائكة في السماء: أي رب هذا العالم إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك وقد ركبوا الكفر، وقتل النفس الحرام، وأكل المال الحرام، والسرقة، والزنا، وشرب الخمر، فجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرونهم. فقيل لهم: إنهم في غيب فلم يعذروهم، فقيل لهم: اختاروا منكم ملكين آمرهما بأمري وأنهاهما عن معصيتي. فاختاروا هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض وجعل بهما شهوات بني إسرائيل، وأمرا أن يعبدا اللّه ولا يشركا به شيئا، ونهيا عن قتل النفس الحرام، وأكل المال الحرام، والسرقة، والزنا، وشرب الخمر، فلبثا على ذلك في الأرض زمانا يحكمان بين الناس بالحق وذلك في زمان إدريس. وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في سائر الناس كحسن الزهرة في سائر الكواكب، وأنها أبت عليهما فخضعا لها بالقول وأراداها على نفسها، وأنها أبت إلا أن يكونا على أمرها ودينها، وأنهما سألاها عن دينها الذي هي عليه، فأخرجت لهما صنما فقالت: هذا أعبده. فقالا: لا حاجة لنا في عبادة هذا، فذهبا فصبرا ما شاء اللّه ثم أتيا عليها، فخضعا لها ما شاء اللّه بالقول وأراداها على نفسها، فقالت: لا، إلا أن تكونا على ما أنا عليه. فقالا: لا حاجة لنا في عبادة هذا. فلما رأت أنهما قد أبيا أن يعبدا الصنم قالت لهما: اختارا أحدى الخلال الثلاث. إما أن تعبدا الصنم، أو تقتلا النفس، أو تشربا الخمر، فقالا: كل هذا لا ينبغي وأهون الثلاثه شرب الخمر. وسقتهما الخمر حتى إذا أخذت الخمرة فيهما وقعا بها، فمر إنسان وهما في ذلك، فخشيا أن يفشي عليهما فقتلاه. فلما أن ذهب عنهما السكر عرفا ما قد وقعا فيه من الخطيئه، وأرادا أن يصعدا إلى السماء فلم يستطيعا، وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء، فنظرت الملائكة إلى ما قد وقعا فيه من الذنوب، وعرفوا أنه من كان في غيب فهو أقل خشية فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض، فلما وقعا فيما وقعا فيه من الخطيئة قيل لهما: اختارا عذاب الدنيا أو عذاب اللآخرة، فقالا: أما عذاب الدنيا فينقطع ويذهب، وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له، فاختارا عذاب الآخرة فجعلا ببابل فهما يعذبان". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إن هاروت وماروت أهبطا إلى الأرض، فإذا أتاهما الآتي يريد السحر نهياه أشد النهي، وقالا له: إنما نحن فتنة فلا تكفر. وذلك أنهما علما الخير والشر والكفر والإيمان، فعرفا أن السحر من الكفر، فإذا أبى عليهما أمراه أن يأتي مكان كذا وكذا، فإذا أتاه عاين الشيطان فعلمه، فإن تعلمه خرج منه النور، فينظر إليه ساطعا في السماء. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عائشة أنا قالت: قدمت على امرأة من أهل دومة الجندل تبتغي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد موته حداثة ذلك تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر ولم تعمل به. قالت: كان لي زوج غاب عني، فدخلت على عجوز فشكوت إليها، فقالت: إن فعلت ما آمرك فأجعله يأتيك، فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين، فركبت أحدهما وركبت الآخر، فلم يكن كشيء حتى وقفنا ببابل، فإذا أنا برجلين معلقين بأرجلهما، فقالا: ما جاء بك؟ فقلت: أتعلم السحر. فقالا: إنما نحن فتنة فلا تكفري وارجعي. فأبيت وقلت: لا. قالا: فاذهبي إلى ذلك التنور فبولي به ثم ائتي، فذهبت، فاقشعر جلدي وخفت، ثم رجعت إليهما فقلت: قد فعلت. فقالا: ما رأيت؟ فقلت: لم أر شيئا. فقالا: كذبت، لم تفعلي ارجعي إلى بلادك ولا تكفري فإنك على رأس أمرك، فأبيت. فقالا اذهبي إلى ذلك التنور فبولي به وذهبت فبلت فيه، فرأيت فارسا مقنعا بحديد خرج مني حتى ذهب في السماء وغاب عني حتى ما أراه، وجئتهما فقلت: قد فعلت. فقالا: فما رأيت؟ فقلت: رأيت فارسا مقنعا خرج مني فذهب في السماء حتى ما أراه. قالا: صدقت، ذلك إيمانك خرج منك اذهبي. فقلت للمرأة: واللّه ما أعلم شيئا ولا قالا لي شيئا. فقالت: لا، لم تريدي شيئا إلا كان خذي هذا القمح فابذري، فبذرت وقلت اطلعي فاطلعت، قلت احقلي فاحقلت، ثم قلت افركي فأفركت، ثم قلت ايبسي فأيبست، ثم قلت اطحني فأطحنت، ثم قلت اخبزي فأخبزت، فلما رأيت أني لا أريد شيئا إلا كان سقط في يدي، وندمت واللّه يا أم المؤمنين ما فعلت شيئا ولا أفعله أبدا، فسألت رسول أصحاب اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهم يومئذ متوافرون، فما دروا ما يقولون لها، وكلهم خاف أن يفتيها بما لا يعلمه، إلا أنه قد قال لها ابن عباس أو بعض من كان عنده، لو كان أبواك حيين أو أحدهما لكانا يكفيانك. وأخرج ابن المنذر من طريق الأوزاعي عن هارون بن رباب قال: دخلت على عبد الملك بن مروان وعنده رجل قد ثنيت له وسادة وهو متكئ عليها، فقالوا هذا قد لقي هاروت وماروت. فقلت: هذا...! قالوا: نعم. فقلت حدثنا رحمك اللّه. فأنشلأ يحدث فلم يتمالك من الدموع فقال: كنت غلاما حدثا ولم أدرك أبي، وكانت أمي تعطيني من المال حاجتي فأنفقه وأفسده وأبذره ولا تسألني أمي عنه، فلما طال ذلك وكبرت أحببت أن أعلم من أين لأمي هذه الأموال، فقلت لها يوما: من أين لك هذه الأموال؟ فقالت: يا بني كل وتنعم ولا تسأل فهو خير لك، فأححت عليها فقالت: إن أباك كان ساحرا، فلم أزل اسألها وألح، فأدخلتني بيتا فيه أموال كثيرة فقالت: يا بني هذا كله لك فكل وتنعم ولا تسأل عنه. فقلت: لا بد من أن أعلم من أين هذا. قال: فقالت: يا بني كل وتنعم ولا تسأل فهو خير لك. قال: فألححت عليها فقالت: إن أباك كان ساحرا وجمع هذه الأموال من السحر. قال: فأكلت ما أكلت ومضى ما مضى، ثم تفكرت قلت: يوشك أن يذهب هذا المال ويفنى، فينبغي أن أتعلم السحر فأجمع كما جمع أبي، فقلت لأمي: من كان خاصة أبي وصديقه من أهل الأرض؟ قالت: فلان لرجل في مكان ما. فتجهزت فأتيته فسلمت عليه، فقال: من الرجل؟ قلت: فلان بن فلان صديقك. قال: نعم مرحبا، ما جاء بك فقد ترك أبوك من المال ما لا يحتاج إلى أحد؟ قال: فقلت: جئت لأتعلم السحر. قال: يا بني لا تريده لا خير فيه. قلت: لا بد من أن أتعلمه. قال: فناشدني وألح علي أن لا أطلبه ولا أريده. فقلت: لا بد من أن أتعلمه. قال: أما إذا أبيت فاذهب فإذا كان يوم كذا وكذا فوافن ههنا. قال: ففعلت فوافيته قال: فأخذ يناشدني أيضا وينهاني ويقول: لا تريد السحر لا خير فيه. فأبيت عليه، فلما رآني قد أبيت قال: فإني أدخلك موضعا فإياك أن تذكر اللّه فيه...! قال: فأدخلني في سرب تحت الأرض. قال: فجعلت أدخل ثلثمائة وكذا مرقاة ولا أنكر من ضوء النهار شيئا، قال: فلما بلغت أسفله إذا أنا بهاروت وماروت معلقان بالسلاسل في الهواء، قال: فإذا أعينهما كالترسة، ورؤوسهما ذكر شيئا لا أحفظه، ولهما أجنحة،فلما نظرت إليهما قلت: لا إله إلا اللّه قال: فضربا بأجنحتهما ضربا شديدا وصاحا صياحا شديدا ساعة ثم سكتا، ثم قلت: أيضا لا إله إلا اللّه، ففعلا مثل ذلك، ثم قلت الثالثة ففعلا مثل ذلك أيضا، ثم سكتا وسكت، فنظرا إلي فقالا لي: آدمي...؟ فقلت: نعم. قال: قلت ما بالكما حين ذكرت اللّه فعلتما ما فعلتما...! قالا: إن ذلك اسم لم نسمعه من حين خرجنا من تحت العرش. قالا: من أمة من؟ قلت: من أمة محمد؟. قالا: أو قد بعث؟ قلت: نعم. قالا: اجتمع الناس على رجل واحد أو هم مختلفون؟ قلت: قد اجتمعوا على رجل واحد. قال: فساءهما ذلك فقالا: كيف ذات بينهم؟ قلت سيئ. فسرهما ذلك فقالا: هل بلغ البنيان بحيرة الطبرية؟ قلت: لا. فساءهما ذلك فسكتا. فقلت لهما: ما بالكما حين أخبرتكما باجتماع الناس على رجل واحد ساءكما ذلك؟ فقالا: إن الساعة لم تقرب ما دام الناس على رجل واحد. قلت: فما بالكما سركما حين أخبرتكما بفساد ذات البين؟ قالا: لأنا رجونا اقتراب الساعة. قال: قلت: فما بالكما ساء كما أن البنيان لم يبلغ بحيرة الطبرية؟ قالا: لأن الساعة لا تقوم أبدا حتى يبلغ البنيان بحيرة الطبرية. قال: قلت لهما: أوصياني. قالا: إن قدرت أن لا تنام فافعل فإن الأمر جد. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: وأما شأن هاروت وماروت فإن الملائكة عجبت من ظلم بني آدم، وقد جاءتهم الرسل والبينات، فقال لهم ربهم: اختاروا منكم ملكين أنزلهما في الأرض بين بني آدم، فاختاروا فلم يألوا بهاروت وماروت، فقال لهما حين أنزلهما: أعجبتما من بني آدم ومن ظلمهم ومعصيتهم وإنما تأتيهم الرسل والكتب من وراء وراء، وأنتما ليس بيني وبينكما رسول فافعلا كذا وكذا ودعا كذا وكذا، فأمرهما بأمر ونهاهما، ثم نزلا على ذلك ليس أحد للّه أطوع منهما، فحكما فعدلا فكانا يحكمان النهار بين بني آدم، فإذا أمسيا عرجا وكانا مع الملائكة، وينزلان حين يصبحان فيحكمان فيعدلان حتى أنزلت عليهما الزهرة في أحسن صورة امرأة تخاصم فقضيا عليها. فلما قامت وجد كل واحد منهما في نفسه فقال أحدهما لصاحبه: وجدت مثل ما وجدت؟ قال: نعم. فبعثا إليها أن ائتينا نقض لك. فلما رجعت قضيا لها،وقالا لها: ائتينا فأتتهما فكشفا لها عن عورتها، وإنما كانت شهوتهما في أنفسهما ولم يكونا كبني آدم في شهوة النساء ولذتها، فلما بلغا ذلك واستحلاه وافتتنا طارت الزهرة فرجعت حيث كانت، فلما أمسيا عرجا فزجرا فلم يؤذن لهما ولم تحملهما أجنحتهما، فاستغاثا برجل من بني آدم فأتياه فقالا: ادع لنا ربك. فقال: كيف يشفع أهل الأرض لأهل السماء؟ قالا:: سمعنا ربك يذكرك بخير في السماء. فوعدهما يوما وعدا يدعو لهما، فدعا لهما فاستجيب له فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فنظر أحدهما إلى صاحبه فقالا: نعلم أن أفواج عذاب اللّه في االآخرة كذا وكذا في الخلد [؟؟] نعم، ومع الدنيا سبع مرات مثلها، فأمرا أن ينزلا ببابل فثم عذابهما، وزعم أنهما معلقان في الحديد مطويان يصطفقان بأجنحتهما. وأخرج الزبير بن البكار في الموفقيات وابن مردويه والديلمي عن علي "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم سئل عن المسوخ فقال: هم ثلاثة عشر. الفيل، والدب، والخنزير، والقرد، والجريث، والضب، والوطواط، والعقرب، والدعموص، والعنكبوت، والأرنب، وسهيل، والزهرة، فقيل: يا رسول اللّه وما سبب مسخهن؟ فقال: أما الفيل فكان رجلا جبارا لوطيا لا يدع رطبا ولا يابسا، وأما الدب فكان مؤنثا يدعو الناس إلى نفسه، وأما الخنزير فكان من النصارى الذين سألوا المائدة فلم أنزلت كفروا، وأما القردة فيهود اعتدوا في السبت، وأما الجريث فكان ديوثا الرجال إلى حليلته، وأما الضب فكان أعرابيا يسرق الحاج بمحجنه، وأما الوطواط فكان رجلا يسرق الثمار من رؤوس النخل، وأما العقرب فكان رجلا لا يسلم أحد من لسانه، وأما الدعموص فكان نماما يفرق بين الأحبة، وأما العنكبوت فامرأة سحرت زوجها، وأما الأرنب فامرأة كانت لا تطهر من حيض، وأما سهيل فكان عشارا باليمن، وأما الزهرة فكانت بنتا لبعض ملوك بني إسرائيل افتتن بها هاروت وماروت". وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم في حين غير حينه الذي كان يأتيه فيه، فقام إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال "يا جبريل مالي أراك متغير اللون؟! فقال: ما جئتك حتى أمر اللّه بمفاتيح النار. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا جبريل صف لي النار وانعت لي جهنم. فقال جبريل: إن اللّه تبارك وتعالى أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة لا يضيء شررها ولا يطفأ لهبها، والذي بعثك بالحق لو أن ثقب إبرة فتح من جهنم لمات من في الأرض كلهم جميعا من حره، والذي بعثك بالحق لو أن ثوبا من ثياب الكفار علق بين السماء والأرض لمات من في الأرض جميعا من حره، والذي بعثك بالحق لو أن خازنا من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا فنظروا إليه لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه ومن نتن ريحه، والذي بعثك بالحق لو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت اللّه في كتابه وضعت على جبال الدنيا لأرفضت وما تقارت حتى تنتهي إلى الأرض السفلى. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "حسبي يا جبريل، فنظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى جبريل وهو يبكي فال: تبكي يا جبريل وأنت من اللّه بالمكان الذي أنت فيه؟ فقال: وما لي لا أبكي أنا أحق بالبكاء، لعلي أكون في علم اللّه على غير الحال التي أنا عليها، وما أدري لعلي ابتلى بما ابتلي به إبليس فقد كان من الملائكة، وما أدري لعلي ابتلى بما ابتلي به هاروت وماروت، فبكى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبكى جبريل، فما زالا يبكيان حتى نوديا: أن يا جبريل ويا محمد إن اللّه قد أمنكما أن تعصياه".وأما قوله تعالى: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة} أخرج ابن جرير عن الحسين وقتادة قالا: كانا يعلمان السحر، فأخذ عليهما أن لا يعلما أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر. وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله {إنما نحن فتنة} قال: بلاء. وأما قوله تعالى: {فلا تكفر} أخرج البزار والحاكم وصححه عن عبد اللّه بن مسعود قال: من أتى كاهنا أو ساحرا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد. وأخرج البزار عن عمران بن حصين قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن عقد عقدة، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد". وأخرج عبد الرزاق عن صفوان بن سليم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا كان آخر عهده من اللّه". وأما قوله تعالى: {فيتعلمون منهما} الآية أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} قال: يؤخرون أحدهما عن صاحبه، ويبغضون أحدهما إلى صاحبه. وأخرج ابن جرير عن سفيان في قوله {إلا بإذن اللّه} قال: بقضاء اللّه. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {ولقد علموا} قال: لقد علم أهل الكتاب فيما يقرؤون من كتاب اللّه وفيما عهد لهم أن الساحر لا خلاق له عند اللّه يوم القيامة. وأخرج مسلم عن جابر بن عبد اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن الشيطان يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة، فيقول: ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا. فيقول إبليس: لا واللّه ما صنعت شيئا، ويجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، فيقربه ويدنيه ويلتزمه ويقول: نعم أنت". وأخرج أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني عن عمرو بن دينار قال: قال الحسن بن علي بن أبي طالب لذريح أبي قيس: أحل لك إن فرقت بين نفسي وبيني، وأما سمعت عمر بن الخطاب يقول: ما أبالي أفرقت بين الرجل وامرأته أو مشيت إليهما بالسيف. وأخرج ابن ماجة عن أبي رهم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أفضل الشفاعة أن يشفع بين اثنين في النكاح". وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ماله في الآخرة من خلاق} قال: قوام. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ماله في الآخرة من خلاق} قال: من نصيب. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {ماله في الآخرة من خلاق} قال: من نصيب. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت أمية بن أبي الصلت وهو يقول: يدعون بالويل فيها لا خلاق لهم إلا سرابيل من قطر وأغلال وأخرج ابن جرير عن مجاهد {ماله في الآخرة من خلاق} قال: من نصيب. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن {ماله في الآخرة من خلاق} قال: ليس له دين. وأما قوله تعالى: {ولبئس ما شروا} الآية أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {ولبئس ما شروا} قال: باعوا. ١٠٣ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كل شيء في القرآن لو فإنه لا يكون أبدا. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله {لمثوبة} قال: ثواب. ١٠٤ أخرج ابن المبارك في الزهد وأبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور في سننه وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس. أن رجلا أتاه فقال: اعهد إلي. فقال: إذا سمعت اللّه يقول {يا أيها الذين آمنوا} فأوعها سمعك، فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد ين حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن خيثمة قال: ما تقرؤون في القرآن {يا أيها الذين آمنوا} فإنه في التوراة يا أيها المساكين. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن خيثمة قال: ما كان في القرآن {يا أيها الذين آمنوا} فهو في التوراة والإنجيل يا أيها المساكين. وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال {راعنا} بلسان اليهود السب القبيح، فكان اليهود يقولون لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سرا، فلما سمعوا أصحابه يقولون أعلنوا بها، فكانوا يقولون ذلك ويضحكون فيما بينهم، فأنزل اللّه الآية. وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال {لا تقولوا راعنا} وذلك أنها سبة بلغة اليهود. فقال تعالى {قولوا انظرنا} يريد اسمعنا، فقال المؤمنون بعدها: من سمعتموه يقولها فاضربوا عنقه، فانتهت اليهود بعد ذلك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس في قوله {لا تقولوا راعنا} قال: كانوا يقولون للنبي صلى اللّه عليه وسلم أرعنا سمعك، وإنما راعنا كقولك أعطنا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي قال: " كان رجلان من اليهود مالك بن الصيف ورفاعة بن زيد إذا لقيا النبي صلى اللّه عليه وسلم قالا له وهما يكلمانه: راعنا سمعك واسمع غير مسمع، فظن المسلمون أن هذا شيء كان أهل الكتاب يعظمون به أنبياءهم، فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم ذلك، فأنزل اللّه {يا آيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا...} الآية." وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صخر قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أدبر ناداه من كانت له حاجة من المؤمنين، فقالوا: أرعنا سمعك فأعظم اللّه رسوله أن يقال له ذلك، وأمرهم أن يقولوا انظرنا ليعززوا رسوله ويوقروه. وأخرج عبد ين حميد وابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن قتادة في قوله {لا تقولوا راعنا} قال: قولا كانت اليهود تقوله استهزاء فكرهه اللّه للمؤمنين أن يقولوا كقولهم. وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن قتاده في قوله {لا تقولوا راعنا} قال: كان أناس من اليهود يقولون: راعنا سمعك حتى قالها أناس من المسلمين، فكره اللّه لهم ما قالت اليهود. وأخرج ابن جرير وابن اسحاق عن ابن عباس في قوله {لا تقولوا راعنا} أي ارعنا سمعك. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ماهد في قوله {لا تقولوا راعنا} قال: خلافا. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {لا تقولوا راعنا} لا تقولوا اسمع منا ونسمع منك {وقولوا انظرنا} أفهمنا، بين لنا. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال: إن مشركي العرب كانوا إذا حدث بعضهم بعضا يقول أحدهم لصاحبه: أرعني سمعك. فنهوا عن ذلك. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والنحاس في ناسخه عن عطاء في قوله {لا تقولوا راعنا} قال: كانت لغة في الأنصار في الجاهلية ونهاهم اللّه أن يقولوها، وقال {قولوا انظرنا واسمعوا}. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه قرأ: راعنا، وقال: الراعن من يقول السخري منه. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {واسمعوا} قال: اسمعوا ما يقال لكم. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما أنزل اللّه آية فيها {يا أيها الذين آمنوا} إلا وعلي رأسها وأميرها. قال أبو نعيم: لم نكتبه مرفوعا إلا من حديث ابن أبي خيثمة، والناس رأوه موقوفا". ١٠٥ أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {واللّه يختص برحمته من يشاء} قال: القرآن والسلام. ١٠٦ انظر تفسير الآية: ١٠٧ ١٠٧ أخرج ابن أبي حاتم والحاكم في الكنى وابن عدي وابن عساكر عن ابن عباس قال "كان مما ينزل على النبي صلى اللّه عليه وسلم الوحي بالليل وينساه بالنهار، فأنزل اللّه {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثله}. وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال: قرأ رجلان من الأنصار سورة أقرأها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكانا يقرآن بها، فقاما يقرآن ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف، فأصبحا غاديين على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: إنها مما نسخ أو نسي فالهوا عنه، فكان الزهري يقرؤها {ما ننسخ من آية أو ننسها} بضم النون خفيفة". وأخرج البخاري والنسائي وابن الأنباري في المصاحف والحاكم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: قال عمر: اقرؤنا أبي، واقضانا علي، وإنا لندع شيئا من قراءة أبي، وذلك أن أبيا يقول: لا ادع شيئا سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقد قال اللّه (ما ننسخ من آية أو ننساها). وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأبو داود في ناسخه وابنه في المصاحف والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص أنه قرأ (ما ننسخ من آية أو ننساها) فقيل له: إن سعيد بن المسيب يقرأ {ننسها} قال سعد: إن القرآن لم ينزل على المسيب ولا آل المسيب، قال اللّه (سنقرئك فلا تنسى) (الأعلى الآية ٦). (واذكر ربك إذا نسيت) (الكهف الآية ٢٤). وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله (ما ننسخ من آية أو ننساها) يقول: ما نبدا من آية أو نتركها لا نبدلها {نأت بخير منها أو مثلها} يقول: خير لكم في المنفعة وأرفق بكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: خطبنا عمر فقال: يقول اللّه تعالى (ماننسخ من آية أو ننساها) أي نؤخرها. وأخرج ابن الأنباري عن مجاهد، أنه قرأ (أو ننساها). وأخرج أبو داود في ناسخه عن مجاهد قال في قراءة أبي ( (ماننسخ من آية أو ننسك) ) وأخرج آدم بن إياس ولأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد عن اصحاب ابن مسعود في قوله {ما ننسخ من آية} قال: نثبت خطها ونبدل حكمها (أو ننساها) قال: نؤخرها عندنا. وأخرج آدم وابن جرير والبيهقي عن عبيد بن عمير الليثي في قوله {ما ننسخ من آية أو ننساها} يقول: أو نتركها، نرفعها من عندهم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الضحاك قال: في قراءة ابن مسعود ( (ما ننسك من آية أو ننسخها) ). وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة قال: كانت الآية تنسخ الآية، وكان نبي اللّه يقرأ الآية والسورة وما شاء اللّه من السورة ثم ترفع فينسيها اللّه نبيه، فقال اللّه يقص على نبيه {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} يقول: فيها تخفيف، فيها رخصة، فيها أمر، فيها نهي. وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس قال {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن اللّه على كل شيء قدير} ثم قال (وإذا بدلنا آية مكان آية) (النحل الآية ١٠١) وقال (يمحو اللّه ما يشاء ويثبت) (الرعد الآية ٣٩). وأخرج أبو داود وابن جرير عن أبي العالية قال: يقولون (ماننسخ من آية أو ننساها) كان اللّه أنزل أمورا من القرآن ثم رفعها. فقال {نأت بخير منها أو مثلها}. وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله {أو ننسها} قال: إن نبيكم صلى اللّه عليه وسلم أقرئ قرآنا ثم أنسيه، فلم يكن شيئا ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم تقرءونه. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف وأبو ذر الهروي في فضائله عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف "أن رجلا كانت معه سورة فقام من الليل فقام بها فلم يقدر عليها، وقام آخر بها فلم يقدر عليها، وقام آخر بها فلم يقدر عليها، فأصبحوا فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاجتمعوا عنده فأخبروه فقال: إنها نسخت البارحة". وأخرج أبو داود في ناسخه والبيهقي في الدلائل من وجه آخر عن أبي أمامة "أن رهطا من الأنصار من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبروه أن رجلا قام من جوف الليل يريد أن يفتتح سورة كان قد وعاها، فلم يقدر منها على شيء إلا بسم اللّه الرحمن الرحيم، ووقع ذلك لناس من أصحابه، فأصبحوا فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن السورة، فسكت ساعة لم يرجع إليهم شيئا ثم قال: نسخت البارحة فنسخت من صدورهم ومن كل شيء كانت فيه". وأخرج ابن سعد وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر وابن حبان والبيهقي في الدلائل عن أنس قال: أنزل اللّه في الذين قتلوا ببئر معونة قرآنا قرأناه حتى نسخ بعد أن بلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا. وأخرج مسلم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن أبي موسى الأشعري قال: كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها، غير أني حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لأبتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوفه إلا التراب. وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات، أولها سبح للّه ما في السموات فأنسيناها، غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. فتكتب شهادة في أعناقكم، فتسألون عنها يوم القيامة. وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الضريس عن أبي موسى الأشعري قال: نزلت سورة شديدة نحو براءة في الشدة ثم رفعت، وحفظت منها: إن اللّه سيؤيد الدين بأقوام لا خلاق لهم. وأخرج ابن الضريس: ليؤيدن اللّه هذا الدين برجال ما لهم في الآخرة من خلاق، ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، إلا من تاب فيتوب اللّه عليه واللّه غفور رحيم. وأخرج أبو عبيد وأحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي واقد الليثي قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أوحي إليه أتيناه فعلمنا ما أوحي إليه، قال: فجئته ذات يوم فقال "إن اللّه يقول: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو أن لابن آدم واديا لأحب أن يكون إليه الثاني، ولو كان له الثاني لأحب أن يكون إليهما ثالثهما، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب اللّه على من تاب". وأخرج أبو داود وأحمد وأبو يعلى والطبراني عن زيد بن أرقم قال: كنا نقرأ على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لأبتغى الثالث ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب ويتوب اللّه على من تاب". وأخرج أبو عبيد وأحمد عن جابر بن عبد اللّه قال: كنا نقرأ: لو أن لابن آدم ملء واد مالا لأحب إليه مثله، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب اللّه على من تاب. وأخرج أبو عبيد والبخاري ومسلم عن ابن عباس قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "لو أن لابن آدم ملء واد مالا لأحب أن له إليه مثله، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب، ويتوب اللّه على من تاب. قال ابن عباس: فلا أدري أمن القرآن هو أم لا". وأخرج البزار وابن الضريس عن بريدة"سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقرأ في الصلاة: لو أن لابن آدم واديا من ذهب لأبتغى إليه ثانيا، ولو أعطي ثانيا لأبتغى ثالثا، لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب اللّه على من تاب". وأخرج ابن الأنباري عن أبي ذر قال: في قراءة أبي بن كعب: ابن آدم لو أعطي واديا من مال لأبتغى ثانيا ولألتمس ثالثا، ولو أعطي واديين من مال لألتمس ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب اللّه على من تاب. وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال: كنا نقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم، وإن كفر بكم أن ترغيوا عن آبائكم. وأخرج عبد الرزاق وأحمد وابن حبان عن عمر بن الخطاب قال "إن اللّه بعث محمدا بالحق وأنزل معه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فرجم ورجمنا بعده، ثم قال: قد كنا نقرأ: ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم". وأخرج الطيالسي وأبو عبيد والطبراني عن عمر بن الخطاب قال: كنا نقرأ فيما نقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم، ثم قال لزيد بن ثابت: أكذلك يا زيد؟ قال: نعم. وأخرج ابن عبد البر في التمهيد من طريق عدي بن عدي بن عمير بن قزوة عن أبيه عن جده عمير بن قزوة. أن عمر بن الخطاب قال لأبي: أوليس كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب اللّه: إن انتفاءكم من آبائكم كفر بكم؟ فقال: بلى. ثم قال: أوليس كنا نقرأ: الولد للفراش وللعاهر الحجر. فيما فقدنا من كتاب اللّه؟ فقال أبي: بلى. وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن الأنباري عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: ألم تجد فيما أنزل علينا: إن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة. فإنا لا نجدها؟ قال: أسقطت من القرآن. وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عمر قال: لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله، ما يدريه ما كله؟ قد ذهب منه قرآن كثير ولكن ليقل: قد أخذت ما ظهر منه. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن الأنباري والبيهقي في الدلائل عن عبيدة السلماني قال: القراءة التي عرضت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في العام الذي قبض فيه هذه القراءة التي يقرؤها الناس، التي جمع عثمان الناس عليها. وأخرج ابن الأنباري وابن اشتة في المصاحف عن ابن سيرين قال: كان جبريل يعارض النبي صلى اللّه عليه وسلم كل سنة في شهر رمضان، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه مرتين، فيرون أن تكون قراءتنا هذه على العرضة الأخيرة. وأخرج ابن الأنباري عن أبي ظبيان قال: قال لنا ابن عباس: أي القراءتين تعدون أول؟ قلنا: قراءة عبد اللّه وقراءتنا هي الأخيرة. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "كان يعرض عليه جبريل القرآن كل سنة مرة في شهر رمضان، وأنه عرضه عليه في آخر سنة مرتين، فشهد منه عبد اللّه ما نسخ وما بدل". وأخرج ابن الأنباري عن مجاهد قال: قال لنا ابن عباس: أي القراءتين تعدون أول؟ قلنا: قراءة عبد اللّه وقراءتنا هي الأخيرة. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "كان يعرض عليه جبريل القرآن كل سنة مرة في شهر رمضان، وأنه عرضه عليه في آخر سنة مرتين، فقراءة عبد اللّه آخرهن. وأخرج ابن الأنباري عن ابن مسعود قال: كان جبريل يعارض النبي صلى اللّه عليه وسلم بالقرآن في كل سنة مرة، وأنه عارضه بالقرآن في آخر سنة مرتين، فأخذته من النبي صلى اللّه عليه وسلم ذلك العام. وأخرج ابن الأنباري عن ابن مسعود قال: لو أعلم أحدا أحدث بالعرضة الأخيرة مني لرحلت إليه. وأخرج الحاكم وصححه عن سمرة قال: عرض القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاث عرضات، فيقولون: إن قراءتنا هذه هي العرضة الأخيرة. وأخرج أبو جعفر النحاس في ناسخه عن أبي البختري قال: دخل علي بن أبي طالب المسجد فإذا رجل يخوف فقال: ما هذا؟! فقالوا: رجل يذكر الناس. فقال: ليس برجل يذكر الناس ولكنه يقول أنا فلان بن فلان فاعرفوني، فأرسل إليه فقال: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ فقال: لا. قال: فأخرج من مسجدنا ولا تذكر فيه. وأخرج أبو داود والنحاس كلاهما في الناسخ والمنسوخ والبيهقي في سننه عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: مر علي بن أبي طالب برجل يقص فقال: أعرفت الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا. قال: هلكت وأهلكت. وأخرج النحاس والطبراني عن الضحاك بن مزاحم قال: مر ابن عباس بقاص يقص فركله برجله وقال: أتدري الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا. قال: هلكت وأهلكت. وأخرج الدارمي في مسنده والنحاس عن حذيفة قال: إنما يفتي الناس أحد ثلاثة، رجل يعلم ناسخ القرآن من منسوخه وذلك عمر، ورجل قاض لا يجد من القضاء بدا، ورجل أحمق متكلف، فلست بالرجلين الماضيين، فأكره أن أكون الثالث. ١٠٨ انظر تفسير الآية: ١١٠ ١٠٩ انظر تفسير الآية: ١١٠ ١١٠ أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال "قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا محمد ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه، أو فجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك، فأنزل اللّه في ذلك {أم تريدون أن تسألوا رسولكم} إلى قوله {سواء السبيل} وكان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد اليهود حسدا للعرب إذ خصهم اللّه برسوله، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا، فأنزل اللّه فيهما {ود كثير من أهل الكتاب...} ". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: قال رجل"يا رسول اللّه لو كانت كفاراتنا ككفارات بني إسرائيل. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما أعطيتم خير، كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها، فإن كفرها كانت له خزيا في الدنيا، وإن لم يكفرها كانت له خزيا في الآخرة، وقد أعطاكم اللّه خيرا من ذلك قال (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) (النساء الآية ١١٠) الآية، والصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن. فأنزل اللّه {أم تريدون أن تسألوا رسولكم...} الآية". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي قال: سألت العرب محمدا صلى اللّه عليه وسلم أن يأتيهم باللّه فيروه جهرة، فنزلت هذه الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال "سألت قريش محمد صلى اللّه عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا. فقال: نعم، وهو كالمائدة لبني إسرائيل إن كفرتم، فأبوا ورجعوا. فأنزل اللّه {أم تريدون أن تسألوا كما سئل موسى من قبل} أن يريهم اللّه جهرة". وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {ومن يتبدل الكفر بالإيمان} يقول: يتبدل الشدة بالرخاء. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {فقد ضل سواء السبيل} قال: عدل عن السبيل. وأخرج أبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن كعب بن مالك قال "كان المشركون واليهود من أهل المدينة حين قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يؤذون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه أشد الأذى، فأمر اللّه رسوله والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم، ففيهم أنزل اللّه (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) (آل عمران الآية ١٨٦) الآية. وفيهم أنزل اللّه {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا} الآيه " وأخرج البخاري ومسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل عن أسامه بن زيد قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم اللّه ويصبرون على الأذى قال اللّه (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) (آل عمران الآيه ١٨٦) وقال {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي اللّه بأمره} وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتأول في العفو ما أمره اللّه به حتى أذن اللّه فيهم بقتل، فقتل اللّه به من قتل من صناديد قريش". وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الزهري وقتادة في قوله {ود كثير من أهل الكتاب} قالا: كعب بن الأشرف. وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في قوله {حسدا من عند أنفسهم} قال: من قبل أنفسهم {من بعد تبين لهم لهم الحق} يقول: يتبين لهم أن محمدا رسول اللّه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {من بعد تبين لهم لهم الحق} قال: من بعد ما تبين لهم أن محمدا رسول اللّه يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل نعته وأمره ونبوته، ومن بعد ما تبين لهم أن الإسلام دين اللّه الذي جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم {فاعفوا واصفحوا} قال: أمر اللّه نبيه أن يعفو عنهم ويصفح حتى يأتي اللّه بأمره، فأنزل اللّه في براءة وأمره فقال (قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه) (التوبة الآية ٢٩) الآية. فنسختها هذه الآية، وأمره اللّه فيها بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يقروا بالجزية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله {فاعفوا واصفحوا} وقوله {وأعرض عن المشركين} (الأنعام الآية ١٠٦) ونحو هذا في العفو عن المشركين قال: نسخ ذلك كله بقوله (قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه) (التوبة الآية ٢٩) وقوله (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة الآية ٥). وأخرج ابن جرير والنحاس في تاريخه عن السدي في قوله {فاعفوا واصفحوا} قال:هي منسوخه نسختها (قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر) (التوبه الآيه ٢٩) وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {وما تقدموا لأنفسكم من خير} يعني من الأعمال من الخير في الدنيا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {تجدوه عند اللّه} قال: تجدوا ثوابه. ١١١ انظر تفسير الآية: ١١٢ ١١٢ أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هود أو نصارى} قال: قالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا. وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا {تلك أمانيهم} قال: أماني يتمنونها على اللّه بغير الحق {قل هاتوا برهانكم} يعني حجتكم {إن كنتم صادقين} بما تقولون أنها كما تقولون {بلى من أسلم وجهه للّه} يقول: أخلص للّه. وأخرج ابن جرير عن مجاهد {من أسلم وجهه للّه} قال: أخلص دينه. ١١٣ أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال "لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتتهم أحبار اليهود، فتنازعوا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال رافع بن حريملة: ما أنتم على شيء وكفر بعيسى والإنجيل. فقال رجل من أهل نجران لليهود: ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة، فأنزل اللّه في ذلك {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب} أي كل يتلو في كتابه تصديق من كفر به". وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء...} الآية. قال: هؤلاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء} قال: بلى قد كانت أوائل النصارى على شيء ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: من هؤلاء الذين لا يعلمون؟ قال: أمم كانت قبل اليهود والنصارى. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {كذلك قال الذين لا يعلمون} قال: هم العرب قالوا: ليس محمد على شيء. ١١٤ أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس. أن قريشا منعوا النبي صلى اللّه عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام، فأنزل اللّه {ومن أظلم ممن منع مساجد اللّه...} الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ومن أظلم ممن منع مساجد اللّه} قال: هم النصارى. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {ومن أظلم ممن منع مساجد اللّه} قال: هم النصارى، وكانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {ومن أظلم ممن منع مساجد اللّه...} الآية. قال: هم الروم، كانوا ظاهروا بختنصر على بيت المقدس. وفي قوله {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين} قال: فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا وهو خائف أن تضرب عنقه، وقد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها. وفي قوله {لهم في الدنيا خزي} قال: أما خزيهم في الدنيا فإنه إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قتلهم فذلك الخزي. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: أولئك أعداء اللّه الروم، حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس. وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب قال: إن النصارى لما ظهروا على بيت المقدس حرقوه، فلما بعث اللّه محمد أنزل عليه {ومن أظلم ممن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها...} الآية. فليس في الأرض نصراني يدخل بيت المقدس إلا خائفا. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: هؤلاء المشركون حين صدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن البيت يوم الحديبة. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال: ليس للمشركين أن يدخلوا المسجد إلا وهم خائفون. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله {لهم في الدنيا خزي} قال: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه عن بسر بن أرطاة قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعو اللّهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة". ١١٥ أخرج أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال "أول ما نسخ لنا من القرآن فيما ذكر واللّه أعلم شأن القبلة. قال اللّه تعالى {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه اللّه} فاستقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق، ثم صرفه اللّه تعالى إلى البيت العتيق ونسخها. فقال (ومن حيث خرجت فول وجهك) (البقرة الآية ١٤٩) الآية". وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه اللّه} ْ قال "كان الناس يصلون قبل بيت المقدس، فلما قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره، وكان إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينظر كا يؤمر به، فنسختها قبل الكعبة". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر والنحاس في ناسخه والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال "كأن النبي صلى اللّه عليه وسلم يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به، ثم قرأ ابن عمر هذه الآية {فأينما تولوا فثم وجه اللّه} وقال ابن عمر: في هذأنزلت هذه الآية". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عمر قال: أنزلت {فأينما تولوا فثم وجه اللّه} أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في التطوع. وأخرج البخاري والبيهقي عن جابر بن عبد اللّه قال: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة أنمار يصلي على راحلته متوجها قبل المشرق تطوعا. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والبيهقي عن جابر بن عبد اللّه "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يصلي على راحلته قبل المشرق - فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل واستقبل القبلة وصلى" , وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي عن أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا سافر وأراد أن يتطوع بالصلاة استقبل بناقته القبلة وكبر، ثم صلى حيث توجهت الناقة". وأخرج أبو داود والطيالسي وعبد بن حميد والترمذي وضعفه وابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم والعقيلي وضعفه والدارقطني وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن عامر بن ربيعة قال "كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة فنزلنا منزلا، فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدا فيصلي فيه، فلما أن أصبحنا إذا نحن قد صلينا على غير القبلة، فقلنا: يا رسول اللّه لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة، فأنزل اللّه {وللّه المشرق والمغرب...} الآية. فقال مضت صلاتكم". وأخرج الدارقطني وابن مردويه والبيهقي عن جابر بن عبد اللّه قال "بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: القبلة ههنا قبل الشمال، فصلوا وخطوا خطا. وقال بعضنا: القبلة ههنا قبل الجنوب، فصلوا وخطوا خطا. فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي صلى اللّه عليه وسلم؟ فسكت، فأنزل اللّه {وللّه المشرق والمغرب...} الآية". وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن عطاء "أن قوما عميت عليهم القبلة، فصلى كل إنسان منهم إلى ناحية، ثم أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكروا ذلك له، فأنزل اللّه {فأينما تولوا فثم وجه اللّه} " وأخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث سريه فأصابتهم ضبابه فلم يهتدوا إلى القبله فصلوا لغير القبله، ثم استبان لهم بعدما طلعت الشمس أنهم صلوا لغير القبله، فلما جاؤوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حدثوه، فأنزل اللّه {وللّه المشرق والمغرب...} الآية". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: إن أخا لكم قد مات - يعني النجاشي - فصلوا عليه. قالوا: نصلي على رجل ليس بمسلم...! فأنزل اللّه (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه...) (آل عمران الآية ١٩٩). قالوا: فإنه كان لا يصلي إلى القبلة، فأنزل اللّه {وللّه المشرق والمغرب...} الآية". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: لمأنزلت (ادعوني أستجب لكم) (غافر الآية ٦٠) قالوا: إلى أين؟ فأنزلت {فأينما تولوا فثم وجه اللّه}. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {فأينما تولوا فثم وجه اللّه} قال: قبلة اللّه أينما توجهت شرقا أو غربا. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي والبيهقي في سننه عن مجاهد {فثم وجه اللّه} قال: قبلة اللّه، فأينما كنتم في شرق أو غرب فاستقبلوها. وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن قتادة في هذه الآية قال: هي منسوخة نسخها قوله تعالى (فول وجهك شطر المسجد الحرام) (البقرة الآية ١٤٩) أي تلقاءه. وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة. وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر. مثله.وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجهت قبل البيت. ١١٦ أخرج البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "قال اللّه تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فيزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا". وأخرج البخاري وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يقول اللّه: كذبني ابن آدم ولم ينبغ له أن يكذبني، وشتمني ابن آدم ولم ينبغ له أن يشتمني، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ اللّه ولدا وأنا اللّه الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن مردويه ولبيهقي عن أبي موسى الأشعري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "لا أحد أصبر على أذى يسمعه من اللّه. أنهم يجلعون له ولدا، ويشركون به وهو يرزقهم ويعافيهم". وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن غالب بن عجرد قال: حدثني رجل من أهل الشام قال: بلغني أن اللّه لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها ثمرة، حتى تكلم فجرة بني آدم بتلك الكلمة العظيمة قولهم {اتخذ اللّه ولدا} فلما تكلموا بها اقشعرت الأرض وشاك الشجر. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله {وقالوا اتخذ اللّه ولدا سبحانه} قال: إذا قالوا عليه البهتان سبح نفسه. أما قوله تعالى {سبحانه}. أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والمحاملي في أماليه عن ابن عباس في قوله {سبحان اللّه} قال: تنزيه اللّه نفسه عن السوء. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن موسى بن طلحة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "أنه سئل عن التسبيح أن يقول الإنسان سبحان اللّه؟ قال: براءة اللّه من السوء. وفي لفظ: إنزاهه عن السوء مرسل". وأخرجه ابن جرير والديلمي والخطيب في الكفايه من طرق أخرى موصولا عن موسى بن طلحه بن عبيد اللّه عن أبيه عن جده طلحه بن عبيد اللّه قال "سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن تفسير {سبحان اللّه} قال: هو تنزيه اللّه من كل سوء " وأخرج ابن مردويه من طريق سفيان الثوري عن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن موهب أنه سمع طلحة قال "سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن {سبحان اللّه} قال: تنزيه اللّه عن كل سوء". وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران. أنه سئل عن {سبحان اللّه} فقال: اسم يعظم اللّه به ويحاشى عن السوء. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس أن ابن الكواء سأل عليا عن قوله {سبحان اللّه} فقال علي: كلمة رضيها اللّه لنفسه. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال {سبحان اللّه} اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه. وأخرج عبد بن حميد عن يزيد بن الأصم قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي اللّه عنه فقال: لا إله إلا اللّه نعرفها أنه لا إله غيره، والحمد للّه نعرفها أن النعم كلها منه وهو المحمود عليها، واللّه أكبر نعرفها أنه لا شيء أكبر منه، فما سبحان اللّه؟ فقال ابن عباس: وما تنكر منها...؟ ! هي كلمة رضيها اللّه لنفسه وأمر بها ملائكته، وفرغ إليها الأخيار من خلقه. أما قوله تعالى: {كل له قانتون} أخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن حبان والطبراني في الأوسط وأبو نصر السجزي في الإبانة وأبو نعيم في الحلية والضياء في المختارة عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة". وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طرق عن ابن عباس في قوله {قانتون} قال: مطيعون. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس. أن نافع ابن الأزرق سأله عن قوله عز وجل {كل له قانتون} قال: مقرون. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول عدي بن زيد: قانتا للّه يرجو عفوه * يوم لا يكفر عبد ما ادخر وأخرج ابن جرير عن عكرمة {كل له قانتون} قال: مقرون بالعبودية. وأخرج ابن جرير عن قتادة {كل له قانتون} اي مطيع مقر بأن اللّه ربه وخالقه. ١١٧ وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية {بديع السموات والأرض} يقول: ابتدع خلقهما ولم يشركه في خلقهما أحد. وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: ابتدعهما فخلقهما ولم يخلق قبلهما شيء فتمثل به. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سابط "أن داعيا دعا في عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: اللّهم إني أسألك باسمك الذي لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم، بديع السموات والأرض، وإذا أردت أمرا فإنما تقول له كن فيكون، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: لقد كدت أن تدعو باسمه العظيم". ١١٨ أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال "قال نافع بن حريلمة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا محمد إن كنت رسولا من اللّه كما تقول فقل للّه فليكلمنا حتى نسمع كلامه، فأنزل اللّه في ذلك {وقال الذين لا يعلمون} قال: هم كفار العرب {لولا يكلمنا اللّه} قالا: هلا يكلمنا {كذلك قال الذين من قبلهم} يعني اليهود والنصارى وغيرهم {تشابهت قلوبهم} يعني العرب اليهود والنصارى وغيرهم". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا اللّه} قال: النصارى يقوله، والذين من قبلهم يهود. ١١٩ أخرج وكيع وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ليت شعري ما فعل أبواي فنزل {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسئل عن أصحاب الجحيم} فما ذكرها حتى توفاه اللّه "قلت: هذا مرسل ضعيف الإسناد. وأخرج ابن جرير عن داود بن أبي عاصم "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ذات يوم: أين أبواي؟ فنزلت" قلت: والآخر معضل الإسناد ضعيف لا يقوم به ولا بالذي قبله حجة. وأخرج ابن المنذر عن الأعرج أنه قرأ {لا تسأل عن أصحاب الجحيم} أي أنت يا محمد. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: الجحيم ما عظم من النار. ١٢٠ أخرج الثعلبي عن ابن عباس "أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى قبلتهم، فلما صرف اللّه القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم وأيسوا منه أن يوافقهم على دينه، فأنزل اللّه {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى...} الآية". ١٢١ انظر تفسير الآية: ١٢٣ ١٢٢ انظر تفسير الآية: ١٢٣ ١٢٣ أخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله {الذين أتيناهم الكتاب} قال: هم اليهود والنصارى. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله {حق تلاوته} قال: يحلون حلاله ويحرمون حرامه، ولا يحرفونه عن مواضعه. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم والهروي في فضائله ن ابن عباس في قوله {يتلونه حق تلاوته} قال: يتبعونه حق اتباعه، ثم قرأ (والقمر إذا تلاها) (الشمس الآية ٢) يقول: اتبعها. وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب في قوله {يتلونه حق تلاوته} قال: إذا مر بذكر الجنة سأل اللّه الجنة، وإذا مر بذكر النار تعوذ باللّه من النار. وأخرج الخطيب في كتاب الرواة عن مالك بسند فيه مجاهيل عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله {يتلونه حق تلاوته} قال: يتبعونه حق اتباعه. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير من طرق عن ابن مسعود قال: في قوله {يتلونه حق تلاوته} قال: أن يحل حلاله ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزل ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئا غير تأويله. وفي لفظ: يتبعونه حق اتباعه". وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {يتلونه حق تلاوته} قال: يتكلمونه كما أنزل اللّه ولا يكتمونه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {الذين أتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به} قال: منهم أصحاب محمد الذين آمنوا بآيات اللّه وصدقوا بها. قال: وذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول: واللّه إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله اللّه، ولا يحرف عن مواضعه. قال: وحدثنا عمر بن الخطاب قال: لقد مضى بنو إسرائيل وما يعني بما تسمعون غيركم وأخرج وكيع وابن جرير عن الحسن في قوله {يلتونه حق تلاوته} قال: يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه. وأخرج ابن جرير عن مجاهد {يلتونه حق تلاوته} قال: يتبعونه حق اتباعه. ١٢٤ أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} قال: ابتلاه اللّه بالطهارة خمس في الراس وخمس في الجسد، في الرأس قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وفي الجسد تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل مكان الغائط والبول بالماء. وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن فراق قومه في اللّه حين أمر بمفارقتهم، ومحاجته نمرود في اللّه حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافهم، وصبره على قذفهم إياه في النار ليحرقوه في اللّه، والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده حين أمره بالخروج عنهم، وما أمره به من الضيافة والصبر عليها، وما بتلي به من ذبح ولده. فلما مضى على ذلك كله وأخلصه البلاء قال اللّه له أسلم (قال أسلمت لرب العالمين) (البقرة الآية ١٣١). وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الكلمات التي ابتلى بها عشر، ست في الإنسان وأربع في المشاعر. فأما التي في الإنسان فحلق العانة، ونتف الإبط، والختان، وتقليم الأظفار، وقص الشارب، والسواك، وغسل يوم الجمعة. والأربعة التي في المشاعر الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال: ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله إلا إبراهيم قال {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} قيل ما الكلمات؟ قال: سهام الإسلام ثلاثون سهما. عشر في براءة التائبون العابدون إلى آخر الآية، وعشر في أول سورة قد أفلح، وسأل سائل، والذين يصدقون بيوم الدين الآيات، وعشر في الأحزاب إن المسلمين والمسلمات إلى آخر الآية فأتمهن كلهن، فكتب له براءة قال تعالى (وإبراهيم الذي وفى) (النجم الاية ٣٧). وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم من طرق عن ابن عباس {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} قال: منهن مناسك الحج. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الكلمات (إني جاعلك للناس إماما) (البقرة الآية ١٢٤). (وإذ يرفع إبراهيم القوعد) (البقرة الآية ١٢٧) والآيات في شأن المناسك، والمقام الذي جعل لإبراهيم، والرزق الذي رزق ساكنو البيت، وبعث محمد في ذريتهما. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد في قوله {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} قال: ابتلى بالآيات التي بعدها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن الحسن قال: ابتلاه بالكوكب فرضي عنه، وابتلاه بالقمر فرضي عنه، وابتلاه بالشمس فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة فرضي عنه، وابتلاه بالختان فرضي عنه، وابتلاه بابنه فرضي عنه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {فأتمهن} قال: فأداهن. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من فطرة إبراهيم السواك". وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: من فطرة إبراهيم غسل الذكر والبراجم. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد قال: ست من فطرة إبراهيم قص الشارب، والسواك، والفرق، وقص الأظفار، والاستنجاء، وحلق العانة، قال: ثلاثة في الرأس، وثلاثة في الجسد. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة. الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط". وأخرج البخاري والنسائي عن ابن عمر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من الفطرة حلق العانة، وتقليم الأظفار، وقص الشارب". وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والاستنشاق بالماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الآباط، وحلق العانة، وانتفاض الماء يعني الاستنجاء بالماء. قال مصعب: نسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود وابن ماجه عن عمار بن ياسر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: الفطرة المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الابط، والاستنجاء وغسل البراجم والانتضاح، والاختتان". وأخرج البزار والطبراني عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الطهارات أربع قص الشارب، وحلق العانة، وتقليم الأظفار، والسواك". وأخرج ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس بن مالك قال "وقت لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في قص الشارب، وتقليم الأظفار، وحلق العانة، ونتف الابط، أن لا تترك أكثر من أربعين يوما". وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال "قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم: لقد أبطأ عنك جبريل. فقال: ولم لا يبطئ عني وأنتم حولي لا تستنون لا تقلمون أظفاركم، ولا تقصون شواربكم، ولا تنقون براجمكم". وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال "كأن النبي صلى اللّه عليه وسلم يقص أو يأخذ من شاربه قال: لأن خليل الرحمن إبراهيم يفعله". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه والنسائي عن زيد بن أرقم "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من لم يأخذ من شاربه فليس منا". وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "خالفوا المشركين، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب". وأخرج البزار عن أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: خالفوا المجوس، جزوا الشوارب وأعفوا اللحى". وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عبيد اللّه قال "جاء رجل من المجوس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد حلق لحيته وأطال شاربه، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: ما هذا؟ قال: هذا في ديننا. قال: ولكن في ديننا أن تجز الشارب وأن تعفي اللحية". وأخرج البزار عن عائشة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبصر رجلا وشاربه طويل فقال: ائتوني بمقص وسواك، فجعل السواك على طرفه، ثم أخذ ما جاوز". وأخرج البزرا والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان بسند حسن عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة". وأخرج ابن عدي بسند ضعيف عن أنس قال "وقت لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يحلق الرجل عانته كل أربعين يوما، وأن ينتف ابطه كلما طلع، ولا يدع شاربيه يطولان، وأن يقلم أظفاره من الجمعة إلى الجمعة". وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "قصوا أظافيركم فإن الشيطان يجري ما بين اللحم والظفر". وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن وابصة بن معبد قال "سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن الوسخ الذي يكون في الأظفار فقال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". وأخرج البزار عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما لي لا أهم ورفع أحدكم بين أنملته وظفره". وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن قيس بن حازم قال "صلى النبي صلى اللّه عليه وسلم صلاة فأوهم فيها، فسأل فقال: ما لي لا أهم ورفع أحدكم بين ظفره وأنملته". وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند ضعيف عن أبي أمامة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب، ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي، ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته لهم، وأني لأستاك حتى أني خشيت أن أحفي مقادم في". وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب، ومجلاة للبصر". وأخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "عليكم بالسواك فإنه مطهرة للفم مرضاة للرب مفرحة للملائكة يزيد في الحسنات، وهو من السنة يجلو البصر، ويذهب الحفر، ويشد اللثة، ويذهب البلغم، ويطيب الفم". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". وأخرج أحمد بسند حسن عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، وعند كل وضوء بسواك". وأخرج البزار وأبويعلى والطبراني بسند ضعيف عن عائشة قالت"ما زال النبي صلى اللّه عليه وسلم يذكر بالسواك حتى خشينا أن ينزل فيه قرآن". وأخرج أحمد والحرث بن أبي أسامة والبزار وأبو يعلى وابن خزيمة والدارقطني والحاكم وصححه وأبو نعيم في كتاب السواك والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "فضل الصلاة بسواك على الصلاة بغير سواك سبعون ضعفا". وأخرج البزار والبيهقي بسند جيد عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك". وأخرج أحمد وأبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لقد أمرت بالسواك حتى ظننت أنه ينزل علي به قرآن أو وحي". وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني بسند ضعيف عن ابن عمر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان لا ينام إلا السواك عنده، فإذا استيقظ بدأ بالسواك". وأخرج الطبراني بسند حسن عن أم سلمة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مازال جبريل يوصيني بالسواك حتى خفت على أضراسي". وأخرج البزار والترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن كليح بن عبد اللّه الخطمي عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "خمس من سنن المرسلين الحياء، والحلم، والحجامة، والسواك، والتعطر". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا ينام ليلة ولا ينتبه إلا استن". وأخرج الطبراني بسند حسن عن زيد بن خالد الجهني قال "ما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يخرج من بيته لشيء من الصلوات حتى يستاك". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود بسند ضعيف عن عائشة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستقيظ تسوك قبل أن يتوضأ". وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة "أنها سئلت بأي شيء كأن النبي صلى اللّه عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت: كان إذا دخل يبدأ بالسواك". وأخرج ابن ماجه عن علي بن أبي طالب قال: إن أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك. وأخرجه أبو نعيم في كتاب السواك عن علي مرفوعا. وأخرج ابن السني وأبو نعيم معا في الطب النبوي عن أبي هريره قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن السواك ليزيد الرجل فصاحة". وأخرج ابن السني عن علي بن أبي طالب قال: قراءة القرآن والسواك يذهب البلغم. وأخرج أبو نعيم في معرفة الصحابة عن سمويه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما نام ليلة حتى استن". وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأبو نعيم في كتاب السواك بسند ضعيف من طريق أبي عتيق عن جابر. أنه كان ليستاك إذا أخذ مضجعه، وإذا قام من الليل، وإذا خرج إلى الصلاة. فقلت له: لقد شققت على نفسك. فقال: إن أسامة أخبرني أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يستاك هذا السواك. وأخرج أبو نعيم بسند حسن عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يستاكوا بالأسحار". وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن علي قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء". وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب". وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط بسند حسن عن ابن عمر"أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: عليكم بالسواك فإنه مطيبة للفم مرضاة للرب تبارك وتعالى". وأخرج أحمد بسند ضعيف عن قثم أو تمام بن عباس قال: أتينا النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال "ما لكم تأتوني قلحا لا تسوكون، لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء". وأخرج الطبراني عن جابر قال: كان السواك من أذن النبي صلى اللّه عليه وسلم موضع القلم من أذن الكاتب". وأخرج العقيلي في الضعفاء وأبو نعيم في السواك بسند ضعيف عن عائشة قالت "كأن النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا سافر حمل السواك والمشط والمكحلة والقارورة والمرآة". وأخرج أبو نعيم بسند واه عن رافع بن خديج مرفوعا "السواك واجب". وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: لقد كنا نؤمر بالسواك حتى ظننا أنه سينزل به. وأخرج ابن أبي شيبة عن حسان بن عطية مرفوعا"الوضوء شطر الإيمان والسواك شطر الوضوء، ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ركعتان يستاك بهما العبد أفضل من سبعين ركعة لا يستاك فيها". وأخرج ابن أبي شيبة عن سليمان بن سعد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "استاكوا وتنظفوا وأوتروا، فإن اللّه وتر يحب الوتر". وأخرج ابن عدي عن أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أمر بتعاهد البراجم عند الوضوء لأن الوسخ إليها سريع". وأخرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول بسند فيه مجهول عن عبد اللّه بن بسر رفعه"قصوا أظفاركم، وادفنوا قلاماتكم، ونقوا براجمكم". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس قال "كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، وكأن النبي صلى اللّه عليه وسلم يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به، فسدل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد". وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند جيد عن أم سلمة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا أطلى ولى (تابع) عانته بيده". وأخرج البيهقي بسند ضعيف جدا عن أنس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان لا يتنور، وكان إذا كثر شعره حلقه. وأخرج أحمد والبيهقي عن شداد بن أوس رفعه "الختان سنة للرجال مكرمة للنساء". وأخرج الطبراني في مسند الشاميين وأبو الشيخ في كتاب العقيقة والبيهقي من حديث ابن عباس. مثله. وأخرج أبو داود عن عيثم بن كليب عن أبيه عن جده "أنه جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: فقد أسلمت - فقال له: ألق عنك شعر الكفر - يقول: احلق "قال: وأخبرني آخر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لآخر معه "ألق عنك شعر الكفر واختتن". وأخرج البيهقي عن الزهري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من أسلم فليختتن". وأخرج أحمد والطبراني عن عثمان بن أبي العاص أنه دعي إلى ختان فقال: ما كنا نأتي الختان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا ندعى له. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال: سبع من السنة في الصبي يوم السابع يسمى، ويختن، ويماط عنه الأذى، ويعق عنه، ويحلق رأسه، ويلطخ من عقيقته، ويتصدق بوزن شعر رأسه ذهبا أو فضة. وأخرج أبو الشيخ في كتاب العقيقة والبيهقي عن جابر "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام". وأخرج البيهقي عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه. إن إبراهيم عليه السلام ختن إسحق لسبعة أيام، وختن إسماعيل عند بلوغه. وأخرج ابن سعد عن حي بن عبد اللّه قال: بلغني أن إسماعيل عليه السلام اختتن وهو ابن ثلاث عشر سنة. وأخرج أبو الشيخ في العقيقة من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه. أن إبراهيم عليه السلام أمر أن يختتن وهو حينئذ ابن ثمانين سنة، فعجل واختتن بالقدوم فاشتد عليه الوجع، فدعا ربه فأوحى إليه"إنك عجلت قبل أن نأمرك بآلته قال: يا رب كرهت أن أؤخر أمرك". وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثلاثين سنة بالقدوم. وأخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "كان إبراهيم أول من اختتن وهو ابن عشرين ومائة سنة واختتن بالقدوم، ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة ". وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والحاكم والبيهقي وصححاه من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: اختتن إبراهيم خليل اللّه وهو ابن عشرين ومائة سنة بالقدوم، ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة. قال سعيد: وكان إبراهيم أول من اختتن وأول من رأى الشيب، فقال: يا رب ما هذا؟ قال: وقار يا إبراهيم. قال: رب زدني وقارا. وأول من أضاف الضيف، وأول من جز شاربه، وأول من قص أظافيره، وأول من استحد. وأخرج ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: إن إبراهيم أول من اضاف الضيف، وأول من قص الشارب، وأول من رأى الشيب، وأول من قص الأظافير، وأول من اختتن بقدومه". وأخرج البيهقي عن علي رضي اللّه عنه قال: كانت هاجر لسارة، فأعطت هاجر إبراهيم، فاستبق إسماعيل واسحاق لنفسه فسبقه إسماعيل فقعد في حجر إبراهيم. قالت: سارة: واللّه لأغيرن منها ثلاثة أشراف، فخشي إبراهيم أن تجدعها أو تخرم أذنيها، فقال لها: هل لك أن تفعلي شيئا وتبري يمينك؟ تثقبين أذنيها وتخفضينها، فكان أول الخفاض هذا". وأخرج البهقي عن سفيان بن عينية قال: شكا إبراهيم عليه السلام إلى ربه ما يلقى من رداءة خلق سارة، فأوحى اللّه إليه يا إبراهيم [؟؟] أول من تسرول، وأول من فرق، وأول من استحد، وأول من اختتن، وأول من قرى الضيف، وأول من شاب. وأخرج وكيع عن واصل مولى ابن عينية قال: أوحى اللّه إلى إبراهيم يا إبراهيم إنك أكرم أهل الأرض إلي فإذا سجدت فلا تر الأرض عورتك. قال: فاتخذ سراويل. وأخرج الحاكم عن أبي أمامة قال: طلعت كف من السماء بين أصبعين من أصابعها شعرة بيضاء، فجعلت تدنو من رأس إبراهيم ثم تدنو، فألقتها في راسه وقالت: أشعل وقارا، ثم أوحى اللّه إليها أن تظهر، وكان أول من شاب واختتن، وأنزل اللّه على إبراهيم مما أنزل على محمد (التائبون العابدون الحامدون) (التوبة الاية ١١٢) إلى قوله (وبشر المؤمنين) و (قد أفلح المؤمنون) (المؤمنون الآيات ١ - ١١) إلى قوله (هم فيها خالدون) و (إن المسلمين والمسلمات...) (الأحزاب الاية ٣٥) الآية. والتي في سأل، و (الذين هم على صلاتهم دائمون) (المعارج الآيات ٢٣ - ٣٣) إلى قوله (قائمون) فلم يف بهذه السهام إلا إبراهيم ومحمد صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن سعد في الطبقات عن سلمان قال: سأل إبراهيم ربه خيرا فأصبح ثلثا رأسه أبيض، فقال: ما هذا؟! فقيل له: عبرة في الدنيا ونور في الآخرة. وأخرج أحمد في الزهد عن سلمان الفارسي قال: أوى إبراهيم إلى فراشه فسأل اللّه أن يؤتيه خيرا، فأصبح وقد شاب ثلثا رأسه، فساءه ذلك فقيل: لا يسوءنك فإنه عبرة في الدنيا ونور لك في الآخرة، وكان أول شيب كان. وأخرج الديلمي عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أول من خضب بالحناء والكتم إبراهيم عليه السلام". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن إبراهيم قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم". وأخرج أبو داود والترمذي وصححه النسائي وابن ماجه عن أبي ذر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم". وأخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود". وأخرج البزار عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لا تشبهوا بالأعاجم غيروا اللحى". وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والبزار عن سعد عن إبراهيم عن أبيه قال: أول من خطب على المنبر إبراهيم عليه السلام حين أسر لوط واستأسرته الروم، فعزا إبراهيم حتى اسنقذه من الروم. وأخرج ابن عساكر عن حسان بن عطية قال: أول من رتب العسكر في الحرب ميمنة وميسرة وقلبا إبراهيم عليه السلام لما سار لقتال الذين أسروا لوطا عليه السلام. وأخرج ابن أبي شيبة عن يزيد بن أبي يزيد عن رجل قد سماه قال: أول من عقد الألوية إبراهيم عليه السلام، بلغه أن قوما أغاروا على لوط فسبوه، فعقد لواء وسار إليهم بعبيده ومواليه حتى أدركهم، فاستقذه وأهله. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الرومي عن ابن عباس قال: أول من عمل القسي إبراهيم عليه السلام. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "كان أول من ضيف الضيف إبراهيم عليه السلام". وأخرج ابن سعد وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن عكرمة قال: كان إبراهيم خليل الرحمن يكنى أبا الضيفان، وكان لقصره أربعة أبواب لكي لا يفوته أحد. وأخرج البيهقي عن عطاء قال: كان إبراهيم خليل اللّه عليه السلام، إذا أراد أن يتغدى طلب من يتغدى معه إلى ميل. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان والخطيب في تاريخه والديلمي في مسند الفردوس والغسولي في جزئه المشهور واللفظ له عن تميم الداري "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن معانقة الرجل الرجل إذا لقيه؟ قال: كانت تحية الأمم، وفي لفظ كانت تحية أهل الإيمان وخالص ودهم، وأول من عانق خليل الرحمن، فإنه خرج يوما يرتاد لماشيته في جبال من جبال بيت المقدس إذ سمع صوت مقدس يقدس اللّه تعالى، فذهل عما كان يطلب فقصد قصد الصوت، فإذا هو بشيخ طوله ثمانية عشر ذراعا أهلب يوحد اللّه عز وجل، فقال له إبراهيم: يا شيخ من ربك؟ قال: الذي في السماء. قال: من رب الأرض؟ قال: الذي في السماء. قال: فيها رب غيره؟ قال: ما فيها رب غيره، لا إله إلا هو وحده. قال إبراهيم: فأين قبلتك؟ قال: إلى الكعبة. فسأله عن طعامه فقال: أجمع من هذه الثمرة في الصيف فآكله في الشتاء. قال: هل بقي معك أحد من قومك؟ قال: لا. قال: أين منزلك؟ قال: تلك المغارة. قال: اعبر بنا إلى بيتك. قال: بيني وبينها واد لا يخاض. قال: فكيف تعبره؟ فقال: أمشي عليه ذاهبا وأمشي عليه عائدا. قال: فانطلق بنا فافعل الذي ذللّه لك يذللّه لي. فانطلقا حتى انتهيا فمشيا جميعا عليه كل واحد منهما يعجب من صاحبه، فلما دخلا المغارة فإذا بقبلته قبلة إبراهيم قال له إبراهيم: أي يوم خلق اللّه أشد؟ قال الشيخ: ذلك اليوم الذي يضع كرسيه للحساب، يوم تسعر جهنم لا يبقى ملك مقرب و لا نبي مرسل إلا خر يهمه نفسه. قال له إبراهيم: ادع اللّه يا شيخ أن يؤمني وإياك من هول ذلك اليوم. قال الشيخ: وما تصنع بدعائي ولي في السماء دعوة محبوسة منذ ثلاث سنين؟ قال إبراهيم: ألا أخبرك ما حبس دعاءك قال: بلى. قال: إن اللّه عز وجل إذا أحب عبدا احتبس مسألته يحب صوته، ثم جعل له على كل مسألة ذخرا لا يخطر على قلب بشر، وإذا أبغض اللّه عبدا عجل له حاجته أو ألقى الأياس في صدره ليقبض صوته، فما دعوتك التي هي في السماء محبوسة؟ قال: مر بي ههنا شاب في راسه ذؤابة منذ ثلاث سنين ومعه غنم، قلت: لمن هذه؟ قال: لخليل اللّه إبراهيم. قلت: اللّهم إن كان لك في الأرض خليل فأرنيه قبل خروجي من الدنيا. قال له إبراهيم عليه السلام: قد أجيبت دعوتك ثم اعتنقا، فيومئذ كان أصل المعانقة، وكان قبل ذلك السجود هذا لهذا وهذا لهذا، ثم جاء الصفاح مع الإسلام فلم يسجد ولم يعانق، ولن تفترق الأصابع حتى يغفر لكل مصافح". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد أبو نعيم في الحلية عن كعب قال: قال إبراهيم عليه السلام: إنني ليحزنني أن لا أرى أحدا في الأرض يعبدك غيري، فأنزل اللّه إليه ملائكته يصلون معه ويكونون معه. وأخرج أحمد وأبو نعيم عن نوف البكالي قال: قال إبراهيم عليه السلام: يا رب إنه ليس في الأرض أحد يعبدك غيري، فأنزل اللّه عز وجل ثلاثة آلاف ملك فأمهم ثلاثة أيام. وأخرج ابن سعد عن الكلبي قال: إبراهيم عليه السلام أول من اضاف الضيف، وأول من ثرد الثريد، وأول من رأى الشيب، وكان قد وسع عليه في المال والخدم. وأخرج ابن أبي شيبة عن السدي قال: أول من ثرد الثريد إبراهيم عليه السلام. وأخرج الديلمي عن نبيط بن شريط قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أول من اتخذ الخبز المبلقس إبراهيم عليه السلام". وأخرج أحمد في الزهد عن مطرف قال: أول من راغم إبراهيم عليه السلام حين راغم قومه إلى اللّه بالدعاء. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف واللفظ له والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن ابن عباس قال "قام فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: أول الخلائق يلقى بثوب - يعني يوم القيامة - إبراهيم عليه السلام". وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: يحشر الناس عراة حفاة، فأول من يلقى بثوب إبراهيم. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبيد بن عمير قال: يحشر الناس عراة حفاة، فيقول اللّه: ألا أرى خليلي عريانا، فيكسى يحشر الناس عراة حفاة، ثوبا ابيض، فهو أول من يكسى. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن عبد اللّه بن الحرث قال: أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام قبطيتين، ثم يكسى النبي صلى اللّه عليه وسلم حلة الحيرة وهو على يمين العرش. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي عن أنس قال "جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا خير البرية. قال: ذاك إبراهيم". وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال: انطلق إبراهيم عليه السلام يمتار فلم يقدر على الطعام، فمر بسهلة حمراء، فأخذ منها، ثم رجع إلى أهله فقالوا: ما هذا؟ قال: حنطه حمراء، ففتحوها فوجدها حنطة حمراء، فكان إذا زرع منها شيئا نبتت سنبلة من أصلها إلى فرعها حبا متراكبا. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن سلمان قال: أرسل على إبراهيم عليه السلام أسدان مجوعان، فلحساه وسجدا له. وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي بن كعب "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: أرسل إلي ربي أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت عليه يا رب هون على أمتي، فرد على الثانية أن أقرأ على حرفين، قلت: يا رب هون على أمتي، فرد على الثالثة أن أقرأ على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسألة فسلنيها. فقلت: اللّهم اغفر لأمتي، اللّهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة إلى يوم يرغب إلي فيه الخلائق حتى إبراهيم". وأخرج أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن كعب قال: كان إبراهيم عليه السلام يقري الضيف ويرحم المسكين وابن السبيل، فابطأت عليه الأضياف حتى أشرأب بذلك، فخرج إلى الطريق يطلب، فجلس ملك الموت عليه السلام في صورة رجل، فسلم عليه فرد السلام، ثم سأله من أنت؟ قال: أنا ابن السبيل قال: إنما قعدت ههنا لمثلك، فأخذ بيده فقال له: انطلق. فذهب إلى منزله، فلما رآه إسحق عرفه فبكى إسحق، فلما رأت سارة إسحق يبكي بكت لبكائه، فلما رأى إبراهيم ساره تبكي فبكى لبكائها، فلما رأى ملك الموت إبراهيم يبكي بكى لبكائه ثم صعد ملك الموت، فلما ارتقى غضب إبراهيم فقال: بكيتم في وجه ضيفي حتى ذهب فقال إسحق: لا تلمني يا أبت فإني رأيت ملك الموت معك لا أرى أجلك إلا قد حضر فارث في أهلك أي أوصه، وكان لأبراهيم بيت يتعبد فيه فإذا خرج أغلقه لا يدخله غيره، فجاء إبراهيم ففتح بيته الذي يتعبد فيه فإذا هو برجل جالس فقال إبراهيم: من أدخلك، بإذن من دخلت؟! قال: بإذن رب البيت. قال: رب البيت أحق به، ثم تنحى في ناحية البيت فصلى ودعا كما كان يصنع، وصعد ملك الموت فقيل له: ما رأيت؟ قال: يا رب جئتك من عند عبدك ليس بعده في الأرض خير. قيل له: ما رأيت منه؟ قال: ما ترك خلقا من خلقك إلا قد دعا له بخير في دينه وفي معيشته. ثم مكث إبراهيم عليه السلام ما شاء اللّه، ثم جاء ففتح بابه فإذا هو برجل جالس قال له: من أنت؟ قال: إنما أنا ملك الموت. قال إبراهيم: إن كنت صادقا فأرني آية أعرف أنك ملك الموت. قال: اعرض بوجهك يا إبراهيم. قال: ثم أقبل فأراه الصورة التي يقبض بها المؤمنين، فرأى شيئا من النور والبهاء لا يعلمه إلا اللّه، ثم قال: انظر فأراه الصورة التي يقبض بها الكفار والفجار، فرعب إبراهيم عليه السلام رعبا حتى ألصق بطنه بالأرض، كادت نفس إبراهيم تخرج فقال: أعرف الذين أمرت به فامض له. فصعد ملك الموت فقيل له: تلطف بإبراهيم، فأتاه وهو في عنب له وهو في صورة شيخ كبير لم يبق منه شيء، فلما رآه إبراهيم رحمه فأخذ مكتلا ثم دخل عنبه فقطف من العنب في مكتله، ثم جاء فوضعه بين يديه فقال: كل... فجعل يضع ويريه أن يأكل ويمجه على لحيته وعلى صدره، فعجب إبراهيم فقال: ما أبقت السن منك شيئا كم أتى لك؟ فحسب مدة إبراهيم فقال: أمالي كذا وكذا... فقال إبراهيم: قد أتي لي هذا إنما أنتظر أن أكون مثلك اللّهم اقبضني إليك، فطابت نفس إبراهيم على نفسه وقبض ملك الموت نفسه تلك الحال. وأخرج الحاكم عن الواقدي قال: ولد إبراهيم بغوطة دمشق في قرية يقال لها برزة، ومن جبل يقال له قاسيون. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي السكن الهجري قال: مات خليل اللّه فجأة، ومات داود فجأة، ومات سليمان بن داود فجأة، والصالحون، وهو تخفيف على المؤمن وتشديد على الكافر. وأخرج [؟؟] "أن ملك الموت جاء إلى إبراهيم عليه السلام ليقبض روحه، فقال إبراهيم: يا ملك الموت هل رأيت خليلا يقبض روح خليله؟ فعرج ملك الموت إلى ربه فقال: قله له: هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله؟ فرجع قال: فاقبض روحي الساعة". وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير قال "كان اللّه يبعث ملك الموت إلى الأنبياء عيانا، فبعثه إلى إبراهيم عليه السلام ليقبضه، فدخل دار إبراهيم في صورة رجل شاب جميل وكان إبراهيم غيورا، فلما دخل عليه حملته الغيرة على أن قال له: يا عبد اللّه ما أدخلك داري؟ قال: أدخلنيها ربها. فعرف إبراهيم أن هذا الأمر حدث قال يا إبراهيم: إني أمرت بقبض روحك. قال: أمهلني يا ملك الموت حتى يدخل إسحق فأمهله، فلما دخل إسحق قام إليه فاعتنقه كل واحد منهما صاحبه، فرق لهما ملك الموت فرجع إلى ربه فقال: يا رب رأيت خليلك جزع من الموت. قال: يا ملك الموت فائت خليلي في منامه فاقبضه، فأتاه في منامه فقبضه". وأخرج أحمد في الزهد والمروزي في الجنائز عن أبي مليكة "أن إبراهيم لما لقي ربه قيل له: كيف وجدت الموت؟ قال: وجدت نفسي كأنما تنزع بالسلي. قيل له: قد يسرنا عليك الموت". وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في العزاء وابن أبي داود في البعث وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أولاد المؤمنين في جبل في الجنة، يكفلهم إبراهيم وسارة عليهما السلام حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة". وأخرج سعيد بن منصور عن مكحول "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن ذراري المسلمين في عصافير خضر في شجر في الجنة، يكفلهم إبراهيم عليه السلام". أما قوله تعالى: {وقال إني جاعلك للناس إماما} الآية أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس {قال: إني جاعلك للناس إماما} يقتدى بدينك وهديك وسنتك {قال ومن ذريتي} إماما لغير ذريتي {قال لا ينال عهدي الظالمين} أن يقتدى بدينهم وهديهم وسنتهم. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: هذا عند اللّه يوم القيامة لا ينال عهده ظالما، فأما في الدنيا نالوا عهده فوارثوا به المسلمين وغازوهم، وناكحوهم، فلما كان يوم القيامة قصر اللّه عهده وكرامته على أوليائه. وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله {إني جاعلك للناس إماما} يؤتم به ويقتدى قال إبراهيم {ومن ذريتي} فاجعل من يؤتم به ويقتدى به. وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال اللّه لإبراهيم {إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي} فأبى أن يفعل، ثم {قال لا ينال عهدي الظالمين}. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {لا ينال عهدي الظالمين} قال: لا أجعل إماما ظالما يقتدى به. وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: يخبره أنه كائن في ذريته ظالم لا ينال عهده، ولا ينبغي له أن يوليه شيئا من أمره. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {لا ينال عهدي الظالمين} قال: ليس بظالم عليك عهد في معصية اللّه أن تطيعه. وأخرج وكيع وابن مردويه عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله {لا ينال عهدي الظالمين} قال: لا طاعة إلا في المعروف. وأخرج عبد بن حميد عن عمران بن حصين"سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: لا طاعة لمخلوق في معصية اللّه". وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: لا طاعة مفترضة إلا لنبي. ١٢٥ أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {وإذ جعلنا البيت} قال: الكعبة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {مثابة للناس} قال: يثوبون إليه ثم يرجعون. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {مثابة للناس} قال لا يقضون منه وطرا يأتونه، ثم يرجعون إلى أهليهم، ثم يعودون إليه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء في قوله {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس} قال: يأتون إليه من كل مكان. وأخرج سفيان بن عينية وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد في قوله {مثابة للناس} قال: يأتون إليه لا يقضون منه وطرا أبدا، يحجون ثم يعودون {وأمنا} قال: تحريمه لا يخاف من دخله , وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وأمنا} قال: أمنا للناس. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {وأمنا} قال: أمنا من العدوان يحمل فيه السلاح، وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون. أما قوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} أخرج عبد بن حميد عن أبي إسحق أن أصحاب عبد اللّه كانوا يقرؤون {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: أمرهم أن يتخذوا. وأخرج عبد بن حميد عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: سمعت سعيد بن جبير قرأها {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} بخفض الخاء. وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والعدني والدارمي والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والطحاوي وابن حبان والدارقطني في الأفراد والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: وافقت ربي في ثلاث، أو واقفني ربي في ثلاث. قلت: يا رسول اللّه لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} وقلت: يا رسول اللّه إن نساءك يدخل عليهم البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب. واجتمع على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن) (التحريم الآية ٥) فنزلت كذلك. وأخرج مسلم وابن أبي داود وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن جابر "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعا، حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين، ثم قرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} ". وأخرج ابن ماجه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر قال "لما وقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم قال له عمر: يا رسول اللّه هذا مقام إبراهيم الذي قال اللّه {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}؟ قال: نعم". وأخرج الطبراني والخطيب في تاريخه عن ابن عمر "أن عمر قال: يا رسول اللّه لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} ". وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن أنس "أن عمر قال: يا رسول اللّه لوصلينا خلف المقام؟ فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} ". وأخرج ابن أبي داود عن مجاهد قال: كان المقام إلى لزق البيت فقال عمر بن الخطاب"يا رسول اللّه لو نحيته إلى البيت ليصلي إليه الناس، ففعل ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} ". وأخرج ابن أبي داود وابن مردويه عن مجاهد قال: قال عمر"يا رسول اللّه صلينا خلف المقام، فأنزل اللّه {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فكان المقام عند البيت فحوله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى موضعه هذا. قال مجاهد: وقد كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن". وأخرج ابن مردويه من طريق عمر بن ميمون عن عمر "أنه مر بمقام إبراهيم فقال: يا رسول اللّه أليس نقوم مقام إبراهيم خليل ربنا؟ قال: بلى. قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فلم يلبث إلا يسيرا حتى نزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} ". وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده والدارقطني في الأفراد عن أبي ميسرة قال: قال عمر"يا رسول اللّه هذا مقام خليل ربنا أفلا نتخذه مصلى؟ فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أما مقام إبراهيم الذي ذكر ههنا فمقام إبراهيم هذا الذي في المسجد، ومقام إبراهيم بعد كثير مقام إبراهيم الحج كله. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: مقام إبراهيم الحرم كله. وأخرج ابن سعد وابن المنذر عن عائشة قالت: ألقي المقام من السماء. وأخرج ابن أبي حاتم والأزرقي عن ابن عمر قال: إن المقام ياقوتة من ياقوت الجنة محي نوره، ولولا ذلك لأضاء ما بين السماء والأرض، والركن مثل ذلك. وأخرج الترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي في الدلائل عن ابن عمرو قال: قال رسول اللّه "الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس اللّه نورهما، ولولا ذلك لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب". وأخرج الحاكم عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة". وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: الحجر مقام إبراهيم لينه اللّه فجعله رحمة، وكان يقوم عليه ويناوله إسماعيل الحجارة. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن الركن والمقام من ياقوت الجنة، ولولا ما مسهما من خطايا بني آدم لأضاءا ما بين المشرق والمغرب، وما مسهما من ذي عاهة ولا سقيم إلا شفي". وأخرج البيهقي عن ابن عمر رفعه، ولولا ما مسه من أنجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا شفي، وما على وجه الأرض شيء من الجنة غيره. وأخرج الجندي في فضائل مكة عن سعيد بن المسيب قال: الركن والمقام حجران من حجارة الجنة. وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة والجندي عن مجاهد قال: يأتي الحجر والمقام يوم القيامة كل واحد منهما مثل أحد، لهما عينان وشفتان يناديان بأعلى أصواتهما، يشهدان لمن وافاهما بالوفاء. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير، أنه رأى قوما يمسحون المقام فقال: لم تؤمروا بهذا، إنما أمرتم بالصلاة عنده. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والأزرقي عن قتادة {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه، ولقد تكلفت هذه الأمة شيئا ما تكلفته الأمم قبلها، وقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه، فما زالت هذه الأمة تمسحه حتى اخلولق وانماح. وأخرج الأزرقي عن نوفل بن معاوية الديلمي قال "رأيت في المنام في عهد عبد المطلب مثل المهاة "قال أبو محمد الخزاعي: المهاة خرزة بيضاء. وأخرج الأزرقي عن أبي سعيد الخدري قال: سألت عبد اللّه بن سلام عن الأثر الذي في المقام فقال: كانت الحجارة على ما هي عليه اليوم إلا أن اللّه أراد أن يجعل المقام آية من آياته، فلما أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج قام على المقام، وارتفع المقام حتى صار أطول الجبال وأشرف على ما تحته، فقال: يا ايها الناس أجيبوا ربكم فأجابه الناس فقالوا: لبيك اللّهم لبيك، فكان أثره فيه لما أراد اللّه، فكان ينظر عن يمينه وعن شماله أجيبوا ربكم فلما فرغ أمر بالمقام فوضعه قبله، فكان يصلي إليه مستقبل الباب فهو قبلته إلى ما شاء اللّه، ثم كان إسماعيل بعد يصلي إليه إلى باب الكعبة، ثم كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأمر أن يصلي إلى بيت المقدس، فصلى إليه قبل أن يهاجر وبعدما هاجر، ثم أحب اللّه أن يصرفه إلى قبلته التي رضي لنفسه ولأنبيائه فصلى إلى الميزاب وهو بالمدينة، ثم قدم مكة فكان يصلي إلى المقام ما كان بمكة". وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن مجاهد في قوله {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: مدعى. وأخرج الأزرقي عن كثير بن أبي كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن أبيه عن جده قال: كانت السيول تدخل المسجد الحرام من باب بني شيبة الكبير قبل أن يردم عمر الردم الأعلى، فكانت السيول ربما رفعت المقام عن موضعه وربما نحته إلى وجه الكعبة حتى جاء سيل أم نهشل في خلافة عمر بن الخطاب، فاحتمل المقام من موضعه هذا فذهب به حتى وجد بأسفل مكة، فأتي به فربط إلى أستار الكعبة، وكتب في ذلك إلى عمر، فأقبل فزعا في شهر رمضان وقد عفى موضعه وعفاه السيل، فدعا عمر بالناس فقال: أنشد اللّه عبدا علم في هذا المقام. فقال المطلب بن أبي وداعة: أنا يا أمير المؤمنين عندي ذلك، قد كنت أخشى عليه هذا فأخذت قدره من موضعه إلى الركن، ومن موضعه إلى باب الحجر، ومن موضعه إلى زمزم بمقاط وهو عندي في البيت. فقال له عمر: فاجلس عندي وأرسل إليه. فجلس عنده وأرسل فأتي بها، فمدها فوجدها مستوية إلى موضعه هذا، فسأل الناس وشاورهم فقالوا: نعم، هذا موضعه. فلما استثبت ذلك عمر وحق عنده أمر به، فأعلم ببناء ربضه تحت المقام ثم حوله، فهو في مكانه هذا إلى اليوم. وأخرج الأزرقي من طريق سفيان بن عينية عن حبيب بن الأشرس قال: كان سيل أم نهشل قبل أن يعمل عمر الردم بأعلى مكة، فاحتمل المقام من مكانه فلم يدر أين موضعه، فلما قدم عمر بن الخطاب سأل من يعلم موضعه؟ فقال عبد المطلب بن أبي وداعة: أنا يا أمير المؤمنين قد كنت قدرته وذرعته بمقاط وتخوفت عليه هذا من الحجر إليه، ومن الركن إليه، ومن وجه الكعبة. فقال: ائت به. فجاء به فوضعه في موضعه هذا وعمل عمر الردم، عند ذلك قال سفيان: فذلك الذي حدثنا هشام ابن عروة عن ابيه، أن المقام كان عند سقع البيت، فأما موضعه الذي هو موضعه فموضعه الآن، وأما ما يقول الناس: أنه كان هنالك موضعه فلا. وأخرج الأزرقي عن ابن أبي مليكة قال: موضع المقام هذا هو الذي به اليوم، هو موضعه في الجاهلية، وفي عهد النبي، وأبي بكر وعمر، إلا أن السيل ذهب به في خلافة عمر، فجعل في وجه الكعبة، حتى قدم عمر فرده بمحضر الناس. وأخرج البيهقي في سننه عن عائشه. إن المقام كان في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زمان أبي بكر ملتصقا بالبيت، ثم أخره عمر بن الخطاب. وأخرج ابن سعد عن مجاهد. قال عمر بن الخطاب: من له علم بموضع المقام حيث كان؟ فقال أبو وداعة بن صبيرة السهمي: عندي يا أمير المؤمنين قدرته إلى الباب، وقدرته إلى ركن الحجر، وقدرته إلى الركن الأسود، وقدرته إلى زمزم , فقال عمر: هاته. فأخذه عمر فرده إلى موضعه اليوم للمقدار الذي جاء به أبو وداعة. وأخرج الحميدي وابن النجار عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من طاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين، وشرب من ماء زمزم، غفرت له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت". وأخرج الأزرقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "المرء يريد الطواف بالبيت أقبل يخوض الرحمة فإذا دخلته غمرته، ثم لا يرفع قدما ولا يضع قدما إلا كتب اللّه له بكل قدم خمسمائة حسنة، وحط عنه خمسمائة سيئة، ورفعت له خمسمائة درجة، فإذا فرغ من طوافه فأتى مقام إبراهيم، فصلى ركعتين، دبر المقام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وكتب له أحر عتق عشر رقاب من ولد إسماعيل واستقبله ملك على الركن فقال له: استأنف العمل فيما بقي فقد كفيت ما مضى وشفع في سبعين من أهل بيته. وأخرج أبو داود عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما دخل مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام، يعني يوم الفتح". وأخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عبد اللّه بن أبي أوفى "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اعتمر فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين". وأخرج الأزرقي عن طلق بن حبيب قال: كنا جلوسا مع عبد اللّه بن عمرو بن العاص في الحجر، إذ قلص الظل وقامت المجالس، إذا نحن ببريق أيم طلع من هذا الباب - يعني من باب بني شيبة، والأيم الحية الذكر - فاشرأبت له أعين الناس، فطاف بالبيت سبعا وصلى ركعتين وراء المقام، فقمنا إليه فقلنا: أيها المعتمر قد قضى اللّه نسكك، وإن بأرضنا عبيدا وسفهاء وإنما نخشى عليك منهم، فكوم برأسه كومة بطحاء فوضع ذنبه عليها فسما بالسماء حتى ما نراه. وأخرج الأزرقي عن أبي الطفيل قال: كانت امرأة من الجن في الجاهلية تسكن ذا طوى، وكان لها ابن ولم يكن لها ولد غيره، فكانت تحبه حبا شديدا، وكان شريفا في قومه فتزوج وأتى زوجته، فلما كان يوم سابعه قال لأمه: يا أماه إني أحب أن أطوف بالكعبة سبعا نهارا. قالت له أمه: أي بني إني أخاف عليك سفهاء قريش فقال: أرجو السلامة. فأذنت له فولى في صورة جان، فمضى نحو الطواف، فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين ثم أقبل منقلبا، فعرض له شاب من بني سهم فقتله، فثارت بمكة غبرة حتى لم يبصر لها الجبال. قال أبو الطفيل: بلغنا أنه إنما تثور تلك الغبرة عند موت عظيم من الجن. قال: فأصبح من بني سهم على فرشهم موتى كثير من قتل الجن، فكان فيهم سبعون شيخا أصلع سوى الشاب. وأخرج الأزرقي عن الحسن البصري قال: ما أعلم بلدا يصلى فيه حيث أمر اللّه عز وجل نبيه صلى اللّه عليه وسلم إلا بمكة. قال اللّه {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: ويقال: يستجاب الدعاء بمكة في خمسة عشر. عند الملتزم، وتحت الميزاب، وعند الركن اليماني، وعلى الصفا، وعلى المروة، وبين الصفا والمروة، وبين الركن والمقام، وفي جوف الكعبة، وبمنى، وبجمع، وبعرفات، وعند الجمرات الثلاث. وأما قواه تعالى: {وعهدنا إلى إبراهيم} الآية أخرج ابن جرير عن عطاء وعهدنا إلى إبراهيم قال: أمرناه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {أن طهرا بيتي} قال: من الأوثان. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله {أن طهرا بيتي} قالا: من الأوثان والريب وقول الزور والرجس. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {أن طهرا بيتي} قال: من عبادة الأوثان والشرك وقول الزور. وفي قوله {والركع السجود} قال: هم من أهل الصلاة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إذا كان قائما فهو من الطائفبن، وإذا كان جالسا فهو من العاكفين، وإذا كان مصليا فهو من الركع السجود. وأخرج عبد بن حميد عن سويد بن غفلة قال: من قعد في المسجد وهو طاهر فهو عاكف حتى يخرج منه. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ثابت قال: قلت لعبد اللّه بن عبيد اللّه بن عمير: ما أراني إلا مكلم الأمير أن أمنع الذين ينامون في المسجد الحرام فإنهم يجنبون ويحدثون. قال: لا تفعل فإن ابن عمر سئل عنهم فقال: هم العاكفون. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن أبي موسى قال: سئل ابن عباس عن الطواف أفضل أم الصلاة؟ فقال: أما أهل مكة فالصلاة، وأما أهل الأمصار فالطواف. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: الطواف للغرباء أحب إلي من الصلاة. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: الصلاة لأهل مكة أفضل والطواف لأهل العراق. وأخرج ابن أبي شيبة عن حجاج قال: سألت عطاء فقال: أما أنتم فالطواف، وأما أهل مكة فالصلاة. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: الطواف أفضل من عمرة بعد الحج. وفي لفظ طوافك بالبيت أحب إلي من الخروج إلى العمرة. ١٢٦ أخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن جرير عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابيتها، فلا يصاد صيدها ولا يقطع عضاهها". وأخرج مسلم وابن جرير عن رافع بن خديج قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم ما بين لابتيها". وأخرج أحمد عن أبي قتادة "إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم توضأ ثم صلى بأرض سعد بأرض الحرة عند بيوت السقيا، ثم قال: اللّهم إن إبراهيم خليلك وعبدك ونبيك دعاك لأهل مكة، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة مثل ما دعاك إبراهيم بمكة، أدعوك أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم، اللّهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة واجعل ما بها من وراء خم، اللّهم إني حرمت ما بين لا بتيها كما حرمت على لسان إبراهيم الحرم". وأخرج البخاري ومسلم عن أنس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أشرف على المدينة فقال: اللّهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما أحرم به إبراهيم مكة، اللّهم بارك لهم في مدهم وصاعهم". وأخرج مسلم عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: اللّهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك، وأنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة، ومثله معه". وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اللّهم إن إبراهيم عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة بالبركة، وأنا محمد عبدك ورسولك، وإني أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم مثل ما باركت لأهل مكة، واجعل مع البركة بركتين". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن عبد اللّه بن زيد بن عاصم المازني عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها، وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم مكة". وأخرج البخاري والجندي في فضائل مكة عن عائشة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: اللّهم إن إبراهيم عبدك ونبيك دعاك لأهل مكة، وأنا أدعوك لأهل المدينة بمثل ما دعاك إبراهيم لأهل مكة". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اللّهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة". وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة والجندي عن محمد بن الأسود. أن إبراهيم عليه السلام هو أول من نصب أنصاب الحرم، أشار له جبريل إلى مواضعها. وأخرج الجندي عن ابن عباس قال: إن في السماء لحرما على قدر حرم مكة. وأخرج الأزرقي والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ستة لعنتهم وكل نبي مجاب. الزائد في كتاب اللّه، والمكذب بقدر اللّه، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز اللّه ويعز من اذل اللّه، والتارك لسنتي، والمستحل من عترتي ما حرم اللّه عليه، والمستحل لحرم اللّه". وأخرج البخاري تعليقا وابن ماجه عن صيفة بنت شيبة قالت: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يخطب عام الفتح فقال: يا أيها الناس إن اللّه تعالى حرم مكة يوم خلق السموات والأرض وهي حرام إلى يوم القيامة، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يأخذ لقطتها إلا منشد، فقال العباس: إلا الاذخر فإنه للبيوت والقبور. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إلا الاذخر". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والأزرقي عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم فتح مكة "إنهذا البلد حرمه اللّه يوم خلق السموات والأرض والشمس والقمر، ووضع هذين الأخشبين فهو حرام بحرمة اللّه إلى يوم القيامة، وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولا يحل لأحد بعدي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة اللّه إلى يوم القيامة، لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يلتقط لقطتها إلا من عرفها. قال العباس إلا إلا ذخر فإنه لقينهم وبيوتهم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إلا الأذخر". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال "لما فتح اللّه مكة على رسوله مكة قام فيهم، فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: إن اللّه حبس عن مكة الفيل وسلط عليه رسوله والمؤمنين، وإنما أحلت لي ساعة من النهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقمتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، أما أن يفدى وأما أن يقتل. فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه فقال له: يا رسول اللّه اكتب لي. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: اكتبوا لأبي شاه. فقال العباس: يا رسول اللّه إلا الاذخر فإنه لقبورنا وبيوتا: فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إلا الاذخر". وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مكة حرم حرمها اللّه، لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها". وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة عن الزهري في قوله {رب اجعل هذا البلد آمنا} قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن الناس لم يحرموا مكة ولكن اللّه حرمها فهي حرام إلى يوم القيامة، وإن من أعتى الناس على اللّه رجل قتل في الحرم، ورجل قتل غير قاتله، ورجل أخذ بذحول الجاهلية". وأخرج الأزرقي عن قتادة قال: ذكر لنا أن الحرم حرم بحياله إلى العرش. وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال: إن هذا الحرم حرم مناه من السموات السبع والأرضين السبع، وإن هذا رابع أربعة عشر بيتا في كل سماء بيت وفي كل أرض بيت، ولو وقعن وقعن بعضهن على بعض. وأخرج الأزرقي عن الحسن قال: البيت بحذاء البيت المعمور، وما بينهما بحذائه إلى السماء السابعة، وما أسفل منه بحذائه إلى الأرض السابعة حرام كله. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: البيت المعمور الذي في السماء يقال له الصراخ، وهو على بناء الكعبة يعمره كل يوم سبعون ألف ملك لم تزره قط، وأن للسماء السابعة لحرما على منى حرم مكة. وأخرج ابن سعد والأزرقي عن ابن عباس قال: أول من نصب أنصاب الحرم إبراهيم عليه السلام يريه ذلك جبريل عليه السلام، فلما كان يوم الفتح بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تميم بن أسد الخزاعي فجدد ما رث منها. وأخرج الأزرقي عن حسين بن القاسم قال: سمعت بعض أهل العلم يقول: إنه لما خاف آدم على نفسه من الشيطان استعاذ باللّه، فأرسل اللّه ملائكته حفوا بمكة من كل جانب ووقفوا حواليها قال: فحرم اللّه الحرم من حيث كانت الملائكة وقفت. قال: ولما قال إبراهيم عليه السلام: ربنا أرنا مناسكنا نزل إليه جبريل، فذهب به فأراه المناسك ووقفه على حدود الحرم، فكان إبراهيم يرضم الحجارة وينصب الأعلام ويحثي عليها التراب، فكان جبريل يقفه على الحدود. قال: وسمعت أن غنم إسماعيل كانت ترعى في الحرم ولا تجاوزه ولا تخرج، فإذا بلغت منتهاه من ناحية رجعت صابة في الحرم. وأخرج الأزرقي عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة قال "إن إبراهيم عليه السلام نصب أنصاب الحرم يريه جبريل عليه السلام، ثم لم تحرك حتى كان قصي فجددها، ثم لم تحرك حتى كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فبعث عام الفتح تميم بن أسد الخزاعي فجددها". وأخرج البزار والطبراني عن محمد بن الأسود بن خلف عن أبيه "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أمره أن يجدد أنصاب الحرم... ". وأخرج الأزرقي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنه قال: أيها الناس إن هذا البيت لاق ربه فسائله عنكم، ألا فانظروا فيما هو سائلكم عنه من أمره، ألا واذكروا اللّه إذ كان أحدكم ساكنه، لا تسفكون فيه دماء ولا تمشون فيه بالنميمة". وأخرج البزار عن عبد اللّه بن عمرو "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مر بنفر من قريش وهم جلوس بفناء الكعبة فقال: انظروا ما تعملون فيها فإنها مسئولة عنكم فتخبر عن أعمالكم، واذكروا إذ ساكنها من لا يأكل الربا ولا يمشي بالنميمة". وأخرج الأزرقي عن أبي نجيح قال: لم يكن كبار الحيتان تأكل صغارها في الحرم زمن الغرق. وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي عن جويرية بن أسماء عن عمه قال: حججت مع قوم، فنزلنا منزلا ومعنا امرأة، فانتبهت وحية عليها لا تضرها شيئا حتى دخلنا أنصاب الحرم فانسابت، فدخلنا مكة فقضينا نسكنا وانصرفنا، حتى إذا كنا بالمكان الذي تطوقت عليها فيه الحية وهو المنزل الذي نزلنا، فنامت فاستيقظت والحية منطوية عليها، ثم صفرت الحية فإذا بالوادي يسيل علينا حيات، فنهشنها حتى بقيت عظاما، فقلت لجارية كانت معها: ويحك أخبرينا عن هذه المرأة؟! قال: بغت ثلاث مرات كل مرة تلد ولدا، فإذا وضعته سجرت التنور ثم ألقته فيه. وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال: من أخرج مسلما من ظله في حرم اللّه من غير ضرورة أخرجه اللّه من ظل عرشه يوم القيامة. وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي عن عبد اللّه بن الزبير قال: إن كانت الأمة من بني إسرائيل لتقدم مكة، فإذا بلغت ذا طوى خلعت نعليها تعظيما للحرم. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال: كان يحج من بني إسرائيل مائة ألف، فإذا بلغوا أنصاب الحرم خلعوا نعالهم ثم دخلوا الحرم حفاة. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: كانت الأنبياء إذا أتت علم الحرم نزعوا نعالهم. وأخرج الأزرقي وابن عساكر عن ابن عباس قال: حج الحواريون فلما دخلوا الحرم مشوا تعظيما للحرم. وأخرج الأزرقي عن عبد الرحمن بن سابط قال "لما أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن ينطلق إلى المدينة استلم الحجر وقام وسط المسجد والتفت إلى البيت فقال: إني لأعلم ما وضع اللّه في الأرض بيتا أحب إليه منك، وما في الأرض بلد أحب إليه منك، وما خرجت عنك رغبة ولكن الذين كفروا هم أخرجوني". وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما خرج من مكة "أما واللّه إني لأخرج وإني لأعلم أنك أحب البلاد إلى اللّه وأكرمها على اللّه، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت". وأخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لمكة "ما أطيبك وأحبك إلي، ولولا أن قومك أخرجوني ما سكنت غيرك". وأخرج ابن سعد وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه والأزرقي والجندي عن عبد اللّه بن عدي بن الحمراء قال "رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو على ناقته واقف بالحزورة يقول لمكة: واللّه إنك لخير أرض اللّه وأحب أرض اللّه إلى اللّه، ولولا أخرجت ما خرجت". وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: كان بمكة حي يقال لهم العماليق، فكلنوا في عز وثروة وكثرة، فكانت أموالهم كثيرة من خيل وإبل وماشية، فكانت ترعى مكة وما حواليها من مر ونعمان وما حول ذلك، فكانت الحرف عليهم مظلة، والأربعة مغدقة، والأودية بحال، والغضاه ملتفه، والأرض مبقلة، فكانوا في عيش رخى، فلم يزل بهم البغي والإسراف على أنفسهم بالظلم والجهار بالمعاصي والاضطهاد لمن قاربهم حتى سلبهم اللّه ذلك، فنقصهم بحبس المطر وتسليط الجدب عليهم، وكانوا يكرون بمكة الظل ويبيعون الماء، فأخرجهم اللّه من مكة بالذي سلطه عليهم حتى خرجوا من الحرم فكانوا حوله، ثم ساقهم اللّه بالجدب يضع الغيث أمامهم ويسوقهم بالجدب حتى ألحقهم بمساقط رؤوس آبائهم، وكانوا قوما غرباء من حمير، فلما دخلوا بلاد اليمن تفرقوا وهلكوا، فأبدل اللّه الحرم بعدهم جرهم، فكانوا سكانه حتى بغوا فيه واستخفوا بحقه، فأهلكهم اللّه جميعا. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سابط قال: كان إذا كان الموسم بالجاهلية خرجوا، فلم يبق أحد بمكة، وأنه تخلف رجل سارق فعمد إلى قطعة من ذهب ثم دخل ليأخذ أيضا، فلما أدخل رأسه سرة البيت فوجدوا رأسه في البيت واسته خارجه، فألقوه للكلاب واصلحوا البيت. وأخرج الأزرقي والطبراني عن حويطب بن عبد العزى قال: كنا جلوسا بفناء الكعبة في الجاهلية، فجاءت امرأة إلى البيت تعوذ به من زوجها، فجاء زوجها فمد يده إليها فيبست يده، فلقد رأيته في الإسلام وإنه لأشل. وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال: الحطيم ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر، وكان أساف ونائلة رجلا وامرأة دخلا الكعبة فقبلها فيها فمسخا حجرين، فأخرجا من الكعبة فنصب أحدهما في مكان زمزم ونصب الآخر في وجه الكعبة ليعتبر بهما الناس ويزدجروا عن مثل ما ارتكبا، فسمي هذا الموضع الحطيم لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالإيمان ويستجاب فيه الدعاء على الظالم للمظلوم، فقل من دعا هنالك على ظالم إلا هلك وقل من حلف هنالك آثما إلا عجلت عليه العقوبة، وكان ذلك يحجز بين الناس عن الظلم ويتهيب الناس الإيمان هنالك، فلم يزل ذلك كذلك حتى جاؤ اللّه بالإسلام، فأخر اللّه ذلك لما أراد إلى يوم القيامة. وأخرج الأزرقي عن أيوب بن موسى. أن امرأة كانت في الجاهلية معها ابن عم لها صغير تسب عليه، فقالت له: يا بني إني أغيب عنك، وإني أخاف عليك أن ظلمك ظالم، فإن جاءك ظالم بعدي فإن للّه بيتا لا يشبهه شيء من البيوت ولا يقاربه مفاسد وعليه ثياب، فإن ظلمك ظالم يوما فعذ به فإن له ربا يسمعك. قال: فجاءه رجل فذهب به فاسترقه، فلما رأى الغلام البيت عرف الصفة فنزل يشتد حتى تعلق بالبيت، وجاءه سيده فمد يده إليه ليأخذه فيبست يده، فمد الأخرى فيبست، فاستفتى في الجاهلية فافتي ينحر عن كل واحدة من يديه بدنة، ففعل فانطلقت له يداه وترك الغلام وخلى سبيله. وأخرج الأزرقي عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث قال: غدا رجل من بني كنانة من هذيل في الجاهلية على ابن عم له يظلمه واضطهده، فناشده باللّه والرحم فابى إلا ظلمه، فلحق بالحرم فقال: اللّهم إني أدعوك دعاء جاهد مضطر على فلان ابن عمي لترمينه بداء لا دواء له. قال: ثم انصرف فوجد ابن عمه قد رمي في بطنه فصار مثل الزق، فمازالت تنتفخ حتى اشتق، قال عبد المطلب: فحدثت هذا الحديث ابن عباس فقال: رأيت رجلا دعا على ابن عم له بالعمى فرأيته يقاد أعمى. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب أنه قال: يا أهل مكة اتقوا اللّه في حرمكم هذا، أتدرون من كان ساكن حرمكم هذا من قبلكم؟ كان فيه بنو فلان فأحلوا حرمته فهلكوا، وبنو فلان فأحلوا حرمته فهلكوا، حتى عد ما شاء ثم قال: واللّه لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحب إلي من أن أعمل واحدة بمكة. وأخرج الجندي عن طاوس قال: إن أهل الجاهلية لم يكونوا يصيبون في الحرم شيئا إلا عجل لهم، ويوشك أن يرجع الأمر إلى ذلك. وأخرج الأزرقي والجندي وابن خزيمة عن عمر بن الخطاب، أنه قال لقريش: إنه كان ولاة هذا البيت قبلكم طسم، فاستخفوا بحقه واستحلوا حرمته فأهلكهم اللّه، ثم ولى بعدهم جرهم فاستخفوا بحقه واستحلوا حرمته فأهلكهم اللّه، فلا تهاونوا به وعظموا حرمته. وأخرج الأزرقي والجندي عن عمر بن الخطاب قال: لأن أخطئ سبعين خطيئة مزكية أحب إلي من أن أخطئ خطيئة واحدة بمكة. وأخرج الجندي عن مجاهد قال: تضعف بمكة السيئات كما تضعف الحسنات. وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال: بلغني أن الخطيئة بمكة مائة خطيئة، والحسنة على نحو ذلك. وأخرج أبو بكر الواسطي في فضائل بيت المقدس عن عائشة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن مكة بلد عظمه اللّه وعظم حرمته، خلق مكة وحفها بالملائكة قبل أن يخلق شيئا من الأرض يومئذ كلها بألف عام ووصل المدينة ببيت المقدس، ثم خلق الأرض كلها بعد ألف عام خلقا واحدا". أما قوله تعالى: {وارزق أهله من الثمرات} أخرج الأرزرقي عن محمد بن المنكدر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "لما وضع اللّه الحرم نقل له الطائف من فلسطين". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي قال: بلغني أنه لما دعا إبراهيم للحرم {وارزق أهله من الثمرات} نقل اللّه الطائف من فلسطين. وأخرج الن أبي حاتم والأزرقي عن الزهري قال: إن اللّه نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم عليه السلام. وأخرج الأزرقي عن سعيد بن المسيب بن يسار قال: سمعت بعض ولد نافع بن جبير بن مطعم وغيره. يذكرون أنهم سمعوا: أنه لما دعا إبراهيم بمكة أن يرزق أهله من الثمرات نقل اللّه أرض الطائف من الشام فوضعها هنالك رزقا للحرم. وأخرج الأزرقي عن محمد بن كعب القرظي قال: دعا إبراهيم للمؤمنين وترك الكفرا لم يدع لهم بشيء فقال {ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير}. وأخرج سفيان بن عينية عن مجاهد في قوله {وارزق أهله من الثمرات من آمن} قال: استرزق إبراهيم لمن آمن باللّه وباليوم الآخر قال اللّه: ومن كفر فأنا أرزقه. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {من آمن منهم باللّه} قال: كان إبراهيم احتجرها على المؤمنين دون الناس، فأنزل في قوله {ومن كفر} أيضا فأنا أرزقهم كما أرزق المؤمنين، أخلق خلقا لأرزقهم {أمتعهم قليلا ثم أضطرهم إلى عذاب النار} ثم قرأ ابن عباس (كلا نمد هؤلاء) (الإسراء الآية ٢٠) الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال أبي بن كعب في قوله {ومن كفر}: إن هذا من قول الرب قال {ومن كفر فأمتعه قليلا} وقال ابن عباس: هذا من قول إبراهيم يسأل ربه إن من كفر فأمتعه قليلا. قلت: كان ابن عباس يقرأ {فامتعه} بلفظ الأمر، فلذلك قال هو من قول إبراهيم. ١٢٧ أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: القواعد اساس البيت. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن أبي حاتم والجندي وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن جبير أنه قال: سلوني يا معشر الشباب فإني قد أوشكت أن أذهب من بين أظهركم، فأكثر الناس مسألته فقال له رجل: أصلحك اللّه أرأيت المقام أهو كما نتحدث؟ قال: وماذا كنت تتحدث؟ قال: كنا نقول أن غبراهيم حين جاء عرضت عليه امرأة إسماعيل النزول فأبى أن ينزل، فجاءت بهذا الحجر فقال: ليس كذلك فقال سعيد بن جبير: قال ابن عباس: إن أول من اتخذ المناطق من النساء أم إسماعيل، اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء، فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنس ولا شيء؟ قالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليهما. قالت له: آللّه أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذا لا يضيعنا، ثم رجعت. فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه قال (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) (إبراهيم الآية ٣٧) وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال: يتلبط. فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "فلذلك سعى الناس بينهما". فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صه، تريد نفسها، ثم تسمعت فسمعت صوتا أيضا فقالت: قد اسمعت إن كان عندك غواث - فإذا هي بالملك موضع زمزم، فنجت بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر الماء، فجعلت تخوضه بيدها وتغرف من الماء في سقائها وهي تفور بعدما تغرف. قال ابن عباس: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "يرحم اللّه أم إسماعيل لو تركت زمزم - أو قال - لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا فشربت وأرضعت ولدها". فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة فإن ههنا بيتا للّه عز وجل يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن اللّه لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كذا، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على الماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء...! فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا قال: وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا به: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا: نعم. قال ابن عباس قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس". فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معه حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل، فسأل زوجته عنه...! فقالت: خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بشر في ضيق وشدة وشكت إليه قال: إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم. جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألني عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته إنا في جهد وشدة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرئ عليك السلام، ويقول: غير عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك، فطلقها وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء اللّه، ثم أتاهم بعد ذلك فلم يجده؟ فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بخير وسعة وأثنت على اللّه. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال: فما شرابكم فقالت: الماء. فقال: اللّهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "ولم يكن لهم يومئذ حب، ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه. قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه" قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته إنا بخير. قال: أما أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، وهو يقرأ السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأنت العتبة فأمرني أن أمسكك. ثم لبث عنهم ما شاء اللّه، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا تحت دوحة قريبا من زمزم، فما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد، ثم قال: يا إسماعيل إن اللّه أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك. قال: وتعينني...؟ قال: وأعينك... قال: فإن اللّه أمرني أن أبني ههنا بيتا، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال: فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. قال معمر: وسمعت رجلا يقول: كان إبراهيم يأتيهم على البراق قال معمر: وسمعت رجلا يذكر أنهما حين التقيا بكيا حتى أجابتهما الطير. وأخرج ابن سعد في الطبقات عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم قال: أوحى اللّه عز وجل إلى إبراهيم يأمره بالمسير إلى بلده الحرام، فركب إبراهيم البراق وجعل إسماعيل أمامه وهو ابن ستين وهاجر خلفه، ومعه جبريل عليه السلام يدله على موضع البيت حتى قدم به مكة، فأنزل إسماعيل وأمه إلى جانب البيت، ثم انصرف إبراهيم إلى الشام، ثم أوحى اللّه إلى إبراهيم أن يبني البيت، وهو يومئذ ابن مائة سنة وإسماعيل يومئذ ابن ثلاثين فبناه معه، وتوفي إسماعيل بعد أبيه فدفن داخل الحجر مما يلي الكعبة مع أمه هاجر، وولي ثابت بن إسماعيل البيت بعد أبيه مع أخواله جرهم. وأخرج الديلمي عن علي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت...} الآية. قال "جاءت سحابة على تربيع البيت لها رأس تتكلم، ارتفاع البيت على تربيعي فرفعاه على تربيعها". وأخرج ابن أبي شيبة وايحق بن راهويه في مسنده وعبد بن حميد والحرث بن أبي أسامة وابن جرير وابن أبي حاتم والأزرقي والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل من طريق خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب. أن رجلا قال له: ألا تخبرني عن البيت أهو أول بيت وضع في الأرض؟ قال: لا، ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة والهدى، ومقلم إبراهيم، ومن دخله كان آمنا، ثم حدث أن إبراهيم لما أمر ببناء البيت ضاق به ذرعا فلم يدر كيف يبنيه، فأرسل اللّه إليه السكينة - وهي ريح خجوج ولها رأسان - فتطوقت له على موضع البيت، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة فبنى إبراهيم، فلما بلغ موضع الحجر قال لإسماعيل: اذهب فالتمس لي حجرا أضعه ههنا. فذهب إسماعيل يطوف في الجبال، فنزل جبريل بالحجر فوضعه، فجاء إسماعيل فقال: من أين هذا الحجر؟! قال: جاء به من لم يتكل على بنائي ولا بنائك، فلبث ما شاء اللّه أن يلبث ثم انهدم فبنته العمالقة، ثم انهدم فبنته جرهم، ثم انهدم فبنته قريش، فلما أرادوا أن يضعوا الحجر تشاحنوا في وضعه فقالوا: أول من يخرج من هذا الباب فهو يضعه، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قبل باب بني شيبة، فأمر بثوب فبسط، فأخذ الحجر فوضعه في وسطه، وأمر من كل فخذ من أفخاذ قريش رجلا يأخذ بناية الثوب فرفعوه، فأخذه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيده فوضعه في موضعه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والأزرقي والحاكم من طريق سعيد بن المسيب عن علي قال: أقبل إبراهيم على أرمينية ومعه السكينة تدله على موضع البيت كما تبني العنكبوت بيتها، فحفر من تحت السكينة فأبدى عن قواعد البيت، ما يحرك القاعدة منها دون ثلاثين رجلا. قلت: يا أبا محمد فإن اللّه يقول {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} قال: كان ذلك بعد. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في وقله {يرفع إبراهيم القواعد} قال: القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والجندي عن عطاء قال: قال آدم: أي رب ما لي لا أسمع أصوات الملائكة؟ قال: لخطيئتك، ولكن اهبط إلى الأرض فابن لي بيتا ثن احفف به كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء، فزعم الناس أنه بناه من خمسة جبال. من حراء، ولبنان، وطورزيتا، وطورسينا، والجودي، فكان هذا بناء آدم حتى بناه إبراهيم بعده. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: لما أهبط اللّه آدم من الجنة قال: إني مهبط معك بيتا يطاف حوله كما يكاف حول عرشي، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي، فلما كان زمن الطوفان رفعه اللّه إليه، فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه اللّه بعد لإبراهيم وأعلمه مكانه فبناه من خمسة جبال: حراء، ولبنان، وثيبر، وجبل الطور، وجبل الحمر، وهو جبل ببيت المقدس. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: وضع البيت على أركان الماء على أربعة قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحت البيت. وأخرج عبد الرزاق والأزرقي في تاريخ مكة والجندي عن مجاهد قال: خلق اللّه موضع البيت الحرام من قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفي سنة، وأركانه في الأرض السابعة. وأخرج ابن أبي حاتم عن علياء بن أحمر أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان قواعد البيت من خمسة جبال فقال: ما لكما ولأرضي؟! فقالا: نحن عبدان مأموران أمرنا ببناء هذه الكعبة. قال: فهاتا بالبينة على ما تدعيان. فقام خمسة أكباش فقلن: نحن نشهد أن إسماعيل وإبراهيم عبدان مأموران أمرا ببناء هذه الكعبة فقال: قد رضيت وسلمت ثم مضى. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن الحرم حرم بحياله إلى العرش، وذكر لنا أن البيت هبط مع آدم حين هبط قال اللّه له: اهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، فطاف آدم حوله ومن كان بعده من المؤمنين، حتى إذا كان زمن الطوفان حين أغرق اللّه قوم نوح رفعه وطهره فلم تصبه عقوبة أهل الأرض، فتتبع منه آدم أثرا، فبناه على أساس قديم كان قبله. وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال: بني البيت من أربعة جبال. من حراء، وطورزيتا، وطورسينا، ولبنان. وأخرج البيهقي في الدلائل عن السدي قال: خرج آدم من الجنة ومعه حجر في يده وورق في الكف الآخر، فبث الورق في الهند فمنه ما ترون من الطيب، وأما الحجر فكان ياقوتة بيضاء يستضاء بها، فلما بنى إبراهيم البيت فبلغ موضع الحجر قال لإسماعيل: ائتني بحجر أضعه ههنا، فأتاه بحجر من الجبل، فقال: غير هذا. فرده مرارا لا يرضى ما يأتيه به، فذهب مرة وجاء جبريل عليه السلام بحجر من الهند الذي خرج به آدم من الجنة فوضعه، فلما جاء إسماعيل قال: من جاءك بهذا؟! قال: من هو أنشط منك. وأخرج الثعلبي قال: سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن حبيب يقول: سمعت أبا بكر محمد بن محمد بن أحمد القطان البلخي وكان عالما بالقرآن يقول: كان إبراهيم عليه السلام يتكلم بالسريانية، وإسماعيل عليه السلام يتكلم بالعربية، وكل واحد منهما يعرف ما يقول صاحبه ولا يمكنه التفوه به، فكان إبراهيم يقول لإسماعيل: هل لي كثيبا - يعني ناولني حجرا - ويقول له إسماعيل: هاك الحجر فخذه. قال: فبقي موضع حجر فذهب إسماعيل يبغيه، فجاء جبريل عليه السلام بحجر من السماء، فأتى إسماعيل وقد ركب إبراهيم الحجر في موضعه فقال: يا أبت من أتاك بهذا؟! قال: أتاني من لم يتكل على بنائك، فأتما البيت. فذلك قوله عز وجل {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل}. وأخرج البيهقي عن ابن شهاب قال "لما بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الحلم أجمرت امرأة الكعبة، فطارت شرارة من مجمرتها في ثياب الكعبة فاحترقت فهدموها، حتى إذا بنوها فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تلي رفعه، فقالوا: تعالوا نحكم أول من يطلع علينا. فطلع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو غلام عليه وشاح نمرة، فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب، ثم أخرج سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب، ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن فكان هو يضعه، ثم طفق لا يزداد على الألسن إلا رضى حتى دعوه الأمين قبل أن ينزل عليه الوحي، فطفقوا لا ينحرون جزورا إلا التمسوه فيدعو لهم فيها". وأخرج أبو الوليد الأزرقي في تاريخ مكة عن سعيد بن المسيب قال: قال كعب الأحبار: كانت الكعبة غثاء على الماء قبل أن يخلق اللّه السموات والأرض بأربعين سنة، ومنها دحيت الأرض. وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال: خلق اللّه هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرضين. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق اللّه السموات والأرض، بعث اللّه تعالى ريحا هفافة فصفقت الريح الماء، فأبرزت عن حشفة في موضع البيت كأنها قبة، فدحا اللّه تعإلى الأرض من تحتها - فمادت ثم مادت فأوتدها اللّه بالجبال، فكان أول جبل وضع فيه أبو قبيس، فلذلك سميت أم القرى. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: كان البيت على أربعة أركان في الماء قبل أن يخلق السموات والأرض، فدحيت الأرض من تحته. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: دحيت الأرض من تحت الكعبة. وأخرج الأزرقي عن علي بن الحسين. أن رجلا سأله ما بدء هذا الطواف بهذا البيت؟ لم كان، وأنى كان، وحيث كان، فقال: أما بدء هذا الطواف بهذا البيت فإن اللّه تعالى قال للملائكة (إني جاهل في الأرض خليفة) (البقرة الآية ٣٠) فقالت: رب أي خليفة من غيرنا ممن يفسد فيها ويسفك الدماء ويتحاسدون ويتباغضون؟! أي رب اجعل ذلك الخليفه منا فنحن لا نفسد فيها ولا نسفك الدماء ولا نتباغض ولا نتحاسد ولا نتباغى، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ونطيعك ولا نعصيك. قال اللّه تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) (البقرة الآية ٣٠) قال: فظننت الملائكة أن ما قالوا رد على ربهم عز وجل، وأنه قد غضب عليهم من قولهم فلاذوا بالعرش ورفعوا رؤوسهم وأشاروا بالأصابع يتضرعون ويبكون إشفاقا لغضبه، فطافوا بالعرش ثلاث ساعات، فنظر اللّه إليهم فنزلت الرحمة عليهم، فوضع اللّه سبحانه تحت العرش بيتا على أربع أساطين من زبرجد وغشاهن بياقوتة حمراء وسمى البيت الضراح، ثم قال اللّه للملائكة: طوفوا بهذا البيت ودعو العرش، فطافت الملائكة بالبيت وتركوا العرش فصار أهون عليهم، وهو البيت المعمور الذي ذكره اللّه يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبدا، ثم إن اللّه تعالى بعث ملائكته فقال: ابنوا لي بيتا في الأرض بمثاله وقدره، فأمر اللّه سبحانه من في الأرض من خلقه أن يطوفوا بهذا البيت كما تطوف أهل السماء بالبيت المعمور. وأخرج الأزرقي عن ليث بن معاذ قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "هذا البيت خامس خمسة عشر بيتا، سبعة منها في السماء وسبعة منها إلى تخوم الأرض السفلى، وأعلاها الذي يلي العرش البيت المعمور، لكل بيت منها حرم كحرم هذا البيت، لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض إلى تخوم الأرض السفلى، ولكل بيت من أهل السماء ومن أهل الأرض من يعمره كما يعمر هذا البيت". وأخرج الأزرقي عن عمرو بن يسار المكي قال: بلغني أن اللّه إذا أراد أن يبعث ملكا من الملائكة لبعض أموره في الأرض استأذنه ذلك الملك في الطواف ببيته، فهبط الملك مهلا. وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن وهب بن منبه قال: لما تاب اللّه على آدم أمره أن يسير إلى مكة فطوى له المفاوز والأرض، فصار كل مفاوزة يمر بها خطوة وقبض له ما كان فيها من مخاض أو بحر فجعله له خطوة، فلم يضع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة، حتى انتهى إلى مكة فكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان به من عظم المصيبة، حتى أن كانت الملائكة لتبكي لبكائه وتحزن لحزنه، فعزاه اللّه بخيمة من خيام الجنة، وضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة. وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة، فيها ثلاث قناديل من ذهب، فيها نور يلتهب من نور الجنة، ونزل معها يومئذ الركن، وهو يومئذ ياقوتة بيضاء من ربض الجنة، وكان كرسيا لآدم يجلس عليه، فلما صار آدم بمكة حرسه اللّه وحرس له تلك الخيمة بالملائكة، كانوا يحرسونها ويذودون عنها سكان الأرض وساكنها يومئذ الجن والشياطين، ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة لأنه من نظر إلى شيء من الجنة وجبت له، والأرض يومئذ طاهرة نقية طيبة لم تنجس، ولم يسفك فيها الدم، ولم يعمل فيها بالخطايا، فلذلك جعلها اللّه مسكن الملائكة، وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون. وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفا واحدا مستدبرين بالحرم كله من خلفهم والحرم كله أمامهم، ولا يجوزهم جني ولا شيطان من أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم، ووضعت أعلامه حيث كان مقام الملائكة، وحرم اللّه على حواء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم من أجل خطيئتها التي أخطأت في الجنة، فلم تنظر إلى شيء من ذلك حتى قبضت، وإن آدم إذا أراد لقاءها ليلة ليلم بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها، فلم تزل خيمة آدم مكانها حتى قبض اللّه آدم ورفعها إليه، وبنى بنو آدم من بعدها مكانها بيتا بالطين والحجارة، فلم يزل معمورا يعمرونه ومن بعدهم حتى كان زمن نوح، فنسفه الغرق وخفي مكانه، فلما بعث اللّه إبراهيم خليله طلب الأساس الأول الذي وضع بنو آدم في موضع الخيمة، فلم يزل يحفر حتى وصل إلى القواعد التي وضع بنو آدم في موضع الخيمة، فلما وصل إليها ظلل اللّه له مكان البيت بغمامة، فكانت حفاف البيت الأول، فلم تزل راكدة على حفافه تظل إبراهيم وتهديه مكان القواعد حتى رفع القواعد قامة، ثم انكشفت الغمامة فذلك قوله عز وجا (وإذ بؤانا لإبراهيم مكان البيت) (الحج الآية ٢٦) للغمامة التي ركدت على الحفاف لتهديه مكان القواعد، فلم يزل يحمد اللّه مذ رفعه اللّه معمورا. قال وهب بن منبه: وقرأت في كتاب من كتب الأول ذكر فيه أمر الكعبة، فوجد فيه أن ليس من ملك بعثه اللّه إلى الأرض إلا أمره بزيارة البيت، فينقض من عند العرش محرما ملبيا حتى يستلم الحجر، ثم يطوف سبعا بالبيت ويصلي في جوفه ركعتين، ثم يصعد. وأخرج الجندي في فضائل مكة عن وهب بن منبه قال: ما بعث اللّه ملكا قط ولا سحابة، فيمر حيث بعث حتى يطوف بالبيت ثم يمضي حيث أمر. وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عمرو قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "بعث اللّه جبريل إلى آدم وحواء فقال لهما: ابنيا بيتا. فخط لهما جبريل، فجعل آدم يحفر وحواء تنقل حتى أجابه الماء نودي من تحته: حسبك يا آدم. فلما بنياه أوحى اللّه إليه: أن يطوف به، وقيل له: أنت أول الناس وهذا أول بيت، ثم تناسخت القرون حتى حجة نوح، ثم تناسخت القرون حتى رفع إبراهيم القواعد منه". وأخرج ابن اسحاق والأزرقي والبيهقي في الدلائل عن عروة قال: ما من نبي إلا وقد حج البيت إلا ما كان من هود وصالح، ولقد حجه نوح فلما كان في الأرض ما كان من الغرق أصاب البيت ما أصاب الأرض، وكان البيت ربوة حمراء فبعث اللّه عز وجل هودا، فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه اللّه إليه، فلم يحجه حتى مات، فلما بؤاه اللّه لإبراهيم عليه السلام حجه، ثم لم يبق نبي بعده إلا حجه. وأخرج أحمد في الزهد عن مجاهد قال: حج البيت سبعون نبيا، منهم موسى ابن عمران عليه عباءتان قطوانيتان، ومنهم يونس يقول: لبيك كاشف الكرب. وأخرج الأزرقي وأبو الشيخ في العظمة وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما أهبط اللّه آدم إلى الأرض من الجنة كان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وهو مثل الفلك من رعدته، فطأطأ اللّه منه لإلى ستين ذراعا فقال: يا رب مالي لا أسمع أصوات الملائكة ولا حسهم؟ قال: خطيئتك يا آدم ولكن اذهب فابن لي بيتا فطف به، واذكرني حوله كنحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي، فأقبل آدم يتخطى فطويت له الأرض، وقبض اللّه له المفاوز فصارت كل مفاوزة يمر بها خطوة، وقبض اللّه ما كان فيها من مخاض أو بحر، فجعله له خطوة ولم يقع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة، حتى انتهى إلى مكة فبنى البيت الحرام، وأن جبريل عليه السلام ضرب بجناحه الأرض، فأبرز عن أس ثابت على الأرض السابعة، فقذفت فيه الملائكة الصخر، ما يطيق الصخرة منها ثلاثون رجلا، وأنه بناه من خمسة أجبل. من لبنان، وطورزيتا، وطورسينا، والجودي، وحراء، حتى استوى على وجه الأرض، فكان أول من أسس البيت وصلى فيه وطاف آدم عليه السلام، حتى بعث اللّه الطوفان فكان غضبا ورجسا، فحيثما انتهى الطوفان ذهب ريح آدم عليه السلام، ولم يقرب الطوفان أرض السند والهند، فدرس موضعه الطوفان حتى بعث اللّه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فرفعا قواعده وأعلامه، ثم بنته قريش بعد ذلك وهو بحذاء البيت المعمور، لو سقط ما سقط إلا عليه. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: لما أهبط آدم إلى الأرض أهبطه إلى موضع البيت الحرام وهو مثل الفلك من رعدته، ثم نزل عليه الحجر الأسود وهو يتلألأ من شدة بياضه، فأخذه آدم فضمه إليه آنسا به، ثم نزل عليه القضاء فقيل له: تخط يا آدم، فتخطى فإذا هو بأرض الهند أو السند فمكث بذلك ما شاء اللّه، ثم استوحش إلى الركن فقيل له: احجج. فحج فلقيته الملائكة فقالوا: بر حجك يا آدم، ولقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. وأخرج الأزرقي عن أبان. أن البيت أهبط باقوتة واحدة، أو ذرة واحدة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان البيت من ياقوتة حمراء، ويقولون: من زمردة خضراء. وأخرج الأزرقي عن عطاء بن أبي رباح قال: لما بنى ابن الزبير الكعبة أمر العمال أن يبلغوا في الأرض، فبلغوا صخرا أمثال الإبل الخلف قال زيد: فاحفروا فلما زادوا بلغوا هواء من نار فقال: مالكم؟! قالوا: لسنا نستطيع أن نزيد رأينا أمرا عظيما، فقال لهم: ابنوا عليه. قال عطاء: يروون أن ذلك الصخر مما بنى آدم عليه السلام. وأخرج الأزرقي عن عبيد اللّه بن أبي زياد قال: لما أهبط اللّه آدم من الجنة قال: يا آدم ابن لي بيتا بحذاء بيتي الذي في السماء، تتعبد فيه أنت وولدك كما يتعبد ملائكتي حول عرشي، فهبطت عليه الملائكة فحفر حتى بلغ الأرض السابعة، فقذف فيه الملائكة الصخر حتى أشرف على وجه الأرض، وهبط آدم بياقوتة حمراء مجوفة لها أربعة أركان بيض فوضعها على الأساس، فلم تزل الياقوتة كذلك حتى كان زمن الغرق فرفعها اللّه. وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال: أخبرني سعيد أن آدم عليه السلام حج على رجليه سبعين حجة ماشيا، وأن الملائكة لقيته بالمأزمين فقالوا: بر حجك يا آدم، أما إنا قد حججنا قبلك بألفي عام. وأخرج الأزرقي عن مقاتل يرفع الحديث إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم. أن آدم عليه السلام قال: أي رب إني أعرف شقوتي لا أرى شيئا من نورك بعد، فأنزل اللّه عليه البيت الحرام على عرض البيت الذي في السماء وموضعه من ياقوت الجنة، ولكن طوله ما بين السماء والأرض، وأمره أن يطوف به فاذهب عنه الهم الذي كان قبل ذلك، ثم رفع على عهد نوح عليه السلام.وأخرج الأزرقي من طريق ابن جريج عن مجاهد قال: بلغني أنه لما خلق اللّه السموات والأرض كان أول شيء وضعه فيها البيت الحرام، وهو يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان أحدهما شرقي والأخر غربي، فجعله مستقبل البيت المعمور، فلما كان زمن الغرق رفع في ديباجتين فهو فيهما إلى يوم القيامة، واستودع اللّه الركن أبا قبيس قال ابن عباس: كان ذهبا فرفع في زمان الغرق. قال ابن جريج: قال جويبر: كان بمكة البيت المعمور، فرفع زمن الغرق فهو في السماء. وأخرج الأزرقي عن عروة بن الزبير قال: بلغني أن البيت وضع لآدم عليه السلام يطوف به ويعبد اللّه عنده، وأن نوحا قد حجه وجاءه وعظمه قبل الغرق، فلما أصاب الأرض من الغرق حين أهلك اللّه قوم نوح أصاب البيت ما أصاب الأرض، فكان ربوة حمراء معروف مكانه، فبعث اللّه هودا إلى عاد فتشاغل بأمر قومه حتى هلك ولم يحجه، ثم بعث اللّه صالحا إلى ثمود فتشاغل حتى هلك ولم يحجه، ثم بوأه اللّه لإبراهيم عليه السلام فحجه وعلم مناسكه ودعا إلى زيارته، ثم لم يبعث اللّه نبيا بعد إبراهيم إلا حجه. وأخرج الأزرقي عن أبي قلابة قال: قال اللّه لآدم: إني مهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي، فلم يزل حتى كان زمن الطوفان، فرفع حتى بوئ لإبراهيم مكانه فبناه من خمسة جبال. من حراء، وثبير، ولبنان، والطور، والجبل الأحمر. وأخرج الجندي عن معمر قال: إن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا حتى إذا غرق قوم نوح رفعه وبقي أساسه، فبوأه اللّه لإبراهيم فبناه بعد ذلك. وذلك قوله تعالى {وإذ يرفه إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} واستودع الركن أبا قبيس حتى إذا كان بناء إبراهيم نادى أبو قبيس إبراهيم فقال يا إبراهيم: هذا الركن فجاء فحفر عنه فجعله في البيت حين بناه إبراهيم عليه السلام. وأخرج الأصبهاني في ترغيبه وابن عساكر عن أنس. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: أوحى اللّه إلى آدم أن يا آدم حج هذا البيت قبل أن تحدث بك حدث. قال: وما يحدث علي يا رب؟ قال: ما لا تدري وهو الموت. قال: وما الموت؟ قال: سوف تذوق. قال: ومن أستخلف في أهلي؟ قال: اعرض ذلك على السموات والأرض والجبال، فعرض على السموات فأبت، وعرض على الأرض فأبت، وعرض على الجبال، وقبله ابنه قاتل أخيه، فخرج آدم من أرض الهند حاجا، فما نزل منزلا أكل فيه وشرب إلا صار عمرانا، وقرى حتى قدم مكة فاستقبله الملائكة بالبطحاء، فقالوا: السلام عليك يا آدم، بر حجك. أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"والبيت يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان، من يطوف يرى من جوف البيت، ومن في جوف البيت يرى من يطوف "فقضى آدم نسكه، فأوحى اللّه إليه: يا آدم قضيت نسكك؟ قال: نعم، يا رب قال: فسل حاجتك تعط. قال: حاجتي أن تغفر لي ذنبي وذنب ولدي. قال: أما ذنبك يا آدم فقد غفرناه حين وقعت بذنبك، وأما ذنب ولدك فمن عرفني وآمن بي وصدق رسلي وكتابي غفرنا له ذنبه. وأخرج ابن خزيمة وأبو الشيخ في العظمة والديلمي عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن آدم أتى هذا البي ألف أتية، لم يركب قط فيهن من الهند على رجليه، من ذلك ثلثمائة حجة وسبعمائة عمرة، وأول حجة حجها آدم وهو واقف بعرفات أتاه جبريل فقال: يا آدم بر نسكك، أما إنا قد طفنا بهذا البيت قبل أن تخلق بخمسين ألف سنة". وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: أول من طاف بالبيت الملائكة، وإن ما بين الحجر إلى الركن اليماني لقبور من قبور الأنبياء، كان النبي منهم عليهم السلام، إذا آذاه قومه خرج من بين أظهرهم فعبد اللّه فيها حتى يموت. وأخرج الأزرقي والبيهقي في شعب الإيمان عن وهب بن منبه "أن آدم لما أهبط إلى الأرض استوحش فيها لما رأى من سعتها، ولم يرى فيها أحد غيره فقال: يا رب أما لأرضك هذه عامر يسبحك فيها ويقدس لك غيري؟! قال اللّه: إني سأجعل فيها من ذريتك من يسبح بحمدي ويقدس لي، وسأجعل فيها بيوتا ترفع لذكري فيسبح فيها خلقي، سأبوئك فيها بيتا أختاره لنفسي، وأخصه بكرامتي، وأوثره على بيوت الأرض كلها باسمي، واسمه بيتي، أنطقه بعظمتي، وأحوزه بحرمتي، وأجعله أحق البيوت كلها، وأولاها بذكري، وأضعه في البقعة المباركة التي اخترت لنفسي، فإني اخترت مكانه يوم خلقت السموات والأرض، وقبل ذلك قد كان بغيتي فهو صفوتي من البيوت ولست أسكنه، وليس ينبغي أن أسكن البيوت، ولا ينبغي لها أن تحملني، أجعل ذلك البيت لك ومن بعدك حرما وأمنا، أحرم بحرمته ما فوقه وما تحته وما حوله، حرمته بحرمتي فقد عظم حرمتي، ومن أحله فقد أباح حرمتي، من أمن أهله استوجب بذلك أماني، ومن أخافهم فقد أخفرني في ذمتي، ومن عظم شأنه فقد عظم في عيني، ومن تهاون به صغر عندي. ولكل ملك حيازة وبطن مكة حوزتي التي اخترت لنفسي دون خلقي، فأنا اللّه ذو بكة، أهلها خفرتي وجيران بيتي، وعمارها وزوارها وفدي وأضيافي وضماني وذمتي وجواري، أجعله أول بيت وضع للناس، وأعمره بأهل السماء وأهل الأرض يأتونه أفواجا شعثا غبرا على كل ضامر يأتين من كل فج عميق، يعجون بالتكبير عجيجا، يرجون بالتلبية رجيجا، فمن اعتمره وحق الكريم أن يكرم وفده وأضيافه وزواره، وأن يسعف كل واحد منهم بحاجته تعمره يا آدم ما كنت حيا، ثم يعمره من بعدك الأمم والقرون والأنبياء من ولدك، أمة بعد أمة، وقرنا بعد قرن، ونبيا بعد نبي، حتى ينتهي ذلك إلى نبي من ولدك يقال له محمد وهو خاتم النبيين، فأجعله من عماره وسكانه وحماته وولاته وحجابه وسقته، يكون أميني عليه ما كان حيا، فإذا انقلب إلي وجدني قد ادخرت له من أجره ونصيبه ما يتمكن به من القربة إلي والوسيلة عندي، وأفضل المنازل في دار المقامة. وأجعل اسم ذلك البيت وذكره وشرفه ومجده وسناه مكرمة لنبي من ولدك يكون قبيل هذا النبي وهو أبوه يقال له إبراهيم، أرفع له قواعده، وأقضي على يديه عمارته، وأنيط له سقايته، وأريه حله وحرمه ومواقفه، وأعلمه مشاعره ومناسكه، وأجعل أمة واحدة قانتا بأمري داعيا إلى سبيلي، وأجتبيه وأهديه إلى صراط مستقيم. أبتليه فيصبر، وأعافيه فيشكر، وآمره فيفعل، وينذر لي فيفي، ويعدني فينجز، وأستجيب دعوته في ولده وذريته من بعده، وأشفعه فيهم وأجعلهم أهل ذلك البيت وحماته وسقاته وخدمه وخزنته وحجابه، حتى يبتدعوا ويغيروا ويبدلوا. فإذا فعلوا ذلك فأنا أقدر القادرين على أن استبدل من اشاء بمن أشاء، وأجعل إبراهيم إمام ذلك وأهل تلك الشريعة، يأتم به من حضر تلك المواطن من جميع الإنس والجن، يطأون فيها آثاره، ويتبعون فيها سنته، ويقتدون فيها بهديه، فمن فعل ذلك منهم أوفى بنذره، واستكمل نسكه، وأصاب بغيته، ومن لم يفعل ذلك منهم ضيع نسكه، وأخطأ بغيته، ولم يوف بنذره. فمن سأل عني يومئذ في تلك المواطن أين أنا؟ فأنا من الشعث الغبر الموبقين الموفين بنذرهم، المستكملين مناسكهم، المتبتلين إلى ربهم الذي يعلم ما يبدون وما يكتمون. وأخرجه الجندي عن عكرمة ووهب بن منبه رفعاه إلى ابن عباس بمثله سواء". وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس بن مالك "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: كان موضع البيت في زمن آدم عليه السلام شبرا أو أكثر علما، فكانت الملائكة تحج إليه قبل آدم، ثم حج فاستقبلته الملائكة قالوا: يا آدم من أين جئت؟ قال: حججت البيت. فقالوا: قد حجته الملائكة قبلك بألفي عام". وأخرج البيهقي عن عطاء قال: أهبط آدم بالهند فقال: يا رب مالي لا أسمع صوت الملائكة كما كنت أسمعها في الجنة؟! فقال له: لخطيئتك يا آدم، فانطلق فابن لي بيتا فتطوف به كما رأيتهم يتطوفون. فانطلق حتى أتى مكة فبنى البيت، فكان موضع قدمي آدم قرى وأنهارا وعمارة ومابين خطاه مفاوز، فحج آدم البيت من الهند أربعين سنة. وأخرج البيهقي عن وهب بن منبه قال: لما تاب اللّه على آدم وأمره أن يسير إلى مكة فطوى له الأرض حتى انتهى إلى مكة، فلقيته الملائكة بالأبطح فرحبت به وقالت له: يا آدم إنا لننظرك بر حجك، أما أنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، وأمر اللّه جبريل فعلمه المناسك والمشاعر كلها، وانطلق به حتى أوقفه في عرفات والمزدلفة وبمنى وعلى الجمار، وأنزل عليه الصلاة والزكاة والصوم والاغتسال من الجنابة. قال: وكان البيت على عهد آدم ياقوتة حمراء يلتهب نورا من ياقوت الجنة، لها بابان شرقي وغربي من ذهب من تبر الجنة، وكان فيها ثلاث قناديل من تبر الجنة، فيها نور يلتهب بابها بنجوم من ياقوت أبيض، والركن يومئذ نجم من نجومها ياقوتة بيضاء، فلم يزل على ذلك حتى كان في زمان نوح وكان الغرق، فرفع من الغرق فوضع تحت العرش ومكثت الأرض خرابا ألفي سنة. فلم يزل على ذلك حتى كان إبراهيم فأمره أن يبني بيتي، فجاءت السكينة كأنها سحابة فيها رأس تتكلم، لها وجه كوجه الإنسان، فقالت: يا إبراهيم خذ قدر ظلي فابن عليه ولا تزد ولا تنقص. فأخذ إبراهيم قدر ظلها ثم بنى هو وإسماعيل البيت، ولم يجعل له سقفا فكان الناس يلقون فيه الحلى والمتاع، حتى إذا كاد أن يمتلئ أنفذ له خمسون نفرا ليسرقوا ما فيه، فقام كل واحد على زاوية واقتحم الخامس فسقط على رأسه فهلك، وبعث اللّه عند ذلك حية بيضاء سوداء الرأس والذنب، فحرست البيت خمسمائة عام لا يقربه أحد إلا أهلكته، فلم يزل حتى بنته قريش. وأخرج الأزرقي والبيهقي عن عطاء. أن عمر بن الخطاب سأل كعبا فقال أخبرني عن هذا البيت ما كان أمره؟ فقال: إن هذا البيت أنزله اللّه من السماء ياقوتة حمراء مجوفة مع آدم، فقال: يا آدم إن هذا بيتي فطف حوله وصل حوله كما رأيت ملائكتي تطوف حول عرشي وتصلي، و نزلت معه الملائكة فرفعوا قواعده من حجارة، ثم وضع البيت على القواعد، فلما أغرق اللّه قوم نوح رفعه اللّه إلى السماء وبقيت قواعده. وأخرج البيهقي من طريق عطاء بن أبي رباح عن كعب الأحبار قال: شكت الكعبة إلى ربها وبكت إليه، فقالت: أي رب قل زواري وجفاني الناس...! فقال اللّه لها"إني محدث لك إنجيلا، وجاعل لك زوارا يحنون إليك حنين الحمامة إلى بيضاتها". وأخرج الأزرقي والبيهقي من طريق عبد الرحمن بن سابط عن عبد اللّه بن ضمرة السلولي قال: ما بين المقام إلى الركن إلى بئر زمزم إلى الحجر قبر سبعة وسبعين نبيا، جاؤوا حاجين فماتوا فقبروا هنالك. وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: أقبل تبع يريد الكعبة، حتى إذا كان بكراع الغميم بعث اللّه عليه ريحا لا يكاد القائم يقوم إلا عصفته، وذهب القائم ليقعد فيصرع وقامت عليهم، ولقوا منها عناء، ودعا تبع حبريه فسألهما ما هذا الذي بعث علي؟ قالا: أو تؤمننا؟ قال: أنتم آمنون. قالا: فإنك تريد بيتا يمنعه اللّه ممن أراده. قال: فما يذهب هذا عني؟ قالا: تجرد في ثوبين، ثم تقول لبيك لبيك، ثم تدخل فتطوف بذلك البيت ولا تبيح أحدا من أهله. قال: فإن أجمعت على هذا ذهبت هذه الريح عني؟ قالا: نعم. فتجرد ثم لبى. قال ابن عباس: فأدبرت الريح كقطع الليل المظلم. وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: لما نظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الكعبة فقال "مرحبا بك من بيت، ما أعظمك وأعظم حرمتك، وللمؤمن أعظم عند اللّه حرمة منك". وأخرج الطبراني في الأوسط عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "أنه نظر إلى الكعبة فقال: لقد شرفك اللّه وكرمك، والمؤمن أعظم حرمة منك". وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر قال "لما افتتح النبي صلى اللّه عليه وسلم مكة استقبلها بوجهه، وقال: أنت حرام ما أعظم حرمتك، وأطيب ريحك، وأعظم حرمة عند اللّه منك المؤمن". وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي عن مكحول "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما رأى البيت حين دخل مكة رفع يديه، وقال: اللّهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا". وأخرج الشافعي في الأم عن ابن جريج "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه، وقال: اللّهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أواعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا". وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن للكعبة لسانا وشفتين، وقد اشتكت فقالت: يا رب قل عوادي وقل زواري. فأوحى اللّه: إني خالق بشرا خشعا سجدا، يحنون إليك كما تحن الحمامة إلى بيضها". وأخرج الأزرقي عن جابر الجزري قال: جلس كعب الأحبار أو سلمان الفارسي بفناء البيت فقال: شكت الكعبة إلى ربها ما نصب حولها من الأصنام وما استقسم به من الأزلام، فأوحى اللّه إليها: إني منزل نورا، وخالق بشرا يحنون إليك حنين الحمام إلى بيضه، ويدفون إليك دفيف النسور. فقال له قائل: وهل لها لسان؟ قال: نعم، وأذنان وشفتان. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس. أن جبريل وقف على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعليه عصابة خضراء قد علاها الغبار، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما هذا الغبار الذي أدى على عصابتك؟ قال: إني زرت البيت فازدحمت الملائكة على الركن، فهذا الغبار الذي ترى مما تثير بأجنحتها". وأخرج الأزرقي عن أبي هريرة قال: حج آدم عليه السلام فقضى المناسك، فلما حج قال: يا رب إن لكل عامل أجرا قال اللّه تعالى: أما أنت يا آدم فقد غفرت لك، وأما ذريتك فمن جاء منهم هذا البيت فباء بذنبه غفرت له. فحج آدم عليه السلام فاستقبلته الملائكة بالردم، فقالت: بر حجك يا آدم، قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. قال: فما كنتم تقولون حوله؟ قالوا: كنا نقول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر. قال: فكان آدم إذا طاف يقول هؤلاء الكلمات، فكان طواف آدم سبع أسابيع بالليل وخمسة أسابيع بالنهار. وأخرج الأزرقي والجندي وابن عساكر عن ابن عباس قال: حج آدم فطاف بالبيت سبعا، فلقيته الملائكة في الطواف فقالوا: بر حجك يا آدم، أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. قال: فماذا كنتم تقولون حوله؟ قالوا: كنا نقول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر. قال آدم: فزيدوا فيها ولا حول ولا قوة إلا باللّه، فزادت الملائكة فيها ذلك، ثم حج إبراهيم بعد بنائه البيت، فلقيته الملائكة في الطواف فسلموا عليه فقال لهم: ماذا كنتم تقواون في طوافكم؟ قالوا: كنا نقول قبل أبيك آدم سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر فأعلمناه ذلك، فقال: زيدوا ولا حول ولا قوة إلا باللّه. فقال إبراهيم: زيدوا فيها العلي العظيم. فقالت الملائكة ذلك. وأخرج الجندي والديلمي عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "كان البيت قبل هبوط آدم ياقوتة من يواقيت الجنة، وكان له بابان من زمرد أخضر، باب شرقي وباب غربي، وفيه قناديل من الجنة، والبيت المعمور الذي في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة حذاء الكعبة الحرام، وأن اللّه عز وجل لما أهبط آدم إلى موضع الكعبة وهو مثل الفلك من شدة رعدته، وأنزل عليه الحجر الأسود وهو يتلألأ كأنه لؤلؤة فأخذه آدم فضمه إليه استئناسا، ثم أخذ اللّه من بني آدم ميثاقهم فجعله في الحجر الأسود، ثم أنزل على آدم العصا، ثم قال: يا آدم تخط. فتخطى فإذا هو بأرض الهند، فمكث هناك ما شاء اللّه ثم استوحش إلى البيت، فقيل له: احجج يا آدم. فأقبل يتخطى، فصار كل موضع قدم قرية وما بين ذلك مفازة حتى قدم مكة، فلقيته الملائكة فقالوا: بر حجك يا آدم، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. قال: فما كنتم تقولون حوله؟ قالوا: كنا نقول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر. وكان آدم إذا طاف بالبيت قال هؤلاء الكلمات، وكان آدم يطوف سبعة أسابيع بالنهار. قال آدم: يا رب اجعل لهذا البيت عمارا يعمرونه من ذريتي، فأوحى اللّه تعالى أني معمره نبيا من ذريتك اسمه إبراهيم، أتخذه خليلا أقضي على يديه عمارته، وأنيط له سقايته، وأريه حله وحرمه ومواقفه، وأعلمه مشاعره ومناسكه. وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم "إن آدم سأل ربه فقال: يا رب أسألك من حج هذا البيت من ذريتي لا يشرك بك شيئا أن تلحقه بي في الجنة. فقال اللّه تعالى: يا آدم من مات في الحرم لا يشرك بي شيئا بعثته آمنا يوم القيامة". وأخرج الجندي عن مجاهد. أن آدم طاف بالبيت، فلقيته الملائكة فصافحته وسلمت عليه، وقالت: بر حجك يا آدم، طف بهذا البيت فإنا قد طفناه قبلك بألفي عام. قال لهم آدم: فما كنتم تقولون حوله؟ قالوا: كنا نقول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر. قال آدم: وأنا أزيد فيها ولا حول ولا قوة إلا باللّه. وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال: كان موضع الكعبة قد خفي ودرس زمان الغرق فيما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام، وكان موضعه أكمة حمراء مدرة لا تعلوها السيول، غير أن الناس يعلمون أن موضع البيت فيما هنالك ولا يثبت موضعه، وكان يأتيه المظلوم والمتعوذ من أقطار الأرض ويدعو عنده المكروب، فقل من دعا هنالك إلا استجب له، فكان الناس يحجون إلى موضه البيت حتى بوأ اللّه مكانه لإبراهيم عليه السلام، لما أراد من عمارة بيته وإظهار دينه وشعائره، فلم يزل منذ اهبط اللّه آدم إلى الأرض معظما محرما بيته تتناسخه الأمم والملل أمة بعد أمة وملة بعد ملة. قال: وقد كانت الملائكة تحجه قبل ذلك. وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال: بلغنا - واللّه أعلم - أن إبراهيم خليل اللّه عرج به إلى السماء، فنظر إلى الأرض مشارقها ومغاربها فاختار موضع الكعبة، فقالت له الملائكة: يا خليل اللّه اخترت حرم اللّه في الأرض، فبناه من حجارة سبعة أجبل ويقولون خمسة، فكانت الملائكة تأتي بالحجارة إلى إبراهيم عليه السلام من تلك الجبال. وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال: أقبل إبراهيم عليه السلام والسكينه والصرد والملك من الشام، فقالت السكينة: يا إبراهيم ربض على البيت، فلذلك لا يطوف بالبيت ملك من جبابرة الملوك، ولا أعرابي نافر إلا وعليه السكينة والوقار. وأخرج الأزرقي عن بشر بن عاصم قال: أقبل إبراهيم من أرمينية معه السكينة والملك والصرد دليلا، به يتبوأ إبراهيم كما تتبوأ العنكبوت بيتها، فرفع صخرة فما رفعها عنه إلا ثلاثون رجلا، فقالت السكينة: ابن علي. فلذلك لا يدخله أعرابي نافر ولا جبار إلا رأيت عليه السكينة. وأخرج الأزرقي عن علي بن أبي طالب قال: أقبل إبراهيم والملك والسكينة والصرد دليلا، حتى تبوأ البيت كما تبوأت العنكبوت بيتها، فحفر ما برز عن أسها أمثال خلف الإبل لا يحرك الصخرة إلا ثلاثون رجلا، ثم قال اللّه لإبراهيم: قم فابن لي بيتا. قال: يا رب وأين؟ قال: سنريك. فبعث اللّه سحابة فيها رأس يكلم إبراهيم، فقال: يا إبراهيم إن ربك يأمرك أن تخط قدر هذه السحابة، فجعل ينظر إليها ويأخذ قدرها. فقال له الرأس: أقد فعلت؟ قال: نعم. قال: فارتفعت السحابة، فأبرز عن أس نابت من الأرض، فبناه إبراهيم عليه السلام. وأخرج الأزرقي عن قتدة في قوله {وإذ يرفه إبراهيم القواعد من البيت} قال: ذكر لنا أنه بناه من خمسة أجبل. من طورسينا، وطورزيتا، ولبنان، والجودي، وحراء، وذكر لنا أن قواعده من حراء. وأخرج الأزرقي عن الشعبي قال: لما أمر إبراهيم أن يبني البيت وانتهى إلى موضع الحجر قال لإسماعيل: ائتني بحجر ليكون علما للناس يبتدئون منه الطواف، فأتاه بحجر فلم يرضه، فأتى إبراهيم بهذا الحجر ثم قال: أتاني به من لم يكلني إلى حجرك. وأخرج الأزرقي عن عبد اللّه بن عمرو أن جبريل عليه السلام هو الذي نزل عليه بالحجر من الجنة، وأنه وصعه حيث رأيتم، وأنكم لن تزالوا بخير ما دام بين ظهرانيكم، فتمسكوا به ما استطعتم فإنه يوشك أن يجيء فيرجع به إلى حيث جاء به. وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن خزيمة عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "نزل الحجر الأسود من الجنة وهوأشد بياضا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم". وأخرج البزار عن أنس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "الحجر الأسود من حجارة الجنة". وأخرج الأزرقي والجندي عن مجاهد قال: الركن من الجنة، ولو لم يكن من الجنة لفني. وأخرج الأزرقي والجندي عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "لولا ما طبع من الركن من أنجاس الجاهلية وأرجاسها وأيدي الظلمة والأثمة لاستشفي به من كل عاهة، ولألقاه اليوم كهيئته يوم خلقه اللّه، وإنما غيره اللّه بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة، وإنه لياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة، فوضعه اللّه يومئذ لآدم حين أنزله في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة، والأرض يومئذ طاهرة لم يعمل فيها بشيء من المعاصي وليس لها أهل ينجسونها، ووضع لها صفا من الملائكة على أطراف الحرم يحرسونه من جان الأرض، وسكانها يومئذ الجن وليس ينبغي لهم أن ينظروا إليه لأنه من الجنة، ومن نظر إلى الجنة دخلها، فهم على أطراف الحرم حيث أعلامه اليوم محدقون به من كل جانب بينه وبين الحرم". وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إن البيت الذي بوأه اللّه لآدم كان من ياقوتة حمراء لها بابان أحدهما شرقي والآخر غربي، فكان فيها قناديل من نور الجنة، آنيتها الذهب منظومة بنجوم من ياقوت أبيض، والركن يومئذ نجم من نجومه، ووضع لها صفا من الملائكة على أطراف الحرم، فهم اليوم يذبون عنه لأنه شيء من الجنة، لا ينبغي أن ينظر إليه إلا من وجبت له الجنة ومن نظر إليها دخلها، وإنما سمي الحرم لأنهم لا يجاوزونه، وإن اللّه وضع البيت لآدم حيث وضعه والأرض يومئذ طاهرة لم يعمل عليها شيء من المعاصي، وليس لها أهل ينجسونها، وكان سكانها الجن". وأخرج الجندي عن ابن عباس قال: الحجر الأسود يمين اللّه في الأرض، فمن لم يدرك بيعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاستلم الحجر فقد بايع اللّه ورسوله. وأخرج الأزرقي والجندي عن ابن عباس قال: إن هذا الركن الأسود يمين اللّه في الأرض يصافح به عباده. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: ليس في الأرض من الجنة إلا الركن الأسود والمقام، فهما جوهرتان من جوهر الجنة، ولولا ما مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه اللّه تعالى. وأخرج الأزرقي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: نزل الركن وإنه لأشد بياضا من الفضة، ولولا ما مسه من أنجاس الجاهلية وأرجاسهم ما مسه ذو عاهة إلا برئ. وأخرج الأزرقي عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أكثروا استلام هذا الحجر فإنكم توشكون أن تفقدوه، بينما الناس يطوفون به ذات ليلة إذ أصبحوا وقد فقدوه، إن اللّه لا ينزل شيئا من الجنة إلا أعاده فيها قبل يوم القيامة". وأخرج الأزرقي عن يوسف بن ماهك قال: إن اللّه جعل الركن عيد أهل هذه القبلة كما كانت المائدة عيدا لبني إسرائيل، وإنكم لن تزالوا بخير ما دام بين ظهرانيكم، وأن جبريل عليه السلام وضعه في مكانه. وأخرج الأزرقي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: إن اللّه يرفع القرآن من صدور الرجال والحجر الأسود قبل يوم القيامة. وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال: كيف بكم إذا أسرى بالقرآن فرفع من صدوركم، ونسخ من قلوبكم، ورفع الركن؟ وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال: بلغني أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "أول ما يرفع الركن والقرآن ورؤيا النبي في المنام". وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن عبد اللّه بن عمرو قال: حجوا هذا البيت واستلموا هذا الحجر، فواللّه ليرفعن أو ليصيبه أمر من السماء، إن كانا لحجرين إهبطا من الجنة فرفع أحدهما وسيرفع الآخر، وإن لم يكن كما قلت فمن مر على قبري فليقل هذا قبر عبد اللّه بن عمرو الكذاب". وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال: "استقبل النبي صلى اللّه عليه وسلم الحجر فاستلمه، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا، فالتفت فإذا بعمر يبكي فقال: يا عمر ههنا تسكب العبرات". وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الحجر الأسود من حجارة الجنة، وما في الأرض من الجنة غيره وكان أبيض كالمهاة، ولولا ما مسه من رجس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا برئ". وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال: نزل الركن الأسود من السماء فوضع على أبي قبيس كأنه مهاة بيضاء، فمكث أربعين سنة ثم وضع على قواعد إبراهيم. وأخر الأزرقي عن عكرمة قال: الركن ياقوتة من يواقيت الجنة وإلى الجنة مصيره. قال: وقال ابن عباس: لولا ما مسه من أيدي الجاهلية لأبرأ الأكمه والأبرص. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: أنزل اللّه الركن والمقام مع آدم عليه السلام ليلة نزل بين الركن والمقام، فلما أصبح رأى الركن والمقام فعرفهما فضمهما وأنس بهما. وأخرج الأزرقي عن أبي بن كعب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "الحجر الأسود نزل به ملك من السماء". وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: أنزل اللّه الركن الأسود من الجنة وهو يتلألأ تلألؤا من شدة بياضه، فاخذه آدم فضمه إليه أنسا به. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: نزل آدم من الجنة ومعه الحجر الأسود متأبطه، وهو ياقوتة من يواقيت الجنة، ولولا أن اللّه طمس ضوءه ما استطاع أحد أن ينظر إليه، ونزل بالباسة ونخلة العجوة. قال أبو محمد الخزاعي: الباسة آلات الصناع. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: أن عمر بن الخطاب سأل كعبا عن الحجر الأسود فقال: مروة من مرو الجنة. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: لولا أن الحجر تمسه الحائض وهي لا تشعر والجنب وهو لا يشعر، ما مسه أجذم ولا أبرص إلا برئ. وأخرج الأزرقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان الحجر الأسود أبيض كاللبن، وكان طوله كعظم الذراع وما اسود إلا من المشركين كانوا يمسحونه، ولولا ذلك ما مسه ذو عاهة إلا برئ. وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن نبيه الحجبي عن أمه أنها حدثته، أن أباها حدثها: أنه رأى الحجر قبل الحريق وهو أبيض يتراءى الإنسان فيه وجهه. قال عثمان: وأخبرني زهير: أنه بلغه أن الحجر من رضراض ياقوت الجنة، وكان أبيض يتلألأ فسوده أرجاس المشركين وسيعود لى ما كان عليه، وهو يوم القيامة مثل أبي قبيس في العظم، له عينان ولسان وشفتان يشهد لمن استلمه بحق، ويشهد على من استلمه بغير حق. وأخرج ابن خزيمة عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة وإنما سودته خطايا المشركين، يبعث يوم القيامة مثل أحد يشهد لمن استلمه وقبله من أهل الدنيا". وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن اللّه يبعث الركن الأسود له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد لمن استلمه بحق". وأخرج الأزرقي عن سلمان الفارسي قال: الركن من حجارة الجنة، أما والذي نفس سلمان بيده ليجيئن يوم القيامة له عينان ولسان وشفتان، يشهد لمن استلمه بالحق. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: الركن يمين اللّه في الأرض يصافح بها خلقه، والذي نفسي بيده ما من امرئ مسلم يسأل اللّه عنده شيئا إلا أعطاه إياه. وأخرج ابن ماجه عن عطاء بن أبي رباح. أنه سئل عن الركن أسود فقال: حدثني أبو هريرة أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "من فاوضه فإنما يفاوض يد الرحمن". وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن لهذا الحجر لسانا وشفتين، يشهد لمن استلمه يوم القيامة بحق". وأخرج ابن خزيمه والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد اللّه بن عمرو "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: يأتي الركن يوم القيامه أعظم من أبي قبيس له لسان وشفتان، يتكلم عن من [استلمه؟؟] وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اشهدوا هذا الحجر خيرا فإنه يأتي يوم القيامة، شافع مشفع، له لسان وشفتان يشهد لمن استلمه". وأخرج الجندي من طريق عطاء بن السائب عن محمد بن سابط عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "كان النبي من الأنبياء إذ هلكت أمته لحق بمكة فيتعبد فيها النبي ومن معه حتى يموت، فمات بها نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام، وقبورهم بين زمزم والحجر". وأخرج الأزرقي والجندي من عطاء بن السائب عن محمد بن سابط قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مكة لا يسكنها سافك دم ولا تاجر بربا ولا مشاء بنميمة. قال: ودحيت الأرض من مكة وكانت الملائكة تطوف بالبيت وهي أول من طاف به، وهي الأرض التي قال اللّه (إني جاعل في الأرض خليفة) (البقرة الآية ٣٠) وكان النبي من الأنبياء إذا هلك قومه فنجا هو والصالحون معه أتاها بمن معه فيعبدون اللّه حتى يموتوا فيها، وإن قيبر نوح وهود وشعيب وصالح بين زمزم والركن والمقام". وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال: حج موسى عليه السلام على جمل أحمر، فمر بالروحاء عليه عباءتان قطوانيتان، متزر بإحداهما مرتد بالأخرى، فطاف بالبيت ثم طاف بين الصفا والمروة، فبينما هو يطوف ويلبي بين الصفا والمروة إذ سمع صوتا من السماء، وهو يقول: لبيك عبدي أنا معك، فخر موسى عليه السلام ساجدا. وأخرج الأزرقي عن مقاتل قال: في المسجد الحرام بين زمزم قبر سبعين نبيا، منهم هود وصالح وإسماعيل، وقبر آدم وإبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف في بيت المقدس. وأخرج الأزرقي والجندي عن ابن عباس قال: النظر إلى الكعبة مخض الإيمان. وأخرج الأزرقي والجندي عن ابن المسيب قال: من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا خرج من الخطايا كيوم ولدته أمه. وأخرج الأزرقي والجندي من طريق زهير بن محمد عن أبي السائب المدني قال: من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا تحاتت ذنوبه كما يتحات الورق من الشجر. قال: والجالس في المسجد ينظر إلى البيت لا يطوف به ولا يصلي أفضل من المصلي في بيته لا ينظر إلى البيت. وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي والجندي والبيهقي في شعب الإيمان عن عطاء قال: النظر إلى البيت عبادة، والناظر إلى البيت بمنزلة القائم الصائم المخبت المجاهد في سبيل اللّه. وأخرج الجندي عن عطاء قال: إن نظرة إلى هذا البيت في غير طواف ولا صلاة تعدل عبادة سنة، قيامها وركوعها وسجودها. وأخرج ابن أبي شيبة والجندي عن طاوس قال: النظر إلى هذا البيت أفضل من عبادة الصائم القائم الدائم المجاهد في سبيل اللّه. وأخرج الأزرقي عن إبراهيم النخعي قال: الناظر إلى الكعبة كالمجتهد في العبادة في غيرها من البلاد. وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي عن مجاهد قال: النظر إلى الكعبة عبادة. وأخرج الأزرقي والجندي وابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه والأصبهاني في الترغيب عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن للّه في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة، تنزل على هذا البيت ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين". وأخرج الجندي عن ابن مسعود قال: أكثروا الطواف بالبيت قبل أن يرفع وينسى الناس مكانه. وأخرج البزار في مسنده وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "استمتعوا بهذا البيت فقد هدم مرتين، ويرفع في الثالثة. وأخرج الجندي عن الزهري قال: إذا كان يوم القيامة رفع اللّه الكعبة البيت الحرام إلى بيت المقدس، فمر بقبر النبي صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة، فيقول: السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته. فيقول صلى اللّه عليه وسلم: وعليك السلام يا كعبة اللّه، ما حال أمتي؟ فتقول: يا محمد أما من وفد إلي من أمتك فأنا القائم بشأنه، وأما من لم يفد من أمتك فأنت القائم بشأنه". وأخرج أبو بكر الواسطي في فضائل بيت المقدس عن خالد بن معدان قال: لا تقوم الساعة حتى تزف الكعبة إلى الصخرة زف العروس، فيتعلق بها جميع من حج واعتمر، فإذا رأتها الصخرة قالت لها: مرحبا بالزائرة والمزورة إليها. وأخرج الواسطي عن كعب قال: لا تقوم الساعة حتى يزف البيت الحرام إلى بيت المقدس فينقادان إلى الجنة وفيهما أهلهما، والعرض والحساب ببيت المقدس. وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب والديلمي عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا كان يوم القيامة زفت الكعبة البيت الحرام إلى قبري فتقول: السلام عليك يا محمد، فأقول: وعليك السلام يا بيت اللّه ما صنع بك أمتي بعدي؟ فتقول: يا محمد من أتاني فأنا أكفيه وأكون له شفيعا، ومن لم يأتني فأنت تكفيه وتكون له شفيعا". وأخرج الأزرقي عن أبي إسحق قال: بنى إبراهيم عليه السلام البيت وجعل طوله في السماء تسعة أذرع، وعرضه في الأرض اثنين وثلاثين ذراعا، من الركن الأسود إلى الركن الشامي الذي عند الحجر من وجهه، وجعل عرض ما بين الركن الشامي إلى الركن الغربي الذي فيه الحجر اثنين وعشرين ذراعا، وجعل طول ظهرها من الركن الغربي إلى الركن اليماني أحدا وثلاثين ذراعا، وجعل عرض شقها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعا. قال: فلذلك سميت الكعبة لأنها على خلقة الكعب.قال: وكذلك سنن أساس آدم، وجعل لها غلقا فارسيا، وكساها كسوة تامة، ونحر عندها، وجعل إبراهيم عليه السلام الحجر إلى جنب البيت عريشا من أراك تقتحمه العنز، فكان زربا لغنم إسماعيل، وحفر إبراهيم جبا في بطن البيت على يمين، من دخله يكون خزانة للبيت يلقي فيه ما يهدى للكعبة، وكان اللّه استودع الركن أبا قبيس حين أغرق اللّه الأرض زمن نوح، وقال: إذا رأيت خليلي يبني بيتي، فأخرجه له فجاء به جبريل فوضعه في مكانه وبنى عليه إبراهيم، وهو حينئذ يتلألأ نورا من شدة بياضه، وكان نوره يضيء إلى منتهى أنصاف الحرم من كل ناحية. قال: وإنما شدة سواده لأنه أصابه الحريق مرة بعد مرة في الجاهلية والإسلام. وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم والنسائي عن عائشة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ألم تر إلى قومك حين بنوا الكعبة أقصروا عن قواعد إبراهيم؟ فقلت: يا رسول اللّه ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال: لولا حدثان قومك بالكفر. فقال ابن عمر: ما أرى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم". وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال: كان ابن الزبير بنى الكعبة من الذرع على ما بناها إبراهيم عليه السلام. قال: وهي مكعبة على خلقة الكعب ولذلك سميت الكعبة. قال: ولم يكن إبراهيم سقف الكعبة ولا بناها بمدر، وإنما رضمها رضما. وأخرج الأزرقي عن أبي المرتفع قال: كنا مع ابن الزبير في الحجر، فأول حجر من المنجنيق وقع في الكعبة سمعنا لها أنينا كأنين المريض: آه آه. وأخرج الجندي عن مجاهد قال: رأيت الكعبة في النوم وهي تكلم النبي صلى اللّه عليه وسلم وهي تقول: لئن لم تنته أمتك يا محمد عن المعاصي لأنتفضن حتى يصير كل حجر مني في مكان. وأخرج الجندي عن وهيب بن الورد قال: كنت أطوف أنا وسفيان بن سعيد الثوري ليلا، فانقلب سفيان وبقيت في الطواف، فدخلت الحجر فصليت تحت الميزاب، فبنا أنا ساجد إذ سمعت كلاما بين استار الكعبة والحجارة، وهي تقول: يا جبريل أشكو إلى اللّه ثم إليك ما يفعل هؤلاء الطائفون حولي، تفكههم في الحديث ولغطهم وشؤمهم. قال وهيب: فأولت إن البيت يشكو إلى جبريل عليه السلام. وأما قوله تعالى: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} أخرج الدارقطني عن ابن عباس قال "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا أفطر قال: اللّهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبل منا إنك أنت السميع العليم". وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش. أنه قرأ {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت إسماعيل يقولان ربنا تقبل منا}. ١٢٨ أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الكريم في قوله تعالى {ربنا واجعلنا مسلمين} قال: مخلصين. أخرج ابن أبي حاتم عن سلام بن أبي مطيع في هذه الآية قال: كانا مسلمين ولكن سألاه الثبات. أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} يعنيان العرب. وأما قوله تعالى: {وأرنا مناسكنا} أخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والأزرقي عن مجاهد قال: قال إبراهيم عليه السلام: رب أرنا مناسكنا. فاتاه جبريل فأتى به البيت فقال: ارفع القواعد. فرفع القواعد وأتم البنيان، ثم أخذ بيده فأخرجه، فانطلق به إلى الصفا قال: هذا من شعائر اللّه، ثم انطلق به إلى المروة فقال: وهذا من شعائر اللّه، ثم انطلق به نحو منى، فلما كان من العقبة إذا إبليس قائم عند الشجرة فقال: كبر وارمه. فكبر ورماه، ثم انطلق إبليس فقام عند الجمرة الوسطى، فلما حاذى به جبريل وإبراهيم قال له: كبر وارمه. فكبر ورمى، فذهب إبليس حتى أتى الجمرة القصوى، فقال له جبريل: كبر وارمه. فكبر ورمى، فذهب إبليس وكان الخبيث أراد أن يدخل في الحج شيئا فلم يستطع، فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به المشعر الحرام، فقال: هذا المشعر الحرام، ثم ذهب حتى أتى به عرفات قال: قد عرفت ما أريتك؟ قالها ثلاث مرات. قال: نعم. قال: فأذن في الناس بالحج. قال: وكيف أؤذن؟ قال: قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم ثلاث مرات، فأجاب العباد لبيك اللّهم ربنا لبيك، فمن أجاب إبراهيم يومئذ من الخلق فهو حاج. وأخرج ابن جرير من طريق ابن المسيب عن علي قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال: قد فعلت أي رب فأرنا مناسكنا، ابرزها لنا، علمناها، فبعث اللّه جبريل فحج به. وأخرج سعيد بن منصور الأزرقي عن مجاهد قال: حج إبراهيم وإسماعيل وهما ماشيان. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: كان المقام من أصل الكعبة، فقام عليه إبراهيم فتفرجت عنه هذه الجبال أبو قبيس وصواحبه إلى مابينه وبين عرفات، فأرأه مناسكه حتى انتهى إليه، فقال: عرفت؟ قال: نعم. فسميت عرفات. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مجلز في قوله (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) (البقرة الآية ١٢٧) قال: لما فرغ إبراهيم من البيت جاءه جبريل أراه الطواف بالبيت والصفا والمروة، ثم انطلقا إلى العقبة فعرض لهما الشيطان، فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات، فرمى وكبر وقال لإبراهيم: ارم وكبر مع كل رمية حتى أمل الشيطان، ثم انطلقا إلى الجمرة الوسطى فعرض لهما الشيطان، فأخذ جبريل سبع حصيات فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أمل الشيطان، ثم أتيا الجمرة القصوى فعرض لهما الشيطان، فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات، وقال: ارم وكبر. فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أقل، ثم أتى به إلى منى فقال: ههنا يحلق الناس رؤوسهم، ثم أتى به جمعا فقال: ههنا يجمع الناس الصلاة، ثم أتى به عرفات فقال: عرفت...؟ قال: نعم. فمن ثم سميت عرفات. وأخرج الأزرقي عن زهير بن محمد قال: لما فرغ إبراهيم من البيت الحرام قال: أي رب قد فعلت فأرنا مناسكنا، فبعث اللّه إليه جبريل فحج به، حتى إذا جاء يوم النحر عرض له إبليس فقال: احصب. فحصب سبع حصيات، ثم الغد ثم اليوم الثالث فملأ ما بين الجبلين، ثم علا على منبر فقال: يا عباد اللّه أجيبوا ربكم، فسمع دعوته من بين الأبحر ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان، قالوا: لبيك اللّهم لبيك. قال: ولم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعدا، ولولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها. قال: وأول من أجاب حين أذن بالحج أهل اليمن. وأخرج الأزرقي عن مجاهد في قوله {وأرنا مناسكنا} قال: مذابحنا. وأخرج الجندي عن مجاهد قال: قال اللّه لإبراهيم عليه السلام "قم فابن لي بيتا. قال: أي رب أين...؟ قال: سأخبرك "فبعث اللّه إليه سحابة لها رأس فقالت: يا إبراهيم إن ربك يأمرك أن تخط قدر هذه السحابة. قال: فجعل إبراهيم ينظر إلى السحابة ويخط. فقالت: قد فعلت؟ قال: نعم. فارتفعت السحابة فحفر إبراهيم فأبرز عن أساس نابت من الأرض فبنى إبراهيم، فلما فرغ قال: أي رب قد فعلت فأرنا مناسكنا. فبعث اللّه إليه جبريل يحج به، حتى إذا جاء يوم النحر عرض له إبليس فقال له جبريل: احصب. فحصب بسبع حصيات، ثم الغد ثم اليوم الثالث فالرابع، ثم قال: أعل ثبيرا. فعلا ثبيرا فقال: أي عباد اللّه أجيبوا، أي عباد اللّه أطيعوا للّه، فسمع دعوته ما بين الأبحر ممن في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، قالوا لبيك أطعناك اللّهم أطعناك، وهي التي أتى اللّه إبراهيم في المناسك: لبيك اللّهم لبيك، ولم يزل على الأرض سبعة مسلمون، لولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها. وأخرج ابن خزيمة والطبراني وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رفعه قال "لما أتى إبراهيم خليل اللّه المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، قال ابن عباس: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم إبراهيم تتبعون. وأخرج الطيالسي وأحمد وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: إن إبراهيم لما رأى المناسك عرض له الشيطان عند المسعى، فسابق إبراهيم فسبقه إبراهيم، ثم انطلق به جبريل حتى أراه منى فقال: هذا مناخ الناس. فلما انتهى إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات من ذهب، ثم أتى به إلى الجمرة الوسطى فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أتى به إلى الجمرة القصوى فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، فأتى به جمعا فقال: هذا المشعر. ثم أتى به عرفة فقال: هذه عرفة. فقال له جبريل: أعرفت؟ قال: نعم. ولذلك سميت عرفة. أتدري كيف كانت التلبية؟: إن إبراهيم لما أمر أن يؤذن في الناس بالحج، أمرت الجبال فخفضت رؤوسها ورفعت له القرى، فأذن في الناس بالحج. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {وأرنا مناسكنا} قال: أراهما اللّه مناسكهما. الموقف بعرفات، والإفاضة من جمع، ورمي الجمار والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة. ١٢٩ أخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن العرباض بن سارية قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إني عند اللّه في أم الكتاب لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين. وأخرج أحمد وابن سعد والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن أبي أمامة قال: قلت "يا رسول اللّه ما كان بدء أمرك؟ قال: دعوة إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشام". وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: أنا دعوة إبراهيم. قال وهو يرفع القواعد من البيت {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم} حتى أتم الآيه ". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العاليه في قوله {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم} يعني أمة محمد. فقيل له: قد استجيب لك وهو كائن في آخر الزمان. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {وابعث فيهم رسولا منهم} قال: هو محمد صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {ويعلمهم الكتاب والحكمة} قال: السنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {ويعلمهم الكتاب والحكمة} قال: الحكمة السنة. قال: ففعل ذلك بهم، فبعث فيهم رسولا منهم يعرفون اسمه ونسبه، يخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم. وأخرج أبو داود في مراسيله عن مكحول قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "آتاني اللّه القرآن ومن الحكمة مثليه". وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله {يزكيهم} قال: يطهرهم من الشرك ويخلصهم منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {العزيز الحكيم} قال: عزيز في نقمته إذا انتقم حكيم في أمره. ١٣٠ انظر تفسير الآية: ١٣١ ١٣١ أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {ومن يرغب عن ملة إبراهيم} قال: رغبت اليهود والنصارى عن ملته، واتخذوا اليهودية والنصرانية بدعة ليست من اللّه، وتركوا ملة إبراهيم الإسلام، وبذلك بعث اللّه نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم بملة إبراهيم. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {إلا من سفه نفسه} قال: إلا من أخطأ حظه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله {ولقد اصطفيناه} قال: اخترناه. ١٣٢ أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أسد بن يزيد قال: في مصحف عثمان {ووصى} بغير ألف. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ووصى بها إبراهيم ينيه} قال: وصاهم بالاسلام، ووصى يعقوب بنيه مثل ذلك. وأخرج الثعلبي عن فضيل بن عياض في قوله {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} أي محسنون بربكم الظن. وأخرج ابن سعد عن الكلبي قال: ولد لإبراهيم إسماعيل وهو أكبر ولده وأمه هاجر وهي قبطية، وإسحق وأمه سارة، ومدن ومدين، وبيشان وزمران، وأشبق وشوح وأمهم قنطوراء من العرب العاربة، فأما بيشان فلحق بنوه بمكة وأقام مدين بأرض مدين فسميت به، ومضى سائرهم في البلاد وقالوا لإبراهيم: يا أبانا أنزلت إسماعيل وإسحق معك وأمرتنا أن ننزل أرض الغربة والوحشة؟ قال: بذلك أمرت. فعلمهم اسما من أسماء اللّه، فكانوا يستسقون به ويستنصرون. ١٣٣ أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {أم كنتم شهداء} يعني أهل مكة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت} الآية. قال: يقول لم تشهد اليهود ولا النصارى ولا أحد من الناس يعقوب إذ أخذ على بنيه الميثاق إذ حضره الموت ألا تعبدوا إلا إياه، فأقروا بذلك وشهد عليهم أن قد أقروا بعبادتهم، وأنهم مسلمون. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس. أنه كان يقول: الجد أب، ويتلو {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق}. وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في الآية قال: يقال بدأ بإسماعيل لأنه أكبر. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال: سمى العم أبا. وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال: الخال والد العم والد، وتلا {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك...} الآية. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه كان يقرأ (نعبد إلهك وإله أبيك) على معنى الواحد. ١٣٤ أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {تلك أمة قد خلت} قال: يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والاسباط. ١٣٥ أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال عبد اللّه بن صوريا الأعور للنبي صلى اللّه عليه وسلم "ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد، وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل اللّه {وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا} الآية". وأما قوله تعالى: {حنيفا}. أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {حنيفا} قال: حاجا. وأخرج ابن أبي حاتم محمد بن كعب قال: الحنيف المستقيم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {حنيفا} قال: متبعا. وأخرج ابن أبي حاتم عن خصيف قال: الحنيف المخلص. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي قلابة قال: الحنيف الذي يؤمن بالرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم. وأخرج ابن المنذر عن السدي قال: ما كان في القرآن حنيفا مسلما، وما كان في القرآن حنفاء مسلمين حجاجا. وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "بعثت بالحنيفية السمحة". وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن المنذر عن ابن عباس قال "قيل: يا رسول اللّه أي الأديان أحب إلى اللّه؟ قال: الحنيفية السمحة". وأخرج أبو الترس في الغرائب والحاكم في تاريخه وأبو موسى المديني في الصحابة وابن عساكر عن سعد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أحب الدين إلى اللّه الحنيفية السمحة". ١٣٦ أخرج ابن أبي حاتم عن معقل بن يسار قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "آمنوا بالتوراة والزبور والإنجيل، وليسعكم القرآن". وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما الآية التي في البقرة {قولوا آمنا باللّه وما أنزل إلينا...} الآية. كلها، وفي الآخرة ب (آمنا باللّه واشهد بأنا مسلمون) (آل عمران الآية ٥٢) ". وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال "أكثر ما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر {قولوا آمنا باللّه وما أنزل إلينا وما أنول إلى إبراهيم...} الاية. وفي الثانية (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة...) (آل عمران الآية ٦٤) الآية". وأخرج وكيع عن الضحاك قال: علموا نساءكم وأولادكم وخدمكم أسماء الأنبياء المسلمين في الكتاب ليؤمنوا بهم، فإن اللّه أمر بذلك فقال {قولوا آمنا باللّه وما أنزل إلينا} إلى قوله {ونحن له مسلمون}. وأخر ابن جرير عن ابن عباس قال: الأسباط بنو يعقوب، كانوا اثني عشر رجلا، كل واحد منهم ولد سبطا أمة من الناس. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: الأسباط بنو يعقوب يوسف، وبنيامين، وروبيل، ويهوذا، وشمعون، ولاوى، ودان وقهات، وكوذ، وباليوق. وأخرج الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر عن عبد اللّه بن عبد الثمالي أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: لو حلفت لبررت أنه لا يدخل الجنة قبل الرعيل الأول من أمتي إلا بضعة عشر إنسانا إبراهيم، وإسماعيل، وإسحق ويعقوب، والأسباط، وموسى، وعيسى بن مريم". ١٣٧ وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: لا تقولوا {فإن آمنوا بمثل ما امنتم به} فإن اللّه لا مثل له، ولكن قولوا: فإن آمنوا بالذي أمنتم به. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف والخطيب في تاريخه عن أبي جمرة قال: كان ابن عباس يقرأ {فإن آمنوا بالذي آمنتم به}. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي اعالية في قوله {فإنما هم في شقاق} قال: فراق. وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: كنت قاعدا إذ أقبل عثمان، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم "يا عثمان تقتل وأنت تقرأ سورة البقرة، فتقع قطرة من دمك على {فسيكفيكهم اللّه} قال الذهبي في مختصر المستدرك: هذا كذب بحت، وفي إسناده أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي، وهو المتهم به". وأخرج ابن أبي داود في المصاحف وأبو القاسم بن بشران في أماليه وأبو نعيم في المعرفة وابن عساكر عن أبي سعيد مولى بني أسد قال: لما دخل المصريون على عثمان والمصحف بين يديه فضربوه بالسيف على يديه، فجرى الدم {فسيكفيكهم اللّه وهو السميع العليم} فمد يده وقال: واللّه لأنها أول يد خطت المفصل. وأخرج ابن أبي حاتم عن نافع بن أبي نعيم قال: أرسل إلي بعض الخلفاء بمصحف عثمان بن عفان فقلت له: إن الناس يقولون: إن مصحفه كان في حجره حين قتل، فوقع الدم على {فسيكفيكهم اللّه وهو السميع العليم} فقال نافع ك بصرت عيني بالدم على هذه الآية، وقد قدم. وأخرج عبد اللّه بن أحمد في زوائد الزهد عن عمرة بنت أرطاة العدوية قال: خرجت مع عائشة سنة قتل عثمان إلى مكة، فمررنا بالمدينة ورأينا المصحف الذي قتل وهو في حجره، وكانت أول قطرة من دمه على هذه الآية {فسيكفيكهم اللّه وهو السميع العليم} قالت عمرة: فما مات منهم رجل سويا. ١٣٨ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {صبغة اللّه} قال: دين اللّه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {صبغة اللّه} قال: فطرة اللّه التي فطر الناس عليها. وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن بني إسرائيل قالوا: يا موسى هل يصبغ ربك؟ فقال: اتقوا اللّه. فناداه ربه: يا موسى سألوك هل يصبغ ربك فقل: نعم: أنا اصبغ الألوان الأحمر والأبيض والأسود، والألوان كلها من صبغتي، وأنزل اللّه على نبيه {صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغة} وأخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس موقوفا". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: إن اليهود تصبغ أبناءها يهود، وأن النصارى تصبغ أبناءها نصارى، وأن صبغة اللّه الإسلام، ولا صبغة أحسن من صبغة اللّه الإسلام ولا أطهر، وهو دين اللّه الذي بعث به نوحا ومن كان بعده من الأنبياء. وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد عن ابن عباس في قوله {صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغة} قال: البياض. ١٣٩ انظر تفسير الآية: ١٤١ ١٤٠ انظر تفسير الآية: ١٤١ ١٤١ أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {أتحاجوننا في اللّه} قال: أتخاصمونا؟ وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {أتحاجوننا} تجادلوننا؟ وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من اللّه} قال: في قول يهود لإبراهيم واسمعيل ومن ذكر معهما أنهم كانوا يهودا أو نصارى، فيقول اللّه لهم: لا تكتموا مني شهادة إن كانت عندكم، وقد علم اللّه أنهم كاذبون. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {ومن أظلم ممن كتم شهادة...} الآية. قال: أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين اللّه، واتخذوا اليهودية والنصرانية وكتموا محمد وهم يعلمون أنه رسول اللّه. وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من اللّه} قال: كان عند القوم من اللّه شهادة أن أنبياءه براء من اليهودية والنصرانية. وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع في قوله {تلك أمة قد خلت} قالا: يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي المليح قال: الأمة ما بين الأربعين إلى المائة فصاعدا. ١٤٢ أخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود في ناسخه والترمذي والنسائي وابن جرير وابن حبان والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أخواله من الأنصار، وأنه صلى إلى بيت المقدس ستة أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت، وأن أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه، فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال: أشهد باللّه لقد صليت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم قبل الكعبة، فداروا كما هم قبل البيت ثم أنكروا ذلك، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجالا وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل اللّه (وما كان اللّه ليضيع إيمانكم إن اللّه بالناس لرؤوف رحيم) " (البقرة الآية ١٤٣). وأخرج ابن اسحاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن البراء قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر اللّه، فأنزل اللّه (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) (البقرة الآية ١٤٤) فقال رجال من المسلمين: وددنا لو علمنا من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة، وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس؟ فأنزل اللّه (وما كان اللّه ليضيع إيمانكم) (البقرة الآية ١٤٣) وقال السفهاء من الناس وهم من أهل الكتاب: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل اللّه {سيقول السفهاء من الناس...} إلى آخر الآية". وأخرج الترمذي والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي عن البراء قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يجب أن يصلي نحو الكعبة، فكان يرفع رأسه إلى السماء، فأنزل اللّه (قد نرى تقلب وجهك...) (البقرة الآية ١٤٤) الآية. فوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس وهم اليهود ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل اللّه {قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي عن ابن عباس قال "أول ما نسخ في القرآن القبلة، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره اللّه أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بضعة عشر شهرا، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم، وكان يدعو اللّه وينظر إلى السماء، فأنزل اللّه (قد نرى تقلب وجهك) (البقرة الآية ١٤٤) إلى قوله (فولوا وجوهكم شطره) يعني نحوه، فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم الني كانوا عليها؟ فأنزل اللّه {قل للّه المشرق والمغرب} وقال: (أينما تولوا فثم وجه اللّه) (البقرة الآية ١١٥) ". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه والنحاس والبيهقي في سننه عن ابن عباس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه، وبعدما تحول إلى المدينة ستة عشر شهرا، ثم صرفه اللّه إلى الكعبة". وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس قال: أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن محمدا كان يستقبل صخرة بيت المقدس وهي قبلة اليهود، فاستقبلها سبعة عشر شهرا ليؤمنوا به وليتبعوه وليدعوا بذلك الأميين من العرب. فقال اللّه (وللّه المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه اللّه) وقال (قد نرى تقلب وجهك) الآية". وأخرج ابن جرير عن عكرمة مرسلا. وأخرج أبو داود في ناسخه عن أبي العالية "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نظر نحو بيت المقدس فقال لجبريل "وددت أن اللّه صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها؟ فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك، ولا أملك لك شيئا إلا ما أمرت، فادع ربك وسله، فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بالذي سأل، فأنزل اللّه (قد نرى تقلب وجهك في السماء) (البقرة الآية ١٤٤) يقول: إنك تديم النظر إلى السماء للذي سألت (فول وجهك شطر المسجد الحرام) يقول فحول وجهك في الصلاة نحو المسجد الحرام {وحيثما كنتم} يعني من الأرض (فولوا وجوهكم) في الصلاة (شطره) نحو الكعبة". وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: "صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة في رجب، على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينه، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رفاعة بن قيس، وقردم بن عمرو، وكعب بن الأشرف، ونافع بن نافع، والحجاج بن عمرو، حليف كعب بن الأشرف، والربيع بن أبي الحقيق، وكنانة بن أبي الحقيق، فقالوا له: يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك، وإنما يريدون فتنته عن دينه. فأنزل اللّه {سيقول السفهاء من الناس} إلى قوله {إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} أي ابتلاء واختبارا (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى اللّه) (البقرة الآية ١٤٣) أي ثبت اللّه (وما كان اللّه ليضيع إيمانكم) يقول: صلاتكم بالقبلة الأولى، وتصديقكم نبيكم، وإتباعكم إياه إلى القبلة الآخرة، أي ليعطينكم أجرهما جميعا (إن اللّه بالناس لرؤوف رحيم) إلى قوله {فلا تكونن من الممترين}. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء في قوله {سيقول السفهاء من الناس} قال: اليهود. وأخرج أبو داود في ناسخه من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: أول آية نسخت من القرآن القبلة، ثم الصلاة الأولى. وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال "صلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ومن معه نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا، ثم حولت القبلة بعد". وأخرج البيهقي في الدلائل عن الزهري قال "صرفت القبلة نحو المسجد الحرام في رجب على ستة عشر شهرا من مخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكة، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقلب وجهه في السماء وهو يصلي نحو بيت المقدس، فأنزل اللّه حين وجهه إلى البيت الحرام {سيقول السفهاء من الناس} وما بعدها من الآيات، فأنشأت اليهود تقول: قد اشتاق الرجل إل بلده وبيت أبيه، وما لهم حتى تركوا قبلتهم يصلون مرة وجها ومرة وجها آخر، وقال رجال من الصحابة: فكيف بمن مات وهو يصلي قبل بيت المقدس، وفرح المشركون وقالوا: إن محمد قد التبس عليه أمره، ويوشك أن يكون على دينكم، فأنزل اللّه في ذلك هؤلاء الآيات". وأخرج ابن جرير عن السدي قال: لما وجه النبي صلى اللّه عليه وسلم قبل المسجد الحرام اختلف الناس فيها فكانوا أصنافا، فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ثم تركوها وتوجهوا غيرها؟ وقال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس هل يقبل اللّه منا ومنهم أم لا؟ وقال اليهود: إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن نكون يكون هو صاحبنا الذي ننتظر، وقال المشركون من أهل مكة: تحير على محمد دينه فتوجه بقبلته إليكم وعلم أنكم أهدى منه، ويوشك أن يدخل في دينكم، فأنزل اللّه في المنافقين {سيقول السفهاء من الناس} إلى قوله {إلا على الذين هدى اللّه}، وأنزل في الآخرين الآيات بعدها. وأخرج مالك وأبو داود في ناسخه وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن المسيب "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس، ثم تحولت القبلة إلى الكعبة قبل بدر بشهرين". وأخرج ابن عدي والبيهقي في الدلائل من طريق سعيد بن المسيب قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول "صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعدما قدم المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس، ثم حول بعد ذلك قبل المسجد الحرام قبل بدر بشهرين". وأخرج أبو داود في ناسخه عن سعيد بن عبد العزيز "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس من شهر ربيع الأول إلى جمادى الآخرة". وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب "أن الأنصار صلت للقبلة الأولى قبل قدوم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة بثلاث حجج، وأن النبي صلى اللّه عليه وسلم صلى للقبلة الأولى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا". وأخرج ابن جرير عن معاذ بن جبل "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم صلى للقبلة الأولى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا". وأخرج ابن جرير عن معاذ بن جبل "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ثلاثة عشر شهرا". وأخرج البزار وابن جرير عن أنس قال "صلى النبي صلى اللّه عليه وسلم نحو بيت المقدس تسعة أشهر أو عشرة أشهر، فبينما هو قائم يصلي الظهر بالمدينة وقد صلى ركعتين نحو بيت المقدس انصرف بوجهه إلى الكعبة، فقال السفهاء: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ ". وأخرج البخاري عن أنس قال: لم يبق ممن صلى للقبلتين غيري. وأخرج أبو داود في ناسخه وأبو يعلى والبيهقي في سننه عن أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس، فلما نزلت هذه الآية (فول وجهك شطر المسجد الحرام) (البقرة الآية ١٤٤) مر رجل من بني سلمة فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة مرتين، فمالوا كما هم ركوع إلى الكعبة". وأخرج مالك وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود في ناسخه والنسائي عن الن عمر قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال "إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة القرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوهم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة". وأخرج الوبير بن بكار في أخبار المدينة عن عثمان بن عبد الرحمن قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قام يصلي انتظر أمر اللّه في القبلة، وكان يفعل أشياء لم يؤمر بها ولم ينه عنها من فعل أهل الكتاب، فبينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي الظهر في مسجده، قد صلى ركعتين إذ نزل عليه جبريل، فأشار له أن صل إلى البيت وصلى جبريل إلى البيت، وأنزل اللّه (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (البقرة الآية ١٤٤). و (وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما اللّه بغافل عما يعملون) (البقرة الآية ١٤٤) قال: فقال المنافقون: حن محمد إلى أرضه وقومه، وقال المشركون: أراد محمد أن يجعلنا له قبلة ويجعلنا له وسيلة، وعرف أن ديننا أهدى من دينه. وقال اليهود للمؤمنين: ما صرفكم إلى مكة وترككم به القبلة، قبلة موسى ويعقوب والأنبياء، واللّه إن أنتم إلا تفتنون. وقال المؤمنون: لقد ذهب منا قوم ماتوا ما ندري أكنا نحن وهم على قبلة أو لا؟ قال: فأنزل اللّه عز وجل في ذلك {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} إلى قوله {إن اللّه بالناس لرؤوف رحيم} ".وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله"كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص، صلت الأنصار نحو الكعبة حولين قبل قدوم النبي، وصلى نبي اللّه بعد قدومه المدينة نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا، ثم وجهه اللّه بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام فقال في ذلك قائلون من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها لقد اشتاق الرجل إلى مولده؟! قال اللّه عز وجل {قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} وقال أناس من [؟؟] أناس: لقد صرفت القبلة إلى البيت الحرام فكيف أعمالنا التي عملنا في القبلة الأولى؟ فأنزل اللّه (وما كان اللّه ليضيع إيمانكم) (البقرة الآية ١٤٣) وقد يبتلي اللّه عباده بما شاء من أمره الأمر بعد الأمر، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، وكل ذلك مقبول في درجات في الإيمان باللّه والإخلاص، والتسليم لقضاء اللّه". وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن عمارة بن أوس الأنصاري قال: صلينا إحدى صلاتي العشي، فقام رجل على باب المسجد ونحن في الصلاة، فنادى أن الصلاة قد وجبت نحو الكعبة، فحول أو انحرف أمامنا نحو الكعبة والنساء والصبيان. وأخرج ابن أبي شيبة والبزار عن أنس بن مالك قال: جاءنا منادي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال "إن القبلة قد حولت إلى بيت اللّه الحرام، وقد صلى الإمام ركعتين فاستداروا، فصلوا الركعتين الباقيتين نحو الكعبة". وأخرج ابن سعد عن محمد بن عبد اللّه بن جحش قال "صليت القبلتين مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فصرفت القبلة إلى البيت ونحن في صلاة الظهر، فاستدار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنا فاستدرنا معه ". وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} قال: يهديهم إلى المخرج من الشبهات والضلالات والفتن. وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إنهم - يعني أهل الكتاب - لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على الجمعة التي هدانا اللّه لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا اللّه لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام آمين". وأخرج الطبراني عن عثمان بن حنيف قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل أن يقدم من مكة يدعو الناس إلى الإيمان باللّه في تصديق به قولا وعملا، والقبلة إلى بيت المقدس، فلما هاجر إلينا نزلت الفرائض، ونسخت المدينة مكة والقول فيها، ونسخ البيت الحرام بيت المقدس، فصار الإيمان قولا وعملا". وأخرج البزار والطبراني عن عمرو بن عوف قال "كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا، ثم حولت إلى الكعبة". ١٤٣ أخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي والنسائي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والإسماعيلي في صحيحه والحاكم وصححه عن أبي سعيد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: عدلا. وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النبي في قوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: عدلا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس جعلناكم {أمة وسطا} قال: جعلكم أمة عدلا. وأخرج ابن سعد عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال رجل لابن عمر: من أنتم؟ قال: ما تقولون؟ قال: نقول إنكم سبط، وتقول إنكم وسط. فقال: سبحان اللّه...! إنما السبط في بني إسرائيل، والأمة الوسط أمة محمد جميعا. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم. فيدعو قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد. فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فذلك قوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: والوسط العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم. وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي وابن ماجه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا. فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم. فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته. فيدعى محمد وأمته. فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم. فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا. فذلك قوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: عدلا {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} ". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق، ما من الناس أحد إلا ود أنه منا، وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه بلغ رسالة ربه". وأخرج ابن جرير عن أبي سعيد في قوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} بأن الرسل قد بلغوا {ويكون الرسول عليكم شهيد} بما عملتم. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن جابر قال "شهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جنازة في بني سلمة وكنت إلى جانبه، فقال بعضهم: واللّه يا رسول اللّه لنعم المرء كان، لقد كان عفيفا مسلما، وأثنوا عليه خيرا. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أنت الذي تقول؟ فقال: يا رسول اللّه بدا لنا واللّه أعلم بالسرائر. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: وجبت. قال: وكنا معه في جنازة رجل من بني حارثة أو من بني عبد الأشهل، فقال رجل: بئس المرء ما علمنا إن كان لفظا غليظا إن كان... فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أنت الذي تقول؟ فقال: يا رسول اللّه اللّه أعلم بالسرائر، فأما الذي بدا لنا منه فذاك. فقال: وجبت، ثم تلا رسول اللّه {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} ". وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس قال: مروا بجنازة فأثني عليه خير فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم "وجبت وجبت وجيت، ومر بجنازة فأثني عليه بشر فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: وجبت وجبت فسأله عمر...؟ فقال: من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء اللّه في الأرض، أنتم شهداء اللّه في الأرض، أنتم شهداء اللّه في الأرض. زاد الحكيم الترمذي ثم تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} ". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن عمر. أنه مرت به جنازة فأثني على صاحبها خير فقال: وجبت وجبت، ثم مر بأخرى فأثني شر فقال عمر: وجبت. فقال أبو الأسود: وما وجبت؟ قال: قلت كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدله اللّه الجنة. فقلنا: وثلاثة...؟ فقال: وثلاثة. فقلنا: واثنان...؟ فقال: واثنان، ولم نسأله عن الواحد". وأخرج أحمد وابن ماجة والطبراني والبغوي والحاكم في الكنى والدارقطني في الأفراد والحاكم في المستدرك والبيهقي في سننه عن أبي زهير الثقفي قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالبناوة يقول "يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم. قال: بم يا رسول اللّه؟ قال: بالثناء الحسن والثناء السيء، أنتم شهداء اللّه في الأرض". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال "أتي النبي صلى اللّه عليه وسلم بجنازة يصلي عليها فقال الناس: نعم الرجل. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: وجبت. وأوتي بجنازة أخرى فقال الناس: بئس الرجل. فقال: وجبت. قال أبي بن كعب: ما قولك؟ فقال: قال تعالى {لتكونوا شهداء على الناس} ". وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان والضياء في المختارة عن أنس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ما من مسلم يموت فتشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه لا خيرا إلا قال اللّه: قد قبلت شهادتكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون". وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن جرير والطبراني عن سلمة بن الأكوع قال "مر على النبي صلى اللّه عليه وسلم بجنازة رجل من الأنصار، فأثني عليها خيرا فقال: وجبت. ثم مر عليه بجنازة أخرى، فأثني عليها دون ذلك فقال: وجبت. فقال: يا رسول اللّه وما وجبت؟ قال: الملائكة شهود اللّه في السماء وأنتم شهود اللّه في الأرض". وأخرج الخطيب في تاريخه عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من مسلم يموت فيشهد له رجلان من جيرانه الأدنين فيقولان اللّهم لا نعلم إلا خيرا إلا قال اللّه للملائكة: اشهدوا أني قد قبلت شهادتهما وغفرت ما لا يعلمان". وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن كعب قال: أعطيت هذه الأمة ثلاث خصال لم يعطها إلا الأنبياء، كان النبي يقال له: بلغ ولا حرج، وأنت شهيد على قومك، وادع أجبك. وقل لهذه الأمة (ما جعل عليكم في الدين من حرج) (الحج الآية ٧٨) وقال {لتكونوا شهداء على الناس} وقال (ادعوني استجب لكم) (غافر الآية ٦٠). وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم أن الأمم يقولون يوم القيامة: واللّه لقد كادت هذه الأمة أن يكونوا أنبياء كلهم لما يرون اللّه أعطاهم. وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن جرير عن حبان بن أبي جبلة يسنده إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إذا جمع اللّه عباده يوم القيامة كان أول من يدعى اسرافيل، فيقول له ربه: ما فعلت في عهدي هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم، رب قد بلغته جبريل. فيدعى جبريل فيقال: هل بلغك اسرافيل عهدي؟ فيقول: نعم. فيخلى عن اسرافيل، ويقول لجبريل: هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم، قد بلغت الرسل، فتدعى الرسل فيقال لهم: هل بلغكم جبريل عهدي؟ فيقولون: نعم. فيخلى جبريل، ثم يقال للرسل: هل بلغتم عهدي؟ فيقولون: نعم، بلغناه الأمم. فتدعى الأمم فيقال لهم: هل بلغتكم الرسل عهدي؟ فمنهم المكذب ومنهم المصدق. فتقول الرسل: إن لنا عليهم شهداء. فيقول: من؟ فيقولون: أمة محمد. فتدعى أمة محمد فيقال لهم: أتشهدون أن الرسل قد بلغت الأمم؟ فيقولون: نعم. فتقول الأمم: يا ربنا كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول اللّه: كيف تشهدون عليهم ولم تدركوهم؟ فيقولون: يا ربنا أرسلت إلينا رسولا، وأنزلت علينا كتابا، وقصصت علينا فيه أن قد بلغوا، فنشهد بما عهدت إلينا. فيقول الرب: صدقوا، فذلك قوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} والوسط العدل {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} ". وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب في الآية قال {لتكونوا شهداء على الناس} يوم القيامة، كانوا شهداء على قوم نوح، وعلى قوم هود، وعلى قوم صالح، وعلى قوم شعيب، وعندهم أن رسلهم بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم. قال أبو العالية: وهي في قراءة أبي (لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة). وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله {ويكون الرسول عليكم شهيدا} قال: يشهد أنهم قد آمنوا بالحق إذ جاءهم وقبلوه وصدقوا به. وأخرج عبد بن حميد عن عبيد بن عمير قال: يأتي النبي صلى اللّه عليه وسلم بإذنه ليس معه أحد، فتشهد له أمة محمد أنه قد بلغهم. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: يقال: يا نوح قد بلغت؟ قال: نعم يا رب. قال: فمن يشهد لك؟ قال: رب أحمد وأمته. قال: فكلما دعي نبي كذبه قومه شهدت له هذه الأمة بالبلاغ، فإذا سأل عن هذه الأمة لم يسأل عنها إلا نبيها. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن حبان بن أبي جبلة قال: بلغني أن ترفع أمة محمد على كوم بين يدي اللّه تشهد للرسل على أممها بالبلاغ، فإنما يشهد منهم يومئذ من لم يكن في قلبه احنة على أخيه المسلم. وأخرج مسلم وأبو دلود والحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه "لا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة". وأما قوله تعالى {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} الآية أخرج ابن جرير عن عطاء في قوله {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} قال: يعني بيت المقدس {إلا لنعلم من يتبع الرسول} قال: يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله {إلا لنعلم} قال: إلا لنميز أهل اليقين من أهل الشك {وإن كانت لكبيرة} يعني تحويلها على أهل الشك والريب. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: بلغني أن أناسا من الذين أسلموا رجعوا فقالوا مرة ههنا ومرة ههنا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {وإن كانت لكبيرة} يقول: ما أمر به من التحول إلى الكعبة من بيت المقدس. وأخرج وكيع والفريابي والطيالسي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: لما وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى القبلة قالوا: يا رسول اللّه فكيف بالذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل اللّه {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب في قوله {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: صلاتكم نحو بيت المقدس. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} يقول: صلاتكم اليت صليتم من قبل أن تكون القبلة، وكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلى منهم أن لا يقبل صلاتهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {رؤوف} قال: يرأف بكم. ١٤٤ أخرج ابن ماجه عن البراء قال "صلينا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهرا، وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخوله المدينة بشهرين، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا صلى إلى بيت المقدس أكثر تقلب وجهه في السماء، وعلم اللّه من قلب نبيه أنه يهوى الكعبة، فصعد جبريل فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتبعه بصره وهو يصعد بين السماء والأرض ينظر ما يأتيه به، فأنزل اللّه {قد نرى تقلب وجهك في السماء...} الآية. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا جبريل كيف حالنا في صلاتنا إلى بيت المقدس؟ فأنزل اللّه (وما كان اللّه ليضيع إيمانكم) (البقرة الآية ١٤٣) ". وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل قال "صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد أن قدم المدينة إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا، ثم أنزل اللّه أنه يأمره فيها بالتحول إلى الكعبة فقال {قد نرى تقلب وجهك في السماء...} الآية". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال "كأن النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا سلم من صلاته إلى بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء، فأنزل اللّه {قد نرى تقلب وجهك...} الآية". وأخرج النسائي والبزار وابن المنذر والطبراني عن أبي سعيد بن المعلى قال "كنا نغدو إلى المسجد على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنمر على المسجد فنصلي فيه، فمررنا يوما ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قاعد على المنبر، فقلت: لقد حدث أمر...! فجلست. فقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية {قد نرى تقلب وجهك في السماء} حتى فرغ من الآية، فقلت لصاحبي: تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنكون أول من صلى فتوارينا فصلينا، ثم نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فصلى للناس الظهر يومئذ إلى الكعبة". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها} قال: هو يومئذ يصلي نحو بيت المقدس، وكان يهوى قبلة نحو البيت الحرام، فولاه اللّه قبلة كان يهواها ويرضاها {فول وجهك شطر المسجد الحرام} قال: تلقاء المسجد الحرام. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: قالت اليهود: يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا...! فقال: يدعو اللّه ويستفرض القبلة، فنزلت {قد نرى تقلب وجهك في السماء...} الآية فانقطع قول يهود حين وجه للكعبة، وحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وأحمد بن منيع في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في الكبير وصححه عن عبد اللّه بن عمرو في قوله {فلنولينك قبلة ترضاها} قال: قبلة إبراهيم نحو الميزاب. وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم عن البراء في قوله {فول وجهك شطر المسجد الحرام} قال: قبله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والدينوري في المجالسة والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن علي في قوله {فول وجهك شطر المسجد الحرام} قال: شطره قبله. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال: شطره نحوه. وأخرج آدم والدينوري في المجالسة والبيهقي عن مجاهد في قوله {شطره} يعني نحوه. وأخرج وكيع وسفيان بن عينية وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والدينوري عن أبي العالية في قوله {شطر المسجد الحرام} قال: تلقاءه. وأخرج ابن أبي حاتم عن رفيع قال {شطره} تلقاءه بلسان الحبش. وأخرج أبو بكر بن أبي داود في المصاحف عن أبي رزين قال: في قراءة عبد اللّه (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم قبله). وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: البيت كله قبلة، وقبلة البيت الباب. وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس مرفوعا "البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي". وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {وإن الذين أوتوا الكتاب} قال: أنزل ذلك في اليهود. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم} قال: يعني بذلك القبلة. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير عن أبي العالية في قوله {وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم} يقول: ليعلمون أن الكعبة كانت قبلة إبراهيم والأنبياء ولكنهم تركوها عمدا (وإن فريقا منهم ليتكمون الحق) (البقرة الآية ١٤٦) يقول: يكتمون صفة محمد وأمر القبلة. ١٤٥ أخرج ابن جرير عن السدي في قوله {وما بعضهم بتابع قبلة بعض} يقول: لا اليهود بتابعي قبلة النصارى ولا النصارى بتابعي قبلة اليهود. ١٤٦ أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {الذين آتيناهم الكتاب} قال: اليهود والنصارى {يعرفونه} أي يعرفون رسول اللّه في كتابهم {كما يعرفون أبناءهم}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} قال: يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة. وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} قال: يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة التي أمروا بها {وإن فريقا منهم ليكتمون الحق} يعني القبلة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {وإن فريقا منهم} قال: أهل الكتاب {ليكتمون الحق وهم يعلمون} قال: يكتمون محمدا وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه} قال: زعموا أن بعض أهل المدينة من أهل الكتاب ممن أسلم قال: واللّه لنحن أعرف به منا بأبنائنا من الصفة والنعت الذي نجده في كتابنا، وأما أبناؤنا فلا ندري ما أحدث النساء. وأخرج الثعلبي من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن ابن عباس قال: "لما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة قال عمر بن الخطاب لعبد اللّه بن سلام: قد أنزل اللّه على نبيه {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} فكيف يا عبد اللّه هذه المعرفة؟ فقال عبد اللّه بن سلام: يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني إذا رأيته مع الصبيان، وأنا أشد معرفة بمحمد مني بابني فقال عمر: كيف ذلك؟ قال: إنه رسول اللّه حق من اللّه، وقد نعته اللّه في كتابنا ولا أدري ما تصنع النساء. فقال له عمر: وفقك اللّه يا ابن سلام". وأخرج الطبراني عن سلمان الفارسي قال: خرجت أبتغي الدين، فوقعت في الرهبان بقايا أهل الكتاب، قال اللّه تعالى {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} فكانوا يقولون: هذا زمان نبي قد أظل يخرج من أرض العرب له علامات، من ذلك شامة مدورة بين كتفيه خاتم النبوة. ١٤٧ أخرج أبو دلود في ناسخه وابن جرير عن أبي العالية قال: قال اللّه لنبيه {الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} يقول: لا تكونن في شك يا محمد أن الكعبة هي قبلتك، وكانت قبلة لأنبياء قبلك. ١٤٨ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولكل وجهة} يعني بذلك أهل الأديان. يقول: لكل قبلة يرضونها ووجه اللّه حيث توجه المؤمنون. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ {ولكل وجهة هو موليها} مضاف قال: مواجهها قال: صلوا نحو بيت المقدس مرة ونحو الكعبة قبلة. وأخرج أبو داود في ناسخه عن قتادة {ولكل وجهة هو موليها} قال: هي صلاتهم إلى بيت المقدس وصلاتهم إلى الكعبة. وأخرج ابن جرير وابن أبي داود في المصاحف عن منصور قال: نحن نقرؤها (ولكل جعلنا قبلة يرضونها). وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {ولكل وجهة هو موليها} قال: لكل صاحب ملة قبلة وهو مستقبلها. وأخرج أبو داود في ناسخه عن أبي العالية {ولكل وجهة هو موليها} قال: لليهود وجهة هو موليها، وللنصارى وجهة هو موليها فهداكم اللّه أنتم أيتها الأمة القبلة التي هي القبلة. وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ {ولكل وجهة هو مولاها}. وأما قوله تعالى: {فاستبقوا الخيرات} الآية أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله {فاستبقوا الخيرات} يقول: لا تغلبن على قبلتكم. وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في قوله {فاستبقوا الخيرات} قال: فسارعوا في الخيرات {أينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعا} قال: يوم القيامة. وأخرج البخاري والنسائي والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم له ذمة اللّه وذمة رسوله، فلا تخفروا اللّه في ذمته". ١٤٩ انظر تفسير الآية: ١٥٠ ١٥٠ أخرج ابن جرير من طريق السدي عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا: لما صرف النبي صلى اللّه عليه وسلم نحو الكعبة بعد صلاته إلى بيت المقدس قال المشركون من أهل مكة: تحير محمد دينه فتوجه بقبلته إليكم، وعلم أنكم أهدى منه سبيلا، ويوشك أن يدخل في دينكم. فأنزل اللّه {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {لئلا يكون للناس عليكم حجة} قال: يعني بذلك أهل الكتاب، قالوا حين صرف نبي اللّه إلى الكعبة البيت الحرام: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {لئلا يكون للناس عليكم حجة} قال: حجتهم قولهم: قد راجعت قبلتنا. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن قتادة ومجاهد في قوله {إلا الذين ظلموا منهم} قال: هم مشركو العرب، قالوا حين صرفت القبلة إلى الكعبة: قد رجع إلى قبلتكم فيوشك أن يرجع إلى دينكم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {إلا الذين ظلموا منهم} قال: الذيت ظلموا منهم مشركو قريش، إنهم سيحتجون بذلك عليكم، واحتجوا على نبي اللّه بانصرافه إلى البيت الحرام، وقالوا: سيرجع محمد على ديننا كما رجع إلى قبلتنا، فأنزل اللّه في ذلك كله (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن اللّه مع الصابرين) (البقرة الآية ١٥٣). وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {لئلا يكون للناس عليكم حجة} قال: يعني بذلك أهل الكتاب {إلا الذين ظلموا منهم} بمعنى مشركي قريش. ١٥١ أخرج ابن أبي حاتم عن أبي الاعلاية في قوله {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم} يقول: كا فعلت فاذكروني. ١٥٢ أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله {فاذكروني أذكركم} قال: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي. وأخرج أبو الشيخ والديلمي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {فاذكروني أذكركم} يقول: اذكروني يا معاشر العباد بطاعتي أذكروكم بمغفرتي". وأخرج ابن لال والديلمي وابن عساكر عن أبي هند الداري "عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال اللّه: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي، فمن ذكرني وهو مطيع فحق علي أن أذكره بمغفرتي، ومن ذكرني وهو لي عاص فحق علي أن أذكره بمقت". وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله {فاذكروني أذكركم} قال: قال ابن عباس: يقول اللّه "ذكري لكم خير من ذكركم لي". وأخرج الطبراني في الأوسط وأبو نعيم عن أبي هرير عن النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول اللّه "يا ابن آدم إنك إذا ماذكرتني شكرتني، وإذا ما نسيتني كفرتني". وأخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن زيد بن أسلم. أن موسى عليه السلام قال: يا رب أخبرني كيف أشكرك؟ قال "تذكرني ولا تنساني، فإن ذكرتني شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني". وأخرج الطبراني وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أعطي أربعا أعطي أربعا، وتفسير ذلك في كتاب اللّه من أعطي الذكر ذكره اللّه لأن اللّه يقول {فاذكروني أذكروكم}، ومن أعطي الدعاء أعطي الإجابة لأن اللّه يقول {ادعوني استجب لكم) (غافر الآية ٦٠)، ومن أعطي الشكر أعطي الزيادة لأن اللّه يقول (لئن شكرتم لأزيدنكم) (إبراهيم الآية ٧)، ومن أعطي الاستغفار أعطي المغفرة لأن اللّه يقول (استغفروا ربكم إنه كان غفارا) (نوح الآية ١٠) ". وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله تعالى {فاذكروني أذكركم} قال: ليس من عبد يذكر اللّه إلا ذكره اللّه إلا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمة، ولا يذكره كافر إلا ذكره بعذاب. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: أوحى اللّه إلى داود "قل للظلمة لا يذكروني فإن حقا علي أذكر من ذكرني، إن ذكري إياهم أن ألعنهم". وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر. أنه قيل له: أرأيت قاتل النفس وشارب الخمر والزاني يذكر اللّه وقد قال اللّه {فاذكروني أذكركم}؟ قال: إذا ذكر اللّه هذا ذكره اللّه بلعنته حتى يسكت. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن خالد بن أبي عمران قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أطاع اللّه فقد ذكر اللّه وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن، ومن عصى اللّه فقد نسي اللّه وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يقول اللّه: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة". وأخرج أحمد والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: قال اللّه عز وجل: يا ابن آدم إذا ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ من الملاءكة. أو قال: في ملأ خير منهم، وإن دنوت مني شبرا دنوت منك باعا، وإن أتيتني تمشي أتيتك بهرولة". وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "قال اللّه عز وجل ذكره: لا يذكرني أحد في نفسه إلا ذكرته في ملأ من ملائكتي، ولا يذكرني في ملأ إلا ذكرته في الرفيق الأعلى". وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر والبزار و البيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "قال اللّه: يا ابن آدم إذا ذكرتني خاليا ذكرتك خاليا، وإذا ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير من الذين تذكرني فيهم وأكثر". وأخرج ابن ماجه وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن اللّه عز وجل يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن عبد اللّه بن بسر أن رجلا قال: يا رسول اللّه إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أستن به، قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر اللّه". وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار وابن حبان والطبراني والبيهقي عن مالك بن يخامر، أن معاذ بن جبل قال لهم "إن آخر كلام فارقت عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن قلت: أي الأعمال أحب إلى اللّه؟ قال: أن تموت ولسانك رطب من ذكر اللّه". وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي المخارق قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "مررت ليلة أسرى بي برجل في نور العرش قلت: من هذا، ملك؟! قيل: لا. قلت: نبي..؟ قيل: لا. قلت: من هذا؟ قال: هذا رجل كان في الدنيا لسانه رطب من ذكر اللّه، وقلبه معلق بالمساجد، ولم يستسب لوالديه". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي الدنيا عن سالم بن أبي الجعد قال: قيل لأبي الدرداء: إن الرجل أعتق مائة نسمة قال: إن مائة نسمة من مال رجل لكثير، وأفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل والنهار أن لا يزال لسان أحدكم رطبا من ذكر اللّه. وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم فتضربوا أعناقهم؟ قالوا: بلى. قال: ذكر اللّه". وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عبد اللّه بن عمرو عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يقول "إن لكل شيء صقالة وإن صقالة القلوب ذكر اللّه، وما من شيء أنجى من عذاب اللّه من ذكر اللّه. قالوا: ولا الجهاد في سبيل اللّه؟ قال: ولو أن يضرب بسيفه حتى ينقطع". وأخرج البزار والطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من عجز منكم عن الليل أن يكابده، وبخل بالمال أن ينفقه، وحين غدر العدوان يجاهده فليكثر ذكر اللّه". وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر رفعه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ما عمل آدمي عملا أنجى له من العذاب من ذكر اللّه. قيل: ولا الجهاد في سبيل اللّه؟ قال: ولا الجهاد في سبيل اللّه إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع". وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والطبراني والبيهقي عن ابن عباس"أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: قلب شاكر، ولسان ذاكر، وبدن على البلاء صابر، وزوجة لا تبغيه خونا في نفسها وماله". وأخرج ابن حبان عن أبي سعيد الخدري "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ليذكرن اللّه أقوام في الدنيا على الفرش الممهدة، يدخلهم اللّه الدرجات العلى". وأخرج البخاري ومسلم والبيهقي عن أبي موسى قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت". وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي ذر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ما من يوم وليلة إلا واللّه عز وجل فيه صدقة من بها على من يشاء من عباده، وما من اللّه على عبد بأفضل من أن يلهمه ذكره". وأخرج ابن أبي شيبة عن خالد بن معدان قال: إن اللّه يتصدق كل يوم بصدقة، فما تصدق على عبده بشيء أفضل من ذكره. وأخرج الطبراني عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لو أن رجلا في حجره دراهم يقسمها وآخر يذكر اللّه لكان الذاكر للّه أفضل". وأخرج الطبراني والبيهقي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكر اللّه تعالى فيها". وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عائشة "أنها سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر اللّه فيها بخير إلا تحسر عليها يوم القيامة". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه البيهقي عن أبي هريرة وأبي سعيد "أنهما شهدا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: لا يقعد قوم يذكرون اللّه إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، و نزلت عليهم السكينة، وذكرهم اللّه فيمن عنده". وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن لأهل ذكر اللّه أربعا. ينزل عليهم السكينة، وتغشاهم الرحمة، وتحف بهم الملائكة، ويذكرهم الرب في ملأ عنده". وأخرج الحاكم وصححه عن أبي الدرداء"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: إن اللّه يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه". وأخرج الحاكم وصححه عن أنس مرفوعا قال اللّه "عبدي أنا عند ظنك بي، وأنا معك إذا ذكرتني". وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عمر قال: ذكر اللّه بالغداة والعشي أعظم من حطم السيوف في سبيل اللّه، وإعطاء المال سخاء. وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال: لو أن رجلين أحدهما يحمل على الجياد في سبيل اللّه، والآخر يذكر اللّه لكان الذاكر أعظم وأفضل أجرا. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سلمان الفارسي قال: لو بات رجل يعطي القناة البيض يقصد قتال الأعداء. ولفظ أحمد: يطاعن الأقران، وبات آخر يقرأ القرآن أو يذكر اللّه لرأيت أن ذاكر اللّه أفضل. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمرو لو أن رجلين أقبل أحدهما من المشرق والآخر من المغرب، مع أحدهما ذهب لا يضع منه شيئا إلا في حق، والآخر يذكر اللّه حتى يلتقيا في طريق كان الذي يذكر اللّه أفضلهما. وأخرج البخاري ومسلم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن للّه ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون اللّه تنادوا هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء، فإذا تفرقوا عرجوا إلى السماء، فيسألهم ربهم - وهو يعلم - من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك. فيقول: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيدا، وأشد لك تسبيحا. فيقول: فما يسألون؟ فيقولون: يسألونك الجنة. فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا. فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوذون: يتعوذون من النار. فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا. فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة. فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم. فيقول ملك من الملائكة: فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة. قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي و النسائي عن معاوية "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر اللّه ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا. قال اللّه ماجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آللّه ما أجلسنا إلا ذلك. قال: أما أني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن اللّه يباهي بكم الملائكة". وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد الخدري "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: يقول اللّه يوم القيامة: سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم. فقيل: ومن أهل الكرم يا رسول اللّه؟ قال: أهل مجالس الذكر". وأخرج أحمد عن أنس قال: كان عبد اللّه بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: تعال نؤمن بربنا ساعة. فقال ذات يوم لرجل فغضب الرجل، فجاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم "يرحم اللّه ابن رواحة إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة". وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى والطبراني عن أنس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "ما من قوم اجتمعوا يذكرون اللّه لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات". وأخرج الطبراني عن سهل بن الحنظلية قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما جلس قوم مجلسا يذكرون اللّه عز وجل فيه فيقومون حتى يقال لهم: قوموا قد غفرت لكم وبدلت سيئاتكم حسنات". وأخرج البيهقي عن عبد اللّه بن مغفل قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من قوم اجتمعوا يذكرون اللّه إلا ناداهم مناد في السماء: قوموا مغفورا لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات، وما من قوم اجتمهوا في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا اللّه إلا كان ذلك عليهم حسرة يوم القيامة". وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما عمل آدمي عملا قط أنجى له من عذاب القبر من ذكر اللّه. وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند ميلككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من تعاطي الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه. قال: ذكر اللّه". وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل "أنه سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن أفضل الإيمان؟ قال: أن تحب للّه وتبغض للّه، وتعمل في ذكر اللّه. قال: وماذا؟ قال: وأن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره للناس ما تكره لنفسك، وأن تقول خيرا أو تصمت". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد اللّه بن أحمد في زوائد الزهد عن أبي برزة الأسلمي قال: لو أن رجلا في حجره دنانير يعطيها وآخر ذاكر اللّه عز وجل لكان الذاكر أفضل. وأخرج عبد اللّه بن أحمد عن أبي الدرداء قال: اذكر اللّه عند كل حجيرة وشجيرة ومدرة، واذكره في سرائك تذكر في ضرائك. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: إن الذين لا تزال ألسنتهم رطبة بذكر اللّه تبارك وتعالى يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك. وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: لأن أكبر مائة تكبيرة أحب إلي من أن أتصدق بمائة دينار. وأخرج عبد اللّه ابنه عن عبد اللّه بن عمرو قال: ما اجتمع ملأ يذكرون اللّه إلا ذكرهم اللّه في ملأ أعز منه وأكرم، وما تفرق قوم لم يذكروا اللّه في مجلسهم إلا كان حسرة عليهم يوم القيامة. وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال: التكبيرة خير من الدنيا وما فيها. وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من النار من ذكر اللّه. قالوا: يا رسول اللّه ولا الجهاد في سبيل اللّه؟ قال: ولا الجهاد في سبيل اللّه إلا أن تضرب بسيفك حتى ينقطع، ثم تضرب بسيفك حتى ينقطع، ثم تضرب حتى ينقطع". وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال: لأن اذكر اللّه من غدوة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أحمل على الجياد في سبيل اللّه من غدوة حتى تطلع الشمس. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبادة بن الصامت قال: لأن أكون في قوم يذكرون اللّه من حين يصلون الغداة إلى حين تطلع الشمس أحب إلي من أن أكون على متون الخيل أجاهد في سبيل اللّه إلى أن تطلع الشمس، ولأن أكون في قوم يذكرون من حين يصلون العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أن أكون على متون الخيل أجاهد في سبيل اللّه حتى تغرب الشمس. وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان قال: إذا كان العبد يحمد اللّه في السراء ويحمده في الرخاء فأصابه ضر دعا اللّه قالت الملائكة: صوت معروف من امرئ ضعيف فيشفعون له، فإذا كان العبد لا يذكر اللّه في السراء ولا يحمده في الرخاء فأصابه ضر فدعا اللّه قالت الملائكة: صوت منكر. وأخرج ابن أبي شيبة عن جعفر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أشد الأعمال ثلاثة، ذكر اللّه على كل حال، والإنصاف من نفسك، والمواساة في المال". وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: إن أهل السماء ليرون بيوت أهل الذكر تضيء لهم كما يضيء الكوكب لأهل الأرض. وأخرج البزار عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن للّه سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم، ثم بعثوا رائدهم إلى السماء إلى رب العزة تبارك وتعالى فيقولون: ربنا أتينا على عباد من عبادك يعظمون آلاءك، ويتلون كتابك، ويصلون على نبيك محمد صلى اللّه عليه وسلم، ويسألونك لآخرتهم ودنياهم. فيقول تبارك وتعالى: غشوهم برحمتي، فهم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم". وأخرج أحمد عن ابن عمر قال: قلت: يا رسول اللّه ما غنيمة مجالس الذكر؟ قال: غنيمة مجالس الذكر الجنة. وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار وأبو يعلى والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الدعوات عن جابر قال "خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إن للّه سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر، فارتعوا في رياض الجنة. قالوا: وأين رياض الجنة؟ قال: مجالس الذكر، فاغدوا وروحوا في ذكر اللّه وذكروه أنفسكم، من كان يحب أن يعلم م نزلته عند اللّه فلينظر اللّه كيف منزلة اللّه عنده، فإن اللّه ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه". وأخرج أحمد والترمذي وحسنه عن أنس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا.) قال: (وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر). وأخرج الطبراني عن عمرو بن عبسة سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين رجال ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغشي بياض وجوهم نظر الناظرين، يغبطهم النبيون والشهداء بمقعدهم وقربهم من اللّه.) قيل: يا رسول اللّه من هم؟ قال: (هم جماع من نوازع القبائل، يجتمعون على ذكر اللّه تعالى فينتقون أطايب الكلام كما ينتقي آكل التمر أطايبه). وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ليبعثن اللّه أقواما يوم القيامة في وجوهم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء.) فقال أعرابي: يا رسول اللّه صفهم لنا نعرفهم؟ قال: (هم المتحابون في اللّه من قبائل شتى وبلاد شتى، يجتمعون على ذكر اللّه يذكرونه). وأخرج الخرائطي في الشكر عن خليد العقري قال: إن لكل بيت زينة، وزينة المساجد الرجال على ذكر اللّه. وأخرج البيهقي في الدعوات عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لهم: (أتحبون أيها الناس أن تجتهدوا في الدعاء؟ قالوا: نعم. قال: قولوا: اللّهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك). وأخرج أحمد في الزهد عن عمرو بن قيس قال: أوحى اللّه إلى داود إنك إن ذكرتني ذكرتك وإن نستني تركتك، واحذر أن أجدك على حال لا أنظر إليك فيه. وأخرج عبد اللّه ابنه في زوائده عن معاوية بن قرة عن أبيه أنه قال له: يا بني إذا كنت في قوم يذكرون اللّه فبدت لك حاجة فسلم عليهم حين تقوم، فإنك لا تزال لهم شريكا ما داموا جلوسا. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي جعفر قال: ما من شيء أحب إلى اللّه من الذكر والشكر. أما قوله تعالى {واشكروا لي ولا تكفرون} أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن المنكدر قال: كان من دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (اللّهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك). وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن أبي الدنيا والبيهقي عن معاذ قال: قال لي النبي صلى اللّه عليه وسلم (إني أحبك لا تدعن أن تقول في دبر كل صلاة: اللّهم أعني على شكرك وشكرك وحسن عبادتك). وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي الجلد قال: قرأت في مساءلة موسى عليه السلام. أنه قال: (يا رب كيف لي أن أشكرك وأصغر نعمة وضعتها عندي من نعمك لا يجازي بها عملي كله؟ فأتاه الوحي: أن يا موسى الآن شكرتني). وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن سليمان التيمي قال: إن اللّه عز وجل أنعم على العباد على قدره، وكلفهم الشكر على قدرهم. وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الملك بن مروان قال: ما قال عبد كلمة أحب إليه وابلغ من الشكر عنده من أن يقول: الحمد للّه الذي أنعم علينا وهدانا للإسلام. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الأصبغ بن نباتة قال: كان علي رضي اللّه عنه إذا دخل الخلاء قال: بسم اللّه الحافظ من المؤذي، وإذا خرج مسح بيده على بطنه ثم قال: يا لها من نعمة لو يعلم العباد شكرها. وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن قال: إن اللّه ليمنع النعمة ما شاء، فإذا لم يشكر قلبها عذابا. وأخرج ابن أبي الدنيا والخرائطي كلاهما في كتاب الشكر والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال (ما أنعم اللّه على عبده من نعمة فعلم أنها من عند اللّه إلا كتب اللّه له شكرها قبل أن يحمده، وما علم اللّه من عبد ندامة على ذنب إلا غفر له ذلك قبل أن يستغفره، إن الرجل ليشتري الثوب بالدينار فيلبسه فيحمد اللّه فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له). وأخرج البيهقي في الشعب عن علي رضي اللّه عنه قال: من قال حين يصبح: الحمد للّه على حسن المساء، والحمد للّه على حسن المبيت، والحمد للّه على حسن الصباح، فقد أدى شكر ليلته ويومه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والبيهقي عن عبد اللّه: أدى شكر ليلته ويومه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا البيهقي عن عبد اللّه بن سلام قال: قال موسى عليه السلام: يا رب ما الشكر الذي نبغي لك؟ قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكري. قال: فإنا نكون من الحال إلى حال نجلك أن نذكرك عليها، قال: ما هي؟ قال: الغائط، وإهراق الماء من الجنابة، وعلى غير وضوء. قال: كلا. قال: يا رب كيف أقول؟ قال: تقول سبحانك اللّهم وبحمدك لا إله إلا أنت، فجنبني الأذى سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت فقني من الأذى. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن إسحق بن عبد اللّه بن أبي طلحة، أن رجلا كان يأتي النبي صلى اللّه عليه وسلم فيسلم عليه، فيقول النبي صلى اللّه عليه وسلم يدعو له، فجاء يوما فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم (كيف أنت يا فلان؟) قال: بخير إن شكرت. فسكت النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال الرجل: يا نبي اللّه كنت تسألني وتدعو لي، وإنك سألتني اليوم فلم تدع لي؟ قال: (إني كنت أسألك فتشكر اللّه، وإني سألتك اليوم فشككت في الشكر). عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه. أنه ان يقول في دعائه: أسألك تمام النعمة في الأشياء كلها، والشكر لك عليها حتى ترضى وبعد الرضا. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي حازم، أن رجلا قال له: ما شكر العينين؟ قال: إن رأيت بهما خيرا أعلنته، وإن رأيت بهما شرا سترته. قال: فما شكر الأذنين؟ قال: إن سمعت خيرا وعيته، وإن سمعت بهما شرا أخفيته. قال: فما شكر اليدين؟ قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقا للّه عز وجل هو فيهما. قال: فما شكر البطن؟ قال: أن يكون أسفله طعاما، وأعلاه علما. قال: فما شكر الفرج؟ قال: كما قال اللّه عز وجل {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} [المؤمنون الآية ٦] إلى قوله {فأولئك هم العادون} قال: فما شكر الرجلين؟ قال: إن رأيت حيا غبطته بهما عملته، وإن رأيت ميتا مقته كففتهما عن عمله وأنت شاكر للّه عز وجل، فأما من شكر بلساه ولم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ولم يلبسه، فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر. وأخرج البيهقي في الشعب عن علي بن المديني قال: قيل لسفيان بن عينية: ما حد الزهد؟ قال: أن تكون شاكرا في الرخاء صابرا في البلاء، فإذا كان كذلك فهو زاهد. قيل لسفيان: ما الشكر؟ قال: أن تجتنب ما نهى اللّه عنه. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عمر بن عبد العزيز قال: قيدوا نعم اللّه بالشكر للّه عز وجل، شكر اللّه ترك المعصية. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن محمد بن لوط الأنصاري قال: كان يقال: الشكر ترك المعصية. وأخرج ابن أبي الدنيا عن مخلد بن حسين قال: كان يقال: الشكر ترك المعاصي. وأخرج البيهقي عن اجنيد قال: قال السري يوما: ما الشكر؟ فقلت له: الشكرعندي أن لا يستعان على المعاصي بشيء من نعمه. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن سفيان بن عينية قال: قيل للزهري ما الزاهد؟ قال: من لم يغلب الحرام صبره، ولم يمنع الحلال شكره. وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: الشكر يأخذ بجرم الحمد وأصله وفرعه، فلينظر في نعم من اللّه في بدنه وسمعه وبصره ويديه ورجليه وغير ذلك، ليس من هذا شيء إلا وفيه نعمة من اللّه حق على العبد أن يعمل بالنعم اللاتي هي في يديه للّه عز وجل في طاعته ونعم أخرى في الرزق، وحق عليه أن يعمل للّه فيما أنعم به عليه من الرزق في طاعته، فمن عمل بهذا كان أخذ بجرم الشكر وأصله وفرعه. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عامر قال: الشكر نصف الإيمان، والصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله. وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سئل الأستاذ أبو سهل محمد بن سليمان الصعلوكي عن الشكر والصبر أيهما أفضل؟ فقال: هما في محل الاستواء، فالشكر وظيفة السراء، والصبر فريضة الضراء. وأخرج الترمذي وحسنه وابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال (للطاعم الشاكر من الأجر مثل ما للصائم الصابر). وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال: من لم يعرف نعمة اللّه عليه إلا في مطعمه ومشربه، فقد قل عمله وحضر عذابه. وأخرج البيهقي عن الفضيل بن عياض قال: عليكم بالشكر فإنه قل قوم كانت عليهم من اللّه نعمة فزالت عنهم ثم عادت إليهم. وأخرج البيهقي عن عمارة بن حمزة قال: إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر. وأخرج البيهقي عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (من نظر في الدين إلى من فوقه وفي الدنيا إلى من تحته كتبه اللّه صابرا شاكرا، ومن نظر في الدين إلى من تحته ونظر في الدنيا إلى من فوقه لم يكتبه اللّه صابرا ولا شاكرا). وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده سمعت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (خصلتان من كانتا فيه كتبه اللّه صابرا شاكرا، ومن لم يكونا فيه لم يكتبه اللّه صابرا ولا شاكرا، من نظر في دينه إلى من فوقه فاقتدى به، ومن نظر في دنياه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فاسف على ما فاته لم يكتبه اللّه شاكرا ولا صابرا). وأخرج مسلم والبيهقي عن صهيب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (عجبا لأمر المؤمن كله خير إن أصابته سراء فشكر كان خيرا، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا). وأخرج النسائي والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (عجبت للمؤمن إن أعطي قال: الحمد للّه فشكر، وإن ابتلي قال: الحمد للّه فصبر، فالمؤمن يؤجر على كل حال، حتى اللقمة يرفعها إلى فيه). وأخرج البيهقي وضعفه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (من كانت فيه ثلاث أدخله اللّه في رحمته، وأراه محبته، وكان في كنفه: من إذا أعطي شكر، وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر). وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي وضعفه عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (ثلاث من كن فيه آواه اللّه في كنفه، وستر عليه برحمته، وأدخله في محبته. قيل: وما هن يا رسول اللّه؟ قال: من إذا أعطي شكر، وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر). وأخرج أبو داود والنسائي وابن أبي الدنيا في الشكر والفريابي في الذكر والمعمري في عمل اليوم والليلة والطبراني في الدعاء وابن حبان والبيهقي والمستغفري كلاهما في الدعوات عن عبد اللّه بن غنام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (من قال حين يصبح: اللّهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر يومه، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته). وأخرج ابن أبي الدنيا عن السري بن عبد اللّه أنه كان في الطائف، فاصابهم مطر، فخطب الناس فقال: يا أيها الناس أحمدوا اللّه على ما وضع لكم من رزقه، فإنه بلغني عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال (إذا أنعم اللّه عز وجل على عبده بنعمة فحمده عندها فقد أدى شكرها). وأخرج ابن أبي الدنيا والخرائطي كلاهما في كتاب الشكر عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (من رأى صاحب بلاء فقال: الحمدللّه الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني عليك وعلى جميع خلقه تفضيلا فقد أدى شكر النعمة). وأخرج ابن أبي الدنيا عن كعب قال: ما أنعم اللّه عز وجل على عبد نعمة في الدنيا فشكرها للّه عز وجل وتواضع بها للّه إلا أعطاه نفعها في الدنيا ورفع له بها درجة في الآخرة، وما أنعم اللّه على عبد من نعمة في الدنيا فلم يشكرها للّه عز وجل ولم يتواضع بها للّه إلا منعه اللّه عز وجل نفعها في الدنيا وفتح له طبقا من النار، فعذبه إن شاء أو تجاوز عنه. وأخرج ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: ما من عبد يشرب من ماء القراح فيدخل بغير أذى ويجري بغير أذى إلا وجب عليه الشكر. وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه عن أبي بكرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسره خر ساجدا للّه عز وجل شكرا للّه. وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له: (إني لقيت جبريل عليه السلام فبشرني، وقال: إن اللّه يقول لك: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت للّه شكرا). وأخرج الخرائطي في الشكر عن جابر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا رأى صاحب بلاء خر ساجدا. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والخرائطي في الشكر عن شداد بن أوس سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إذا كنز الناس الذهب والفضة فأكثروا هؤلاء الكلمات: اللّهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وأسألك حسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب). وأخرج الخرائطي عن جابر بن عبد اللّه سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (أفضل الذكر لا إلا إله إلا اللّه، وأفضل الشكر الحمد للّه). وأخرج الخرائطي والبيهقي في الدعوات عن منصور بن صفية قال: مر النبي صلى اللّه عليه وسلم برجل وهو يقول: الحمد للّه الذي هداني للإسلام وجعلني من أمة محمد. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (لقد شكرت عظيما). وأخرج الخرائطي عن محمد بن كعب القرظي قال: يا هؤلاء احفظوا اثنتين، شكر النعمة وإخلاص الإيمان. وأخرج الخرائطي عن أبي عمر الشيباني قال: قال موسى عليه السلام يوم الطور: يا رب إن أنا صليت فمن قبلك، وإن أنا تصدقت فمن قبلك، وإن أنا بلغت رسالاتك فمن قبلك، فكيف أشكرك؟ قال: يا موسى الآن شكرتني. وأخرج ابن أبي الدنيا والخرائطي والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد اللّه بن قرط الأزدي وكان من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إنما تثبت النعمة بشكر المنعم عليه للمنعم. وأخرج الخرائطي عن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب قال: أشكر المنعم عليك، فإنه لا نفاد للنعم إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت، والشكر زيادة في النعم، وأمان من الغير. وأخرج الخرائطي عن خالد الربعي قال: كان يقال: إن من أجدر الأعمال أن تعجل عقوبته: الأمانة تخان، والرحم يقطع، والإحسان يكفر. وأخرج الخرائطي عن كعب الأحبار قال: شر الحديث التجديف قال أبو عبيد: قال الأصمعي: التجديف هو الكفر بالنعم، وقال الأموي: هو استقلال ما أعطاه اللّه عز وجل. ١٥٣ أخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: غشي على عبد الرحمن بن عوف في وجعه غشية ظنوا أنه قد فاضت به نفسه فيها حتى قاموا من عنده وجللوه ثوبا، وخرجت أم كلثوم بنت عقبة امرأته إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة، فلبثوا ساعة وهو في غشيته ثم أفاق. ١٥٤ أخرج ابن منده في المعرفة من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قتل تميم بن الحمام ببدر وفيه وفي غيره نزلت {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أموات...} الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن حبير في قوله {لمن يقتل في سبيل اللّه} قال: في طاعة اللّه، في قتال المشركين. وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي العالية في قوله {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أموات بل أحياء} قال: يقول: هم أحياء في صور طير خضر، يطيرون في الجنة حيث شاؤوا، ويأكلون من حيث شاؤوا. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير عن عكرمة في قوله تعالى {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أموات...} الآية. قال: أرواح الشهداء طير بيض فقاقيع في الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في البعث والنشور عن كعب قال: جنة المأوى فيها طير خضر ترتقي فيها أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، وأولاد المؤمنين الذين لم يبلغوا الحنث عصافير من عصافير الجنة ترعى وتسرح. وأخرج عبد الرزاق عن معمرعن قتادة قال: بلغنا أن أرواح الشهداء في صور طير بيض تأكل من ثمار الجنة، وقال الكلبي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: في صورة طير بيض تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش). وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون} قال: ذكر لنا أن أرواح الشهداء تعارف في طير بيض تأكل من ثمار الجنة، وإن مساكنهم السدرة، وأن اللّه أعطى المجاهد ثلاث خصال من الخير. من قتل في سبيل اللّه حيا مرزوقا، ومن غلب آتاه اللّه أجره عظيما، ومن مات رزقه اللّه رزقا حسنا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {بل أحياء} قال: كان يقول: من ثمر الجنة، ويجدون ريحها وليسوا فيها. وأخرج مالك وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه عن كعب بن مالك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تعلق تعلق من ثمر الجنة: ترعى من أعلاه من ثمر الجنة أو شجر الجنة). وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبد اللّه بن كعب بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (أرواح الشهداء في صور طير خضر معلقة في قناديل الجنة حتى يرجعها اللّه يوم القيامة). وأخرج النسائي والحاكم وصححه عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول اللّه له: يا ابن آدم كيف وجدك منزلك؟ فيقول: أي رب خير منزل. فيقول: سل وتمن. فيقول: وما أسألك وأتمنى، أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيل اللّه عشر مرات لما يرى من فضل الشهادة). ١٥٥ انظر تفسير الآية: ١٥٧ ١٥٦ انظر تفسير الآية: ١٥٧ ١٥٧ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله {ولنبلونكم...} الآية. قال: أخبر اللّه المؤمنين أن الدنيا دار بلاء، وأنه مبتليهم فيها وأمرهم بالصبر، وبشرهم فقال {وبشر الصابرين}. وأخبر أن المؤمن إذا سلم لأمر اللّه ورجع واسترجع عند المصيبة كتب اللّه له ثلاث خصال من الخير: الصلاة من اللّه، والرحمة، وتحقيق سبل الهدى. وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من استرجع عند المصيبة جبر اللّه مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلفا صالحا يرضاه". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء في قوله {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع} قال: هم أصحاب محمد عليه السلام. وأخرج سفيان بن عينية وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن جويبر قال: كتب رجل إلى الضحاك يسأله عن هذه الآية {إنا للّه وإنا إليه راجعون} أخاصة هي أم عامة؟ فقال: هي لمن أخذ بالتقوى، وأدى الفرائض. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {لنبلونكم} قال: ولنبتليكم يعني المؤمنين {وبشر الصابرين} قال: على أمر اللّه في المصائب، يعني بشرهم بالجنة {أولئك عليهم} يعني على من صبر على أمر اللّه عند المصيبة {صلوات} يعني مغفرة {من ربهم ورحمة} يعني رحمة لهم وأمنة من العذاب {وأولئك هم المهتدون} يعني من المهتدين بالاسترجاع عند المصيبة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن رجاء بن حيوة في قوله: ونقص من الثمرات. قال: يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة فيه إلا تمرة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق رجاء بن حيوة عن كعب. مثله. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "أعطيت أمتي شيئا لم يعطه أحد من الأمم، أن يقولوا عند المصيبة {إنا للّه وإنا إليه راجعون} ". وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن سعيد بن جبير قال: لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة شيئا لم تعطه الأنبياء من قبلهم، ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب إذ يقول: يا أسفي على يوسف {إنا للّه وإنا إليه راجعون} لفظ البيهقي قال: لم يعط أحد من الأمم الاسترجاع غير هذه الأمة، أما سمعت قول يعقوب؟: يا أسفي على يوسف. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا للّه وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} قال: من استطاع أن يستوجب للّه في مصيبته ثلاثا الصلاة والرحمة والهدى فليفعل ولا قوة إلا باللّه، فإنه من استوجب على اللّه حقا بحق أحقه اللّه له، ووجد اللّه وفيا. وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب العزاء وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب قال: نعم العدلان ونعم العلاوة {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا للّه وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} نعم العدلان {وأولئك هم المهتدون} نعم العلاوة. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد اللّه ابن عمرو قال: أربع من كن فيه بنى اللّه له بيتا في الجنة: من كان عصمة أمره لا إله إلا اللّه، وإذا أصابته مصيبة قال: إنا للّه وإنا إليه راجعون، وإذا أعطي شيئا قال: الحمد للّه، وإذا أذنب ذنبا قال: استغفر اللّه. وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء عن علي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب اللّه له ثلثمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض". وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء عن يونس بن يزيد قال: سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن ما منتهى الصبر؟ قال: يكون يوم تصبيه المصيبة مثله قبل أن تصيبه. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الاعتبار عن عمر بن عبد العزيز. أن سليمان بن عبد الملك قال له عند موت ابنه: أيصبر المؤمن حتى لا يجد لمصيبته ألما؟ قال: يا أمير المؤمنين لا يستوي عندك ما تحب وما تكره، ولكن الصبر معول المؤمن. وأخرج أحمد وابن ماجه والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسين بن علي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ما من مسلم يصلب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها، فيحدث لذلك استرجاعا إلا جدد اللّه له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب". وأخرج سعيد بن منصور والعقيلي في الضعفاء من حديث عائشة. مثله. وأخرج الحكيم الترمذي عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"ما من نعمة وإن تقادم عهدها فيجدد لها العبد الحمد إلا جدد اللّه له ثوابها، وما من مصيبة وإن تقادم عهدها فيجدد لها العبد الاسترجاع إلا جدد اللّه له ثوابها وأجرها". وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء عن سعيد بن المسيب رفعه "من استرجع بعد أربعين سنة أعطاه اللّه ثواب مصيبته يوم أصيبها". وأخرج ابن أبي الدنيا عن كعب قال: ما من رجل تصيبه مصيبة فيذكرها بعد أربعين سنة فيسترجع إلا أجرى اللّه له أجرها تلك الساعة، كما أنه لو استرجع يوم أصيب. وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن أم سلمة قالت: أتاني أبو سلمة يوما من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: لقد سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قولا سررت به قال "لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته، ثم يقول: اللّهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا فعل ذلك به. قالت: أم سلمة: فحفظت ذلك منه، فلما توفي أبو سلمة استرجعت، فقلت: اللّهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، ثم رجعت إلى نفسي وقلت من أين لي خير من أبي سلمة؟ فأبدلني اللّه بأبي سلمة خيرا منه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم". وأخرج مسلم عن أم سلمة قالت"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا للّه وإنا إليه راجعون، اللّهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا آجره اللّه في مصيبته وأخلف له خيرا منها. قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأخلف اللّه لي خيرا منه، رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم". وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا مات ولد العبد قال اللّه لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول اللّه، ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد". وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن للموت فزعا، فإذا أتى أحدكم وفاة أخيه فليقل: إنا للّه وإنا إليه راجعون وإنا إلى ربنا لمنقلبون". وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء عن أبي بكر بن أبي مريم سمعت أشياخا يقولون: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إن أهل المصيبة لتنزل بهم فيجزعون وتسور عنهم فيمر بها مار من الناس، فيقول: إنا للّه وإنا إليه راجعون، فيكون فيها أعظم أجرا من أهلها". وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن أبي أمامة قال "انقطع قبال (قبال: زمام النعل) النبي صلى اللّه عليه وسلم فاسترجع فقالوا: مصيبة يا رسول اللّه؟ فقال: ما أصاب المؤمن مما يكره فهو مصيبة". وأخرج البزار بسند ضعيف والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إذا انقطع شسع (زمام النعل بين الأصبع الوسطى والتي تليها) أحدكم فليسترجع لأنها من المصائب". وأخرج البزار بسند ضعيف عن شداد بن أوس مرفوعا. مثله. وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء عن شهر بن حوشب رفعه قال "من انقطع شسعه فليقل إنا للّه وإنا إليه راجعون، فإنها مصيبة". وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن عوف بن عبد اللّه قال: من انقطع شسعه فليقل إنا للّه وإنا إليه راجعون، فإنها مصيبة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن عوف بن عبد اللّه قال: كان ابن مسعود يمشي فانقطع شسعه فاسترجع فقيل: يسترجع على مثل هذا؟ قال: مصيبة. وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وهناد وعبد اللّه بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب. أنه انقطع شسعه فقال: إنا للّه وإنا إليه راجعون. فقيل له: مالك؟! فقال: انقطع شسعي فسائني، وما ساءك فهو لك مصيبة. وأخرج ابن أبي الدنيا في الأمل والديلمي عن أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلا اتخذ قبالا من حديد فقال: أما أنت أطلت الأمل، إن أحدكم إذا انقطع شسعه فقال: إنا للّه وإنا إليه راجعون كان عليه من ربه الصلاة والهدى والرحمة، وذلك خير له من الدنيا". وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في العزاء عن عكرمة قال "طفئ سراج النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إنا للّه وإنا إليه راجعون. فقيل: يا رسول اللّه أ مصيبة هي؟ قال: نعم، وكل ما يؤذي المؤمن فهو مصيبة له وأجر". وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد العزيز بن أبي رواد قال "بلغني أن المصباح طفئ فاسترجع النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: كل ما ساءك مصيبة". وأخرج الطبراني وسمويه في فوائده عن أبي أمامة قال "خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فانقطع شسع النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إنا للّه وإنا إليه راجعون. فقال له رجل: هذا الشسع؟! فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إنها مصيبة". وأخرج ابن السني في عمل يوم وليلة عن أبي إدريس الخولاني قال "بينا النبي صلى اللّه عليه وسلم يمشي هو وأصحابه إذ انقطع شسعه فقال: إنا للّه وإنا إليه راجعون. قال: ومصيبة هي؟! قال: نعم، كل شيء ساء المؤمن فهو مصيبة". وأخرج الديلمي عن عائشة قالت "أقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد لدغته شوكة في إبهامه، فجعل يسترجع منها ويمسحها، فلما سمعت استرجاعه دنوت منه فنظرت!، فإذا أثر حقير فضحكت!، فقلت: يا رسول اللّه بأبي أنت وأمي أكل هذا الاسترجاع من أجل هذه الشوكة؟! فتبسم ثم ضرب على منكبي فقال: يا عائشة إن اللّه عز وجل إذا أراد أن يجعل الصغير كبيرا جعله، وإذا أراد أن يجعل الكبير صغيرا جعله". وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: إذا فاتتك صلاة في جماعة فاسترجع، فإنها مصيبة. وأخرج عبد بن حميد عن سواد بن داود. أن سعيد بن المسيب جاء وقد فاتته الصلاة في الجماعة، فاسترجع حتى سمع صوته خارجا من المسجد. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الصبر عند الصدمة الأولى، والعبرة لا يملكها ابن آدم صبابة المرء إلى أخيه". وأخرج ابن سعد عن خيثمة قال: لما جاء عبد اللّه بن مسعود نعي أخيه عتبة دمعت عيناه فقال: إن هذه رحمة جعلها اللّه لا يملكها ابن آدم. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم رأى امرأة تبكي على صبي لها فقال لها: اتقي اللّه واصبري. فقالت: وما تبالي أنت مصيبتي؟ فلما ذهب قيل له: إنه رسول اللّه، فأخذها مثل الموت، فأتت بابه فلم تجد عليه بوابين فقالت: لم أعرفك يا رسول اللّه! فقال: إنما الصبر عند أول صدمة". وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن ماجه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أيما مسلمين مضى لهما ثلاثة من أولادهما لم يبلغوا حنثا كانوا لهما حصنا حصينا من النار. قال: أبو ذر مضى لي اثنان. قال: واثنان. قال أبو المنذر سيد القراء: مضى لي واحد يا رسول اللّه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: وواحد وذلك في الصدمة الأولى". وأخرج عبد بن حميد عن كريب بن حسان قال: توفي رجل منا فوجد به أبوه أشد الوجد، فقال له رجل من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم يقال له حوشب: ألا أحدثكم بمثلها شهدتها من النبي صلى اللّه عليه وسلم، كان رجل يأتي النبي صلى اللّه عليه وسلم ومعه ابن له توفي، فوجد به أبوه أشد الوجد. قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "ما فعل فلان؟ قالوا: يا رسول اللّه توفي ابنه الذي كان يختلف معه إليك. فلقيه النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا فلان أيسرك إن ابنك عندك كأجرى الغلمان جريا، يا فلان أيسرك أن ابنك عندك كأنشط الغلمان نشاطا، يا فلان أيسرك أن ابنك عندك كأجود الكهول كهلا، أو يقال لك أدخل الجنة ثواب ما أخذ منك". وأخرج أحمد وعبد بن حميد والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن معاوية بن قرة عن أبيه قال "كان رجل يختلف إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومعه بني له فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم: أتحبه؟ قال: يا رسول اللّه أحبك اللّه كما أحبه. ففقده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: ما فعل ابن فلان؟ قالوا: مات. قال: فلقيه النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: أما تحب أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة تستفتحه إلا جاء يسعى حتى يفتحه لك؟ قالوا: يا رسول اللّه أله وحده أم لكلنا؟ قال: بل لكلكم". وأخرج البخاري عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة". وأخرج مالك في الموطأ والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ما يزال المؤمن يصاب في ولده وحاجته حتى يلقى اللّه وليست له خطيئة". وأخرج أحمد والطبراني عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"من أثكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على اللّه وجبت له الجنة". وأخرج البزار والحاكم وصححه عن بريدة قال "كنت عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فبلغه أن امرأة من الأنصار مات ابن لها فجزعت عليه، فقام النبي صلى اللّه عليه وسلم ومعه أصحابه، فلما دخل عليها قال: أما أنه قد بلغني أنك جزعت؟ فقالت: ما لي لا أجزع وأنا رقوب لا يعيش لي ولد؟! فقال: إنما الرقوب التي يعيش ولدها، إنه لا يموت لأمرأة مسلمة ثلاثة من الولد فتحتسبهم إلا وجبت لها الجنة. فقال عمر: واثنين؟ قال: واثنين". وأخرج مالك في الموطأ عن أبي نصر السلمي "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لا يموت لأحد من المسلمسن ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جنة من النار. فقالت امرأة: أو اثنان...؟ قال: أو اثنان". وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن جابر"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم دخل الجنة. فقالت امرأة: واثنين...؟ قال: واثنين". وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من مسلمين يتوفى لهما ثلاثة إلا أدخلهما اللّه الجنة بفضل رحمته إياهم. فقالوا: يا رسول اللّه أو اثنان...؟ قال: أو اثنان. قالوا: أو واحد...؟ قال: أو واحد. ثم قال: والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته". وأخرج الطبراني عن جابر بن سمرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"من دفن ثلاثة فصبر عليهم واحتسب وجبت له الجنة. فقالت أم أيمن: واثنين...؟ قال: واثنين. قالت: أو واحد...؟ فسكت ثم قال: وواحد". وأخرج أحمد وابن قانع في معجم الصحابة وابن منده في المعرفة عن حوشب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من مات له ولد فصبر واحتسب قيل له: ادخل الجنة بفضل ما أخذنا منك". وأخرج النسائي وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سلمة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان لا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، وسبحان اللّه، والحمد للّه، والولد الصالح يتوفى للمرء فيحتسبه". وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء والبيهقي عن أنس قال "توفي ابن عثمان بن مظعون فاشتد حزنه عليه، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: إن للجنة ثمانية أبواب وللنار سبعة أبواب، أفما يسرك أن لا تأتي بابا منها إلا وجدت ابنك إلى جنبك، آخذا بحجزتك يشفع لك عند ربك؟ قال: بلى. قال المسلمون: يا رسول اللّه ولنا في إفراطنا ما لعثمان؟ قال: نعم، لمن صبر منكم واحتسب". وأخرج النسائي عن ابن عمرو قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فصبر واحتسب بثواب من الجنة". وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي سعيد الخدري"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: قسم اللّه العقل على ثلاثة أجزاء، فمن كن فيه فهو العاقل ومن لم يكن فيه فلا عقل له. حسن المعرفة باللّه، وحسن الطاعة للّه، وحسن الصبر للّه". وأخرج ابن سعد عن مطوف بن عبد اللّه بن الشخير. أنه مات ابنه عبد اللّه فخرج وهو مترجل في ثياب حسنة، فقيل له في ذلك؟ فقال: قد وعدني اللّه على مصيبتين ثلاث خصال، كل خصلة منها أحب إلي من الدنيا كلها. قال اللّه {الذين أصابتهم مصيبة} إلى قوله {المهتدون} أفأستكين لها بعد هذا؟ ١٥٨ أخرج مالك في الموطأ وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن أبي داود وابن الأنباري في المصاحف معا وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن عن عائشة "أن عروة قال لها: أرأيت قول اللّه تعالى {إن الصفا والمروة من شعائر اللّه فمن حج أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} فما أرى على أحد جناحا أن يطوف بهما؟ فقالت عائشة: بئسما قلت يا ابن أختي، إنها لو كانت على ما أولتها كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها، وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: يا رسول اللّه إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية، فأنزل اللّه {إن الصفا والمروة من شعائر اللّه...} الآية. قالت عائشة: ثم سن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الطواف بهما، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما". وأخرج عبد بن حميد والبخاري والترمذي وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن أبي حاتم وابن السكن والبيهقي عن أنس. أنه سئل عن الصفا والمروة قال: كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل اللّه {إن الصفا والمروة من شعائر اللّه}. وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت: نزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا في الجاهلية إذا أحرموا لا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما قدمنا ذكروا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه {إن الصفا والمروة من شعائر اللّه}. وأخرج ابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كانت الشياطين في الجاهلية تعزف الليل أجمع بين الصفا والمروة، فكانت فيها آلهة لهم أصنام، فلما جاء الإسلام قال المسلمون: يا رسول اللّه ألا نطوف بين الصفا والمروة فإنه شيء كنا نصنعه في الجاهلية؟ فأنزل اللّه {فمن حج أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} يقول: ليس عليه إثم ولكن له أجر. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال: قالت الأنصار: إن السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية، فأنزل اللّه {إن الصفا والمروة من شعائر اللّه...} الآية. وأخرج ابن جرير عن عمرو بن حبيش قال: سألت ابن عمر عن قوله {إن الصفا والمروة...} الآية. فقال: انطلق إلى ابن عباس فاسأله، فإنه أعلم من بقي بما أنزل على محمد. فأتيته فسألته فقال: إنه كان عندهما أصنام، فلما أسلموا أمسكوا عن الطواف بينهما حتى أنزلت {إن الصفا والمروة...} الآية. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {إن الصفا والمروة من شعائر اللّه} الآية. وذلك أن ناسا تحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فأخبر اللّه أنهما من شعائره الطواف بينهما أحب إليه، فمضت السنة بالطواف بينهما. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عامر الشعبي قال: "كان وثن بالصفا يدهى اساف ووثن بالمروة يدعى نائلة، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت يسعون بينهما ويمسحون الوثنين، فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالوا: يا رسول اللّه إن الصفا والمروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنين وليس الطواف بهما من الشعائر! فأنزل اللّه {إن الصفا والمروة...} الآية. فذكر الصفا من أجل الوثن الذي كان عليه، وأنثت المروة من أجل الوثن الذي كان عليه مونثا". وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: قالت الأنصار إنما السعي بين هذين الحجرين من عمل أهل الجاهلية، فأنزل اللّه {إن الصفا والمروة من شعائر اللّه} قال: من الخير الذي أخبرتكم عنه فلم يحرج من لم يطف بهما {ومن تطوع خيرا فهو خيرا له} فتطوع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فكانت من السنن، فكان عطاء يقول: يبدل مكانه سبعين بالكعبة إن شاء. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال "كان ناس من أهل تهامة في الجاهلية لا يطوفون بين الصفا والمروة، فأنزل اللّه {إن الصفا والمروة من شعائر اللّه} وكان من سنة إبراهيم وإسماعيل بينهما. وأخرج عبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن جرير وابن مروديه والبيهقي في سننه من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قال: كان رجال من الأنصار ممن كان يهل لمناة في الجاهلية، ومناة صنم بين مكة والمدينة. قالوا: يا نبي اللّه إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة فهل علينا من حرج أن نطوف بهما؟ فأنزل اللّه {إن الصفا والمروة من شعائر اللّه...} الآية. قال عروة: فقلت لعائشة: ما أبالي أن لا أطوف بين الصفا والمروة! قال اللّه {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} فقالت: يا ابن أختي ألا ترى أنه يقول {إن الصفا والمروة من شعائر اللّه} قال الزهري: فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام فقال: هذا العلم. قال أبو بكر: ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون: لما أنزل اللّه الطواف بالبيت ولم ينزل الطواف بين الصفا والمروة، قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم: إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة، وأن اللّه قد ذكر الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بين الصفا والمروة، فهل علينا من حرج أن لا نطوف بهما؟ فأنزل اللّه {إن الصفا والمروة من شعائر اللّه...} الآية كلها. قال أبو بكر: فاسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما، فيمن طاف وفيمن لم يطف". وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد ومسلم وابن ماجه وابن جرير عن عائشة قالت: لعمري ما أتم اللّه حج من لم يسع بين الصفا والمروة ولا عمرته، ولأن اللّه قال {إن الصفا والمروة من شعائر اللّه}. وأخرج عبد بن حميد ومسلم عن أنس قال: كانت الأنصار يكرهون السعي بين الصفا والمروة حتى نزلت هذه الآية {إن الصفا والمروة من شعائر اللّه} فالطواف بينهما تطوع. وأخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وابن الأنباري عن ابن عباس. أنه كان يقرأ ( (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) ). وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عطاء قال: في مصحف ابن مسعود (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما). وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن حماد قال: وجدت في مصحف أبي (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما). وأخرج ابن أبي داود عن مجاهد. أنه كان يقرأ (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما). وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس. أنه قرأ {فلا جناح عليه أن يطوف} مثقلة، فمن ترك فلا بأس. وأخرج سعيد بن منصور والحاكم وصححه عن ابن عباس. أنه أتاه رجل فقال: أبدأ بالصفا قبل المروة، وأصلي قبل أن أطوف، أو أطوف قبل. وأحلق قبل أن أذبح، أو أذبح قبل أن أحلق؟ فقال ابن عباس: خذوا ذلك من كتاب اللّه فإنه أجدر أن يحفظ، قال اللّه {إن الصفا والمروة من شعائر اللّه} فالصفا قبل المروة، وقال (لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) (البقرة الآية ١٩٦) فالذبح قبل الحلق. وقال (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) (الحج الآية ٢٦) والطواف قبل الصلاة. وأخرج وكيع عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس لم بدئ بالصفا قبل المروة؟ قال: لأن اللّه قال: إن الصفا والمروة من شعائر اللّه. وأخرج مسلم والترمذي وابن جرير والبيهقي في سننه عن جابر قال "لما دنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الصفا في حجته قال: إن الصفا والمروة من شعائر اللّه، ابدؤا بما بدأ اللّه به فبدأ بالصفا فرقي عليه". وأخرج الشافعي وابن سعد وأحمد وابن المنذر وابن قانع والبيهقي عن حبيبة بنت أبي بحران قالت"رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة والنايس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره، وهو يقول: اسعوا فإن اللّه عز وجل كتب عليكم السعي". وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: "سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: إن اللّه كتب عليكم السعي فاسعوا". وأخرج وكيع عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: سألت ابن عباس عن السعي بين الصفا والمروة قال: فعله إبراهيم عليه السلام. وأخرج الطبراني والبيهقي عن أبي الطفيل قال "قلت لابن عباس يزعم قومك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة وإن ذلك سنة، قال: صدقوا إن إبراهيم لما أمر بالمناسك اعترض عليه الشيطان عند المسعى، فسابقه فسبقه إبراهيم". وأخرج الحاكم عن ابن عباس. أنه رآهم يطوفون بين الصفا والمروة فقال: هذا مما أورثتكم أم إسماعيل. وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن سعيد بن جبير قال: أقبل إبراهيم ومعه هاجر وإسماعيل عليهم السلام، فوضعهم عند البيت فقالت: اللّه أمرك بهذا؟ قال: نعم. قال: فعطش الصبي فنظرت فإذا أقرب الجبال إليها الصفا، فسعت فرقت عليه، فنظرت فلم تر شيئا، ثم نظرت فإذا أقرب الجبال إليها المروة، فنظرت فلم تر شيئا، قال: فهي أول من سعى بين الصفا والمروة، ثم أقبلت فسمعت حفيفا أمامها قال: قد أسمع فإن يكن عندك غياث فهلم، فإذا جبريل أمامها يركض زمزم بعقبه فنبع الماء، فجاءت بشيء لها تقرى فيه الماء فقال لها: تخافين العطش؟ هذا بلد ضيفان اللّه لا يخافون العطش. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داو والترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إنما جعل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار لأقامة ذكر اللّه لا لغيره". وأخرج الأزرقي عن أبي هريرة قال: السنة في الطواف بين الصفا والمروة أن ينزل من الصفا، ثم يمشي حتى يأتي بطن المسيل، فإذا جاءه سعى حتى يظهر منه، ثم يمشي حتى يأتي المروة. وأخرج الأزرقي من طريق مسروق عن ابن مسعود أنه خرج إلى الصفا فقام إلى صدع فيه فلبى فقلت له: إن ناسا ينهون عن الإهلال ههنا قال: ولكني آمرك به هل تدري ما الإهلال؟ إنما هي استجابة موسى لربه، فلما أتى الوادي رمل وقال: رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز والأكرم. وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن مسعود. أنه قام على الصدع الذي في الصفا وقال: هذا، والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة. أما قوله تعالى: {ومن تطوع خيرا} أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد اللّه {ومن تطوع بخير}. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر "أنه كان يدعو على الصفا والمروة يكبر ثلاثا، سبع مرات يقول: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا اللّه ولا نعبد إلا إياه مخلصين له ولو كره الكافرون. وكان يدعو بدعاء كثير حتى يبطئنا وإنا لشباب، وكان من دعائه: اللّهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ويحب رسلك ويحب عبادك الصالحين، اللّهم حببني إليك، وإلى ملائكتك وإلى رسلك، وإلى عبادك الصالحين، اللّهم يسرني لليسرى، وجنبني للعسرى، واغفر لي في الآخرة والأولى، واجعلني من الأئمة المتقين ومن ورثة جنة النعيم، واغفر لي خطيئتي يوم الدين. اللّهم إنك قلت (ادعوني أستجب لكم)، وإنك لا تخلف الميعاد. اللّهم إذ هديتني للإسلام فلا تنزعه مني ولا تنزعني منه حتى توفاني على الإسلام وقد رضيت عني. اللّهم لا تقدمني للعذاب ولا تؤخرني لسيء الفتن". وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب قال: من قدم منكم حاجا فليبدأ بالبيت فليطف به سبعا، ثم ليصل ركعتين عند مقام إبراهيم، ثم ليأت الصفا فليقم عليه مستقبل الكعبة، ثم ليكبر سبعا بين كل تكبيرتين حمد اللّه وثناء عليه والصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم ويسأله لنفسه، وعلى المروة مثل ذلك. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عباس قال: ترفع الأيدي في سبعة مواطن. إذا قام إلى الصلاة، وإذا رأى البيت، وعلى الصفا والمروة، وفي عرفات، وفي جمع، وعند الجمرات. وأخرج الشافعي في الأم عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ترفع الأيدي في الصلاة، وإذا رأى البيت، وعلى الصفا والمروة، وعلى عرفات وبجمع، وعند الجمرتين، وعلى الميت". أما قوله تعالى: {فإن اللّه شاكر عليم} أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: لا شيء أشكر من اللّه، ولا أجزئ بخير من اللّه عز وجل. ١٥٩ انظر تفسير الآية: ١٦٠ ١٦٠ أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: سأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة، وسعد بن معاذ أخو بني الأشهل، وخارجة بن زيد أخو الحرث بن الخزرج، نفرا من أحبار اليهود عن بعض ما في التوراة، فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم، فأنزل اللّه فيهم {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى...} الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} قال: هم أهل الكتاب. وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى...} الآية. قال: أولئك أهل الكتاب كتوا الإسلام وهو دين اللّه، وكتموا محمدا، وهم (يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنحيل) (الأعراف الآية ١٥٧) {ويلعنهم اللاعنون} قال: من ملائكة اللّه المؤمنين. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال: هم أهل الكتاب كتموا محمدا ونعته، وهم يجدونه مكتوبا عندهم حسدا وبغيا. وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: زعموا أن رجلا من اليهود كان له صديق من الأنصار يقال له ثعلبة بن غنمة، قال له: هل تجدون محمدا عندكم؟ قال: لا. وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في قوله {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون} قال: الجن والإنس، وكل دابة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله {ويلعنهم اللاعنون} قال: إذا أجدبت الهائم دعت على فجار بني آدم. فقالت: تحبس عنا الغيث بذنوبهم. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن مجاهد في قوله {ويلعنهم اللاعنون} قال: إن البهائم إذا اشتدت عليهم السنة قالت: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن اللّه عصاة بني آدم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد في قوله {ويلعنهم اللاعنون} قال: دواب الأرض العقارب والخنافس يقولون: إنما منعنا القطر بذنوبهم فيلعنونهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة في قوله {ويلعنهم اللاعنون} قال: يلعنهم كل شيء حتى الخنافس والعقارب، يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم. وأخرج عبد بن حميد عن أبي جعفر في قوله {ويلعنهم اللاعنون} قال: كل شيء حتى الخنفساء. وأخرج ابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب قال: كنا في جنازة مع النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال "إن الكافر يضرب ضربتين بين عينيه فيسمعه كل دابة غير الثقلين، فتلعنه كل دابة سمعت صوته، فذلك قول اللّه {ويلعنهم اللاعنون} يعني دواب الأرض". وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {ويلعنهم اللاعنون} قال: قال البراء ابن عازب: إن الكافر إذا وضع في قبره أتته دابة كأن عينيها قدران من نحاس معها عمود من حديد، فتضربه ضربة بين كتفيه فيصيح لا يسمع أحد صوته إلا لعنه، ولا يبقى شيء إلا سمع صوته إلا الثقلين الحن والإنس. وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {ويلعنهم اللاعنون} قال: الكافر إذا وضع في حفرته ضرب ضربة بمطرق، فيصيح صيحة يسمع صوته كل شيء إلا الثقلين الجن والإنس، فلا يسمع صيحته شيء إلا لعنه. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الوهاب بن عطاء في قوله {إن الذين يكتمون...} الآية. قال: سمعت الكلبي يقول: هم اليهود. قال: ومن لعن شيئا ليس هو بأهل رجعت اللعنة على يهودي، فذلك قوله {ويلعنهم اللاعنون}. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق محمد بن مروان، أخبرني الكلبي عن أبي صالح عن ابن مسعود في هذه الآية قال: هو الرجل يلعن صاحبه في أمر يرى أن قد أتى إليه، فترتفع اللعنة في السماء سريعا، فلا تجد صاحبها التي قيلت له أهلا، فترجع إلى الذي تكلم بها فلا تجد لها أهلا، فتنطلق فتقع على اليهود فهو قوله {ويلعنهم اللاعنون} فمن تاب منهم ارتفعت عنهم اللعنة، فكانت فيمن بقي من اليهود وهو قوله {إلا الذين تابوا...} الآية. وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من سئل عن علم عنده فكتمه ألجمه اللّه بلجام من نار يوم القيامة". وأخرج ابن ماجه عن أنس بن مالك"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من سئل عن علم فكتمه ألجمه يوم القيامة بلجام من نار". وأخرج ابن ماجه والمرهبي في فضل العلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من كتم علما مما ينفع اللّه به الناس في أمر الدين ألجمه اللّه يوم القيامة بلجام من نار". وأخرج ابن ماجه عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا لعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كتم حديثا فقد كتم ما أنزل اللّه". وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أيما عبد آتاه اللّه علما فكتمه لقي اللّه يوم القيامة ملجما بلجام من نار". وأخرج أبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " من سؤل عن علم فكتمه جاء يوم القيامه ملجما بلجام من نار ". وأخرج الطبراني من حديث ابن عمر وابن عمرو مثله. وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سلمان قال: علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه. وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد والبخاري وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن أبي هريرة قال: لولا آية في كتاب اللّه ما حدثت أحدا بشيء أبدا، ثم تلا هذه الآية {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى.....} الآية. وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس في قوله {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} إلى قوله {اللاعنون} ثم استثنى فقال {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا...} الآية. وأخرج عبد بن حميد عن عطاء {إلا الذين تابوا وأصلحوا} قال: ذلك كفارة له. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {إلا الذين تابوا وأصلحوا} قال: أصلحوا ما بينهم وبين اللّه {وبينوا} الذي جاءهم من اللّه ولم يكتموا ولم يجحدوا به. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {أتوب عليهم} يعني أتجاوز عنهم. أما قوله تعالى: {وأنا التواب} أخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن أبي زرعة عمرو بن جرير قال: إن أول شيء كتب أنا التواب أتوب على من تاب. ١٦١ انظر تفسير الآية: ١٦٢ ١٦٢ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه اللّه، ثم تلعنه الملائكة، ثم يلعنه الناس أجمعون. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين} قال: يعني الناس أجمعين المؤمنين. وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: لا يتلاعن اثنان مؤمنان ولا كافران فيقول أحدهما: لعن اللّه الظالم إلا رجعت تلك اللعنة على الكافر لأنه ظالم، فكل أحد من الخلق يلعنه. وأخرج عبد بن حميد عن جرير بن حازم قال: سمعت الحسن يقرؤها (أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعون). وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {خالدين فيها} يقول: خالدين في جهنم في اللعنة. وفي قوله {ولا هم ينظرون} ويقول: لا ينظرون فيعتذرون. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا هم ينظرون} قال: لا يؤخرون. ١٦٣ أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة وأبو مسلم الكجي في السنن وابن الضريس وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن أسماء بنت يزيد بن السكن عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال "اسم اللّه الأعظم في هاتين الآيتين {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} و (ألم، اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم) (آل عمران الآيتان ١ - ٢) ". وأخرج الديلمي عن أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ليس أشد على مردة الجن من هؤلاء الآيات التي في سورة البقرة {وإلهكم إله واحد...} الآيتين". وأخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن وثمة قال: الآيات التي يدفع اللّه بهن من اللمم من لزمهن في كل يوم ذهب عنه ما يجد {وإلهكم إله واحد...} الآية. وآية الكرسي، وخاتمة البقرة، و (إن ربكم اللّه) (الأعراف الآية ٥٤) إلى المحسنين، وآخر الحشر، بلغنا أنهن مكتوبات في زوايا العرش، وكان يقول: اكتبوهن لصبيانكم من الفزع واللم. ١٦٤ أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: قالت قريش للنبي صلى اللّه عليه وسلم: "ادع اللّه أن يجعل لنا الصفا ذهبا نتقوى به على عدونا، فأوحى اللّه إليه: إني معطيهم فأجعل لهم الصفا ذهبا، ولكن إن كفروا بعد ذلك عذبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين. فقال: رب دعني وقومي فأدعوهم يوما بيوم، فأنزل اللّه هذه الآية {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات والفلك التي تجري في البحر} وكيف يسألونك الصفا وهم يرون من الآيات ما هو لأعظم من الصفا". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير قال: سألت قريش فقالوا: حدثونا عما جاءكم به موسى من الآيات، فأخبروهم أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن اللّه. فقالت قريش عند ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم "ادع اللّه أن يجعل لنا الصفا ذهبا فنزداد به يقينا ونتقوى به على عدونا، فسأل النبي صلى اللّه عليه وسلم ربه. فأوحى اللّه إليه: أني معطيكم ذلك، ولكن إن كذبوا بعد عذبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين. فقال: ذرني وقومي فأدعوهم يوما بيوم، فأنزل اللّه عليه {إن في خلق السموات والأرض...} الآية. فخلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار أعظم من أن أجعل الصفا ذهبا". وأخرج وكيع والفريابي وآدم بن أبي إياس وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الضحى قال: لمأنزلت (وإلهكم إله واحد) (البقرة الآية ١٦٣) عجب المشركون، وقالوا: إن محمد يقول: وإلهكم إله واحد فليأتنا بآية إن كان من الصادقين! فأنزل اللّه {إن في خلق السموات والأرض...} الآية يقول: إن في هذه الآيات {لآيات لقوم يعقلون}. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء قال: نزل على النبي صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) (البقرة الآية ١٦٣) فقال كفار قريش بمكة: كيف يسع الناس إله واحد؟! فأنزل اللّه {إن في خلق السموات والأرض} إلى قوله تعالى {لقوم يعقلون} فبهذا يعلمون أنه إله واحد، وأنه إله كل شيء، وخالق كل شيء. أما قوله تعالى: {واختلاف الليل والنهار} أخرج أبو الشيخ في العظمة عن سلمان قال: الليل موكل به ملك يقال له شراهيل، فإذا حان وقت الليل أخذ خرزة سوداء فدلاها من قبل المغرب، فإذا نظرت إليها الشمس وجبت في أسرع من طرفة عين، وقد أمرت الشمس أن لا تغرب حتى ترى الخرزة، فإذا غربت جاء الليل، فلا تزال الخرزة معلقة حتى يجيء ملك آخر يقال له هراهيل بخرزة بيضاء، فيعلقها من قبل المطلع، فإذا رآها شراهيل مد إليه خرزته وترى الشمس الخرزة البيضاء فتطلع، وقد أمرت أن لا تطلع حتى تراها، فإذا طلعت جاء النهار. أما قوله تعالى: {والفلك التي تجري في البحر} أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله {والفلك} قال: السفينة. أما قوله تعالى: {وبث فيها من كل دابة} أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {وبث فيها من كل دابة} قال: بث خلق. وأخرج الحاكم وصححه عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أقلوا الخروج إذا هدأت الرجل، إن اللّه يبث من خلقه بالليل ما شاء". أما قوله تعالى: {وتصريف الرياح} أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وتصريف الرياح} قال: إذا شاء جعلها رحمة لواقح للسحاب ونشرا بين يدي رحمته، وإذا شاء جعلها عذابا ريحا عقيما لا تلقح. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي كعب قال: كل شيء في القرآن من الرياح فهي رحمة، وكل شيء في القرآن من الريح فهو عذاب. وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي بن كعب قال: لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن. قوله {وتصريف الرياح والسحاب المسخر} ولكن قولوا: اللّهم إن نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، ونعوذ بك من شرهل وشر ما أرسلت به. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن شداد بن الهاد قال: الريح من روح اللّه، فإذا رأيتموها فأسألوا من خيرها وتعوذوا باللّه من شرها. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدة عن أبيها قال: إن من الرياح رحمة ومنها رياح عذاب، فإذا سمعتم الرياح فقولوا: اللّهم اجعلها رياح رحمة ولا تجعلها رياح عذاب. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: الماء والريح جندان من جنود اللّه، والريح جند اللّه الأعظم. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: الريح لها جناحان وذنب. وأخرج أبو عبيد وابن أبي الدنيا في كتاب المطر وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عمرو قال: الرياح ثمان، أربع منها رحمة، وأربع عذاب، فأما الرحمة فالناشرات، والمبشرات، والمرسلات، والذاريات. وأما العذاب فالعقيم، والصرصر وهما في البر، والعاصف، والقاصف، وهما في البحر. وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: الرياح ثمان، أربع رحمة، وأربع عذاب، الرحمة المنتشرات، والمبشرات، والمرسلات، والرخاء. والعذاب العاصف، والقاصف، وهما في البحر، والعقيم، والصرصر وهما في البر. وأخرج أبو الشيخ عن عيسى ابن أبي عيسى الخياط قال: بلغنا أن الرياح سبع: الصبا، والدبور، والجنوب، والشمال، والخروق، والنكباء، وريح القائم. فأما الصبا فتجيء من المشرق، وأما الدبور فتجيء من المغرب، وأما الجنوب فيجيء عن يسار القبلة، وأما الشمال فتجيء عن يمين القبلة، وأما النكباء فبين الصبا والجنوب، وأما الخروق فبين الشمال والدبور، وأما ريح القائم فأنفاس الخلق. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: جعلت الرياح على الكعبة، فإذا أردت أن تعلم ذلك فاسند ظهرك إلى باب الكعبة، فإن الشمال عن شمالك وهي مما يلي الحجر، والجنوب عن يمينك وهو مما يلي الحجر الأسود، والصبا مقابلك وهي مستقبل باب الكعبة، والدبور من دبر الكعبة. وأخرج ابن أبي حاتم عن حسين بن علي الجعفي قال: سألت إسرائيل بن يونس عن أي شيء سميت الريح؟ قال: على القبلة. شماله الشمال، وجنوبه الجنوب، والصبا ما جاء من قبل وجهها، والدبور ما جاء من خلفها. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ضمرة بن حبيب قال: الدبور والريح الغربية، والقبول الشرقية، والشمال الجنوبية، واليمان القبلية، والنكباء تأتي من الجوانب الأربع. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: الشمال ما بين الجدي، والدبور ما بين مغرب الشمس إلى سهيل. وأخرج أبو الشيخ عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الجنوب من ريح الجنة". وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب السحاب، وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ريح الجنوب من الجنة وهي من اللواقح وفيها منافع للناس، والشمال من النار تخرج فتمر بالجنة، فتصيبها نفحة من الجنة فبردها من ذلك". وأخرج ابن أبي شيبة وإسحق بن راهويه في مسنديهما والبخاري في تاريخه والبزار وأبو الشيخ عن أبي ذر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن اللّه خلق في الجنة ريحا بعد الريح بسبع سنين من دونها باب مغلق، إنما يأتيكم الروح من خلل ذلك الباب، ولو فتح ذلك الباب لأذرت ما بين السماء والأرض، وهي عند اللّه الأزيب وعندكم الجنوب". وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: الجنوب سيدة الأرواح واسمها عند اللّه الأزيب، ومن دونها سبعة أبواب، وإنما يأتيكم منها ما يأتيكم من خللّها، ولو فتح منها باب واحد لأذرت ما بين السماء والأرض. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: الشمال ملح الأرض، ولولا الشمال لأنتنت الأرض. وأخرج عبد اللّه بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد وأبو الشيخ في العظمة عن كعب قال: لو احتبست الريح عن الناس ثلاثة أيام لأنتن ما بين السماء والأرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن المبارك قال: إن للريح جناحا، وإن القمر يأوي إلى غلاف من الماء. وأخرج أبو الشيخ عن عثمان الأعرج قال: إن مساكن الرياح تحت أجنحة الكروبيين حملة العرش، فتهيج فتقع بعجلة الشمس فتعين الملائكة على جرها، ثم تهيج من عجلة الشمس فتقع في البحر، ثم تهيج في البحر فتقع برؤوس الجبال، ثم تهيج من رؤوس الجبال فتقع في البر، فأما الشمال فإنها تمر بجنة عدن فتأخذ من عرف طيبها، ثم تأتي الشمال وحدها من كرسي بنات نعش إلى مغرب الشمس، وتأتي الدبور وحدها من مغرب الشمس إلى مطلع الشمس إلى كرسي بنات نعش، فلا تدخل هذه ولا هذه في حد هذه. وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال: أخذت لنا الريح بطريق مكة، وعمر حاج، فاشتدت فقال عمر لمن حوله: ما بلغكم في الريح؟ فقلت: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "الريح من روح اللّه تأتي بالرحمة والعذاب، فلا تسبوها وسلوا اللّه من خيرها، وعوذوا باللّه من شرها". وأخرج الشافعي عن صفوان بن سليم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تسبوا الريح، وعوذوا باللّه من شرها". وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس "أن رجلا لعن الريح فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: لا تلعن الريح فإنها مأمورة، وأنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه". وأخرج الشافعي وأبو الشيخ والبيهقي في المعرفة عن ابن عباس قال "ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى اللّه عليه وسلم على ركبتيه، وقال: اللّهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا، اللّهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا. قال ابن عباس: واللّه إن تفسير ذلك في كتاب اللّه (أرسلنا عليهم ريحا صرصرا) (القمر الآية ١٩). (أرسلنا عليهم الريح العقيم) (النازعات الآية ٤١) وقال (وأرسلنا الرياح لواقح) (الحجر الآية ٢٢). (أن يرسل الرياح مبشرات) (الروم الآية ٤٦) ". وأخرج الترمذي والنسائي وعبد اللّه بن أحمد في زوائد المسند عن أبي بن كعب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تسبوا الريح فإنها من روح اللّه، وسلوا اللّه خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وتعوذوا باللّه من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به". وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: هاجت ريح فسبوها. فقال ابن عباس: لا تسبوها فإنها تجيء بالرحمة وتجيء بالعذاب، ولكن قولوا: اللّهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن عمر. أنه كان إذا عصفت الريح فدارت يقول: شدوا التكبير فإنها مذهبة. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تسبوا الليل والنهار ولا الشمس ولا القمر ولا الريح، فإنها تبعث عذابا على قوم ورحمة على آخرين". أما قوله تعالى: {والسحاب المسخر بين السماء والأرض}. أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن معاذ بن عبد اللّه بن حبيب الجهني قال: رأيت ابن عباس سأل تبيعا ابن امرأة كعب هل سمعت كعبا يقول في السحاب شيئا؟ قال: نعم، سمعته يقول: إن السحاب غربال المطر، ولولا السحاب حين ينزل الماء من السماء لأفسد ما يقع عليه من الأرض. قال: وسمعت كعبا يذكر أن الأرض تنبت العام نباتا وتنبت عاما قابلا غيره. وسمعته يقول: إن البذر ينزل من السماء مع المطر فيخرج في الأرض. قال ابن عباس: صدقت، وأنا سمعت ذلك من كعب. أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء قال: السحاب تخرج من الأرض. أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن خالد بن معدان قال: إن في الجنة شجرة تثمر السحاب، فالسوداء منها الثمرة التي قد نضجت التي تحمل المطر، والبيضاء الثمرة التي لا تنضج لا تحمل المطر. أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس عن أبي المثنى أن الأرض قالت: رب أروني من الماء، ولا تنزله علي منهمرا كما أنزلته علي يوم الطوفان. قال: سأجعل لك السحاب غربالا. وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب المطر وأبو الشيخ عن الغفاري"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ينشئ السحاب فتنطق أحسن المنطق، وتضحك أحسن الضحك. وأخرج أبو الشيخ عن عائشة"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: إذا أنشأت بحرية ثم تشامت فتلك عين، أو عام يعني مطرا كثيرا". وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي رضي اللّه عنه قال: أشد خلق ربك عشرة: الجبال، والحديد ينحت الجبال، النار تأكل الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يحمل الماء، والريح تنقل السحاب، والإنسان يتقي الريح بيده ويذهب فيها لحاجته، والسكر يغلب الإنسان، والنوم يغلب السكر، والهم يمنع النوم، فأشد خلق ربك الهم. أخرج أبو الشيخ عن الحسن. أنه كان إذا نظر إلى السحاب قال فيه: واللّه رزقكم ولكنكم تحرمونه بذنوبكم. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا رأى سحابا ثقيلا من أفق من آفاق ترك ما هو فيه وإن كان في صلاة حتى يستقبله، فيقول: اللّهم إنا نعوذ بك من شر ما أرسل به فإن أمطر. قال: اللّهم سيبان نافعا مرتين أو ثلاثا، وإن كشفه اللّه ولم يمطر حمد اللّه على ذلك. ١٦٥ انظر تفسير الآية: ١٦٧ ١٦٦ انظر تفسير الآية: ١٦٧ ١٦٧ أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {ومن الناس من يتخذ من دون اللّه أندادا يحبونهم كحب اللّه} قال: مباهاة ومضارة للحق بالأنداد {والذين آمنوا أشد حبا للّه} قال: من الكفار لآلهتهم. وأخرج ابن جريرعن السدي في الآية قال: الأنداد من الرجال يطيعونهم كما يطيعون اللّه إذا أمر، وهم أطاعوهم وعصوا اللّه. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة {ومن الناس من يتخذ من دون اللّه أندادا} أي شركاء {يحبونهم كحب اللّه} أي يحبون آلهتهم كحب المؤمنين للّه {والذين آمنوا أشد حبا للّه} قال: من الكفار لآلهتهم أي لأوثانهم. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {يحبونهم كحب اللّه} قال: يحبونهم أوثانهم كحب اللّه، والذين آمنوا أشد حبا للّه من الكفار لأوثانهم. وأخرج ابن جرير عن الزبير في قوله {ولو ترى الذين ظلموا} قال: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا أنفسهم، فاتخذوا من دوني أندادا يحبونهم كحبكم إياي حين يعاينون عذابي يوم القيامة الذي أعددت لهم، لعلمتم أن القوة كلها إلي دون الأنداد، والآلهة لا تغني عنهم هنالك شيئا ولا تدفع عنهم عذابا، أحللت بهم وأيقينتهم أني شديد عذابي لمن كفرني، وادعى معي إلها غيري. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد قال: كان في خاتم {إن القوة للّه جميعا}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {إذ تبرأ الذين اتبعوا} قال: هم الجبابرة والقادة والرؤوس في الشر والشرك {من الذين اتبعوا} وهم الأتباع والضعفاء. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {إذ تبرأ الذين اتبعوا} قال: هم الشياطين تبرؤوا من الإنس. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله {وتقطعت بهم الأسباب} قال: المودة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وتقطعت بهم الأسباب} قال: المنازل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وتقطعت بهم الأسباب} قال: الأرحام. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن مجاهد في قوله {وتقطعت بهم الأسباب} قال: الأوصال التي كانت بينهم في الدنيا والمودة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الربيع {وتقطعت بهم الأسباب} قال: أسباب المنازل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {وتقطعت بهم الأسباب} قال: أسباب الندامة يوم القيامة، والأسباب التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها ويتحابون بها، فصارت عداوة يوم القيامة يلعن بعضهم بعضا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة} قال: رجعة إلى الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم} يقول: صارت أعمالهم الخبيثة حسرة عليهم يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {وما هم بخارجين من النار} قال: أولئك أهلها الذين هم أهلها. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الأوزاعي قال: سمعت ثابت بن معبد قال: ما زال أهل النار يأملون الخروج منها حتى نزلت {وما هم بخارجين من النار}. ١٦٨ انظر تفسير الآية: ١٦٩ ١٦٩ أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال "تليت هذه الآية عند النبي صلى اللّه عليه وسلم {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا} فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول اللّه أدع اللّه أن يجعلني مستجاب الدعوة. فقال: (يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه فما يتقبل منه أربعين يوما، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} قال: عمله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ما خالف القرآن فهو من خطوات الشيطان. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} قال: خطأه. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} نزغات الشيطان. وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله {خطوات الشيطان} قال: تزيين الشيطان. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: كل معصية للّه فهي من خطوات الشيطان. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: ما كان من يمين أو نذر في غضب فهو من خطوات الشيطان، وكفارته كفارة يمين. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود. أنه أتى بضرع وملح فجعل يأكل، فاعتزل رجل من القوم فقال ابن مسعود: ناولوا صاحبكم. فقال: لا أريد. فقال: أصائم أنت؟ قال: لا. قال: فما شأنك؟ قال: حرمت أن آكل ضرعا أبدا. فقال ابن مسعود: هذا من خطوات الشيطان، فاطعم وكفر عن يمينك. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي مجلز في قوله {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} قال: النذور في المعاصي. وأخرج عبد بن حميد عن عيسى بن عبد الرحمن السلمي قال: جاء رجل إلى الحسن فسأله وأنا عنده فقال له: حلفت إن لم أفعل كذا وكذا أن أحج حبوا. فقال: هذا من خطوات الشيطان، فحج واركب وكفر عن يمينك. وأخرج عبد بن حميد عن عثمان بن غياث قال: سألت جابر بن زيد عن رجل نذر أن يجعل في أنفه حلقة من ذهب فقال: هي من خطوات الشيطان، ولا يزال عاصيا للّه فليكفر عن يمينه. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: إنما سمى الشيطان لأنه يشيطن. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {إنما يأمركم بالسوء} قال: المعصية {والفحشاء} قال: الزنا {وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون} قال: هو ما كانوا يحرمون من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي، ويزعمون أن اللّه حرم ذلك. ١٧٠ أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال "دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اليهود إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم عذاب اللّه ونقمته. فقال له رافع بن خارجة، ومالك بن عوف: بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم وخيرا منا، فأنزل اللّه في ذلك {وإذ قيل لهم اتبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتبع ما آلفينا عليه آباءنا...} الآية". وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {ما ألفينا} قال: يعني وجدنا قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول نابغة بن ذبيان: فحسبوه فألفوه كما زعمت * تسعا وتسعين لم ينقص ولم يزد وأخرج ابن جرير عن الربيع وقتادة في قوله {ما ألفينا} قالا: وجدنا. ١٧١ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع} قال: كمثل البقر والحمار والشاة، وإن قلت لبعضهم كلاما لم يعلم ما تقول غير أنه يسمعك، وكذلك الكافر إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته لم يعقل ما تقول غير أنه يسمع صوتك. أخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: مثل الدابة تنادى فتسمع ولا تعقل ما يقال لها، كذلك الكافر يسمع الصوت ولا يعقل. وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {كمثل الذي ينعق بما لا يسمع} قال: شبه اللّه أصوات المنافقين والكفار بأصوات البهم، أي بأنهم لا يعقلون. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت بشر بن أبي حازم وهو يقول: هضيم الكشح لم يغمز ببوس * ولم ينعق بناحية الرياق وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {كمثل الذي ينعق} قال: الراعي {بما لا يسمع} قال: البهائم {إلا دعاء ونداء} قال: كمثل البعير والشاة تسمع الصوت ولا تعقل. وأخرج وكيع عن عكرمة في قوله {كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء} مثل الكافر مثل البهيمة تسمع الصوت ولا تعقل. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: قال لي عطاء في هذه الآية: هم اليهود الذين أنزل اللّه فيهم (إن الذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب) (البقرة الآية ١٧٤) إلى قوله (فما أصبرهم على النار). ١٧٢ أخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) (المؤمنون الآية ٥١) وقال {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك". وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {كلوا من طيبات} قال: من الحلال. وأخرج ابن سعد عن عمر بن عبد العزيز. أنه قال يوما: إني أكلت حمصا وعدسا فنفخني. فقال له بعض القوم: يا أمير المؤمنين إن اللّه يقول في كتابه {كلوا من طيبات ما رزقناكم} فقال عمر: هيهات ذهبت به إلى غير مذهبه، إنما يريد به طيب الكسب ولا يريد به طيب الطعام. وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {يا أيها الذين آمنوا} يقول: صدقوا {كلوا من طيبات ما رزقناكم} يعني اطعموا من حلال الرزق الذي أحللناه لكم بتحليلي إياه لكم مما كنتم تحرمونه أنتم، ولم أكن حرمته عليكم من المطاعم والمشارب {واشكروا للّه} يقول: أثنوا على اللّه بما هو أهل له على النعم التي رزقكم وطيبها لكم. وأخرج عبد بن حميد عن أبي أمية {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} قال: فلم يوجد من الطيبات شيء أحل ولا أطيب من الولد وماله. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة ويشرب الشربة فيحمد اللّه عليها". ١٧٣ أخرج أحمد وابن ماجه والدارقطني والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أحلت لنا ميتتان ودمان. السمك والجراد، والكبد والطحال". أما قوله تعالى: {وما أهل به} الآية. أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {وما أهل به} قال: ذبح. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وما أهل به لغير اللّه} يعني ما أهل للطواغيت. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {وما أهل به} قال: ما ذبح لغير للّه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية {وما أهل به لغير اللّه} يقول: ما ذكر عليه اسم غير اللّه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فمن اضطر} يعني إلى شيء مما حرم {غير باغ ولا عاد} يقول: من أكل شيئا من هذه وهو مضطر فلا حرج، ومن أكله وهو غير مضطر فقد بغى واعتدى. وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {غير باغ} قال: في الميتة. قال: في الأكل. وأخرج سفيان بن عينية وآدم بن أبي إياس وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في المعرفة وفي السنن عن مجاهد في قوله {غير باغ ولا عاد} قال: غير باغ على المسلمسن ولا معتد عليهم، من خرج يقطع الرحم، أو يقطع سبيل، أو يفسد في الأرض، أو مفارقا للجاعة والأئمة، أو خرج في معصية اللّه، فاضطر إلى الميتة لم تحل له. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} قال: العادي الذي يقطع الطريق لا رخصة له {فلا إثم عليه} يعني في أكله حين اضطر إليه {إن اللّه غفور} يعني لما أكل من الحرام {رحيم} به إذ أحل له الحرام في الاضطرار. وأخرج وكيع عن إبراهيم والشعبي قالا: إذا اضطر إلى الميتة أكل منها قدر ما يقيمه. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن مسروق قال: من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فتركه تقذرا ولم يأكل ولم يشرب ثم مات دخل النار. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} قال: غير باغ في أكله ولا عاد بتعدي الحلال إلى الحرام، وهو يجد عنه بلغة ومندوحة. ١٧٤ أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله {إن الذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب} والتي في آل عمران (إن الذين يشترون بعهد اللّه وإيمانهم ثمنا قليلا) (آل عمران الآية ٧٧) نزلتا جميعا في يهود. وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: كتموا اسم محمد صلى اللّه عليه وسلم، وأخذوا عليه طمعا قليلا. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {إن الذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب} قال: أهل الكتاب كتموا ما أنزل اللّه عليهم في كتابهم من الحق، والهدى، والإسلام، وشأن محمد ونعته {أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار} يقول: ما أخذوا عليه من الأجر فهو نار في بطونهم. وأخرج الثعلبي بسند ضعيف عن ابن عباس قال: سألت الملوك اليهود قبل مبعث محمد صلى اللّه عليه وسلم ما الذي يجدون في التوراة؟ قالوا: إنا نجد في التوراة أن اللّه يبعث نبيا من بعد المسيح يقال له محمد بتحريم الزنا، والخمر، والملاهي، وسفك الدماء، فلما بعث اللّه محمدا ونزل المدينة قالت الملوك لليهود: هذا الذي تجدون في كتابكم؟ فقالت: اليهود طمعا في أموال الملوك: ليس هذا بذلك النبي. فأعطاهم الملوك الأموال، فأنزل اللّه هذه الآية إكذابا لليهود. وأخرج الثعلبي بسند ضعيف عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في رؤساء اليهود وعلمائهم، كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والفضل، وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم، فلما بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم، فعمدوا إلى صفة محمد فغيروها، ثم أخرجوها إليهم فقالوا: هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزمان لا يشبه نعت هذا النبي، فإذ نظرت السفلة إلى النعت وجدوه مخالفا لصفة محمد فلم يتبعوه، فأنزل اللّه {إن الذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب}. ١٧٥ انظر تفسير الآية: ١٧٦ ١٧٦ أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى...} الآية. قال: اختاروا الضلالة على الهدى، والعذاب عبى المغفرة {فما أصبرهم على النار} قال: ما أجرأهم على عمل النار. وأخرج سفيان بن عينية وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية في قوله {فما أصبرهم على النار} قال: واللّه ما لهم عليها من صبر ولكن يقول: ما أجرأهم على النار. وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله {فما أصبرهم} قال: ما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {فما أصبرهم على النار} قال: هذا على وجه الاستفهام يقول: ما الذي أصبرهم على النار؟ وفي قوله {وإن الذين اختلفوا في الكتاب} قال: هم اليهود والنصارى {لفي شقاق بعيد} قال: في عداوة بعيدة. وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية قال: اثنان ما أشدهما علي، من يجادل في القرآن (ما يجادل في آيات اللّه إلا الذين كفروا) (غافر الآية ٤) {وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}. ١٧٧ أخرج ابن أبي حاتم وصححه عن أبي ذر "أنه سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الإيمان فتلا {ليس البر أن تولوا وجوهكم} حتى فرغ منها، ثم سأله فتلاها وقال: وإذا عملت حسنة أحبها قلبك، وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك". وأخرج إسحق بن راهويه في مسنده وعبد بن حميد وابن مردويه عن القاسم بن عبد الرحمن قال "جاء رجل إلى أبي ذر فقال: ما الإيمان؟ فتلا عليه هذه اللآية {ليس البر أن تولوا وجوهكم} حتى فرغ منها. فقال الرجل: ليس عن البرسألتك. فقال أبو ذر: جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسأله عما سألتني، فقرأ عليه هذه الآية فأبى أن يرضى كما أبيت أن ترضى، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ادن. فدنا فقال: المؤمن إذا عمل الحسنة سرته رجاء ثوابها، وإذا عمل السيئة أحزنته وخاف عقابه". وأخرج عبد الرزاق وابن راهويه وعبد بن حميد عن عكرمة قال: سئل الحسن بن علي مقبله من الشام عن الإيمان، فقرأ {ليس البر...} الآية. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة قال: كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق، فنزلت {ليس البر أن تولوا وجوهكم...} الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {ليس البر أن تولوا وجوهكم} يعني في الصلاة، يقول: ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا، فهذا حين تحول من مكه إلى المديته، و نزلت الفرائض وحد الحدود، فأمر اللّه بالفرائض والعمل بها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: هذه الآيه نزلت بالمدينه {ليس البر أن تولوا وجوهكم} يعني الصلاة، تبدل ليس البر أن تصلوا ولكن البر ما ثبت في القلب من طاعة اللّه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله {ليس البر...} الآية. قال: ذكر لنا أن رجلا سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن البر، فأنزل اللّه هذه الآية، فدعا الرجل فتلاها عليه، وقد كان الرجل قبل الفرائض إذ شهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول عبده ورسوله ثم مات على ذلك يرجى له في خير، فأنزل اللّه {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} وكانت اليهود توجهت قبل المغرب والنصارى قبل المشرق {ولكن البر من آمن باللّه...} الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق، فنزلت {ليس البر أن تولوا وجوهكم...} الاية. وأخرج أبو عبيد في فضائله والثعلبي من طريق هرون عن ابن مسعود وأبي بن كعب أنهما قرأ (ليس البر بأن تولوا). وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي ميسرة قال: من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان {ليس البر...} الآية. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر} ما ثبت في القلوب من طاعة اللّه. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءتنا مكان ليس البر أن تولوا ولا تحسبن أن البر. أما قوله تعالى: {ولكن البر من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين} أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي حاتم والآجري في الشريعة واللالكائي في السنة وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب "أنهم بينما هم جلوس عند النبي صلى اللّه عليه وسلم جاءه رجل يمشي، حسن الشعر عليه ثياب بياض، فنظر القوم بعضهم إلى بعض ما نعرف هذا وما هذا بصاحب سفر! ثم قال: يا رسول اللّه آتيك؟ قال: نعم. فجاءه فوضع ركبتيه عند ركبتيه ويديه على فخذيه فقال: ما الإسلام؟ قال: شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، قال: فما الإيمان؟ قال: أن تؤمن باللّه، وملائكته، ولفظ ابن مردويه: أن تؤمن باللّه، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، والجنة، والنار، والبعث بعد الموت، والقدر كله. قال: فما الإحسان؟ قال: أن تعمل للّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك. قال: فمتى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل! قال: فما أشراطها؟ قال: إذا العراة الحفاة العالة رعاء الشاء تطاولوا في البنيان، وولدت الإماء أربابهن، ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علي بالرجل فطلبوه فلم يروا شيئا، فمكث يومين أو ثلاثة ثم قال: يا ابن الخطاب أتدري من السائل كذا وكذا؟ قال: اللّه ورسوله أعلم...! قال: ذاك جبريل جاءكم ليعلمكم دينكم". وأخرج أحمد والبزارعن ابن عباس قال "جلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مجلسا، فأتاه جبريل فجلس بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واضعا كفيه على ركبتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: يا رسول اللّه حدثني عن الإسلام؟ قال: الإسلام أن تسلم وجهك للّه عز وجل، وأن تشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. قال: فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت. قال: يا رسول اللّه حدثني عن الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن باللّه، وباليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، والموت، والحياة بعد الموت، وتؤمن بالجنة، والنار، والحساب، والميزان، وتؤمن بالقدر كله خيره وشره. قال: فإذ فعلت فقد آمنت. قال: يا رسول اللّه حدثني ما الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعمل للّه كأنك تراه فإن لا تراه فإنه يراك". وأخرج البزار عن أنس قال "بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس مع أصحابه إذا جاءه رجل ليس عليه ثياب السفر يتخلل الناس حتى جلس بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فوضع يده على ركبة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا محمد ما الإسلام؟ قال: شهادة أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت ان استطعت إليه سبيلا. قال: فإذا فعلت فأنا مؤمن؟ قال: نعم. قال: صدقت. قال: يا محمد ما الإحسان؟ قال: أن تخشى اللّه كأنك تراه فإن لم تراه فإن يراك. قال: فإذا فعلت فأنا محسن؟ قال: نعم. قال: صدقت. قال: يا محمد متى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل! وأدبر الرجل فذهب. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: علي بالرجل، فاتبعوه يطلبونه فلم يروا شيئا. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ذاك جبريل جاءكم ليعلمكم دينكم". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة وأبي ذر قالا: "إنا لجلوس و رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس في مجلسه محتب إذ أقبل رجل من أحسن الناس وجها، وأطيب الناس ريحا، وأنقى الناس ثوبا، فقال: يا محمد ما الإسلام؟ قال: أن تعبد اللّه ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم رمضان، قال: فإذا فعلت هذا فقد أسلمت؟ قال: نعم. قال: صدقت. فقال: يا محمد أخبرني ما الإيمان؟ قال: الإيمان باللّه، وملائكته، والكتاب، والنبيين، وتؤمن بالقدر كله. قال: فإذا فعلت ذلك فقد آمنت؟ قال: نعم. قال: صدقت". وأخرج أحمد والنسائي عن معاوية بن حيدة قال "قلت يا رسول اللّه ما الذي بعثك اللّه به؟ قال: بعثني اللّه بالإسلام! قلت: وما الإسلام؟ قال: شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا عبده ورسوله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة". أما قوله تعالى {وآتى المال على حبه} أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {وآتى المال} يعني أعطى المال {على حبه} يعني على حب المال. وأخرج ابن المبارك في الزهد ووكيع وسفيان بن عينية وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن مسعود {وآتى المال على حبه} قال: يعطي وهو صحيح شحيح يأمل العيش ويخاف الفقر. وأخرج الحاكم عن ابن مسعود مرفوعا. مثله. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن المطلب "أن قيل: يا رسول اللّه ما آتى المال على حبه فكلنا نحبه؟ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: تؤتيه حين تؤتيه ونفسك حين تحدثك بطول العمر والفقر". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن حبان عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر ولا تمهل، حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا إلا وقد كان لفلان". وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "مثل الذي ينفق أو يتصدق عند الموت مثل الذي يهدي إذا شبع". أما قوله تعالى: {ذوي القربى} أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {ذوي القربى} يعني قرابته. وأخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط" سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح". وأخرج أحمد والدارمي والطبراني عن حكيم بن حزام "أن رجلا سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الصدقات أيهما أفضل؟ قال: على ذي الرحم الكاشح". وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه عن ميمونة أم المؤمنين قال "أعتقت جارية لي فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: أما لو أعطيتها بعض أخوالك كان أعظم لأجرك". وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن الن عباس "أن ميمونة استأذنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في جارية تعتقها؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أعطيها أختك ترعى عليها وصلي بها رحما، فإنه خير لك". وأخرج ابن المنذر عن فاطمة بنت قيس "أنها قالت: يا رسول اللّه إن لي مثقالا من ذهب. قال: اجعليها في قرابتك". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي في سننه عن سلمان بن عامر الضبي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان، صدقة وصلة". وأخرج أحمد وابخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن زينب امرأة عبد اللّه بن مسعود قالت"سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتجزيء عني من الصدقة النفقة على زوجي وأيتام في حجري؟ قال: لك أجران: أجر الصدقة، وأجر القرابة". أما قوله تعالى: {وابن السبيل} أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: ابن السبيل الذي يمر عليك وهو مسافر. أما قوله تعالى: {والسائلين} أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله {والسائلين} قال: السائل الذي يسألك. وأخرج أحمد وأبو داود وابن أبي حاتم عن الحسين بن علي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "للسائل حق وإن جاء على فرس". وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "أعطوا السائل وإن كان على فرس " وأخرج ابن أبي شيبه عن سالم بن أبي الجعد قال: قال عيسى بن مريم: للسائل حق وإن جاء على فرس مطوق بالفضة. وأخرج ابن سعد والترمذي وصححه وابن خزيمة وابن حبان من طريق عبد الرحمن بن بجيد عن جدته أم بجيد وكانت ممن تابع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنها قالت "يا رسول اللّه إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد شيئا أعطيه إياه؟! فقال لها: إن لم تجدي إلا ظلفا محرقا فادفعيه إليه. ولفظ ابن خزيمة: ولا تردي سائلك ولو بظلف". وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد من طريق عمرو بن معاذ الأنصاري عن جدته حواء قالت: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "ردوا السائل ولو بظلف محرق". وأخرج ابن أبي شيبة عن حميد بن عبد الرحمن قال: كان يقال: ردوا السائل ولو بمثل رأس القطاة. وأخرج أبو نعيم والثعلبي والديلمي والخطيب في رواة مالك بسند واه عن ابن عمر مرفوعا "هدية اللّه للؤمن السائل على بابه". وأخرج ابن شاهين وابن النجار في تاريخه عن أبي بن كعب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ألا أدلكم على هدايا اللّه عز وجل إلى خلقه؟ قلنا: بلى. قال: الفقير هو هدية اللّه قبل ذلك أو ترك". قوله تعالى {وفي الرقاب} أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {وفي الرقاب} يعني فكاك الرقاب. أما قوله تعالى: {وأقام الصلاة وآتى الزكاة} أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {وأقام الصلاة} يعني وأتم الصلاة المكتوبة {وآتى الزكاة} يعني الزكاة المفروضة. وأخرج الترمذي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي والدارقطني وابن مردويه عن فاطمة بنت قيس قالت: قال رسول اللّه "صلى اللّه عليه وسلم في المال حق سوى الزكاة، ثم قرأ {ليس البر ان تولوا وجوهكم...} الآية". وأخرج البخاري في تاريخه عن أبي هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم سئل في المال حق بعد الزكاة؟ قال: نعم. تحمل على النجيبة". وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي. أنه سئل هل على الرجل في ماله حق سوى الزكاة؟ قال: نعم. وتلا هذه الآية {وآتى المال على حبه ذوي القربى...} إلى آخرة الآية". وأخرج عبد بن حميد عن ربيعة بن كلثوم قال: حدثني أبي قال لي مسلم بن يسار: إن الصلاة صلاتان، وإن الزكاة زكاتان، واللّه إنه لفي كتاب اللّه أقرأ عليك به قرآنا. قلت له: أقرأ. قال: فإن اللّه يقول في كتابه {ليس البر ان تولوا وجوهكم} إلى قوله {وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى المساكين وابن السبيل} فهذا وما دونه تطوع كله {وأقام الصلاة} على الفريضة {وآتى الزكاة} فهاتان فريضتان. أما قوله تعالى: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} قال: فمن أعطى عهد اللّه ثم نقضه فاللّه ينتقم منه، ومن أعطى ذمة النبي صلى اللّه عليه وسلم ثم غدر بها فالنبي صلى اللّه عليه وسلم خصمه يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} يعني فيما بينهم وبين الناس. أما قوله تعالى: {والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس}. أخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن مسعود في الآية قال {البأساء والضراء} السقم {وحين البأس} حين القتال. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: كنا نحدث أن البأساء البؤس والفقر، والضراء السقم والوجع، وحين البأس عند مواطن القتال. وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق سأله عن البأساء والضراء قال: البأساء الخصب، والضراء الجدب. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول زيد بن عمرو: إن الإله عزيز واسع حكم * بكفه الضر والبأساء والنعم أما قوله تعالى: {أولئك الذين صدقوا} الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {أولئك} يعني الذين فعلوا ما ذكر اللّه في هذه الآية هم الذين صدقوا. وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله {أولئك الذين صدقوا} قال: تكلموا بكلام الإيمان، فكانت حقيقته العمل صدقوا اللّه قال: وكان الحسن يقول: هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل، فإن لم يكن مع القول عمل فلا شيء. وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي عامر الأشعري قال: قلت يا رسول اللّه ما تمام البر قال "تعمل في السر عمل العلانية". وأخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن أبي شيبان قال: سألت زيد بن رفيع فقلت: يا أبا جعفر ما تقول في الخوارج في تكفيرهم الناس؟ قال: كذبوا بقول اللّه عز وجل {ليس البر أن تولوا وجوهكم...} الآية. فمن آمن فهو مؤمن ومن كفر بهن فهو كافر. ١٧٨ أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: إن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال، فحلفوا أن لا يرضوا حتى بالعبد من الحر منهم، وبالمرأة من الرجل منهم، فنزل فيهم {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} وذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ولكن يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، فأنزل اللّه (النفس بالنفس) (المائدة الآية ٤٥) فجعل الأحرار في قصاص سواء فيما بينهم من العمد رجالهم ونساؤهم في النفس وما دون النفس، وجعل العبيد مستويين في العمد النفس وما دون النفس رجالهم ونساؤهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي قال: نزلت هذه الآية في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا قتال عمية على عهد الرسول صلى اللّه عليه وسلم قال: يقتل بعبدنا فلان بن فلان، وتقتل بأمتنا فلانة بنت فلانة. فأنزل اللّه {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي مالك قال: كان بين حيين من الأنصار قتال كان لأحدهما على الآخر الطول، فكأنهم طلبوا الفضل، فجاء النبي صلى اللّه عليه وسلم ليصلح بينهم، فنزلت الآية {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} قال ابن عباس: نسختها (النفس بالنفس) (المائدة الآية ٤٥). وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: لم يكن لمن كان قبلنا دية إنما هو القتل والعفو، فنزلت هذه الآية في قوم أكثر من غيرهم، فكانوا إذا قتل من الكثير عبد قالوا: لا نقتل به إلا حرا، وإذا قتلت منهم امرأة قالوا: لا نقتل بها إلا رجلا، فأنزل اللّه {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}. وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وأبو القاسم الزجاجي في أماليه والبيهقي في سننه عن قتادة في الآية قال: كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة للشيطان، فكان الحي منهم إذا كان فيهم عدد فقتل لهم عبدا عبد قوم آخرين فقالوا: لن نقتل به إلا حرا تعززا وتفضلا على غيرهم في أنفسهم، وإذا قتلت لهم أنثى قتلتها امرأة قالوا: لن نقتل بها إلا رجلا، فأنزل اللّه هذه الآية يخبرهم أن العبد بالعبد إلىآخر الآية، نهاهم عن البغي، ثم أنزل سورة المائدة فقال (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) (المائدة الآية ٤٥) الآية. وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}. قال: نسختها (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) (المائدة الآية ٤٥) الآية. أما قوله تعالى: {فمن عفي له} الآية. أخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس {فمن عفي له} قال: هو العمد يرضى أهله بالدية {فاتباع بالمعروف} أمر به الطالب {أو أداء إليه بإحسان} قال: يؤدى المطلوب بإحسان {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} مما كان على بني إسرائيل. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فمن عفي له من أخيه شيء} بعد أخذ الدية بعد استحقاق الدم وذلك العفو {فاتباع بالمعروف} يقول: فعلى الطالب اتباع بالمعروف إذا قبل الدية {وأداء إليه بإحسان} من القاتل في غير ضرر ولا فعلة المدافعة {وذلك تخفيف من ربكم ورحمة} يقول: رفق. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن حبان والبيهقي عن ابن عباس قال: كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فقال اللّه لهذه الأمة {كتب عليكم القصاص في القتلى} إلى قوله {فمن عفي له من أخيه شيء} فالعفو أن تقبل الدية في العمد {فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} يتبع الطالب بالمعروف ويؤدي إليه المطلوب بإحسان {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} مما كتب من كان قبلكم {فمن اعتدى بعد ذلك} قتل بعد قبول الدية {فله عذاب أليم}. وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: كانت بنو إسرائيل إذا قتل فيهم القتيل عمدا لا يحل لهم إلا القود، وأحل اللّه الدية لهذه الأمة، فأمر هذا أن يتبع بمعروف، وأمر هذا أن يؤدي بإحسان {ذلك تخفيف من ربكم}. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: كان على بني إسرائيل القصاص في القتلى، ليس بينهم دية في نفس ولا جرح، وذلك قول اللّه (وكتبنا عليه فيها أن النفس بالنفس....) (المائدة الآية ٤٥) الآية. فخخف اللّه عن أمة محمد، فجعل عليهم الدية في النفس وفي الجراحة، وهو قوله {ذلك تخفيف من ربكم}. وأخرج ابن جرير والزجاجي في أماليه عن قتادة في قوله {ورحمة} قال: هي رحمة رحم بها اللّه هذه الأمة أطعمهم الدية وأحلها لهم ولم تحل لأحد قبلهم، فكان في أهل التوراة إنما هو القصاص أو العفو ليس بينهما أرش، فكان أهل الإنجيل إنما هو عفو أمروا به، وجعل اللّه لهذه الأمة القتل والعفو الدية إن شاؤوا أحلها لهم ولم يكن لأمة قبلهم. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن شريح الخزاعي "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: من أصيب بقتل أو جرح فإنه يختار إحدى ثلاث. إما أن يقتض، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية، فإن أراد رابعة فخذوا على يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدا فيها أبدا". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي اللّه عنه {فمن اعتدى بعد ذلك} بأن قتل بعد أخذه الدية {فله عذاب أليم} قال: فعليه القتل لا يقبل منه الدية، وذكر لنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "لا أعافي رجل قتل بعد أخذ الدية". وأخرج سمويه في فوائده عن سمرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا أعافي رجل قتل بعد أخذ الدية". وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير ن الحسن في قوله {فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} قال: كان الرجل في الجاهلية إذا قتل قتيلا ينضم إلى قومه فيجيء قومه فيصالحون عنه بالدية، فيخرج الفار وقد أمن في نفسه فيقتله ويرمي إليه بالدية، فذلك الاعتداء. وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة. في رجل قتل بعد أخذ الدية قال: يقتل، أما سمعت اللّه يقول {فله عذاب أليم}. ١٧٩ أخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله {ولكم في القصاص حياة} يعني نكالا وعظة إذا ذكره الظالم المعتدي كف عن القتل. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: جعل اللّه هذا القصاص حياة وعبرة لأولي الألباب، وفيه عظة لأهل الجهل والسفه، كم من رجل قد هم بداهية لولا مخافة القصاص لوقع بها، ولكن اللّه حجز عباده بها بعضهم عن بعض، وما أمر اللّه بأمر قط إلا وهو أمر إصلاح في الدنيا والآخرة، وما نهى اللّه عن أمر إلا وهو أمر فساد، واللّه أعلم بالذي يصلح خلقه. وأخر ابن جرير عن السدي {في القصاص حياة} قال: بقاء لا يقتل القاتل إلا بجناية. وأخرج سفيلن بن عينية عن مجاهد في قوله {ولكم في القصاص حياة} قال: يناهي بعضهم عن بعض. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} يعني من كان له لب أو عقل يذكر القصاص فيحجزه خوف القصاص عن القتل {لعلكم تتقون} لكي تتقوا الدماء مخافة القصاص. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي الجوزاء. أنه قرأ {ولكم في القصاص} قال: قصص القرآن. وأخرج آدم والبيهقي في سننه عن أبي العالية {فمن اعتدى} قتل بعد أخذه الدية {تخفيف من ربكم ورحمة} يقول: حين أعطيتم الدية ولم تحل لأهل التوراة إنما هو قصاص أو عفو، وكان أهل الإنجيل إنما هو عفو وليس غيره، فجعل اللّه لهذ الأمة القود والدية والعفو {ولكم في القصاص حياة} يقول: جعل اللّه القصاص حياة، فكم من رجل يريد أن يقتل فيمنعه منه مخافة أن يقتل. ١٨٠ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن ترك خيرا} قال: مالا. أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {إن ترك خيرا} قال: الخير المال. أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: الخير في القرآن كله المال {إن ترك خيرا}. (لحب الخير) (العاديات الآية ٨). (أحببت حب الخير) (ص الآية ٣٢). (إن علمتم فيهم خيرا) (النور الآية ٣٣). وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله {إن ترك خيرا الوصية} قال: من لم يترك ستين دينار لم يترك خيرا. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عروة. أن علي بن أبي طالب دخل على مولى لهم في الموت، وله سبعمائة درهم أو ستمائة درهم فقال: ألا أوصي قال: لا إنما قال اللّه {إن ترك خيرا} وليس لك كثير مال، فدع ملك لورثتك. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي عن عائشة. أن رجلا قال لها: إني أريد أن أوصي، قالت: كم مالك...؟ قال: ثلاثة آلاف. قالت: كم عيالك؟ قال: أربعة. قالت: قال اللّه {إن ترك خيرا} وهذا شيء يسير فاتركه لعيالك فهو أفضل. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس قال: إن ترك الميت سبعمائة درهم فلا يوصي. وأخرج عبد بن حميد عن أبي مجلز قال: الوصية على من ترك خيرا. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال: جعل اللّه الوصية حقا مما قل منه أو كثر. وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم عن ابن عمر قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "ما حق امرئ مسلم تمر عليه ثلاث ليال إلا وصيته عنده. قال ابن عمر: فما مرت علي ثلاث قط إلا ووصيتي عندي". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أيها الناس ابتاعوا أنفسكم من ربكم، إلا أنه ليس لامرئ شيء إلا عرف أمرا بخل بحق اللّه فيه، حتى إذا حضر الموت يوزع ماله ههنا وههنا" ثم يقول قتادة: ويلك يا ابن آدم اتق اللّه ولا تجمع إساءتين، مالك إساءة في الحياة وإساءة عند الموت، أنظر إلى قرابتك الذين يحتاجون ولا يرثون فأوص لهم من مالك بالمعروف. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن معمر قاضي البصرة قال: من أوصى فسمى أعطينا من سمى، وإن قال: ضعها حيث أمر اللّه، أعطيناها قرابته. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن طاوس قال: من أوصى لقوم وسماهم وترك ذوي قرابته محتاجين انتزعت منهم وردت على قرابته. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الحسن قال: إذا أوصى في غير أقاربه بالثلث جاز لهم ثلث الثلث ويرد على أقاربه ثلثي الثلث. وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في الناسخ وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن محمد بن سيرين قال: خطب ابن عباس فقرأ سورة البقرة، فبين ما فيها حتى مر على هذه الآية {إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} فقال: نسخت هذه الآية. وأخرج أبو داود والنحاس معا في الناسخ وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الوصية {للوالدين والأقربين} قال: كان ولد الرجل يرثونه وللوالدين الوصية، فنسختها (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) (النساء الآية ٧) الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان لا يرث مع الوالدين غيرهما إلا وصية الأقربين، فأنزل اللّه آية الميراث، فبين ميراث الوالدين، وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت. وأخرج أبو داود في سننه وناسخه والبيهقي عن ابن عباس في قوله {إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} قال: فكانت الوصية لذلك حين نسختها آية الميراث. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: نسخ من يرث، ولم ينسخ الأقربين الذين لا يرثون. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر. أنه سئل عن هذه الآية {الوصية للوالدين والأقربين} قال: نسختها آية الميراث. وأخرج ابن جرير عن قتادة عن شريح في الآية قال: كان الرجل يوصي بماله كله حتى نزلت آية الميراث. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في الآية قال: كان الميراث للولد والوصية للوالدين والأقربين، فهي منسوخة. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: الخير المال، كان يقال ألف فما فوق ذلك، فأمر أن يوصي للوالدين والأقربين، ثم نسخ الوالدين وألحق لكل ذي ميراث نصيبه منها وليست لهم منه وصية، فصارت الوصية لمن لا يرث من قريب أو غير قريب. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن خارجة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم خطبهم على راحلته فقال: إن اللّه قد قسم لكل إنسان نصيبه من الميراث، فلا تجوز لوارث وصية". وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبيهقي في سننه عن أبي أمامة الباهلي"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حجة الوداع في خطبته يقول: إن اللّه قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث". وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا وصية لوارث أن تجيزه الورثة". ١٨١ انظر تفسير الآية: ١٨٢ ١٨٢ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه} وقد وقع أجر الموصي على اللّه وبرئ من إثمه في وصيته، أو حاف فيها فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب. وأخرج ابن جرير عن قتاده في قوله {فمن بدله} قال: من بدل الوصيه بعد ما سمعها، فإثم ما بدل عليه. أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {فمن بدله} يقول: للأوصياء من بدل وصية الميت {من بعد ما سمعه} يعني من بعد ما سمع من الميت فلم يمض وصيته إذا كان عدلا {فإنما إثمه} يعني إثم ذلك {على الذين يبدلونه} يعني الوصي وبرئ منه الميت {إن اللّه سميع} يعني للوصية {عليم} بها {فمن خاف} يقول: فمن علم {من موص} يعني من الميت {جنفا} ميلا {أو إثما} يعني أو خطأ فلم يعدل {فأصلح بينهم} رد خطأه إلى الصواب {إن اللّه غفور} للوصي حيث أصلح بين الورثة {رحيم} به رخص له في خلاف جور وصية الميت. وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {جنفا} قال: الجور والميل في الوصية قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول عدي بن زيد وهو يقول: وأمك يا نعمان في أخواتها * يأتين ما يأتينه جنفا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {جنفا أو إثما} قال: الجنف الخطأ، والإثم العمد. وأخرج سفيان بن عينية وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله {جنفا أو إثما} قال: خطأ أو عمدا. وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في قوله {جنفا} قال: حيفا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {فمن خاف من موص...} الآية. قال: هذا حين يحضر الرجل وهو يموت، فإذا أسرف أمره بالعدل وإذا قصر عن حق قالوا له: افعل كذا وكذا، وأعط فلانا كذا وكذا. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {خاف من موص...} الآية. قال: من أوصى بحيف أو جار في وصية فيردها ولي الميت أو إمام من أئمة المسلمين إلى كتاب اللّه وإلى سنة نبيه كان له ذلك. وأخرج سفيان بن عينية وسعيد بن منصور والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: الجنف في الوصية، والأضرار فيها من الكبائر. وأخرج أبو داود في مراسيله وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "يرد من صدقة الجانف في حياته ما يرد من وصية المجنف عند موته". وأخرج عبد الرزاق عن الثوري في قوله {فمن بدله بعد ما سمعه} قال: بلغنا أن الرجل إذا أوصى لم تغير وصيته حتى نزلت {فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم} فرده إلى الحق. ١٨٣ انظر تفسير الآية: ١٨٤ ١٨٤ أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "بني الإسلام على خمس. شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه، وإقام الصلاة، إيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج". وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن معاذ بن جبل قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال. فأما أحوال الصلاة فأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قدم المدينة فصلى سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس، ثم إن اللّه أنزل عليه (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها...) (البقرة الآية ١٤٤) الآية فوجهه اللّه إلى مكة هذا حول، وقال: وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضا حتى نفسوا أو كادوا، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له عبد اللّه بن يزيد أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه إني رأيت فيما يرى النائم، ولو قلت أني لم أكن نائما لصدقت، إني بينا أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران، فاستقبل القبلة فقال: اللّه أكبر اللّه أكبر أشهد أن لا إله إلا اللّه مثنى مثنى حتى فرغ الأذان، ثم أمهل ساعة ثم قال مثل الذي قال: غير أنه يزيد في ذلك قد قامت الصلاة. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: علمها بلالا فليؤذن بها. فكان بلال أول من أذن بها قال: وجاء عمر بن الخطاب فقال: يا رسول اللّه إنه قد طاف بي مثل الذي طاف به غير أنه سبقني فهذان حولان. قال: وكانوا يأتون الصلاة قد سبقهم النبي صلى اللّه عليه وسلم ببعضها، فكان الرجل يسر إلى الرجل كم صلى فيقول واحدة أو اثنتين فيصليهما، ثم يدخل مع القوم صلاتهم، فجاء معاذ فقال: لا أجده على حال أبدا إلا كنت عليها ثم قضيت ما سبقني، فجاء وقد سبقه النبي صلى اللّه عليه وسلم ببعضها فثبت معه، فلما قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلاته قام فقضى، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: قد سن لكم معاذ فهكذا فاصنعوا. فهذه ثلاثة أحوال.وأما أحوال الصيام فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قدم المدينة، فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وصام عاشوراء، ثم إن اللّه فرض عليه الصيام، وأنزل اللّه {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} إلى قوله {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه، ثم إن اللّه أنزل الآية الأخرى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس) (البقرة الآية ١٨٥) إلى قوله (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فأثبت اللّه صيامه على المقيم الصحيح، ورخص فيه للمريض والمسافر، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام، فهذان حولان. قال: وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له صرمة كان يعمل صائما حتى إذا أمسى، فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فأصبح صائما، فرآه النبي صلى اللّه عليه وسلم وقد جهد جهدا شديدا فقال: "ما لي أراك قد جهدت جهدا شديدا؟ قال: يا رسول اللّه عملت أمس، فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت، فأصبحت حين أصبحت صائما قال: وكان عمر قد أصاب النساء بعد ما نام، فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزل اللّه (أحل لكم ليلة الصيام الرفث) (البقرة الآية ١٨٧) إلى قوله (ثم أتموا الصيام إلى الليل) ". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {كما كتب على الذين من قبلكم} يعني بذلك أهل الكتاب. وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال: إن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا، فكانوا ربما صاموه في القيظ فحولوه إلى الفصل، وضاعفوه حتى صار إلى خمسين يوما، فذلك قوله {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم}. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {كما كتب على الذين من قبلكم} قال: الذين من قبلنا هم النصارى كتب عليهم رمضلن، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم، ولا ينكحوا في شهر رمضان. فاشتد على النصارى صيام رمضان فاجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف، وقالوا: نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا، فلم تزل المسلمون يصنعون كما تصنع النصارى حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان، فأحل اللّه لهم الأكل والشرب والجماع إلى قبيل طلوع الفجر. وأخرج ابن حنظلة في تاريخه والنحاس في ناسخه والطبراني عن معقل بن حنظلة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "كان على النصارى صوم شهر رمضان، فمرض ملكهم فقالوا: لئن شفاه اللّه لنزيدن عشرا، ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فوه، فقالوا: لئن شفاه اللّه لنزيدن سبعة، ثم كان ملك آخر فقالوا: ما تدع من هذه الثلاثة أيام شيئا أن نتمها ونجعل صومنا في الربيع، ففعل فصارت خمسين يوما". وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} قال: كتب عليهم الصيام من العتمة إلى العتمة. وأخرج ابن جرير عن مجاهد {كما كتب على الذين من قبلكم} قال: أهل الكتاب. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {لعلكم تتقون} من الطعام والشراب والنساء مثل ما اتقوا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء في قوله {أياما معدودات} قال: وكان هذا صيام الناس ثلاثة أيام من كل شهر ولم يسم الشهر أياما معدودات. قال: وكان هذا صيام الناس قبل ذلك، ثم فرض اللّه عليهم شهر رمضان.وأخرج سعيد بن منصور عن أبي جعفر قال: نسخ شهر رمضان كل صوم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {أياما معدودات} يعني أيام رمضان ثلاثين يوما. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {كتب عليكم الصيام} قال: كان ثلاثة أيام من كل شهر، ثم نسخ بالذي أنزل اللّه من صيام شهر رمضان، فهذا الصوم الأول من العتمة وجعل اللّه فيه فدية طعام مسكين، فمن شاء من مسافر أو مقيم يطعم مسكينا ويفطر وكان في ذلك رخصة له، فأنزل اللّه في الصوم الآخر {فعدة من أيام أخر} ولم يذكر اللّه في الأخر فدية طعام مسكين، فنسخت الفدية وثبت في الصوم الأخر {يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وهو الإفطار في السفر وجعله عدة من أيام أخر. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} قال: هو شهر رمضان كتبه اللّه على من كان قبلكم، وقد كانوا يصومون من كل شهر ثلاثة أيام، ويصلون ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي حتى افترض عليهم شهر رمضان. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: كان الصوم الأول صامه نوح فمن دونه حتى صامه النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، وكان صومهم من شهر ثلاثة أيام إلى العشاء، وهكذا صامه النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "صيام رمضان كتبه اللّه على الأمم قبلكم". وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: لقد كتب الصيام على كل أمة خلت كما كتب علينا شهرا كاملا. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: كتب على النصارى الصيام كما كتب عليكم، وتصديق ذلك في كتاب اللّه {كتب عليكم} الآية. قال: فكان أول أمر النصارى أن قدموا يوما قالوا: حتى لا نخطئ، ثم قدموا يوما وأخروا يوما قالوا: لا نخطئ، ثم إن آخر أمرهم صاروا إلى أن قالوا: نقدم عشرا ونؤخر عشرا حتى لا نخطئ فضلوا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: أنزلت {كتب عليكم الصيام...} الآية. كتب عليهم أن أحدهم إذا صلى العتمة ونام حرم عليه الطعام والشراب والنساء إلى مثلها. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في قوله {كتب عليكم الصيام...} الآية. قال: كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل أن يطعم شيئا لم يحل له أن يطعم إلى القابلة، والنساء عليهم حرام ليلة الصيام وهو ثابت عليهم، وقد رخص لكم في ذلك. وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة قالت: كان عاشوراء يصام، فلما نزل رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر. وأخرج سعيد وابن عساكر عن ابن عباس في قوله {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام...} الآية. يعني بذلك أهل الكتاب، وكان كتابه على أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم: إن الرجل يأكل ويشرب وينكح مابينه وبين أن يصلي العتمة أو يرقد، فإذا صلى العتمة أو رقد منع من ذلك إلى مثلها من القابلة، فنسختها هذه الآية {أحل لكم ليلة الصيام}. وأما قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية}. أخرج عبد بن حميد عن ابن سيرين قال: كان ابن عباس يخطب فقرأ هذه الآية {وعلى الذين يطيقونه فدية} قال: قد نسخت هذه الآية. وأخرج ابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية {وعلى الذين يطيقونه فدية} فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا، ثم نزلت هذه الآية {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} فنسخت الأولى إلا الفاني إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا وأفطر. وأخرج أبو داود عن ابن عباس {وعلى الذين يطيقونه فدية} ومن شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى وتم له صومه، فقال {ومن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم} وقال {فمن شهد منكم الشهر فليصمه...} الآية. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال: كانت مرخصة الشيخ الكبير والعجوز، وهما يطيقان الصوم أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا، ثم نسخت بعد ذلك فقال اللّه {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وأثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان أن يفطرا ويطعما، وللحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا مكان كل يوم مسكينا، ولا قضاء عليهما. وأخرج الدارمي والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن خزيمة وأبو عوانة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وابن حبان والطبراني والحاكم والبيهقي في سننه عن سلمة بن الأكوع قال: لمأنزلت هذه الآية {وعلى الذين يطيقونه فدية} من شاء منا صام ومن شاء أن يفطر ويفتدي فعل ذلك، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}. وأخرج ابن حبان عن سلمة بن الأكوع قال: كنا في رمضان في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى، حتى نزلت هذه الآية {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}. وأخرج البخاري عن أبي ليلى قال "نبأ أصحاب منا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما نزل رمضان فشق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك رمضان، فشق عليهم ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك، فنسختها {وإن تصوموا خير لكم} فأمروا بالصوم". وأخرج ابن جرير عن أبي ليلى "نبأ أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما قدم المدينة أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا من غير فريضة، ثم نزل صيام رمضان وكانوا قوما لم يتعودوا الصيام فكان مشقة عليهم، فكان من لم يصم أطعم مسكينا، ثم نزلت هذه الآية {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} فكانت الرخصة للمريض والمسافر، وأمرنا بالصيام". وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عامر الشعبي قال: لمأنزلت هذه الآية {وعلى الذين يطيقونه فدية} أفطر الأغنياء وأطعموا وجعلوا الصوم على الفقراء، فأنزل اللّه {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} فصام الناس جميعا. وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن أبي ليلى قال: دخلت على عطاء بن أبي رباح في شهر رمضان وهو يأكل، فقلت له: أتأكل؟! قال: إن الصوم أول ما نزل كان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا كل يوم، فلما نزلت {فمن تطوع خيرا فهو خير له} كان من تطوع أطعم مسكينين، فلما نزلت {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وجب الصوم على كل مسلم إلا مريضا، أو مسافرا أو الشيخ الكبير الفاني مثلي، فإنه يفطر ويطعم كل يوم مسكينا. وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف والبخاري وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عمر. أنه كان يقرأ {فدية طعام مسكين} وقال: هي منسوخة نسختها الآية التي بعدها {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}. وأخرج وكيع وسفيان وعبد الرزاق والفريابي والبخاري وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والطبراني والدارقطني والبيهقي من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ ( (وعلى الذين يطوقونه) ) مشددة قال: يكلفونه ولا يطيقونه، ويقول: ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير الهرم، والعجوز الكبيرة الهرمة، يطعمون لكل يوم مسكينا ولا يقضون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم وصححاه والبيهقي عن ابن عباس {وعلى الذين يطيقونه} قال: يكلفونه، فدية طعام مسكين واحد {فمن تطوع خيرا} زاد طعام مسكين آخر {فهو خير له وأن تصوموا خير لكم} قال: فهذه ليست منسوخة، ولا يرخص إلا للكبير الذي لا يطيق الصوم، أو مريض يعلم أنه لا يشفى. وأخرج ابن جرير والبيهقي عن عائشة كانت تقرأ (يطوقونه). وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سعيد بن جبير أنه قرأ (وعلى الذين يطوقونه). وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن الأنباري عن عكرمة أنه كان يقرأ (وعلى الذين يطوقونه) قال: يكلفونه. وقال: ليس هي منسوخة، الذين يطيقونه يصومونه، والذين يطوقونه عليهم الفدية. وأخرج ابن جرير وابن الأنبياري عن ابن عباس أنه قرأ {وعلى الذين يطيقونه} قال: يتجشمونه يتكلفونه. وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن عكرمة أنه كان يقرؤها {وعلى الذين يطيقونه} وقال: ولو كان يطيقونه إذن صاموا. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال نزلت {وعلى الذين يطيقونه فدية} في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم، فرخص له أن يطعم مكان كل يوم مسكينا. وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي عن ابن عباس {وعلى الذين يطيقونه} قال: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام يفطر، ويتصدق لكل يوم نصف صاع من بر مدا لطعامه ومدا لإدامه. وأخرج ابن سعد في طبقاته عن مجاهد قال: هذه الآية نزلت في مولى قيس بن السائب {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} فأفطر وأطعم لكل يوم مسكينا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وعلى الذين يطيقونه} قال: من لم يطق الصوم إلا على جهد فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا، والحامل، والمرضع، والشيخ الكبير، والذي سقمه دائم. وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله {وعلى الذين يطيقونه} قال: الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم يفطر، ويطعم مكان كل يوم مسكينا. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن المنذر والدارقطني والبيهقي عن أنس بن مالك. أنه ضعف عن الصوم عاما قبل موته، فصنع جفنة من ثريد، فدعا ثلاثين مسكينا فأطعمهم. وأخرج الطبراني عن قتادة: أن إنسانا ضعف عن الصوم قبل موته عاما، فأفطر وأطعم كل يوم مسكينا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والدارقطني وصححه عن ابن عباس. أنه قال لأم ولد له حامل أو مرضع: أنت بمنزلة الذين لا يطيقون الصوم، عليك الطعام ولا قضاء عليك. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والدارقطني عن نافع قال: أرسلت إحدى بنات ابن عمر إلى ابن عمر تسأله عن صوم رمضان وهي حامل، قال: تفطر وتطعم كل يوم مسكينا. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: تفطر الحامل التي في شهرها، والمرضع التي تخاف على ولدها يفطران، ويطعمان كل يوم مسكينا كل واحد منهما، ولا قضاء عليهما. وأخرج عبد بن حميد عن عثمان بن الأسود قال: سألت مجاهدا عن امرأتي وكانت حاملا وشق عليها الصوم، فقال: مرها فلتفطر ولتطعم مسكينا كل يوم، فإذا صحت فلتقض. وأخرج عبد بن حميد عن الحين قال: المرضع إذا خافت أفطرت وأطعمت، والحامل إذا خافت على نفسها أفطرت وقضت، وهي بمنزلة المريض. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الحسن قال: يفطران ويقضيان صياما. وأخرج عبد بن حميد عن النخعي قال: الحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا، وقضتا مكان ذلك صوما. وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: إذ خشي الإنسان على نفسه في رمضان فليفطر. وأما قوله تعالى {طعام مسكين}. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن سيرين قال: قرأ ابن عباس سورة البقرة على المنبر، فلما أتى على هذه الآية قرأ {طعام مسكين}. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {فدية طعام مسكين} قال: واحد. وأخرج وكيع عن عطاء في قوله {فدية طعام مسكين} قال: مد بمد أهل مكة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عكرمة قال: سألت طاوسا عن أمي وكان أصابها عطاش فلم تستطع أن تصوم، فقال: تفطر وتطعم كل يوم مدا من بر. قلت: بأي مد؟ قال: بمد أرضك. وأخرج الدارقطني عن أبي هريرة قال: من أدركه الكبر فلم يستطع أن يصوم رمضان فعليه كل يوم مد من قمح. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن سفيان قال: ما الصدقات والكفارات إلا بمد النبي صلى اللّه عليه وسلم. وأما قوله تعالى: {فمن تطوع خيرا فهو خير له}. وأخرج وكيع عن مجاهد في قوله {فمن تطوع خيرا} قال: أطعم المسكين صاعا. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله {فمن تطوع خيرا} قال: أطعم مسكينين. وأخرج عبد بن حميد عن طاوس {فمن تطوع خيرا} قال: أطعم مساكين. وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن أنس. أنه أفطر في رمضان، وكان قد كبر وأطعم أربعة مساكين لكل يوم. وأخرج الدارقطني في سننه من طريق مجاهد قال: سمعت قيس بن السائب يقول: إن شهر رمضان يفتديه الإنسان أن يطعم لكل يوم مسكينا، فأطعموا عني مسكينين. قوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون}. أخرج ابن جرير عن ابن شهاب في قوله {وإن تصوموا خير لكم} أي أن الصيام خير لكم من الفدية. وأخرج مالك وأحمد وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال اللّه عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، فرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند اللّه من ريح المسك". وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يقول اللّه تعالى: الصوم لي وأنا أجزي به، للصائم فرحتان. إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فجازاه فرح، ولخلوف فم الصائم عند اللّه أطيب من ريح المسك". وأخرج أحمد والبيهقي عن جابر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: قال ربنا: الصيام جنة يستجن بها العبد من النار، وهو لي وأنا أجزي به. قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: الصيام جنة حصينة من النار". وأخرج البيهقي عن أيوب بن حسان الواسطي قال "سمعت رجلا سأل سفيان بن عينية فقال: يا أبا محمد فيما يرويه النبي صلى اللّه عليه وسلم عن ربه عز وجل كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به. فقال ابن عينية: هذا من أجود الأحاديث وأحكمها، إذا كان يوم القيامة يحاسب اللّه عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل اللّه ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة". وأخرج مالك وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "قال اللّه عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، وإن سابه أو شاتمه أحد فليقل إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عن اللّه من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرح بهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن خزيمة والبيهقي عن سهل بن سعد. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "للجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أغلق، فلم يدخل منه أحد. زاد ابن خزيمة ومن دخل منه شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا. وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الصيام لا رياء فيه. قال اللّه: هو لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". وأخرج النسائي والبيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة". وأخرج البيهقي عن عبد اللّه بن أبي أوفى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله مضاعف، ودعاؤه مستجاب، وذنبه مغفور". وأخرج ابن عدي في الكامل وأبو الحسن محمد بن أحمد بن جميع الغساني، وأبو سعيد بن الأعرابي والبيهقي عن عائشة قالت: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "ما من عبد أصبح صائما إلا فتحت له أبواب السماء، وسبحت أعضاؤه واستغفر له أهل السماء الدنيا إلى أن توارى بالحجاب، فإن صلى ركعة أو ركعتين أضاءت له السموات نورا، وقال أزواجه من الحور العين اللّهم اقبضه إلينا فقد اشتقنا إلى رؤيته، وإن هلل أو سبح أو كبر تلقاه سبعون ألف ملك، يكتبون ثوابها إلى أن توارى بالحجاب". وأخرج البيهقي عن علي بن أبي طالب سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "من منعه الصيام من الطعام والشراب يشتهيه أطعمه اللّه من ثمار الجنة، وسقاه من شرابها". وأخرج البيهقي عن علي بن أبي طالب قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "إن اللّه أوحى إلى نبي من بني إسرائيل: أخبر قومك أن ليس عبد يصوم يوما ابتغاء وجهي إلا صححت جسمه وأعظمت أجره". وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى الأشعري قال: بينما نحن في البحر غزاة إذ مناد ينادي: يا أهل السفينة خبروا بخبركم. قال أبو موسى: قلت: ألا ترى الريح لنا طيبة، والشراع لنا مرفوعة، والسفينة لنا تجري في لجة البحر؟ قال: أفلا أخبركم بقضاء قضاه اللّه على نفسه؟ قلت: بلى. قال: فإن اللّه قضى على نفسه أيما عبد عطش نفسه للّه في الدنيا يوما فإن حقا على اللّه أن يرويه يوم القيامة. وأخرج أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي أمامة قال "قلت: يا رسول اللّه مرني بعمل آخذه عنك ينفعني اللّه به. قال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له". وأخرج البيهقي عن عبد اللّه بن أبي رباح قال: توضع الموائد يوم القايمة للصائمين، فيأكلون والناس في كرب الحساب. وأخرج البيهقي عن كعب الأحبار قال: ينادي يوم القيامة مناد: إن كل حارث يعطي بحرثه ويزاد غير أهل القرآن والصيام، يعطون أجورهم بغير حساب. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لكل أهل عمل باب من أبواب الجنة يدعون منه بذلك العمل، ولأهل الصيام باب يقال له الريان". وأخرج مالك في الموطأ وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الصيام جنة". وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: الصيام جنة وحصن حصينة من النار". وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي عن عثمان وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال نزلت {وعلى الذين يطيقونه فدية} في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم، فرخص له أن يطعم مكان كل يوم مسكينا. بن أبي العاصي الثقفي قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال". وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن خزيمة والبيهقي عن عبيدة قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: الصيام جنة ما لم يخرقها". وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الصيام جنة ما لم يخرقها. قيل وبم يخرقها؟ بكذب أو غيبة". وأخرج الترمذي والبيهقي عن رجل من بني سليم "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخذ بيده فقال: سبحان اللّه نصف الميزان، والحمد للّه تملأ الميزان، واللّه أكبر تملأ ما بين السماء والأرض، والوضوء نصف الميزان، والصيام نصف الصبر". وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: الصيام نصف الصبر، وأن لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصيام". وأخرج ابن عدي والبيهقي عن سهل بن سعد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لكل شيء زكاة، وزكاة الجسد الصوم". وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن أم عمارة بنت كعب "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دخل عليها، فقربت إليه طعاما فقال: كلي. فقالت: إني صائمة. فقال: إن الصائم إذا أكل عنده صلت عليه الملائكة حتى يفرغوا أو يقضوا". وأخرج ابن ماجه والبيهقي عن بريدة قال: دخل بلال على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يتغذى، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "تغذى يا بلال. قال: إني صائم يا رسول اللّه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: نأكل رزقنا وفضل رزق بلال في الجنة، أشعرت يا بلال أن الصائم تسبح عظامه، وتستغفر له الملائكة ما أكل عنده؟! ". وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد اللّه بن عمر قال: الصائم إذا أكل عنده صلت عليه الملائكة. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: الصائم إذا أكل عنده صلت عليه الملائكة. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: الصائم إذا أكل عنده سبحت مفاصله. وأخرج ابن أبي شيبة عن يزيد بن خليل مثله. وأخرج أبو يعلى والطبراني والبيهقي عن سلمة بن قيصر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من صام يوما ابتغاء وجه اللّه بعده اللّه من جهنم كبعد غراب كار وهو فرخ حتى مات هرما". وأخرج أحمد والبزار من حديث أبي هريرة. مثله. وأخرج البزار والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم". وأخرج البيهقي عن أنس قال "خرج النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى المسجد وفيه فئة من أصحابه فقال: من كان عنده طول فلينكح، وإلا فعليه بالصوم فإن له وجاء ومجسمة للعرق". وأخرج الترمذي وابن ماجه عن سهل بن سعد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "في الجنة باب يدعى الريان يدعى له الصائمون، فمن كان من الصائمين دخله، ومن دخله لا يظمأ أبدا". وأخرج ابن ماجه والحاكم والبيهقي عن عبد اللّه بن عمرو "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد". وأخرح البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن للصوم يوم القايمة حوضا ما يرده غير الصوام". وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار عن ابن عباس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث أبا موسى في سرية في البحر، فبينما هم كذلك قد رفعوا الشراع في ليلة مظلمة إذا هاتف من قومهم يهتف: يا أهل السفينة قفوا أخبركم بقضاء قضاه اللّه على نفسه. قال أبو موسى: أخبرنا إن كنت مخبرا، قال: إن اللّه قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف سقاه اللّه يوم العطش". وأخرج ابن سعد والترمذي وصححه والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الدعوات عن الحرث الأشعري "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: إن اللّه أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وأنه كاد أن يبطئ بها فقال عيسى: إن اللّه أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإما تأمرهم وإما أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذب، فجمع الناس في بيت المقدس فامتلأ، وقعد على الشرف فقال: إن اللّه أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن، وأمركم أن تعملوا بهن. أولهن أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا، وإن مثل من أشرك باللّه كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق فقال: هذه داري وهذا عملي فأعمل وأد إلي، فكان يعمل ويؤدي إلى سيده، فإيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ وإن اللّه أمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن اللّه ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت، وأمركم بالصيام، فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم يعجبه ريحها، وإن ريح الصائم أطيب عند اللّه من ريح المسك، وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو ولفوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أفدي نفسي منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم، وأمركم أن تذكروا اللّه، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى به على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر اللّه". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اغزوا تغنموا، وصوموا تصحوا، وسافروا تستغنوا". وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع والطبراني والحاكم وصححه عن عبد اللّه بن عمرو "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني به، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني به، قال: فيشفعان". وأخرج أبو يعلى والطبراني عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لو أن رجلا صام يوما تطوعا ثم أعطى ملء الأرض ذهبا لم يستوف ثوابه دون يوم الحساب". وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من عبد يصوم يوما في سبيل اللّه إلا باعد اللّه بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا". وأخرج الطبراني في الأوسط والصغير عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من صام يوما في سبيل اللّه جعل اللّه بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض". وأخرج الطبراني عن عمرو بن عبسة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من صام يوما في سبيل اللّه بعدت من النار مسيرة مائة عام". وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من صام يوما في سبيل اللّه زحزح اللّه وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفا". وأخرح الترمذي عن أبي أمامة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: من صام يوما في سبيل اللّه جعل اللّه بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض". وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم إحتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها اللّه فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين". وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الصائمون تنفح من أفواههم ريح المسك، وتوضع لهم يوم القيامة مائدة تحت العرش فيأكلون منها والناس في شدة". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن اللّه جعل مائدة عليها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لا يقعد عليها إلا الصائمون". وأخرج أبو الشيخ بن حبان في الثواب عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا كان يوم القيامة تخرج الصوام من قبورهم يعرفون برياح صيامهم، أفواههم أطيب من ريح المسك، فيلقون بالموائد والأباريق مختمة بالمسك فيقال لهم: كلوا فقد جعتم، واشربوا فقد عطشتم، ذروا الناس واستريحوا فقد أعييتم إذ استراح الناس، فيأكلون ويشربون ويستريحون والناس في عناء وظمأ". وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال عن مغيب بن سمى قال: تركد الشمس فوق رؤوسهم على أذرع، وتفتح أبواب جهنم فتهب عليهم لفحها وسمومها، وتخرج عليها نفحاتها حتى تجري الأرض من عرقهم أنتن من الجيف، والصائمون في ظل العرش. وأخرج الأصبهاني في الترغيب من طريق أحمد بن أبي الحواري أنبأنا أبو سليمان قال: جاءني أبو علي الأصم بأحسن حديث سمعته في الدنيا قال: توضع للصوام مائدة يأكلون والناس في الحساب، فيقولون: يا رب نحن نحاسب وهؤلاء يأكلون؟! فيقول "طالما صاموا وأفطرتم، وقاموا ونمتم". وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها اللّه لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام". وأخرج البيهقي عن نافع قال ابن عمر: كان يقال: إن لكل مؤمن دعوة مستجابة عند إفطاره، إما أن تعجل له في دنياه أو تدخر له في آخرته، فكان ابن عمر يقول عند إفطاره: يا واسع المغفرة اغفر لي. وأخرج أحمد عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه ذات يوم "من شهد منكم جنازة؟ قال عمر: أنا. قال: من عاد مريضا؟ قال عمر: أنا. قال: من تصدق بصدقة؟ قال عمر: أنا. قال: من أصبح صائما؟ قال عمر: أنا. قال: وجبت وجبت". وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد اللّه بن رباح قال: خرجنا إلى معاوية فمررنا براهب فقال: توضع الموائد فأول من يأكل منها الصائمون. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والدارقطني والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه عنه صوم الدهر كله وإن صامه". وأخرج الدارقطني عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أفطر يوما من رمضان من غير عذر فعليه صوم شهر". وأخرج الدارقطني عن رجاء بن جميل قال: كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول: من أفطر يوما من رمضان صام اثني عشر يوما، لأن اللّه رضي من عباده شهرا من اثني عشر شهرا. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إني أفطرت يوما من رمضان، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم "تصدق واستغفر وصم يوما مكانه". وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: من أفطر يوما من رمضان متعمدا من غير سفر ولا مرض لم يقضه أبدا وإن صام الدهر كله. وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال: من أفطر يوما من رمضان متعمدا لم يقضه أبدا طول الدهر. ١٨٥ أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عدي والبيهقي في سننه والديلمي عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا "لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء اللّه، ولكن قولوا شهر رمضان". وأخرج وكيع وابن جرير عن مجاهد قال: لا تقل رمضان، فإنك لا تدري ما رمضان، لعله اسم من أسماء اللّه عز وجل ولكن قل شهر رمضان كما قال اللّه عز وجل. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن ابن عمر قال: إنما سمي رمضان لأن الذنوب ترمض فيه، وإنما سمي شوالا لأنه يشول الذنوب كما تشول الناقة ذنبها. وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إنما سمي رمضان لأن رمضان يرمض الذنوب". وأخرج ابن مردويه والأصبهاني عن عائشة قالت: قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم "يا رسول اللّه ما رمضان؟ قال: أرمض اللّه فيه ذنوب المؤمنين، وغفرها لهم. قيل: فشوال؟ قال: شالت فيه ذنوبهم فلم يبق فيه ذنب إلا غفره". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي بكرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة". وأخرج البزار والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه عن أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا دخل رجب قال: اللّهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان". وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن طلحة بن عبيد اللّه "أن أعرابيا جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثائر الرأس فقال: يا رسول اللّه أخبرني بما فرض اللّه علي من الصيام؟ فقال: شهر رمضان إلا إن تطوع. فقال: أخبرني بما فرض اللّه علي من الزكاة؟ فأخبره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بشرائع الإسلام. قال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض اللّه علي شيئا. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق". وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي والبيهقي عن عرفجة قال: كنا عند عتبة ابن فرقد وهو يحدثنا عن رمضان، إذ دخل رجل من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم فسكت عتبة بن فرقد قال: يا أبا عبد اللّه حدثنا عن رمضان كيف سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول فيه؟ قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "رمضان شهر مبارك تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب السعير، وتصفد فيه الشياطين، وينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر أقصر، حتى ينقضي رمضان". وأخرج أحمد والطبراني والبيهقي عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن للّه عند كل فطر عتقاء من النار". وأخرج مسلم والبيهقي عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر". وأخرج ابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من صام رمضان، وعرف حدوده، وحفظ مما ينبغي أن يحفظ منه، كفر ما قبله". وأخرج ابن ماجه عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن للّه عند كل فطر عتقاء، وذلك في كل ليلة". وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتح أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر. وللّه عز وجل عتقاء من النار، وذلك عند كل ليلة". وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه: نبشركم قد جاءكم رمضان شهر مبارك افترض اللّه عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم". وأخرج أحمد والبزار وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أعطيت أمتي في شهر رمضان خمس خصال لم تعط أمة قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند اللّه من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين اللّه كل يوم جنته، ثم قال: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك، وتصفد الشياطين، ولا يخلصوا فيه إلى ما يخلصون في غيره، ويغفر لهم آخر ليلة. قيل: يا رسول اللّه أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله". وأخرج البيهقي والأصبهاني عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا لم يعطهن نبي قبلي: أما واحدة فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر اللّه إليهم، ومن نظر اللّه إليه لم يعذبه أبدا، وأما الثانية فإنه خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند اللّه من ريح المسك، وأما الثالثة فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة، وأما الرابعة فإن اللّه يأمر جنته فيقول لها استعدي وتزيني لعبادي أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي، وأما الخامسة فإذا كان آخر ليلة غفر لهم جميعا. فقال رجل من القوم: أهي ليلة القدر؟ فقال: لا، ألم تر إلى العمال يعملون، فإذا فرغوا من أعمالهم أعطوا أجورهم؟ ". وأخرج البيهقي في الشعب والأصبهاني في الترغيب عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن للّه في كل ليلة من رمضان ستمائة ألف عتيق من النار، فإذا كان آخر ليلة أعتق بعدد من مضى". وأخرج البيهقي عن عبد اللّه بن مسعود عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان فتحت أبواب الجنان فلم يغلق منها باب واحد الشهر كله، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب واحد الشهر كله، وغلت الجن ونادى مناد من كل ليلة إلى انفجار الصبح: يا باغي الخير تمم وابشر، ويا باغي الشر أقصر وابصر، السماء هل من مستغفر نغفر له؟ هل من تائب نتوب عليه؟ هل من داع نستجيب له؟ هل من سائل نعطي سؤله؟ وللّه عند كل فطر من شهر رمضان كل ليلة عتقاء من الناء ستون ألفا، فإذا كان يوم الفطر أعتق مثل ما أعتق في جميع الشهر ثلاثين مرة ستين ألفا ستين ألفا". وأخرج ابن أبي شيبة وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أظلكم شهركم هذا - يعني شهر رمضان - بمحلوف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ما مر على المسلمين شهر خير لهم منه، ولا يأتي على المنافقين شهر شر لهم منه، بمحلوف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن اللّه يكتب أجره وثوابه من قبل أن يدخل، ويكتب وزره وشقاءه قبل أن يدخل، وذلك أن المؤمن يعد فيه النفقة للقوة في العبادة، ويعد فيه المنافق اغتياب المؤمنين واتباع عوراتهم، فهو غنم للمؤمنين وغرم على الفاجر". وأخرج العقيلي وضعفه وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي والخطيب والأصبهاني في الترغيب عن سلمان الفارسي قال: خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال "يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، وجعل صيامه فريضة وتطوع ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن تقرب أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة وشهر يزاد في رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان له مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء. قلنا: يا رسول اللّه ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يعطي اللّه هذا الثواب من فطر صائما على مذقة لبن، أو تمرة، أو شربة من ماء، ومن أشبع صائما سقاه اللّه من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة، وهو شهر أوله وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه فيه غفر له وأعتقه من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتان لا غنى بكم عنهما. فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا اللّه وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الجنة وتعوذون به من النار". وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن عبد الرحمن بن عوف قال "ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رمضان فقال: شهر فرض اللّه عليكم صيامه وسننت أنا قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الصلاة المكتوبة إلى الصلاة التي تليها كفارة، والجمعة إلى الجمهة التي تليها كفارة ما بينهما، والشهر إلى الشهر يعني شهر رمضان إلى شهر رمضان كفارة إلا من ثلاث، الإشراك باللّه، وترك السنة، ونكث الصفقة. فقلت: يا رسول اللّه أما الإشراك باللّه فقد عرفناه فما نكث الصفقة وترك السنة؟ قال: أما نكث الصفقة فأن تبايع رجلا بيمينك ثم تخالف إليه فتقاتله بسيفك، وأما ترك السنة فالخروج من الجماعة". وأخرج ابن خزيمة والبيهقي والأصبهاني عن أنس بن مالك قال: لما أقبل شهر رمضان قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "سبحان اللّه! ماذا تستقبلون وماذا يستقبلكم؟ قال عمر بن الخطاب: بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه! وحي نزل أو عدو حضر؟ قال: لا ولكن شهر رمضان يغفر اللّه في أول لية لكل أهل هذه القبلة، وفي القوم رجل يهز راسه فيقول: بخ بخ فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: كان ضاق صدرك بما سمعت. قال: لا واللّه يا رسول ولكن ذكرت المنافق فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: المنافق كافر وليس للكافر في ذا شيء". وأخرج البيهقي عن جابر بن عبد اللّه قال: لما بنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المنبر جعل له ثلاث عتبات، فلما صعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم العتبة الأولى قال: آمين، ثم صعد العتبة الثانية فقال: آمين، حتى إذا صعد العتبة الثالثة قال: آمين. فقال المسلمون: يا رسول اللّه رأيناك تقول آمين آمين آمين ولا نرى أحدا؟! فقال: إن جبريل صعد قبلي العتبة الأولى فقال: يا محمد. فقلت لبيك وسعديك. فقال: من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يغفر له فأبعده اللّه، قل آمين. فقلت: آمين. فلنا صعد العتبة الثانية قال: يا محمد قلت: لبيك وسعديك. قال: من أدرك شهر رمضان وصام نهاره وقام ليله ثم مات ولم يغفر فدخل النار فأبعده اللّه، فقل آمين. فقلت: آمين. فلما صعد العتبة الثالثة قال: يا محمد. قلت: لبيك وسعديك. قال: من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات ولم يغفر له فدخل فأبعده اللّه، قل آمين. فقلت: آمين". وأخرج الحاكم وصححه من طريق سعد بن إسحق بن كعب بن عجرة عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "احضروا المنبر فحضرنا، فلما ارتقى درجة قال: آمين. فلما ارتقى الثانية قال: آمين. ثم لما ارتقى الثالثة قال: آمين. فلما نزل قلنا: يا رسول اللّه لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه؟! قال: إن جبريل عرض لي فقال: بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له. قلت: آمين. فلما رقيت الثانية قال: بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك. فقلت: آمين. فلما رقيت الثالثة قال: بعد من أدرك أبويه الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. فقلت: آمين". وأخرج ابن حبان عن الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده "فلما صعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المنبر، فلما رقى عتبة قال: آمين. ثم رقى أخرى قال: آمين. ثم رقى عتبة ثالثة فقال: آمين. ثم قال: أتاني جبريل فقال: يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده اللّه. فقلت: آمين. قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده اللّه. فقلت: آمين. قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده اللّه. فقلت: آمين. ". وأخرج ابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم صعد المنبر فقال: آمين آمين آمين. قيل: يا رسول اللّه إنك صعدت المنبر فقلت آمين آمين آمين؟! فقال: إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده اللّه، قل آمين. فقلت: آمين". وأخرج البيهقي عن عائشة قالت "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان شد مئزره، ثم لم يأت فراشه حتى ينسلخ". وأخرج البيهقي والأصبهاني عن عائشة قالت "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان تغير لونه، وكثرت صلاته، وابتهل في الدعاء وأشفق منه". وأخرج البزار والبيهقي عن ابن عباس قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذادخل شهر رمضان أطلق كل أسير، وأعطى كل سائل". وأخرج البيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن في رمضان ينادي مناد بعد الثلث الأول أو ثلث الليل الآخر: ألا سائل يسأل فيعطى ألا مستغفر يستغفر فيغفر له، ألا تائب يتوب فيتوب اللّه عليه". وأخرج البيهقي والأصبهاني عن أنس قال: قيل يا رسول اللّه أي الصدقة أفضل؟ قال: صدقة في رمضان. وأخرج البيهقي عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إن الجنة لتتزين من الحول إلى الحول لشهر رمضان، وإن الحور العين لتتزين من الحول إلى الحول لصوام رمضان، فإذا دخل رمضان قالت الجنة: اللّهم اجعل لي في هذا الشهر من عبادك، ويقول الحور: اللّهم اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجا. فمن لم يقذف مسلما فيه ببهتان، ولم يشرب مسكرا، كفر اللّه عنه ذنوبه، ومن قذف فيه مسلما، أو شرب فيه مسكرا، أحبط اللّه عمله لسنة، فاتقوا شهر رمضان فإنه شهر اللّه، جعل اللّه لكم أحد عشر شهرا تأكلون فيها وتشربون وتتلذذون وجعل لنفسه شهرا، فاتقوا رمضان فإنه شهر اللّه". وأخرج الدارقطني في الأفراد والطبراني وأبو نعيم في الحلية والبيهقي وابن عساكر عن ابن عمرو "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: إن الجنة لتزخرف لرمضان من رأس الحول إلى حول قابل، فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح تحت العرش، من ورق الجنة على الحور العين فيقلن: يا رب اجعل لنا من عبادك أزواجا تقر بهم أعيننا وتقر أعينهم بنا". وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن خزيمة وأبو الشيخ في الثواب وابن مردويه والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن أبي مسعود الأنصاري قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم وأهل رمضان فقال: لو يعلم العباد ما رمضان لتمنت أمتي أن يكون السنة كلها. فقال رجل: يا نبي اللّه حدثنا، فقال: إن الجنة للتزين لرمضان من رأس الحول إلى الحول، فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح من تحت العرش، فصفقت ورق الجنة، فتنظر الحور العين إلى ذلك، فيقلن: يا رب اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجا تقر بهم أعيننا وتقر أعينهم بنا. فيقال: فما من عبد يصوم يوما من رمضان إلا زوج زوجة من الحور العين، في خيمة من درة مما نعت اللّه (حور مقصورات في الخيام) (الرحمن الآية ٧٢) على كل امرأة منهن سبعون حلة، ليس منها حلة على لون أخرى ويعطى سبعين لونا من الطيب، ليس منه لون على ريح الآخر - لكل امرأة منهن سبعون ألف وصيفة لحاجتها وسبعون ألف وصيف، مع كل وصيفة صحفة من ذهب فيها لون طعام، يجد لآخر لقمة منها لذة لم يجدها لأوله، لكل امرأة منهن سبعون سريرا من ياقوتة حمراء، على كل سرير سبعون فراشا بطائنها من استبرق، فوق كل فراش سبعون أريكة، ويعطى زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت أحمر موشحا بالدر عليه سواران من ذهب، هذا بكل يوم صامه من رمضان سوى ما عمل من الحسنات". وأخرج البيهقي والأصبهاني عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب السماء فلا يغلق منها باب حتى يكون آخر ليلة من رمضان، وليس من عبد مؤمن يصلي في ليلة منها إلا كتب اللّه ألفا وخمسمائة حسنة بكل سجدة، وبنى له بيتا في الجنة من ياقوتة حمراء لها ستون ألف باب، فيها قصر من ذهب موشح بياقوتة حمراء، فإذا صام أول يوم من رمضان غفر له ما تقدم من ذنبه إلى مثل ذلك اليوم من شهر رمضان، واستغفر له كل يوم سبعون ألف ملك من صلاة الغداة إلى أن توارى بالحجاب، وكان له بكل سجدة يسجدها في شهر رمضان بليل أو نهار شجرة يسير الراكب في ظلها خمسمائة عام". وأخرج البزار والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "سيد الشهور رمضان، وأعظمها حرمة ذو الحجة". وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن مسعود قال: سيد الشهور رمضان، وسيد الأيام الجمعة. وأخرج البيهقي عن كعب قال: إن اللّه اختار ساعات الليل والنهار فجعل منهن الصلوات المكتوبة، واختار الأيام فجعل منهن الجمعة، واختار الشهور فجعل منهن شهر رمضان، واختار الليالي فجعل منهن ليلة القدر، واختار البقاع فجعل منها المساجد". وأخرج أبو الشيخ في الثواب والبيهقي والأصبهاني عن ابن عباس "أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: إن الجنة لتعد وتتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان، فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة، تصفق ورق الجنة وحلق المصاريع، يسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه، فيثب الحور العين حتى يشرفن على شرف الجنة، فينادين: هل من خاطب إلى اللّه فيزوجه؟ ثم يقول الحور العين: يا رضوان الجنة ما هذه الليلة؟ فيجيبهن بالتلبية، ثم يقول: هذه أول ليلة من شهر رمضان، فتحت أبواب الجنة على الصائمين من أمة محمد، ويا جبريل إهبط إلى الأرض فاصفد مردة الشياطين وغلهم بالأغلال، ثم اقذفهم في البحار حتى لا يفسدوا على أمة محمد حبيبي صيامهم، ويقول اللّه عز وجل في ليلة من شهر رمضان لمناد ينادي ثلاث مرات: هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ من يقرض المليء غير المعدم؟ والوفي غير الظلوم؟ قال: وله في كل يوم من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار كلهم قد استوجبوا النار، فإذا كان آخر يوم من شهر رمضان أعتق اللّه في ذلك اليوم بقدر ما أعتق من أول الشهر إلى آخره. وإذا كان ليلة القدر يأمر اللّه جبريل فيهبط في كبكبة من الملائكة إلى الأرض ومعهم لواء أخضر، فيركز اللواء على ظهر الكعبة وله ستمائة جناح، منها جناحان لا ينشرهما إلا في تلك الليلة، فينشرهما في تلك الليلة فتجاوز المشرق إلى المغرب، فيحث جبريل الملائكة في هذه الليلة فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصل وذاكر، يصافحونهم ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر ينادي جبريل: معاشر الملائكة الرحيل الرحيل... فيقولون: يا جبريل فما صنع اللّه في حوائج المؤمنين من أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم؟ فيقول جبريل: نظر اللّه إليهم في هذه الليلة فعفا عنهم وغفر لهم إلا أربعة. قلنا: يا رسول اللّه من هم؟ قال: رجل مدمن خمر، وعاق لوالديه، وقاطع رحم، ومشاحن، قلنا: يا رسول اللّه ما المشاحن؟ قال: هو المصارم. فإذا كانت ليلة القدر سميت تلك الليلة ليلة الجائزة، فإذا كانت غداة الفطر بعث اللّه الملائكة في كل بلاد، فيهبطون إلى الأرض فيقومون على أفواه السكك، فينادون بصوت يسمع من خلق اللّه إلا الجن والأنس، فيقولون: يا أمة محمد أخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل ويعفو عن العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول اللّه للملائكة: ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ فتقول الملائكة: إلهنا وسيدنا جزاؤه أن يوفيه أجره. فيقول: فإني أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم شهر رمضان وقيامه رضاي ومغفرتي. ويقول: يا عبادي سلوني، فوعزتي وجلالي لا تسالوني اليوم شيئا في جمعكم لآخرتكم إلا أعطيتكم، ولا لدنياكم إلا نظرت لكم، فوعزتي لأسترن عليكم عثراتكم ما راقبتموني، وعزتي لا أخزيكم ولا أفضحكم بين يدي أصحاب الحدود انصرفوا مغفورا لكم، قد أرضيتموني ورضيت عنكم. فتفرح الملائكة ويستغفرون بما يعطي اللّه هذه الأمة إذا أفطروا من شهر رمضان". وأخرج البيهقي في الشعب عن كعب الأحبار قال: أوحى اللّه إلى موسى عليه السلام: إني افترضت على عبادي الصيام وهو شهر رمضان. يا موسى من وافى القيامة وفي صحيفته عشر رمضانات فهو من الأبدال، ومن وافى القيامه وفي صحيفته عشرون رمضانا فهو من المخبتين، ومن وافى القيامة وفي صفحته ثلاثون رمضانا فهو من أفضل الشهداء عندي ثوابا، يا موسى إني آمر حملة العرش إذا دخل شهر رمضان أن يمسكوا عن العبادة، فكلما دعا صائمو رمضان بدعوة، وأن يقولوا آمين، وإني أوجبت على نفسي أن لا أرد دعوة صائمي رمضان. يا موسى إني ألهم في رمضان السموات والأرض والجبال والدواب والهوام أن يستغفروا لصائمي رمضان. يا موسى اطلب ثلاثة ممن يصوم رمضان فصل معهم، وكل واشرب معهم، فإني لا أنزل عقوبتي ولا نقمتي في بقعة فيها ثلاثة ممن يصوم رمضان. يا موسى إن كنت مسفرا فاقدم، وإن كنت مريضا فمرهم أن يحملوك، وقل للنساء والحيض والصبيان الصغار أن يبرزوا معك حيث يبرز صائمو رمضان عند صوم رمضان، فإني لو أذنت لسمائي وأرضي لسلمتا عليهم ولكلمتاهم ولبشرتاهم بما أجيزهم، إني أقول لعبادي الذين صاموا رمضان ارجعوا إلى رحالكم فقد أرضيتموني، وجعلت ثوابكم من صيامكم أن أعتقكم من النار، وأن أحاسبكم حسابا يسيرا، وأن أقيل لكم العثرة، وأخلف لكم النفقة، وأن لا أفضحكم بين يدي أحد، وعزتي لا تسألوني شيئا بعد صيام رمضان موقفكم هذا من آخرتكم إلا أعطيتكم، ولا تسألوني شيئا من أمر دنياكم إلا نظرت لكم. وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي والأصبهاني عن عمر بن الخطاب قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ذاكر اللّه في رمضان مغفور، وسائل اللّه فيه لا يخيب". وأخرج البخاري ومسلم والترمذي في الشمائل والنسائي والبيهقي عن ابن عباس قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه جبريل كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض النبي صلى اللّه عليه وسلم عليه القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة". وأخرج ابن ماجه عن أنس قال: دخل رمضان فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد الحرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم". وأخرج البزار عن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن للّه تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة من رمضان، وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة". وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر اللّه إلى خلقه، وإذا نظر اللّه إلى عبده لم يعذبه أبدا، وللّه في كل يوم ألف ألف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة تسع وعشرين أعتق اللّه فيها مثل جميع ما أعتق في الشهر كله، فإذا كانت ليلة القدر ارتجت الملائكة وتجلى الجبار بنوره مع أنه لا يصفه الواصفون، فيقول لملائكته وهم في عيدهم من الغد: يا معشر الملائكة ما جزاء الأجير إذا وفى عمله؟ تقول الملائكة: يوفى أجره. فيقول اللّه: أشهدكم أني قد غفرت لهم". وأخرج الطبراني عن عبادة بن الصامت "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال يوما وحضر رمضان: أتاكم شهر بركة يغشاكم اللّه فيه، فتنزل الرحمة وتحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر اللّه إلى تنافسكم ويباهي بكم ملائكته، فأروا اللّه من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة اللّه عز وجل". وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط عن أنس قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: هذا رمضان قد جاء تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتغل فيه الشياطين، بعدا لمن أدرك رمضان فلم يغفر له إذا لم يغفر له فيه فمتى". وأخرج أبو الشيخ في الثواب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن شهر رمضان شهر أمتي يمرض مريضهم فيعودنه، فإذا صام مسلم لم يكذب، ولم يغتب، وفطره طيب، ويسعى إلى العتمات محافظا على فرائضه، خرج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها". وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في ترغيبه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من صام يوما من رمضان فسلم من ثلاث ضمنت له الجنة. فقال أبو عبيدة بن الجراح: يا رسول اللّه على ما فيه سوى الثلاث؟ قال: على ما فيه سوى الثلاث. لسانه، وبطنه، وفرجه". وأخرج الأصبهاني عن الزهري قال: تسبيحة في شهر رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره. وأخرج الأصبهاني عن معلى بن الفضل قال: كانوا يدعون اللّه عز وجل ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، ويدعون اللّه ستة أشهر أن يتقبل منهم. وأخرج الأصبهاني عن البراء بن عازب قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: فضل الجمعة في شهر رمضان على سائر أيامه كفضل رمضان على سائر الشهور". وأخرج الأصبهاني عن إبراهيم النخعي قال: صوم يوم من رمضان أفضل من ألف يوم، وتسبيحة في رمضان أفضل من ألف تسبيحة، وركعة في رمضان أفضل من ألف ركعة". وأخرج الأصبهاني عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا سلم رمضان سلمت السنة، وإذا سلمت الجمعة سلمت الأيام". وأخرج الأصبهاني من طريق الأوزاعي عن مكحول والقاسم بن مخيمرة وعبد بن أبي لبابة قالوا: سمعنا أبا لبابة الباهلي، ووائلة بن الأسقع، وعبد اللّه بن بشر، سمعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "إن الجنة لتتزين من الحول إلى الحول لشهر رمضان، ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من صان نفسه ودينه في شهر رمضان زوجه اللّه من الحور العين، وأعطاه قصرا من قصور الجنة، ومن عمل سيئة، أو رمى بها مؤمنا ببهتان، أو شرب مسكرا في شهر رمضان أحبط اللّه عمله سنة، ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: اتقوا شهر رمضان لأنه شهر اللّه جعل لكم أحد عشر شهرا تشبعون فيها وتروون، وشهر رمضان شهر اللّه فاحفظوا فيه أنفسكم". وأخرج الأصبهاني عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أمتي لن يخزوا أبدا ما أقاموا شهر رمضان، فقال رجل من الأنصار: وما خزيهم من إضاعتهم شهر رمضان؟ فقال: إنتهاك المحارم. من عمل سوءا، أو زني، أو سرق، لم يقبل منه شهر رمضان، ولعنة الرب والملائكة إلى مثلها من الحول، فإن مات قبل شهر رمضان فليبشر بالنار، فاتقوا شهر رمضان فإن الحسنات تضاعف فيه، وكذلك السيئات". وأخرج الأصبهاني عن علي قال: لما كان أول ليلة من رمضان قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأثنى على اللّه وقال: أيها الناس قد كفاكم اللّه عدوكم من الجنة ووعدكم الإجابة، وقال (ادعوني أستجب لكم) (غافر الآية ٦٠) إلا وقد وكل اللّه بكل شيطان مريد سبعة من الملائكة، فليس بمحلول حتى ينقضي شهر رمضان، ألا وأبواب السماء مفتحة من أول ليلة منه إلى آخر ليلة منه، إلا والدعاء فيه مقبول حتى إذا كان أول ليلة من العشر شمر وشد المئزر، وخرج من بيته واعتكفهن وأحيا الليل. قيل: وما شد المئزر؟ قال: كان يعتزل النساء فيهن". وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن إسحق بن أبي إسحق. أن أبا هريرة قال لكعب: تجدون رمضان عندكم؟ قال: نجده حطة. وأخرج أحمد والبزار وابن خزيمة وابن حبان وابن مردويه والبيهقي عن عمرو بن مرة الجهني قال "جاء رجل من قضاعة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا اللّه وأنك رسول اللّه، وصليت الصلوات الخمس، وصمت رمضان وقمته، وآتيت الزكاة، فمن أنا؟ فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا - ونصب أصبعيه - ما لم يعق والديه". وأخرج البيهقي عن علي. أنه كان يخطب إذا حضر رمضان، ثم يقول: هذا الشهر المبارك الذي فرض اللّه صيامه ولم يفرض قيامه، ليحذر الرجل أن يقول: أصوم إذا صام فلان وأفطر إذا أفطر، ألا إن الصيام ليس من الطعام والشراب ولكن من الكذب والباطل واللغو، ألا لا تقدموا الشهر إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأتموا العدة. وأما قوله تعالى: {الذي أنزل فيه القرآن} أخرج أحمد وابن جرير ومحمد بن نصر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان والأصبهاني في الترغيب عن وائلة بن الأسقع "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة من رمضان، وأنزل اللّه القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان". وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن جابر بن عبد اللّه قال: أنزل اللّه صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزل التوراة على موسى لست خلون من رمضان، وأنزل الزبور على داود لاثنتي عشرة خلت من رمضان، وأنزل الإنجيل على عيسى لثماني عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان على محمد لأربع وعشرين خلت من رمضان. وأخرج ابن الضريس عن أبي الجلد قال: أنزل اللّه صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزل الإنجيل لثماني عشرة خلون شهر من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين ليلة خلت من رمضان، وذكر لنا أن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "أعطيت السبع الطوال مكان التوراة، وأعطيت المبين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزبور، وفضلت بالمفصل". وأخرج محمد بن نصر عن عائشة قالت: أنزلت الصحف الأولى في أول يوم من رمضان، وأنزلت التوراة في ست من رمضان، وأنزل الإنجيل في اثنتي عشرة من رمضان، وأنزل الزبور في ثماني عشرة من رمضان، وأنزل القرآن في أربع وعشرين من رمضان. وأخرج ابن جرير ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن مقسم قال: سأل عطية بن الأسود ابن عباس فقال: إنه قد وقع في قلبي الشك في قوله اللّه {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} وقوله (إنا أنزلناه في ليلة القدر) (القدر الآية ١) وقوله (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) (الدخان الآية ٣) وقد أنزل في شوال، وذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم، وشهر ربيع الأول، فقال ابن عباس: في رمضان، وفي ليلة القدر، وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجم مرسلا في الشهور والأيام. وأخرج الفريابي وابن جرير ومحمد بن نصر والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: نزل القرآن جملة. وفي لفظ: فصل القرآن من الذكر لأربعة وعشرين من رمضان، فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا، فجعل جبريل ينزله على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يرتله ترتيلا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: شهر رمضان، والليلة المباركة، وليلة القدر، فإن ليلة القدر هي الليلة المباركة، وهي في رمضان، نزل القرآن جملة من الذكر إلى البيت المعمور، وهو موقع النجوم في السماء الدنيا حيث وقع القرآن، ثم نزل على محمد صلى اللّه عليه وسلم بعد ذلك في الأمر والنهي، وفي الحروب رسلا رسلا. وأخرج ابن الضريس والنسائي ومحمد بن نصر وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: أنزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا، فكان اللّه إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه حتى جمعه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: نزل القرآن جملة واحدة على جبريل في ليلة القدر، فكان لا ينزل منه إلا ما أمر به. وأخرج ابن الضريس عن سعيد بن جبير قال: نزل القرآن جملة واحدة في رمضان في ليلة القدر، فجعل في بيت العزة، ثم أنزل على النبي صلى اللّه عليه وسلم في عشرين سنة جواب كلام الناس. وأخرج أبو يعلى وابن عساكر عن الحسن بن علي. أنه لما قتل علي قام خطيبا فقال: واللّه لقد قتلتم الليلة رجلا في ليلة نزل فيها القرآن، فيها رفع عيسى بن مريم، وفيها قتل يوشع بن نون، وفيها تيب على بني إسرائيل. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: بلغني أنه كان ينزل فيه من القرآن حتى انقطع الوحي وحتى مات محمد صلى اللّه عليه وسلم، فكان ينزل من القرآن في ليلة القدر كل شيء ينزل من القرآن في تلك السنة، فينزل ذلك من السماء السابعة على جبريل في السماء الدنيا، فلا ينزل جبريل من ذلك على محمد إلا بما أمره ربه. وأخرج عبد بن حميد وابن الضريس عن داود بن أبي هند قال: قلت لعامر الشعبي: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، فهل كان نزل عليه في سائر السنة إلا ما في رمضان؟ قال: بلى، ولكن جبريل كان يعارض محمدا ما أنزل في السنة في رمضان، فيحكم اللّه ما يشاء، ويثبت ما يشاء، وينسخ ما ينسخ، وينسيه ما يشاء. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} يقول: الذي أنزل صومه في القرآن. وأما قوله تعالى: {هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} أخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {هدى للناس} قال: يهتدون به {وبينات من الهدى} قال: فيه الحلال والحرام والحدود. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {وبينات من الهدى والفرقان} قال: بينات من الحلال والحرام. وأما قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} أخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: كان يوم عاشوراء يصام قبل أن ينزل شهر رمضان، فلما نزل رمضان ترك. أخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن جابر بن سمرة قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمر بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا عنه ولم يتعاهدنا عنده". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في قوله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} قال: هو هلاكه بالدار. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} قال: من كان مسافرا في بلد مقيم فليصمه. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} قال: إذا كان مقيما. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن علي قال: من أدركه رمضان وهو مقيم ثم سافر فقد لزمه الصوم، لأن اللّه يقول {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر في قوله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} قال: من أدركه رمضان في أهله ثم أراد السفر فليصم. وأخرج الدارقطني بسند ضعيف عن جابر بن عبد اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من أفطر يوما من شهر رمضان في الحضر فليهد بدنه، فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعا من تمر للمساكين". وأما قوله تعالى: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} أخرج ابن جرير عن الحسن وإبراهيم النخعي قالا: إذا لم يستطع المريض أن يصلي قائما أفطر. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال: الصيام في السفر مثل الصلاة، تقصر إذا أفطرت، وتصوم إذا وفيت الصلاة. وأخرج سفيان بن عينية وابن سعد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك القشيري. أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن اللّه وضع عن المسافر الصوم، وشطر الصلاة، وعلى الحبلى والمرضع". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس. أنه سئل عن الصوم في السفر، فقال: يسر وعسر، فخذ بيسر اللّه. وأخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة"إن حمزة الأسلمي سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الصوم في السفر، فقال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر". وأخرج الدارقطني وصححه عن حمزة بن عمرو الأسلمي "أنه قال: يا رسول اللّه إني أجد قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: هي رخصة من اللّه تعالى، من أخذ بها فحسن، وإن أحب أن يصوم فلا جناح عليه". وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم عن الصوم في السفر فقال: إن شئت أن تصوم فصم، وإن شئت أن تفطر فأفطر. وأخرج عبد بن حميد والدارقطني عن عائشة قالت "كل قد فعل النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقد صام وأفطر، وأتم وقصر في السفر". وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن معاذ بن جبل قال "صام النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد ما أنزلت عليه آية الرخصة في السفر". وأخرج عبد بن حميد عن أبي عياض قال "خرج النبي صلى اللّه عليه وسلم مسافرا في رمضان، فنودي في الناس: من شاء صام ومن شاء أفطر. فقيل لأبي عياض: كيف فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: صام، وكان أحقهم بذلك". وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: لا أعيب على من صام، وعلى من أفطر في السفر. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب وعامر "أنهما اتفقا أن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كانوا يسافرون في رمضان، فيصوم الصائم ويفطر المفطر، فلا يعيب المفطر على الصائم ولا الصائم على المفطر". وأخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود عن أنس بن مالك قال: "سافرنا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في رمضان فصام بعضنا وأفطر بعضنا، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم". وأخرج مسلم والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري قال: "كنا نسافر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في شهر رمضان، فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يجد المفطر على الصائم ولا الصائم على المفطر، وكانوا يرون أنه من وجد قوة فصام محسن، ومن وجد ضعفا فأفطر محسن". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي عن جابر بن عبد اللّه. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "ليس من البر الصيام في السفر". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه عن كعب بن عاصم الأشعري "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ليس من البر الصيام في السفر". وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر قال: لأن أفطر في رمضان في السفر أحب إلي من أن أصوم. وأخرج ابن أبي شيبه وعبد بن حميد عن ابن عمر قال: الإفطار في السفر صدقة تصدق اللّه بها على عباده. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر. أنه سأل عن الصوم في السفر فقال: رخصة نزلت من السماء، فإن شئتم فردوها. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر. أنه سئل عن الصوم في السفر فقال: لو تصدقت بصدقة فردت ألم تكن تغضب، إنما هو صدقة صدقها اللّه عليكم. وأخرج النسائي وابن ماجه وابن جرير عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن عباس قال: الإفطار في السفر كالمفطر في الحضر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن عباس قال: الإفطار في السفر عزمة. وأخرج عبد بن حميد عن محرز بن أبي هريرة. أنه كان في سفر فصام رمضان، فلما رجع أمره أبو هريرة أن يقضيه. وأخرج عبد بن حميد عن عامر بن ربيعة: أن عمر أمر رجلا صام رضان في السفر أن يعيد. وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن عامر بن عبد العزيز. أنه سئل عن الصوم في السفر، فقال: إن كان أهون عليك فصم. وفي لفظ: إذا كان يسر فصوموا، وإن كان عسر فأفطروا. قال اللّه {يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير عن خيثمة قال: سألت أنس بن مالك عن الصوم في السفر فقال: يصوم، قلت: فأين هذه الآية {فعدة من أيام أخر}؟ قال: إنها نزلت يوم نزلت ونحن نرتحل جياعا وننزل على غير شبع، واليوم نرتحل شباعا وننزل على شبع. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أنس قال: من أفطر فهي رخصة ومن صام فهو أفضل. وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم وسعيد بن جبير ومجاهد أنهم قالوا في الصوم في السفر: إن شئت فأفطر وإن شئت فصم، والصوم أفضل. وأخرج عبد بن حميد من طريق العوام عن مجاهد قال: "كأن النبي صلى اللّه عليه وسلم يصوم ويفطر في السفر، ويرى أصحابه أنه يصوم ويقول: كلوا إني أظل يطعمني ربي ويسقيني. قال العوام: فقلت لمجاهد: فأي ذلك يرى؟ قال: صوم في رمضان أفضل من صوم في غير رمضان". وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي البختري قال: قال عبيدة: إذا سافر الرجل وقد صام في رمضان فليصم ما بقي، ثم قرأ هذه الآية {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} قال: وكان ابن عباس يقول: من شاء صام ومن شاء أفطر. وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين سألت عبيدة قلت: أسافر في رمضان؟ قال: لا. وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: إذا أدرك الرجل رمضان فلا يخرج، فإن خرج وقد صام شيئا منه فليصمه في السفر، فإنه إن يقضه في رمضان أحب إلي من أن يقضيه في غيره. وأخرج عبد بن حميد عن أبي مجلز قال: إذا دخل شهر رمضان فلا يسافرن الرجل، فإن أبى إلا أن يسافر فليصم. وأخرج عبد بن حميد عن عبد الرحمن بن القاسم. أن إبراهيم بن محمد جاء إلى عائشة يسلم عليها وهو في رمضان فقالت: أين تريد؟ قال: العمرة. قالت: قعدت حتى دخل هذا الشهر، لا تخرج. قال: فإن أصحابي وأهلي قد خرجوا!، قالت: وإن، فردهم ثم أقم حتى تفطر. وأخرج عبد بن حميد عن أم درة قالت: كنت عند عائشة، فجاء رسول إلي وذلك في رمضان، فقالت لي عائشة: ما هذا؟ فقلت: رسول أخي يريد أن نخرج. قالت: لا تخرجي حتى ينقضي الشهر، فإن رمضان لو أدركني وأنا في الطريق لأقمت. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: لا بأس أن يسافر الرجل في رمضان، ويفطر إن شاء. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: لم يجعل اللّه رمضان قيدا. وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: من أدركه شهر رمضان فلا بأس أن يسافر، ثم يفطر. وأخرج عبد بن حميد وأبو داود عن سنان بن سلمة بن محبق الهذلي عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من كانت له حمولة تأوي إلى شبع فليصم رمضان حيث أدركه". وأخرج ابن سعد عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه تصدق بفطر رمضان على مريض أمتي ومسافرها". وأخرج الطبراني عن أنس بن مالك عن رجل من كعب قال "أغارت علينا خيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فانتهيت إليه وهو يأكل فقال: اجلس فأصب من طعامنا هذا. فقلت: يا رسول اللّه إني صائم. قال: اجلس أحدثك عن الصلاة وعن الصوم: إن اللّه عز وجل وضع شطر الصلاة عن المسافر، ووضع الصوم عن المسافر والمريض والحامل". وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة {فعدة من أيام أخر} قال: إن شاء وصل وإن شاء فرق. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قضاء رمضان قال: إن شاء تابع وإن شاء فرق، لأن اللّه تعالى يقول {فعدة من أيام أخر}. وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن ابن عباس في قضاء رمضان. صم كيف شئت، وقال ابن عمر: صمه كما أفطرته. وأخرج مالك وابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: يصوم شهر رمضان متتابعا من أفطره من مرض أو سفر. وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن أنس. أنه سئل عن قضاء رمضان فقال: إنما قال اللّه {فعدة من أيام أخر} فإذا أحصى العدة فلا بأس بالتفريق. وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن أبي عبيدة بن الجراح. أنه سئل عن قضاء رمضان متفرقا فقال: إن اللّه لم يرخص لكم في فطره وهو يريد أن يشق عليكم في قضائه، فاحصر العدة واصنع ما شئت. وأخرج الدارقطني عن رافع بن خديج قال: احصر العدة وصم كيف شئت. وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن معاذ بن جبل. أنه سئل عن قضاء رمضان فقال: احصر العدة وصم كيف شئت. وأخرج الدارقطني عن عمرو بن العاص قال: فرق قضاء رمضان إنما قال اللّه {فعدة من أيام أخر}. وأخرج وكيع وابن أبي حاتم عن أبي هريرة. أن امرأة سألته: كيف تقضي رمضان؟ فقال: صومي كيف شئت وأحصي العدة، فإنما {يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}. وأخرج ابن المنذر والدارقطني وصححه والبيهقي في سننه عن عائشة قالت: نزلت {فعدة من أيام أخر متتابعات} فسقطت متتابعات. قال البيهقي: أي نسخت. وأخرج الدارقطني وضعفه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يفرقه". وأخرج الدارقطني وضعفه عن عبد اللّه بن عمرو "سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن قضاء رمضان فقال: يقضيه تباعا، وإن فرقه أجزأه". وأخرج الدارقطني عن ابن عمر "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: في قضاء رمضان إن شاء فرق وإن شاء تابع". وأخرج الدارقطني من حديث ابن عباس. مثله. وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن محمد بن المنكدر قال "بلغني عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء صيام شهر رمضان فقال: ذاك إليك، أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين، إلم يكن قضاء؟! فاللّه تعالى أحق أن يقضى ويغفر. قال الدارقطني: إسناده حسن إلا أنه مرسل، ثم رواه من طريق آخر موصولا عن جابر مرفوعا وضعفه". أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} قال: الإفطار في السفر، والعسر الصوم في السفر. وأخرج ابن مردويه عن محجن بن الأدرع "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلا يصلي فتراءاه ببصره ساعة فقال: أتراه يصلي صادقا؟ قلت: يا رسول اللّه هذا أكثر أهل المدينة صلاة.! فقال: لا تسمعه فتهلكه، وقال: إن اللّه إنما أراد بهذه الأمة اليسر ولا يريد بهم العسر". وأخرج أحمد عن الأعرج "أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره". وأخرج ابن سعد وأحمد وأبو يعلى والطبراني وابن مردويه عن عروة التميمي قال "سأل الناس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هل علينا حرج في كذا؟ فقال: أيها الناس إن دين اللّه يسر ثلاثا يقوله". وأخرج البزار عن أنس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا". وأخرج أحمد عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق". وأخرج البزار عن جابر قال: قال رسول اله صلى اللّه عليه وسلم "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى". وأخرج أحمد عن أبي ذر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "الإسلام ذلول لا يركب إلا ذلولا". وأخرج البخاري والنسائي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال "سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: الدين يسر، ولن يغالب الدين أحد إلا غلبه، سددوا وقاربوا، وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة". وأخرج الطيالسي وأحمد والبيهقي عن بريدة قال "أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيدي فانطلقنا نمشي جميعا، فإذا رجل بين أيدينا يصلي يكثر الركوع والسجود، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: تراه مرائيا؟ قلت: اللّه ورسوله أعلم.؟ فأرسل يدي فقال: عليكم هديا قاصدا، فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه". وأخرج البيهقي عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تكرهوا عبادة اللّه إلى عباده، فإن المنبت لا يقطع سفرا ولا يستبقي ظهرا". وأخرج البيهقي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إن هذا الدين متين فأوغل به برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك، فإن المنبت لا سفر قطع ولا ظهرا أبقى، فاعمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبدا، واحذر حذرا تخشى أن تموت غدا". وأخرج الطبراني والبيهقي عن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن جده "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لا تشددوا على أنفسكم، فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات". وأخرج البيهقي من طريق معبد الجهني عن بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "العلم أفضل من العمل، وخير الأعمال أوسطها، ودين اللّه بين القاسي والغالي، والحسنة بين الشيئين لا ينالها إلا باللّه، وشر السير الحقحقة". وأخرج ابن عبيد والبيهقي عن إسحق بن سويد قال: تعبد عبد اللّه بن مطرف فقال له مطرف: يا عبد اللّه! العلم أفضل من العمل والحسنة بين الشيئين، وخير الأمور أوساطها، وشر السير الحقحقة". وأخرج أبو عبيد والبيهقي عن تميم الداري قال: خذ من دينك لنفسك، ومن نفسك لدينك حتى يستقيم بك الأمر على عبادة تطيقها. وأخرج البيهقي عن ابن عمر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن اللّه يحب أن يؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه". وأخرج البزار والطبراني وابن حبان عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه". وأخرج أحمد والبزار وابن خزيمة وابن حبان والطبراني في الأوسط والبيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه يحب أن تؤتى رخصه كما لا يحب أن تؤتى معصيته". وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس قال "سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم أي الأديان أحب إلى اللّه؟ قال: الحنيفية السمحة". وأخرج الطبراني عن ابن عمر. أن رجلا قال له: إني أقوى على الصيام في السفر، فقال ابن عمر: إني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "من لم يقبل رخصة اللّه كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة". وأخرج الطبراني عن عبد اللّه بن يزيد بن أديم قال: حدثني أبو الدرداء، ووأئلة بن الأسقع، وأبو أمامة، وأنس بن مالك "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن اللّه يحب أن تقبل رخصه كما يحب العبد مغفرة ربه". وأخرج أحمد عن عائشة قالت "وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذقني على منكبه لأنظر زفن الحبشة حتى كنت الذي مللت وانصرفت عنهم قالت: وقال يومئذ: لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، أي أرسلت بحنيفية سمحة". وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن الحسن قال: إن دين اللّه وضع دون الغلو وفوق التقصير. وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال: لا تعب على من صام في السفر ولا على من أفطر، خذ بأيسرهما عليك. قال اللّه تعالى {يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}. وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال: خذ بأيسرهما عليك، فإن اللّه لم يرد إلا اليسر. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله {ولتكملوا العدة} قال: عدة رمضان. وأخرج أبو ادود والنسائي وابن المنذر والدارقطني في سننه عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثلاثين، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثلاثين". وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم، ولا تصوموا حتى تروه، ثم صوموا حتى تروه، فإن حال دونه الغمام فأتموا العدة ثلاثين، ثم أفطروا". وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غيم عليكم الشهر فأكملوا العدة". وفي لفظ: "فعدوا ثلاثين". وأخرج الدارقطني عن رافع بن خديج قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "احصوا عدة شعبان لرمضان ولا تقدموا الشهر بصوم، فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فإكملوا العدة ثلاثين يوما ثم أفطروا، فإن الشهر هكذا وهكذا وهكذا وهكذا، وحبس إبهامه في الثالثة". وأخرج الدارقطني عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: إنا اصطحبنا أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم، وأنهم حدثونا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن أغمي عليكم فعدوا ثلاثين، فإن شهد ذو عدل فصوموا وأفطروا وانسكوا". وأخرج الدارقطني عن أبي مسعود الأنصاري "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أصبح صائما لتمام الثلاثين من رمضان، فجاء أعرابيان فشهدا أن لآ إله إلا اللّه وأنهما أهلاه بالأمس، فأمرهم فأفطروا". وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {ولتكملوا العدة} قال: عدة ما أفطر المريض والمسافر. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والمروزي في كتاب العيدين عن زيد بن أسلم في قوله {ولتكبروا اللّه على ما هداكم} قال: لتكبروا يوم الفطر. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا اللّه حتى يفرغوا من عيدهم، لأن اللّه يقول {ولتكملوا العدة ولتكبروا اللّه}. وأخرج الطبراني في المعجم الصغير عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "زينوا أعيادكم بالتكبير". وأخرج المروزي والدارقطني والبيهقي في السنن عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: كانوا في الفطر أشد منهم في الأضحى، يعني في التكبير. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن الزهري "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى حيث تقضى الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير. وأخرجه البيهقي من وجه آخر موصولا عن الزهري عن سالم عن ابن عمر وضعفه". وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق نافع عن عبد اللّه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يخرج إلى العيدين رافعا صوته بالتهليل والتكبير". وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال: إن من السنة أن تكبر يوم العيد. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والمروزي عن ابن مسعود أنه كان يكبر اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلا اللّه واللّه أكبر، وللّه الحمد. وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي والبيهقي في سننه عن ابن عباس، أنه كان يكبر اللّه أكبر كبيرا، اللّه أكبر كبيرا، اللّه أكبر وللّه الحمد، اللّه أكبر وأجل على ما هدانا. وأخرج البيهقي عن أبي عثمان النهدي قال: كان عثمان يعلمنا التكبير اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر كبيرا، اللّهم أنت أعلى وأجل من أن يكون لك صاحبة، أو يكون لك ولد، أو يكون لك شريك في الملك، أو يكون لك ولي من الذل وكبره تكبيرا، اللّهم اغفر لنا اللّهم ارحمنا. ١٨٦ أخرج ابن جرير والبغوي في معجمه وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق الصلت بن حكيم عن رجل من الأنصار عن أبيه عن جده قال "جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا} إذا أمرتهم أن يدعوني فدعوني أستجيب لهم". وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن قال "سأل أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم أين ربنا؟ فأنزل اللّه {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب...} الآية. وأخرج ابن مردويه عن أنس قال "سأل أعرابي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أين ربنا؟ قال: في السماء على عرشه، ثم تلا (الرحمن على العرش استوى) (طه الآية ٥) وأنزل اللّه {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب...} الآية. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن علي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تعجزوا عن الدعاء فإن اللّه أنزل علي {ادعوني أستجب لكم} فقال رجل: يا رسول اللّه ربنا يسمع الدعاء أم كيف ذلك؟ فأنزل اللّه {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب...} الآية". وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح. أنه بلغه لما أنزلت (وقال ربكم ادعوني أستجيب لكم) (غافر الآية ٦٠) قالوا: لو نعلم أي ساعة ندعو؟ فنزلت {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} إلى قوله {يرشدون}. وأخرج سفيان بن عينية في تفسيره وعبد اللّه بن أحمد في زوائد الزهد من طريق سفيان عن أبي قال "قال المسلمون يا رسول اللّه أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل اللّه {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} الآية". وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أنه لما أنزل اللّه (ادعوني أستجيب لكم) (غافر الآية ٦٠) قال رجال: كيف ندعو يا نبي اللّه؟ فأنزل اللّه {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب...} الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عبد اللّه بن عبيد قال: لمأنزلت هذه الآية (ادعوني أستجيب لكم) (غافر الآية ٦٠) قالوا: كيف لنا به أن نلقاه حتى ندعوه؟ فأنزل اللّه {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب...} الآية. فقالوا: صدق ربنا وهو بكل مكان. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: قال المسلمون: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزلت {فليستجيبوا لي} ليطعوني والاستجابة هي الطاعة {وليؤمنوا بي} ليعلموا {أني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: مفتاح البحار السفن، ومفتاح الأرض الطرق، ومفتاح السماء الدعاء. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد عن كعب قال: قال موسى: أي رب!.. أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك؟ قال: يا موسى أنا جليس من ذكرني، قال: يا رب فإن نكون من الحال على حال نعظمك أو نجلك أن نذكرك عليها؟ قال: وماهي؟ قال: الجنابة والغائط. قال: يا موسى اذكرني على كل حال. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسى الأشعري قال "كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزاة، فجعلنا لا نصعد شرفا ولا نهبط واديا إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير، فدنا منا فقال: يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا بصيرا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته". وأخرج أحمد عن أنس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "يقول اللّه: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني". وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن سلمان الفارسي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن ربكم حي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا. وفي لفظ: يستحي أن يبسط العبد إليه فيردهما خائبين". وأخرج البيهقي عن سلمان قال: إني أجد في التوراة. أن اللّه حي كريم يستحي أن يرد يدين خائبتين يسأل بهما خيرا. وأخرج عبد الرزاق والحاكم عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن ربكم حي كريم يستحي إذا رفع العبد يديه إليه أن يردهما حتى يجعل فيهما خيرا". وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه جواد كريم يستحي من العبد المسلم إذا دعاه أن يرد يديه صفرا ليس فيهما شيء". وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه حي كريم يستحي أن يرفع العبد يديه فيردهما صفرا لا خير فيهما، فإذا رفع أحدكم يديه فليقل: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت، يا أرحم الراحمين ثلاث مرات، ثم إذا أراد رد يديه فليفرغ الخير على وجهه". وأخرج الطبراني عن سلمان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما رفع قوم أكفهم إلى اللّه عز وجل يسألونه شيئا إلا كان حقا على اللّه أن يضع في أيديهم الذي سألوه". وأخرج الطبراني عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه عز وجل حي كريم يستحي من عبده أن يرفع يديه فيردهما صفرا ليس فيهما شيء". وأخرج الطبراني في الدعاء عن الوليد بن عبد اللّه بن أبي مغيث قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا دعا أحدكم فرفع يديه فإن اللّه جاعل في يديه بركة ورحمة، فلا يردهما حتى يمسح بهما وجهه". وأخرج البزار والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "يقول اللّه تعالى: يا ابن آدم واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة فيما بيني وبينك، وواحدة فيما بينك وبين عبادي. فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئا، وأما التي لك فما عملت من شيء أو من عمل وفيتكه، وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة، وأما التي بينك وبين عبادي فأرض لهم ما ترضى لنفسك". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والحاكم عن أبي سعيد. أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ما من مسلم يدعو اللّه بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه اللّه بها إحدى ثلاث خصال، إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذا نكثر قال اللّه أكثر". وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي. وأخرج الحاكم عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وأن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة". وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن ماجه والحاكم عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر". وأخرج الترمذي والحاكم عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد اللّه بالدعاء". وأخرج الترمذي وابن أبي حاتم والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "ادعوا اللّه وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن اللّه لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه". وأخرج الحاكم عن أنس مرفوعا "لا تعجزوا في الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد". وأخرج الحاكم عن جابر مرفوعا "يدعو اللّه بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه فيقول: عبدي إني أمرتك أن تدعوني ووعدتك أن أستجيب لك فهل كنت تدعوني؟ فيقول: نعم يا رب. فيقول: أما إنك لم تدعوني بدعوة إلا أستجيب لك، أليس دعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك ففرجت عنك؟ فيقول: بلى يا رب. فيقول: فإني عجلتها لك في الدنيا. ودعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك فلم تر فرجا، فيقول: نعم يا رب. فيقول: إني ادخرت لك بها في الجنة كذا وكذا. ودعوتني في حاجة قضيتها لك، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: فلا يدعو اللّه عبده المؤمن إلا بين له إما أن يكون عجل له في الدنيا، وإما أن يكون ادخر له في الآخرة. فيقول المؤمن في ذلك المقام: يا ليته لم يكن عجل له شيء من دعائه". وأخرج البخاري في الأدب المفرد والحاكم عن أبي هريرة مرفوعا"ما من عبد ينصب وجه إلى اللّه في مسألة إلا أعطاها إياه، أما أن يعجلها له في الدنيا، وإما أن يدخرها له في الآخرة". وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، أو يستعجل فيقول: دعوت فلا أرى تستجيب لي، فيدع الدعاء". وأخرج أحمد عن أنس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل. قالوا: وكيف يستعجل؟ قال: يقول قد دعوت ربكم فلم يستجب لي". وأخرج أحمد في الزهد عن مالك بن دينار قال: قال اللّه تبارك وتعالى على لسان نبي من بني إسرائيل "قل لبني إسرائيل تدعوني بألسنتكم وقلوبكم بعيدة مني باطل ما تدعوني، وقال: تدعوني وعلى أيديكم الدم، اغسلوا أيديكم من الدم، أي من الخطايا هلموا نادوني". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يقل أحدكم اغفر لي إن شئت، وليعزم في المسألة فإنه لا مكره له". وأخرج عبد اللّه بن أحمد في زوائد المسند عن عبادة بن الصامت "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ما على ظهر الأرض من رجل مسلم يدعو اللّه بدعوة إلا آتاه إياها، أو كف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم". وأخرج أحمد عن جابر"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه اللّه ما سأل، وكف عنه من السوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم". وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه إذا أراد أن يستجيب لعبد أذن له في الدعاء". وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إذا سأل أحدكم ربه مسألة فتعرف الاستجابة فليقل: الحمد للّه الذي بعزته تتم الصالحات، ومن أبطأ عليه من ذلك شيء فليقل الحمد للّه على كل حال". وأخرج الحكيم الترمذي عن معاذ بن جبل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "لو عرفتم اللّه حق معرفته لزالت لدعائكم الجبال". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي ذر قال: يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح". وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد اللّه بن شبيب قال: صليت إلى جنب سعيد بن المسيب المغرب، فرفعت صوتي بالدعاء، فانتهرني وقال: ظننت أن اللّه ليس بقريب منك. وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من فتح له في الدعاء منكم فتحت له أبواب الإجابة. ولفظ الترمذي: من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية". وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم التيمي قال: كان يقال: إذا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء فقد استوجب، وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء كان على رجاء. وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان قال: لما خلق اللّه آدم قال: واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك، فمنك المسألة والدعاء وعلي الإجابة. وأخرج ابن مردويه عن نافع بن معد يكرب قال: كنت أنا وعائشة فقالت"سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن هذه االآية {أجيب دعوة الداع إذا دعان} قال: يا رب مسألة عائشة، فهبط جبريل فقال: اللّه يقرئك السلام هذا عبدي الصالح بالنية الصادقة وقلبه تقي يقول: يا رب فأقول. لبيك، فأقضي حاجته". وأخرج ابن أبي الدنيا في الدعاء وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات والأصبهاني في الترغيب والديلمي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: حدثني جابر بن عبد اللّه "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قرأ {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب...} الآية. فقال: اللّهم إني أمرت بالدعاء وتكفلت بالإجابة، لبيك اللّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، اللّهم أشهد أنك فرد أحد صمد، لم تلد ولم تولد، ولم يكن لك كفوا أحد، وأشهد أن وعدك حق، ولقاءك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وإنك تبعث من في القبور". وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس في قوله {فليستجيبوا لي} قال: ليدعوني {وليؤمنوا بي} أنهم إذا دعوني أستجيب لهم. وأخرج ابن جرير عن مجاهد {فليستجيبوا لي} قال: فليطيعوني. وأخرج ابن جرير عن عطاء الخراساني {فليستجيبوا لي} قال: فليدعوني {وليؤمنوا بي} يقول: إني أستجيب لهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الربيع في قوله {لعهم يرشدون} قال: يهتدون. ١٨٧ أخرج وكيع وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والترمذي والنحاس في ناسخه وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب قال "كان أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما، فكان يومه ذاك يعمل في أرضه، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام؟ قالت: لا، ولكن انطلق فأطلب لك فغلبته عينه فنام، وجاءت امرأته فلما رأته نائما قالت: خيبة لك أنمت؟ فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت هذه الآية {أحل لكم ليلة الصيام الرفث} إلى قوله {من الفجر} ففرحوا بها فرحا كثيرا". وأخرج البخاري عن البراء قال: لما نزل صوم شهر رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، فكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل اللّه {علم اللّه أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم}. وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم بسند حسن عن كعب بن مالك قال "كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد، فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي صلى اللّه عليه وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده، فوجد امرأته قد نامت، فأيقظها وأرادها فقالت: إني قد نمت فقال: ما نمت ثم وقع بها. وصنع كعب بن مالك مثل ذلك، فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره، فأنزل اللّه {علم اللّه أنكم كنتم تختانون أنفسكم} ". وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال: كان المسلمون قبل أن تنزل هذه الآية إذا صلوا العشاء الآخرة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء حتى يفطروا، وأن عمر أصاب أهله بعد صلاة العشاء، وأن صرمة بن قيس غلبته عينه بعد صلاة المغرب فنام فلم يشبع من الطعام، ولم يستيقظ حتى صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم العشاء، فقام فأكل وشرب، فلما أصبح أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبره بذلك، فأنزل {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} يعني بالرفث مجامعة النساء {كنتم تختانون أنفسكم} يعني تجامعون النساء، وتأكلون وتشربون بعد العشاء {فالآن باشروهن} يعني جامعوهن {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} يعني الولد {وكلوا واشربوا} فكان ذلك عفوا من اللّه ورحمة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس "أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه {أحل لكم ليلة الصيام} إلى قوله {فالآن باشروهن} يعني انكحوهن". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال "كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه حتى إذا أمسى طعم من الطعام حتى يمسي من الليلة القابلة، وأن عمر بن الخطاب بينما هو نائم إذ سولت له نفسه فأتى أهله، ثم أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه إني أعتذر إلى اللّه وإليك من نفسي هذه الخاطئة، فإنها زينت لي فواقعت أهلي، هل تجد لي من رخصة قال: لم تكن حقيقا بذلك يا عمر. فلم بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن، وأمر اللّه رسوله أن يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة، فقال {أحل لكم ليلة الصيام} إلى قوله {تختانون أنفسكم} يعني بذلك الذي فعل عمر، فأنزل اللّه عفوه فقال {فتاب عليكم} إلى قوله {من الخيط الأسود} فأحل لهم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لهم الصبح". وأخرج ابن جرير عن ثابت "أن عمر بن الخطاب واقع أهله ليلة في رمضان فاشتد عليه ذلك، فأنزل اللّه {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} ". وأخرج أبو داود والبيهقي في سننه عن ابن عباس {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} قال: فكان الناس على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة، فاختان رجل نفسه فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يفطر، فأراد اللّه أن يجعل ذلك تيسيرا لمن بقي ورخصة ومنفعة، فقال {علم اللّه أنكم كنتم تختانون...} الآية. فرخص لهم ويسر. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج {وكلوا واشربوا} قال: نزلت في أبي قيس بن صرمة من بني الخزرج. وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال "كانوا إذا صاموا فنام أحدهم قبل أن يطعم لم يأكل شيئا إلى مثلها من الغد، وإذا نام قبل أن يجامع لم يجامع إلى مثلها، فانصرف شيخ من الأنصار يقال له صرمة بن مالك ذات ليلة إلى أهله وهو صائم، فقال: عشوني. فقالوا: حتى نجعل لك طعاما سخنا تفطر عليه، فوضع الشيخ رأسه فغلبته عيناه فنام، فجاؤوا بالطعام وقد نام فقالوا: كل. فقال: قد كنت نمت، فترك الطعام وبات ليلته يتقلب ظهرا لبطن، فلما أصبح أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فذكر ذلك له، فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول اللّه إني أردت أهلي البارحة على ما يريد الرجل أهله، فقالت: إنها قد نامت، فظننتها تعتل فواقعتها، فأخبرتني أنها كانت نامت، فأنزل اللّه في صرمة بن مالك {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} ونزل في عمر بن الخطاب {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} إلى آخر الآية". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {علم اللّه أنكم كنتم تختانون أنفسكم} قال: كان هذا قبل صوم رمضان أمروا بصيام ثلاثة أيام من كل شهر من كل عشرة أيام يوما، وأمروا بركعتين غدوة وركعتين عشية، فكان هذا بدء الصلاة والصوم، فكانوا في صومهم هذا وبعد ما فرض اللّه رمضان إذا رقدوا لم يمسوا النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، وكان أناس من المسلمين يصيبون من النساء والطعام بعد رقادهم، وكانت تلك خيانة القوم أنفسهم، فأنزل اللّه في ذلك القرآن {علم اللّه أنكم كنتم تختانون...} الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: كان أصحاب محمد يصوم الصائم في شهر رمضان، فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء، فإذا رقد حرم ذلك عليه حتىمثلها من القابلة، وكان منهم رجال يختانون أنفسهم في ذلك، فعفا اللّه عنهم، أحل لهم ذلك بعد الرقاد وقبله في الليل كله. وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم التيمي قال: كان المسلمون في أول الإسلام يفعلون كما يفعل أهل الكتاب، إذا نام أحدهم لم يطعم حتى يكون القابلة، فنزلت {وكلوا واشربوا} إلى آخر الآية. وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمرو بن العاص "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر". وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عن ابن عباس قال: الرفث الجماع. وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر قال: الرفث الجماع. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: الدخول، والتغشي، والإفضاء، والمباشرة، والرفث، واللمس، والمس، والمسيس: الجماع، والرفث في الصيام: الجماع، والرفث في الحج: الإغراء به. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} قال: هن سكن لكم وأنتم سكن لهن. وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {هن لباس لكم} قال: هن سكن لكم تسكنون إليهن بالليل والنهار قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت نابغة بن ذبيان وهو يقول: إذا ما الضجيع ثنى عطفها* تثنت عليه فكانت لباسا وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن يحيى بن العلاء عن ابن أنعم "أن سعد بن مسعود الكندي قال: أتى عثمان بن مظعون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه إني لأستحي أن ترى أهلي عورتي. قال: لم، وقد جعلك اللّه لهم لباسا وجعلهم لك؟! قال: أكره ذلك. قال: لإغنهم يرونه مني وأراه منهم. قال: أنت يا رسول اللّه؟ قال: أنا. قال: أنت فمن بعدك إذا؟! فلما أدبر عثمان قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن ابن مظعون لحيي ستير. وأخرجه ابن سعد عن سعد بن مسعود وعمارة بن غراب اليحصبي". وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {تختانون} فال: تقعون عليهن خيانة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {فالآن باشروهن} قال: انكحوهن. وأخرج ابن جرير وابن المنذر ابن وأبي حاتم والبيهقي من طرق عن ابن عباس قال: المباشرة الجماع، ولكن اللّه كريم يستكني. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: المباشرة في كل كتاب اللّه الجماع. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: الولد. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وقتادة والضحاك. مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: ليلة القدر. وأخرج البخاري في تاريخه عن أنس في قوله {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: ليلة القدر. وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: وابتغوا الرخصة التي كتب اللّه لكم. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء قال: قلت لابن عباس كيف تقرأ هذه الآية {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: أو واتبعوا، قال: أيتهما شئت عليك بالقراءة الأولى. وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن عائشة قالت "قد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم". وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أم سلمة "أنها سئلت عن الرجل يصبح جنبا، أيصوم؟ فقالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصبح جنبا من جماع غير احتلام في رمضان، ثم يصوم". وأخرج مالك والشافعي ومسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة "أن رجلا قال: يا رسول اللّه إني أصبح جنبا وأنا أريد الصيام، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: وأنا أصبح جنبا وأريد الصيام فأغتسل وأصوم ذلك اليوم؟ فقال الرجل: إنك لست مثلنا، قد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب وقال: واللّه إني لأرجو أن أكون أخشاكم للّه وأعلمكم بما أتقي". وأخرج أبو بكر بن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء والطستي في مسائله عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود}، قال: بياض النهار من سواد الليل وهو الصبح إذا [؟؟] قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول أمية؟: الخيط الأبيض ضوء الصبح منغلق * والخيط الأسود لون الليل مكموم وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن سهل بن سعد قال: أنزلت {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} ولم ينزل من الفجر، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل اللّه بعد {من الفجر} فعلموا إنما يعني الليل والنهار. وأخرج سفيان بن عينية وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن عدي بن حاتم قال "لما أنزلت هذه الآية {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} عمدت إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر إليهما فلا يتبين لي الأبيض من الأسود، فلما أصبحت غدوت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأخبرته بالذي صنعت فقال: إن وسادك إذا لعريض، إنما ذاك بياض النهار من سواد الليل". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم قال "أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فعلمني الإسلام، ونعت لي الصلوات الخمس كيف أصلي كل صلاة لوقتها، ثم قال: إذا جاء رمضان فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتم الصيام إلى الليل، ولم أدر ما هو! ففتلت خيطين من أبيض وأسود، فنظرت فيهما عند الفجر فرأيتهما سواء، فأتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللّه كل شيء أوصيتني قد حفظت غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود، قال: وما منعك يا ابن حاتم؟ وتبسم كأنه قد علم ما فعلت. قلت: فتلت خيطين من أبيض وأسود، فنظرت فيهما من الليل فوجدتهما سواء، فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى رؤي نواجذه، ثم قال: ألم أقل لك من الفجر؟ إنما هو ضوء النهار من ظلمة الليل". وأخرج عبد بن حميد والبخاري وابن جرير عن عدي بن حاتم قال "قلت يا رسول اللّه ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان؟ فقال: إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين، ثم قال: لا، بل هو سواد الليل وبياض النهار". وأخرج ابن أبي شيبه عن جابر الجعدي "أنه سأل عن هذه الآيه {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} يعني الليل والنهار. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن علي بن أبي طالب أنه قال لابن عباس: متى أدع السحور؟ فقال رجل: إذا شككت، فقال ابن عباس: كل ما شككت حين يتبين لك. وأخرج وكيع عن أبي الضحى قال: كانوا يرون أن الفجر المستفيض في السماء. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ابن عباس قال: هما فجران، فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئا، ولكن الفجر الذي يستبين على رؤوس الجبال هو الذي يحرم الشراب. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير عن سمرة بن جندب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لايمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستظهر في الأفق". وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: لا يمنعكم أذان بلال من سحوركم فإنه ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه عن طلق بن علي "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: كلوا واشربوا ولا يمنعكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر". وأخرج أحمد: ليس الفجر المستطيل في الأفق ولكنه المعترض الأحمر. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان "أنه بلغه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: الفجر فجران، فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئا ولا يحرمه، وأما المستطيل الذي يأخذ الأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام، وأخرجه الحاكم من طريقه عن جابر موصولا". وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: الفجر فجران، فجر يحرم فيه الطعام والشراب ويحل فيه الصلاة، وفجر يحل فيه الطعام ويحرم فيه الصلاة". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أراد أن يصوم فليتسحر ولو بشيء". وأخرج {ثم أتموا الصيام إلى الليل} ". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم". وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد. فيمن أفطر ثم طلعت الشمس، قال: يقضي، لأن اللّه يقول {أتموا الصيام إلى الليل}. وأخرج الحاكم وصححه عن أبي أمامة "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي، فأتياني جبلا وعرا فقالا لي: اصعد. فقلت: إني لا أطيقه. فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بأصوات شديدة! فقلت: ما هذه الأصوات؟! قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلقا بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما. قلت: من هؤلاء؟! قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم". وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني عن ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت "أردت أن أصوم يومين مواصلة، فمنعني بشير وقال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى عنه، وقال: إنما يفعل ذلك النصارى ولكن صوموا كما أمركم اللّه، وأتموا الصيام إلى الليل، فإذا كان الليل فأفطروا". وأخرج الطبراني في الأوسط وابن عساكر عن أبي ذر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واصل يومين وليلة، فأتاه جبريل فقال: إن اللّه قد قبل وصالك ولا يحل لأحد بعدك، وذلك بأن اللّه قال: وأتموا الصيام إلى الليل". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن قتادة قال: قالت عائشة {ثم أتموا الصيام إلى الليل} يعني أنها كرهت الوصال. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي العالية. أنه ذكر عنده الوصال فقال: فرض اللّه الصوم بالنهار فقال {ثم أتموا الصيام إلى الليل} فإذا جاء الليل فأنت مفطر، فإن شئت فكل وإن شئت فلا. وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر، إن اليهود والنصارى يؤخرون". وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي عن سهل بن سعد "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر". وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود عن ابن عمر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى عن الوصال قالوا: إنك تواصل؟ قال: لست مثلكم إني أطعم وأسقى". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لا تواصلوا. قالوا: إنك تواصل؟ قال: إني لست كأحد منكم، إني أبيت أطعم وأسقى". وأخرج البخاري وأبو داود عن أبي سعيد "أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل حتى السحر. قالوا: فإنك تواصل يا رسول اللّه؟ قال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني". وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن عائشة قالت "نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم فقالوا: إنك تواصل؟ قال: إني لست كهيئتكم، إني يطعمني ربي ويسقيني". وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري والنسائي عن أبي هريرة قال "نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول اللّه؟ قال: وأيكم مثلي. إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني". وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم، إني صائم". وأخرج البخاري والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من لم يدع. وفي لفظ: إذا لم يدع الصائم قول الزور والعمل به والجهل فليس للّه حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: رب قائم حظه من القيام السهر، ورب صائم حظه من الصيام الجوع والعطش". وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: الغيبة تخرق الصوم والاستغفار يرقعه، فمن استطاع منكم أن يجيء غدا بصومه مرقعا فليفعل. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن جابر بن عبد اللّه قال: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل فطرك وصومك سواء. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن طلق بن قيس قال: قال أبو ذر: إذا صمت فتحفظ ما استطعت، فكان طلق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلا للصلاة. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن مجاهد قال: خصلتان من حفظهما يسلم له صومه، الغيبة والكذب. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي العالية قال: الصائم في عبادة ما لم يغتب. وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما صام من ظل يأكل لحوم الناس". وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: كانوا يقولون: الكذب يفطر الصائم. وأخرج البيهقي عن أبي بكرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لايقولن أحدكم: إني قمت رمضان كله وصمته. فلا أدري أكره التزكية أو قال: لا بد من نومة أو رقدة". وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون} قال: المباشرة الملامسة، والمس الجماع، ولكن اللّه يكني ما شاء بما يشاء. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تباشروهن} الآية. قال: هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان أو غير رمضان، فحرم اللّه عليه أن ينكح النساء ليلا أو نهارا حتى يقضي اعتكافه. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك قال: كانوا يجامعون وهم معتكفون حتى نزلت {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء، فنزلت. وأخرج ابن جرير عن الربيع قال: كان ناس يصيبون نساءهم وهم عاكفون، فنهاهم اللّه عن ذلك. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل إلى الغائط جامع امرأته ثم اغتسل ثم رجع إلى اعتكافه، فنهوا عن ذلك. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال: نهى عن جماع النساء في المساجد كما كانت الأنصار تصنع. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال: إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه ويستأنف. وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم في معتكف وقع بأهله قال: يستقبل اعتكافه، ويستغفر اللّه، ويتوب إليه، ويتقرب ما استطاع. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد في المعتكف إذا جامع قال: قال: يتصدق بدينارين. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن في رجل غشي امرأته وهو معتكف أنه بمنزلة الذي غشي في رمضان، عليه على الذي في رمضان. وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري قال: من أصاب امرأته وهو معتكف فعليه من الكفارة مثل ما على الذي يصيب في رمضان. وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: لا يقبل المعتكف ولا يباشر. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: المعتكف لا يبيع ولا يبتاع. قوله تعالى: {وأنتم عاكفون في المساجد}. وأخرج الدارقطني والبيهقي في شعب الإيمان من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب وعن عروة عن عائشة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه اللّه عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده، والسنة في المعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان، ولا يتبع جنازة، ولا يعود مريضا، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، والسنة إلى آخره. فقد قيل: أنه من قول عروة وقال الدارقطني: هو من كلام الزهري، زمن أدرجه في الحديث فقد وهم". وأخرج ابن ماجه والبيهقي وضعفه عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال "في المعتكف أنه معتكف الذنوب ويجري له من الأجر كأجر عامل الحسنات كلها". وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم وصححه والبيهقي وضعفه والخطيب في تاريخه عن ابن عباس "أنه كان معتكفا في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأتاه رجل في حاجة فقام معه، وقال: سمعت صاحب هذا القبر يقول "من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيرا من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه اللّه جعل اللّه بينه وبين النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين". وأخرج البيهقي وضعفه عن علي بن حسين عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من اعتكف عشرا في رمضان كان كحجتين و عمرتين". وأخرج البيهقي عن الحسن قال: للمعتكف كل يوم حجة، قال البيهقي: لا يقوله الحسن إلا عن بلاغ بلغه. وأخرج البيهقي عن زياد بن السكن قال: كان زبيد اليامي وجماعة إذا كان يوم النيروز ويوم المهرجان اعتكفوا في مساجدهم، ثم قالوا: إن هؤلاء قد اعتكفوا على كفرهم واعتكفنا على إيماننا، فاغفر لنا. وأخرج البيهقي عن عطاء الخراساني قال: إن مثل المعتكف مثل المحرم ألقى نفسه بين يدي الرحمن. فقال: واللّه لا أبرح حتى ترحمني. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب قضاء الجوائج عن الحسن بن علي رضي اللّه عنهما قال: جاء رجل إلى الحسين بن علي فسأله أن يذهب معه في حاجة فقال: إني معتكف، فأتى الحسن فأخبره الحسن: لو مشى معك لكان خيرا له من اعتكافه، واللّه لأن أمشي معك في حاجتك أحب إلي من أعتكف شهرا. وأخرج البخاري في جزء التراجم بسند ضعيف جدا عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف شهرا في مسجدي هذا، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يقضيها ثبت اللّه قدميه يوم تزل الأقدام". وأخرج عبد الرزاق عن محمد بن واسع الأزدي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أعان أخاه يوما كان خيرا له من اعتكاف شهر". وأخرج الدارقطني عن حذيفة قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "كل مسجد له مؤذن وإمام فالإعتكاف فيه يصلح". وأخرج ابن أبي شيبة عن المسيب قال: لا اعتكاف إلا في مسجد. وأخرج الدارقطني والحاكم عن عائشة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: لا إعتكاف إلا بصيام". وأخرج مالك عن القاسم بن محمد ونافع مولى ابن عمر قالا: لا إعتكاف إلا بصيام لقول اللّه تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض} إلى قوله {وأنتم عاكفون في المساجد} فإنما ذكر اللّه عز وجل الإعتكاف مع الصيام. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: المعتكف عليه الصوم. وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال: لا إعتكاف إلا بصوم. وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة مثله. وأخرج ابن أبي شيبة عن من وجه آخر عن علي وابن مسعود قالا: المعتكف ليس عليه صوم إلا أن يشرطه على نفسه. وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه". وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن علي رضي اللّه عنه قال: المعتكف يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويأتي الجمعة، ويأتي أهله، ولا يجالسهم. وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة قالت "إن كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن ابن عمر قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان". وأخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة قال "كأن النبي صلى اللّه عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين". وأخرج مالك عن أهل الفضل والدين، أنهم كانوا إذا إعتكفوا العشر الأواخر من شهر رمضان، لا يرجعون حتى يشهدوا العيد مع الناس. وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون للمعتكف أن يبيت ليلة الفطر حتى يكون غدوه منه. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مجلز قال: بت ليلة الفطر في المسجد الذي اعتكفت فيه حتى يكون غدوك إلى مصلاك منه. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "نظر الرجل إلى أخيه على شوق خير من إعتكاف سنة في مسجدي هذا". وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة "أن بعض أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم كانت مستحاضة وهي عاكف". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {تلك حدود اللّه} يعني طاعة اللّه. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك {تلك حدود اللّه} قال: معصية اللّه، يعني المباشرة في الإعتكاف. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {تلك حدود اللّه فلا تقربوها} يعني الجماع. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {كذلك} يعني هكذا يبين اللّه. ١٨٨ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام} قال: هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال ويخاصمهم إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه، وقد علم أنه إثم أكل حرام. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام} قال: لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم. وأخرج ابن المنذر عن قتادة في الآية قال: لا تدل بمال أخيك إلى الحكام وأنت تعلم أنك ظالم، فإن قضاءه لا يحل لك شيئا كان حراما عليك. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} يعني بالظلم، وذلك أن امرأ القيس بن عابس وعبدان بن أشوع الحضرمي اختصما في أرض واراد امرؤ القيس أن يحلف، ففيه نزلت {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} وفي قوله {لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم} يعني طائفة {وأنتم تعلمون} يعني تعلمون أنكم تدعون الباطل. وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن أم سلمة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه، فإنما أقطع له قطعة من النار". وأخرج أحمد عن أبي حميد الساعدي "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لا يحل لامرئ أن يأخذ مال أخيه بغير حقه، وذلك لما حرم اللّه مال المسلم على المسلم". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس "أنه كان يكره أن يبيع الرجل الثوب ويقول لصاحبه: إن كرهته فرد معه دينارا"فهذا مما قال اللّه {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}. وأخرج اين أبي شيبة عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: قلت لعبد اللّه بن عمرو: هذا ابن عمك يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، وأن نقتل أنفسنا وقد قال اللّه {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام} إلى آخر الآية. فجمع يديه فوضعهما على جبهته ثم قال: أطعه في طاعة اللّه، واعصه في معصية اللّه. ١٨٩ أخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عباس في قوله {يسألونك عن الأهلة} قال: نزلت في معاذ بن جبل، وثعلبة بن غنمة، وهما رجلان من الأنصار قالا: يا رسول اللّه ما بال الهلال يبدو ويطلع دقيقا مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان لا يكون على حال واحد؟ فنزلت {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس} في محل دينهم، ولصومهم، ولفطرهم، وعدة نسائهم، والشروط التي تنتهي إلى أجل معلوم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال "سألوا النبي صلى اللّه عليه وسلم: لم جعلت الأهلة؟ فأنزل اللّه {يسألونك عن الأهلة} الآية. فجعلها لصوم المسلمين، ولإفطارهم، ولمناسكهم، وحجهم، ولعدة نسائهم، ومحل دينهم في أشياء، واللّه أعلم بما يصلح خلقه". وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال "ذكر لنا أنهم قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم: لم خلقت الأهلة؟ فأنزل اللّه {يسألونك عن الأهلة} الآية. جعلها اللّه مواقيت لصوم المسلمين، وإفطارهم، ولحجهم، ومناسكهم، ولعدة نسائهم، ومحل دينهم". وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال "سأل الناس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الأهلة، فنزلت هذه الآية {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس} يعلمون بها حل دينهم، وعدة نسائهم، ووقت حجهم". وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس} قال: لحجكم، وصومكم، وقضاء ديونكم، وعدة نسائكم. وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {مولقيت للناس} قال: في عدة نسائهم، ومحل دينهم، وشروط الناس، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر وهو يقول: والشمس تجري على وقت مسخرة * إذا قضت سفرا استقبلت سفرا وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "جعل اللّه الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما". وأخرج أحمد والطبراني وابن عدي والدارقطني بسند ضعيف عن طلق بن علي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "جعل اللّه الأهلة مواقيت للناس فإذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". وأما قوله تعالى: {وليس البر بأن تأتوا البيوت} الآية. أخرج وكيع والبخاري وابن جرير عن البراء قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل اللّه {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وآتوا البيوت من أبوابها}. وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء. كانت الأنصار إذا حجوا فرجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها، فجاء رجل من الأنصار فدخل من بابه، فقيل له في ذلك، فنزلت الآية. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن جابر قال "كانت قريش تدعى الحمس، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام، فبينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بستان إذ خرج من بابه، وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري فقالوا: يا رسول اللّه إن قطبة بن عامر رجل فاجر، وإنه خرج معك من الباب فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيتك فعلته ففعلته كما فعلت. قال: إني رجل أحمس. قال له: فإن ديني دينك. فأنزل اللّه {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها...} الآية". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس "أن رجالا من أهل المدينة كانوا إذا خاف أحدهم من عدوه شيئا أحرم فأمن، فإذا أحرم لم يلج من باب بيته واتخذ نقبا من ظهر بيته، فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة كان بها رجل محرم كذلك، وأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دخل بستانا، فدخله من بابه ودخل معه ذلك المحرم، فناداه رجل من ورائه: يا فلان إنك محرم وقد دخلت مع الناس. فقال: يا رسول اللّه إن كنت محرما فأنا محرم، وإن كنت أحمس فأنا أحمس. فأنزل اللّه {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} إلى آخر الآية. فأحل للمؤمنين أن يدخلوا من أبوابها". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قيس بن جبير النهشلي "أن الناس كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا حائطا من بابه ولا دارا من بابها، وكانت الحمس يدخلون البيوت من أبوابها، فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه دارا، وكان رجل من الأنصار يقال له رفاعة بن تابوت فتسور الحائط، ثم دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما خرج من باب الدار خرج معه رفاعة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما حملك على ذلك؟ قال: يا رسول اللّه رأيتك خرجت منه فخرجت منه. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إني رجل أحمس. فقال: إن تكن رجلا أحمس فإن ديننا واحد، فأنزل اللّه {وليس البر...} الآية". وأخرج ابن جرير عن الزهري قال "كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء يتحرجون من ذلك، وكان الرجل يخرج مهلا بالعمرة فتبدو له الحاجة فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف الباب أن يحول بينه وبين السماء، فيفتح الجدار من ورائه، ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته، حتى بلغنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أهل زمن الحديبة بالعمرة، فدخل حجرة، فدخل رجل على أثره من الأنصار من بني سلمة، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: إني أحمس. وكان الحمس لا يبالون ذلك، فقال الأنصاري: وأنا أحمس. يقول: وأنا على دينك. فأنزل اللّه {ليس البر...} الآية". وأخرج ابن جرير عن السدي قال "أن نايا من العرب كانوا إذا حجوا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها كانوا ينقبون في أدبارها، فلما حج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حجة الوادع أقبل يمشي ومعه رجل من أولئك وهو مسلم، فلما بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم باب البيت احتبس الرجل خلفه وأبى أن يدخل. قال: يا رسول اللّه إني أحمس. وكان أولئك الذين يفعلون ذلك يسمون الحمس، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: وأنا أيضا أحمس فادخل، فدخل الرجل، فأنزل اللّه {وأتوا البيوت من أبوابها} ". وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي في الآية قال: كان الرجل من أهل الجاهلية إذا أتى البيت من بيوت بعض أصحابه أو ابن عمه رفع البيت من خلفه أي بيوت الشعر ثم يدخل، فنهوا عن ذلك وأمروا أن يأتوا البيوت من أبوابها، ثم يسلموا.وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: كان الرجل إذا إعتكف لم يدخل منزله من باب البيت، فأنزل اللّه {ليس البر} الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا البيوت من ظهورها، ويرون أن ذلك أدنى إلى البر، فأنزل اللّه الآية. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال: كان الرجل في الجاهلية يهم بالشيء يصنعه فيحبس عن ذلك، فكان لا يأتي بيته من قبل بابه حتى يأتي الذي كان هم به وأراده. ١٩٠ أخرج آدم بن أبي إياس في تفسيره وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {وقاتلوا في سبيل اللّه الذين يقاتلونكم} قال: لأصحاب محمد أمروا بقتال الكفار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تعتدوا} يقول: لا تقتلوا النساء والصبيان، ولا الشيخ الكبير، ولا من ألقى السلم وكف يده، فإن فعلتم فقد اعتديتم. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن عمر قال "وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان". وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس قال "كنا إذا استنفرنا نزلنا بظهر المدينة حتى يخرج إلينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فيقول انطلقوا بسم اللّه وفي سبيل اللّه تقاتلون أعداء اللّه، لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلوا". وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن يحيى بن يحيى الغساني قال: كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن هذه الآية {وقاتلوا في سبيل اللّه الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن اللّه لا يحب المعتدين} فكتب إلي أن ذلك في النساء والذرية من لم ينصب لك الحرب منهم. ١٩١ انظر تفسير الآية: ١٩٢ ١٩٢ أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {واقتلوهم حيث ثقفتموهم...} الآية. قال: عنى اللّه بهذا المشركين. وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {ثقفتموهم} قال: وجدتموهم. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول حسان: فإما يثقفن بني لؤي * جذيمة إن قتلهم دواء وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {والفتنة أشد من القتل} قال: الشرك أشد. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {والفتنة أشد من القتل} قال: الفتنة التي أنتم مقيمون عليها أكبر من القتل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {والفتنة أشد من القتل} قال: ارتداد المؤمن إلى الوثن أشد عليه من أن يقتل محقا. وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم} كلها بالألف {فاقتلوهم} آخرهن بغير ألف. وأخرج عبد بن حميد عن أبي الأحوص قال: شمعت أبا إسحق يقرؤهن كلهن بغير ألف. وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش قال: كان أصحاب عبد اللّه يقرؤونها كلهن بغير ألف. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه عن قتادة في قوله {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه} قال: حتى يبدؤوا بالقتال، ثم نسخ بعد ذلك فقال: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) (البقرة الآية ١٩٣) وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود والنحاس معا في الناسخ عن قتادة في قوله {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام} وقوله (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) (البقرة الآية ٢١٧) فكان كذلك حتى نسخ هاتين الآيتين جميعا في براءة قوله (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة الآية ٥). (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) (التوبة الآية ٣٦). وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {فإن انتهوا} قال: فإن تابوا. ١٩٣ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس في قوله {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} يقول: شرك باللّه {ويكون الدين} ويخلص التوحيد للّه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} قال: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن قتادة ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، فكان هذا كذا حتى نسخ، فأنزل اللّه {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} أي شرك {ويكون الدين للّه} قال: حتى يقال: لا إله إلا اللّه، عليها قاتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وإليها دعا. وذكر لنا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقول "إن اللّه أمرني أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إلأه إلا اللّه {فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} قال: وإن الظالم الذي أبى أن يقول: لا إله إلا اللّه، يقاتل حتى يقول: لا إله إلا اللّه". وأخرج ابن جرير عن الربيع {ويكون الدين للّه} يقول: حتى لا يعبد إلا اللّه. وأخرج ابن جرير عن عكرمة {فلا عدوان إلا على الظالمين} قال: هم من أبى أن يقول لا إله إلا اللّه. وأخرج البخاري وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر أنه أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس صنعوا، وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى اللّه عليه وسلم، فما يمنعك أن تخرج؟ قال: يمنعني إن اللّه حرم دم أخي. قالا: ألم يقل اللّه {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} قال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين للّه، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير اللّه. ١٩٤ أخرج البخاري عن نافع. أن رجلا أتى ابن عمر فقال: ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل اللّه، وقد علمت ما رغب اللّه فيه؟ قال: يا ابن أخي: بني الإسلام على خمس: إيمان باللّه ورسوله، والصلاة الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت. قال: ألا تسمع ما ذكر اللّه في كتابه؟: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) (الحجرات الآية ٩) {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} قال: فعلنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكان الإسلام قليلا، وكان الرجل يفتن في دينه، إما قتلوه وإما عذبوه حتى كثر الإسلام، فلم تكن فتنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي ظبيان قال: جاء رجل إلى سعد فقال له: ألا تخرج تقاتل مع الناس حتى لا تكون فتنة؟ فقال سعد: قد قاتلت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى لم تكن فتنة، فأما أنت وذا البطين تريدون أن أقاتل حتى تكون فتنة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال "لما سار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معتمرا في سنة ست من الهجرة، وحبسه المشركون عن الدخول والوصول إلى البيت، وصدوه بمن معه من المسلمين في ذي القعدة وهو شهر حرام حتى قاضاهم على الدخول من قابل، فدخلها في السنة الآتية هو ومن كان معه من المسلمين وأقصه اللّه منهم، نزلت هذه الآية {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} ". وأخرج الواحدي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال " نزلت هذه الآية في صلح الحديبية، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما صد عن البيت ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه القابل، فلما كان العام القابل تجهز وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا أن لا تفي قريش بذلك، وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم، وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام، فأنزل اللّه ذلك". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال "أقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه فأحرموا بالعمرة في ذي القعدة ومعهم الهدي، حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون فصالحهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يرجع، ثم يقدم عاما قابلا فيقيم بمكة ثلاثة أيام ولا يخرج معه بأحد من أهل مكة، فنحر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصحابه بالهدي بالحديبية، وحلقوا أو قصروا، فلما كان عام قابل أقبلوا حتى دخلوا مكة في ذي القعدة، فاعتمروا وأقاموا بها ثلاثة أيام، وكان المشركون قد فخروا عليه حين صدوه يوم الحديبية، فقص اللّه له منهم فأدخله مكة في ذلك الشهر الذي ردوه فيه، فقال {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} ". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} قال "فخرت قريش بردها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام، فأدخله اللّه مكة من العام المقبل، فقضى عمرته وأقصه ما حيل بينه وبين يوم الحديبية". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال "أقبل نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه معتمرين في ذي القعدة ومعهم الهدي، حتى إذا كانوا بالحديبية فصدهم المشركون، فصالحهم نبي اللّه أن يرجع عامه ذلك حتى يرجع من العام المقبل، فيكون بمكة ثلاث ليال ولا يدخلوها إلا بسلاح الراكب، ولا يخرج بأحد من أهل مكة، فنحروا الهدي بالحديبية وحلقوا وقصروا حتى إذا كان من العام المقبل، أقبل نبي اللّه وأصحابه معتمرين في ذي القعدة حتى دخلوا فأقام بها ثلاث ليال، وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه يوم الحديبية، فأقصه اللّه منهم وأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه في ذي القعدة، فقال اللّه {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} ". وأخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه عن ابن جريج قال "قلت لعطاء: قول اللّه عز وجل {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} فقال: هذا يوم الحديبية صدوا رسول اللّه صلى اللّهعليه وسلم عن البيت الحرام وكان معتمرا، فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في السنة التي بعدها معتمرا مكة، فعمرة في الشهر الحرام بعمره في الشهر الحرام". وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة وابن شهاب قالا "خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من العام القابل من عام الحديبية معتمرا في ذي القعدة سنة سبع، وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام، وأنزل اللّه في تلك العمرة {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} فاعتمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الشهر الحرام الذي صد فيه". وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس "في قوله {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} وقوله {وجزاء سيئة سيئة مثلها} (الشورى الآية ٤٠) وقوله (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) (الشورى الآية ٤١) وقوله (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) (النحل الآية ١٢٦) قال: هذا ونحوه نزل بمكة، والمسلمون يومئذ قليل فليس لهم سلطان يقهر المشركين، فكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى، فأمر اللّه المسلمين من يتجازى منهم أن يتجازى بمثل ما أوتي إليه أو يصبر أو يعفو، فلما هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة وأعز اللّه سلطانه أمر اللّه المسلمين أن ينتهوا في مظالهم إلى سلطانهم، ولا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية، فقال (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) (الإسراء الآية ٣٣) الآية. يقول: ينصره السلطان حتى ينصفه من ظالمه، ومن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاص مسرف، قد عمل بحمية الجاهلية ولم يرض بحكم اللّه تعالى". وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} قال: فقاتلوهم فيه كما قاتلوكم.وأخرج أحمد وابن جرير والنحاس في ناسخه عن جابر بن عبد اللّه قال: لم يكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى ويغزو، فإذا حضره أقام حتى ينسلخ. ١٩٥ أخرج وكيع وسفيان بن عينية وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حذيفة في قوله {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: هو ترك النفقة في سبيل اللّه مخافة العيلة. وأخرج وكيع وعبد بن حميد والبيهقي عن ابن عباس في قوله {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: ترك النفقة في سبيل اللّه، أنفق ولو مشقصا. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: ليس التهلكة أن يقتل الرجل في سبيل اللّه ولكن الإمساك عن النفقة في سبيل اللّه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة في قوله {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: نزلت في النفقات في سبيل اللّه. وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن مجاهد قال: إنما أنزلت هذه الآية {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} في النفقة في سبيل اللّه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: كان القوم في سبيل اللّه فيتزود الرجل، فكان أفضل زادا من الآخر، أنفق اليابس من زاده حتى لا يبقى من زاده شيء أحب أن يواسي صاحبه، فأنزل اللّه {وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}. وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال: كانوا يسافرون ويقترون ولا ينفقون من أموالهم، فأمرهم أن ينفقوا في مغازيهم في سبيل اللّه. وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في الشعب في قوله {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: هو البخل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن الأسلم في الآية قال: كان رجال يخرجون في بعوث يبعثها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بغير نفقة، فإما يقطع بهم وإما كانوا عيالا، فأمرهم اللّه أن يستنفقوا مما رزقهم اللّه ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، والتهلكة أن يهلك رجال من الجوع والعطش ومن المشي، وقال لمن بيده فضل {وأحسنوا إن اللّه يحب المحسنين}. وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير والبغوي في معجمه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن قانع والطبراني عن الضحاك بن أبي جبيرة أن الأنصار كانوا ينفقون في سبيل اللّه ويتصدقون، فأصابتهم سنة فساء ظنهم وأمسكوا عن ذلك، فأنزل اللّه {وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}. وأخرج سفيان بن عينية وعبد بن حميد عن مجاهد {وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: لا يمنعنكم النفقة في حق خيفة العيلة. وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أسلم أبي عمران قال: كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد، فخرج صف عظيم من الروم، فصففنا لهم فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان اللّه! يلقي بيديه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، إنا لما أعز اللّه دينه وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرا دون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن اللّه قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع فيها، فأنزل اللّه على نبيه يرد علينا ما قلنا {وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} فكانت التهلكة الإقامة في الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو. وأخرج وكيع وسفيان بن عينية والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن البراء بن عازب أنه قيل له {وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} هو الرجل يلقى العدو فيقاتل حتى يقتل قال: لا، ولكن هو الرجل يذنب فيلقي بيديه فيقول: لا يغفر اللّه لي أبدا. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والطبراني والبيهقي في الشعب عن النعمان بن بشير قال: كان الرجل يذنب فيقول: لا يغفر اللّه لي. فأنزل اللّه {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن عبيدة السلماني في قوله {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: القنوط. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: التهلكة عذاب اللّه. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أنهم حاصروا دمشق، فأسرع رجل إلى العدو وحده، فعاب ذلك عليه المسلمون ورفعوا حديثه إلى عمرو بن العاص، فأرسل إليه فرده فقال: قال اللّه {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}. وأخرج ابن جرير عن رجل من الصحابة في قوله {وأحسنوا} قال: أدوا الفرائض. وأخرج عبد بن حميد عن أبي إسحق. مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة في قوله {وأحسنوا إن اللّه يحب المحسنين} قال: أحسنوا الظن باللّه. ١٩٦ أخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل وابن عبد البر في التمهيد عن يعلى بن أمية قال "جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر خلوق، فقال: كيف تأمرني يا رسول اللّه أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل اللّه {وأتموا الحج والعمرة للّه} فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أين السائل عن العمرة؟ فقال: هذا أناذا. قال: اخلع الجبة واغسل عنك أثر الخلوق، ثم ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك". وأخرج الشافعي وأحمد وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن يعلى بن أمية قال "جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال: فأنزل على النبي صلى اللّه عليه وسلم فتستر بثوب، وكان يعلى يقول: وددت أني أرى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي. فقال عمر: أيسرك أن تنظر النبي صلى اللّه عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي؟ فرفع طرف الثوب فنظرت إليه له غطيط كغطيط البكر، فلما سري عنه قال: أين السائل عن العمرة؟ اغسل عنك أثر الخلوق، واخلع عنك جبتك، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك". وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن علي {وأتموا الحج والعمرة للّه} قال: أن تحرم من دويرة أهلك. وأخرج ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "في قوله تعالى {وأتموا الحج والعمرة للّه} إن تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك". وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله {و أتموا الحج والعمرة للّه} قال: من تمامهما أن يفرد كل واحد منهما عن الآخر، وأن يعتمر في غير أشهر الحج. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: من أحرم بحج أو عمرة فليس له أن يحل حتى يتمها تمام الحج يوم النحر إذا رمى يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة وزار البيت فقد حل، وتمام العمرة إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة إذا حل. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: تمامهما ما أمر اللّه فيهما. وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن علقمة وإبراهيم قالا: في قراءة ابن مسعود {وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت} لا يجاوز بالعمرة البيت، الحج المناسك، والعمرة البيت والصفا والمروة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن علي أنه قرأ {وأقيموا الحج والعمرة للبيت} ثم قال: هي واجبة مثل الحج. وأخرج ابن مردويه والبيهقي في سننه والأصبهاني في الترغيب عن ابن مسعود قال: أمرتم بأقامة أربع. أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأقيموا الحج، والعمرة إلى البيت. والحج الحج الأكبر، والعمرة الحج الأصغر. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن يزيد بن معاوية قال: إني لفي المسجد زمن الوليد بن عقبة حلقة فيها حذيفة وليس إذ ذاك حجزة ولا جلاوزة، إذ هتف هاتف: من كان يقرأ على قراءة أبي موسى فليأت الزاويه التي عند أبواب كنده ومن كان يقرأ على قراءة عبد اللّه بن مسعود فليأت هذه الزاوية التي عند دار عبد اللّه، واختلفا في آية في سورة البقرة قرأ هذا (وأتموا الحج والعمرة للبيت) وقرأ هذا {وأتموا الحج والعمرة للّه} فغضب حذيفة واحمرت عيناه، ثم قام - وذلك في زمن عثمان - فقال: إما أن تركب إلى أمير المؤمنين وإما أن أركب، فهكذا كان من قبلكم، ثم أقبل فجلس فقال: إن اللّه بعث محمدا فقاتل بمن أقبل من أدبر حتى أظهر اللّه دينه، ثم إن اللّه قبضه فطعن الناس في الإسلام طعنة جواد، ثم إن اللّه استخلف أبا بكر وكان ما شاء اللّه، ثم إن اللّه قبضه فطعن الناس في الإسلام طعنة جواد، ثم إن اللّه استخلف عمر فنزل وسط الإسلام، ثم إن اللّه قبضه فطعن الناس في الإسلام طعنة جواد، ثم إن اللّه استخلف عثمان. وأيم اللّه ليوشكن أن تطعنوا فيه طعنة تحلقونه كله. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عن الشعبي أنه قرأها {وأتموا الحج} ثم قطع، ثم قال {والعمرة للّه} يعني برفع التاء، وقال: هي تطوع. وأخرج سفيان بن عينية والشافعي والبيهقي في سننه عن طاوس قال: قيل لابن عباس أتأمر بالعمرة قبل الحج واللّه تعالى يقول {وأتموا الحج ةالعمرة للّه}؟ فقال ابن عباس: كيف تقرؤون (من بعد وصية يوصى بها أو دين) (النساء الآية ١١)؟ فبأيهما تبدؤون؟ قالوا: بالدين. قال: فهو ذلك. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والدارقطني والحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال: العمرة واجبة كوجوب الحج من استطاع إليه سبيلا. وأخرج سفيان بن عينية والشافعي في الأم والبيهقي عن ابن عباس قال: واللّه إنها لقرينتها في كتاب اللّه {وأتموا الحج والعمرة للّه}. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة كلاهما في المصنف وعبد بن حميد عن مسروق قال: أمرتم في القرآن بإقامة أربع: أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأقيموا الحج، والعمرة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: العمرة الحجة الصغرى. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود أنه قرأ (وأقيموا الحج والعمرة للبيت) ثم قال: واللّه لولا التحرج أني لم أسمع فيها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيئا لقلنا أن العمرة واجبة مثل الحج. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عمر قال: العمرة واجبة ليس أحد من خلق اللّه إلا عليه حجة وعمرة، واجبتان من استطاع إلى ذلك سبيلا. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن طاوس قال: العمرة على الناس كلهم إلا على أهل مكة فإنها ليست عليهم عمرة، إلا أن يقدم أحد منهم من أفق من الآفاق. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء قال: ليس أحد من خلق اللّه إلا عليه حجة وعمرة، واجبتان من استطاع إلى ذلك سبيلا كما قال اللّه حتى أهل بوادينا، إلا أهل مكة فإن عليهم حجة وليست عليهم عمرة من أجل أنهم أهل البيت، وإنما العمرة من أجل الطواف. وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: الحج والعمرة فريضتان على الناس كلهم إلا أهل مكة فإن عمرتهم طوافهم، فمن جعل بينه وبين الحرم بطن واد فلا يدخل مكة إلا بالإحرام. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال: ليس على أهل مكة عمرة إنما يعتمر من زار البيت ليطوف به، وأهل مكة يطوفون متى شاؤوا. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن مسعود قال: الحج فريضة والعمرة تطوع. وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي صالح ماهان الحنفي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الحج جهاد والعمرة تطوع". وأخرج ابن ماجة عن طلحة بن عبيد اللّه "أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: الحج جهاد، والعمرة تطوع". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه عن جابر بن عبد اللّه "أن رجلا سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ قال: لا، وأن تعتمروا خير لكم". وأخرج الحاكم عن زيد بن ثابت قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت". وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم عن ابن سيرين "أن زيد بن ثابت سئل عن العمرة قبل الحج، قال: صلاتان. وفي لفظ"نسكان للّه عليك لا يضرك بأيهما بدأت". وأخرج الشافعي في الأم عن عبد اللّه بن أبي بكر أن في الكتاب الذي كتبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعمرو بن حزم "إن العمرة هي الحج الأصغر". وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمر قال "جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: أوصني، قال: تعبد اللّه ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج، وتعتمر، وتسمع، وتطيع، وعليك بالعلانية، وإياك والسر". وأخرج ابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أفضل الأعمال عند اللّه إيمان لا شك فيه، وغزو لا غلول فيه، وحج مبرور". وأخرج مالك في الموطأ وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن كاجة والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". وأخرج أحمد عن عامر بن ربيعة مرفوعا. مثله. وأخرج البيهقي في الشعب والأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما سبح الحاج من تسبيحة، ولا هلل من تهليلة، ولا كبر من تكبيرة، إلا بشر بها تبشيرة". وأخرج مسلم وابن خزيمة عن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن الإسلام يهدم ما قبله، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وإن الحج يهدم ما كان قبله". وأخرج الطبراني عن الحسن بن علي قال "جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إني جبان وضعيف. فقال: هلم إلى جهاد لا شوكة فيه: الحج". وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن علي بن حسين قال "سأل رجل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الجهاد فقال: ألا أدلك على جهاد لا شوكة فيه؟ الحج". وأخرج عبد الرزاق عن عبد الكريم الجزري قال "جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إني رجل جبان ولا أطيق لقاء العدو. فقال: ألا أدلك على جهاد لا قتال فيه؟ قال: بلى يا رسول اللّه. قال: عليك بالحج والعمرة". وأخرج البخاري عن عائشة قالت "قلت: يا رسول اللّه نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ فقال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور". وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي داود في المصاحف وابن خزيمة عن عائشة قالت "قلت: يا رسول اللّه!... هل على النساء من جهاد؟ قال: عليهن جهاد لا قتال فيه. الحج والعمرة". وأخرج النسائي عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "جهاد الكبير والضعيف والمرأة: الحج والعمرة". وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الهه وأن محمدا رسول اللّه، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتحج وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وأن تتم الوضوء، وتصوم رمضان". وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه عن أم سلمة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الحج جهاد كل ضعيف". وأخرج أحمد والطبراني عن عمرو بن عبسة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أفضل الأعمال حجة مبرورة أو عمرة مبرورة". وأخرج أحمد والطبراني عن ماعز عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "أنه سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان باللّه وحده، ثم الجهاد، ثم حجة برة تفضل سائر الأعمال، كما بين مطلع الشمس ومغربها". وأخرج أحمد وابن خزيمة والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. قيل: وما بره؟ قال: إطعام الطعام، وطيب الكلام "وفي لفظ" وإفشاء السلام". وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد اللّه بن جراد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "حجوا فإن الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن". وأخرج البزار عن أبي موسى رفعه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "الحاج يشفع في أربعمائة من أهل بيته، ويخرج من ذنوبه كما ولدته أمه". وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة "سمعت أبا القاسم صلى اللّه عليه وسلم يقول: من جاء يؤم البيت الحرام، فركب بعيره فما يرفع خفا ولا يضع خفا إلا كتب اللّه له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة، ورفع له بها درجة، حتى إذا انتهى إلى البيت فطاف وطاف بين الصفا والمروة، ثم حلق أو قصر، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فليستأنف العمل". وأخرج الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "وفد اللّه ثلاثة: الغازي، والحاج، المعتمر". وأخرج البزار عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الحجاج والعمار وفد اللّه دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم". وأخرج ابن ماجة وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الحجاج والعمار وفد اللّه، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم". وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: لو يعلم المقيمون ما للحجاج عليهم من الحق لأتوهم حين يقدمون حتى يقبلوا رواحلهم، لأنهم وفد اللّه من جميع الناس. وأخرج البزار وابن خزيمة والطبراني في الصغير والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يغفر للحجاج ولمن استغفر له الحاج. وفي لفظ: اللّهم اغفر للحجاج ولمن استغفر له الحاج". وأخرج ابن أبي شيبة ومسدد في مسنده عن عمر قال: يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وعشرا من ربيع الأول. وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر، أنه خطب عند باب الكعبة فقال: ما من أحد يجيء إلى هذا البيت لا ينهزه غير صلاة فيه حتى يستلم الحجر إلا كفر عنه ما كان قبل ذلك. وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال: من حج هذا البيت لا يريد غيره خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وأخرج الحاكم وصححه عن أم معقل "أن زوجها جعل بكرا في سبيل اللّه وأنها أرادت العمرة، فسألت زوجها البكر فأبى عليها، فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكرت ذلك له، فأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يعطيها وقال: إن الحج والعمرة لمن سبيل اللّه، وإن عمرة في رمضان تعدل حجة أو تجزئ بحجة". وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال "أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الحج فقالت امرأة لزوجها: حج بي. قال: ما عندي ما أحج بك عليه. قالت: فحج بي على ناضحك. قال: ذاك نعتقبه أنا وولدك. قالت: فحج بي على جملك فلان. قال: ذاك احتبس في سبيل اللّه، قالت: فبع تمر رفك. قال: ذلك قوتي وقوتك. فلما رجع النبي صلى اللّه عليه وسلم من مكة أرسلت إليه زوجها فقالت: أقرئ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مني السلام وسله ما يعدل حجة معك، فأتى زوجها النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره فقال: أما أنك لو كنت حججت بها على الجمل الحبيس كان في سبيل اللّه، وضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تعجبا من حرصها على الحج، وقال: أقرءها مني السلام ورحمة اللّه وأخبرها أنها تعدل حجة معي عمرة في رمضان". وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن عائشة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لها في عمرتها: "إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك". وأخرج ابن أبي شيبة عن حبيب. أن قوما مروا بأبي ذر بالربذة فقال له: ما أنصبكم إلا الحج، استأنفوا العمل. وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم: أن ابن مسعود قال لقوم ذلك. وأخرج ابن أبي شيبة عن حبيب بن الزبير قال: قلت لعطاء: أبلغك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: استقبلوا العمل بعد الحج، قال: لا، ولكن عثمان وأبو ذر. وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب أنه رأى قوما من الحجاج فقال: لو يعلم هؤلاء ما لهم بعد المغفرة لقرت عيونهم. وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: إذا كبر الحاج والمعتمر والغازي كبر المرتفع الذي يليه، ثم الي يليه حتى ينقطع في الأفق. وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد تضل الضالة ويمرض المريض وتكون الحاجة". وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له". وأخرج الأصبهاني عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من عبد يدع الحج لحاجة من حوائج الدنيا إلا رأى المخلفين قبل أن يقضي تلك الحاجة، وما من عبد يدع المشي في حاجة أخيه قضيت أو لم تقض إلا ابتلى بعونه من يأثم عليه ولا يؤجر فيه". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي ذر "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: إن داود عليه السلام قال: إلهي ما لعبادك إذا هم زوارك في بيتك؟ قال: لكل زائر حق على المزور، يا داود إن لهم أن أعافيهم في الدنيا، وأغفر لهم إذا لقيتهم". وأخرج الطبراني في الأوسط عن سهل بن سعد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما راح مسلم في سبيل اللّه مجاهدا أو حاجا، مهلا أو ملبيا إلا غربت الشمس بذنوبه وخرج منها". وأخرج البيهقي في الشعب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "الحجاج والعمار وفد اللّه سألوا أعطوا، وإن دعوا أجيبوا، وإن أنفقوا أخلف لهم، والذي نفس أبي القاسم بيده ما كبر مكبر على نشز، ولا أهل مهل على شرف، إلا أهل ما بين يديه وكبر حتى ينقطع منه منقطع التراب". وأخرج البيهقي عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الحجاج والعمار وفد اللّه يعطيهم ما سألوا، ويستجيب لهم ما دعوا، ويخلف عليهم ما أنفقوا الدرهم بألف ألف". وأخرج البزار والطبراني في الأوسط والبيهقي عن جابر بن عبد اللّه يرفعه"قال: ما أمعر حاج قط". قيل لجابر: وما الأمعار؟ قال: ما افتقر. وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن خزيمة وابن حبان عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة، وما من مؤمن يظل يومه محرما إلا غابت الشمس بذنوبه". وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وابن جرير والبيهقي عن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "تابعوا بين الحج والعمرة، فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد". وأخرج البزار عن جابر مرفوعا. مثله. وأخرج الحرث بن أبي أسامة في مسنده عن ابن عمر مرفوعا. مثله. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عامر بن ربيع مرفوعا. مثله. وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ما أهل مهل قط ولا كبر مكبر قط إلا بشر. قيل: يا رسول اللّه بالجنة؟ قال: نعم". وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هرير قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما أهل مهل قط إلا آبت الشمس بذنوبه". وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: ما أتى هذا البيت طالب حاجة لدين أو دنيا إلا رجع بحاجته. وأخرج أبو يعلى والدارقطني والبيهقي عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من خرج في هذا الوجه لحج أو عمرة فمات فيه لم يعرض ولم يحاسب، وقيل له ادخل الجنة". قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه يباهي بالطائفين". وأخرج الحرث بن أبي أسامة في مسنده والأصبهاني في الترغيب عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من مات في طريق مكة ذاهبا أو راجعا لم يعرض ولم يحاسب". وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في الشعب عن أم سلمة. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "من أهل بالحج والعمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم وما تأخر، ووجبت له الجنة". وأخرج البيهقي وضعفه عن أبي ذر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إذا خرج الحاج من أهله فسار ثلاثة أيام أو ثلاث ليال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وكان سائر أيامه درجات، ومن كفن ميتا كساه اللّه من ثياب الجنة، ومن غسل ميتا خرج من ذنوبه، ومن حثى عليه التراب في قبره كانت له بكل هباة أثقل من ميزانه من جبل من الجبال". وأخرج البيهقي عن ابن عمر سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول "ما ترفع إبل الحاج رجلا ولا تضع يدا إلا كتب له اللّه بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفعه بها درجة". وأخرج البيهقي عن حبيب بن الزبير الأصبهاني قال: قلت لعطاء بن أبي رباح: أبلغك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: يستأنفون العمل، يعني الحجاج؟ قال: لا، ولكن بلغني عن عثمان بن عفان وأبي ذر الغفاري أنهما قالا: يستقبلون العمل. وأخرج البيهقي من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة. أن رجلا مر بعمر بن الخطاب وقد قضى نسكه فقال له عمر: أحججت؟ قال: نعم. فقال له: أجتنبت ما نهيت عنه؟ فقال: ما ألوت. قال عمر: استقبل عملك. وأخرج البيهقي عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه عز وجل ليدخل بالحجة الواحدة ثلاثة نفر الجنة: الميت، والحاج عنه، والمنفذ ذلك. يعني الوصي". وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة في مسنده وأبو يعلى والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يقول تبارك وتعالى: إن عبدا صححت له جسمه، وأوسعت له في رزقه، يأتي عليه خمسين سنين لا يفد إلي لمحروم". وأخرج أبو يعلى عن خباب بن الأرت قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه يقول: إن عبدا أصححت له جسمه، وأوسعت له في الرزق، يأتي عليه خمس حجج لم يأت إلي فيهن لمحروم". وأخرج الشافعي عن ابن عباس قال: في كل شهر عمرة. وأخرج عبد الرزاق عن عمر قال: إذا وضعتم السروج فشدوا الرحال إلى الحج والعمره، فإنهما أحد الجهادين. وأخرج ابن أبي شيبه عن جابر بن زيد قال: الصوم والصلاة يجهدان البدن ولا يجهدان المال، والصدقة تجهد المال ولا تجهد البدن، وإني لا أعلم شيئا أجهد للمال والبدن من الحج. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس {فإت أحصرتم} يقول: من أحرم بحج أو عمرة ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عدو يحبسه فعليه ذبح ما استيسر من الهدي شاة فما فوقها، فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها، وإن كانت بعد حجة الفريضه فلا قضاء عليه {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} فإذا كان أحرم بالحج فمحله يوم النحر، وإن كان أحرم بعمرة فمحل هدبه إذا أتى البيت. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {فإن أحصرتم...} قال: هو الرجل من أصحاب محمد كان يحبس عن البيت فيهدي إلى البيت ويمكث على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله، فإن بلغ الهدي محله حلق رأسه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود في قوله {فإن أحصرتم...} الآية. يقول: إذا أهل الرجل بالحج فأحصر بعث بما استيسر من الهدي، فإن هو عجل قبل أن يبلغ الهدي محله فحلق رأسه، أو مس طيبا، أو تداوى بدواء، كان عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك، والصيام ثلاثة أيام، والصدقة ثلاثة أصوع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، والنسك {فإن أمنتم} يقول: فإذا برئ فمضى من وجهه ذلك البيت كان عليه حجة وعمرة، فإن رجع متمتعا في أشهر الحج كان عليه ما استيسر من الهدي شاة، فإن هو لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم. قال إبراهيم: فذكرت هذا الحديث لسعيد بن جبير فقال: هكذا قال ابن عباس في هذا الحديث كله. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: الحصر حبس كله. وأخرج مالك وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن علي في قوله {فما استيسر من الهدي} قال: شاة. وأخرج وكيع وسفيان بن عينية وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عمر {فما استيسر من الهدي} قال: بقرة أو جزور. قيل: أو ما يكفيه شاة؟ قال: لا. وأخرج وكيع وسفيان بن عينية وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن عباس {فما استيسر من الهدي} قال: ما يجد، قد يستيسر على الرجل والجزور والجزوران. وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في الآية قال: من الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والضأن والمعز على قدر الميسرة، وما عظمت فهو أفضل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {فما استيسر من الهدي} قال: عليه هدي إن كان موسرا فمن الإبل، وإلا فمن البقر، وإلا فمن الغنم. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق القاسم عن عائشة يقول: ما استيسر من الهدي الشاة. وأخرج سفيان بن عينية والشافعي في الأم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال: لا حصر إلا حصر العدو، فأما من أصابه مرض، أو وجع، أو ضلال، فليس عليه شيء. إنما قال اللّه {فإذا أمنتم} فلا يكون الأمن إلا من الخوف. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: لا إحصار إلا من عدو. وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري قال: لا إحصار إلا من الحرب. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال: لا إحصار إلا من مرض، أو عدو، أو أمر حابس. وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة قال: كل شيء حبس المحرم فهو إحصار. وأخرج البخاري والنسائي عن نافع. أن عبيد اللّه بن عبد اللّه، وسلام بن عبد اللّه، أخبراه: أنهما كلما عبد اللّه بن عمر ليالي نزل الجيش بابن الزبير فقال: لا يضرك ان لا تحج العام، إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت. فقال: خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معتمرين فحال كفار قريش دون البيت، فنحر النبي صلى اللّه عليه وسلم هديه، وحلق رأسه. وأخرج البخاري عن ابن عباس قال "قد أحصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحلق رأسه، وجامع نساءه، ونحر هديه، حتى اعتمر علما قابلا". أما قوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله}. أخرج البخاري عن المسور "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نحر قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك". وأخرج البخاري تعليقا عن ابن عباس قال: إنما البدل على من نقص حجة بالتذاذ، وأما من حبسه عذر أو غير ذلك فإنه لا يحل ولا يرجع، وإن كان معه هدي وهو محصر نحره إن كان لا يستطيع أن يبعث به، وإن استطاع أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدي محله". وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: إن أهل الحديبية أمروا بإبدال الهدي في العام الذي حلوا فيه فأبدلوا، وعزت الإبل فرخص لهم فيمن لا يجد بدنة في اشتراء بقرة. وأخرج الحاكم وصححه عن أبي حاصر الحميري قال: خرجت معتمرا عام حوصر ابن الزبير ومعي هدي، فمنعنا أن ندخل الحرم فنحرت الهدي مكاني وأحللت، فلما كان العام المقبل خرجت لأقضي عمرتي، أتيت ابن عباس فسألته فقال: أبدل الهدي فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الديبية في عمرة القضاء. وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: إذا حلق قبل أن يذبح أهرق لذلك دما، ثم قرأ {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله}. وأخرج ابن جرير عن الأعرج أنه قرأ {حتى يبلغ الهدي محله} (وهديا بالغ الكعبة) ( المائدة الآية ٩٥) بكسر الدال مثقلا. أما قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}. أخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير والطبراني والبيهقي في سننه عن كعب بن عجرة قال "كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون وقد حصرنا المشركون، وكانت لي وفرة فجعلت الهوام تساقط على وجهي، فمر بي النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم. فأمرني أن أحلق قال: و نزلت هذه الآية {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: صم ثلاثة أيام، أو تصدق بفرق بين ستة، أو انسك مما تيسر". وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس {ولا تحلقوا رؤؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} ثم استثنى فقال {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}. وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والبيهقي عن عبد اللّه بن مغفل قال: قعدت إلى كعب بن عجره فسألته عن هذه الآية {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} فقال: نزلت في، كان بي أذى من رأسي، فحملت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال: ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا! أما تجد شاة؟ قلت: لا. قال: صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام، واحلق رأسك. فنزلت في خاصة، وهي لكم عامة. وأخرج الترمذي وابن جرير عن كعب بن عجرة قال "لفي نزلت وإياي عنى بها {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه} قال لي النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو بالحديبية وهو عند الشجرة: أيؤذيك هوامك؟ قلت: نعم. فنزلت. وأخرج ابن مردويه والواحدي عن ابن عباس قال "لما نزلنا الحديبية جاء كعب بن عجرة ينتر هوام رأسه على وجهه فقال: يا رسول اللّه هذا القمل قد أكلني؟ فأنزل اللّه في ذلك الموقف {فمن كان منكم مريضا...} الآية. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: النسك شاة، والصيام ثلاثة أيام، والطعام فرق بين ستة مساكين". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فمن كان منكم مريضا} يعني من اشتد مرضه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {فمن كان منكم مريضا} يعني بالمرض أن يكون برأسه أذى أو قروح، أو به أذى من رأسه. قال: الأذى هو القمل. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: ما أذى من رأسه؟ قال: القمل وغيره الصداع، وما كان في رأسه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: النشك أن يذبح شاة. وأخرج ابن جرير عن ابن عمرو قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لكعب بن عجرة: "أيؤذيك هوام رأسك؟ قال: نعم. قال: فاحلقه وافتد إما صوم ثلاثة أيام، وإما أن تطعم ستة مساكين، أو نسك شاة". وأخرج ابن جرير عن علي أنه سئل عن هذه الآية فقال: الصيام ثلاثة أيام، والصدقة ثلاثة أصوع على ستة مساكين، والنسك شاة. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس. مثله. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كل شيء في القرآن (أو أو) فصاحبه مخير، فإذا ان {فمن لم يجد} فهو الأول فالأول. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: كل شيء في القرآن (أو أو) فهو خيار. وأخرج الشافعي في الأم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: كل شيء في القرآن (أو أو) له أية شاء. قال ابن جريج: إلا قوله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله) (المائدة الآية ٣٣) فليس بمخير فيها. وأخرج الشافعي وعبد بن حميد عن عطاء قال: كل شيء في القرآن (أو أو) يختار منه صاحبه ما شاء. وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة وإبراهيم. مثله. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد والضحاك. مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} يقول: من أحرم بالعمرة في أشهر الحج. وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال: التمتع الاعتمار في أشهر الحج. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن الزبير أنه خطب فقال: يا أيها الناس واللّه ما التمتع بالعمرة إلى الحج كما تصنعون، إنما التمتع أن يهل الرجل بالحج فيحصره عدو أو مرض أو كسر، أو يحبسه أمر حتى يذهب أيام الحج فيقدم فيجعلها عمرة، فيتمتع تحلة إلى العام المقبل، ثم يحج ويهدي هديا، فهذا التمتع بالعمرة إلى الحج. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء قال: كان ابن الزبير يقول: إنما المتعة لمن أحصر وليست لمن خلي سبيله. وقال ابن عباس: وهي لمن أحصر وليست لمن خلي سبيله. وقال ابن عباس: وهي لمن أحصر ومن خليت سبيله. وأخرج ابن جرير عن علي في قوله {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} قال: فإن أخر العمرة حتى يجمعها مع الحج فعليه الهدي. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عطاء قال: إنما سميت المتعة لأنهم كانوا يتمتعون بالنساء والثياب. وفي لفظ: يتمتع بأهله وثيابه. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: كان أهل اجاهلية إذا حجوا قالوا: إذا عفا الوبر، وتولى الدبر، ودخل صفر، حلت العمرة لمن اعتمر. فأنزل اللّه التمتع بالعمرة تغييرا لما كان أهل الجاهلية يصنعون وترخيصا للناس. وأخرج ابن المنذر عن أبي جمرة. أن رجلا قال لابن عباس: تمتعت بالعمرة إلى الحج ولي أربعون درهما، فيها كذا وفيها كذا وفيها نفقة. فقال: صم. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن علي بن أبي طالب {فصيام ثلاثة أيام في الحج} قال: قبل التروية يوم، ويوم التروية، ويوم عرفة، فإن فاتته صامهن أيام التشريق. وأخرج وكيع وعبد الراق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر في قوله {فصيام ثلاثة أيام في الحج} قال: قبل التروية يوم، ويوم التروية، ويوم عرفة، فإن فاته صيامها صامها أيام منى، فإنهن من الحج. وأخرج ابن أبي شيبة عن علقمة ومجاهد وسعيد بن جبير. مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الصيام للمتمتع ما بين إحرامه إلى يوم عرفة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: إذا لم يجد المتمتع بالعمرة هديا فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة، وإن كان يوم عرفة الثالث فقد تم صومه، وسبعة إذا رجع إلى أهله. وأخرج مالك والشافعي عن عائشة قالت: الصيام لمن يتمتع بالعمرة إلى الحج لمن لم يجد هديا ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة، فإن لم يصم صام أيام منى. وأخرج مالك والشافعي عن ابن عمر. مثله. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن جرير والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر وعائشة قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمتمتع لم يجد هديا. وأخرج ابن جرير والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر قال "رخص النبي صلى اللّه عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم حتى فاتته أيام العشر أن يصوم أيام التشريق مكانها". وأخرج الدارقطني عن عائشة"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام قبل يوم النحر، ومن لم يكن صام تلك الثلاثة أيام فليصم أيام التشريق أيام منى. وأخرج مالك وابن جرير عن الزهري قال "بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبد اللّه بن حذاقة بن قيس، فنادى في أيام التشريق فقال: إن هذه أيام أكل وشرب وذكر اللّه، إلا من كان عليه صوم من هدي". وأخرج الدارقطني من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد اللّه بن حذاقة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمره في رهط أن يطوفوا في منى في حجة الوداع، فينادوا أن هذه أيام أكل وشرب وذكر اللّه، فلا صوم فيهن إلا صوما في هدي". وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر قال: لا يجزئه صوم ثلاثة أيام وهو متمتع إلا أن يحرم. وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة قال: لا يصوم متمتع إلا في العشر. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن أبي نجيح قال: قال مجاهد يصوم المتمتع إن شاء يوما من شوال وإن شاء يوما من ذي القعدة قال: وقال طاوس وعطاء: لا يصوم الثلاثة إلا في العشر. وقال مجاهد. لا بأس أن يصومهن في أشهر الحج. وأخرج البخاري والبيهقي عن ابن عباس. أنه سئل عن متعة الحاج فقال أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي، فطفنا بالبيت، وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب. وقال: من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء ولبسنا الثياب. وقال: من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، ثم أمرنا عشية الترويه أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروه، وقد تم حجنا وعلينا الهدي كما قال اللّه {فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} إلى أمصاركم والشاة تجزئ، فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة، فإن اللّه أنزله في كتابه وسنة نبيه، وأباحه للناس غير أهل مكة. قال اللّه تعالى {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} وأشهر الحج التي ذكر اللّه شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، فمن تمتع في هذه الأشهر فعليه دم أو صوم والرفث الجماع، والفسوق المعاصي، والجدال المراء. وأخرج مالك وعبد بن حميد والبيهقي عن ابن عمر: من اعتمر في أشهر الحج في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة فقد استمتع ووجب عليه الهدي، أو الصيام إن لم يجد هديا. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: من اعتمر في شوال أو في ذي القعدة، ثم قام حتى يحج فهو متمتع عليه ما استيسر من الهدي، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع إلى أهله، ومن اعتمر في أشهر الحج ثم رجع فليس بمتمتع، ذاك من أقام ولم يرجع. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا اعتمروا في أشهر الحج ثم لم يحجوا من عامهم ذلك لم يهدوا. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: قال عمر: إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع، فإن رجع فليس بمتمتع. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال: من اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع، فإن رجع فليس بمتمتع. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال: من اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده ثم حج من عامه فليس بمتمتع، ذاك من أقام ولم يرجع. وأخر الحاكم عن أبي أنه كان يقرؤها (فصيام ثلاثة أيام متتابعات). وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عمر في قوله {وسبعة إذا رجعتم} قال: إلى أهليكم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {وسبعة إذا رجعتم} قال: إذا رجعتم إلى أمصاركم. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {وسبعة إذا رجعتم} قال: إلى بلادكم حيث كانت. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد {وسبعة إذا رجعتم} قال: إنما هي رخصة إن شاء صامهن في الطريق، وإن شاء صامها بعد ما رجع إلى أهله، ولا يفرق بينهن. وأخرج عبد بن حميد عن عطاء والحسن {وسبعة إذا رجعتم} قال عطاء: في الطريق إن شاء. وقال الحسن: إذا رجع إلى مصره. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: إن أقام صامهن بمكة إن شاء. وأخرج وكيع عن عطاء {وسبعة إذا رجعتم} قال: إذا قضيتم حجكم، وإذا رجع إلى أهله أحب إلي. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن طاوس {وسبعة إذا رجعتم} قال: إن شاء فرق. وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله {تلك عشرة كامله} قال: كاملة من الهدي. وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر قال "تمتع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حجة الوادع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، فتمتع الناس مع النبي صلى اللّه عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ومنهم من لم يهد، فلما قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم مكة قال للناس: من منكم أهدى فإنه لا يحل لشيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج، فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن عمران بن حصين قال " نزلت آية المتعة في كتاب اللّه وفعلناها مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم لم ينزل آية تنسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها حتى مات. قال رجل برأيه ما شاء. وأخرج مسلم عن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها. فذكر ذلك لجابر بن عبد اللّه فقال: على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما قام عمر قال: إن اللّه كان يحل لرسول اللّه ما شاء مما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحج والعمرة كما أمركم اللّه، وافصلوا حجكم عن عمرتكم، فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم". وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي موسى قال "قدمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو بالبطحاء فقال: بم أهللت؟ قلت: أهللت بإهلال النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: هل سقت من هدي؟ قلت: لا. قال: طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل. فطفت بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي، فكنت أفتي الناس بذلك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر، فإني لقائم بالموسم إذا جاءني رجل فقال: إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك. فقلت: أيها الناس من كنا أفتيناه بشيء فليتئد فهذا أمير المؤمنين قادم عليكم فبه فائتموا، فلما قدم قلت: يا أمير المؤمنين ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك؟ قال: أن نأخذ بكتاب اللّه، فإن اللّه قال {وأتموا الحج والعمرة للّه} وأن نأخذ بسنة نبينا صلى اللّه عليه وسلم لم يحل حتى نحر الهدي". وأخرج إسحق بن راهويه في مسنده وأحمد عن الحسن. أن عمر بن الخطاب هم أن ينهى عن متعة الحج فقام إليه أبي بن كعب فقال: ليس ذلك لك، قد نزل بها كتاب اللّه واعتمرناها مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزل عمر. وأخرج مسلم عن عبد اللّه بن شقيق قال: كان عثمان ينهى عن المتعة وكا علي يأمر بها. فقال عثمان لعلي كلمة فقال علي: لقد علمت أنا قد تمتعنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: أجل ولكنا كنا خائفين. وأخرج إسحق بن راهويه عثمان بن عفان، أنه سئل عن المتعة في الحج فقال: كانت لنا ليست لكم. وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن أبي ذر قال: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم خاصة. وأخرج مسلم عن أبي ذر قال: لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة، يعني متعة النساء ومتعة الحج. وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن سعيد بن المسيب قال: اختلف علي وعثمان وهما بسعفان في المتعة، فقال علي: ما تريد إلا أن تهنى عن أمر فعله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعا. وأخرج البخاري ومسلم عن أبي جمرة قال: سألت ابن عباس عن المتعة فأمرني بها، وسألته عن الهدي فقال: فيها جزور، أو بقرة، أو شاة، أو شرك في دم. قال: وكان ناس كرهوها فنمت فرأيت في المنام كأن إنسانا ينادي حج مبرور ومتعة متقبلة، فأتيت ابن عباس فحدثته فقال: اللّه أكبر سنة أبي القاسم صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج الحاكم وصححه من طريق مجاهد وعطاء عن جابر قال: كثرت القالة من الناس، فخرجنا حجاجا حتى إذا لم يكن بيننا وبين أن نحل إلا ليال قلائل أمرنا بالإحلال، فقلنا: أيروح أحدنا إلى عرفة وفرجه يقطر منيا؟ فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقام خطيبا فقال "أباللّه تعلموني أيها الناس، فأنا واللّه أعلمكم باللّه وأتقاكم له، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هديا ولحللت كما أحلوا، فمن لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، ومن وجد هديا فلينحر، فكنا ننحر الجزور عن سبعة، قال عطاء: قال ابن عباس: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قسم يومئذ في أصحابه غنما، فاصاب سعد بن أبي وقاص تيس، فذبحه عن نفسه". وأخرج مالك عن ابن عمر قال: لأن أعتمر قبل الحج وأهدى أحب إلي من أنا أعتمر بعد الحج في ذي الحجة. أما قوله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}. أخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عطاء في قوله {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} قال: ست قربات. عرفة، وعرنة، والرجيع، والنخلتان، ومر الظهران، وضجنان. وقال مجاهد: هم أهل الحرم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {حاضري المسجد الحرام} قال: هم أهل الحرم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال: الحرم كله هو المسجد الحرام. وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر. مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والأزرقي عن عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن المسجد الحرام قال: هو الحرم أجمع. وأخرج الأزرقي عن عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن المسجد الحرام قال: هو الحرم أجمع. وأخرج الأزرقي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: أساس المسجد الحرام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام من الحزوة إلى المسعى إلى مخرج سيل جياد. وأخرج الأزرقي عن أبي هريرة قال: إنا لنجد في كتاب اللّه أن حد المسجد الحرام من الحزور إلى المسعى. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال: ليس لأحد حاضري المسجد الحرام رخصة في الإحصار، لأن الرجل إذا مرض حمل ووقف به بعرفة، ويطاف به محمولا. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عروة قال {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} عنى بذلك أهل مكة، ليست لهم متعة وليس عليهم احصار لقربهم من المشعر. وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: من له المتعة؟ فقال: قال اللّه {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} فأما القرى الحاضرة المسجد الحرام التي لا تتمتع أهلها، فالمطمئنة بمكة المطلة عليها نخلتان، ومر الظهران، وعرفة، وضجنان، والرجيع، وأما القرى التي ليست بحاضرة المسجد الحرام التي يتمتع أهلها إن شاؤوا فالسفر، والسفر ما يقصر إليه الصلاة عسفان وجدة ورهاط وأشباه ذلك. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عباس قال: المتعة للناس إلا لأهل مكة هي لمن لم يكن أهله في الحرم، وذلك قول اللّه {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس. أنه كان يقول: يا أهل مكة إنه لا متعة لكم أحلت لأهل الآفاق وحرمت عليكم، إنما يقطع أحدكم واديا ثم يهل بعمرة {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر. أنه سئل عن امرأة صرورة أتعتمر في حجتها؟ قال: نعم، إن اللّه جعلها رخصة إن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: ليس على أهل مكة هدي في متعة، ثم قرأ {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}. وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال: ليس على أهل مكة هدي في متعة، ثم قرأ {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: ليس على أهل مكة متعة. وأخرج ابن أبي شيبة عن ميمون بن مهران قال: ليس لأهل مكة، ولا من توطن مكة متعة. وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال: المتعة للناس أجمعين إلا أهل مكة. وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري قال: ليس على أهل مكة متعة ولا إحصار، إنما يغشون حتى يقضوا حجهم. وأما قوله تعالى: {واتقوا اللّه واعلموا إن اللّه شديد العقاب}. أخرج ابن أبي حاتم عن مطرف أنه تلا قوله تعالى {إن اللّه شديد العقاب} قال: لو يعلم الناس قدر عقوبة اللّه، ونقمة اللّه، وبأس اللّه، ونكال اللّه، لما رقأ لهم دمع، وما قرت أعينهم بشيء. ١٩٧ أخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "في قوله {الحج أشهر معلومات} شوال، وذو القعدة، وذو الحجة". أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الحج أشهر معلومات شوال، وذو القعدة، وذو الحجة". وأخرج الخطيب عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "في قوله تعالى {الحج أشهر معلومات} شوال، وذو القعدة، وذو الحجة". وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن عمر بن الخطاب {الحج أشهر معلومات} شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. وأخرج الشافعي في الأم وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن نافع. أنه سئل أسمعت عبد اللّه بن عمر يسمي شهور الحج؟ فقال: نعم، كان يسمي شوالا، وذا القعدة، وذا الحجة. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وعطاء والضحاك. مثله. وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عمر {الحج أشهر معلومات} قال شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة. وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن مسعود {الحج أشهر معلومات} قال شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي من طرق عن ابن عباس {الحج أشهر معلومات} قال شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، لا يفرض الحج إلا فيهن. وأخرج ابن المنذر والدارقطني والطبراني والبيهقي عن عبد اللّه بن الزبير {الحج أشهر معلومات} قال شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن ومحمد وإبراهيم. مثله. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود. أنه سئل عن العمرة في أشهر الحج فقال: الحج أشهر معلومات، ليس فيهن عمرة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن محمد بن سيرين قال: ما أحد من أهل العلم شك أن عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: قال عمر: افصلوا بين حجكم وعمرتكم، اجعلوا الحج في أشهر واجعلوا العمرة في غير أشهر الحج، أتم لحجكم ولعمرتكم. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عون قال: سئل القاسم عن العمرة في أشهر الحج؟ فقال: كانوا لا يرونها تامة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عمر في قوله {فمن فرض فيهن الحج} قال: من أهل فيهن الحج. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال: الفرض الإحرام. وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك. مثله. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير {فمن فرض فيهن الحج} قال: الإهلال. وأخرح ابن المنذر والدارقطني والبيهقي عن ابن الزبير قال: فرض الحج الإحرام. وأخرح ابن المنذر عن ابن عباس قال: الفرض الإهلال. وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري قال: الإهلال فريضة الحج. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فمن فرض فيهن الحج} يقول: من أحرم بحج أو عمرة. وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قول اللّه {الحج أشهر معلومات}. وأخرج ابن أبي شيبة وابن خزيمة والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس قال: لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج، فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج. وأخرج ابن مردويه عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج". وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي شيبة والبيهقي عن جابر موقوفا. مثله. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء أنه قال لرجل قد أحرم بالحج في غير أشهر الحج: اجعلها عمرة فإنه ليس لك حج، فإن اللّه يقول {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج}. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: فمن فرض فيهن الحج فلا ينبغي أن يلبي بالحج ثم يقيم بأرض. وأخرج الطبراني في الأوسط عن الن عمر {فمن فرض فيهن الحج} قال: التلبية والإحرام. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود {فمن فرض فيهن الحج} قال: التلبية. وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس {فمن فرض فيهن الحج} قال: التلبية. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء وإبراهيم. مثله. وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه عن خلاد بن السائب عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية فإنها شعار الحج". وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه عن زيد بن علي الجهني. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "جاءني جبريل فقال: مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنها من شعار الحج". وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير قال: التلبية زينة الحج.وأخرج الترمذي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه عن أبي بكر الصديق "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: العج والثج". وأخرج الترمذي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه والبيهقي عن سهل بن سعد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "ما من ملب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ههنا وههنا عن يمينه وشماله". وأخرج أحمد وابن ماجة عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من محرم يضحي للّه يومه، يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كما ولدته أمه". وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر "أن تلبية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لبيك اللّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك". وكان ابن عمر يزيد فيها لبيك لبيك وسعديك، والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل. وأخرج والبخاري ومسلم عن ابن عباس. أن رجلا أوقصته راحلته وهو محلام فمات، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا". وأخرج الشافعي عن جابر بن عبد اللّه قال: ما سمى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في تلبيته حجا قط ولا عمرة. وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: كان من تلبية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لبيك إله الخلق لبيك". وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة عن سعد بن أبي وقاص. أنه سمع بعض بني أخيه وهو يلبي: يا ذا المعارج. فقال سعد: إنه لذو المعارج، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج الشافعي عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "أنه كان إذا فرغ من تلبية سأل اللّه رضوانه والجنة، واستعاذه برحمته من النار. وأخرج الشافعي عن محمد بن المنكدر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يكثر من التلبية. أما قوله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}. أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "في قوله {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} قال: الرفث الإعرابة والتعريض للنساء بالجماع، والفسوق المعاصي كلها، والجدال جدال الرجل لصاحبه". وأخرج ابن مرديوه والأصبهاني في الترغيب عن أبي أمامة قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث} قال: لا جماع ولا فسوق. قال: المعاصي والكذب". وأخرج وكيع وسفيان بن عينية والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عباس في الآية: الرفث الجماع، والفسوق المعاصي، والجدال المراء. وفي لفظ: أن تماري صاحبك حتى يغضبك أو تغضبه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: الرفث غشيان النساء والقبل والغمز وأن يعرض لها بالفحش من الكلام، والفسوق معاصي اللّه كلها، والجدال المراء والملاحاة. وأخرج سفيان بن عينية وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن طاوس قال: سألت ابن عباس عن قوله {فلا رفث} قال: الرفث الذي ذكر هنا ليس الرفث الذي ذكر في (أحل لكم ليلة الصيام الرفث) (البقرة الآية ١٨٧) ذاك الجماع، هذا العراب بكلام العرب، والتعريض بذكر النكاح. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي العالية قال: كنت أمشي مع ابن عباس وهو محرم يرتجز بالإبل ويقول: وهن يمشين بنا هميسا * إن صدق الطير ننك لميسا فقلت: أترفث وأنت محرم؟ قال: إنما الرفث ما روجع به النساء. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر في الآية قال: الرفث الجماع، والفسوق المعاصي، والجدال السباب والمنازعة. وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط عن ابن عمر في قوله {فلا رفث} قال: غشيان النساء {ولا فسوق} قال: السباب {ولا جدال} قال: المراء. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر في الآية فقال: الرفث إتيان النساء والتكلم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم، والفسوق إتيان معاصي اللّه في الحرم، والجدال السباب، والمراء الخصومات. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: كان ابن عمر يقول للحادي: لا تعرض بذكر النساء. وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس أن عبد اللّه بن الزبير قال: إياكم والنساء فإن الإعراب من الرفث. قال طاوس: وأخبرت بذلك ابن عباس فقال: صدث ابن الزبير. وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس. أنه كره الإعراب للمحرم قيل: وما الإعراب؟ قال: أن يقول لو أحللت قد أصبتك. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية قال: الرفث إتيان النساء، والجدال تماري صاحبك حتى تغضبه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والشيرازي في الألقاب عن ابن عباس في الآية قال: الرفث الجماع، والفسوق والمنابزة بالألقاب تقول لأخيك: يا ظالم يا فاسق، والجدال أن تجادل صاحبك حتى تغضبه. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد وعكرمة قالا: الرفث الجماع، والفسوق المعاصي، والجدال المراء. وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك وعطاء. مثله. وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: الرفث إتيان النساء، والفسوق السباب، والجدال المماراة. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: الرفث الغشيان، والفسوق السباب، والجدال الإختلاف في الحج. وأخرج الطبراني عن عبد اللّه بن الزبير في قوله {فلا رفث} قال: لا جماع {ولا فسوق} لا سباب {ولا جدال} لا مراء. وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي في قوله {ولا جدال في الحج} قال: الجدال كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم. وقال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {ولا جدال في الحج} قال: كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون كلهم يدعي أن موقفه موقف إبراهيم، فقطعه اللّه حين أعلم نبيه بمناسكهم. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {ولا جدال في الحج} قال: "لا شبهة في الحج ولا شك في الحج قد بين وعلم وقته، كانوا يحجون في ذي الحجة عامين وفي المحرم عامين، ثم حجوا في صفر من أجل النسيء الذي نسأ لهم أبو يمامة حين وفقت حجة أبي بكر في ذي القعدة قبل حجة النبي صلى اللّه عليه وسلم، ثم حج النبي صلى اللّه عليه وسلم من قابل في ذي الحجة، فذلك حين يقول: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض". وأخرج سفيان بن عينية وابن أبي شيبة عن مجاهد في قوله {ولا جدال في الحج} قال: صار الحج في ذي الحجة فلا شهر ينسئ. وأخرج سفيان وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر". وأخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة. مثله. وأخرج عبد بن حميد في مسنده عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من قضى نسكه وقد سلم المسلمون من لسانه ويده غفر له ما تقدم من ذنبه". وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما عمل أحب إلى اللّه من جهاد في سبيله، وحجة مبرورة متقبلة لا رفث ولا فسوق ولا جدال". وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من عمل بين السماء والأرض بعد الجهاد في سبيل اللّه أفضل من حجة مبرورة، لا رفث فيها ولا فسوق ولا جدال". وأخرج الحاكم وصححه عن أسماء بنت أبي بكر قالت"خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حجاجا، وكانت زاملتنا مع غلام أبي بكر، فجلسنا ننتظر حتى تأتينا، فاطلع الغلام ما معه بعيره فقال أبو بكر: أين بعيرك؟ قال: أضلني الليلة، فقام أبو بكر يضربه، بعير واحد أضلك وأنت رجل؟ فما يزيد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أن تبسم وقال: انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع". وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال: لا ينظر المحرم في المرآة ولا يدعو على أحد، وإن ظلمه. وأما قوله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب} أخرج عبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن المنذر وابن حبان والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، يقولون: نحن متوكلون، ثم يقدمون فيسألون الناس، فأنزل اللّه {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان ناس يخرجون من أهلهم ليست معهم أزوده يقولون: نحج بيت اللّه ولا يطعمنا. فقال اللّه {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} ما يكف وجوهكم عن الناس. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر قال: كانوا إذا أحرموا ومعهم أزوادهم رموا بها واستأنفوا زادا آخرا، فأنزل اللّه {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} فنهوا عن ذلك، وأمروا أن يتزودوا الكعك والدقيق والسويق. وأخرج الطبراني عن الزبير قال: كان الناس يتوكل بعضهم على بعض في الزاد، فأمرهم اللّه أن يتزودوا فقال {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}. وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال: كان الناس من الأعراب يحجون بغير زاد ويقولون: نتوكل على اللّه، فأنزل اللّه {وتزودوا...} الآية. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} قال: كان أناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، فأمرهم اللّه بالزاد والنفقة في سبيل اللّه، وأخبرهم أن خير الزاد التقوى. وأخرج سفيان بن عينية وابن أبي شيبة عن عكرمة في قوله {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} قال: كان أناس يقدمون مكة بغير زاد في أيام الحج، فأمروا بالزاد. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {وتزودوا} قال: السويق والدقيق والكعك. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير {وتزودوا} قال: الخشكناتج والسويق. وأخرج سفيان بن عينية عن سعيد بن جبير {وتزودوا} قال: هو الكعك والزيت. وأخرج وكيع وسفيان بن عينية وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الشعبي قال {وتزودوا} قال: الطعام التمر والسويق. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان قال "لمأنزلت هذه الآية {وتزودوا} قام رجل من فقراء المسلمين فقال: يا رسول اللّه ما نجد زادا نتزوده. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: تزود ما تكف به وجهك عن الناس، وخير ما تزودتم به التقوى". وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سفيان قال: في قراءة عبد اللّه {وتزودوا وخير الزاد التقوى}. وأخرج الطبراني عن جرير بن عبد اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من يتزود في الدنيا ينفعه في الآخرة". وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن الزبير بن العوام"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: العباد عباد اللّه والبلاد بلاد اللّه، فحيث وجدت خيرا فأقم واتق اللّه". وأخرج أحمد والبغوي في معجمه والبيهقي في سننه والأصبهاني عن رجل من أهل البادية قال "أخذ بيدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه اللّه، فكان فيما حفظت عنه أن قال: إنك لن تدع شيئا اتقاء اللّه إلا أعطاك اللّه خيرا منه". وأخرج أحمد والبخاري في الأدب والترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان والأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال "سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: تقوى اللّه وحسن الخلق، وسئل ما أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال: الأجوفان: الفم والفرج". وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن رجل من بني سليط قال "أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يقول: المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يظلمه، التقوى ههنا التقوى ههنا وأومأ بيده إلى صدره". وأخرج الأصبهاني عن قتادة بن عياش قال "لما عقد لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على قومي أتيته مودعا له فقال: جعل اللّه التقوى زادك، وغفر ذنبك، ووجهك للخير حيث تكون". وأخرج الترمذي والحاكم عن أنس قال "جاء رجل فقال: يا رسول اللّه إني أريد سفرا فزودني، فقال: زودك اللّه التقوى قال: زدني. قال: وغفر ذنبك. قال: زدني بأبي أنت وأمي. قال: ويسر لك الخير حيثما كنت". وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال "جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يريد سفرا فقال: أوصني. قال: أوصيك بتقوى اللّه والتكبير على كل شرف، فلما مضى قال: اللّهم ازْوِ له الأرض، وهون عليه السفر". وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي بكر. أنه قال في خطبته: الصدق أمانة، والكذب خيانة، أكيس الكيس التقى، وأنوك النوك الفجور. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن عمر بن الخطاب. أنه كتب إلى ابنه عبد اللّه: أما بعد فإني أوصيك بتقوى اللّه، فإنه من اتقاه وفاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده، واجعل التقوى نصب عينيك، وجلاء قلبك، واعلم أنه لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا حسنة له، ولا مال لمن لا رفق له، ولا جديد لمن لا خلق له. وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال: سألت الحسن ما زين القرآن؟ قال: التقوى. وأخرج ابن أبي الدنيا عن قتادة قال: مكتوب في التوراة: ابن آدم اتق اللّه ونم حيث شئت. وأخرج ابن أبي الدنيا عن وهب بن منبه قال: الإيمان عريان ولباسه التقوى، وزينته الحياء، وماله العفة. وأخرج ابن أبي الدنيا عن داود بن هلال قال: كان يقال: الذي يقيم به العبد وجهه عند اللّه التقوى، ثم يتبعه الورع. وأخرج ابن أبي الدنيا عن عروة قال: كتبت عائشة إلى معاوية. أما بعد فاتق اللّه فإنك إذا اتقيت اللّه كفاك الناس، وإذا اتقيت الناس لم يغنوا عنك من اللّه شيئا. وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي حازم قال: ترصدني أربعة عشر عدوا، أما أربعة منها فشيطان يضلني، ومؤمن يحسدني، وكافر يقتلني، ومنافق يبغضني. وأما العشرة منها فالجوع، والعطش، والحر، والبرد، والعري، والهرم، والمرض، والفقر، والموت، والنار، ولا أطيقهن إلا بسلاح تام، ولا أجد لهم سلاحا أفضل من التقوى. وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن ابن أبي نجيح قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام: أوتينا مما أوتي الناس ومما لم يؤتوا، وعلمنا مما علم الناس وما لم يعلموا، فلم نجد شيئا هو أفضل من تقوى اللّه في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر. وأخرج الأصبهاني عن زيد بن أسلم قال: كان يقال: من اتقى اللّه أحبه الناس وإن كرهوا. ١٩٨ أخرج سفيان وسعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في الموسم، فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك، فنزلت {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} في مواسم الحج. وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير عن ابن عباس قال: كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج، ويقولون: أيام ذكر اللّه، فنزلت {ليس عليكم جناح...} الآية. وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي من طريق عبيد بن عمير عن ابن عباس: في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج، فخافوا وهم حرم، فأنزل اللّه (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج) فحدث عبيد بن عمير أنه كان يقرؤها في المصحف. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي أمامة التميمي قال "قلت لابن عمر: أنا ناس نكتري فهل لنا من حج؟ قال: أليس تطوفون بالبيت، وبين الصفا والمروة، وتأتون المعروف، وترمون الجمار، وتحلقون رؤوسكم؟ قلت: بلى. فقال ابن عمر: جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني عنه، فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} فدعاه النبي صلى اللّه عليه وسلم فقرأ عليه الآية وقال: أنتم حجاج". أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي الزبير. أنه قرأ ( (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج) ). وأخرج وكيع وأبو عبيد في فضائله وابن أبي شيبة والبخاري وعبد بن حميد وابن جرير و ابن المنذر عن ابن عباس. أنه كان يقرأ {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج}. وأخرج أبو داود في المصاحف عن عطاء قال: نزلت ( (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج) ) وفي قراءة ابن مسعود ( (في مواسم الحج فابتغوا جينئذ) ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ليس عليكم جناح} يقول: لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد قال: كان ناس لا يتجرون أيام الحج، فنزلت فيهم {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}. وأخرج أبو داود عن مجاهد، أن ابن عباس قرأ هذه الآية {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} قال: كانوا لا يتجرون بمنى، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات. وأخرج سفيان بن عينية وابن جرير عن مجاهد في قوله {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} قال: التجارة في الدنيا والأجر في الآخرة. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: كان ناس من أهل الجاهلية يسمون ليلة النفر ليلة الصدر، وكانوا لا يعرجون على كسير ولا ضالة ولا لحاجة ولا يتبغون فيها تجارة، فأحل اللّه ذلك كله للمؤمنين أن يعرجوا على حاجاتهم ويبتغوا من فضل اللّه. أما قوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات} أخرج وكيع وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: إنما تسمى عرفات لأن جبريل كان يقول لإبراهيم عليهما السلام: هذا موضع كذا، وهذا موضع كذا. فيقول: قد عرفت قد عرفت، فلذلك سميت عرفات. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن عمرو قال: إنما سميت عرفات لأنه قيل لإبراهيم حين أري المناسك عرفت. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن علي. مثله. وأخرج الحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن المسور بن مخرمة قال "خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعرفة، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد - وكان إذا خطب قال أما بعد - فإن هذا اليوم الحج الأكبر، ألا وإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من ههنا قبل أن تغيب الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها، وإنا ندفع بعد أن تغيب الشمس، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها، وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس مخالفا هدينا لهدي أهل الشرك". وأخرج البيهقي عن ابن عباس: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "من أفاض من عرفات قبل الصبح فقد تم حجه، ومن فاته فقد فاته الحج". وأخرج البخاري عن ابن عباس قال: يطوف الرجل بالبيت ما كان حلالا حتى يهل بالحج، فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هديه من الإبل أو البقر أو الغنم ما تيسر له من ذلك أي ذلك شاء، وإن لم يتيسر له فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة، فإذا كان آخر يوم من أيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه، ثم لينطلق حتى يقف بعرفات من صلاة العصر إلى أن يكون الظلام، ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعا للذي يبيتون به، ثم ليذكروا اللّه كثيرا وأكثروا التكبير والتهاليل قبل أن تصبحوا، ثم أفيضوا فإن الناس كان يفيضون وقال اللّه {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا اللّه إن اللّه غفور رحيم} (البقرة الآية ١٩٩) حتى ترموا الجمرة. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرفة إلى جبال عرفة إلى ملتقى وصيق ووادي عرفة. وأخرج أبو داود عن جابر بن عبد اللّه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: كل عرفة موقف، وكل منى نحر، وكل المزدلفة موقف، وكل فجاج مكة طريق ومنحر". وأخرج مسلم عن جابر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم، ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف، ووقفت هنهنا وجمع كلها موقف". وأخرج أحمد عن جبير بن مطعم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "كل عرفات موقف وارفعوا عن عرفة وكل جمع موقف، وارفعوا عن محسر وكل فجاج مكة منحر، وكل أيام التشريق ذبح". وأخرج أبو داود والترمذي واللفظ له وصححه وابن ماجة عن علي قال: وقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعرفة فقال: هذه عرفة وهو الموقف وعرفة كلها موقف، ثم أفاض حين غربت الشمس وأردف أسامة بن زيد، وجعل يشير بيده على هينته والناس يضربون يمينا وشمالا، يلتفت إليهم ويقول: يا أيها الناس عليكم السكينة. ثم أتى جمعا فصلى بهم الصلاتين جميعا، فلما أصبح أتى قزح وقف عليه وقال: هذا قزح وهو الموقف وجمع كلها موقف، ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر ففزع ناقته فخبب حتى جازوا الوادي فوقف وأردف الفضل، ثم أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر فقال: هذا المنحر ومنى كلها منحر. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن يزيد بن شيبان قال: أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن وقوف بالموقف فقال: إني رسول رسول اللّه إليكم. يقول: كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم. وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال: أفاض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من عرفة وعليه السكينة ورديفه أسامة، فقال: يا أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل. قال: فما رأيتها رافعة يديها عادية حتى أتى جمعا، ثم أردف الفضل ابن العباس فقال: أيها الناس إن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل فعليكم بالسكينة. قال: فما رأيتها رافعة يديها حتى أتى منى". وأخرج البخاري عن ابن عباس "أنه دفع مع النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم عرفة فسمع النبي صلى اللّه عليه وسلم وراءه زجرا شديدا وضربا للإبل، فأشار بسوطه إليهم وقال: يا أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع". وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال "إنما كان بدء الإيضاع من أهل البادية، كانوا يقفون حافتي الناس قد علقوا العقاب والعصي، فإذا أفاضوا تقعقعوا، فأنفرت الناس فلقد رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وإن ظفري ناقته لا يمس الأرض حاركها، وهو يقول: يا أيها الناس عليكم بالسكينة". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أسامة بن زيد "أنه سأل كيف كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسير حين أفاض من عرفة؟ وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أردفه من عرفات قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص". وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس، فأقبل يكبر اللّه ويهللّه ويعظمه ويمجده حتى انتهى إلى المزدلفة". وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أفاض من عرفات وهو يقول: إليك تعدو قلقا وضينها * مخالفا دين النصارى دينها وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور عن عروة بن الزبير، أن عمر بن الخطاب حين دفع من عرفة قال: إليك تعدو قلقا وضينها * مخالفا دين النصارى دينها وأخرج عبد الرزاق عن عبد الملك بن أبي بكر قال: رأيت أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام، وأبا سلمة بن سفيان، واقفين على طرف بطن عرفة فوقفت معهما، فلما دفع الإمام دفعا وقالا. إليك تعدو قلقا وضينها * مخالفا دين النصارى دينها يكثران من ذلك، وزعم أنه سمع أبا بكر عبد الرحمن يذكر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقولها إذا دفع. وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس "أن أسامة بن زيد كان ردف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، فكلاهما قال: لم يزل النبي صلى اللّه عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة". وأخرج مسلم عن أسامة بن زيد "أنه كان رديف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أفاض من عرفة، فلما جاء الشعب أناخ راحلته ثم ذهب إلى الغائط، فلما رجع جئت إليه بالأداوه فتوضأ، ثم ركب حتى أتى المزدلفة فجمع بها بين المغرب والعشاء". وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال: جمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثا، والعشاء ركعتين، بإقامة واحدة. أما قوله تعالى: {فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام} أخرج وكيع وسفيان بن عينية وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والأزرقي في تاريخ مكة والبيهقي في سننه عن عبد اللّه بن عمرو. أنه سئل عن المشعر الحرام، فسكت حتى إذا هبطت أيدي الرواحل بالمزدلفة قال: هذا المشعر الحرام. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عمر قال: المشعر الحرام مزدلفة كلها. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عمر. أنه رأى الناس يزدحمون على قزح فقال: علام يزدحمون هؤلاء؟ كل ما ههنا مشعر. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر في قوله {فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام} قال: هو الجبل وما حوله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس. مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: ما بين الجبلين اللذين بجمع مشعر. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: ما بين جبلي مزدلفة فهو المشعر الحرام. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن الأسود قال: لم أجد أحدا يخبرني عن المشعر الحرام. وأخرج مالك وابن جرير عن عبد اللّه بن الزبير قال: عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر. وأخرج الأزرقي والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ارفعوا عن بطن عرفة، وارفعوا عن بطن محسر". وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أين المزدلفة؟ قال: المزدلفة إذا أفضت من مأزمي فذلك إلى محسر، وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة ولكن مفضاهما قال: قف بأيهما شئت وأحب إلي أن تقف دون قزح. وأخرج الحاكم وصححه عن جابر. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال حين وقف بعرفة"هذا الموقف وكل عرفة موقف وقال حين وقف على قزح: هذا الموقف وكل المزدلفة موقف". وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقف عند المشعر الحرام، ويقف الناس يدعون اللّه، ويكبرونه، ويهللونه، ويمجدونه، ويعظمونه، حتى يدفع إلى منى". وأخرج الأزرقي عن نافع قال: كان ابن عمر يقف بجمع كلما حج على قزح نفسه لا ينتهي حتى يتخلص عنه، فيقف عليه الإمام كلما حج. وأخرج البخاري ومسلم عن عبد اللّه بن عمر. أنه كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل، فيذكرون اللّه ما بدا لهم، ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: رخص في اولئك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج أبو داود والطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن ميمون قال: سمعت عمر بن الخطاب بجمع بعدما صلى الصبح، وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير. وإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل طلوع الشمس. وأخرج الأزرقي عن كليب الجهني قال "رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم في حجته وقد دفع من عرفة إلى جمع، والنار توقد بالمزدلفة وهو يؤمها حتى نزل قريبا منها. وأخرج الأزرقي عن ابن عمر قال: كانت النار توقد على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان. وأخرج الأزرقي عن إسحق بن عبد اللّه بن خارجة عن أبيه قال: لما أفاض سليمان بن عبد الملك بن مروان من المأزمين نظر إلى النار التي على قزح فقال لخارجة بن زيد: يا أبا زيد من أول من صنع النار ههنا؟ قال خارجة: كانت في الجاهلية وضعها قريش، وكانت لا تخرج من الحرم إلى عرفة وتقول: نحن أهل اللّه قال خارجة: فأخبرني رجال من قومي أنهم رأوها في الجاهلية وكانوا يحجون، منهم حسان بن ثابت في عدة من قومي قالوا: كان قصي بن كلاب قد أوقد بالمزدلفة نارا حيث وقف بها حتى يراها من دفع من عرفات. وأخرج البخاري واللفظ له ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن يزيد قال: خرجت مع عبد اللّه إلى مكة، ثم قدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة العشاء بينهما، ثم صلى الفجر حين طلوع الفجر وقائل يقول: طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع الفجر، ثم قال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء، فلا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا، وصلاة الفجر هذه الساعة"ثم وقف حتى أسفر، ثم قال: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة، فما أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر. وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن ابن الزبير قال: من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى، ثم يغدو إلى عرفة فيقيل حيث قضى له، حتى إذا زالت الشمس خطب الناس ثم صلى الظهر والعصر جميعا، ثم وقف بعرفات حتى تغيب الشمس ثم يفيض، فإذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن عروة بن مضرس قال "أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو بجمع فقلت: جئتك من جبل طيئ وقد أكلت مطيتي وأتعبت نفسي، واللّه ما تركت من جبل إلى وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال: من صلى معنا هذه الصلاة في هذا المكان، ثم وقف هذه الموقف حتى يفيض الإمام، وكان وقف قبل ذلك في عرفات ليلا ونهارا فقد تم حجه وقضى تفثه". وأخرج الشافعي عن ابن عمر قال: من أدرك ليلة النحر من الحاج فوقف يجبل عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك عرفة فيقف بها قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج، فليأت البيت فليطف به سبعا، ويطوف بين الصفا والمروة سبعا، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هديه فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج قابلا فليحج إن استطاع وليهد بدنة، فإن لم يجد هديا فليصم عنه ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. وأخرج مسلم والنسائي عن عبد الرحمن بن يزيد. أن عبد اللّه بن مسعود لبى حين أفاض من جمع فقال أعرابي: من هذا؟ قال عبد اللّه: أنسي الناس أم ضلوا؟ سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان"لبيك اللّهم لبيك". وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن الزبير في قوله {واذكروه كما هداكم} قال: ليس هذا بعام هذا لأهل البلد كانوا يفيضون من جمع، ويفيض الناس من عرفات، فأبى اللّه لهم ذلك، فأنزل اللّه {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}. وأخرج عبد بن حميد عن سفيان {وإن كنتم من قبله} قال: من قبل القرآن. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {وإن كنتم من قبله لمن الضالين} قال: لمن الجاهلين. وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن جابر قال "رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: "دخلنا على جابر بن عبد اللّه فقلت: أخبرني عن حجة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فقال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حاج، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويعمل بمثل عمله، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وخرجنا معه حتى إذا أتينا ذا الحليفة، فصلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء حتى استوت به ناقته على البيداء ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله، فما عمل به من شيء عملنا به، فأهل التوحيد لبيك اللّهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وأهل الناس بهذا الذي تهلون به، فلم يرد عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيئا منه.ولزم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلبيته حتى أتينا البيت معه، استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فجعل المقام بينه وبين البيت، فصلى ركعتين يقرأ فيهما بقل هو اللّه أحد وبقل يا أيها الكافرون، ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ (إن الصفا والمروة من شعائر اللّه) (البقرة الآية ١٥٨) فبدأ بما بدأ اللّه به، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فكبر اللّه وحده وقال: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا اللّه وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك وقال: مثل هذا ثلاث مرات. ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه رمل في بطن الوادي حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة، فصنع على المروة مثل ما صنع على الصفا حتى إذا كان آخر الطواف على المروة قال: إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة، فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى اللّه عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية وجهوا إلى منى أهلوا بالحج، فركب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة له من شعر فضربت بنمرة. فسار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا تشك قريش أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا غربت الشمس أمر بالقصواء فرحلت، فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس فقال: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه دم عثمان بن ربيع بن الحرث بن المطلب، وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله، اتقوا اللّه في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة اللّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فأضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصتم به كتاب اللّه، وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت قال: اللّهم اشهد، ثم أذن بلال، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا، ثم ركب القصواء حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه، فاستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حين غاب القرص، وأردف أسامة خلفه فدفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقد شنق للقصواء الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله وهو يقول بيده اليمنى: السكينة أيها الناس كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى صعد أتى المزدلفة، فجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا، ثم اضطجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح. ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فرقى عليه فاستقبل الكعبة فحمد اللّه وكبره ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، ثم دفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى محسرا، فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى الذي تخرجك إلى الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها، فرمى بطن الوادي ثم انصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المنحر، فنحر بيده ثلاثا وستين، وأمر عليا ما غبر وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقتها ثم ركب، ثم أفاض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى البيت فصلى بمكة الظهر، ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال: انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، فأدلوه دلوا فشرب منه". ١٩٩ أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي في سننه عن عائشة قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس وكانت سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها، فذلك قوله {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}. وأخرج البخاري ومسلم عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس والحمس قريش وما ولدت، كانوا يطوفون عراة إلا أن تعطيهم الحمس ثيابا، فيعطون الرجال الرجال والنساء النساء، وكانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة، وكان الناس كلهم يبلغون عرفات قال هشام: فحدثني أبي عن عائشة قال: كانت الحمس الذين أنزل اللّه فيهم {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} قالت: كان الناس يفيضون من عرفات وكان الحمس يفيضون من المزدلفة، يقولون: لا نفيض إلا من الحرم. فلما نزلت {أفيضوا من حيث أفاض الناس} رجعوا إلى عرفات. وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت: قالت قريش: نحن قواطن البيت لا نجاوز الحرم فقال اللّه {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}. وأخرج البخاري ومسلم والنسائي والطبراني عن جبير بن مطعم قال: أضللت بعيرا لي فذهبت أطلبه يوم عرفة، فرأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واقفا مع الناس بعرفة، فقلت واللّه إن هذا لمن الحمس فما شأنه ههنا؟ وكانت قريش تعد من الحمس. وزاد الطبراني وكان الشيطان قد استهواهم فقال لهم: إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس حرمكم، وكانوا لا يخرجون من الحرم. وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن جبير بن مطعم قال: كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة ويقولون: نحن الحمس فلا نخرج من الحرم وقد تركوا الموقف على عرفة، فرأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الجاهلية يقف مع الناس بعرفة على جمل له، ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة فيقف معهم، ثم يدفع إذا دفعوا. وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن جبير بن مطعم قال: "لقد رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل أن ينزل عليه وأنه لواقف على بعير به بعرفات مع الناس يدفع معهم منها، وما ذاك إلا توفيق من اللّه". وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كانت العرب تقف بعرفة وكانت قريش دون ذلك بالمزدلفة، فأنزل اللّه {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}. وأخرج ابن المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كانت قريش يقفون بالمزدلفة ويقف الناس بعرفة إلا شيبة بن ربيعة، فأنزل اللّه {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: كانت قريش وكل ابن اخت لهم وحليف لا يفيضون مع الناس من عرفات إنما يفيضون من المغمس، كانوا يقولون: إنما نحن أهل اللّه فلا نخرج من حرمه، فأمرهم اللّه أن يفيضوا من حيث أفاض الناس، وكانت سنة إبراهيم وإسماعيل الإفاضة من عرفات. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {من حيث أفاض الناس} قال: إبراهيم. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} قال عرفة، كانت قريش تقول: إنما نحن حمس أهل الحرم لا يخلف الحرم المزدلفة، أمروا أن يبلغوا عرفة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال: كان الناس يقفون بعرفة إلا قريشا وأحلافها وهي الحمس، فقال بعضهم: لا تعظموا إلا الحرم فإنكم إن عظمتم غير الحرم أوشك أن تتهاونوا بحرمكم، فقصروا عن مواقف الحق فوقفوا بجمع، فأمرهم اللّه أن يفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات. أما قوله تعالى: {واستغفروا اللّه إن اللّه غفور رحيم}. أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: إذا كان يوم عرفة هبط اللّه إلى السماء الدنيا في الملائكة، فيقول لهم: عبادي آمنوا بوعدي وصدقوا رسلي ما جزاؤهم؟ فيقال: أن يغفر لهم. فذلك قوله {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا اللّه إن اللّه غفور رحيم}. وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة وابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي والحاكم عن عائشة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق اللّه فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملاءكة فيقول: مأراده هؤلاء". وأخرج أحمد وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم: انظروا عبادي جاؤوني شعثا غبرا". وأخرج البزار وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي عن جابر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: أفضل الأيام أيام العشر - يعني عشر ذي الحجة - قيل: وما مثلهن في سبيل اللّه؟ قال: ولا مثلهن في سبيل اللّه إلا رجل عفر وجهه بالتراب، وما من يوم أفضل عند اللّه من يوم عرفة، ينزل اللّه تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأضر أهل السماء، فيقول: انظروا عبادي جاؤوني شعثا غبرا ضاحين، جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ويستعيذون من عذابي ولم يروه، فلم ير يوما أكثر عتقا وعتيقة من النار منه". وأخرج أحمد والطبراني عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: إن اللّه يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة فيقول: انظروا عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فما من يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة". وأخرج مالك والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن طلحة بن عبيد اللّه بن كريز "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه من يوم عرفة، وما ذاك إلا مما يرى فيه من تنزل الرحمة وتجاوز اللّه عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر. قالوا: يا رسول اللّه وما الذي رأى يوم بدر؟ قال: رأى جبريل يزع الملائكة". وأخرج البيهقي عن الفضيل بن عباس "أنه كان رديف النبي صلى اللّه عليه وسلم بعرفة، وكان الفتى يلاحظ النساء، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ببصره هكذا وصرفه، وقال يا ابن أخي: هذا يوم من ملك فيه بصره إلا من حق، وسمعه إلا من حق، ولسان إلا من حق، غفر له". وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل قولي وقول الأنبياء قبلي لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير". وأخرج البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال "كان أكثر دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم عرفة لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير". وأخرج الترمذي وابن خزيمة والبيهقي عن علي بن أبي طالب قال "كان أكثر دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عشية يوم عرفة اللّهم لك الحمد كالذي نقول وخيرا مما نقول: اللّهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي ولك رب تدآبي، اللّهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللّهم إني أسألك من خير ما تجيء به الريح وأعوذ بك من شر ما تجيء به الريح". وأخرج البيهقي في الشعب عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من مسلم يقف عشية عرفة بالوقف يستقبل القبلة يوجهه، ثم يقول: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير مائة مرة، ثم يقرأ (قل هو اللّه أحد) (الإخلاص الآية ١) مائة مرة، ثم يقول: اللّهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وعلينا معهم مائة مرة إلا قال اله تعالى: يا ملائكتي ما جزاء عبدي هذا سبحني وهللني وكبرني وعظمني وعرفني وأثنى علي وصلى على نبيي، اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له وشفعته في نفسه، ولو سألني عبدي هذا لشفعته في أهل الموقف كلهم. قال البيهقي: هذا متن غريب، وليس إسناده من ينسب إلى الوضع". وأخرج البيهقي عن بكير بن عتيق قال: حججت فتوسمت رجلا أقتدي به إذا سالم بن عبد اللّه في الموقف يقول: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا اللّه إلها واحدا ونحن له مسلمون، لا إله إلا اللّه ولو كره المشركون، لا إله إلا اللّه ربنا ورب آبائنا الأولين. فلم يزل يقول هذا حتى غابت الشمس، ثم نظر إلي وقال: حدثني أبي عن جدي عمر بن الخطاب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "يقول اللّه تبارك وتعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين". وأخرج ابن أبي شيبة والجندي في فضائل مكة عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، اللّهم اجعل في سمعي نورا، في بصري نورا، وفي قلبي نورا، اللّهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، وأعوذ بك من وسواس الصدور، وتشتت الأمور، وعذاب القبر، اللّهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، شر بوائق الدهر". وأخرج الجندي عن ابن جريج قال: بلغني أنه كان يؤمر أن يكون أكثر دعاء المسلم في الوقف: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي وابن أبي عاصم والطبراني معا في الدعاء والبيهقي في الدعوات عن عبد اللّه بن مسعود قال "ما من عبد ولا أمة دعا اللّه ليلة عرفة بهذه الدعوات - وهي عشر كلمات - ألف مرة إلا ولم يسأل اللّه شيئا إلا أعطاه إياه إلا قطيعة رحم أوإثما. سبحان اللّه الذي في السماء عرشه، سبحان الذي في النار سلطانه، سبحان الذي في الجنة رحمته، سبحان الذي في القبور قضاؤه، سبحان الذي في الهواء روحه، سبحان الذي رفع السماء، سبحان الذي وضع الأرض، سبحان الذي لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه. قيل له: أنت سمعت هذا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: نعم". وأخرج ابن أبي شيبة عن صدقة بن يسار قال: سألت مجاهدا عن قراءة القرآن أفضل يوم عرفة أم الذكر؟ قال: لا بل قراءة القرآن. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي عن علي بن أبي طالب أنه قال وهو بعرفات: لا أدع هذا الموقف ما وجدت إليه سبيلا، لأنه ليس في الأرض يوم أكثر عتقا للرقاب فيه من يوم عرفة، فأكثروا في ذلك اليوم من قول: اللّهم أعتق رقبتي من النار، وأوسع لي في الرزق، واصرف عني فسقة الجن والإنس، فإنه عامة ما أدعوك به. وأخرج الطبراني في الدعاء عن ابن عباس قال: كان من دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عشية عرفة"اللّهم إنك ترى مكاني، وتسمع كلامي، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنوبه، أسألك مسألة المساكين، وأبتهل إليك إبتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف المضرور من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عيناه، ونحل لك جسده ورغم أنفه، اللّهم لا تجعلني بدعائك شقيا، وكن بي رؤوفا رحيما يا خير المسؤولين ويا خير المعطين". وأخرج الطبراني في الدعاء عن ابن عمر. أنه كان يرفع صوته عشية عرفة يقول: اللّهم اهدنا بالهدي، وزينا بالتقوى، واغفر لنا في الآخرة والأولى، ثم يخفصض صوته بقوله: اللّهم إني أسألك من فضلك رزقا طيبا مباركا، اللّهم إني أمرت بالدعاء وقضيت على نفسك بالإجابة، وإنك لا تخلف وعدك ولا تنكث عهدك، اللّهم ما أحببت من خير فحببه إلينا ويسره لنا، وما كرهت من شر فكرهه إلينا وجنبناه، ولا تنزع منا الإسلام بعد إذ أعطيتناه. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو ذر الهروي في المناسك عن أبي مجلز قال: شهدت ابن عمر بالوقف بعرفات، فسمعته يقول: اللّه أكبر وللّه الحمد ثلاث مرات، ثم يقول: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مرة واحدة، ثم يقول: اللّهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا ويسكت قدر ما يقرأ فاتحة الكتاب، ثم يعود فيقول مثل ذلك حتى أفاض. وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي سليمان الداراني عن عبد اللّه بن أحمد بن عطية قال: سئل علي بن أبي طالب عن الوقوف بالجبل ولم لم يكن في الحرم؟ قال: لأن الكعبة بيت اللّه والحرم باب اللّه، فلما قصدوه وافدين وقفهم بالباب يتضرعون. قيل: يا أمير المؤمنين فالوقوف بالمشعر؟ قال: لأنه لما أذن لهم بالدخول وقفهم بالحجاب الثاني وهو المزدلفة، فلما أن طال تضرعهم أذن لهم بتقريب قربانهم بمنى، فلما أن قضوا تفثهم وقربوا قربانهم فتطهروا بها من الذنوب التي كانت لهم أذن لهم بالوفادة إليه على الطهارة. قيل: يا أمير المؤمنين فمن أين حرم صيام أيام التشريق؟ قال: لأن القوم زاروا اللّه وهم في ضيافته، ولا يجوز للضيف أن يصوم دون إذن من أضافه. قيل: يا أمير المؤمنين فتعلق الرجل بأستار الكعبة لأي معنى هو؟ قال: مثل الرجل بينه وبين سيده جناية فتعلق بثوبه وتنصل إليه وتحدى له ليهب له جنايته. وأخرج ابن زنجويه والأزرقي والجندي ومسدد والبزار في مسنديهما وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أنس بن مالك قال: كنت قاعدا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مسجد الخيف أتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف، فسلما عليه ثم قالا: يا رسول اللّه جئنا نسألك. قال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه، وإن شئتما سألتماني. قال: أخبرنا يا رسول اللّه نزداد إيمانا ويقينا! قال للأنصاري: جئت تسأل عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه، وعن طوافك وما لك فيه، وعن ركعتيك بعد الطواف وما لك فيهما، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه، وعن وقوفك بعرفة وما لك فيه، وعن رميك الجمار وما لك فيه، وعن طوافك بالبيت وما لك فيه، يعني الإفاضة. قال: والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأسألك عن ذلك. ٢٠٠ انظر تفسير الآية: ٢٠٢ ٢٠١ انظر تفسير الآية: ٢٠٢ ٢٠٢ وقال: أما مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن ناقتك لا ترفع خفا ولا تضعه إلا كتب اللّه لك به حسنة ومحا به عنك خطيئة، وأما طوافك بالبيت فإنك لا ترفع قدما ولا تضعها إلا كتب اللّه لك بها حسنة ومحا عنك بها خطيئة ورفع لك بها درجة، وأما ركعتاك بعد طوافك فكعتق رقبة من بني إسماعيل، وأما طوافك بين الصفا والمروة فكعتق سبعين رقبة، وأما وقوفك عشية عرفة فإن اللّه تعالى يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة، ويقول: انظروا إلى عبادي جاؤوني من كل فج عميق شعثا غبرا يرجون رحمتي ومغفرتي، فلو كانت ذنوبهم مثل الرمل، وعدد القطر، ومثل زبد البحر، ومثل نجوم السماء، لغفرتها لهم ويقول: أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولم شفعتم فيه، وأما رميك الجمار فإن اللّه يغفر لك بكل حصاة رميتها كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات، وأما نحرك فمدخور لك عند ربك، وأما طوافك بالبيت - يعني الإفاضة - فإنك تطوف ولا ذنب عليك، ويأتيك ملك فيضع يده بين كتفيك ويقول: اعمل لما بقي فقد كفيت ما مضى. وأخرج البزار والطبراني وابن حبان عن ابن عمر قال "كنت جالسا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في مسجد منى، فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف، فسلما عليه ثم قالا: يا رسول اللّه جئنا نسألك فقال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه فعلت، وإن شئتما أن أمسك وتسألاني فعلت. فقالا: أخبرنا يا رسول اللّه! فقال الثقفي للأنصاري: سل. فقال: أخبرني يا رسول اللّه. فقال: جئتن تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه، وعن طوافك وما لك فيهما، وعن ركعتيك بعد الطواف وما لك فيهما، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه، وعن وقوفك عشية عرفة وما لك فيه، وعن رميك الجمار وما لك فيه، وعن نحرك وما لك فيه مع الإفاضة. قال: والذي بعثك بالحق لعن هذا جئت أسألك. قال: فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام لا تضع ناقتك خفا ولا ترفعه إلا كتب اللّه لك به حسنة ومحى عنك خطيئة، وأما ركعتاك بعد الطواف فكعتق رقبة من بني إسماعيل، وأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين رقبة، وأما وقوفك عشية عرفة فإن اللّه يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة، فيقول: عبادي جاؤوني شعثا غبرا من كل فج عميق يرجون جنتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، أو كقطر المطر، أو كزبد البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم له، وأما رميك الجمار فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات، وأما نحرك فمدخور لك عند ربك وأما حلاقك رأسك فلك بكل شعرة حلقتها حسنة ويمحي عنك بها خطيئة، وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك، يأتي ملك حتى يضع يديه بين كتفيك فيقول: اعمل فيما يستقبل فقد غفر لك ما مضى. وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر قال: خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عشية عرفة فقال: أيها الناس إن اللّه تطول عليكم في مقامكم هذا، فقبل من محسنكم وأعطى محسنكم ما سأل، ووهب مسيئكم لمحسنكم إلا التبعات فيما بينكم، أفيضوا على اسم اللّه. فلما كان غداة جمع قال: أيها الناس إن اللّه قد تطول عليكم في مقامكم هذا فقبل من محسنكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، والتبعات بينكم عوضها من عنده أفيضوا على اسم اللّه فقال أصحابه: يا رسول اللّه أفضت بنا الأمس كئيبا حزينا، وأفضت بنا اليوم فرحا مسرورا؟ فقال: إني سألت ربي بالأمس شيئا لم يجد لي به سألته التبعات فأبى علي، فلما كان اليوم أتاني جبريل فقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول ضمنت التبعات وعوضتها من عندي". وأخرج الطبراني عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم عرفة"أيها الناس إن اللّه تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل فادفعوا باسم اللّه، فلما كان بجمع قال: إن اللّه قد غفر لصالحيكم، وشفع لصالحيكم في طالحيكم، تنزل الرحمة فتعمهم، ثم يفرق المغفرة في الأرض فيقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده، وإبليس وجنوده بالويل والثبور". وأخرج ابن ماجة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وعبد اللّه بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير والطبراني والبيهقي في سننه والضياء المقدسي في المختارة عن العباس بن مرداس السلمي "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء، فأوحى اللّه إليه: أني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا، وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم فقد غفرتها. فقال: يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته وتغفر لهذا الظالم. فلم يجبه تلك العشية، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء، فأجابه اللّه أني قد غفرت لهم. فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسأله أصحابه؟ قال: تبسمت من عدو اللّه إبليس، أنه لما علم أن اللّه قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور، ويحثو التراب على رأسه". وأخرج ابن أبي الدنيا في الأضاحي وأبو يعلى عن أنس"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: إن اللّه تطول على أهل عرفات يباهي بهم الملائكة، فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثا غبرا أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق، فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت لمحسنهم جميع ما سألوني غير التبعات التي بينهم، فإذا أفاض القوم إلى جمع ووقفوا وعادوا في الرغبة والطلب إلى اللّه، فيقول: يا ملائكتي عبادي وقفوا فعادوا في الرغبة والطلب، فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت محسنيهم جميع ما سألوني، وكفلت عنهم التبعات التي بينهم". وأخرج ابن المبارك عن أنس بن مالك قال "وقف النبي صلى اللّه عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب فقال: يا بلال أنصت لي الناس. فقام بلال فقال: انصتوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فنصت الناس فقال: يا معاشر الناس أتاني جبريل آنفا فأقرأني من ربي السلام وقال: إن اللّه عز وجل غفر لأهل عرفات، وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات. فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول اللّه هذا لنا خاصة؟ قال: هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة. فقال عمر بن الخطاب: كثر خير اللّه وطاب". وأخرج ابن ماجة عن بلال بن رباح "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال له غداة جمع: أنصت الناس. ثم قال: إن اللّه تطاول عليكم في جمعكم هذا، فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، ادفعوا باسم اللّه". وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما عاديان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقال: كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه، ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه. وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أم الفضل بنت الحرث "أن ناسا اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم. وقال بعضهم: ليس بصائم. فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه". وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن أبي الدنيا في الأضاحي والحاكم وصححه عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة". وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي نجيح قال: سئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة فقال: حججت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه، ولا آمر به، ولا أنهى عنه. وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي قتادة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: صيام يوم عرفة أني أحتسب على اللّه أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده". وأخرج مالك في الموطأ من طريق القاسم بن محمد عن عائشة. أنها كانت تصوم يوم عرفة قال القاسم: ولقد رأيتها عشية عرفة يدفع الإمام وتقف حتى يبيض ما بينها وبين الناس من الأرض، ثم تدعو بالشراب فتفطر. وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت: ما من يوم من السنة أصومه أحب إلي من يوم عرفة. وأخرج البيهقي عن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم". وأخرج البيهقي عن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"صيام يوم عرفة كصيام ألف عام". وأخرج البيهقي عن مسروق أنه دخل على عائشة يوم عرفة فقال: اسقوني. فقالت عائشة"وما أنت يا مسروق بصائم. فقال: لا، إني أتخوف أن يكون أضحى. فقالت عائشة: ليس كذلك يوم عرفة، يوم يعرف الإمام، ويوم النحر يوم ينحر الإمام، أو ما سمعت يا مسروق أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يعدله بصوم ألف يوم". وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي والبيهقي عن أنس بن مالك قال: كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة عشرة الآف يوم، يعني في الفضل. وأخرج البيهقي عن الفضل بن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من حفظ لسانه وسمعه وبصره يوم عرفة غفر له من عرفة إلى عرفة". وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال "كان الفضل بن عباس رديف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ابن أخي إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له". وأخرج المروزي في كتاب العيدين عن محمد بن عباد المخزومي قال: لا يستشهد مؤمن حتى يكتب اسمه عشية عرفة فيمن يستشهد. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في الأضاحي والمرزوي عن إبراهيم. أنه سئل عن التعريف بالأمصار فقال: إنما التعريف بعرفات. وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي عوانة قال: رأيت الحسن البصري يوم عرفة بعد العصر جلس، فذكر اللّه ودعا واجتمع إليه الناس. وأخرج المروزي عن مبارك قال: رأيت الحسن، وبكر بن عبد اللّه، وثابتا البناني ومحمد بن واسع، وغيلان بن جرير، يشهدون عرفة بالبصرة. وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي عن موسى بن أبي عائشة قال: رأيت عمرو بن حريث في المسجد يوم عرفة والناس مجتمعون إليه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والمروزي عن الحسن قال: إن أول من عرف البصرة ابن عباس. وأخرج المروزي عن الحكم قال: أول من فعل ذلك بالكوفة مصعب بن الزبير. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن أبي الدنيا في الأضاحي والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهن أيام أكل وشرب". وأخرج ابن أبي الدنيا عن جابر بن عبد اللّه قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا صلى صلاة الغداة يوم عرفة وسلم جثا على ركبتيه فقال: اللّه أكبر لا إله إلا اللّه، اللّه أكبر اللّه أكبر وللّه الحمد، إلى آخر أيام التشريق يكبر في العصر". وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي من طريق أبي الطفيل عن علي وعمار "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يجهر في المكتوبات ببسم اللّه الرحمن الرحيم ويقنت في الفجر، وكان يكبر من يوم عرفة صلاة الغداة، ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق". وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والمروزي في العيدين والحاكم عن عبيد بن عمير قال: كان عمر يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة الظهر أو العصر من آخر أيام التشريق. وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم عن شقيق قال: كان يكبر بعد الفجر غداة عرفة، ثم لا يقطع حتى يصلي العصر من آخر أيام التشريق. وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي والحاكم عن ابن عباس: أنه كان يكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والحاكم عن عمير بن سعد قال: قدم علينا ابن مسعود، فكان يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق. وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه كان يقول: من يصحبني منكم من ذكر أو أنثى فلا يصومن يوم عرفة، فإنه يوم أكل وشرب وتكبير. أخرج ابن أبي حاتم عن عطاء {فإذا قضيتم مناسككم} قال: حجكم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {فإذا قضيتم مناسككم} قال: حجكم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {فإذا قضيتم مناسككم} قال: اهراقه الدماء {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم} قال: تفاخر العرب بينها بفعال آبائها يوم النحر حين يفزعون، فأمروا بذكر اللّه مكان ذلك. وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: كان المشركون يجلسون في الحج فيذكرون فيه أيام آبائهم وما يعدون من أنسابهم يومهم أجمع، فأنزل اللّه على رسوله في الإسلام {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا}. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم يقول الرجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحملات ويحمل الديات ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم، فأنزل اللّه {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا}. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن عبد اله بن الزبير قال: كانوا إذا فزعوا من حجهم تفاخروا بالآباء، فأنزل اللّه {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم}. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: كانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا عند الجمرة فذكروا آباءهم وذكروا أيامهم في الجاهلية وفعال آبائهم، فنزلت هذه الآية. وأخرج الفاكهي عن أنس قال: كانوا في الجاهلية يذكرون آباءهم فيقول أحدهم: كان أبي يطعم الطعام. ويقول الآخر: كان أبي يضرب بالسيف. ويقول الآخر: كان أبي يجز بالنواصي. فنزلت {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم}. وأخرج وكيع وابن جرير عن سعيد بن جبير وعكرمة قالا: كانوا يذكرون فعل آبائهم في الجاهلية إذا وقفوا بعرفة، فنزلت {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم}. وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن عطاء قال: كان أهل الجاهلية إذا نزلوا منى تفاخروا بآبائهم ومجالسهم، فقال هذا: فعل أبي كذا وكذا. وقال هذا: فعل أبي كذا وكذا. فذلك قوله {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم وأشد ذكرا}. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح في قوله {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا} قال: هو قول الصبي أول ما يفصح في الكلام أباه وأمه.وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس. أنه قيل له: قول اللّه {كذكركم آبائكم} إن الرجل ليأتي عليه اليوم وما يذكر أباه، قال: إنه ليس بذاك ولكن يقول: تغضب للّه إذا عصي أشد من غضبك إذا ذكر والديك بسوء. أما قوله تعالى: {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا} الآيات. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللّهم اجعله عام غيث، وعام خصب، وعام ولاد حسن ولا يذكرون من أمر الآخرة شيئا، فأنزل فيهم {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق} ويجيء بعدهم آخرون من المؤمنين {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} فأنزل اللّه فيهم {أولئك لهم نصيب مما كسبوا واللّه سريع الحساب}. وأخرج الطبراني عن عبد اللّه بن الزبير قال: كان الناس في الجاهلية إذا وقفوا عند المشعر الحرام دعوا فقال أحدهم: اللّهم ارزقني إبلا. وقال الآخر: اللّهم ارزقني غنما، فأنزل اللّه {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا} إلى قوله {سريع الحساب}. وأخرج ابن جرير عن أنس بن مالك في قوله {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا} قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون: اللّهم اسقنا المطر، وأعطنا على عدونا الظفر، وردنا صالحين إلى صالحين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: كانوا يقولون: ربنا آتنا رزقا ونصرا، ولا يسألون لآخرتهم شيئا فنزلت. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأبو يعلى عن أنس قال: كان أكثر دعوة يدعو بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "اللّهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن حبان وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أنس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غادر رجلا من المسلمين قد صار مثل الفرخ المنتوف، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: هل كنت تدعو اللّه بشيء؟ قال: نعم، كنت أقول: اللّهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: سبحان اللّه.! إذن لا تطيق ذلك ولا تستطيعه، فهلا قلت ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؟ ودعا له فشفاه اللّه". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب وابن أبي حاتم عن أنس. أن ثابتا قال له: إن إخوانك يحبون أن تدعو لهم. فقال: اللّهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. فاعاد عليه فقال: تريدون أن أشقق لكم الأمور إذا أتاكم اللّه في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ووقاكم عذاب النار، فقد آتاكم الخير كله. وأخرج الشافعي وابن سعد وابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عبد اللّه بن السائب. أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول فيما بين الركن اليماني والحجر"ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما مررت على الركن إلا رأيت عليه ملكا يقول آمين، فإذا مررتم عليه فقولوا: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في الشعب عن ابن عباس. أن ملكا موكلا بالركن اليماني منذ خلق اللّه السموات والأرض يقول: آمين آمين. فقولوا: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وأخرج ابن ماجة والجندي في فضائل مكة عن عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن الركن اليماني وهو في الطواف فقال: حدثني أبو هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: وكل به سبعون ملكا فمن قال: اللّهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. قال: آمين". وأخرج الأزرقي عن ابن أبي نجيح قال: كان أكثر كلام عمر وعبد الرحمن بن عوف في الطواف: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد اللّه بن أحمد في زوائد الزهد عن حبيب بن صهبان الكاهلي قال: كنت أطوف بالبيت وعمر بن الخطاب يطوف ما له إلا قوله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ما له هجيرى غيرها. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة. أنه كان يستحب أن يقال في أيام التشريق: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: ينبغي لكل من نفر أن يقول حين ينفر متوجها إلى أهله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: كانوا أصنافا ثلاثة في تلك المواطن يومئذ: رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والمؤمنون، وأهل الكفر، وأهل النفاق {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق} إنما حجوا للدنيا والمسألة لا يريدون الآخرة ولا يؤمنون بها {ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} والصنف الثالث (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا) (البقرة الآية ٢٠٤). وأخرج أحمد والترمذي وحسنه عن أنس قال "جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه أي الدعاء أفضل؟ قال: تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ثم أتاه من الغد فقال: يا رسول اللّه أي الدعاء أفضل؟ قال: تسأل ربك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، ثم أتاه من الغد فقال: يا رسول اللّه أي الدعاء أفضل؟ قال: تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ثم أتاه من اليوم الرابع فقال: يا رسول اللّه أي الدعاء أفضل؟ قال: تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا ثم أعطيتهما في الآخرة فقد أفلحت". وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} قال: عافية {وفي الآخرة حسنة} قال: عافية. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والذهبي في فضل العلم والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسن في قوله {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة} قال: الحسنة في الدنيا العلم والعبادة، وفي الآخرة الجنة. وأخرج ابن جرير عن السدي قال: حسنة الدنيا المال، وحسنة الآخرة الجنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} قال: الرزق الطيب، والعلم النافع. وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في الآية قال: المرأة الصالحة من الحسنات. وأخرج ابن المنذر عن سالم بن عبد اللّه بن عمر {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} قال: الثناء. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء {أولئك لهم نصيب مما كسبوا} قال: مما عملوا من الخير. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {واللّه سريع الحساب} قال: سريع الإحصاء. وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس، أن رجلا قال له: إني أجرت نفسي من قومي على أن يحملوني، ووضعت لهم من أجرتي على أن يدعوني أحج معهم، أفيجزئ ذلك عني؟ قال: أنت من الذين قال اللّه {أولئك لهم نصيب مما كسبوا واللّه سريع الحساب}. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سفيان قال: أصحاب عبد اللّه يقرؤونها ( (أولئك لهم نصيب مما اكتسبوا) ). ٢٠٣ أخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال: الأيام المعدودات ثلاثة أيام: يوم الأضحى، ويومان بعده، اذبح في أيها شئت، وأفضلها أولها. وأخرج الفريابي وابن أبي الدنيا وابن المنذر عن ابن عمر في قوله {واذكروا اللّه في أيام معدودات} قال: ثلاثة أيام، أيام التشريق. وفي لفظ: هي الثلاثة الأيام بعد يوم النحر. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والمروزي في العيدين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة من طرق عن ابن عباس قال: الأيام المعلومات أيام العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق. وأخرج الطبراني عن عبد اللّه بن الزبير {واذكروا اللّه في أيام معدودات} قال: هن أيام التشريق يذكر اللّه فيهن بتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد. وأخرج ابن أبي الدنيا والمحاملي في أماليه والبيهقي عن مجاهد قال: الأيام المعلومات العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الأيام المعدودات أربعة أيام: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده. وأخرج المروزي عن يحيى بن كثير في قوله {واذكروا اللّه في أيام معدودات} قال: هو التكبير في أيام التشريق دبر الصلوات. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر. أنه كان يكبر تلك الأيام بمنى ويقول: التكبير واجب، ويتأول هذه الآية {واذكروا اللّه في أيام معدودات}. وأخرج المروزي وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه وعمرو بن دينار قال: رأيت ابن عباس يكبر يوم النحر ويتلو {واذكروا اللّه في أيام معدودات}. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {واذكروا اللّه في أيام معدودات} قال: التكبير أيام التشريق، يقول في دبر كل صلاة: اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر. وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر. أنه كان يكبر ثلاثا ثلاثا وراء الصلوات بمنى: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وأخرج المروزي عن الزهري قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يكبر أيام التشريق كلها. وأخرج سفيان بن عينية عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عباس يكبر يوم الصدر ويأمر من حوله أن يكبر، فلا أدري تأول قوله تعالى {واذكروا اللّه في أيام معدودات} أو قوله {فإذا قضيتم مناسككم} الآية". وأخرج مالك عن يحيى بن سعيد، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب خرج الغد من يوم النحر بمنى حتى ارتفع النهار شيئا، فكبر وكبر الناس بتكبيره حتى بلغ تكبيرهم البيت، ثم خرج الثالثة من يومه ذلك حين زاغت الشمس، فكبر وكبر الناس بتكبيره، فعرف أن عمر قد خرج يرمي. وأخرج البيهقي في سننه عن سالم بن عبد اللّه بن عمر "أنه رمى الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة اللّه أكبر اللّه أكبر، اللّهم اجعله حجا مبرورا، وذنبا مغفورا، وعملا مشكورا، وقال: حدثني أبي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان كلما رمى بحصاة يقول مثل ما قلت". وأخرج البخاري والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر "أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على كل حصاة ثم يتقدم حتى يسهل، فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلا ويدعو، ويرفع يديه يقوم طويلا، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف ويقول: هكذا رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفعله". وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة قال "أفاض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع فمكث بمنى ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى وعند الثانية، فيطيل القيام ويتضرع، ثم يرمي الثالثة ولا يقف عندها". وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غداة العقبة"هات القط لي حصيات من حصى الخذف، فلما وضعن في يده قال: بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين". وأخرج الحاكم عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما". وأخرج الأزرقي عن ابن الكلبي قال: إنما سميت الجمار جمار لأن آدم كان يرمي إبليس فيتجمر بين يديه، والإجمار الإسراع. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري قال: ما يقبل من حصى الجمار رفع. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس: رمى الناس في الجاهلية والإسلام. فقال: ما تقبل منه رفع، ولولا ذلك كان أعظم من ثبير. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس أنه سئل هذه الجمار ترمى في الجاهلية والإسلام، كيف لا تكون هضابا تسد الطريق؟ فقال: إن اللّه وكل بها، ملكا فما يقبل منه رفع ولم يقبل منه ترك. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: واللّه ما قبل اللّه من امرئ حجه إلا رفع حصاه. وأخرج الأزرقي عن ابن عمر. أنه قيل له: ما كنا نتراءى في الجاهلية من الحصى والمسلمون اليوم أكثر، إنه لضحضاح؟ فقال: إنه - واللّه - ما قبل اللّه من امرئ حجه إلا رفع حصاه. وأخرج الأزرقي عن سعيد بن جبير قال: إنما الحصى قربان فما يقبل منه رفع، وما لم يتقبل منه فهو الذي يبقى. وأخرج الطبراني في الأوسط والدارقطني والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال "قلنا: يا رسول اللّه هذه الأحجار التي يرمى بها كل سنة فنحسب أنها تنقص! قال: ما يقبل منها يرفع، ولولا ذلك لرأيتموها مثل الجبال". وأخرج الطبراني عن ابن عمر أن رجلا سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن رمي الجمار وما لنا فيه؟ فسمعته يقول: "تجد ذلك عند ربك أحوج ما تكون إليه". وأخرج الأزرقي عن ابن عباس. أنه سئل عن منى وضيقه في غير الحج فقال: إن منى تتسع بأهلها كما يتسع الرحم للولد. وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مثل منى كالرحم هي ضيقة، فإذا حملت وسعها اللّه". وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: إنما سميت منى منى لأن جبريل حين أراد أن يفارق آدم قال له: تمن. قال: أتمنى الجنة، فسميت منى لأنها منية آدم". وأخرج الأزرقي عن عمر بن مطرف قال: إنما سميت منى لما يمنى بها من الدماء. وأخرج الحاكم وصححهعن عائشة قالت"قيل: يا رسول اللّه ألا نبني لك بناء يظللك؟ قال: لا، منى مناخ من سبق". وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس، سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول ونحن بمنى: "لو يعلم أهل الجمع بمن حلوا لأستبشروا بالفضل بعد المغفرة". وأخرج مسلم والنسائي عن نبيشة الهدبي قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر اللّه". وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث عبد اللّه بن حذافة يطوف في منى، لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر اللّه تعالى". وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت"نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن صوم أيام التشريق، وقال: هي أيام أكل وشرب وذكر اللّه". وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي الشعثاء قال: دخلنا على ابن عمر في اليوم الأوسط من أيام التشريق، فأتى بطعام فتنحى ابن له فقال: ادن فأطعم قال: إني صائم. قال: أما علمت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "هذه أيام طعم وذكر"؟. وأخرج الحاكم وصححه عن مسعود بن الحكم الزرقي عن أمه أنها حدثته قالت"كأني أنظر إلى علي على بغلة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم البيضاء في شعب الأنصار، وهو يقول: أيها الناس إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إنها ليست أيام صيام، إنها أيام أكل وشرب وذكر". وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر بن خلدة الأنصاري عن أمه قالت"بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليا أيام التشريق ينادي: إنها أيام أكل وشرب وبعال". وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن ماجة عن بشر بن شحيم "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطب أيام التشريق فقال: لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب". وأخرج مسلم عن كعب بن مالك "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق، فنادى: إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأيام منى أيام أكل وشرب". وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وابن أبي الدنيا عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أيام منى أيام أكل وشرب". وأخرج أبو داود وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه عن أبي مرة مولى أم هانئ، أنه دخل مع عبد اللّه على أبيه عمرو بن العاص، فقرب إليهما ظعاما فقال: كل، فقال: إني صائم. قال عمرو: كل فهذه الأيام التي كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمرنا بإفطارها وينهانا عن صيامها. قال مالك: وهن أيام التشريق. وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار عن أبي هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم نهى عن صيام ستة أيام من السنة: يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، واليوم الذي يشك فيه من رمضان". وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد اللّه بن عمر "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم نهى عن صيام أيام التشريق، وقال: إنها أيام أكل وشرب". وأخرج ابن أبي الدنيا عن قتادة أنه سئل عن أيام التشريق، لأي شيء سميت التشريق؟ فقال: كانوا يشرقون لحوم ضحاياهم وبدنهم، يشرقون القديد. أما قوله تعالى: {فمن تعجل في يومين} الآية أخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} قال: في تعجيله {ومن تأخر فلا إثم عليه} في تأخيره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} قال: فلا ذنب عليه {ومن تأخر فلا إثم عليه} قال: فلا حرج عليه لمن اتقى. يقول: اتقى معاصي اللّه. وأخرج الفريابي وابن جرير عن ابن عمر قال: أحل النفر في يومين لمن اتقى. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: من غابت له الشمس في اليوم الذي قال اللّه فيه {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} وهو منى، فلا ينفرن حتى يرمى الجمار من الغد. وأخرج سفيان بن عينية وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {لمن اتقى} قال: لمن اتقى الصيد وهو محرم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: هي في مصحف عبد اللّه (لمن اتقى اللّه). وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصحه والبيهقي في سننه عن عبد اللّه بن يعمر الديلمي"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول وهو واقف بعرفة وأتاه أناس من أهل مكة فقالوا: يا رسول اللّه كيف الحج؟ فقال: الحج عرفات، الحج عرفات، فمن أدرك ليلة جمع قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك أيام منى ثلاثة أيام {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه} ثم أردف رجلا خلفه ينادي بهن". وأخرج ابن جرير عن علي في قوله {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} قال: غفر له {ومن تأخر فلا إثم عليه} قال: غفر له. وأخرج وكيع والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} قال: مغفور له {ومن تأخر فلا إثم عليه} قال: مغفور له. وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال: من تعجل في يومين غفر له، ومن تأخر إلى ثلاثة أيام غفر له. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} قال: رجع مغفورا له. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: رخص اللّه أن ينفروا في يومين منها إن شاؤوا، ومن تأخر إلى اليوم الثالث فلا إثم عليه لمن اتقى. قال قتادة: يرون أنها مغفورة له. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن مجاهد {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} قال: إلى قابل {ومن تأخر فلا إثم عليه} قال: إلى قابل. وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال: لا والذي نفس الضحاك بيده إن نزلت هذه الآية {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} في الإقامة والظعن، ولكنه برئ من الذنوب. وأخرج سفيان بن عينية وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن مسعود {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} قال: خرج من الإثم كله {ومن تأخر فلا إثم عليه} قال: برئ من الإثم كله. وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله {لمن اتقى} قال: لمن اتقى في حجه. قال قتادة: وذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول: من اتقى في حجه غفر له ما تقدم من ذنبه. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال: كانت امرأة من المهاجرات تحج، فإذا رجعت مرت على عمر فيقول لها: أتقيت؟ فتقول: نعم. فيقول لها: استأنفي العمل. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد. أن عمرا قال لقوم حجاج: أنهزكم إليه غيره؟ قالوا: لا. قال: أتقيتم؟ قالوا: نعم. قال: أما لا فأستأنفوا العمل. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} قال: قد غفر له أنهم يتأولونها على غير تأويلها، إن العمرة لتكفر ما معها من الذنروب، فكيف بالحج؟!. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن معاوية بن مرة المزني {فلا إثم عليه} قال: خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال: إنما جعل اللّه هذه المناسك ليكفر بها خطايا بني آدم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالي في قوله {فلا إثم عليه لمن اتقى} قال: ذهب إثمه كله إن اتقى فيما بقى من عمره. وأخرج البيهقي في الشعب عن الحسن. أنه قيل له: الناس يقولون: إن الحاج مغفور له، قال: إنه ذلك أن يدع سيء ما كان عليه. وأخرج البيهقي عن خيثمة بن عبد الرحمن قال: إذا قضيت حجك فسل اللّه الجنة فلعله. وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن إبراهيم قال: كان يقال: صافحوا الحجاج قبل أن يتلطخوا بالذنوب. وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال: تلقوا الحجاج والعمار والغزاة، فليدعوا لكم قبل أن يتدنسوا. وأخرج ابن أبي شيبة عن حبيب بن أبي ثابت قال: كنا نلتقي الحجاج فنصافحهم قبل أن يقارفوا. وأخرج الأصبهاني عن الحسن. أنه قيل له ما الحج المبرور؟ قال: أن يرجع زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة. وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إذا قضى أحدكم حجه فليعجل الرحلة إلى أهله، فإنه أعظم لأجره". وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا قفل من غزوة أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق اللّه وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده". وأخرج ابن حبان في الضعفاء وابن عدي في الكامل والدارقطني في العلل عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من حج ولم يزرني فقد جفاني". وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى والطبراني وابن عدي والدارقطني والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كم زارني في حياتي". وأخرج الحكيم الترمذي والبزار وابن خزيمة وابن عدي والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من زار قبري وجبت له شفاعتي". وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من جاءني زائرا لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقا على أن أكون له شفيعا يوم القيامة". وأخرج الطيالسي والبيهقي في الشعب عن عمر قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "من زار قبري كنت له شفيعا أو شهيدا، ومن مات في أحد الحرمين بعثه اللّه في الآمنين يوم القيامة". وأخرج البيهقي عن حاطب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة". وأخرج العقيلي في الضعفاء والبيهقي في الشعب عن رجل من آل الخطاب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من زارني متعمدا كان في جواري يوم القيامة، ومن سكن المدينة وصبر على بلائها كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة، ومن مات في أحد الحرمين بعثه اللّه من الآمنين يوم القيامة". وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أنس بن مالك "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة". وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من عبد يسلم علي عند قبري إلا وكل اللّه به ملكا يبلغني، وكفي أمر آخرته ودنياه، وكنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة". وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من مسلم يسلم علي إلا رد اللّه علي روحي حتى أرد عليه السلام". وأخرج البيهقي عن ابن عمر "أنه كان يأتي القبر فيسلم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا يمس القبر، ثم يسلم على أبي بكر ثم على عمر". وأخرج البيهقي عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابرا وهو يبكي عند قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يقول: ههنا تسكب العبرات، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة". وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن منيب بن عبد اللّه بن أبي أمامة قال: رأيت أنس بن مالك أتى قبر النبي صلى اللّه عليه وسلم فوقف، فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة، فسلم على النبي صلى اللّه عليه وسلم ثم انصرف. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن سليمان بن سحيم قال: رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم في النوم قلت: يا رسول اللّه هؤلاء الذين يأتونك فيسلمون عليك أتفقه سلامهم؟ قال: نعم، وأرد عليهم. وأخرج البيهقي عن حاتم بن مروان قال: كان عمر بن عبد العزيز يوجه بالبريد قاصدا إلى المدينة ليقرئ عنه النبي صلى اللّه عليه وسلم السلام. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي فديك قال: سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى اللّه عليه وسلم، فتلا هذه الآية {إن اللّه وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} (الأحزاب الآية ٥٦) صلى اللّه عليك يا محمد حتى يقولها سبعين مرة، فأجابه ملك: صلى اللّه عليك يا فلان لم تسقط لك حاجة. وأخرج البيهقي عن أبي حرب الهلالي قال: حج أعرابي إلى باب مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أناخ راحلته، فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر، ووقف بحذاء وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه، جئتك مثقلا بالذنوب والخطايا، مستشفعا بك على ربك لأنه قال في محكم تنزيله (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه توابا رحيما) (النساء الآية ٦٤). وقد جئتك بأبي أنت وأمي مثقلا بالذنوب والخطايا، استشفع بك على ربك أن يغفر لي ذنوبي وأن تشفع في، ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول: يا خير من دفنت في الترب أعظمه * فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه * فيه العفاف وفيه الجود والكرم وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر. أنه كان يقول للحاج إذا قدم: تقبل نسكك، وأعظم أجرك، وأخلف نفقتك. وأخرج البيهقي عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا قدم أحدكم على أهله من سفر فليهد لأهله، فليطرفهم ولو كان حجارة". ٢٠٤ أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما أصيبت السرية التي فيها عاصم ومرثد قال رجال من المنافقين: يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا هكذا، لا هم قعدوا في أهلهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم! فأنزل اللّه {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} أي لما يظهر من الإسلام بلسانه {ويشهد اللّه على ما في قلبه} أنه مخالف لما يقوله بلسانه {وهو ألد الخصام} أي ذو جدال إذا كلمك راجعك (وإذا تولى) خرج من عندك (سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل واللّه لا يحب الفساد) (البقرة الآية ٢٠٥) أي لا يحب عمله ولا يرضى به (ومن الناس من يشري نفسه...) (البقرة الآية ٢٠٧) الآية. الذين شروا أنفسهم من اللّه بالجهاد في سبيله والقيام بحقه حتى هلكوا في ذلك، يعني بهذه السرية. وأخرج ابن المنذر عن أبي إسحق قال: كان الذين اجلبوا على خبيب في قتله نفر من قريش عكرمة بن أبي جهل، وسعيد بن عبد اللّه بن أبي قيس بن عبد ود، والأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة، وعبيدة بن حكيم بن أمية بن عبد شمس، وأمية ابن أبي عتبة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {ومن الناس من يعجبك} الآية. قال " نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف لبني زهرة، أقبل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة وقال: جئت أريد الإسلام، ويعلم اللّه أني لصادق. فأعجب النبي صلى اللّه عليه وسلم ذلك منه فذلك قوله {ويشهد اللّه على ما في قلبه} ثم خرج من عند النبي صلى اللّه عليه وسلم، فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر، فأحرق الزرع وعقر الحمر، فأنزل اللّه (وإذا تولى سعى في الأرض) (البقرة ٢٠٥) الآية". وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الكلبي قال: كنت جالسا بمكة فسألوني عن هذه الآية {ومن الناس من يعجبك قوله...}. قلت: هو الأخنس بن شريق ومعنا فتى من ولده، فلما قمت أتبعني فقال: إن القرآن إنما نزل في أهل مكة، فإن رأيت أن لا تسمى أحدا حتى تخرج منها فافعل. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد المقبري. أنه ذاكر محمد بن كعب القرظي فقال: إن في بعض كتب اللّه: إن للّه عبادا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، لبسوا لباس مسوك الضأن من اللين، يجترون الدنيا بالدين. قال اللّه تعالى: أعلي يجترئون؟ وبي يغترون؟ وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران. فقال محمد بن كعب القرظي: هذا في كتاب اللّه {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} الآية. فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت. فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل تكون عامة بعد. وأخرج أحمد في الزهد عن الربيع بن أنس قال: أوحى اللّه إلى نبي من الأنبياء: ما بال قومك يلبسون جلود الضأن، ويتشبهون بالرهبان، كلامهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر؟ أبي يغترون أم لي يخادعون؟ وعزتي لأتركن العالم منهم حيرانا، ليس مني من تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن آمن بي فليتوكل علي، ومن لم يؤمن فليتبع غيري. وأخرج أحمد في الزهد عن وهب. "أن الرب تبارك وتعالى قال لعلماء بني إسرائيل: يفقهون لغير الدين، ويعملون لغير العمل، ويبتغون الدنيا بعمل الآخرة، يلبسون مسوك الضأن ويخفون أنفس الذباب، ويتقوى القذى من شرابكم، ويبتلعون أمثال الجبال من المحارم، ويثقلون الدين على الناس أمثال الجبال ولا يعينونهم برفع الخناصر، يبيضون الثياب ويطيلون الصلاة، ينتقصون بذلك مال اليتيم والأرملة، فبعزتي حلفت لأضربنكم بفتنة يضل فيها رأي ذي الرأي، وحكمة الحكيم". وأما قوله تعالى: {وهو ألد الخصام}. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وهو ألد الخصام} قال: شديد الخصومة. وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق سأله قوله {وهو أشد الخصام} قال: الجدل المخاصم في الباطل. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول مهلهل: إن تحت الأحجار حزما وجودا * وخصيما ألد ذا مغلاق وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {وهو ألد الخصام} قال: ظالم لا يستقيم. وأخرج وكيع وأحمد والبخاري وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "أبغض الرجال إلى اللّه الألد الخصم". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد اللّه بن عمرو "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر". وأخرج الترمذي والبيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "كفى بك إثما أن لا تزال مخاصما". وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: كفى بك آثما أن لا تزال مماريا، وكفى بك ظالما أن لا تزال مخاصما، وكفى بك كاذبا أن لا تزال محدثا الأحاديث في ذات اللّه عز وجل". وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال: من كثر كلامه كثر كذبه، ومن كثر حلفه كثر إثمه، ومن كثرت خصومته لم يسلم دينه. وأخرج البيهقي في الشعب عن عبد الكريم الجزري قال: ما خاصم ورع قط. وأخرج البيهقي عن ابن شبرمة قال: من بالغ في الخصومة أثم، ومن قصر فيها خصم، ولا يطيق الحق من تألى على من به دار الأمر، وفضل الصبر التصبر، ومن لزم العفاف هانت عليه الملوك والسوق. وأخرج البيهقي عن الأحنف بن قيس قال: ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة. حليم من أحمق، وبر من فاجر [؟؟].؟ ؟ وأخرج البيهقي عن ابن عمرو بن العلاء قال: ما تشاتم رجلان قط إلا غلب ألأمهما. ٢٠٥ أخرج عبد بن حميد عن مجاهد {وإذا تولى سعى في الأرض} قال: عمل في الأرض {ويهلك الحرث} قال: نبات الأرض {والنسل} نسل كل شيء من الحيوان: الناس والدواب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد. أنه سئل عن قوله {وإذا تولى سعى في الأرض} قال: يلي في الأرض فيعمل فيها بالعدوان والظلم، فيحبس اللّه بذلك القطر من السماء، فهلك بحبس القطر الحرث والنسل {واللّه لا يحب الفساد} ثم قرأ مجاهد (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس...) (الروم الآية ٤١) الآية. وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه سئل عن قوله {ويهلك الحرث والنسل} قال: الحرث الزرع، والنسل نسل كل دابة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: النسل نسل كل دابة الناس أيضا. وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله {الحرث والنسل} قال: النسل الطائر والدواب. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت الشاعر يقول: كهواهم خير الكهول ونسلهم * كنسل الملوك لا ثبور ولا تخزى وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة قال: يتخفف المحرم إذا لم يجد نعلين. قيل أشقهما؟ قال: إن اللّه لا يحب الفساد. ٢٠٦ أخرج وكيع وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: إن من أكبر الذنب عند اللّه أن يقول الرجل لأخيه: اتق اللّه. فيقول: عليك بنفسك، أنت تأمرني؟! وأخرج ابن المنذر والبيهقي في الشعب عن سفيان قال: قال رجل لمالك بن مغول: اتق اللّه فقط، فوضع خده على الأرض تواضعا للّه. وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن. أن رجلا قال لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: اتق اللّه، فذهب الرجل فقال عمر: وما فينا خير إن لم يقل لنا، وما فيهم خير إن لم يقولوها لنا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولبئس المهاد} قال: بئس ما مهدوا لأنفسهم. ٢٠٧ أخرج ابن مردويه عن صهيب قال "لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قالت لي قريش: يا صهيب قدمت إلينا ولا مال لك، وتخرج أنت ومالك واللّه لا يكون ذلك أبدا، فقلت لهم: أرأيتم إن دفعت لكم مالي تخلون عني؟ قالوا: نعم. فدفعت إليهم مالي فخلوا عني، فخرجت حتى قدمت المدينة، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: ربح البيع صهيب مرتين". وأخرج ابن سعد والحرث بن أبي أسامة في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال "أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى اللّه عليه وسلم، فاتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته ثم قال: يا معشر قريش قد علمتم أني من أرماكم رجلا، وأيم اللّه لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي فيه شيء، ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي. قالوا: نعم. فلما قدم على النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ربح البيع، ربح البيع. و نزلت {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه واللّه رؤوف بالعباد} ". وأخرج الطبراني وابن عساكر عن ابن جريج في قوله {ومن الناس من يشري نفسه} قال: نزلت في صهيب بن سنان وأبي ذر. وأخرج ابن جرير والطبراني عن عكرمة في قوله {ومن الناس من يشري نفسه...} الآية. قال " نزلت في صهيب بن سنان، وأبي ذر الغفاري، وجندب بن السكن أحد أهل أبي ذر، أما أبو ذر فانفلت منهم، فقدم على النبي صلى اللّه عليه وسلم، فلما رجع مهاجرا عرضوا له وكانوا بمر الظهران، فانفلت أيضا حتى قدم على النبي صلى اللّه عليه وسلم، وأما صهيب فأخذه أهله فافتدى منهم بماله، ثم خرج مهاجرا فأدركه قنفذ بن عمير بن جدعان، فخرج مما بقي من ماله وخلى سبيله". وأخرج الطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن صهيب قال: لما خرج النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة هممت بالخروج، فصدني فتيان من قريش ثم خرجت، فلحقني منهم أناس بعد ما سرت ليردوني، فقلت لهم: هل لكم إن أعطيتكم أواقي من ذهب وتخلوا سبيلي؟ ففعلوا. فقلت: احفروا تحت أسكفة الباب فإن تحتها الأواقي، وخرجت حتى قدمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قباء قبل أن يتحول منها، فلما رآني قال: يا أبا يحيى ربح البيع، ثم تلا هذه الآية. وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله {ومن الناس من يشري نفسه...} الآية. قال: هم المهاجرون والأنصار. وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن المغيرة بن شعبة قال: كنا في غزاة فتقدم رجل فقاتل حتى قتل، فقالوا: ألقى بيده إلى التهلكة. فكتب فيه إلى عمر، فكتب عمر: ليس كما قالوا، هو من الذين قال اللّه فيهم {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن سيرين قال: حمل هشام بن عامر على الصف حتى خرقه، فقالوا: ألقى بيده. فقال أبو هريرة {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه}. وأخرج البيهقي في سننه عن مدركة بن عوف الأحمسي. أنه كان جالسا عند عمر فذكروا رجلا شرى نفسه يوم نهاوند، فقال: ذاك خالي زعم الناس أنه ألقى نفسه إلى التهلكة. فقال عمر: كذب أولئك، بل هو من الذين اشتروا الآخرة بالدنيا. وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه} قال: نزلت في صهيب، وفي نفر من أصحابه، أخذهم أهل مكة فعذبوهم ليردوهم إلى الشرك باللّه منهم عمار، وأمية، وسمية، وأبو ياسر، وبلال، وخباب، وعباس مولى حويطب بن عبد العزى. وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن صهيب "أن المشركين لما أطافوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأقبلوا على الغار وأدبروا قال: واصهيباه ولا صهيب لي. فلما رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الخروج بعث أبا بكر مرتين أو ثلاثا إلى صهيب، فوجده يصلي فقال أبو بكر للنبي صلى اللّه عليه وسلم: وجدته يصلي، فكرهت أن أقطع عليه صلاته. فقال: أصبت وخرجا من ليلتهما، فلما أصبح خرج حتى أتى أم رومان زوجة أبي بكر، فقالت: ألا أراك ههنا وقد خرج أخواك ووضعا لك شيئا من زادهما؟ قال صهيب: فخرجت حتى دخلت على زوجتي أم عمرو، فأخذت سيفي وجعبتي وقوسي حتى أقدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة فأجده وأبا بكر جالسين، فلما رآني أبو بكر قام إلي فبشرني بالآية التي نزلت في، وأخذ بيدي فلمته بعض اللائمة، فاعتذر وربحني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: ربح البيع أبا يحيى". وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن مصعب بن عبد اللّه قال "هرب صهيب من الروم ومعه مال كثير، فنزل بمكة فعاقد عبد اللّه بن جدعان وحالفه، وإنما أخذت الروم صهيبا بن رضوى، فلما هاجر النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة لحقه صهيب، فقالت له قريش: لا تلحقه بأهلك ومالك فدفع إليهم ماله، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: ربح البيع. وأنزل اللّه في أمره {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه} وأخوه مالك بن سنان". وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كنت قاعدا عند عمر إذ جاءه كتاب: أن أهل الكوفة قد قرأ منهم القرآن كذا وكذا فكبر، فقلت: اختلفوا. قال: من أي شيء عرفت؟ قال: قرأت {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا...} الآيتين فإذا فعلوا ذلك لم يصبر صاحب القرآن، ثم قرأت (وإذا قيل له اتق اللّه أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) (البقرة الآية ٢٠٦) {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه} قال: صدقت والذي نفسي بيده. وأخرج الحاكم عن عبد اللّه بن عبيد بن عمير قال: بينما ابن عباس مع عمر وهو آخذ بيده فقال عمر: أرى القرآن قد ظهر في الناس؟ قلت: ما أحب ذلك يا أمير المؤمنين. قال: لم؟ قلت: لأنهم متى يقرؤوا ينفروا، ومتى نفروا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يضرب بعضهم رقاب بعض. فقال عمر: إن كنت لأكتمها الناس. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أن ابن عباس قرأ هذه الآية عند عمر بن الخطاب فقال: اقتتل الرجلان فقال له عمر: ماذا؟ قال: يا أمير المؤمنين أرى ههنا من إذا أمر بتقوى اللّه أخذته العزة بالإثم، وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى اللّه، فإذا لم يقبل منه وأخذته العزة بالإثم قال لهذا: وأنا أشري نفسي فقاتله، فاققتل الرجلان فقال عمر: للّه درك يا ابن عباس! وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة. أن عمر بن الخطاب كان إذا تلا هذه الآية {ومن الناس من يعجبك قوله} إلى قوله {ومن الناس من يشري نفسه} قال: اقتتل الرجلان. وأخرج وكيع وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن أبي حاتم والخطيب عن علي بن أبي طالب. أنه قرأ هذه الآية فقال: اقتتلا ورب الكعبة. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن صالح أبي خليل قال: سمع عمر إنسانا يقرأ هذه الآية {وإذا قيل له اتق اللّه} إلى قوله {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه} فاسترجع فقال: إنا للّه وإنا إليه راجعون، قام الرجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن قال: أنزلت هذه الآية في المسلم الذي لقي كافرا فقال له: قل لا إله إلا اللّه، فإذا قلتها عصمت مني دمك ومالك إلا بحقهما، فأبى أن يقولها، فقال المسلم: واللّه لأشرين نفسي للّه فتقدم، فقاتل حتى قتل. ٢٠٨ انظر تفسير الآية: ٢٠٩ ٢٠٩ أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} كذا قرأها بالنصب يعني مؤمني أهل الكتاب، فإنهم كانوا مع الإيمان باللّه مستمسكين ببعض أمر التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم يقول: ادخلوا في شرائع دين محمد ولا تدعوا منها شيئا، وحسبكم بالإيمان بالتوراة وما فيها. وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} قال: نزلت في ثعلبة وعبد اللّه بن سلام، وابن يامين، وأسد وأسيد إبني كعب، وسعيد بن عمرو، وقيس بن زيد، كلهم من يهود قالوا: يا رسول اللّه يوم السبت يوم كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه، وإن التوراة كتاب اللّه، فدعنا فلنقم بها بالليل، فنزلت. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله {ادخلوا في السلم} قال: يعني أهل الكتاب، و {كافة}: جميعا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: السلم الطاعة، وكافة يقول: جميعا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: السلم الإسلام، والزلل ترك الإسلام. وأخرج ابن جرير عن السدي {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات} قال: فإن ضللتم من بعد ما جاءكم محمد صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية {فأعلموا أن اللّه عزيز حكيم} يقول: عزيز في نقمته إذا انتقم، حكيم في أمره. ٢١٠ أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "يجمع اللّه الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما، شاخصة أبصارهم إلى السماء ينظرون فصل القضاء، وينزل اللّه في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن عبد اللّه بن عمرو في هذه الآية قال: يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب، منها النور والظلمة والماء، فيصوت الماء في تلك الظلمة صوتا تنخلع له القلوب. وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال: يأتي اللّه يوم القيامة في ظلل من السحاب قد قطعت طاقات. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قوله {في ظلل من الغمام} قال: هو غير السحاب ولم يكن قط إلا لبني إسرائيل في تيههم، وهو الذي يأتي اللّه فيه يوم القيامة، وهو الذي جاءت فيه الملائكة. وأخرج ابن جرير والديلمي عن ابن عباس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: إن من الغمام طاقات يأتي اللّه فيها محفوفا بالملائكة، وذلك قوله {هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظلل من الغمام} ". وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية قال: في قراءة أبي بن كعب (هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه والملائكة في ظلل من الغمام) قال: يأتي الملائكة في ظلل من الغمام، وهو كقوله (يوم تشقق السماء ونزل الملائكة تنزيلا) (الفرقان الآية ٢٥). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة {في ظلل من الغمام} قال: طاقات {والملائكة} قال: الملائكة حوله. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: يأتيهم اللّه في ظلل من الغمام، وتأتهم الملائكة عند الموت. وأخرج عن عكرمة {وقضي الأمر} يقول: قامت الساعة. ٢١١ أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {سل بني إسرائيل} قال: هم اليهود {كم آتيناهم من آية بينة} ما ذكر اللّه في القرآن وما لم يذكر {ومن يبدل نعمة اللّه} قال: يكفر بها. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال: آتاهم اللّه آيات بينات عصا موسى، ويده، وأقطعهم البحر، وأغرق عدوهم وهم ينظرون، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى {ومن يبدل نعمة اللّه} يقول: من يكفر بنعمة اللّه. ٢١٢ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله {زين للذين كفروا الحياة الدنيا} قال: الكفار يبتغون الدنيا ويطلبونها {ويسخرون من الذين آمنوا} في طلبهم الآخرة. قال: ابن جرير لا أحسبه إلا عن عكرمة قال: قالوا: لو كان محمدا نبيا لأتبعه ساداتنا وأشرافنا، واللّه ما اتبعه إلا أهل الحاجة مثل ابن مسعود وأصحابه. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {زين للذين كفروا الحياة الدنيا} قال: هي همهم وسدمهم وطلبهم ونيتهم {ويسخرون من الذين آمنوا} ويقولون: ما هم على شيء، استهزاء وسخرية {والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة} هناكم التفاضل. وأخرج عبد الرزاق عن قتادة {والذين اتقوا فوقهم} قال: فوقهم في الجنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: سألت ابن عباس عن هذه الآية {واللّه يرزق من يشاء بغير حساب} فقال: تفسيرها ليس على اللّه رقيب ولا من يحاسبه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {بغير حساب} قال: لا يحاسب الرب. وأخرج ميمون بن مهران بغير حساب قال: غدقا. وأخرج عن الربيع بن أنس بغير حساب قال: لا يخرجه بحساب يخاف أن ينقص ما عنده، إن اللّه لا ينقص ما عنده. ٢١٣ أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال {كان الناس أمة واحدة} قال: على الإسلام كلهم. وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا فبعث اللّه النبيين قال: وكذلك في قراءة عبد اللّه {كان الناس أمة واحدة فاختلفوا}. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال: كانوا أمة واحدة حيث عرضوا على آدم، ففطرهم اللّه على الإسلام وأقروا له بالعبودية، فكانوا أمة واحدة مسلمين، ثم اختلفوا من بعد آدم. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد {وكان الناس أمة واحدة} قال: آدم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي أنه كان يقرؤها {كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث اللّه النبيين} وإن اللّه إنما بعث الرسل، وأنزل الكتاب، بعد الاختلاف {وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه} يعني بني إسرائيل أوتوا الكتاب والعلم {بغيا بينهم} يقول: بغيا على الدنيا وطلب ملكها وزخرفها أيهم يكون له الملك والمهابة في الناس، فبغى بعضهم على بعض، فضرب بعضهم رقاب بعض، {فهدى اللّه الذين آمنوا} يقول: فهداهم اللّه عند الاختلاف أنهم أقاموا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف، أقاموا على الإخلاص للّه وحده وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، واعتزلوا الاختلاف، فكانوا شهداء على الناس يوم القيامة، على قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم شعيب، وآل فرعون، وأن رسلهم بلغتهم، وأنهم كذبوا رسلهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {كان الناس أمة واحدة} قال: كفارا. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله {فهدى اللّه الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه} قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم"نحن الأولون والآخرون، الأولون يوم القيامة، وأول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهدانا اللّه لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا اللّه، فالناس لنا فيه تبع، فغدا لليهود، وبعد غد للنصارى، هو في الصحيح بدون الآية". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: كان بين آدم ونوح عشرة أنبياء، ونشر من آدم الناس فبعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة قال: ذكر لنا أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الهدى وعلى شريعة من الحق، ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث اللّه نوحا، وكان أول رسول أرسله اللّه إلى الأرض، وبعث عند الاختلاف من الناس وترك الحق، فبعث اللّه رسله وأنزل كتابه يحتج به على خلقه. وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {فهدى اللّه الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه} فاختلفوا في يوم الجمعة فأخذ اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد، فهدى اللّه أمة محمد بيوم الجمعة، واختلفوا في القبلة، فاستقبلت النصارى المشرق، واليهود بيت المقدس، وهدى اللّه أمة محمد للقبلة، واختلفوا في الصلاة، فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلي وهو يتكلم، ومنهم من يصلي وهو يمشي، فهدى اللّه أمة محمد للحق من ذلك، واختلفوا في الصيام، فمنهم من يصوم النهار، ومنهم من يصوم عن بعض الطعام، فهدى اللّه أمة محمد للحق من ذلك. واختلفوا في إبراهيم، فقالت اليهود: كان يهوديا، وقالت النصارى: كان نصرانيا. وجعله اللّه حنيفا مسلما، فهدى اللّه أمة محمد للحق من ذلك. واختلفوا في عيسى، فكذبت به اليهود وقالوا لأمه بهتانا عظيما، وجعلته النصارى إلها وولدا، وجعله اللّه روحه وكلمته، فهدى اللّه أمة محمد للحق من ذلك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي قال في قراءة ابن مسعود: {فهدى اللّه الذين آمنوا لما اختلفوا فيه} يقول: اختلفوا عن الإسلام. وأخرج ابن جرير عن الربيع قال: في قراءة أبي بن كعب {فهدى اللّه الذين آمنوا لما اختلفوا من الحق فيه بإذنه ليكونوا شهداء على الناس يوم القيامة واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} فكان أبو العالية يقول: في هذه الآية يهديهم للمخرج من الشبهات والضلالات والفتن. ٢١٤ أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله {أم حسبتم...} الآية. قال: نزلت في يوم الأحزاب، أصاب النبي صلى اللّه عليه وسلم يومئذ وأصحابه بلاء وحصر. وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس قال: أخبر اللّه المؤمن أن الدنيا دار بلاء، وأنه مبتليهم فيها، وأخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته اتطيب أنفسهم فقال {مستهم البأساء والضراء} فالبأساء الفتن، والضراء السقم {وزلزلوا} بالفتن وأذى الناس إياهم. وأخرج أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي عن خباب بن الأرت قال "قلنا يا رسول اللّه ألا تستنصر لنا، ألا تدعو اللّه لنا؟ فقال: إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه، ثم قال: واللّه ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللّه والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {ولما يأتيكم مثل الذين خلوا} قال: أصابهم هذا يوم الأحزاب حتى قال قائلهم (ما وعدنا اللّه ورسوله إلا غرورا) (الأحزاب الآية ١٢). وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة {مثل الذين خلوا} يقول: سنن الذين خلوا من قبلكم {مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول} خيرهم وأصبرهم وأعلمهم باللّه {متى نصر اللّه ألا إن نصر اللّه قريب} فهذا هو البلاء والنغص الشديد، ابتلى اللّه به الأنبياء والمؤمنين قبلكم ليعلم أهل طاعته من أهل معصيته. وأخرج الحاكم وصححه عن أبي مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه ليجرب أحدكم بالبلاء وهو أعلم به كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار، فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز فذلك الذي نجاه اللّه من السيئات، ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذي افتتن. ٢١٥ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {يسألونك ماذا ينفقون...} الآية. قال: يوم نزلت هذه الآية لم يكن زكاة، وهي النفقة ينفقها الرجل على أهله، والصدقة يتصدق بها فنسختها الزكاة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: سأل المؤمنون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أين يضعون أموالهم؟ فنزلت {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير...} الآية. فذلك النفقة في التطوع، والزكاة سوى ذلك كله. وأخرج ابن المنذر عن ابن حبان قال "أن عمرو بن الجموح سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم: ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها؟ فنزلت {يسألونك ماذا ينفقون...} الآية. فهذا مواضع نفقة أموالكم". وأخرج عبد بن حميد وابن المنذرعن قتادة قال "همتهم النفقة فسألوا النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه {ما أنفقتم من خير...} الآية". وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {يسألونك ماذا ينفقون} قال: سألوه ما لهم في ذلك؟ {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين...} الآية. قال: ههنا يا ابن آدم فضع كدحك وسعيك ولا تنفح بها وذاك وتدع ذوي قرابتك وذوي رحمك. وأخرج الدارمي والبزار وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس قال: ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض، كلهن في القرآن، منهن (يسألونك عن الخمر والميسر) (البقرة الآية ٢١٩) و (يسألونك عن الشهر الحرام) (البقرة الآية ٢١٧) و (يسالونك عن اليتامى) (البقرة الآية ٢٢٠) و (يسألونك عن المحيض) (البقرة الآية ٢٢٢) و (يسألونك عن الأنفال) (الأنفال الآية ١) و {يسألونك ماذا ينفقون} ما كانوا يسألونك إلا عما كان ينفعهم. ٢١٦ أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: إن اللّه أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين بمكة بالتوحيد، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن يكفوا أيديهم عن القتال، فلما هاجر إلى المدينة نزلت سائر الفرائض وأذن لهم في القتال، فنزلت {كتب عليكم القتال} يعني فرض عليكم، وأذن لهم بعد ما كان نهاهم عنه {وهو كره لكم} يعني القتال وهو مشقة لكم {وعسى أن تكرهوا شيئا} يعني الجهاد قتال المشركين {وهو خير لكم} ويجعل اللّه عاقبته فتحا وغنيمة وشهادة {وعسى أن تحبوا شيئا} يعني القعود عن الجهاد {وهو شر لكم} فيجعل اللّه عاقبته شرا فلا تصيبوا ظفرا ولا غنيمة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: ما تقول في قوله {كتب عليكم القتال} أواجب الغزوعلى الناس من أجلها؟ قال: لا، كتب على أولئك حينئذ. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن شهاب في الآية قال: الجهاد مكتوب على كل أحد غزا أو قعد، فالقاعد إن استعين به أعان، وإن استغيث به أغاث، وإن استغني عنه قعد. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {وهو كره لكم} قال "نسختها هذه الآية (وقالوا سمعنا وأطعنا) (البقرة الآية ٢٨٥) وأخرجه ابن جرير موصولا عن عكرمة عن ابن عباس". وأخرج ابن المنذر والبيهقي في سننه من طريق علي عن ابن عباس قال: عسى من اللّه واجب. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: كل شيء في القرآن عسى، فإن عسى من اللّه واجب. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قال: كل شيء من القرآن عسى فهو واجب، إلا حرفين: حرف التحريم (عسى ربه إن طلقكن) (التحريم الآية ٥) وفي بني إسرائيل (عسى ربكم أن يرحمكم) (الإسراء الآية ٨). وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: عسى على نحوين: أحدهما في أمر واجب قوله (فعسى أن يكون من المفلحين) (القصص الآية ٦٧) وأما الآخر فهو أمر ليس واجب كله قال اللّه {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} ليس كل ما يكره المؤمن من شيء هو خير له، وليس كل ما أحب هو شر له. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كنت رديف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال "يا ابن عباس. ارض عن اللّه بما قدر وإن كان خلاف هواك، فإنه مثبت في كتاب اللّه. قلت: يا رسول اللّه فأين وقد قرأت القرآن؟ قال {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون} ". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال: يا رسول اللّه أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان باللّه، وجهاد في سبيل اللّه، قال: فأي العتاقة أفضل؟ أنفسها. قال: أفرأيت إن لم أجد؟ قال: فتعين الصانع وتصنع لا خرق الخرق بضم الخاء وسكون الراء أو فتح الخاء والراء وهو الحمق أو سوء التصرف أو ما لا يحسن عمله . قال: أفرأيت إن لم أستطع؟ قال: تدع الناس من شرك، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال "سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان باللّه ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل اللّه. قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم حج مبرور". وأخرج البيهقي في الشعب عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أفضل الأعمال الصلاة لوقتها، والجهاد في سبيل اللّه". وأخرج مالك وعبد الرزاق في المصنف والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: مثل المجاهد في سبيل اللّه - واللّه أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم الخاشع الراكع الساجد، وتكفل اللّه للمجاهد في سبيله أن يتوفاه فيدخله الجنة، أو يرجعه سالما بما نال من أجر وغنيمة". وأخرج البخاري والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال "جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: علمني عملا يعدل الجهاد، قال: لا أجده حتى تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدا فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر، قال: لا أستطيع ذاك؟ قال أبو هريرة: إن فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات". وأخرج مسلم والترمذي والنسائي والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال "قيل: يا رسول اللّه أخبرنا، بما يعدل الجهاد في سبيل اللّه؟ قال: لا تستطيعونه. قال: بلى يا رسول اللّه. قال: مثل المجاهد في سبيل اللّه كمثل القائم الصائم البائت بآيات اللّه، لا يفتر من صيام وصلاة حتى يرجع المجاهد إلى أهله". وأخرج الترمذي وحسنه والبزار والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال "أن رجلا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مر بشعب فيه عيينة ماء عذب، فأعجبه طيبه فقال: لو أقمت في هذا الشعب واعتزلت الناس لن أفعل حتى أستأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل اللّه أفضل من صلاته في أهله ستين عاما، ألا تحبون أن يغفر اللّه لكم ويدخلكم الجنة؟ اغزوا في سبيل اللّه، من قاتل في سبيل اللّه فواق ناقة وجبت له الجنة". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال "أتى رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: أي الناس أفضل؟ فقال: مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل اللّه. قال: ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يعبد اللّه ويدع الناس من شره". وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان عن ابن عباس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخير الناس منزلا؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: رجل أخذ برأس فرسه في سبيل اللّه حتى يموت أو يقتل، ألا أخبركم بالذي يليه؟ قالوا: بلى. قال: امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور الناس، ألا أخبركم بشر الناس؟ قالوا: بلى. قال: الذي يسأل باللّه ولا يعطي". وأخرج الطبراني عن فضالة بن عبيد"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: الإسلام ثلاثة: سفلى، وعليا، وغرفة، فأما السفلى فالإسلام دخل فيه عامة المسلمين، فلا تسأل أحد منهم إلا قال: أنا مسلم. وأما العليا فتفاضل أعمالهم بعض المسلمين أفضل من بعض، وأما الغرفة العليا فالجهاد في سبيل اللّه لا ينالها إلا أفضلهم". وأخرج البزار عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، والصوم سهم، وحج البيت سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل اللّه سهم، وقد خاب من لا سهم له". وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن علي مرفوعا. مثله. وأخرج أحمد والطبراني عن عبادة بن الصامت "أن رجلا قال: يا رسول اللّه أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان باللّه، وجهاد في سبيله، وحج مبرور، فلما ولى الرجل قال: وأهون عليك من ذلك إطعام الطعام، ولين الكلام، وحسن الخلق، فلما ولى الرجل قال: وأهون عليك من ذلك لا تتهم اللّه على شيء قضاه عليك". وأخرج أحمد والطبراني والحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "جاهدوا في سبيل اللّه فإن الجهاد في سبيل اللّه باب من أبواب الجنة، ينجي اللّه به من الهم والغم". وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن أبي أمامة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: عليكم بالجهاد في سبيل اللّه فإنه باب من أبواب الجنة، يذهب اللّه به الهم والغم". وأخرج أحمد والبزار والطبراني عن النعمان بن بشير قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مثل الجهاد في سبيل اللّه كمثل الصائم نهاره القائم ليله حتى يرجع متى رجع". وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق". وأخرج النسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن عثمان بن عفان "أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: يوم في سبيل اللّه خير من ألف يوم فيما سواه". وأخرج أحمد والطبراني والحاكم وصححه عن معاذ بن أنس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث سرية فأتته امرأة فقالت: يا رسول اللّه إنك بعثت هذه السرية، وإن زوجي خرج فيها وقد كنت أصوم بصيامه، وأصلي بصلاته، وأتعبد بعبادته، فدلني على عمل أبلغ به عمله؟ قال: تصلين فلا تقعدين، وتصومين فلا تفطرين، وتذكرين فلا تفترين. قال: وأطيق ذلك يا رسول اللّه؟ قال: ولو طوقت ذلك - والذي نفسي بيده - ما بلغت من العشير من عمله". وأخرج الطبراني عن أبي هريرة قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: إذا خرج الغازي في سبيل اللّه جعلت ذنوبه جسرا على باب بيته، فإذا خلف ذنوبه كلها فلم يبق عليه منها مثل جناح بعوضة، وتكفل اللّه له بأربع. بأن يخلفه فيما يخلف من أهل ومال، وأي ميتة مات بها أدخله الجنة، فإن رده سالما بما ناله من أجر أو غنيمة، ولا تغرب الشمس إلا غربت ذنوبه". وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يجمع اللّه في جوف رجل غبارا في سبيل اللّه ودخان جهنم، ومن اغبرت قدماه في سبيل اللّه حرم اللّه سائر جسده على النار، ومن صام يوما في سبيل اللّه ختم له بخاتم الشهداء، يعرفه بها الأولون والآخرون يقولون: فلان عليه طابع الشهداء. ومن قاتل في سبيل اللّه فواق ناقة وجبت له الجنة". وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي مالك الأشعري"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من نصل في سبيل اللّه فمات أو قتل فهو شهيد، أو رفصه فرسه أو بعيره، أو لدغته هامة، أو مات على فراشه بأي حتف شاء اللّه فإنه شهيد، وإن له الجنة".وأخرج البزار عن أبي هند، رجل من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مثل المجاهد في سبيل اللّه مثل الصائم القائم القانت، لا يفتر من صيام ولا صلاة ولا صدقة". وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن أبي عبس عبد الرحمن بن جبر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من اغبرت قدماه في سبيل اللّه حرمهما اللّه على النار". وأخرج البزار عن أبي بكر الصديق "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من اغبرت قدماه في سبيل اللّه حرمهما اللّه على النار". وأخرج البزار عن عثمان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من اغبرت قدماه في سبيل اللّه حرم اللّه عليه النار". وأخرج أحمد من حديث مالك بن عبد اللّه النخعي. مثله. وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخير الناس منزلة؟ قالوا: بلى. قال: رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل اللّه حتى يقتل أو يموت، ألا أخبركم بالذي يليه؟ رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويشهد أن لا إله إلا اللّه". وأخرج ابن سعد عن أم بشر بنت البراء بن معرور قالت: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"ألا أنبئكم بخير الناس بعده؟ قالوا: بلى. قال: رجل في غنمه يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، يعلم حق اللّه في ماله، قد اعتزل شرور الناس". وأخرج النسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطب الناس عام تبوك وهو مضيف ظهره إلى نخلة فقال: ألا أخبركم بخير الناس؟ إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل اللّه على ظهر فرسه، أو على ظهر بعيره، أو على قدميه حتى يأتيه الموت، وإن من شر الناس رجلا فاجرا جريئا يقرأ كتاب اللّه ولا يرعوي إلى شيء منه". وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن أبي أمامة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ثلاثة كلهم ضامن على اللّه. رجل خرج غازيا في سبيل اللّه فهو ضامن على اللّه حتى يتوفاه فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة، ورجل دخل بيته بالسلام فهو ضامن على اللّه". وأخرج الحاكم وصححه عن ابن الخصاصية قال "أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأبايعه على الإسلام، فاشترط علي: تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا عبده ورسوله، وتصلي الخمس، وتصوم رمضان، وتؤدي الزكاة، وتحج، وتجاهد في سبيل اللّه. قلت: يا رسول اللّه أما اثنتان فلا أطيقهما، أما الزكاة فما لي إلا عشر ذودهن رسل أهلي وحمولتهم، وأما الجهاد فيزعمون أن من ولى فقد باء بغضب من اللّه، فأخاف إذا حضرتني قتال كرهت الموت وخشعت نفسي. فقبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يده، ثم حركها ثم قال: لا صدقة ولا جهاد، فبم تدخل الجنة؟! ثم قلت: يا رسول اللّه أبايعك فبايعني عليهن كلهن". وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ثلاثة أعين لا تمسها النار. عين فقئت في سبيل اللّه، وعين حرست في سبيل اللّه، وعين بكت من خشية اللّه". وأخرج أحمد والنسائي والطبراني والحاكم وصححه عن أبي ريحانة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "حرمت النار على عين دمعت من خشية اللّه، حرمت النار على عين سهرت في سبيل اللّه، وعين غضت عن محارم اللّه، وعين فقئت في سبيل اللّه". وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: أظلتكم فتن كقطع الليل المظلم، أنجى الناس منها صاحب شاهقة يأكل من رسل غنمه، أو رجل من وراء الدروب آخذ بعنان فرسه يأكل من فيء سيفه". وأخرج ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "المجاهد في سبيل اللّه مضمون على اللّه إما أن يلقيه إلى مغفرته ورحمته، وإما أن يرجعه بأجر وغنيمة. ومثل المجاهد في سبيل اللّه كمثل الصائم القائم الذي لا يفتر حتى يرجع". وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عثمان بن عفان قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية اللّه، وعين باتت تحرس في سبيل اللّه". وأخرج أبو يعلى والطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "عينان لا تمسهما النار أبدا. عين باتت تكلأ في سبيل اللّه، وعين بكت من خشية اللّه". وأخرج الطبراني عن معاوية بن حيدة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ثلاثة لا ترى أعينهم النار: عين حرست في سبيل اللّه، وعين بكت من خشية اللّه، وعين غضت عن محارم اللّه". وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ألا أنبئكم بليلة القدر؟ حارس حرس في أرض خوف لعله أن لا يرجع إلى أهله". وأخرج الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "كل عين باكية يوم القيامة إلا عينا غضت عن محارم اللّه، وعينا سهرت في سبيل اللّه، وعينا خرج منها مثل راس الذباب من خشية اللّه". وأخرج ابن ماجة عن أنس"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: حرس ليلة في سبيل اللّه أفضل من صيام رجل وقيامه في أهله ألف سنة، السنة ثلثمائة يوم، اليوم كألف سنة". وأخرج ابن ماجة عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من راح روحة في سبيل اللّه كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسك يوم القيامة". وأخرج عبد الرزاق عن مكحول قال: حدثنا بعض الصحابة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "من قاتل في سبيل اللّه فواق ناقة قتل أو مات دخل الجنة، ومن رمى بسهم بلغ العدو أو قصر كان عدل رقبة، ومن شاب شيبة في سبيل اللّه كانت له نورا يوم القيامة، ومن كلم كلمة جاءت يوم القيامة ريحها مثل المسك ولونها مثل الزعفران". وأخرج البيهقي عن أكيدر بن حمام قال: أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: جلسنا يوما في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقلنا لفتى فينا: اذهب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاسأله ما يعدل الجهاد؟ فأتاه فسأله، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا شيء، ثم أرسلناه الثانية، فقال مثلها، ثم قلنا إنها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاث، فإن قال: لا شيء فقل: ما يقرب منه؟ فأتاه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لا شيء. فقال: ما يقرب منه يا رسول اللّه؟ قال: طيب الكلام، وإدامة الصيام، والحج كل عام، ولا يقرب منه شيء بعد". وأخرج النسائي وابن حبان والحاكم وصححه عن فضالة بن عبيد"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: أنا زعيم - والزعيم الجميل - لمن آمن بي وأسلم، وجاهد في سبيل اللّه ببيت في ربض الجنة، وبيت في وسط الجنة، وبيت في أعلى غرف الجنة، فمن فعل ذلك لم يدع للخير مطلبا، ولا من الشر مهربا، يموت حيث شاء أن يموت". وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عمران بن حصين "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: مقام الرجل في الصف في سبيل اللّه أفضل عند اللّه من عبادة الرجل ستين سنة". وأخرج أحمد والبزار عن معاذ بن جبل أنه قال: يا نبي اللّه حدثني بعمل يدخلني الجنة، قال: بخ بخ لقد سألت لعظيم، لقد سألت لعظيم، لقد سألت لعظيم، وإنه ليسير على من أراد اللّه به الخير، تؤمن باللّه، وباليوم الآخر، وتقيم الصلاة، تؤتي الزكاة، وتعبد اللّه وحده لا تشرك به شيئا حتى تموت وأنت على ذلك، ثم قال: إن شئت يا معاذ حدثتك برأس هذا الأمر، وقوام هذا الأمر وذروة السنام. فقال معاذ. بلى يا رسول اللّه. قال: إن رأس هذا الأمر أن تشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وإن قوام هذا الأمر الصلاة والزكاة، وإن ذروة السنام منه الجهاد في سبيل اللّه، إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويشهدوا أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللّه. وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده ما شجت وجه ولا اغبرت قدم في عمل يبتغى به درجات الآخرة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل اللّه، ولا ثقل ميزان عبد كدابة ينفق عليها في سبيل اللّه، أو يحمل عليها في سبيل اللّه". وأخرج الطبراني عن أبي أمامة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ذروة الإسلام الجهاد لا يناله إلا أفضلهم". وأخرج أبو داود وابن ماجة عن أبي أمامة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: من لم يغز ولم يجهز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه اللّه بقارعة قبل يوم القيامة". وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن مكحول قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من أهل بيت لا يخرج منهم غاز، أو يجهزون غازيا، أو يخلفونه في أهله، إلا أصابهم اللّه بقارعة قبل الموت". وأخرج عبد الرزاق وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن معاذ بن جبل "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من قاتل فواق ناقة فقد وجبت له الجنة، ومن سأل اللّه القتل من نفسه صادقا ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد، ومن جرح جرحا في سبيل اللّه أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها لون الزعفران، وريحها ريح المسك، ومن جرح في سبيل اللّه فإن عليه طابع الشهداء". وأخرج النسائي عن ابن عمر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم فيما يحكي عن ربه قال "أيما عبد من عبادي خرج مجاهدا في سبيل اللّه ابتغاء مرضاتي ضمنت له إن رجعته أرجعته بما أصاب من أجر أو غنيمة، وإن قبضته غفرت له". وأخرج الطبراني والبيهقي عن أبي أمامة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ما من رجل يغبر وجهه في سبيل اللّه إلا آمنه اللّه دخان النار يوم القيامة، وما من رجل تغبر قدماه في سبيل اللّه إلا أمن اللّه قدميه من النار". وأخرج أبو داود في مراسيله عن ربيع بن زياد"بينما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسير إذ هو بغلام من قريش معتزل عن الطريق يسير فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أليس ذاك فلانا؟ قالوا: بلى. قال: فادعوه، فدعوه قال: ما بالك اعتزلت الطريق؟! قال: يا رسول اللّه كرهت الغبار. قال: فلا تعتزله، فوالذي نفس محمد بيده إته لذريرة الجنة". وأخرج أبو يعلى وابن حبان والبيهقي عن جابر بن عبد اللّه"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من اغبرت قدماه في سبيل اللّه حرمه اللّه على النار". وأخرج الترمذي عن أم مالك البهزية قالت"ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتنة فقر بها قلت: من خير الناس فيها؟ قال: رجل في ماشية يؤدي حقها ويعبد ربه، ورجل أخذ برأس فرسه يخيف العدو ويخيفونه". وأخرج الترمذي وصححه والنسائي والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يلج النار رجل بكى من خشية اللّه حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل اللّه ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا". وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي أمامة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ليس شيء أحب إلى اللّه من قطرتين أو أثرين، قطرة دمع من خشية اللّه، وقطرة دم تهراق في سبيل اللّه، وأما الأثران: فأثر في سبيل اللّه، وأثر في فريضة من فرائض اللّه". وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الغزو غزوان. فإما من ابتغى به وجه اللّه، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد، فإن نومه ونبهه أجر كله. وأما من غزا فخرا، ورياء، وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنه لن يرجع بالكفاف". وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من سرية تغزو في سبيل اللّه فيسلمون ويصيبون الغنيمة إلا أن تعجلوا ثلثي أجرهم في الآخرة ويبقى لهم الثلث، وما من سرية تخفق وتخوف وتصاب إلا تم لهم أجرهم". وأخرج أبو داود عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط اللّه عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم". وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة قال "أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسرية أن تخرج، قالوا: يا رسول اللّه أنخرج الليلة أم نمكث حتى تصبح؟ قال: أفلا تحبون أن تبيتوا هكذا في خريف من خراف الجنة، والخريف الحديقة". وأخرج الطبراني عن سلمان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا رجف قلب المؤمن في سبيل اللّه تحات عنه الخطايا كما يتحات عذق النخلة". وأخرد البزار عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "حجة خير من أربعين غزوة، وغزوة خير من أربعين حجة، يقول: إذا حج الرجل حجة الإسلام فغزوة خير له من أربعين حجة، وحجة الإسلام خير من أربعين غزوة". وأخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "حجة لمن لم يحج خير من عشر غزوات، وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج، وغزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر، ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلها، والمائد فيه كالمتشحط في دمه". وأخرج البيهقي عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "لحجة أفضل من عشر غزوات، ولغزوة أفضل من عشر حجات". وأخرج أبو داود في المراسيل عن مكحول قال "كثر المستأذنون على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الحج في غزوة تبوك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"غزوة لمن قد حج أفضل من أربعين حجة". وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر قال: لسفرة في سبيل اللّه أفضل من خمسين حجة. وأخرج مسلم والترمذي والحاكم عن أبي موسى الأشعري قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف". وأخرج الترمذي وصححه عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يقول اللّه: المجاهد في سبيلي هو علي ضامن إن قبضته أورثته الجنة، وإن رجعته رجعته بأجر أو غنيمة". وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن معاذ بن جبل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "من جاهد في سبيل اللّه كان ضامنا على اللّه ومن عاد مريضا كان ضامنا على اللّه، ومن غدا إلى مسجد أو راح كان ضامنا على اللّه، ومن دخل على إمام بغزوة كان ضامنا على اللّه، ومن جلس في بيته لم يغتب إنسانا كان ضامنا على اللّه". وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد اللّه بن حبشي الخثعمي "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان لا شك فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجة مبرورة. قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل. قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر ما حرم اللّه. قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بنفسه وماله. قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: من أهرق دمه وعقر جواده". وأخرج مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة. أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من أنفق زوجين في سبيل اللّه نودي من أبواب الجنة يا عبد اللّه هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من أبواب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة. فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم". وأخرج مالك وعبد الرزاق في المصنف والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: تضمن اللّه لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلي، فهو ضامن أن أدخلته الجنة أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة، والذي نفس محمد بيده ما كلم بكلم في سبيل اللّه إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم، لونه لون دم وريحه ريح مسك، والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل اللّه أبدا، ولكن لأجد ما أحملهم عليه ولا يجدون ما يتحملون عليه فيخرجون، ويشق عليهم أن يتخلفوا بعدي، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل اللّه فأقتل، ثم أحيا فأقتل، ثم أحيا فأقتل". وأخرج ابن سعد عن سهيل بن عمر"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: مقام أحدكم في سبيل اللّه ساعة خير من عمله عمره في أهله". وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال "خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سرية من سراياه، فمر جل بغار فيه شيء من ماء، فحدث نفسه بأن يقيم في ذلك الماء فيتقوت مما كان فيه من ماء، ويصيب مما حوله من البقل، ويتخلى من الدنيا، فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة، والذي نفس محمد بيده لغدوة أو روحة في سبيل اللّه خير من الدنيا وما فيها، ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة". وأخرج أحمد عن عمرو بن العاص قال "قال رجل: يا رسول اللّه أي العمل أفضل؟ قال: إيمان باللّه، وتصديق، وجهاد في سبيله، وحج مبرور. قال الرجل: أكثرت يا رسول اللّه. فقال: فلين الكلام، وبذل الطعام، وسماح، وحسن الخلق، قال الرجل: أريد كلمة واحدة. قال له: اذهب فلا تتهم اللّه على نفسك". وأخرج أحمد عن الشفاء بنت عبد اللّه وكانت من المهاجرات "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن أفضل الإيمان، فقال: إيمان باللّه، وجهاد في سبيل اللّه، وحج مبرور". وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن الحسن قال: بني الإسلام على عشرة أركان: الإخلاص للّه وهي الفطرة، والصلاة وهي الملة، والزكاة والطهرة، والصيام وهو الجنة، والحج وهو الشريعة، والجهاد وهو العزة، والأمر بالمعروف وهو الحجة، والنهي عن المنكر وهو الواقية، والطاعة وهي العصمة، والجماعة وهي الألفة". وأخرج أحمد عن عمرو بن عبسة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من قاتل في سبيل اللّه فواق ناقة حرم اللّه وجهه على النار". وأخرج الطبراني عن أبي المنذر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من جاهد في سبيل اللّه وجبت له الجنة". وأخرج أحمد والطبراني عن عائشة قالت: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"ما خالط قلب امرئ رهج في سبيل اللّه إلا حرم اللّه عليه النار". وأخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من لقي اللّه بغير أثر من جهاد لقيه وفيه ثلمة". وأخرج الطبراني عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم اللّه بالعذاب". وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وابتغوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل اللّه، وتبايعوا بالعين، أنزل اللّه عليهم البلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والبيهقي عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لغدوة في سبيل اللّه أو روحة خير من الدنيا وما فيها". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة عن سهل بن سعد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "الروحة والغدوة في سبيل اللّه أفضل من الدنيا وما فيها". وأخرج مسلم والنسائي عن أبي أيوب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "غدوة في سبيل اللّه أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت". وأخرج البزار عن عمران بن حصين، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "غدوة في سبيل اللّه أو روحة خير من الدنيا وما فيها". وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "غدوة في سبيل اللّه أو روحة خير من الدنيا وما فيها". وأخرج أحمد من حديث معاوية بن جريج. مثله. وأخرج عبد الرزاق عن إسحق بن رافع قال: بلغني عن المقداد أن الغازي إذا خرج من بيته عدد ما خلف وراءه من أهل القبلة وأهل الذمة والبهائم، يجري عليه بعدد كل واحد منهم قيراط، قيراط كل ليلة مثل الجبل، أو قال: مثل أحد. وأخرج عبد الرزاق عن الحين قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "على النساء ما على الرجال إلا الجمعة، والجنائز، والجهاد". ٢١٧ انظر تفسير الآية: ٢١٨ ٢١٨ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في سننه بسند صحيح عن جندب بن عبد اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "أنه بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح، أو عبيدة بن الحرث، فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فجلس وبعث مكانه عبد اللّه بن جحش، وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا، وقال: لا تكرهن أحدا على السير معك من أصحابك، فلما قرأ الكتاب استرجع وقال: سمعا وطاعة للّه ولرسوله، فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان ومضى بقيتهم، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى، فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام، فأنزل اللّه {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه...} الآية. فقال بعضهم إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر، فأنزل اللّه {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمة اللّه واللّه غفور رحيم} ". وأخرج البزار عن ابن عباس في قوله {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبد اللّه بن فلان في سرية، فلقوا عمرو بن الحضرمي ببطن نخلة، فذكر الحديث. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال "إن المشركين صدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وردوه عن المسجد الحرام في شهر حرام، ففتح اللّه على نبيه في شهر حرام من العام المقبل، فعاب المشركون على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم القتال في شهر حرام، فقال اللّه {قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل اللّه وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه} من القتال فيه، وأن محمدا صلى اللّه عليه وسلم بعث سرية، فلقوا عمرو بن الحضرمي وهو مقبل من الطائف في آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب، وأن أصحاب محمد كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى، وكانت أول رجب ولم يشعروا، فقتله رجل منهم وأخذوا ما كان معه، وأن المشركين أرسلوا يعيرونه بذلك، فقال اللّه {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} وغيره أكبر منه {وصد عن سبيل اللّه وكفر به والمسجد الحرام} وإخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر من الذي أصاب أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، والشرك أشد منه". وأخرج ابن إسحق حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل فيما كان من مصاب عمرو بن الحضرمي {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} إلى آخر الآية. وأخرج ابن منده وابن عساكر من طريق عكرمة عن ابن عباس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث صفوان بن بيضاء في سرية عبد اللّه بن جحش قبل الأبواء، فغنموا وفيهم نزلت {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه...} الآية". وأخرج ابن جرير من طريق السدي "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث سرية وكانوا سبعة نفر عليهم عبد اللّه بن جحش الأسدي، وفيهم عمار بن ياسر، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان السلمي حليف لبني نوفل، أو سهيل بن بيضاء، وعامر بن فهيرة، وواقد بن عبد اللّه اليربوعي حليف لعمر بن الخطاب، وكتب مع ابن جحش كتابا أمره أن لا يقرأه حتى ينزل ملل، فلما نزل ببطن ملل فتح الكتاب، فإذا فيه أن سر حتى تنزل بطن نخلة. قال لأصحابه: من كان يريد الموت فليمض وليوص فإني موص وماض لأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فسار وتخلف عنه سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان، أضلا راحلة لهما وسار ابن جحش إلى بطن نخلة، فإذا هم بالحكم بن كيسان، وعبد اللّه بن المغيرة بن عثمان، وعمرو الحضرمي، فاقتتلوا فأسروا الحكم بن كيسان، وعبد اللّه بن المغيرة، وانقلب المغيرة وقتل عمرو الحضرمي قتله واقد بن عبد اللّه، فكانت أول غنيمة غنمها أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، فلما رجعوا إلى المدينة بالأسيرين وما غنموا من الأموال قال المشركون: محمد يزعم أنه يتبع طاعة اللّه وهو أول من استحل الشهر الحرام، فأنزل اللّه {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} لا يحل وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام حين كفرتم باللّه وصددتم عنه محمدا {والفتنة} وهي الشرك أعظم عند اللّه من القتل في الشهر الحرام، فذلك قوله {وصد عن سبيل اللّه وكفر به...} الآية". وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال "أن رجلا من بني تميم أرسله النبي صلى اللّه عليه وسلم في سرية، فمر بابن الحضرمي يحمل خمرا من الطائف إلى مكة فرماه بسهم فقتله، وكان بين قريش ومحمد فقتله في آخر يوم من جمادى الآخرة وأول يوم من رجب. فقالت قريش: في الشهر الحرام ولنا عهد؟ فأنزل اللّه {قل قتال فيه كبير...} الآية. يقول: كفر به وعبادة الأوثان أكبر من قتل ابن الحضرمي". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي مالك الغفاري قال "بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبد اللّه بن جحش، فلقي ناسا من المشركين ببطن نخلة والمسلمون يحسبون أنه آخر يوم من جمادى وهو أول يوم من رجب، فقتل المسلمون ابن الحضرمي. فقال المشركون: ألستم تزعمون أنكم تحرمون الشهر الحرام والبلد الحرام، وقد قتلتم في الشهر الحرام؟ فأنزل اللّه {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} إلى قوله {أكبر عند اللّه} من الذي استكبرتم من قتل ابن الحضرمي {والفتنة} التي أنتم عليها مقيمون يعني الشرك {أكبر من القتل}. وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق الزهري عن عروة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث سرية من المسلمين، وأمر عليهم عبد اللّه بن جحش الأسدي، فانطلقوا حتى هبطوا نخلة، فوجدوا عمرو بن الحضرمي في عير تجارة لقريش في يوم بقي من الشهر الحرام، فاختصم المسلمون فقال قائل منهم: هذه غرة من عدو وغنم رزقتموه، ولا ندري أمن الشهر الحرام هذا اليوم أم لا. وقال قائل: لا نعلم اليوم إلا من الشهر الحرام ولا نرى أن تستحلوه لطمع أشفقتم عليه، فغلب على الأمر الذين يريدون عرض الدنيا فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه وغنموا عيره. فبلغ ذلك كفار قريش وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين والمشركين، فركب وفد كفار قريش حتى قدموا على النبي صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة فقالوا: أتحل القتال في الشهر الحرام؟ فأنزل اللّه عز وجل {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل اللّه...} إلى آخر الآية. فحدثهم اللّه في كتابه: إن القتال في الشهر الحرام حرام كما كان، وإن الذين يستحلون من المؤمنين هو أكبر من ذلك، فمن صدهم عن سبيل اللّه حين يسخمونهم ويعذبونهم ويحبسونهم أن يهاجروا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكفرهم باللّه وصدهم للمسلمين عن المسجد الحرام في الحج والعمرة والصلاة فيه، وإخراجهم أهل المسجد الحرام وهم سكانه من المسلمين وفتنهم إياهم عن الدين، فبلغنا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم عقل ابن الحضرمي وحرم الشهر الحرام كما كان يحرمه، حتى أنزل اللّه عز وجل (براءة من اللّه ورسوله) (التوبة الآية ١). وأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري ومقسم قالا"لقي واقد بن عبد اللّه عمرو بن الحضرمي أول ليلة من رجب وهو يرى أنه من جمادى فقتله، فأنزل اللّه {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه...} الآية. قال الزهري: فكأن النبي صلى اللّه عليه وسلم فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام، ثم أحل بعد". وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق يزيد بن رومان عن عروة قال "بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبد اللّه بن جحش إلى نخلة فقال له: كن بها حتى تأتينا بخبر من أخبار قريش ولم يأمره بقتال وذلك في الشهر الحرام، وكتب له كتابا قبل أن يعلمه أنه يسير فقال: أخرج أنت وأصحابك حتى إذا سرت يومين فافتح كتابك وانظر فيه، فما أمرتك به فامض له ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على الذهاب معك، فلما سار يومين فتح الكتاب فإذا فيه: أن امض حتى تنزل نخلة فتأتينا من أخبار قريش بما تصل إليك منهم. فقال لأصحابه حين قرأ الكتاب: سمعا وطاعة من كان منكم له رغبة في الشهادة فلينطلق معي فإني ماض لأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ومن كره ذلك منكم فليرجع فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد نهاني أن أستكره منكم أحدا، فمضى معه القوم حتى إذا كانوا بنجران أضل سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان، بعيرا لهما كانا يتعقبانه، فتخلفا عليه يطلبانه. ومضى القوم حتى نزلوا نخلة فمر بهم عمرو بن الحضرمي، والحكم بن كيسان، وعثمان، والمغيرة بن عبد اللّه، معهم تجارة قد مروا بها من الطائف إلى مكة؟؟ أدم وزيت، فلما رآهم القوم أشرف لهم واقد بن عبد اللّه وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه حليقا قال عمار: ليس عليكم منهم بأس وائتمر القوم بهم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو آخر يوم من جمادى، فقالوا: لئن قتلتوهم إنكم لتقتلونهم في الشهر الحرام، ولئن تركتموهم ليدخلن في هذه الليلة حرم مكة فيمتنعن منكم. فأجمع القوم على قتلهم، فرمى واقد بن عبد اللّه التميمي عمرو بن الحضرمي فقتله، واستأسر عثمان بن عبد اللّه، والحكم بن كيسان، وهرب المغيرة فأعجزهم. واستاقوا العير فقدموا بها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال لهم: واللّه ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام، فأوقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الأسيرين والعير فلم يأخذ منها شيئا، فلما قال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما قد سقط في أيديهم، وظنوا أن قد هلكوا وعنفهم إخوانهم من المسلمين، وقالت قريش حين بلغهم أمر هؤلاء: قد سفك محمد الدم الحرام، وأخذ المال، وأسر الرجال، واستحل الشهر الحرام، فأنزل اللّه {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه...} الآية. فلما نزل ذلك أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم العير، وفدى الأسيرين. فقال المسلمون: يا رسول اللّه أتطمع أن يكون لنا غزوة؟ فأنزل اللّه {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمة اللّه} وكانوا ثمانية وأميرهم التاسع عبد اللّه بن جحش". وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} قال: يقول: يسألونك عن قتال فيه قال: وكذلك كان يقرؤها {عن قتال فيه}. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد اللّه ( (يسألونك عن الشهر الحرام عن قتال فيه) ) وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة. أنه كان يقرأ هذا الحرف {قتل فيه}. وأخرج عن عطاء بن ميسرة قال: أحل القتال في الشهر الحرام في براءة في قوله (فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة) (التوبة الآية ٣٦). وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري. أنه سئل عن هذه الآية فقال: هذا شيء منسوخ، ولا بأس بالقتال في الشهر الحرام. وأخرج النحاس في ناسخه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: قوله {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} أي في الشهر الحرام. قال {قتال فيه كبير} أي عظيم، فكان القتال محظورا حتى نسخه آية السيف في براءة (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة الآية ٥) فأبيح القتال في الأشهر الحرام وفي غيرها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر {والفتنة أشد من القتل} قال: الشرك. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {ولا يزالون يقاتلونكم} قال: كفار قريش. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله {أولئك يرجون رحمة اللّه} قال: هؤلاء خيار هذه الأمة، ثم جعلهم اللّه أهل رجاء. إنه من رجا طلب، ومن خاف هرب. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: هؤلاء خيار هذه الأمة، جعلهم اللّه أهل رجاء كما تسمعون. ٢١٩ أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي والضياء المقدسي في المختارة عن عمر. أنه قال: اللّهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب المال والعقل، فنزلت {يسألونك عن الخمر والميسر} التي في سورة البقرة، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللّهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي سورة النساء (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) (النساء الآية ٤٣) فكان منادي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى أن لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللّهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ (فهل لأنتم منتهون) (المائدة الآية ٩١) قال عمر: انتهينا انتهينا.وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال: كنا نشرب الخمر، فأنزلت {يسألونك عن الخمر والميسر...} الآية. فقلنا: نشرب منها ما ينفعنا. فأنزلت في المائدة (إنما الخمر والميسر) (المائدة الآية ٩٠). الآية. فقالوا: اللّهم قد انتهينا. وأخرج الخطيب في تاريخه عن عائشة قال "لمأنزلت سورة البقرة، نزل فيها تحريم الخمر فنهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك". وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال: إنما سميت الخمر لأنها صفاء صفوها وسفل كدرها. وأخرج أبو عبيد والبخاري في الأدب المفرد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: الميسر القمار. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الميسر القمار، وإنما سمي الميسر لقولهم أيسر جزورا، كقولك ضع كذا وكذا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله {يسألونك عن الخمر والميسر} قال: الميسر القمار، كان الرجل في الجاهلية يخاطر عن أهله وماله، فأيهما قهر صاحبه ذهب بأهله وماله. وفي قوله {قل فيهما إثم كبير} يعني ما ينقص من الدين عند شربها {ومنافع للناس} يقول: فيما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها {وإثمهما أكبر من نفعهما} يقول: ما يذهب من الدين والإثم فيه أكبر مما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها، فأنزل اللّه بعد ذلك (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى...) (النساء الآية ٤٣) الآية. فكانوا لا يشربونها عند الصلاة فإذا صلوا العشاء شربوها، فما يأتي الظهر حتى يذهب عنهم السكر، ثم إن ناسا من المسلمين شربوها فقاتل بعضهم بعضا، وتكلموا بما لا يرضي اللّه من القول. فأنزل اللّه (إنما الخمر والميسر والأنصاب) (المائدة الآية ٩٠) الآية. فحرم الخمر ونهى عنها. وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله {يسألونك عن الخمر...} الآية. قال: نسخها (إنما الخمر والميسر...) (المائده الآيه ٩٠) الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {قل فيهما إثم كبير} قال: هذا أول ما عيبت به الخمر {ومنافع للناس} قال: ثمنها وما يصيبون من السرور. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} قال: منافعهما قبل التحريم، وإثمهما بعدما حرما. وأما قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}. أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس "أن نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل اللّه أتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا، فما ننفق منها؟ فأنزل اللّه {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} وكان قبل ذلك ينفق ماله حتى لا يجد ما يتصدق به، ولا ما لا يأكل حتى يتصدق عليه". وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبان عن يحيى "أنه بلغه أن معاذ بن جبل، وثعلبة، أتيا رسول اللّه فقالا: يا رسول اللّه إن لنا أرقاء وأهلين، فما ننفق من أموالنا؟ فأنزل اللّه {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: هو ما لا يتبين في أموالكم، وكان هذا قبل أن تفرض الصدقة. وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: ما يفضل عن أهلك، وفي لفظ قال: الفضل من العيال. وأخرج ابن المنذر عن عطاء بن دينار الهذلي. أن عبد الملك بن مروان كتب إلى سعيد بن جبير يسأله عن العفو. فقال: العفو على ثلاثة أنحاء. نحو تجاوز عن الذنب، ونحو في القصد في النفقة {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}، ونحو في الإحسان فيما بين الناس (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) (البقرة الآية ٢٣٧). وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله {قل العفو} قال: ذلك أن لا تجد مالك ثم تقعد تسأل الناس. وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في قوله {قل العفو} قال: الفضل. وأخرج عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن طاوس قال: العفو اليسر من كل شيء، قال: وكان مجاهد يقول {العفو} الصدقة المفروضة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {قل العفو} قال: لم تفرض فيه فريضة معلومة، ثم قال (خذ العفو وأمر بالعرف) (الأعراف الآية ١٩٩) ثم نزلت الفرائض بعد ذلك مسماة. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {قل العفو} قال: هذا نسخته الزكاة. وأخرج البخاري والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أفضل الصدقة ما ترك غني، واليد العليا خير من اليد السفلى، وأبدأ بمن تعول تقول المرأة: إما أن تطعمني وأما أن تطلقني، ويقول العبد، أطعمني واستعملني، ويقول الابن: اطعمني إلى من تدعني". وأخرج ابن خزيمة عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "خير الصدقة ما أبقت غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وأبدأ بمن تعول تقول المرأة: أنفق علي أو طلقني، ويقول مملوكك: أنفق علي أو بعني. ويقول ولدك: إلى من تكلني". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وأبدا بمن تعول". وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالصدقة فقال رجل: يا رسول اللّه عندي دينار. قال: تصدق به على نفسك. قال: عندي آخر؟ قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر. قال: تصدق به على زوجتك. قال: عندي آخر. قال: تصدق به على خادمك. قال: عندي آخر. قال: أنت أبصر". وأخرج ابن سعد وأبو داود والحاكم وصححه عن جابر بن عبد اللّه قال "كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ جاء رجل، وفي لفظ: قدم أبو حصين السلمي بمثل بيضة من الحمامة من ذهب فقال: يا رسول اللّه أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم أتاه من خلفه، فأخذها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته. فقال: يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وأبدا بمن تعول". وأخرج البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "اليد العليا خير من اليد السفلى، وأبدأ بمن تعول وخير الصدقة ما كان على ظهر غنى، ومن يستعف يعفه اللّه، ومن يستغن يغنه اللّه". وأخرج مسلم والنسائي عن جابر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لرجل: أبدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا". وأخرج أبو يعلى والحاكم وصححه عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الأيدي ثلاث. فيد اللّه العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة، فاستعفف عن السؤال وعن المسألة ما استطعت، فإن أعطيت خيرا فلير عليك، وأبدأ بمن تعول، وارضخ من الفضل، ولا تلام على الكفاف". وأخرج أبو داود وابن حبان والحاكم عن مالك بن نضلة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الأيدي ثلاث. فيد اللّه العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى، فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك". وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال "دخل رجل المسجد، فأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم الناس أن يطرحوا أثوابا فطرحوا فأمر له منها بثوبين، ثم حث على الصدقة فجاء فطرح أحد الثوبين، فصاح به وقال: خذ ثوبك". وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت". وأخرج البزار عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اليد العليا خير من اليد السفلى، وأبدأ بمن تعول". وأخرج أحمد ومسلم والترمذي عن أبي أمامة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: يا ابن آدم إنك إن تبدل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وأبدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى". وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن عبد الرحمن بن عوف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "يا ابن عوف إنك من الأغنياء ولن تدخل الجنة إلا زحفا، فأقرض اللّه يطلق لك قدميك. قال: وما الذي أقرض يا رسول اللّه؟ قال: تبرأ مما أمسيت فيه. قال: أمن كله أجمع يا رسول اللّه؟ قال: نعم. فخرج وهو يهم بذلك، فأتاه جبريل فقال: مر ابن عوف فليضف الضيف، وليطعم المساكين، وليعط السائل، وليبدأ بمن يعول، فإنه إذا فعل ذلك كان تزكية مما هو فيه". وأخرج البيهقي في الشعب عن ركب المصري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "طوبى لمن تواضع من غير منقصة، وذل في نفسه من غير مسكنة، وأنفق مالا جمعه في غير معصية، ورحم أهل الذلة والمسكنة، وخالط أهل العفة والحكمة، طوبى لمن ذل في نفسه، وطاب كسبه، وصلحت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن الناس شره، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله". وأخرج البزار عن أبي ذر قال: قلت يا رسول اللّه"ما تقول في الصلاة؟ قال: تمام العمل. قلت: يا رسول اللّه أسألك عن الصدقة؟ قال: شيء عجيب، قلت: يا رسول اللّه تركت أفضل عمل في نفسي أو خيره قال: ما هو؟ قلت: الصوم. قال: خير وليس هناك. قلت: يا رسول اللّه وأي الصدقة؟ قال: تمرة. قلت: فإن لم أفعل؟ قال: بكلمة طيبة. قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تريد أن لا تدع فيك من الخير شيئا". وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة من طريق أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أفضل دينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل اللّه، قال أبو قلابة: وبدأ بالعيال، ثم قال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم أو ينفعهم اللّه به ويعينهم؟ ". وأخرج مسلم والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "دينار أنفقته في سبيل اللّه، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك". وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن كدير الضبي قال: "أتى أعرابي على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: نبئني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار. قال: تقول العدل، وتعطي الفضل، قال: هذا شديد لا أستطيع أن أقول العدل كل ساعة، ولا أن أعطي فضل مالي. قال: فأطعم الطعام، وأفش السلام، قال: هذا شديد واللّه! قال: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: انظر بعيرا من إبلك وسقاء فاسق أهل بيت لا يشربون إلا غبا فلعلك أن لا يهلك بعيرك، ولا ينخرق سقاؤك، حتى تجب لك الجنة. قال: فانطلق يكبر، ثم إنه استشهد بعد. وأخرج ابن سعد عن طارق بن عبد اللّه قال: "أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يخطب، فسمعت من قوله: تصدقوا فإن الصدقة خير لكم، واليد العليا خير من اليد السفلى، وأبدأ بمن تعول، أمك وأباك وأختك وأخاك، ثم أدناك فأدناك". وأخرج مسلم عن خيثمة قال: كنا جلوسا مع عبد اللّه بن عمرو إذ جاءه قهرمان له، فدخل فقال: أعطيت الرقيق قوتهم؟ قال: لا. قال: فأنطلق فأعطهم، وقال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته". أما قوله تعالى: {كذلك يبين اللّه لكم الآيات} الآية أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله {كذلك يبين اللّه لكم الآيات لعلكم تتفكرون} في الدنيا والآخرة، يعني في زوال الدنيا وفنائها، وإقبال الآخرة وبقائها. وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله {لعلكم تتفكرون} في الدنيا والآخرة. قال: لتعلموا فضل الآخرة على الدنيا. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الصعق بن حزن التميمي قال: شهدت الحسن وقرأ هذه الآية من البقرة {لعلكم تتفكرون} في الدنيا والآخرة. قال: هي واللّه لمن تفكرها، ليعلمن أن الدنيا دار بلاء، ثم دار فناء، وليعلمن أن الآخرة دار جزاء، ثم دار بقاء. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: من تفكر في الدنيا عرف فضل إحداهما على الأخرى، عرف أن الدنيا دار بلاء، ثم دار فناء، وأن الآخرة دار بقاء، ثم دار جزاء، فكونوا ممن يصرم حاجة الدنيا لحاجة الآخرة. ٢٢٠ أخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال "لما أنزل اللّه (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) (الإسراء الآية ٣٤) و (إن الذين يأكلون أموال اليتامى) (النساء الآية ١٠) الآيتين انطلق من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيجلس له حتى يأكله أو يفسد فيرمى به، فاشتد عليهم فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم} فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم". وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: لما نزل في اليتيم ما نزل اجتنبهم الناس فلم يؤاكلوهم ولم يشاربوهم ولم يخالطوهم، فأنزل اللّه {ويسألونك عن اليتامى...} الآية. فخالطهم الناس في الطعام وفيما سوى ذلك. وأخرج عبد بن حميد وابن الأنبياري والنحاس عن قتادة في قوله {ويسألونك عن اليتامى...} الآية. قال: كان أنزل قبل ذلك في سورة بني إسرائيل (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) (الإسراء الآية ٣٤) فكانوا لا يخالطونهم في مطعم ولا غيره، فاشتد ذلك عليهم، فأنزل اللّه الرخصة {وإن تخالطوهم فإخوانكم}. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: لمأنزلت (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما...) (النساء الاية ١٠) الآية. أمسك الناس ولم يخالطوا الأيتام في الطعام والأموال حتى نزلت {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير} الآية. وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال "كان أهل البيت يكون عندهم الأيتام في حجورهم، فيكون لليتيم الصرمة من الغنم ويكون الخادم لأهل البيت، فيبعثون خادمهم فيرعى غنم الأيتام، أو يكون لأهل اليتيم الصرمة من الغنم ويكون الخادم للأيتام، فيبعثون خادم الأيتام فيرعى غنهم، فإذا كان الرسل وضعوا أيديهم جميعا أو يكون الطعام للأيتام ويكون الخادم لأهل البيت، فيأمرون خادمهم فيصنع الطعام ويكون الطعام لأهل البيت، ويكون الخادم للأيتام فيأمرون خادم الأيتام أن يصنع الطعام فيضعون أيديهم جميعا، فلما نزلت هذه الآية (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما...) (النساء الآية ١٠) الآية. قالوا: هذه موجبة فاعتزلوهم وفرقوا ما كان من خلطتهم، فشق عليهم ذلك، فشكوا ذلك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: إن الغنم قد بقيت ليس لها راع، والطعام ليس له من يصنعه. فقال: قد سمع اللّه قولكم فإن شاء أجابكم. فنزلت هذه الآية {ويسألونك عن اليتامى} ونزل أيضا (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى...) (النساء الآية ٣) الآية. فقصروا على أربع فقال: كما خشيتم أن لا تقسطوا في اليتامى وتحرجتم من مخالطتهم حتى سألتم عنها، فهلا سألتم عن العدل في جمع النساء". وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وإن تخالطوهم} قال: المخالطة أن يشرب من لبنك وتشرب من لبنه، ويأكل في قصعتك وتأكل في قصعته وتأكل من ثمرته {واللّه يعلم المفسد من المصلح} قال: يعلم من يتعمد أكل مال اليتيم ومن يتحرج منه ولا يألو عن إصلاحه {ولو شاء لأعنتكم} يقول: لو شاء ما أحل لكم ما أصبتم مما لا تتعمدون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: إن اللّه لما أنزل {إن الذين يأكلوا أموال اليتامى ظلما...} الآية. كره المسلمون أن يضمنوا اليتامى وتحرجوا أن يخالطوهم في شيء، فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه {قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح ولو شاء اللّه لأعنتكم} يقول: لأحرجكم وضيق عليكم، ولكنه وسع ويسر. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ {وإن تخالطوهم فإخوانكم في الدين}. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {واللّه يعلم المفسد من المصلح} قال: اللّه يعلم حين تخلط مالك بماله أتريد أن تصلح ماله أو تفسده فتأكله بغير حق. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولو شاء لأعنتكم} قال: لو شاء اللّه لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {ولو شاء اللّه لأعنتكم} قال: لو شاء اللّه لأعنتكم فلم تؤدوا فريضة، ولم تقوموا بحق. وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن الأسود قال: قالت عائشة: اخلط طعامه بطعامي وشرابه بشرابي، فإني أكره أن يكون مال اليتيم عندي كالعيرة. ٢٢١ أخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن مقاتل بن حبان قال " نزلت هذ الآية في أبي مرثد الغنوي، استأذن النبي صلى اللّه عليه وسلم في عناق أن يتزوجها وكانت ذا حظ من جمال، وهي مشركة وأبو مرثد يؤمئذ مسلم. فقال: يا رسول اللّه إنها تعجبني. فأنزل اللّه {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم}. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: استثنى اللّه من ذلك نساء أهل الكتاب، فقال (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) (المائدة الآية ٥). وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس في قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: نسخ من ذلك نكاح نساء أهل الكتاب أحلهن للمسلمين وحرم المسلمات على رجالهم. وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: نسخت وأحل من المشركات نساء أهل الكتاب. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية {ولا تنكحوا المشركات} فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) (المائدة الآية ٥) فنكح الناس نساء أهل الكتاب. وأخرج وكيع وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن سعيد بن جبير في قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: يعني أهل الأوثان. وأخرج آدم وعبد بن حميد والبيهقي عن مجاهد {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: نساء أهل مكة من المشركين، ثم أحل منهم نساء أهل الكتاب. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: مشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب. وأخرج عبد بن حميد عن حماد قال: سألت إبراهيم عن تزويج اليهودية والنصرانية، فقال: لا بأس به. فقلت: أليس اللّه يقول {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}؟ قال: إنما ذاك المجوسيات وأهل الأوثان. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والبيهقي عن شقيق قال: تزوج حذيفة بيهودية فكتب إليه عمر أن خل سبيلها، فكتب إليه أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كره نكاح نساء أهل الكتاب، وتأول {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}. وأخرج البخاري والنحاس في ناسخه عن نافع عن عبد اللّه بن عمر كان إذا سأل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال: حرم اللّه المشركات على المسلمين، ولا أعرف شيئا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة: ربها عيسى أو عبد من عباد اللّه. وأما قوله تعالى: {ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم} أخرج الواحدي وابن عباس من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس في هذه الآية {ولأمة مؤمنة خير من مشركة} قال " نزلت في عبد اللّه بن رواحة وكانت له أمة سوداء وأنه غضب عليها فلطمها، ثم إنه فزع فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره خبرها. فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: ما هي يا عبد اللّه؟ قال: تصوم، وتصلي، وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك رسوله. فقال: يا عبد اللّه هذه مؤمنة. فقال عبد اللّه: فوالذي بعثك بالحق لأعتقها ولأتزوجها ففعل، فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا: نكح أمة، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم، فأنزل اللّه {ولأمة مؤمنة خير من مشركة} ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي مثله سواء معضلا. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله {ولأمة مؤمنة} قال: بلغنا أنها كانت أمة الحذيفة سوداء، فأعتقها وتزوجها حذيفة. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد في مسنده وابن ماجة والبيهقي في سننه عن عبد اللّه بن عمرو عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لا تنكحوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، وانكحوهن على الدين، فلأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي في سننه عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك". وأخرج مسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن جابر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له: إن المرأة تنكح على دينها، ومالها، وجمالها، فعليك بذات الدين تربت يداك". وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "تنكح المرأة على إحدى خصال: لجمالها، ومالها، ودينها، فعليك بذات الدين والخلق تربت يمينك". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من تزوج امرأة لعزها لم يزده اللّه إلا ذلا، ومن تزوجها لمالها لم يزده اللّه إلا فقرا، ومن تزوجها لحسبها لم يزده اللّه إلا دناءة، ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه بارك اللّه له فيها وبارك لها فيه". وأخرج البزار عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "عودوا المريض، واتبعوا الجنازة، ولا عليكم أن تأتوا العرس، ولا عليكم أن لا تنكحوا المرأة من أجل حسنها فعل أن لا يأتي بخير، ولا عليكم أن لا تنكحوا المرأة لكثرة مالها فعل مالها أن لا يأتي بخير، ولكن ذوات الدين والأمانة". وأما قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} أخرج ابن جرير عن أبي جعفر محمد بن علي قال: النكاح بولي في كتاب اللّه، ثم قرأ {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا}. وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي موسى "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: لا نكاح إلا بولي". وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن عائشة وابن عباس قالا: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا نكاح إلا بولي، وفي حديث عائشة: والسلطان ولي من لا ولي له". وأخرج الشافعي وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثا، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها، وإن استجرأوا فالسلطان ولي من لا ولي له". وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها". وأخرج البيهقي عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل". وأخرج البيهقي عن عمران بن حصين قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يجوز نكاح إلا بولي وشاهدي عدل". وأخرج مالك والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها، أو ذي الرأي من أهلها، أو السلطان. وأخرج الشافعي والبيهقي عن ابن عباس قال: لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل. وأما قوله تعالى: {ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم} أخرج البخاري وابن ماجة عن سهل بن سعد قال "مر رجل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال لا يسمع. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا". وأخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". وأخرج الترمذي والبيهقي في سننه عن أبي حاتم المزني قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. قالوا: يا رسول اللّه وإن كان فيه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه ثلاث مرات". وأخرج الحاكم وصححه عن معاذ الجهني "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من أعطى للّه، ومنع للّه، وأحب للّه، وأبغض للّه، فقد استكمل إيمانه". ٢٢٢ أخرج أحمد وعبد بن حميد والدارمي ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن حبان والبيهقي في سننه عن أنس "أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، ولم يجامعوها في البيوت. فسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك، فأنزل اللّه {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض...} الآية. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء إلا النكاح. فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير، وعباد بن بشر، فقالا: يا رسول اللّه إن اليهود قالت كذا وكذا أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأرسل في أثرهما فسقاهما، فعرفا أنه لم يجد عليهما". وأخرج النسائي والبزار واللفظ له عن جابر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في قوله تعالى {ويسألونك عن المحيض} قال "أن اليهود قالوا: من أتى المرأة من دبرها كان ولده أحول، وكان نساء الأنصار لا يدعن أزواجهن يأتونهن من أدبارهن، فجاؤوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسألوه عن إتيان الرجل امرأته وهي حائض؟ فأنزل اللّه {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن} بالإغتسال {فأتوهن من حيث أمركم اللّه}. (نساؤكم حرث لكم) إنما الحرث موضع الولد". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس. أن القرآن نزل في شأن الحائض، والمسلمون يخرجونهن من بيوتهن كفعل العجم، فاستفتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ذلك، فأنزل اللّه {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} فظن المؤمنون أن الإعتزال كما كانوا يفعلون بخروجهن من بيوتهن حتى قرأ آخر الآية ففهم المؤمنون ما الإعتزال، إذ قال اللّه {ولا تقربوهن حتى يطهرن}. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {ويسألونك عن المحيض} قال: الذي سأل عن ذلك ثابت بن الدحداح. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله {ويسألونك عن المحيض} قال: أنزل في ثابت بن الدحداح. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: كان أهل الجاهلية لا تساكنهم حائض في بيت ولم يؤاكلوهم في إناء، فأنزل اللّه الآية في ذلك، فحرم فرجها ما دامت حائضا، وأحل ما سوى ذلك. وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لها وقد حاضت: "إن هذا أمر كتبه اللّه على بنات آدم". وأخرج عبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور ومسدد في مسنده عن ابن مسعود قال: كان نساء بني إسرائيل يصلين مع الرجال في الصف، فاتخذن قوالب يتطاولن بها لتنظر إحداها إلى صديقها، فألقى اللّه عليهن الحيض ومنعهن المساجد، وفي لفظ: فألقى عليهن الحيض فأخرن قال ابن مسعود: فأخروهن من حيث أخرهن اللّه. وأخرج عبد الرزاق عن عائشة قالت: كان نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلا من خشب يتشوفن للرجال في المساجد، فحرم اللّه عليهن المساجد وسلطت عليهن الحيضة. وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن يزيد بن بابنوس قال: قلت لعائشة: ما تقولين في العراك؟ قالت الحيض تعنون؟ قلنا: نعم. قالت: سموه كما سماه اللّه. وأخرج الطبراني والداقطني عن أبي أمامة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "أقل الحيض ثلاث، وأكثره عشر". وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الحائض تنتظر ما بينها وبين عشر، فإن رأت الطهر فهي طاهرة، وإن جاوزت العشر فهي مستحاضة". وأخرج أبو يعلى والدارقطني عن أنس بن مالك قال:: لتنتظر الحائض خمسا، سبعا، ثمانيا، تسعا، عشرا، فإذا مضت العشر فهي مستحاضة. وأخرج الدارقطني عن أنس قال: الحيض ثلاث وأربع وخمس وست وسبع وثمان وتسع وعشر. وأخرج الدارقطني عن ابن مسعود قال: الحيض ثلاث وأربع وخمس وست وسبع وثمان وتسع وعشر، فإن زاد فهي استحاضة. وأخرج الدارقطني عن أنس قال: أدنى الحيض ثلاث وأقصاه عشر. وأخرج الدارقطني عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "أقل الحيض ثلاث وأكثره عشرة أيام". وأخرج الدارقطني عن أنس قال: لا يكون الحيض أكثر من عشرة. وأخرج الدارقطني عن عطاء بن أبي رباح قال: أدنى وقت الحائض يوم. وأخرج الدارقطني عن عطاء قال: أكثر الحيض خمسة عشر. وأخرج الدارقطني عن شريك، وحسين بن صالح قال: أكثر الحيض خمسة عشر. وأخرج الطبراني عن شريك قال: عندنا امرأة تحيض خمسة عشر من الشهر حيضا مستقيما صحيحا. وأخرج الدارقطني عن الأوزاعي قال: عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية. وأما قوله تعالى: {قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض}. أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {قل هو أذى} قال: الأذى الدم. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله {قل هو أذى} قال: هو قذر. وأخرج ابن المنذر عن أبي إسحق الطالقاني عن محمد بن حمير عن فلان بن السرى "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: اتقوا النساء في المحيض فإن الجذام يكون من أولاد الحيض". وأخرج أبو العباس السراج في مسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أتى امرأته وهي حائض، فجاءه ولد أجذم فلا يلومن إلا نفسه". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله {فاعتزلوا النساء} يقول: اعتزلوا نكاح فروجهن. وأخرج أبو داود والبيهقي عن بعض أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا ثم صنع ما أراد". وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والنحاس في ناسخه والبيهقي عن عائشة أنها سئلت ما للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقالت: كل شيء إلا فرجها. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن عائشة قالت"كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها. قالت: وأيكم يملك أربه كما كان رسول اللّه يملك إربه؟ ". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والبيهقي عن ميمونة قالت"كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي عن ميمونة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض، إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين محتجزة به". وأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي عن عائشة قالت"كنت أنا ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه لم يعده، وإن أصاب ثوبه مني شيء غسل مكانه لم يعده وصلى فيه". وأخرج أبو داود عن عمارة بن غراب "أن عمة له حدثته أنها سألت عائشة قالت: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد؟ قالت: أخبرك ما صنع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، دخل فمضى إلى مسجده فلم ينصرف حتى غلبتني عيني وأوجعه البرد، فقال: ادني مني. فقلت: إني حائض. فقال: وأن اكشفي عن فخذيك، فكشفت عن فخذي، فوضع خده وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفئ ونام". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة قالت"كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا حضت يأمرني أن أتزر ثم يباشرني".وأخرج مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن "أن عائشة رضي اللّه عنها كانت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مضطجعة في ثوب واحد، وأنها وثبت وثبة شديدة فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: مالك لعلك نفست - يعني الحيضة - ؟ قالت: نعم. فقال: شدي عليك إزارك ثم عودي إلى مضجعك". وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أم سلمة قالت"بينا أنا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم مضطجعة في خميصة إذ حضت، فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال: أنفست؟ قلت: نعم. فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة". وأخرج ابن ماجة عن أم سلمة قالت"كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في لحافه فوجدت ما تجد النساء من الحيضة، فانسللت من اللحاف فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أنفست؟ قلت: وجدت ما تجد النساء من الحيضة. قال: ذاك ما كتب على بنات آدم. قالت: فانسللت فأصلحت من شأني ثم رجعت، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: تعالي فادخلي معي في اللحاف. قالت: فدخلت معه". وأخرج ابن ماجة عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل أم حبيبة: كيف كنت تصنعين مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الحيض؟ قالت: كانت إحدانا في فورها أول ما تحيض تشد عليها إزار إلى أنصاف فخذيها، ثم تضطجع مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج أبو داود وابن ماجة عن عبد اللّه بن سعد الأنصاري "أنه سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال: لك ما فوق الإزار." وأخرج الترمذي وصححه عن عبد اللّه بن سعد قال "سألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن مؤاكلة الحائض؟ فقال: واكلها". وأخرج أحمد وأبو داود عن معاذ بن جبل قال "سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال: ما فوق الإزار، والتعفف عن ذلك أفضل". وأخرج مالك والبيهقي عن زيد بن أسلم "أن رجلا سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: ماذا يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لتشد عليها إزارها، ثم شأنك بأعلاها". وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن نافع عن عبد اللّه بن عمر أرسل إلى عائشة يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض؟ فقالت: لتشد إزارها على أسفلها، ثم ليباشرها إن شاء. وأخرج البيهقي عن عائشة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم سئل ما يحل للرجل من المرأة الحائض؟ قال: ما فوق الإزار". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى عن عمر قال "سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال: ما فوق الإزار". وأخرج الطبراني عن ابن عباس "أن رجلا قال: يا رسول اللّه ما لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: تشد إزارها ثم شأنك بها". وأخرج الطبراني عن عبادة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال: ما فوق الإزار، وما تحت الأزرار منها حرام". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أم سلمة قالت"كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتقي سورة الدم ثلاثا، ثم يباشر بعد ذلك". وأخرج ابن جرير عن مسروق قال: قلت لعائشة: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضا؟ قال: كل شيء إلا الجماع. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: لا بأس أن يلعب على بطنها وبين فخذيها. أما قوله تعالى {ولا تقربوهن حتى يطهرن}. أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله {ولا تقربوهن حتى يطهرن} قال: من الدم. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والنحاس عن مجاهد في قوله {ولا تقربوهن حتى يطهرن} قال: حتى ينقطع الدم. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في سننه عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى اللّه عليه وسلم". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: "يتصدق بدينار أو بنصف دينار". وأخرج أبو داود والحاكم عن ابن عباس قال: إذا أصابها في الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار. وأخرج الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إذا كان دما أحمر فدينار، وإذا كان دما أصفر فنصف دينار". وأخرج أبو داود عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "أمره أن يتصدق بخمسي دينار". وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال "جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه أصبت امرأتي وهي حائض، فأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يعتق نسمة، وقيمة النسمة يومئذ دينار". أما قوله تعالى: {فإذا تطهرن}. أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي عن ابن عباس في قوله {فإذا تطهرن} قال: بالماء. وأخرج سفيان بن عينية وعبد الرزاق في المصنف وابن جرير وابن المنذر والنحاس عن مجاهد في قوله {فإذا تطهرن} قال: إذا اغتسلن، ولا تحل لزوجها حتى تغتسل. وأخرج ابن جرير عن عكرمة. مثله. وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن طاوس ومجاهد قالا: إذا طهرت أمرها بالوضوء، وأصاب منها. وأخرج ابن المنذر من وجه آخر عن مجاهد وعطاء قالا: إذا رأت الطهر فلا بأس ان تستطيب بالماء، ويأتيها قبل أن تغتسل. وأخرج البيهقي في سننه عن أبي هريرة قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول اللّه إنا نكون بالرمل أربعة أشهر فيكون فينا النفساء والحائض والجنب، فما ترى؟ قال: "عليكم بالصعيد". وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن عائشة "أن امرأة سألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فأمرها كيف أن تغتسل قال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها. قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: تطهري بها. قال: كيف؟ قال: سبحان اللّه! تطهري بها. فاجتذبها فقلت: تتبعي أثر الدم". أما قوله تعالى: {فأتوهن من حيث أمركم اللّه}. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {فأتوهن من حيث أمركم اللّه} قال: يعني أن يأتيها طاهرا غير حائض. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {فأتوهن من حيث أمركم اللّه} قال: طواهر غير حيض. وأخرج الدارمي وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {فأتوهن من حيث أمركم اللّه} قال: من حيث أمركم أن تعتزلوهن. وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة. مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس {فأتوهن من حيث أمركم اللّه} يقول: في الفرج ولا تعدوه إلى غيره. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن مجاهد {فأتوهن من حيث أمركم اللّه} قال: حيث نهاكم اللّه أن تأتوهن وهن حيض، يعني من قبل الفرج. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي رزين {فأتوهن من حيث أمركم اللّه} قال: من قبل الطهر، ولا تأتوهن من قبل الحيض. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الحنفية {فأتوهن من حيث أمركم اللّه} قال: من قبل التزويج، من قبل الحلال. وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن مجاهد {فأتوهن من حيث أمركم اللّه} قال: من حيث خرج الدم، فإن لم يأتها من حيث أمر فليس من التوابين ولا من المتطهرين. أما قوله تعالى: {إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين} أخرج وكيع وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطاء في قوله {إن اللّه يحب التوابين} من الذنوب {ويحب المتطهرين} قال: بالماء. وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله {إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين} قال: التوبة من الذنوب، والتطهر من الشرك. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: من أتى امرأته في دبرها فليس من المتطهرين. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي العالية: أن رأى رجلا يتوضأ، فلما فرغ قال: اللّهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. قال: إن الطهور بالماء حسن، ولكنهم المتطهرون من الذنوب. وأخرج الترمذي عن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، اللّهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء". وأخرج ابن أبيب شيبة عن علي بن أبي طالب. أنه كان إذا فرغ من وضوئه قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، رب اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك قال: كان حذيفة إذا تطهر قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللّهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. وأخرج القشيري في الرسالة وابن النجار عن أنس"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا أحب اللّه عبده لم يضره ذنب، ثم تلا {إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين} قيل: يا رسول اللّه وما علامة التوبة؟ قال: الندامة". وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن الشعبي قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ثم قرأ {إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين}. وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون". وأخرج أحمد في الزهد عن قتادة قال: أوحى اللّه إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن كان بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عباس. أنه قيل له أصب الماء على رأسي وأنا محرم؟ قال: لا بأس {إن اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين}. ٢٢٣ أخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها ثم حملت جاء الولد أحول. فنزلت {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} إن محنية، وإن شاء غير محنية غير أن ذلك في صمام واحد. وأخرج سعيد بن منصور والدارمي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن جابر. أن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأته وهي مدبرة جاء الولد أحول. فأنزل اللّه {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج". وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير عن مرة الهمذلني "أن بعض اليهود لقي بعض المسلمين فقال له: تأتون النساء وراءهن كأنه كره الأبراك، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت {نساؤكم حرث لكم...} الآية. فرخص اللّه للمسلمين أن يأتوا النساء في الفروج كيف شاؤوا وأنى شاؤوا، من بين أيديهن ومن خلفهن". وأخرج ابن أبي شيبة عن مرة قال: كانت اليهود يسخرون من المسلمين في إتيانهم النساء، فأنزل اللّه {نساؤكم حرث لكم...} الآية. وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد اللّه قال: كانت الأنصار تأتي نساءها مضاجعة، وكانت قريش تشرح شرحا كثيرا، فتزوج رجل من قريش امرأة من الأنصار، فأراد أن يأتيها فقالت: لا، إلا كما يفعل. فأخبر بذلك رسول اللّه، فأنزل {فأتوا حرثكم أنى شئتم} أي قائما، وقاعدا، ومضطجعا، بعد أن يكون في صمام واحد. وأخرج ابن جرير من طريق سعيد بن أبي هلال "أن عبد اللّه بن علي حدثه: أنه بلغه أن ناسا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم جلسوا يوما ورجل من اليهود قريب منهم، فجعل بعضهم يقول: إني لآتي امرأتي وهي مضطجعة. ويقول الآخر: إني لآتيها وهي قائمة، ويقول الآخر: إني لآتيها وهي باركة. فقال اليهودي: ما أنتم إلا أمثال البهائم، ولكنا إنما نأتيها على هيئة واحدة. فأنزل اللّه {نساؤكم حرث لكم...} الآية". وأخرج وكيع وابن أبي شيبة والدارمي عن الحسن قال: كانت اليهود لا يألون ما شدد على المسلمين، كانوا يقولون: يا أصحاب محمد إنه - واللّه - ما يحل لكم أن تأتوا نساءكم إلا من وجه واحد، فأنزل اللّه {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فخلى اللّه بين المؤمنين وبين حاجتهم. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن. أن اليهود كانوا قوما حسدا فقالوا: يا أصحاب محمد إنه - واللّه - ما لكم أن تأتوا النساء إلا من وجه واحد، فكذبهم اللّه، فأنزل اللّه {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فخلى بين الرجال وبين نسائهم يتفكه الرجل من امرأته، يأتيها إن شاء من قبلها وإن شاء من قبل دبرها، غير أن المسلك واحد. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: قالت اليهود للمسلمين: إنكم تأتون نساءكم كما تأتي البهائم بعضها بعضا يبركوهن، فأنزل اللّه {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} ولا بأس أن يغشى الرجل المرأة كيف شاء إذا أتاها في الفرج. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: ذلك أن اليهود عرضوا بالمؤمنين في نسائهم وعيروهم، فأنزل اللّه في ذلك وأكذب اليهود، وخلى بين المؤمنين وبين حوائجهم في نسائهم. وأخرج ابن عساكر من طريق محمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان قال: كان عبد اللّه بن عمر يحدثنا: أن النساء كن يؤتين في أقبالهن وهي موليات. فقالت اليهود: من جاء امرأته وهي مولية جاء ولده أحول. فأنزل اللّه {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب من طريق صفية بنت شيبة عن أم سلمة قالت"لما قدم المهاجرون المدينة أرادوا أن يأتوا النساء من أدبارهن في فروجهن فأنكرن ذلك، فجئن أم سلمة فذكرن ذلك لها، فسألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك فقال {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} صماما واحدا". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد الدارمي وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عبد الرحمن بن سابط قال "سألت حفصة بنت عبد الرحمن فقلت لها: إني أريد أن أسألك عن شيء، وأنا أستحي أن أسألك عنه. قالت: سل ابن أخي عما بدا لك. قال: أسألك عن إتيان النساء في أدبارهن؟ فقالت: حدثتني أم سلمة قالت: كانت الأنصار لا تجبي، وكانت المهاجرون تجبي، وكانت اليهود تقول: إنه من جبى امرأته كان الولد أحول، فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصاء فجبوهن، فأبت امرأة أن تطيع زوجها وقالت: لن تفعل ذلك حتى نسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأتت أم سلمة فذكرت لها ذلك، فقالت: اجلسي حتى يأتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استحيت الأنصارية أن تسأله، فخرجت فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: ادعوها لي. فدعيت، فتلا عليها هذه الآية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} صماما واحدا. قال: والصمام السبيل الواحد". وأخرج في مسند أبي حنيفة عن حفصة أم المؤمنين "أن امرأة أتتها فقالت: إن زوجي يأتيني مجباة ومستقبلة فكرهته، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: لا بأس إذا كان في صمام واحد".وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والخرائطي في مساوئ الأخلاق والبيهقي في سننه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال "جاء عمر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه هلكت. قال: وما أهلكك؟ قال: حولت رحلي الليلة. فلم يرد عليه شيئا، فأوحى اللّه إلى رسوله هذه الآية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} يقول: أقبل وأدبر واتق الدبر والحيض". وأخرج أحمد عن ابن عباس قال " نزلت هذه الآية {نساؤكم حرث لكم} في أناس من الأنصار، أتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم فسألوه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ائتها على كل حال إذا كان في الفرج". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والخرائطي عن ابن عباس قال "أتى ناس من حمير إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسألوه عن أشياء فقال له رجل: إني أحب النساء وأحب أن آتي امرأتي مجباة فكيف ترى في ذلك؟ فأنزل اللّه في سورة البقرة بيان ما سألوا عنه، وأنزل فيما سأل عنه الرجل {نساؤكم حرث لكم...} الآية. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج". وأخرج ابن راهويه والدارمي وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طريق مجاهد عن ابن عباس قال "أن ابن عمر - واللّه يغفر له - أو هم إنما كان هذا الحي من الأنصار، وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود، وهم أهل كتاب كانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، فكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك استر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا ويتلذذون منهن مقبلات مدبرات ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف واحد فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، فسرى أمرهما فبلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} يقول: مقبلات ومدبرات بعد أن يكون في الفرج، وإنما كانت من قبل دبرها في قبلها. زاد الطبراني قال ابن عباس: قال ابن عمرو: في دبرها فأوهم ابن عمر - واللّه يغفر له - وإنما كان الحديث على هذا". وأخرج عبد بن حميد والدارمي عن مجاهد قال: كانوا يجتنبون النساء في المحيض ويأتوهن في أدبارهن، فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك، فأنزل اللّه {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} إلى قوله {من حيث أمركم اللّه} في الفرج، ولا تعدوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس إذ أتاه رجل فقال: ألا تشفيني من آية المحيض؟ قال: بلى، فأقرأ {ويسألونك عن المحيض} إلى قوله {فأتوهن من حيث أمركم اللّه} فقال ابن عباس: من حيث جاء الدم من ثم أمرت أن تأتي فقال: كيف بالآية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال: أي ويحك وفي الدبر من حرث...! لو كان ما تقول حقا لكان المحيض منسوخا إذا شغل من ههنا جئت من ههنا، ولكن {أنى شئتم} من الليل والنهار. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: ظهر البطن كيف شئت إلا في دبر والحيض. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: إن شئت فأتها مستلقية، وإن شئت فمحرفة، وإن شئت فباركة. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: يأتيها من بين يديها ومن خلفها ما لم يكن في الدبر. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: ائتوا النساء في إقبالهن على كل نحو. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: كنت آتي أهلي في دبرها، وسمعت قول اللّه {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فظننت أن ذلك لي حلال. فقال: يا لكع، إنما قوله {أنى شئتم} قائمة، وقاعدة، ومقبلة، ومدبرة، في إقبالهن لا تعد ذلك إلى غيره. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فأتوا حرثكم} قال: منبت الولد. وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: ائت حرثك من حيث نباته. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: يأتيها كيف شاء ما لم يأتيها في دبرها، أو في الحيض. وأخرج ابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس {فأتوا حرثكم أنى شئتم} يعني بالحرث الفرج. يقول: تأتيه كيف شئت مستقبلة، ومستدبرة، وعلى أي ذلك أردت بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره، وهو قوله {من حيث أمركم اللّه}. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه كان يكره أن تؤتى المرأة في دبرها، ويقول: إنما الحرث من القبل الذي يكون منه النسل والحيض، ويقول: إنما أنزلت هذه الآية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} يقول: من أي وجه شئتم. وأخرج الدارمي والخرائطي في مساوئ الأخلاق عن ابن عباس {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: يأتيها قائمة، وقاعدة، ومن بين يديها، ومن خلفها، وكيف يشاء بعد أن يكون في المأتى. وأخرج البيهقي في سننه عن مجاهد قال: سألت ابن عباس عن هذه الآية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال: ائتها من حيث يكون الحيض والولد. وأخرج البيهقي عن ابن عباس في الآية قال: تؤتى مقبلة ومدبرة في الفرج. وأخرج ابن أبي شيبة والخرائطي في مساوئ الأخلاق عن عكرمة قال: يأتيها كيف شاء قائما، وقاعدا، وعلى كل حال، ما لم يكن في دبرها. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والدارمي والبيهقي عن أبي القعقاع الحرمي قال: جاء رجل إلى عبد اللّه بن مسعود فقال: آتي امرأتي كيف شئت؟ قال: نعم. قال: وحيث شئت؟ قال: نعم. قال: وأنى شئت؟ قال: نعم. ففطن له رجل فقال: إنه يريد أن يأتيها في مقعدتها! فقال: لا، محاش. [محاش: أسفل مواطن الطعام في البطن المؤدي إلى المخرج] النساء عليكم حرام. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يا نبي اللّه نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر؟ قال: حرثكم ائت حرثك أنى شئت، غير أن لا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت، وأطعم إذا طعمت، واكس إذا اكتسيت، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا بما حل عليها. وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن المنذر والبيهقي في سننه من طرف عن خزيمة بن ثابت "أن سائلا سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن، فقال: حلال. أو قال: لا بأس. فلما ولى دعاه فقال: كيف قلت من دبرها في قبلها فنعم، وأما من دبرها في دبرها فلا إن اللّه لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن". وأخرج الحسن بن عرفة في جزئه وابن عدي والدارقطني عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "استحيوا إن اللّه لا يستحي من الحق، لا يحل مأتى النساء في حشوشهن". وأخرج ابن عدي عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اتقوا محاشي النساء". وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا ينظر اللّه إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر". وأخرج أبو داود والطيالسي وأحمد والبيهقي في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى". وأخرج النسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "استحيوا من اللّه حق الحياء، لا تأتوا النساء في أدبارهن". وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ملعون من أتى امرأة في دبرها". وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من أتى شيئا من الرجال أو النساء في الأدبار فقد كفر". وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال "إتيان الرجال والنساء في أدبارهن كفر. قال الحافظ بن كثير: هذا الموقوف أصح". وأخرج وكيع في مصنفه والبزار عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن". وأخرج النسائي عن عمر بن الخطاب قال: استحيوا من اللّه، فإن اللّه لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن. قال الحافظ بن كثير: هذا الموقوف أصح". وأخرج ابن عدي في الكامل عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تأتوا النساء في أعجازهن". وأخرج ابن وهب وابن عدي عن عقبه بن عامر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ملعون من أتى النساء في محاشيهن". وأخرج أحمد عن طلق بن يزيد أو يزيد بن طلق عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "إن اللّه لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أستاههن". وأخرج اين أبي شيبة عن عطاء قال "نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن تؤتى النساء في أعجازهن. وقال: إن اللّه لا يستحي من الحق". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه والبيهقي عن علي بن طلق، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "لا تأتوا النساء في أستاههن، فإن اللّه لا يستحي من الحق". وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر اللّه إليه يوم القيامة". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والنسائي والبيهقي في الشعب عن طاوس قال: سئل ابن عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها فقال: هذا يسألني عن الكفر. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في الشعب عن عكرمة: أن عمر بن الخطاب ضرب رجلا في مثل ذلك. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبيهقي عن أبي الدرداء: أنه سئل عن إتيان النساء في أدبارهن فقال: وهل يفعل ذلك إلا كافر؟. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبيهقي عن عبد اللّه بن عمرو في الذي يأتي المرأة في دبرها قال: هي اللوطية الصغرى. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن الزهري قال: سألت ابن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن عن ذلك، فكرهاه ونهياني عنه. وأخرج عبد اللّه بن أحمد والبيهقي عن قتادة في الذي يأتي امرأته في دبرها قال: حدثني عقبة بن وشاح أن أبا الدرداء قال: لا يفعل ذلك إلا كافر. قال: وحدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "تلك اللوطية الصغرى". وأخرج البيهقي في الشعب وضعفه عن أبي بن كعب قال: أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة، فمنها نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها، فذلك مما حرم اللّه ورسوله ويمقت اللّه عليه ورسوله، ومنها نكاح المرأة للمرأة وذلك مما حرم اللّه ورسوله، وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا حتى يتوبوا إلى اللّه توبة نصوحا. قال زر: قلت لأبي بن كعب وما التوبة النصوح؟ قال: سألت عن ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال "هو الندم على الذنب حين يفرط منك، فستغفر اللّه بندامتك عند الحافر، ثم لا تعود إليه أبدا". وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: من أتى امرأته في دبرها فهو من المرأة مثله من الرجل، ثم تلا (ويسألونك عن المحيض) (البقرة الآية ٢٤٢) إلى قوله {فأتوهن من حيث أمركم اللّه} أن تعتزلوهن في المحيض في الفروج، ثم تلا {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: إن شئت قائمة، وقاعدة، ومقبلة، ومدبرة، في الفرج. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: سئل طاوس عن إتيان النساء في أدبارهن، فقال: ذلك كفر ما بدأ قوم لوط إلا ذاك، أتوا النساء في أدبارهن، وأتى الرجال الرجال. وأخرج أبو بكر الأشرم في سننه، وأبو بشر الدولابي في الكنى، عن ابن مسعود قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "محاشي النساء عليكم حرام". وأخرج ابن أبي شيبة والدارمي والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال "محاشي النساء عليكم حرام. قال ابن كثير: هذا الموقوف أصح. قال الحافظ: في جميع الأحاديث المرفوعة في هذا الباب وعدتها نحو عشرين حديثا كلها ضعيفة لا يصح منها شيء، والموقوف منها هو الصحيح. وقال الحافظ ابن حجر في ذلك: منكر لا يصح من وجه، كما صرح بذلك البخاري، والبزار، والنسائي، وغير واحد". وأخرج النسائي والطبراني وابن مردويه عن أبي النضر. أنه قال لنافع مولى ابن عمر: أنه قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر: أنه أفتى أن يؤتى النساء في أدبارهن؟ قال: كذبوا علي، ولكن سأحدثك كيف كان الأمر: إن ابن عمر عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال: يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا. قال: إنا كنا معشر قريش نجبي النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذت بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل اللّه {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. وأخرج الدارمي عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري نحمض لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكر الدبر. فقال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين؟ وأخرج البيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس. أنه كان يعيب النكاح في الدبر عيبا شديدا. وأخرج الواحدي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال " نزلت هذه الآية في المهاجرين لما قدموا المدينة، ذكروا إتيان النساء فيما بينهم وبين الأنصار، واليهود من بين أيديهن ومن خلفهن إذا كان المأتى واحدا في الفرج، فعابت اليهود ذلك إلا من بين أيديهن خاصة، وقالوا: إنا نجد في كتاب اللّه أن كل إتيان النساء غير مستلقيات دنس عند اللّه، ومنه يكون الحول والخبل، فذكر المسلمون ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقالوا: إنا كنا في الجاهلية وبعدما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا، وإن اليهود عابت علينا، فأكذب اللّه اليهود و نزلت {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} يقول: الفرج مزرعة الولد، فأتوا حرثكم أتى شئتم، من بين يديها ومن خلفها في الفرج". ذكر القول الثاني في الآية أخرج إسحق ابن راهويه في مسنده وتفسيره والبخاري وابن جرير عن نافع قال قرأت ذات يوم {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: ابن عمر أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن. وأخرج البخاري وابن جرير عن ابن عمر {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: في الدبر. وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق النضر بن عبد اللّه الأزدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر في قوله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: إن شاء في قبلها وإن شاء في دبرها. وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده والطبراني في الأوسط والحاكم وأبو نعيم في المستخرج بسند حسن عن ابن عمر قال: إنمأنزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {نساؤكم حرث لكم...} الآية. رخصة في إتيان الدبر. وأخرج ابن جرير والطبراني في الأوسط وابن مردويه وابن النجار بسند حسن عن ابن عمر "أن رجلا أصاب امرأته في دبرها زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنكر ذلك الناس وقالوا: اثفروها. فأنزل اللّه {نساؤكم حرث لكم...} الآية". وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق أحمد بن الحكم العبدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال "جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم تشكو زوجها، فأنزل اللّه {نساؤكم حرث لكم...} الآية". وأخرج النسائي وابن جرير من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر. أن رجلا أتى امرأته في دبرها، فوجد في نفسه من ذلك وجدا شديدا، فأنزل اللّه {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. وأخرج الدارقطني في غرائب مالك من طريق أبي بشر الدولابي، نبأنا أبو الحرث أحمد بن سعيد، نبأنا أبو ثابت محمد بن عبيد اللّه المدني، حدثني عبد العزيز محمد الدراوردي، عن عبد اللّه بن عمر بن حفص، وابن أبي ذئب، ومالك بن أنس، فرقهم كلهم عن نافع قال: قال لي ابن عمر: أمسك على المصحف يا نافع، فقرأ حتى أتى على {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال لي: أتدري يا نافع فيم نزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في رجل من الأنصلر أصاب امرأته في دبرها، فأعظم الناس ذلك، فأنزل اللّه {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم...} الآية. قلت له: من دبرها في قبلها؟ قال: لا إلا في دبرها. وقال الرفا في فوائده تخريج الدارقطني، نبأنا أبو أحمد بن عبدوس، نبأنا علي بن الجعد، نبأنا ابن أبي ذئب، عن نلفع، عن ابن عمر قال: وقع رجل على امرأته في دبرها، فأنزل اللّه {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: فقلت لابن أبي ذئب ما تقول أنت في هذا؟ قال: ما أقول فيه بعد هذا!. وأخرج الطبراني وابن مردويه وأحمد بن أسامة التجيبي في فوائده عن نافع قال: قرأ ابن عمر هذه السور، فمر بهذه الآية {نساؤكم حرث لكم} الآية. فقال: تدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قال: لا. قال: في رجال كانوا يأتون النساء في أدبارهن. وأخرج الدارقطني ودعلج كلاهما في غرائب مالك من طريق أبي مصعب وإسحق بن محمد القروي كلاهما عن نافع عن ابن عمر "أنه قال: يا نافع أمسك على المصحف، فقرأ حتى بلغ {نساؤكم حرث لكم...} الآية. فقال: يا نافع أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في رجل من الأنصار، أصاب امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك، فسأل النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه الآية، قال الدارقطني: هذا ثابت عن مالك، وقال ابن عبد البر: الرواية عن ابن عمر بهذا المعنى صحيحة معروفة عنه مشهورة". وأخرج ابن راهويه وأبو يعلى وابن جرير والطحاوي في مشكل الآثار وابن مردويه بسند حسن عن أبي سعيد الخدري "أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس عليه ذلك، فأنزلت {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. وأخرج النسائي والطحاوي وابن جرير والدارقطني من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس. أنه قيل له: يا أبا عبد اللّه إن الناس يروون عن سالم بن عبد اللّه أنه قال: كذب العبد أو العلج على أبي. فقال مالك: أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد اللّه عن ابن عمر مثل ما قال لنافع. فقيل له: فإن الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكر له الدبر. فقال ابن عمر: أف أف أيفعل ذلك مؤمن؟!.. أو قال: مسلم. فقال مالك: أشهد على ربيعة أخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافع. قال الدارقطني: هذا محفوظ عن مالك صحيح.وأخرج النسائي من طريق يزيد بن رومان عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عمر. أن عبد اللّه بن عمر كان لا يرى بأسا أن يأتي الرجل المرأة في دبرها. وأخرج البيهقي في سننه عن محمد بن علي قال: كنت عند محمد بن كعب القرظي فجاءه رجل فقال: ما تقول في إتيان المرأة في دبرها؟ فقال: هذا شيخ من قريش فسله يعني عبد اللّه بن علي بن السائب. فقال: قذر، ولو كان حلالا. وأخرج ابن جرير عن الدراوردي قال: قيل لزيد بن أسلم: إن محمد بن المنكدر نهى عن إتيان النساء في أدبارهن. فقال زيد: أشهد على محمد لأخبرني أنه يفعله. وأخرج ابن جرير عن ابن أبي مليكة. أن سأل عن إتيان المرأة في دبرها فقال: قد أردته من جارية البارحة، فاعتاصت علي فاستعنت بدهن. وأخرج الخطيب في رواة مالك عن أبي سليمان الجرجاني قال: سألت مالك بن أنس عن وطء الحلائل في الدبر فقال لي: الساعة غسلت رأسي منه. وأخرج ابن جرير في كتاب النكاح من طريق ابن وهب عن مالك: أنه مباح. وأخرج الطحاوي من طريق أصبغ بن الفرج عن عبد اللّه بن القاسم قال: ما أدركت أحدا اقتدى به في ديني يشك في أنه حلال، يعني وطء المرأة في دبرها، ثم قرأ {نساؤكم حرث لكم} ثم قال: فأي شيء أبين من هذا. وأخرج الطحاوي والحاكم في مناقب الشافعي والخطيب عن محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم أن الشافعي سأل عنه فقال: ما صح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء، والقياس أنه حلال. وأخرج الحاكم عن ابن عبد الحكم. أن الشافعي ناظر محمد بن الحسن في ذلك، فاحتج عليه ابن الحسن بأن الحرث إنما يكون في الفرج، فقال له فيكون ما سوى الفرج محرما، فالتزمه فقال: أرأيت لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أفي ذلك حرث؟ قال: لا. قال: أفيحرم؟ قال: لا. قال: فكيف تحتج بما لا تقول به؟ قال الحاكم: لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم، وأما في الجديد فصرح بالتحريم. ذكر القول الثالث في الآية أخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن منيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والضياء في المختارة عن زائدة بن عمير قال: سألت ابن عباس عن العزل فقال: إنكم قد أكثرتم، فإن كان قال فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيئا فهو كما قال، وإن لم يكن قال فيه شيئا قال: أنا أقول {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فإن شئتم فاعزلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن أبي ذراع قال: سألت ابن عمر عن قول اللّه {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: إن شاء عزل، وإن شاء غير العزل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير هن سعيد بن المسيب في قوله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: إن شئت فاعزل، وإن شئت فلا تعزل. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن جابر: كنا نعزل والقرآن ينزل، فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلم ينهنا عنه. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والبيهقي عن جابر "أن رجلا أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إن لي جارية وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل، فقال: اعزل عنها إن شئت فإنها سيأتيها ما قدر لها، فذهب الرجل فلم يلبث يسيرا، ثم جاء فقال: يا رسول اللّه الجارية قد حملت. فقال: قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها". وأخرج مالك وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي سعيد قال "سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن العزل فقال: أو تفعلون...؟ لا عليكم أن لا تفعلوا فإنما هو القدر، ما نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة". وأخرج مسلم والبيهقي عن أبي سعيد قال "سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن العزل فقال: ما من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد اللّه خلق شيء لم يمنعه شيء". وأخرج عبد الرزاق والترمذي وصححه والنسائي عن جابر قال "قلنا يا رسول اللّه: إنا كنا نعزل، فزعمت اليهود أنها الموءودة الصغرى. فقال: كذبت اليهود إن اللّه إذا أراد أن يخلقه لم يمنعه". وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأبو داود عن أبي سعيد الخدري "أن رجلا قال: يا رسول اللّه إن لي جارية، وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما أراد الرجال، وإن اليهود تحدث أن العزل هو الموءودة الصغرى. قال: كذبت يهود، لو أراد اللّه أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه. وأخرج البزار والبيهقي عن أبي هريرة قال "سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن العزل، قال إن اليهود تزعم أن العزل هي الموءودة الصغرى. قال: كذبت يهود". وأخرج مالك وعبد الرزاق والبيهقي عن زيد بن ثابت أنه سئل عن العزل فقال: هو حرثك إن شئت سقيته وإن شئت أعطشته. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس. أن سئل عن العزل فقال: ما كان ابن آدم ليقتل نفسا قضى اللّه خلقها، هو حرثك إن شئت عطشته وإن شئت سقيته. وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن ابن عمر قال "نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها". وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال: تعزل عن الأمة، وتستأمر الحرة. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس قال: تستأمر الحرة في العزل، ولا تستأمر الأمة. وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي عن ابن مسعود قال: "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يكره عشر خلال. التختم بالذهب، وجر الإزار، والصفرة يعني الخلوق، وتغيير الشيب، والرقى إلا بالمعوذات، وعقد التمائم، والضرب بالكعاب، والتبرج بالزينة لغير محلها، وعزل الماء عن محله، وإفساد الصبي عشر محرمة". ذكر القول الرابع في الآية أخرج عبد بن حميد عن ابن الحنفية في قوله {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: إذا شئتم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {وقدموا لأنفسكم} قال: الولد. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وقدموا لأنفسكم} قال: التسمية عند الجماع يقول: بسم اللّه. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم اللّه، اللّهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضى بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا". وأخرج عبد الرزاق والعقيلي في الضعفاء عن سلمان قال "أمرنا خليلي أبو القاسم صلى اللّه عليه وسلم أن لا نتخذ من المتاع إلا أثاثا كأثاث المسافر، ولا نتخذ من السباء إلا ما ينكح أو ينكح، وأمرنا إذا دخل أحدنا على أهله أن يصلي ويأمر أهله أن تصلي خلفه ويدعو، يأمرها تؤمن". وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن أبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد اللّه بن مسعود فقال له: إني تزوجت جارية بكرا، وإن قد خشيت أن تعركني. فقال عبد اللّه: إن الألف من اللّه، وإن العرك من الشيطان، ليكره إليه ما أحل اللّه له، فإذا أدخلت عليك فمرها أن تصلي خلفك ركعتين، وقل: اللّهم بارك في أهلي وبارك لهم في وارزقني منهم وارزقهم مني، واللّهم اجمع بيننا ما جمعت، وفرق بيننا ما فرقت إلى خير. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن أبي سعيد مولى بني أسد قال: "تزوجت امرأة، فدعوت أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم فيهم أبو ذر، وابن مسعود، فعلموني وقالوا: إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ومرها فلتصل خلفك، وخذ بناصيتها وسل اللّه خيرها وتعوذ به من شرها، ثم شأنك وشأن أهلك". وأخرج عبد الرزاق عن الحسن قال: يقال إذا آتى الرجل أهله فليقل: بسم اللّه، اللّهم بارك لنا فيما رزقتنا ولا تجعل للشياطين نصيبا فيما رزقتنا. قال: فكان يرجى إن حملت أن يكون ولدا صالحا. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي وائل قال: اثنتان لا يذكر اللّه العبد فيهما. إذا أتى الرجل أهله يبدأ فيسمي اللّه، وإذا كان في الخلاء. وأخرج ابن أبي شيبة والخرائطي في مساوئ الأخلاق عن علقمة. أن ابن مسعود كان إذا غشي امرأته، فأنزل قال: اللّهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتنا نصيبا. وأخرج الخرائطي عن عطاء في قوله {وقدموا لأنفسكم} قال: التسمية عند الجماع. ٢٢٤ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في مسنده عن ابن عباس {ولا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم} يقول: لا تجعلني في عرضة ليمينك أن لا تضع الخير، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته، أو لا يتصدق، أو يكون بين رجلين مغاضبة فيحلف لا يصلح بينهما، ويقول قد حلفت. قال: يكفر عن يمينه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله، فنهى اللّه عن ذلك. أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: هو الرجل يحلف لا يصل رحمه، ولا يصلح بين الناس، فأنزل اللّه {ولا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم}. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: جاء رجل إلى عائشة فقال: إني نذرت إن كلمت فلانا فإن كل مملوك لي عتيق، وكل مال لي ستر للبيت. فقالت: لا تجعل مملوكيك عتقاء، ولا تجعل مالك سترا للبيت، فإن اللّه يقول {ولا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا...} الآية. فكفر عن يمينك. وأخرج ابن جرير عن عائشة في الآية قالت: لا تحلفوا باللّه وإن نذرتم. وأخرج عبد الرزاق عن طاوس في قوله {ولا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم} قال: هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح ثم يعتل بيمينه، يقول اللّه {أن تبروا وتتقوا} هو خير من أن تمضي على ما لا يصلح. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كان الرجل يريد الصلح بين اثنين فيغضبه أحدهما أو يتهمه، فيحلف أن لا يتكلم بينهما في الصلح، فنزلت الآية. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: حدثت أن قوله {ولا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم...} الآية نزلت في أبي بكر في شأن مسطح. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {واللّه سميع} يعني اليمين التي حلفوا عليها {عليم} يعني عالم بها، كان هذا قبل أن تنزل كفارة اليمين. وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "لأن يلج أحدكم في يمينه في أهله، أتم له عند اللّه من أن يعطى كفارته التي افترض عليه". وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم، ولا في معصية اللّه، ولا في قطيعة الرحم، ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليدعها وليأت الذي هو خير، فإن تركها كفارتها. وأخرج ابن ماجة وابن جرير عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من حلف على يمين قطيعة رحم أو معصية، فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه". وأخرج مالك ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إني - واللّه إن شاء اللّه - لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير، وتحللتها". وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة عن عدي بن حاتم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليأت الذي هو خير فليكفر عن يمينه". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك". وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن سعيد بن المسيب. أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث، فسأل أحدهما صاحب القسمة فقال: إن عدت تسألني القسمة لم أكلمك أبدا، وكل ما لي في رتاج الكعبة. فقال له عمر: إن الكعبة لغنية عن مالك، كفر عن يمينك وكلم أخاك، فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"لا يمين ولا نذر في معصية الرب، ولا في قطعية الرحم، وفيما لا تملك". وأخرج النسائي وابن ماجة عن مالك الجشمي قال "قلت: يا رسول اللّه يأتيني ابن عمي فأحلف أن لا أعطيه ولا أصله؟ قال: كفر عن يمينك". ٢٢٥ أخرج مالك في الموطأ ووكيع والشافعي في الأم وعبد الرزاق والبخاري ومسلم وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية {لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم} في قول الرجل: لا واللّه، وبلى واللّه، وكلا واللّه، زاد ابن جرير: يصل بها كلامه. وأخرج أبو داود وابن جرير وابن حبان وابن مردويه والبيهقي من طريق عطاء بن أبي رباح "أنه سئل عن اللغو في اليمين فقال: قالت عائشة: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: هو كلام الرجل في يمينه، كلا واللّه، وبلى واللّه". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عائشة {لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم} قالت: هو القوم يتدارؤون في الأمر، يقول هذا: لا واللّه، ويقول هذا: كلا واللّه، يتدارؤون في الأمر لا تعقد عليه قلوبهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عائشة قالت: إنما اللغو في المزاحة والهزل، وهو قول الرجل: لا واللّه، وبلى واللّه، فذاك لا كفارة فيه، إن الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله. وأخرج ابن جرير عن الحسن قال "مر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقوم ينتضلون، ومع النبي صلى اللّه عليه وسلم رجل من أصحابه، فرمى رجل من القوم فقال: أصبت واللّه، أخطأت واللّه، فقال الذي مع النبي صلى اللّه عليه وسلم: حنث الرجل يا رسول اللّه. فقال: كلا، أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة". وأخرج أبو الشيخ من طريق عطاء عن عائشة وابن عباس وابن عمرو. أنهم كانوا يقولون: اللغو لا واللّه، وبلى واللّه. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: لغو اليمين لا واللّه، وبلى واللّه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي من طريق طاوس عن ابن عباس قال: لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان. وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن عائشة. أنها كانت تتأول هذه الآية {لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم} وتقول: هو الشيء يحلف عليه أحدكم لا يريد منه إلا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه. وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال: لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فإذا هو غير ذلك. وأخرج ابن جرير من طريق عطية العوفي عن ابن عباس قال: اللغو أن يحلف الرجل على الشيء يراه حقا وليس بحق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله {لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم} قال: هذا في الرجل يحلف على أمر أضرار أن يفعله أو لا يفعله فيرى الذي خير منه، فأمر اللّه أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير. قال: ومن اللغو أن يحلف الرجل على أمر لا يرى فيه الصدق وقد أخطأ في ظنه، فهذا الذي عليه الكفارة ولا إثم فيه. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس {لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم} قال: لغو اليمين أن تحرم ما أحل اللّه لك، فذلك ما ليس عليك فيه كفارة {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} قال: ما تعمدت قلوبكم فيه المأثم، فهذا عليك فيه الكفارة. وأخرج وكيع وعبد الرزاق وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم} قال: هو الرجل يحلف على المعصية يعني أن لا يصلي ولا يصنع الخير. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله {لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم} قال: هو الرجل يحلف على الشيء ثم ينسى، فلا يؤاخذه اللّه به ولكن يكفر. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ من طريق قتادة عن سليمان بن يسار {لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم} قال: الخطأ غير المتعمد. وأخرج عبد بن حميد عن أبي قلابة في قول الرجل: لا واللّه، وبلى واللّه. قال: إنها لمن لغة العرب، ليست بيمين. وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم {لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم} قال: هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه صادق وهو كاذب، فذاك اللغو لا يؤاخذكم به {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} قال: يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب، فذاك الذي لا يؤاخذ به. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال: كان قوم حلفوا على تحريم الحلال فقالوا: أما إذ حلفنا وحرمنا على أنفسنا فإنه ينبغي لنا أن نبر. فقال اله (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) (البقرة الآية ٢٢٤) ولم يجعل لها كفارة، فأنزل اللّه (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك... قد فرض اللّه لكم تحلة أيمانكم) (التحريم الآيتان ١ - ٢) فأمر النبي عليه السلام بالكفارة لتحريم ما حرم على نفسه الجارية التي كان حرمها على نفسه، أمره أن يكفر يمينه ويعاود جاريته، ثم أنزل اللّه {لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم}. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {واللّه غفور} يعني إذا جاوز اليمين التي حلف عليها {حليم} إذ لم يجعل فيها الكفارة، ثم نزلت الكفارة. ٢٢٦ أخرج عبد الرزاق وأبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرؤوها ( (للذين يقسمون من نسائهم) ) ويقول: الإيلاء القسم، والقسم الإيلاء. وأخرج ابن المنذر عن أبي بن كعب. مثله. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن حماد قال: قرأت في مصحف أبي (للذين يقسمون). وأخرج الشتفعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: الإيلاء أن يحلف باللّه أن لا يجامعها أبدا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله {للذين يؤلون من نسائهم} قال: هو الرجل يحلف لأمرأته باللّه لا ينكحها فيتربص أربعة أشهر فإن هو نكحها كفر يمينه، فإن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها خيره السلطان أما أن يفيء فيراجع، وإما أن يعزم فيطلق، كما قال اللّه سبحانه وتعالى. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والطبراني والبيهقي والخطيب في تالي التلخيص عن ابن عباس قال: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك فوقت اللّه أربعة أشهر، فإن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} قال: هذا في الرجل يؤلي من امرأته يقول: واللّه لا يجتمع رأسي ورأسك ولا أقربك ولا أغشاك. قال: وكان أهل الجاهلية يعدونه طلاقا فحد لهم أربعة أشهر، فإن فاء فيها كفر عن يمينه وكانت امرأته، وإن مضت الأربعة أشهر ولم يفئ فيها فهي طالقة، وهي أحق بنفسها وهو أحد الخطاب ويخطبها زوجها في عدتها ولا يخطبها غيره في عدتها، فإن تزوجها فهي عنده على تطليقتين. وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن ابن عباس قال: كل يمين منعت جماعا فهي إيلاء. وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم والشعبي. مثله. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: لا إيلاء إلا بحلف. وأخرج عبد بن حميد سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن خالد بن سعيد بن العاص المخزومي هجر امرأته سنة ولم يكن حلف، فقالت له عائشة: أما تقرأ آية الإيلاء؟ أنه لا ينبغي أن تهجر أكثر من أربعة أشهر. وأخرج عبد بن حميد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر. أنه سمع عائشة وهي تعظ خالد بن العاص المخزومي في طول الهجرة لامرأته، تقول: يا خالد إياك وطول الهجرة، فإنك قد سمعت ما جعل اللّه للموتى من الأجل، إنما جعل اللّه له تربص أربعة أشهر فأخذ طول الهجرة. قال محمد بن مسلم: ولم يبلغنا أنه مضى في طول الهجرة طلاق لأحد ولكن عائشة حذرته ذلك، فأرادت أن تعطفه على امرأته، وحذرت عليه أن تشبهه بالإيلاء. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لا إيلاء إلا بغضب. وأخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب قال: الإيلاء إيلاءان. إيلاء الغضب، وإيلاء في الرضا، أما الإيلاء في الغضب فإذا مضت أربعة أشهر فقد بانت منه، وأما ما كان في الرضا فلا يؤخذ به. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن عطية بن جبير قال: ماتت أم صبي بيني وبينه قرابة، فحلف أبي أن لا يطأ أمي حتى تفطمه، فمضى أربعة أشهر فقالوا: قد بانت منك. فأتى عليا فقال: إن كنت إنما حلفت على تضرة فقد بانت منك وإلا فلا. وأخرج عبد بن حميد عن أم عطية قالت: ولد لنا غلام فكان أجدر شيء وأسمنه. فقال القوم لأبيه: إنكم لتحسنون غذاء هذا الغلام. فقال: إني حلفت أن لا أقرب أمه حتى تفطمه. فقال القوم قد - واللّه - ذهبت عنك امرأتك. فارتفعا إلى علي فقال علي: أنت أمن نفسك أم من غضب غضبته عليها فحلفت؟ قال: لا، بل أريد أن أصلح إلى ولدي. قال: فإن ليس في الإصلاح إيلاء. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: أتى رجل عليا فقال: إني حلفت أن لا آتي امرأتي سنتين. فقال: ما أراك إلا قد آليت. قال: إنما حلفت من أجل أنها ترضع ولدي؟ قال: فلا إذن. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن. أنه سئل عن رجل قال لامرأته: واللّه لا أقربك حتى تفطمي ولدك. قال: واللّه ما هذا بإيلاء. وأخرج عبد بن حميد عن حماد قال: سألت إبراهيم عن الرجل يحلف أن لا يقرب امرأته وهي ترضع شفقة على ولدها؟ فقال إبراهيم: ما أعلم الإيلاءفي الغضب، قال اللّه {فإن فاؤوا فإن اللّه غفور رحيم} فإنما الفيء من الغضب. وقال إبراهيم: لا أقول فيها شيئا. وقال حماد لا أقول فيها شيئا. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن يزيد بن الأصم قال: تزوجت امرأة، فلقيت ابن عباس فقلت: تزوجت بهلل بنت يزيد، وقد بلغني أن في خلقها شيئا، ثم قال: واللّه لقد خرجت وما أكلمها. قال: عليك بها قبل أن تنقضي أربعة أشهر. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن منصور قال: سألت إبراهيم عن رجل حلف لا يكلم امرأته، فمضت أربعة أشهر قبل أن يجامعها، قال: إنما كان الإيلاء في الجماع، وأنا أخشى أن يكون إيلاء. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: إذا آلى على شهر أو شهرين أو ثلاثة دون الحد برت يمينه لا يدخل عليه إيلاء. وأخرج الشافعي وعبد بن حميد والبيهقي عن طاوس قال: كل شيء دون الأربعة فليس بإيلاء. وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: لو آلى منها شهرا كان إيلاء. وأخرج عبد بن حميد عن الحكم. أن رجلا آلى من امرأته شهرا، فتركها حتى مضت أربعة أشهر قال النخعي: هو إيلاء وقد بانت منه. وأخرج عبد بن حميد عن وبرة. أن رجلا آلى عشرة أيام فمضت أربعة أشهر، فجاء إلى عبد اللّه فجعله إيلاء. وأخرج عبد بن حميد عن ابن أبي ليلى قال: إن آلى منها يوما أو ليلة فهو إيلاء. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الرجل يقول لامرأته: واللّه لا أطئوك الليلة فتركها من أجل ذلك قال: إن تركها حتى تمضي أربعة أشهر فهو إيلاء. وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه قرأ ( (فإن فاؤا فيهن فإن اللّه غفور رحيم) ). وأخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب قال: الفيء الجماع. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عباس قال: الفيء الجماع. وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود قال: الفيء الجماع. وأخرج ابن المنذر عن علي قال: الفيء الرضا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: الفيء الرضا. وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي قال: قال مسروق: الفيء الجماع. قيل: ألا سألته عمن رواه؟ قال: كان الرجل في عيني من ذلك. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: الفيء الإشهاد. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد عن الحسن قال: الفيء الجماع، فإن كان له عذر من مرض أو سجن أجزأه أن يفيء بلسانه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: إذا حال بينه وبينها مرض، أو سفر، أو حبس، أو شيء يعذر به، فإشهاده فيء. وأخرج عبد بن حميد عن أبي الشعثاء. أنه سأل علقمة عن الرجل يولي من امرأته، فيكون بها نفاس أو شيء فلا يستطيع أن يطأها قال: إذا فاء بقلبه ولسانه ورضي بذلك فهو فيء. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن أبي الشعثاء قال: يجزئه حتى يتكلم بلسانه. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن أبي قلابة قال: إذا فاء في نفسه أجزأه. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن قال: إذا آلى الرجل من امرأته ثم وقع عليها قبل الأربعة أشهر فليس عليه كفارة، لأن اللّه تعالى قال {فإن فاؤوا فإن اللّه غفور رحيم} أي لتلك اليمين. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن إبراهيم قال: كانوا يرجون في قول اللّه {فإن فاؤوا فإن اللّه غفور رحيم} أن كفارته فيئه. وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن ثابت قال: عليه كفارة. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: إن فاء كفر وإن لم يفعل فهي واحدة، وهي أحق بنفسها. ٢٢٧ أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ وإن عزموا السراح. وأخرج ابن جرير عن عمر بن الخطاب أنه قال في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر لا شيء عليه حتى توقف فيطلق أو يمسك. وأخرج الشافعي وابن جرير والبيهقي عن طاوس أن عثمان كان يوقف المولي وفي لفظ كان لا يرى إلا إيلاء شيئا وإن مضت الأربعة أشهر حتى يوقف. وأخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليها طلاق وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء. وأخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير والبيهقي عن ابن عمر قال أيما رجل آلى من امرأته فإن إذا مضى الأربعة أشهر وقف حتى يطلق أو يفيء ولا يقع عليه الطلاق إذا مضت الأربعة أشهر حتى يوقف. وأخرج البخاري وعبد بن حميد عن ابن عمر قال الإيلاء الذي سمى اللّه لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم الطلاق كما أمره اللّه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن أبي الدرداء في رجل آلى من امرأته قال يوقف عند انقضاء الأربعة أشهر فإما أن يطلق وإما أن يفئ. وأخرج الشافعي وابن جرير والبيهقي عن عائشة أنها كانت إذا ذكر لها الرجل يحلف أن لا يأتي امرأته فيدعها خمسة أشهر لا ترى ذلك شيئا حتى يوقف وتقول كيف قال اللّه إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن قتادة أن أبا ذر وعائشة قالا يوقف المولي بعد إنقضاء المدة فإما أن يفئ وإما أن يطلق. وأخرج الشافعي والبيهقي عن سليمان بن يسار قال أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كلهم يقول يوقف المولي. وأخرج ابن جرير والدارقطني والبيهقي من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال سألت اثني عشر رجلا من الصحابة عن الرجل يولي من امرأته فكلهم يقول ليس عليه شيء حتى تمضي الأربعة أشهر فيوقف فإن فاء وإلا طلق. وأخرج البيهقي عن ثابت بن عبيدة مولى زيد بن ثابت عن اثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم الإيلاء لا يطون طلاقا حتى يوقف. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن مسعود وابن عمر وابن عباس قالوا الإيلاء تطليقة بأئنة إذا مرت أربعة أشهر قبل أن يفيء فهي أملك بنفسها. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال عزيمة الطلاق إنقضاء أربعة أشهر. وأخرج عبد بن حميد عن أيوب قال قلت لابن جبير أكان ابن عباس يقول في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة وتزوج ولا عدة عليها؟ قال: نعم. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن ابن مسعود قال إذا آلى الرجل من امرأته فمضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة وتعتد بعد ذلك ثلاثة قروء ويخطبها زوجها في عدتها ولا يخطبها غيره فإذا انقضت عدتها خطبها زوجها وغيره. وأخرج عبد بن حميد عن علي في الإيلاء قال إذا مضت أربعة أشهر فقد بانت منه بتطليقة ولا يخطبها هو ولا غيره إلا من بعد إنقضاء العدة. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في رجل قال لامرأته إن قربتك سنة فأنت طالق ثلاثا إن قربها قبل السنة فهي طالق ثلاثا وإن تركها حتى تمضي الأربعة أشهر فقد بانت منه بتطليقة فإن تزوجها قبل إنقضاء السنة فإنه يمسك عن غشيانها حتى تنقضي السنة ولا يدخل عليه إيلاء. وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم النخعي في رجل قال لامرأته إن قربتك إلى سنة فأنت طالق قال إن قربها بانت منه وإن تركها حتى تمضي الأربعة أشهر فقد بانت منه بتطليقة فإن تزوجها فغشيها قبل إنقضاء السنة بانت منه وإن لم يقربها حتى تمضي الأربعة أشهر، فإنه يدخل عليه إيلاء آخر. وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن. أنهما كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته: أنها إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة واحدة، ولزوجها عليها رجعة ما كانت في العدة. وأخرج مالك عن ابن شهاب قال: إيلاء العبد نحو إيلاء الحر وهو واجب، وإيلاء العبد شهران. وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب قال: إيلاء العبد شهران. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال إيلاء العبد من الأمة أربعة أشهر. وأخرج معمر عن قتادة قال: إيلاء العبد من الحرة أربعة أشهر. وأخرج مالك عن عبد اللّه بن دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل يسمع امرأة تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه * وأرقني أن لا خليل ألاعبه فواللّه لولا اللّه أني أراقبه * لحرك من هذا السرير جوانبه فسأل عمر ابنته حفصة كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أشهر، أو أربعة أشهر. فقال عمر: لا أحبس أحدا من الجيوش أكثر من ذلك. وأخرج ابن إسحق وابن أبي الدنيا في كتاب الأشراف عن السائب بن جبير مولى ابن عباس وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ما زلت أسمع حديث عمر أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة، وكان يفعل ذلك كثيرا إذ مر بامرأة من نساء العرب مغلقة بابها وهي تقول: تطاول هذا الليل تسري كواكبه * وأرقني أن لا ضجيع ألاعبه فواللّه لولا اللّه لا شيء غيره * لحرك من هذا السرير جوانبه وبت ألاهي غير بدع ملعن * لطيف الحشا لا يحتويه مضاجعه يلاعبني طورا وطورا كأنما * بدا قمرا في ظلمة الليل حاجبه يسر به من كان يلهو بقربه * يعاتبني في حبه وأعاتبه ولكنني أخشى رقيبا موكلا * بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتبه ثم تنفست الصعداء، وقالت: أشكو عمر بن الخطاب وحشتي في بيتي، وغيبة زوجي علي، وقلة نفقتي. فلان لها عمر يرحمه اللّه، فلما أصبح بعث إليها بنفقة وكسوة، وكتب إلى عامله يسرح إليها زوجها. وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن قال: سأل عمر ابنته حفصة كم تصبر المرأة عن الرجل؟ فقلت: ستة أشهر فقال: لا جرم، لا أحبس رجلا أكثر من ستة أشهر. وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن محمد بن معن قال: أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب فقالت: يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه إليك وهو يقوم بطاعة اللّه. فقال لها: جزاك اللّه خيرا من مثنية على زوجها. فجعلت تكرر عليه القول وهو يكرر عليها الجواب، وكان كعب بن سوار الأسدي حاضرا فقال له: اقض يا أمير المؤمنين بينها وبين زوجها. فقال: وهل فيما ذكرت قضاء، فقال: إنها تشكو مباعدة زوجها لها عن فراشها وتطلب حقها في ذلك. فقال له عمر: أما لأن فهمت ذلك فأقض بينهما. فقال كعب: علي بزوجها، فأحضر فقال: إن امرأتك تشكوك. فقال: قصرت في شيء من نفقتها؟ قال: لا. فقالت المرأة: يا أيها القاضي الحكيم برشده * ألهى خليلي عن فراشي مسجده نهاره وليله ما يرقده * فلست في حكم النساء أحمده زهده في مضجعي تعبده * فاقض القضا يا كعب لا تردده فقال زوجها: زهدني في فرشها وفي الحجل * أني امرؤ أزهد فيما قد نزل في سورة النحل وفي السبع الطول * وفي كتاب اللّه تخويف جلل فقال كعب: إن خير القاضيين من عدل * وقضى بالحق جهرا وفصل إن لها حقا عليك يا رجل * تصيبها في أربع لمن عقل قضية من ربها عز وجل * فأعطها ذاك ودع عنك العلل ثم قال: إن اللّه قد أباح لك النساء أربعا، فلك ثلاثة أيام ولياليها تعبد فيها ربك، ولها يوم وليلة. فقال عمر: واللّه ما أدري من أي أمريك أعجب. أمن فهمك أمرها أم من حكمك بينهما! اذهب فقد وليتك قضاء البصرة. وأخرج البيهقي في الدلائل عن عمر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج وعمر بن الخطاب معه، فعرضت امرأة فقال لها النبي صلى اللّه عليه وسلم: ادعي زوجك فدعته وكان ضرارا، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ما تقول امرأتك يا عبد اللّه؟ فقال الرجل: والذي أكرمك ما جف رأسي منها. فقالت امرأته: ما مرة واحدة في الشهر. فقال لها النبي صلى اللّه عليه وسلم: أتبغضيه؟ قالت: نعم. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ادنيا رأسيكما فوضع جبهتها على جبهة زوجها، ثم قال: اللّهم ألف بينهما وحبب أحدهما إلى صاحبه، ثم مر رسول اللّه بسوق النمط ومعه عمر بن الخطاب، فطلعت امرأة تحمل إدما على رأسها، فلما رأت النبي طرحته وأقبلت فقبلت رجليه، فقال رسول اللّه: كيف أنت وزوجك؟ فقالت: والذي أكرمك ما طارف، ولا تالد، ولا ولد، بأحب إلي منه. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أشهد أني رسول اللّه. فقال عمر: وأنا أشهد أنك رسول اللّه". وأخرج أبو يعلى وأبو نعيم في الدلائل من حديث جابر بن عبد اللّه. مثله. وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي ذر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة. تسليمه على من لقي صدقة، وأمره بالمعروف صدقه، ونهيه عن النمكر صدقة، وإماطته الأذى عن الطريق صدقة، وبضعه أهله صدقة. قالوا: يا رسول اللّه أحدنا يقضي شهوته وتكون له صدقة؟! قال: أرأيت لو ضعها في غير حلها ألم يكن يأثم". وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي ذرة قال: قلت: يا رسول اللّه ذهب الأغنياء بالأجر. قال: ألستم تصلون، وتصومون، وتجاهدون، قلت: بلى، وهم يفعلون كما نفعل يصلون، ويصومون، ويجاهدون، ويتصدقون ولا نتصدق قال: إن فيك صدقة، وفي فضل سمعك صدقة على الذي لا يسمع تعبر عن حاجته صدقة، وفي فضل بصرك على الضرير تهديه إلى الطريق صدقة، وفي فضل قوتك على الضعيف تعينه صدقة، وفي إماطتك الأذى عن الطريق صدقة، وفي مباضتعك أهلك صدقة، قلت: يا رسول اللّه أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر؟! قال: أرأيت لو جعلته في غير حله أكان عليك وزر؟ قلت: نعم. قال: أتحتسبون بالشر ولا تحتسبون بالخير". وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي ذرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ولك في جماعك زوجتك أجر قلت: كيف يكون لي أجر في شهوتي؟ قال: أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت خيره ثم مات أكنت تحتسبه؟ قلت: نعم. قال: فأنت خلقته؟ قلت: بل اللّه. قال: أفأنت هديته؟ قلت: بل اللّه هداه. قال: أفأنت كنت ترزقه؟ قلت: بل اللّه يرزقه. قال: فكذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه، فإن شاء اللّه أحياه وإن شاء أماته ولك أجر". وأخرج ابن السنى وأبو نعيم معا في الطب النبوي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيعجز أحدكم أن يجامع أهله في كل يوم جمعة فإن له أجرين اثنين غسله وأجر غسل امرأته. وأخرج البيهقي في سننه عن عمر بن الخطاب قال واللّه إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج اللّه مني نسمة تسبح. وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن زيد بن أسلم قال بلغني أنه جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب فقالت إن زوجها لا يصيبها فأرسل إليه فقال كبرت وذهبت قوتي فقال له عمر أتصيبها في كل شهر مرة قال أكثر من ذلك قال عمر في كم تصيبها قال في كل طهر مرة فقال عمر اذهبي فإن فيه ما يكفي المرأة. ٢٢٨ أخرج أبو داود وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية قالت: طلقت على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم يكن للمطلقة عدة، فأنزل اللّه حين طلقت العدة للطلاق {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} فكانت أول من أنزلت فيها العدة للطلاق. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} قال: كان أهل الجاهلية يطلق أحدهم ليس لذلك عدة. وأخرج أبو داود والنسائي وابن المنذر عن ابن عباس {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} (والائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر) (الطلاق الآية ٤) فنسخ واستثنى، وقال (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) (الأحزاب الآية ٤٩). وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والدارقطني والبيهقي في السنن عن عائشة قالت: إنما الأقراء الأطهار. وأخرج مالك والشافعي والبيهقي من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة. أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة. قال ابن شهاب: فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت: صدق عروة، وقد جادلها في ذلك ناس قالوا: إن اللّه يقول {ثلاثة قروء} فقالت عائشة: صدقتم، وهل تدرون ما الأقراء؟ الأقراء الأطهار. قال ابن شهاب: سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول: ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول: هذا يريد الذي قالت عائشة. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والبيهقي عن ابن عمر وزيد بن ثابت قالا: الأقراء الأطهار. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن عمرو بن دينار قال: الأقراء الحيض عن أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس في قوله {ثلاثة قروء} قال: ثلاث حيض. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} قال: حيض. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} فجعل عدة الطلاق ثلاث حيض، ثم أنه نسخ منها المطلقة التي طلقت ولم يدخل بها زوجها فقال: في سورة الأحزاب (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) (الأحزاب الآية ٤٩) فهذه تزوج إن شاءت من يومها. وقد نسخ من الثلاثة فقال (واللاتي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم) (الطلاق الآية ٤) فهذه العجوز التي لا تحيض والتي لن تحض فعدتهن ثلاثة أشهر، وليس الحيض من أمرها في شيء، ونسخ من الثلاثة قروء الحامل فقال (أجلهن أن يضعن حملهن) (الطلاق الآية ٤) فهذه ليست من القروء في شيء إنما أجلها أن تضع حملها. وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد والبيهقي من طريق عروة وعمرة عن عائشة قالت: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلت للأزواج. قالت عمرة: وكانت عائشة تقول: إنما القرء الطهر، وليس بالحيضة. وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن زيد بن ثابت قال: إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلت للأزواج. وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن ابن عمر قال: إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها، ولا ترثه ولا يرثها. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن علقمة. أن رجلا طلق امرأته ثم تركها، حتى إذا مضت حيضتان والثالة أتاها وقد قعت في مغتسلها لتغتسل من الثالثة، فأتاها زوجها فقال: قد راجعتك قد راجعتك ثلاثا. فأتيا عمر بن الخطاب فقال عمر لابن مسعود وهو إلى جنبه: ما تقول فيها؟ قال: أرى أنه أحق بها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل لها الصلاة. فقال عمر: وأنا أرى ذلك. وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن علي بن أبي طالب قال: تحل لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، وتحل للأزواج. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي عبيدة بن عبد اللّه بن مسعود قال: أرسل عثمان بن عفان إلى أبي يسأله عن رجل طلق امرأته ثم راجعها حين دخلت في الحيضة الثالثة، قال أبي: كيف يفتي منافق؟ فقال عثمان: نعيذك باللّه أن تكون منافقا، ونعوذ باللّه أن نسميك منافقا، ونعيذك باللّه أن يكون منك هذا في الإسلام ثم تموت ولم تبينه. قال: فإني أرى أنه أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل لها الصلاة. وأخرج البيهقي من طريق الحسن عن عمر وعبد اللّه وأبي موسى، في الرجل يطلق امرأته فتحيض ثلاث حيض فراجعها قبل أن تغتسل، قال: هو أحق بها ما لم تغتسل. وأخرج وكيع عن الحسن قال: تعتد بالحيض وإن كانت لا تحيض في السنة إلا مرة. وأخرج مالك والشافعي عن محمد بن يحيى بن حيان أنه كان عند جده هاشمية وأنصارية، فطلق الأنصارية وهي ترضع، فمرت بها سنة ثم هلك ولم تحض، فقالت: أنا أرثه ولم أحض. فاختصموا إلى عثمان فقضى للأنصارية بالميراث، فلامت الهاشمية عثمان فقال: هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا، يعني ابن أبي طالب. وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال: إذا طلقها وهي حائض لم تعتد بتلك الحيضة. وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة قال: الأقراء الحيض ليس بالطهر. قال اللّه تعالى {فطلقوهن لعدتهن} ولم يقل لقروئهن. وأخرج الشافعي عن عبد الرحمن بن أبي بكر، أن رجلا من الأنصار يقال له حيان بن منقذ طلق امرأته وهو صحيح وهي ترضع ابنته، فمكثت سبعة عشر شهرا لا تحيض يمنعها الرضاع من أن تحيض، ثم مرض حيان فقلت له: إن امرأتك تريد أن ترث؟ فقال لأهله: احملوني إلى عثمان فحملوه إليه، فذكر له شأن امرأته وعنده علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، فقال لهما عثمان: ما تريان؟ فقالا: نرى أنه إن مات ترثه ويرثها إن ماتت، فإنها ليست من القواعد اللاتي قد يئسن من المحيض، وليست من الأبكار اللاتي لم يبلغهن بالمحيض، ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل أو كثير. فرجع حيان إلى أهله وأخذ ابنته، فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ثم حاضت حيضة أخرى، ثم توفي حيان قبل أن تحيض الثالثة، فاعتدت عدة المتوفى عنها زوجها وورثته. وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: طلاق الأمة تطليقتان، وقرؤها حيضتان، وفي لفظ وعدتها حيضتان. وأخرج ابن ماجة والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا. مثله. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن زيد بن ثابت قال: الطلاق بالرجال، والعدة بالنساء. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن علي وابن مسعود وابن عباس قالوا: الطلاق بالرجال، والعدة بالنساء. وأخرج مالك والبيهقي عن سعيد بن المسيب قال: الطلاق للرجال، والعدة للنساء. وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب قال: عدة المستحاضة سنة. أما قوله تعالى: {لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن}. أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله {لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهم} قال: كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر، فنهاهن اللّه عن ذلك. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن} قال: علم اللّه أن منهن كواتم، يكتمن ضرارا ويذهبن بالولد إلى غير أزواجهن، فنهى عن ذلك وقدم فيه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر {لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن} قال: الحمل والحيض، لا يحل لها إن كانت حاملا أن تكتم حملها، ولا يحل لها إن كانت حائضا أن تكتم حيضها. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبيهقي عن مجاهد {لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن} قال: الحيض والولد، لا يحل للمطلقة أن تقول: أنا حائض. وليست بحائض. ولا تقول: إني حبلى. وليست بحبلى، ولا تقول: لست بحبلى. وهي حبلى. وأخرج ابن جرير عن ابن شهاب في قوله {لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن} قال: بلغنا أن ما خلق اللّه في أرحامهن الحمل، وبلغنا أنه الحيض. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبيهقي عن إبراهيم في الآية قال: أكبر ذلك الحيض، وفي لفظ: أكثر ما عنى به الحيض. وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن عكرمة قال: الحيض. أما قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك}. أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} يقول: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطلقتين وهي حامل فهو أحق برجعتها ما لم تضع حملها، ولا يحل لها أن تكتمه يعني حملها، وهو قوله {لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن}. وأخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حبان في قوله {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} يعني المراجعة في العدة، نزلت في رجل من غفار، طلق امرأته ولم يشعر بحملها، فراجعها وردها إلى بيته فولدت وماتت ومات ولدها، فأنزل اللّه بعد ذلك بأيام يسيرة (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) (البقرة الآية ٢٢٩) فنسخت الآية التي قبلها، وبين اللّه للرجال كيف يطلقون النساء وكيف يتربصن. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن مجاهد {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} قال: في القروء الثلاث. وأخرج ابن جرير عن الربيع {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} قال: في العدة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} قال: في العدة ما ام يطلقها ثلاثا. أما قوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}. وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {ولهن مثل الذي عليهن} قال: إذا أطعن اللّه وأطعن أزواجهن، فعليه أن يحسن خطبتها ويكف عنها أذاه، وينفق عليها من سعته. وأخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن الأحوص "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ألا إن لكم على نسائكن حقا، ولنسائكم عليكم حقا. فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم من تكرهون، وألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن". وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عن معاوية بن حيدة القشيري "أن سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم ما حق المرأة على الزوج؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وأن تكسوها إذا كسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت". وأخرج ابن عدي عن قيس بن طلق عن أبيه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إذا جامع أحدكم أهله فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها، كما يحب أن يقضي حاجته". وأخرج عبد الرزاق وأبو يعلى عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها، فإن سبقها فلا يعجلها. ولفظ عبد الرزاق: فإن قضى حاجته ولم تقض حاجتها فلا يعجلها". وأخرج وكيع وفيان بن عينية وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين المرأة لي، لأن اللّه يقول {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} وما أحب أن أستوفي جميع حقي عليها لأن اللّه يقول (وللرجال عليهن درجة). وأخرج ابن ماجة عن أم سلمة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أطلى وولى عانته بيده". وأخرج الخرائطي في كتاب مساوئ الأخلاق عن أم سلمة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان ينوره [ينور: يدهن بالنورة وهي خليط من زرنيخ وغيره تستعمل لإزالة الشعر] الرجل فإذا بلغ مراقه [الشعر حان له أن ينتف] تولى هو ذلك". وأخرج الخرائطي عن محمد بن زياد قال "كان ثوبان مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جارا لي، فكان يدخال الحمام فقلت: وأنت صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تدخل الحمام. فقال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدخل الحمام ثم يتنور". وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن ابن عمر "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يتنور كل شهر، ويقلم أظفاره كل خمس عشرة". وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن عائشة أنه سئلت بأي شيء كان يبدأ النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك. قوله تعالى: {وللرجال عليهن درجة}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {وللرجال عليهن درجة} قال: فضل ما فضله اللّه به عليها من الجهاد، وفضل ميراثه على ميراثها، وكل ما فضل به عليها. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: يطلقها وليس لها من الأمر شيء. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم {وللرجال عليهن درجة} قال: الإمارة. ٢٢٩ أخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له، وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها، حتى ما جاء وقت إنقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها ثم قال: واللّه لا آويك ولا تحلين أبدا، فأنزل اللّه {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ، من كان منهم طلق ومن لم يطلق. وأخرج الترمذي وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة قالت: "كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء اللّه أن يطلقها وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة وأكثر، حتى قال رجل لامرأته: واللّه لا أطلقك، فتبيني ولا آويك أبدا. قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك، فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك. فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها، فسكتت عائشة حتى جاء النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأخبرته فسكت النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى نزل القرآن {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} قالت عائشة: فاستأنف الناس الطلاق مستقبلا من طلق ومن لم يطلق". وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن عائشة قالت: "لم يكن للطلاق وقت يطلق امرأته أم يراجعها ما لم تنقض العدة، وكان بين رجل وبين أهله بعض ما يكون بين الناس، فقال: واللّه لأتركنك لا أيما ولا ذات زوج، فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها ففعل ذلك مرارا، فأنزل اللّه فيه {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} فوقت لهم الطلاق ثلاثا يراجعها في الواحدة وفي الاثنتين، وليس في الثالثة رجعة حتى تنكح زوجا غيره". وأخرج ابن النجار عن عائشة "أنها أتتها امرأة فسألتها عن شيء من الطلاق، قالت: فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} ". وأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي عن ابن عباس (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) (البقرة الآية ٢٢٨) إلى قوله (وبعولتهن أحق بردهن) وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا، فنسخ ذلك فقال {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}. وأخرج عبد الرزاق عن الثوري عن بعض الفقهاء قال "كان الرجل في الجاهلية يطلق امرأته ما شاء لا يكون عليها عدة فتتزوج من مكانها إن شاءت، فجاء رجل من أشجع إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه، إني طلقت امرأتي، وأنا أخشى أن تتزوج فيكون الولد لغيري، فأنزل اللّه {الطلاق مرتان} فنسخت هذه كل طلاق في القرآن". وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {الطلاق مرتان} قال: "لكل مرة قرء"، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها، فجعل اللّه حد الطلاق ثلاثة، وجعله أحق برجعتها ما دامت في عدتها ما لم يطلق ثلاثا. وأخرج وكيع وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن أبي رزين الأسدي قال: "قال رجل: يا رسول اللّه، أرأيت قول اللّه عز وجل {الطلاق مرتان} فأين الثالثة؟ قال: التسريح بإحسان الثالثة". وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أنس قال "جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه، إني أسمع اللّه يقول {الطلق مرتان} فأين الثالثة؟ قال: امساك بمعروف أو تسريح بإحسان هي الثالثة". وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق قال له: "أخبرني عن قوله عز وجل {الطلاق مرتان} هل كانت تعرف العرب الطلاق ثلاثا في الجاهلية؟ قال: نعم، كانت العرب تعرف ثلاثا باتا، أما سمعت الأعشى وهو يقول وقد أخذه اختانه فقالوا: واللّه لا نرفع عنك العصا حتى تطلق أهلك، فقد أضررت بها، فقال: أيا جارتا بتي، فإنك طالقة * كذاك أمور الناس غاد وطارقة فقالوا: واللّه لا نرفع عنك العصا أو تثلث لها الطلاق، فقال: بيني، فإن البين خير من العصا * وإن لا يزال فوق رأسي بارقة فقالوا: واللّه لا نرفع عنك العصا أو تثلث لها الطلاق، فقال: بيني حصان الفرج غير ذميمة * وموقوفة فينا كذاك روامقة وذوقي فتى حي فإني ذائق * فتاة أناس مثل ما أنت ذائقة وأخرج النسائي وابن ماجة وابن جرير والدارقطني والبيهقي عن ابن مسعود في قوله {الطلاق مرتان} قال: يطلقها بعدما تطهر من قبل جماع، فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى، ثم يدعها تطهر مرة أخرى، ثم يطلقها إن شاء. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {الطلاق مرتان} قال: "يطلق الرجل امرأته طاهرا في غير جماع، فإذا حاضت ثم طهرت، فقد تم القرء، ثم يطلق الثانية كما يطلق الأولى إن أحب أن يفعل، فإذا طلق الثانية ثم حاضت الحيضة الثانية فهاتان تطليقتان وقرآن، ثم قال اللّه للثالثة {افإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} فيطلقها في ذلك القرء كله إن شاء". وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد عن أبي حبيب قال: التسريح في كتاب اللّه الطلاق. وأخرج البيهقي من طريق السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وأناس من الصحابة في قوله {الطلاق مرتان} قال: وهو الميقات الذي يكون عليها فيه الرجعة، فإذا طلق واحدة أو اثنتين، فإما يمسك ويراجع بمعروف، وإما يسكت عنها حتى تنقضي عدتها فتكون أحق بنفسها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين، فليتق اللّه في الثالثة، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها، أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا. وأخرج الشافعي وعبد الرزاق في المصنف وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر. أنه كان إذا نكح قال: أنكحتك على ما أمر اللّه على إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان. وأخرج أبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "أبغض الحلال إلى اللّه عز وجل، الطلاق". وأخرج البزار عن أبي موسى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "لا تطلق النساء إلا عن ريبة، إن اللّه لا يحب الذواقين ولا الذواقات". وأخرج عبد الرزاق عن معاذ بن جبل قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "يا معاذ، ما خلق اللّه شيئا على ظهر الأرض أحب إليه من عناق، وما خلق اللّه على وجه الأرض أبغض إليه من الطلاق". وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن زيد بن وهب. أن بطالا كان بالمدينة فطلق امرأته ألفا، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فقال: إنما كنت ألعب، فعلاه عمر بالدرة، وقال: إن كان ليكفيك ثلاث. وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب في الرجل يطلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها قال: هي ثلاث، لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وكان إذا أتي به أوجعه. وأخرج البيهقي من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي، فيمن طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها، لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره. وأخرج البيهقي من طريق حبيب بن أبي ثابت عن بعض أصحابه قال: جاء رجل إلى علي قال: طلقت امرأتي ألفا. قال: ثلاث تحرمها عليك، وأقسم سائرها بين نسائك. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن علقمة بن قيس قال: أتى رجل إلى ابن مسعود فقال: إن رجلا طلق امرأته البارحة مائة. قال: قلتها مة واحدة؟ قال: نعم. قال: تريد أن تبين منك امرأتك؟ قال: نعم. قال: هو كما قلت. قال: وأتاه رجل فقال: رجل طلق امرأته البارحة عدد النجوم. قال: قلتها مرة واحدة؟ قال: نعم. قال: تريد أن تبين منك امرأتك؟ قال: نعم. قال: هو كما قلت، ثم قال: قد بين اللّه أمر الطلاق، فمن طلق كما أمره اللّه فقد بين له، ومن لبس على نفسه جعلنا به لبسته، واللّه لا تلبسون على أنفسكم ونتحمله عنكم هو كما تقولون. وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: المطلقة ثلاثا قبل أن يدخل بها، بمنزلة قد دخل بها. وأخرج مالك والشافعي وأبو داود والبيهقي عن محمد بن إياس بن البكير قال: طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها، ثم بدا له أن ينكحها، فجاء يستفتي، فذهبت معه أسأل له، فسأل أبا هريرة وعبد اللّه بن عباس عن ذلك، فقالا: لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك. قال: إنما كان طلاقي إياها واحدة! قال ابن عباس: إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل. وأخرج مالك والشافعي وأبو ادود والبيهقي عن أبي عياش الأنصاري. أنه كان جالسا مع عبد اللّه بن الزبير، وعاصم بن عمر، فجاءهما محمد بن أبي إياس بن البكير فقال: إن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها، فماذا تريان؟ فقال ابن الزبير: إن هذا الأمر ما لنا فيه قول: اذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة، فإني تركتهما عند عائشة فاسألهما، فذهب فسألهما قال ابن عباس لأبي هريرة: افته يا أبا هريرة، فقد جاءتك معضلة. فقال أبو هريرة: الواحدة تبينها، والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره. وقال ابن عباس مثل ذلك. وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن عطاء بن يسار قال: جاء رجل يسأل عبد اللّه بن عمرو بن العاص عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها، فقلت: إنما طلاق البكر واحدة. فقال لي عبد اللّه بن عمرو: إنما أنت قاض، الواحدة تبين، والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره. وأخرج الشافعي والبيهقي عن مجاهد قال: جاء رجل لابن عباس قال: طلقت امرأتي مائة. قال: نأخذ ثلاثا وندع سبعة وتسعين. وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال: إذا طلق الرجل امرأته ثلاث قبل أن يدخل بها لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره. وأخرج البيهقي عن قيس بن أبي حازم قال: سأل رجل المغيرة بن شعبة وأنا شاهد عن رجل طلق امرأته مائة قال: ثلاث تحرم، وسبع وتسعون فضل. وأخرج الطبراني والبيهقي عن سويد بن عفلة قال: كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي رضي اللّه عنهما، فلما قتل علي رضي اللّه عنه قالت: لتهنك الخلافة! قال: يقتل علي وتظهرين الشماتة؟! اذهبي فأنت طالق ثلاثا. قال: فتلفعت ثيابها وقعدت حتى قضت عدتها، فبعث إليها ببقية لها من صداقها وعشرة آلاف صدقة، فلما جاءها الرسول قالت: متاع قليل من حبيب مفارق!. فلما بلغه قولها بكى: ثم قال: لولا أني سمعت جدي، أو حدثني أبي: أنه سمع جدي قول: أيما رجل طلق امرأته ثلاثا عند الأقراء، أو ثلاثا مبهمة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره لراجعتها. وأخرج الشافعي وأبو داود والحاكم والبيهقي عن ركابة بن عبد يزيد. أنه طلق امرأته سهيمة البتة، فأخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم بذلك، وقال: واللّه ما أردت إلا واحدة. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "واللّه ما أردت إلا واحدة؟ فقال: ركانة واللّه ما أردت إلا واحدة. فردها إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فطلقها الثانية في زمان عمر، والثالثة في زمان عثمان". وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي من طريق عبد اللّه بن علي بن زيد بن ركانه عن أبيه عن جده ركانة "أنه طلق امرأته البتة، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: ما أردت بها؟ قال: واحدة. قال: واللّه ما أردت بها إلا واحدة؟ قال: واللّه ما أردت بها إلا واحدة. قال: هو ما أردت، فردها عليه". وأخرج عبد الرزاق ومسلم وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم. وأخرج الشافعي وعبد الرزاق ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي عن طاوس. أن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم إنما كانت الثلاث واحدة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأبي بكر، وثلاثا من أمارة عمر؟ قال ابن عباس: نعم. وأخرج أبو داود والبيهقي عن طاوس. أن رجلا يقال له أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرا من أمارة عمر؟ قال ابن عباس: بلى، كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرا من أمارة عمر، فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال: أجيزوهن عليهم. وأخرج عبد الرزاق وأبو داود والبيهقي عن ابن عباس قال "طلق عبد يزيد أبو ركانة أم ركانة، ونكح امرأة من مزينة، فجاءت النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالت: ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه. فأخذت النبي صلى اللّه عليه وسلم حمية فدعا بركانة وإخوته، ثم قال لجلسائه: أترون فلانا يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد، وفلانا منه كذا وكذا؟ قالوا: نعم. قال النبي صلى اللّه عليه وسلم لعبد يزيد: طلقها. ففعل. قال: راجع امرأتك أم ركانة. فقال: إني طلقتها ثلاثا يا رسول اللّه! قال: قد علمت، ارجعها وتلا (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) (الطلاق الآية ١) ". وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: "طلق ركانة أمرأته ثلاثا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كيف طلقتها؟ قال: طلقتها ثلاثا في مجلس واحد. قال: نعم، فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت. فراجعها. فكان ابن عباس يرى إنما الطلاق عند كل طهر، فتلك السنة التي كان عليها الناس والتي أمر اللّه بها (فطلقوهن لعدتهن) ". وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال: إذا قال أنت طالق ثلاثا بفم واحدة فهي واحدة. وأخرج الحاكم وصححه عن ابن أبي مليكة. أن أبا الجوزاء أتى ابن عباس فقال: أتعلم أن ثلاثا كن يرددن على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى واحدة؟ قال: نعم. وأخرج البيهقي عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "طلاق التي لم يدخل بها واحدة". وأخرج ابن عدي والبيهقي عن الأعمش قال: بان بالكوفة شيخ يقول: سمعت علي بن أبي طالب يقول: إذا طلق الرجل امرأته في مجلس واحد فإنه يرد إلى واحدة، والناس عنقا واحدا إذ ذاك يأتونه ويسمعون منه. فأتيته فقرعت عليه الباب، فخرج إلي شيخ فقلت له: كيف سمعت علي بن أبي طالب يقول فيمن طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد؟ قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس واحد فإنه يرد إلى واحدة. قال: فقلت له: أنى سمعت هذا من علي. قال: أخرج إليك كتابا، فأخرج فإذا فيه: بسم اللّه الرحم الرحيم قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس واحد فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، قلت: ويحك هذا غير الذي تقول! قال: الصحيح هو هذا، ولكن هؤلاء أرادوني على ذلك. وأخرج البيهقي عن مسلمة بن جعفر الأحمس قال: قلت لجعفر بن محمد: يزعمون أن من طلق ثلاثا بجهالة رد إلى السنة يجعلونه واحدة عنكم. قال: معاذ اللّه! ما هذا من قولنا، من طلق ثلاثا فهو كما قال. وأخرج البيهقي عن بسام الصيرفي قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: من طلق امرأته بجهالة أو علم فقد برئت منه. وأخرج ابن ماجة عن الشعبي قال: قلت لفاطمة بنت قيس: حدثيني عن طلاقك، قالت: طلقني زوجي ثلاثا وهو خارج إلى اليمن، فأجاز ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. أما قوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} الآية أخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان الرجل يأكل من مال امرأته نحلته الذي نحلها وغيره لا يرى أن عليه جناحا، فأنزل اللّه {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} فلم يصلح لهم بعد هذه الآية أخذ شيء من أموالهن إلا بحقها، ثم قال {إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود اللّه فإن خفتم أن لا يقيما حدود اللّه...} وقال (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) (النساء الآية ٤). وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود اللّه} قال: إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها فتدعوك إلى أن تفتدي منك، فلا جناح عليك فيما افتدت به. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس، وفي حبيبة، وكانت اشتكته إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " تردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. فدعاه فذكر له ذلك فقال: ويطيب لي ذلك؟ قال: نعم، قال ثابت: قد فعلت. فنزلت {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود اللّه...} الآية". وأخرج مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والبيهقي من طريق عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن حبيبة بنت سهل الأنصاري " أنها كانت تحت ثابت بن قيس، وأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجدها عند بابه في الغلس، فقال: من هذه؟ فقالت: أنا حبيبة بنت سهل. فقال: ما شأنك؟! قالت: لا أنا ولا ثابت، فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء اللّه أن تذكر. فقالت حبيبة: يا رسول اللّه! كل ما أعطاني عندي. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: خذ منها. فأخذ منها وجلست في أهلها". وأخرج عبد الرزاق وأبو داود وابن جرير والبيهقي من طريق عمرة عن عائشة" أن حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، فضربها فكسر يدها، فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد الصبح فاشتكته إليه، فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثابتا فقال: خذ بعض مالها وفارقها. قال: ويصلح ذلك يا رسول اللّه؟ قال: نعم. قال: فإني أصدقتها حديقتين فهما بيدها. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: خذهما وفارقها. ففعل ثم تزوجها أبي بن كعب، فخرج بها إلى الشام فتوفيت هناك". وأخرج البخاري والنسائي وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس" أن جميلة بنت عبد اللّه بن سلول امرأة ثابت بن قيس قالت: ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني لا أطيقه بغضا، وأكره الكفر في الإسلام. قال: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. قال: اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة. ولفظ ابن ماجة: فأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد". وأخرج ابن جرير عن عكرمة" أنه سئل هل كان للخلع أصل؟ قال: كان ابن عباس يقول: إن أول خلع في الإسلام في أخت عبد اللّه بن أبي، إنها أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللّه لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدا، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة، فإذا هو أشدهم سوادا، وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجها. قال زوجها: يا رسول اللّه إني أعطيتها أفضل مالي: حديقة لي، فإن ردت علي حديقتي؟ قال: ما تقولين؟ قالت: نعم، وإن شاء زدته. قال: ففرق بينهما". وأخرج أحمد عن سهل بن أبي حثمة" كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت بن قيس بن شماس، فكرهته وكان رجلا دميما، فجاءت فقالت: يا رسول اللّه إني لا أراه، فلولا مخافة اللّه لبزقت في وجهه. فقال لها: أتردين عليه حديقته التي أصدقك؟ قالت: نعم. فردت عليه حديقته وفرق بينهما، فكان ذلك أول خلع كان في الإسلام". وأخرج ابن جرير عن عبد اللّه بن رباح عن جميلة بنت أبي بن سلول" أنها كانت تحت ثابت بن قيس فنشزت عليه، فأرسل إليها النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا جميلة ما كرهت من ثابت؟ قالت: واللّه ما كرهت منه دينا ولا خلقا إلا أني كرهت دمامته. فقال لها: أتردين الحديقة؟ قالت: نعم. فردت الحديقة وفرق بينهما". وأخرج ابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " كانت حبيبة بنت سهل تحت بن قيس بن شمس فكرهته، وكان رجلا دميما فقالت: يا رسول اللّه، واللّه لولا مخافة اللّه إذا دخل علي بسقت في وجهه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. فردت عليه حديقته، ففرق بينهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم". وأخرج البيهقي عن ابن عباس" أن جميلة بنت أبي بن سلول أتت النبي صلى اللّه عليه وسلم تريد الخلع، فقال لها: ما أصدقك؟ قالت: حديقة. قال: فردي عليه حديقته". وأخرج البيهقي عن عطاء قال أتت امرأة النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالت: إني أبغض زوجي وأحب فراقه، فقال: أتردين حديقته التي أصدقك؟ - وكان أصدقها حديقة - قالت: نعم. وزيادة. قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: إما زيادة من مالك فلا، ولكن الحديقة؟ قالت: نعم. فقضى بذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم على الرجل، فأخبر بقضاء النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: قد قبلت قضاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم". وأخرجه من وجه آخر عن عطاء عن ابن عباس موصولا، وقال المرسل هو الصحيح. وأخرج البيهقي عن ابن الزبير" أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد اللّه بن أبي بن سلول، وكان أصدقها حديقة فكرهته، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: أتردين عليه حديقته التي أعطاك؟ قالت: نعم، وزيادة. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: أما الزيادة فلا ولكن حديقته؟ قالت: نعم. فأخذها له وخلى سبيلها، فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال: قد قبلت قضاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم". وأخرج البيهقي عن أبي سعيد قال: " أرادت أختي أن تختلع من زوجها، فأتت النبي صلى اللّه عليه وسلم مع زوجها، فذكرت له ذلك، فقال لها: أتردين عليه حديقته ويطلقك؟ قالت: نعم، وأزيده، فخلعها فردت عليه حديقته وزادته". وأخرج البزار عن أنس قال: " جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت كلاما كأنها كرهته، فقال: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. فأرسل إلى ثابت: خذ منها ذلك وطلقها". وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود اللّه} قال: هذا لهما {فإن خفتم أن لا يقيما حدود اللّه} قال: هذا لولاة الأمر {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} قال: إذا كان النشوز والظلم من قبل المرأة فقد أحل اللّه له منها الفدية ولا يجوز خلع إلا عند سلطان، فإما إذا كانت راضية مغتبطة بجناحه مطيعة لأمره فلا يحل له أن يأخذ مما آتاها شيئا. وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: إذا جاء الظلم من قبل المرأة حل له الفدية، وإذا جاء من قبل الرجل لم يحل له منها شيء. وأخرج عبد بن حميد عن عروة قال: لا يصلح الخلع إلا أن يكون الفساد من قبل المرأة. وأخرج عبد بن حميد عن الليث قال: قرأ مجاهد في البقرة (إلا أن يخافا) برفع الياء. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد اللّه (إلا أن يخافوا). وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ميمون بن مهران قال: في حرف أبي بن كعب أن الفداء تطليقة فيه إلا أن يظنا أن لا يقيما حدود اللّه، فإن ظنا أن لا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به، لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره. وأخرج البيهقي عن ابن عباس" أن النبي صلى اللّه عليه وسلم جعل الخلع تطليقة بائنة". وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق والبيهقي عن أم بكر الأسلمية. أنها اختلعت من زوجها عبد اللّه بن أسيد، ثم أتيا عثمان بن عفان في ذلك فقال: هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر والبيهقي عن طاوس. أن إبراهيم بن سعيد بن أبي وقاص سأل ابن عباس عن امرأة طلقها زوجها طلقتين ثم اختلعت منه أيتزوجها؟ قال ابن عباس: نعم، ذكر اللّه الطلاق في أول الآية وآخرها والخلع بين ذلك، فليس الخلع بطلاق ينكحها. وأخرج عبد الرزاق عن طاوس قال: لولا أنه أعلم لا يحل لي كتمانه ما حدثته أحدا، كان ابن عباس لا يرى الفداء طلاقا حتى يطلق، ثم يقول: ألا ترى أنه ذكر الطلاق من قبله ثم ذكر الفداء فلم يجعله طلاقا، ثم قال في الثانية (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) (البقرة الآية ٢٣٠) ولم يجعل الفداء بينهما طلاقا. وأخرج الشافعي عن ابن عباس. في رجل طلق امرأته تطليقتين، ثم اختلعت منه يتزوجها إن شاء، لأن اللّه يقول {الطلاق مرتان} قرأ إلى أن يتراجعا. وأخرج الشافعي وعبد الرزاق عن عكرمة أحسبه عن ابن عباس قال: كل شيء أجازه المال فليس بطلاق، يعني الخلع. وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن عطاء" أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها". وأخرج عبد بن حميد عن حميد الطويل قال: قلت لرجاء بن حيوة. إن الحسن يكره أن يأخذ من المرأة فوق ما أعطاها في الخلع. فقال: قال قبيصة بن ذؤيب: اقرأ الآية التي تليها {فإن خفتم إلا أن يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به}. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن كثير مولى سمرة. أن امرأة نشزت من زوجها في أمارة عمر، فأمر بها إلى بيت كثير الزبل، فمكثت ثلاثة أيام ثم أخرجها فقال: كيف رأيت؟ قالت: ما وجدت الراحة إلا في هذه الأيام. فقال عمر: اخلعها ولو من قرطها. وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن عبد اللّه بن رباح، أن عمر بن الخطاب قال في المختلعة: تختلع بما دون عقاص رأسها. وأخرج البيهقي عن عبد اللّه بن شهاب الخولاني. أن امرأة طلقها زوجها على ألف درهم، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال: با عك زوجك طلاقا بيعا وأجازه عمر. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: كان لي زوج يقل علي الخير إذا حضرني، ويحرمني إذا غاب عني، فكانت مني زلة يوما، فقلت له اختلع منك بكل شيء أملكه. قال: نعم. ففعلت فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان، فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه. وأخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والبيهقي عن نافع. أن مولاة صفية بنت عبيد امرأة عبد اللّه بن عمر اختلعت من زوجها بكل شيء لها، فلم ينكر ذلك عبد اللّه بن عمر. وأخرج مالك والبيهقي عن نافع، أن ربيع بنت معوذ جاءت هي وعمها إلى عبد اللّه بن عمر، فأخبرته أنها اختلعت من زوجها في زمان عثمان بن عفان، فبلغ ذلك عثمان فلم ينكره، فقال عبد اللّه بن عمر: عدتها عدة المطلقة. وأخرج البيهقي عن عروة بن الزبير. أن رجلا خلع امرأته في ولاية عثمان بن عفان عند غير سلطان، فأجازه عثمان. وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب وابن شهاب وسليمان بن يسار، أنهم كانوا يقولون: عدة المختلعة ثلاثة قروء. وأخرج عبد الرزاق عن علي بن أبي طالب قال: عدة المختلعة مثل عدة المطلقة. وأخرج ابن أبي شيبة عن نافع. أن الربيع اختلعت من زوجها، فأتى عمها عثمان فقال: تعتد حيضة. قال: وكان ابن عمر يقول: تعتد ثلاث حيض حتى قال هذا عثمان، فكان ابن عمر يفتي به ويقول: عثمان خيرنا وأعلمنا. وأخرج مالك وابن أبي شيبة وأبو داود عن ابن عمر قال: عدة المختلعة حيضة. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: عدة المختلعة حيضة. وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن ابن عباس" أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها على عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأمرها النبي صلى اللّه عليه وسلم أن تعتد بحيضة". وأخرج الترمذي عن الربيع بنت معوذ بن عفراء" أنها اختلعت على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأمرها النبي صلى اللّه عليه وسلم أن تعتد بحيضة". وأخرج النسائي وابن ماجة عن عبادة بن الوليد عن عبادة بن الصامت قال: قلت للربيع بنت معوذ بن عفراء: حدثيني حديثك قالت: اختلعت من زوجي ثم جئت عثمان، فسألت ماذا علي من العدة؟ فقال: لا عدة عليك إلا أن يكون حديث عهد بك فتمكثين حتى تحيضي حيضة. قالت: إنما أتبع في ذلك قضاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مريم المغالية، وكانت تحت ثابت بن قيس فاختلعت منه. وأخرج النسائي عن ربيع بنت معوذ بن عفراء" أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها، وهي جميلة بنت عبد اللّه بن أبي، فأتى أخوها يشتكيه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأرسل إلى ثابت فقال له: خذ الذي لها عليك وخل سبيلها. قال: نعم. فأمرها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن تتربص حيضة واحدة فتلحق بأهلها". وأخرج الشافعي والبيهقي عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قالا: في المختلعة يطلقها زوجها قالا: لا يلزمها طلاق لأنه طلق ما لا يملك. وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب قال: إذا أراد النساء الخلع فلا تكفروهن. وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم" أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة، وقال: المختلعات المنافقات". وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس" أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لا تسأل المرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما". وأخرج أحمد والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال " المختلعات والمنتزعات هن المنافقات". وأخرج ابن جرير عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم" المختلعات المنتزعات هن المنافقات". وأما قوله تعالى: {تلك حدود اللّه فلا تعتدوها} أخرج النسائي عن محمود بم لبيد قال " أخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فقام غضبان ثم قال: أيلعب بكتاب اللّه وأنا بين أظهركم؟ حتى قام رجل وقال: يا رسول اللّه ألا أقتله؟ وأخرج البيهقي عن رافع بن سحبان أن رجلا أتى عمران بن حصين فقال: رجل طلق امرأته ثلاثا في مجلس؟ قال: أثم بربه وحرمت عليه امرأته. فانطلق الرجل فذكر ذلك لأبي موسى يريد بذلك عيبه فقال: ألا ترى أن عمران بن حصين قال: كذا وكذا؟ فقال أبو موسى: اللّه أكبر، فتيا مثل أبي نجيد. ٢٣٠ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله {فإن طلقها فلا تحل له من بعد} يقول: فإن طلقها ثلاثا فلا تحل له حتى تنكح غيره. وأخرج ابن جرير عن مجاهد {فإن طلقها فلا تحل له} قال: عاد إلى قوله (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) (البقرة الآية ٢٢٩). وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} قال: هذه الثالثة التي ذكر اللّه عز وجل، جعل اللّه عقوبة الثالثة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب {فإن طلقها فلا تحل له} قال: هذه الثالثة. وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن أم سلمة" أن غلاما لها طلق امرأة تطليقتين، فاستفت أم سلمة النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره". وأخرج الشافعي والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال: ينكح العبد امرأتين، ويطلق تطليقتين، وتعتد الأمة حيضتين، فإن لم تكن تحيض فشهرين. وأخرج مالك والشافعي والنحاس في ناسخه والبيهقي عن ابن عمر. أنه كان يقول: إذا طلق العبد امرأته اثنتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أم أمة، وعدة الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيض. وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن ابن المسيب. أن نفيعا مكاتبا لأم سلمة طلق امرأته حرة تطليقتين، فاستفتى عثمان بن عفان فقال له: حرمت عليك. وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن سليمان بن يسار. أن نفيعا مكاتبا لأم سلمة كانت تحته حرة، فطلقها اثنتين ثم أراد أن يراجعها، فأمره أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يأتي عثمان بن عفان يسأله عن ذلك، فذهب إليه وعنده زيد بن ثابت، فسألاهما فقالا: حرمت عليك حرمت عليك. وأما قوله تعالى: {حتى تنكح زوجا غيره} أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويهزها. وأخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حيان قال " نزلت هذه الآية في عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك النضري، كانت عند رفاعة بن عتيك وهو ابن عمها فطلقها طلاقا بائنا، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي فطلقها، فأتت النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالت: إنه طلقني قبل أن يمسني أفأراجع إلى الأول؟ قال: لا حتى يمس. فلبثت ما شاء اللّه، ثم أتت النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالت له: إنه قد مسني. فقال: كذبت بقولك الأول فلم أصدقك في الآخر. فلبثت حتى قبض النبي صلى اللّه عليه وسلم فأتت أبا بكر فقالت: أرجع إلى الأول فإن الآخر قد مسني؟ فقال أبو بكر: شهدت النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لك: لا ترجعي إليه فلما مات أبو بكر أتت عمر فقال له: لئن أتيتني بعد هذه المرة لأرجمنك فمنعها، وكان نزل فيها {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} فيجامعها، فإن طلقها بعد ما جامعها فلا جناح عليهما أن يتراجعا". وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت" جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت:إني كنت عند رفاعة فطلقني فبنت طلاقي، فتزوجني عبد الرحمن بن الزبير وما معه إلا مثل هدبة الثوب، فتبسم النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسليته ويذوق عسليتك؟ ". وأخرج والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير والبيهقي عن عائشة" أن رجلا طلق امرأته ثلاثا فتزوجت زوجا وطلقها قبل أن يمسها، فسأل النبي صلى اللّه عليه وسلم أتحل للأول؟ قال: لا حتى يذوق من عسيلتها كما ذاق الأول". وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس. أن المرأة التي طلق رفاعة القرظي اسمها تميمة بنت وهب بن عبيد، وهي من بني النضير. وأخرج مالك والشافعي وابن سعد والبيهقي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير" أن رفاعة بن سموأل القرظي طلق امرأته تميمة بنت وهب على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاثا، فنكحها عبد الرحمن بن الزبير، فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي طلقها، فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنهاه أن يتزوجها وقال: لا تحل لك حتى تذوق العسيلة". وأخرج البزار والطبراني والبيهقي من طريق الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير عن أبيه" أن رفاعة بن سموأل طلق امرأته، فأتت النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللّه قد تزوجني عبد الرحمن وما معه إلا مثل هذه، وأومأت إلى هدبة من ثوبها، فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعرض عن كلامها ثم قال لها :تريدين أن ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك؟ ". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن جرير عن عائشة قالت" سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن رجل طلق امرأته فتزوجت غيره، فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول؟ قال: لا حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها". وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن جرير والبيهقي عن ابن عمر قال " سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر فيغلق الباب ويرخي الستر، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها فهل تحل للأول؟ قال: لا حتى تذوق عسيلته. وفي لفظ: حتى يجامعها الآخر". وأخرج أحمد وابن جرير والبيهقي عن أنس" أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثلاثا فتزوجت بعده رجلا، فطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لزوجها الأول؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لا حتى يكون الآخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته". وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا فتتزوج غيره، فيطلقها قبل أن يدخل بها فيريد الأول أن يراجعها قال: لا حتى يذوق عسيلتها". وأخرج أحمد والنسائي عن عبد اللّه بن عباس" أن الغميصاء أو الرميصاء أتت النبي صلى اللّه عليه وسلم تشتكي زوجها أنه لا يصل إليها، فلم يلبث أن جاء زوجها فقال: يا رسول اللّه هي كاذبة، وهو يصل إليها ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ليس ذلك لك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره". وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة وأنس قالا: لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر. وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال: لا تحل له حتى يهزها به هزيز البكر. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: لا تحل له حتى يقشقشها به. وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن نافع قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ليحلها لأخيه هل تحل للأول؟ فقال: لا الإنكاح رغبة، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج أبو إسحق الجوزجاني عن ابن عباس قال: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال " لا الإنكاح رغبة لا نكاح دلسة ولا استهزاء بكتاب اللّه، ثم يذوق عسيلتها". وأخرج ابن أبي شيبة عن عمرو بن دينار عن النبي صلى اللّه عليه وسلم نحوه. وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال: لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المحلل والمحلل له. وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي في سننه عن علي" أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: لعن اللّه المحلل والمحلل له". وأخرج الترمذي عن جابر بن عبد اللّه" أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له". وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس قال " لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المحلل والمحلل له". وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم" ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه قال: هو المحلل، لعن اللّه المحلل والمحلل له". وأخرج أحمد وابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " لعن اللّه المحلل والمحلل له". وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأبو بكر بن الأثرم في سننه والبيهقي عن عمر، أنه قال: لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما. وأخرج البيهقي عن سليمان بن يسار" أن عثمان بن عفان رفع إليه رجل تزوج امرأة ليحللّها لزوجها، ففرق بينهما وقال: لا ترجع إليه الإنكاح رغبة غير دلسة". وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس. أن رجلا سأله فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثا قال: إن عمك عصى اللّه فأندمه وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا. قال: كيف ترى في رجل يحلها له؟ قال: من يخادع اللّه يخدعه. وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبيهقي عن زيد بن ثابت. أنه كان يقول في الرجل يطلق الأمة ثلاثا ثم يشتريها: إنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار، أنهما سئلا عن رجل زوج عبدا له جارية فطلقها العبد البتة، ثم وهبها سيدها له هل تحل له بملك اليمين؟ فقالا: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. وأخرج البيهقي عن عبيدة السلماني قال: إذا كان تحت الرجل مملوكة فطلقها - يعني البتة - ثم وقع عليها سيدها لا يحلها لزوجها إلا أن يكون زوج لا تحل له إلا من الباب الذي حرمت عليه. وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال: لا يحلها لزوجها وطء سيدها حتى تنكح زوجا غيره. وأخرج عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان. أن رجلا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها، فأتى ابن عباس يسأله وعنده أبو هريرة فقال ابن عباس: إحدى المعضلات يا أبا هريرة. فقال أبو هريرة: واحدة تبتها، وثلاث تحرمها. فقال ابن عباس: نورتها يا أبا هريرة. وأما قوله تعالى: {فإن طلقها فلا جناح عليهما} الآية. أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن محمد بن الحنفية قال: قال علي رضي اللّه عنه: أشكل علي أمران. قوله {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} فدرست القرآن، فعلمت أنه يعني إذا طلقها زوجها الآخر رجعت إلى زوجها الأول المطلق ثلاثا. قال: وكنت رجلا مذاء، فاستحيت أن أسأل النبي صلى اللّه عليه وسلم من أجل أن ابنته كانت تحتي، فأمرت المقداد بن الأسود فسأل النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال " فيه الوضوء". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} يقول: إذا تزوجت بعد الأول فدخل بها الآخر فلا حرج على الأول أن يتزوجها إذا طلقها الآخر، أو مات عنها فقد حلت له. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {إن ظنا أن يقيما حدود اللّه} يقول: إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {أن يقيما حدود اللّه} يقول: على أمر اللّه وطاعته. ٢٣١ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل إنقضاء عدتها، ثم يطلقها فيفعل بها ذلك يضارها ويعضلها. فأنزل اللّه {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا}. وأخرج مالك وابن جرير وابن المنذر عن ثور بن زيد الديلي أن الرجل كان يطلق المرأة ثم يراجعها ولا حاجة له بها، ولا يريد إمساكها إلا كيما يطول عليها بذلك العدة ليضارها، فأنزل اللّه {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه} يعظهم اللّه بذلك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي قال: نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار، طلق امرأته حتى إذا إنقضت عدتها إلا يومين أو ثلاثة راجعها ثم طلقها، ففعل ذلك بها حتى مضت لها تسعة أشهر يضارها، فأنزل اللّه {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن مجاهد في قوله {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا} قال: الضرار أن يطلق الرجل تطليقة ثم يراجعها عند آخر يوم يبقى من الأقراء، ثم يطلقها عند آخر يوم يبقى من الأقراء يضارها بذلك. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن الحسن في هذه الآية {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا} قال: هو الرجل يطلق امرأته فإذا أرادت أن تنقضي عدتها أشهد على رجعتها ثم يطلقها، فإذا أرادت أن تنقضي عدتها أشهد على رجعتها يريد أن يطول عليها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مسروق في الآية قال: هو الذي يطلق امرأته ثم يدعها حتى إذا كان في آخر عدتها راجعها، ليس به ليمسكها ولكن يضارها ويطول عليها ثم يطلقها، فإذا كان في آخر عدتها راجعها، فذلك الذي يضار، وذلك الذي يتخذ آيات اللّه هزوا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطية في الآية قال: الرجل يطلق امرأته ثم يسكت عنها حتى تنقضي عدتها إلا أياما يسيرة ثم يراجعها، ثم يطلقها فتصير عدتها تسعة أقراء أو تسعة اشهر، فذلك قوله {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا}. وأخرج ابن ماجة وابن جرير والبيهقي عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم" ما بال أقوام يلعبون بحدود اللّه يقول: قد طلقتك قد راجعتك قد طلقتك قد راجعتك قد طلقتك قد راجعتك، ليس هذا طلاق المسلمين، طلقوا المرأة في قبل عدتها". وأخرج أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف عن عروة قال: نزلت {بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا}. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبادة بن الصامت قال: كان الرجل على عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول للرجل زوجتك ابنتي، ثم يقول: كنت لاعبا. ويقول: قد أعتقت. ويقول: كنت لاعبا. فأنزل اللّه {ولا تتخذوا آيات اللّه هزوا} فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " ثلاث من قالهن لاعبا أو غير لاعب فهن جائزات: الطلاق، والعتاق، والنكاح". وأخرج ابن أبي عمر في مسنده وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: كان الرجل يطلق ثم يقول: لعبت. ويعتق، ثم يقول: لعبت. فأنزل اللّه {ولا تتخذوا آيات اللّه هزوا} فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " من طلق أو أعتق فقال: لعبت. فليس قوله بشيء، يقع عليه ويلزمه". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال " طلق رجل امرأته وهو يلعب لا يريد الطلاق، فأنزل اللّه {ولا تتخذوا آيات اللّه هزوا} فألزمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الطلاق". وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال: كان الرجل يطلق ويقول: كنت لاعبا، ويعتق ويقول: كنت لاعبا، وينكح ويقول: كنت لاعبا. فأنزل اللّه {ولا تتخذوا آيات اللّه هزوا} وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " من طلق، أو أعتق، أو نكح، أو أنكح، جادا أو لاعبا فقد جاز عليه". وأخرج الطبراني من طريق الحسن عن أبي الدرداء قال: كان الرجل في الجاهلية يطلق، ثم يقول: كنت لاعبا، ثم يعتق ويقول: كنت لاعبا. فأنزل اللّه {ولا تتخذوا آيات اللّه هزوا} فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم " من طلق، أو حرم، أو نكح، أو أنكح، فقال: إني كنت لاعبا فهو جاد". وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد. النكاح، والطلاق، والرجعة". وأخرج البخاري في تاريخه عن عمر بن الخطاب قال: أربع مقفلات: النذر، والطلاق، والعتق، والنكاح. وأخرج مالك وعبد الرزاق والبيهقي في المصنف عن سعيد بن المسيب قال: ثلاث ليس فيهن لعب. النكاح، والطلاق، والعتاق. وأخرج عبد الرزاق عن أبي الدرداء قال: ثلاث اللاعب فيهن كالجاد: النكاح، والطلاق، والعتاق. وأخرج عبد الرزاق عن علي بن أبي طالب قال: أربع لا لعب فيهن: النكاح، والطلاق، والعتاقة، والصدقة. وأخرج عبد الرزاق من طريق عبد الكريم بن أمية عن جعدة بن هبيرة. أن عمر بن الخطاب قال: ثلاث اللاعب فيهن والجاد سواء: الطلاق، والصدقة، والعتاقة. قال عبد الكريم. وقال طلق بن حبيب: والهدي، والنذر. وأخرج عبد الرزاق عن أبي ذر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز، ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز، ومن أنكح وهو لاعب فنكاحه جائز". وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس. أنه جاءه رجل فقال: إني طلقت امرأتي ألفا. وفي لفظ: مائة قال: ثلاث تحرمها عليك وبقيتهن وزر، اتخذت آيات اللّه هزوا. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن مسعود. أن رجلا قال له: إني طلقت امرأتي مائة. قال: بانت منك بثلاث وسائرهن معصية. وفي لفظ: عدوان. وأخرج عبد الرزاق عن داود بن عبادة بن الصامت قال: طلق جدي امرأة له ألف تطليقة، فانطلق أبي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم " ما اتقى اللّه جدك، أما ثلاث فله، وأما تسعمائة وسبعة وتسعون فعدوان وظلم، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له". وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال: سئل ابن عباس عن رجل طلق امرأته عدد النجوم قال: يكفيه من ذلك رأس الجوزاء. ٢٣٢ أخرج وكيع والبخاري وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم والبيهقي من طرق عن معقل بن يسار قال: كانت لي أخت فأتاني ابن عم لي فأنكحتها إياه، فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة، فهويها وهويته ثم خطبها مع الخطاب، فقلت له: يا لكع أكرمتك بها وزوجتكما فطلقتها ثم جئت تخطبها، واللّه لا ترجع إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فعلم اللّه حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها، فأنزل اللّه تعالى {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} قال: ففي نزلت هذه الآية. فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه. وفي لفظ: فلما سمعها معقل قال: سمع لربي وطاعة، ثم دعاه فقال: أزوجك وأكرمك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في الرجل يطلق امرأته طلقة أو طلقتين، فتقضي عدتها ثم يبدو له تزوجها وأن يراجعها، وتريد المرأة ذلك فيمنعها أولياؤها من ذلك، فنهى اللّه أن يمنعوها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فلا تعضلوهن} يقول: فلا تمنعوهن. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: نزلت هذه الآية في امرأة من مزينة، طلقها زوجها وأبينت منه فعضلها أخوها معقل بن يسار يضارها خيفة أن ترجع إلى زوجها الأول. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: نزلت هذه الآية في معقل بن يسار وأخته جمل بنت يسار، كانت تحت أبي البداح، طلقها فانقضت عدتها، فخطبها فعضلها معقل. وأخرج ابن جرير عن أبي إسحق الهمذاني. أن فاطمة بنت يسار طلقها زوجها، ثم بدا له فخطبها فأبى معقل فقال: زوجناك فطلقتها وفعلت. فأنزل اللّه {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن}.وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي قال: نزلت هذه الآية في جابر بن عبد اللّه الأنصاري كانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطليقة، وانقضت عدتها فأراد مراجعتها فأبى جابر فقال: طلقت بنت عمنا ثم تريد أن تنكحها الثانية، وكانت المرأة تريد زوجها، فأنزل اللّه {وإذا طلقتم النساء...} الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف} قال: إذا رضيت الصداق. قال: طلق رجل امرأته فندم وندمت. فأراد أن يراجعها فأبى وليها، فنزلت هذه الآية. وأخرج ابن المنذر عن أبي جعفر قال: إن الولي في القرآن. يقول اللّه {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن}. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {إذا تراضوا بينهم بالمعروف} يعني بمهر، وبينة، ونكاح، مؤتنف. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "انكحوا الأيامى. فقال رجل: يا رسول اللّه ما العلائق بينهم؟ قال: ما تراضى عليه أهلوهن". وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال {واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون} قال: اللّه يعلم من حب كل واحد منهما لصاحبه ما لا تعلم أنت أيها الولي. ٢٣٣ أخرج وكيع وسفيان وعبد الرزاق وآدم وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله {والوالدات يرضعن أولادهن} قال: المطلقات {حولين} قال: سنتين {لا تضار والدة بولدها} يقول: لا تأبى أن ترضعه ضرارا لتشق على أبيه {ولا مولود له بولده} يقول: ولا يضار الوالد بولده فيمنع أمه أن ترضعه ليحزنها بذلك {وعلى الوارث} قال: يعني الولي من كان مثل ذلك قال: النفقة بالمعروف، وكفله، ورضاعه، إن لم يكن للمولود مال، وأن لا تضار أمه {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور} قال: غير مسببين في ظلم أنفسهما ولا إلى صبيهما {فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} قال: خيفة الضيعة على الصبي {فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف} قال: حساب ما أرضع به الصبي. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} قال: هو الرجل يطلق امرأته وله منها ولد فهي أحق بولدها من غيرها فهن يرضعن أولادهن {لمن أراد أن يتم الرضاعة} يعني يكمل الرضاعة {وعلى المولود له} يعني الأب الذي له ولد {رزقهن} يعني رزق الأم {لا تكلف نفس إلا وسعها} يقول: لا يكلف اللّه نفسا في نفقة المراضع إلا ما أطاقت {لا تضار والدة بولدها} يقول: لا يحمل الرجل امرأته أن يضارها فينزع ولدها منها وهي لا تريد ذلك {ولا مولود له بولده} يعني الرجل يقول: لا يحملن المرأة إذا طلقها زوجها أن تضاره فتلقي إليه ولده مضارة له {فإن أرادا فصالا} يعني الأبوين أن يفصلا الولد عن اللبن دون الحولين {عن تراض منهما} يقول: اتفقا على ذلك {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم} يعني لا حرج على الإنسان أن يسترضع لولده ظئرا، ويسلم لها أجرها {إذا سلمتم} لأمر اللّه يعني في أجر المراضع {ما آتيتم بالمعروف} يقول: ما أعطيتم الظئر من فضل على أجرها {واتقوا اللّه} يعني لا تعصوه، ثم حذرهم فقال {واعلموا أن اللّه بما تعملون بصير} أي بما ذكر عليم. وأخرج الحاكم وصححه عن أبي أمامة"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ثم انطلق بي فإذا أنا بنساء تنهش ثديهن الحيات. فقلت: ما بال هؤلاء؟ فقيل: لي هؤلاء يمنعن أولادهن ألبانهن. وأخرج أبو داود في ناسخه عن زيد بن أسلم في قوله {والوالدات يرضعن أولادهن} قال: إنها المرأة تطلق أو يموت عنها زوجها. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس. في التي تضع لستة أشهر أنها ترضع حولين كاملين، وإذا وضعت لسبعة أشهر أرضعت ثلاثة وعشرين لتمام ثلاثين شهرا، وإذا وضعت لتسعة أشهر أرضعت أحدا وعشرين شهرا، ثم تلا (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (الأحقاف الآية ١٥). وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} فجعل اللّه الرضاع حولين كاملين {لمن أراد أن يتم الرضاعة} ثم قال {فإن أرادا فصالا عن تراض} فلا حرج إن أرادا أن يفطماه قبل الحولين وبعده. وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي الأسود الديلي أن عمر بن الخطاب رفعت إليه امرأة ولدت لستة أشهر فهم برجمها، فبلغ ذلك عليا فقال: ليس عليها رجم، قال اللّه تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} وستة أشهر فذلك ثلاثون شهرا. وأخرج وكيع وعبد الرزاق وابن أبي حاتم عن فايد بن عباس قال: أتي عثمان بامرأة ولدت في ستة أشهر فأمر برجمها، فقال ابن عباس: إنها تخاصمك بكتاب اللّه تخصمك، يقول اللّه {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} ويقول اللّه في آية آخرى (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (الأحقاف الآية ١٥) فقد حملته ستة أشهر فهي ترضعه لكم حولين كاملين، فدعا بها عثمان فخلى سبيلها. وأخرج ابن جرير من وجه آخر من طريق الزهري. مثله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري قال: سئل ابن عمر وابن عباس عن الرضاع بعد الحولين فقرأ {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} ولا نرى رضاعا بعد الحولين يحرم شيئا. وأخرج ابن جرير من طريق أبي الضحى قال: سمعت ابن عباس يقول {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} قال: لا رضاع إلا في هذين الحولين. وأخرج الترمذي وصححه عن أم سلمة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام ". وأخرج ابن عدي والدارقطني والبيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لايحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين". وأخرج الطيالسي والبيهقي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا رضاع بعد فصال، ولا يُتْمَ [لا يُتْم: بسكون التاء. يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام صغار الأيتام]بعد احتلام". وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن عدي عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يُتْمَ بعد حلم، ولا رضاع بعد فصال، ولا صمت يوم إلى الليل، ولا وصال في الصيام، ولا نذر في معصية، ولا نفقة في معصية، ولا يمين في قطيعة رحم، ولا تعَرّب بعد الهجرة، ولا هجرة بعد الفتح، ولا يمين لزوجة مع زوج، ولا يمين لولد مع والد، ولا يمين لمملوك مع سيده، ولا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك". وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد اللّه (لمن أرادت أن تكمل الرضاعة). وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} قال: على قدر الميسرة. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {لا تضار والدة بولدها ةلا مولود له بولده} يقول: ليس لها أن تلقي ولدها عليه، ولا يجد من يرضعه، وليس له أن يضارها فينزع منها ولدها وتحب أن ترضعه {وعلى الوارث} قال: هو ولي الميت. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء وإبراهيم والشعبي {وعلى الوارث} قالوا: وارث الصبي ينفق عليه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: كان يلزم الوارث النفقة. وفي لفظ: نفقة الصبي إذا لم يكن له مال على وارثه. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة {وعلى الوارث مثل ذلك} يقول: على وارث المولود إذا كان لا مال له، مثل الذي على والده من أجر الرضاع. وأخرج عبد بن حميد عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: ما قوله {وعلى الوارث مثل ذلك}؟ قال: وارث المولود مثل ما ذكر اللّه. قلت: أيحبس وارث المولود إن لم يكن للمولود مال بأجر مرضعته وإن كره الوارث؟ قال: أفيدعه يموت؟ وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن سيرين. أن امرأة جاءت تخاصم في نفقة ولدها وارث ولدها إلى عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، فقضى بالنفقة من مال الصبي، وقال لوارثه: ألا ترى {وعلى الوارث مثل ذلك} ولو لم يكن له ماله لقضيت بالنفقة عليك. وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: يجبر الرجل إذا كان موسرا على نفقة أخيه إذا كان معسرا. وأخرج عبد بن حميد عن حماد قال: يجبر على كل ذي رحم محرم. وأخرج سفيان وعبد الرزاق وأبو عبيد في الأموال وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب حبس بني عم علي منفوس كلالة بالنفقة عليه مثل العاقلة. وأخرج سفيان بن عينية عن مجاهد في قوله {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: على وارث الصبي أن يسترضع له مثل ما على أبيه. وأخرج ابن جرير والنحاس عن قبيصة بن ذؤيب في قوله {وعلى الوارث} قال: هو الصبي. وأخرج وكيع عن عبد اللّه بن مغفل قال: رضاع الصبي من نصيبه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: نفقته حتى يفطم، إن كان أبوه لم يترك له مالا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق مجاهد والشعبي عن ابن عباس {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: أن لا يضار. وأخرج ابن جرير عن الضحاك {فإذا أرادا فصالا} قال: الفطام. وأخرج وكيع وسفيان وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال: التشاور فيما دون الحولين، ليس لها أن تفطمه إلا أن يرضى، وليس له أن يفطمه إلا أن ترضى. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن عطاء {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} قال: أمه أو غيرها {فلا جناح عليكم إذا سلمتم} قال: إذا سلمت لها أجرها {ما آتيتم} قال: ما أعطيتم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم} إذا كان ذلك عن طيب نفس من الوالد والوالدة. ٢٣٤ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله {والذين يتوفون} الآية. قال: كان الرجل إذا مات وترك امرأته اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله، ثم أنزل اللّه {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} فهذه الآية عدة المتوفى عنها إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها. وقال في ميراثها (ولهن الربع مما تركتم) (النساء الآية ١٢) فبين ميراث المرأة، وترك الوصية والنفقة {فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم} يقول: إذا طلقت المرأة أو مات عنها، فإذا انقضت عدتها فلا جناح عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج، فذلك المعروف. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية قال: ضمت هذه الأيام العشر إلى الأربعة أشهر، لأن العشر فيه ينفخ الروح. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: سألت سعيد بن المسيب ما بال العشر؟ قال: فيه ينفخ الروح. وأخرج ابن أبي حاتم عن ربيعة ويحيى بن سعيد. أنهما قالا في قوله {وعشرا}: عشر ليال. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {فإذا بلغن أجلهن} يقول: إذا انقضت عدتها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب في قوله {فلا جناح عليكم} يعني أولياءها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} قال: كانت العدة تعتد عند أهل زوجها واجبا عليها ذلك، فأنزل اللّه (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف) (البقرة الآية ٢٤٠) قال: فجعل اللّه لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت. وهو قول اللّه {غير إخراج} وقال عطاء: قال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها في أهله، فتعتد حيث شاءت. وهو قول اللّه (غير إخراج) قال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، لقول اللّه (فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن) قال عطاء: ثم جاء الميراث فنسخ السكنى، فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس. أنه كره للمتوفى عنها زوجها، الطيب والزينة. وقال: إنما قال اللّه {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} ولم يقل: في بيوتكم، تعتد حيث شاءت. وأخرج مالك وعبد الرزاق وابن سعد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة والحاكم وصححه عن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري. أنه جاءت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، وأن زوجها خرج في طلب أعبد لها أبقوا حتى إذا تطرف القدوم لحقهم فقتلوه. قالت: فسألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "نعم. فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد فدعاني، أو أمر بي فدعيت فقال: كيف قلت؟ قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي. فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته، فاتبعه وقضى به". وأخرج مالك وعبد الرزاق عن عمر بن الخطاب: أنه كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن من الحج. وأخرج مالك وعبد الرزاق عن ابن عمر قال: لا تبيت المتوفى عنها زوجها ولا المبتوتة إلا في بيتها. وأخرج مالك وعبد الرزاق والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة. أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة قالت زينب: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم حين توفي أبوها سفيان بن حرب، فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فادهنت به جارية، ثم مست به بطنها، ثم قالت: واللّه مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول على المنبر"لا يحل لأمرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا"وقالت زينب: دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها عبد اللّه فمسحت منه، ثم قالت: واللّه مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول على المنبر"لا يحل لأمرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا. وقالت زينب: سمعت أمي أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللّه، إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا، مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: لا، ثم قال: إنما هي أربعة أشهر وعشرا" وقد كانت احداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة عند رأس الحول. قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة عند رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتقتض به، فقلما تقتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعد ذلك ما شاءت من طيب أو غيره. وأخرج مالك ومسلم من طريق صفية بنت أبي عبيد عن عائشة وحفصة أمي المؤمنين رضي اللّه عنهما، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشر". وقد أخرج النسائي وابن ماجة حديث عن حفصة وحدها، وحديث عائشة من طريق عروة عنها. وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أم عطية قالت: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشر، فإنها لا تكتحل، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار". وأخرج أبو داود والنسائي عن أم سلمة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "المتوفى عنها زوجها لا تلبس المصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل". وأخرج أبو داود والنسائي عن أم سلمة قالت: "دخلت علي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا، قال: ما هذا يا أم سلمة؟ قلت: إنما هو صبر يا رسول اللّه ليس فيه طيب. قال: إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل، ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب. قلت: بأي شيء امتشط يا رسول اللّه؟ قال: بالسدر تغلفين به رأسك". وأخرج مالك عن سعيد عن المسيب وسليمان بن يسار قالا: عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران وخمس ليال. وأخرج مالك عن ابن عمر قال: عدة أم الولد إذا هلك سيدها حيضة. وأخرج مالك عن القاسم بن محمد قال: عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها حيضتان. وأخرج مالك عن القاسم بن محمد، أن يزيد بن عبد الملك فرق بين الرجال ونسائهم أمهات لأولاد رجال هلكوا، فتزوجهن بعد حيضة أو حيضتين، ففرق بينهم حتى يعتددن أربعة أشهر وعشرا. قال القاسم بن محمد: سبحان اللّه! يقول اللّه في كتابه {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} ما هن لهم بأزواج. وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصحه عن عمرو بن العاص قال: لا تلبسوا علينا سنة نبينا في أم الولد، إذا توفي عنها سيدها عدتها أربعة أشهر وعشر. ٢٣٥ أخرج وكيع والفريابي وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} قال: التعريض أن يقول إني أريد التزويج، وإني لأحب امرأة من أمرها وأمرها، وإن من شأني النساء لوددت أن اللّه يسر لي امرأة صالحة من غير أن ينصب لها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: يعرض لها في عدتها يقول لها: إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك ولوددت أن اللّه قد هيأ بيني وبينك، ونحو هذا من الكلام فلا حرج. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس {ولا جناح عليكم فيما عرضتم} قال: يقول: إني فيك راغب، ولوددت أني تزوجتك حتى يعلمها أن يريد تزويجها، من غير أن يوجب عقدة أو يعاهدها على عهد. وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه. أنه كان يقول في قول اللّه {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها: إنك علي كريمة، وإني فيك راغب، واللّه سائق إليك خيرا أو رزقا، أو نحو هذا من القول. وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: لا بأس بالهدية في تعريض النكاح. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله {أو أكننتم} قال: أسررتم. وأخرج عبد الرزاق عن الضحاك. مثله. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {أو أكننتم في أنفسكم} قال: أن يدخل فيسلم ويهدي إن شاء ولا يتكلم بشيء. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله {علم اللّه أنكم ستذكرونهن} قال: بالخطبة. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد في قوله {علم اللّه أنكم ستذكرونهن} قال: ذكره إياها في نفسه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولكن لا تواعدوهن سرا} قال: لا يقول لها إني عاشق وعاهديني أن لا تتزوجي غيري، ونحو هذا {إلا أن تقولوا قولا معروفا} وهو قوله: إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ولكن لا تواعدوهن سرا} قال: الزنا، كان الرجل يدخل من أجل الزنا وهو يعرض النكاح. وأخرج عبد الرزاق عن الحسن وأبي مجلز والنخعي. مثله. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {ولا تواعدوهن سرا} قال: السر: الجماع. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول امرئ القيس: ألا زعمت بسباسة اليوم أنني * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي وأخرج البيهقي عن مقاتل بن حيان قال: بلغنا أن معنى {لا تواعدوهن سرا} الرفث من الكلام، أي لا يواجهها الرجل في تعريض الجماع من نفسه.وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد في قوله {لا تواعدوهن سرا} قال: الذي يأخذ عليها عهدا أو ميثاقا أن تحبس نفسها ولا تنكح غيره. وأخرج عن سعيد بن جبير. مثله. وأخرج سفيان وابن أبي شيبة عن مجاهد في قوله {لا تواعدوهن سرا} قال: لا يخطبها في عدتها {إلا أن تقولوا قولا معروفا} قال: يقول: إنك لجميلة، وإنك لفي منصب، وإنك لمرغوب فيك. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {إلا أن تقولوا قولا معروفا} قال: يقول: إنك لجميلة، وإنك لإلى خير، أو أن النساء من حاجتي. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تعزموا عقدة النكاح} قال: لا تنكحوا حتى يبلغ الكتاب أجله قال: حتى تنقضي العدة. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن مجاهد. مثله. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي مالك {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} قال: لا يواعدها في عدتها: إني أتزوجك حين تنقضي عدتك. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {واعلموا أن اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} قال: وعيد. ٢٣٦ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق علي عن ابن عباس في قوله {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن تفرضوا لهن فريضة} قال: المس النكاح، والفريضة الصداق {متعوهن} قال: هو على الرجل يتزوج المرأة ولم يسم لها صداقا، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، فأمره اللّه أن يمتعها على قدر عسره ويسره، فإن موسرا أمتعها بخادم أو نحو ذلك، وإن كان معسرا أمتعها بثلاثة أثواب أو نحو ذلك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: متعة الطلاق أعلاه الخادم، ودون ذلك الورق، ودون ذلك الكسوة. وأخلاج عبد الرزاق وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر. أنه أمر موسعا بمتعة فقال: تعطي كذا وتكسو وكذا، فحسب فوجد ثلاثين درهم. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عمر قال: أدنى ما يكون من المتعة ثلاثون درهما. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يفرض لها وقيل أن يدخل بها فليس لها إلا المتعة. ٢٣٧ أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش. أنه قرأ {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} وفي قراءة عبد اللّه (من قبل أن تجامعوهن). وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن...} الآية. قال: هو الرجل يتزوج المرأة وقد سمى لها صداقا ثم يطلقها من قبل أن يمسها - والمس الجماع - فلها نصف صداقها، وليس لها أكثر من ذلك إلا أن يعفون وهي المرأة الثيب، والبكر يزوجها غير أبيها، فجعل اللّه العفو لهن إن شئن عفون بتركهن، وإن شئن أخذن نصف الصداق {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} وهو أبو الجارية البكر، جعل اللّه العفو إليه ليس لها معه أمر إذا طلقت ما كانت في حجره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والنحاس في ناسخه عن سعيد بن المسيب. أنه قال في التي طلقت قبل الدخول وقد فرض لها: كان لها المتاع في الآية التي في الأحزاب، فلما نزلت الآية التي البقرة جعل لها النصف من صداقها ولا متاع لها، فنسخت آية الأحزاب. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن. أن أبا بكر الهدلي سأله عن رجل طلق امرأته من قبل أن يدخل بها: ألها متعة؟ قال: نعم. فقال له أبو بكر: أما نسختها {فنصف ما فرضتم}؟ قال الحسن: ما نسخها شيء. وأخرج الشافعي وسعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها: ليس لها إلا نصف الصداق، لأن اللّه تعالى يقول {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}. وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: لها نصف الصداق وإن جلس بين رجليها. وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قول اللّه {إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} قال: إلا أن تدع المرأة نصف المهر الذي لها، أو يعطيها زوجها النصف الباقي فيقول: كانت في ملكي وحبستها عن الأزواج. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت زهير بن أبي سلمى وهو يقول: حزما وبرا للإله وشيمة * تعفو عن خلق المسيء المفسد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والبيهقي بسند حسن عن ابن عمرو عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "الذي بيده عقدة النكاح: الزوج". وأخرج وكيع وسفيان والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي عن علي بن أبي طالب قال {الذي بيده عقدة النكاح} الزوج. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي من طرق عن ابن عباس قال {الذي بيده عقدة النكاح} أبوها، أو أخوها، أو من لا تنكح إلا بإذنه. وأخرج الشافعي عن عائشة أنها كانت تخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد، فإذا بقيت عقدة النكاح قالت لبعض أهلها: زوج فإن المرأة لا تلي عقد النكاح. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وشريح وابن المسيب والشعبي ونافع ومحمد بن كعب {الذي بيده عقدة النكاح} الزوج. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي بشر قال: قال طاوس ومجاهد {الذي بيده عقدة النكاح} هو الولي. وقال سعيد بن جبير: هو الزوج، فكلماه في ذلك فما برحا حتى تابعا سعيدا. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء والحسن وعلقمة والزهري {الذي بيده عقدة النكاح} هو الولي. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال: رضي اللّه بالعفو وأمر به، فإن عفت فكما عفت، وإن ضنت فعفا وليها الذي بيده عقدة النكاح جاز وإن أبت. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {إلا أن يعفون} يعني النساء {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} هو الولي. وأخرج عبد الرزاق عن ابن المسيب قال: عفو الزوج اتمام الصداق، وعفوها أن تضع شطرها. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وأن تعفوا أقرب للتقوى} قال: أقربهما إلى التقوى الذي يعفو. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {وأن تعفوا أقرب للتقوى} يعني بذلك الزوج والمرأة جميعا، أمرهما أن يستبقا في العفو وفيه الفضل. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله {وأن تعفوا} قال: يعني الأزواج. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: في هذا وفي غيره. وأخرج ابن جرير عن الضحاك {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: المعروف. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: يحثهم على الفضل والمعروف بينهم ويرغبهم فيه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي وائل {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: هو الرجل يتزوج فتعينه، أو يكاتب فتعينه وأشباه ذلك هذا من العطية. وأخرج ابن أبي حاتم عن عون بن عبد اللّه {ولا تنسوا الفضل بينكم} قال: إذا أتى أحدكم السائل وليس عنده شيء فليدع له. وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وأبو داود وابن أبي حاتم والخرائطي في مساوئ الأخلاق والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب قال "يوشك أن يأتي على الناس زمان عضوض، يعض الموسر فيه على ما فيه يديه وينسى الفضل، وقد نهى اللّه عن ذلك قال اللّه تعالى {ولا تنسوا الفضل بينكم}. وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن علي مرفوعا". وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، أنه تزوج امرأة لم يدخل بها حتى طلقها فأرسل إليها بالصداق تاما، فقيل له في ذلك. فقال: أنا أولى بالفضل. وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي عن نافع. أن بنت عبيد اللّه بن عمرو وأمها بنت زيد بن الخطاب كانت تحت ابن لعبد اللّه بن عمر، فمات ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقا، فابتغت أمها صداقها فقال ابن عمر: ليس لها صداق، ولو كان لها صداق لم نمنعكموه ولم نظلمها، فأبت أن تقبل ذلك فجعل بينهم زيد بن ثابت، فقضى أن لا صداق لها ولها الميراث. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن علقمة. أن قوما أتوا ابن مسعود فقالوا: إن رجلا منا تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يجمعها إليه حتى مات، فقال: ما سئلت عن شيء منذ فارقت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أشد من هذه، فأتوا غيري فاختلفوا إليه فيها شهرا، ثم قالوا في آخر ذلك: من نسأل إذا لم نسألك وأنت آخر أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم في هذا البلد، ولا نجد غيرك؟ فقال: سأقول فيها بجهد رأيي، فإن كان صوابا فمن اللّه وحده لا شريك له، وإن كان خطأ فمني واللّه ورسوله منه بريء: أرى أن أجعل لها صداقا كصداق نسائها لا وكس ولا شطط، ولها الميراث وعليها العدة أربعة أشهر وعشر. قال: وذلك بسمع ناس من أشجع فقاموا، ومنهم معقل بن سنان فقالوا: نشهد أنك قضيت بمثل الذي قضى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في امرأة منا يقال لها بروع بنت واشق. قال: فما رؤي عبد اللّه فرح بشيء ما فرح يؤمئذ إلا بإسلامه، ثم قال: اللّهم إن كان صوابا فمنك وحدك لا شريك لك. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي عن علي بن أبي طالب. أنه قال في المتوفى عنها ولم يفرض لها صداق: لها الميراث وعليها العدة ولا صداق لها، وقال: لا نقبل قول الأعرابي من أشجع على كتاب اللّه. وأخرج الشافعي والبيهقي عن ابن عباس. أنه سئل عن المرأة يموت عنها زوجها وقد فرض لها صداقا، قال: لها الصداق والميراث. وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن المسيب. أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل: أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن الأحنف بن قيس. أن عمر وعليا رضي اللّه عنهما قالا: إذا أرخى سترا وأغلق بابا فلها الصداق كاملا، وعليها العدة.وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن زرارة بن أوفى قال: قضاء الخلفاء الراشدين المهديين أنه من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب الصداق والعدة. وأخرج مالك والبيهقي عن زيد بن ثابت قال: إذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عليهما الستر فقد وجب الصداق. وأخرج البيهقي عن محمد بن ثوبان. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "من كشف امرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق". ٢٣٨ أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {حافظوا على الصلوات} يعني المكتوبات. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال في قراءة عبد اللّه: (حافظوا على الصلوات وعلى الصلوة الوسطى). وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مسروق في قوله {حافظوا على الصلوات} قال: المحافظة عليها المحافظة على وقتها، والسهو عنها السهو عن وقتها. وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن طلحة بن عبيد اللّه قال "جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول: حتى دنا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة. فقال: هل علي غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع، وصيام شهر رمضان، فقال: هل علي غيره؟ قال: لا، إلا أن تطوع. وذكر له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الزكاة فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع - فأدبر الرجل وهو يقول: واللّه لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أفلح إن صدق". وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس قال "نهينا أن نسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن اللّه أرسلك! قال: صدق. قال: فمن خلق السماء؟ قال: اللّه. قال: فمن خلق الأرض؟ قال: اللّه. قال: فمن نصب الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: اللّه. قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب الجبال، اللّه أرسلك؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: صدق. قال: فبالذي أرسلك، اللّه أمرك بهذا؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا؟ قال: صدق. قال: فبالذي أرسلك، اللّه أمرك بهذا؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا؟ قال: صدق. قال: فبالذي أرسلك، اللّه أمرك بهذا؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا. قال: صدق. قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنتقص منهن. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: لئن صدق ليدخلن الجنة". وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي أيوب قال "جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: دلني على عمل أعمله يدنيني من الجنة ويباعدني من النار. قال: تعبد اللّه لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل ذا رحمك. فلما أدبر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن تمسك بما أمر به دخل الجنة". وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة "أن أعرابيا جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال: تعبد اللّه لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا ولا أنقص منه، فلما ولى قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا". وأخرج مسلم عن جابر "أن رجلا سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئا، أدخل الجنة؟ قال: نعم. قال: واللّه لا أزيد على ذلك شيئا". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال: إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن اللّه قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا فأعلمهم أن اللّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين اللّه حجاب". وأخرج أبو داود وابن ماجة عن أبي قتادة بن ربعي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "قال اللّه تبارك وتعالى: إني افترضت على أمتك خمس صلوات، وعهدت عندي عهدا أنه من حافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة في عهدي، ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي". وأخرج أبو داود عن فضالة الليثي قال "أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فعلمني، فيما علمني أن قال: وحافظ على الصلوات الخمس في مواقيتهن". وأخرج مالك وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: خمس صلوات كتبهن اللّه تبارك وتعالى على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن، وفي لفظ: من أحسن وضوءهن، وصلاتهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن، كان له على اللّه تبارك وتعالى عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على اللّه إن شاء غفر له وإن شاء عذبه". وأخرج النسائي والدارقطني والحاكم وصححه عن أنس قال: قال رجل"يا رسول اللّه كم افترض اللّه على عباده من الصلاة [؟؟]؟ قال: هل قبلهن أو بعدهن شيء؟ قال: افترض اللّه على عباده صلوات خمسا. فحلف الرجل باللّه لا يزيد عليهن ولا ينقص. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن صدق دخل الجنة". وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن فضالة الزهري قال "علمني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حافظ على الصلوات الخمس. فقلت: إن هذه ساعات لي فيها اشتغال فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته أجزأ عني. فقال: حافظ على العصرين، وما كانت من لغتنا، فقلت: وما العصران؟ قال: صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها". وأخرج مالك وأحمد والنسائي وابن خزيمة والحكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن عامر بن سعيد قال "سمعت سعدا وناسا من الصحابة يقولون: كان رجلان أخوان في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان أحدهما أفضل من الآخر، فتوفي الذي هو أفضلهما، ثم عمر الآخر بعده أربعين ليلة، ثم توفي فذكروا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فضيلة الأول، فقال: ألم يكن الآخر يصلي؟ قالوا: بلى، وكان لا بأس به. قال: فما يدريكم ما بلغت به صلاته؟ إنما مثل الصلاة كمثل نهر جار بباب رجل غمر، عذب يقتحم فيه كل يوم خمس مرات، فماذا ترون يبقى من درنه؟ لا تدرون ماذا بلغت به صلاته". وأخرج أحمد وابن ماجة وابن حبان والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال "كان رجلان من بني حي من قضاعة أسلما مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فاستشهد أحدهما وأخر الآخر سنة، قال طلحة بن عبيد اللّه: فرأيت المؤخر منهما أدخل الجنة قبل الشهيد، فتعجبت لذلك فأصبحت، فذكرت ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعة، وكذا وكذا ركعة صلاة سنة؟ ". وأخرج عبد اللّه بن أحمد في زوائد المسند والبزار وأبو يعلى عن عثمان بن عفان أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "من علم أن الصلاة حق واجب دخل الجنة". وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة أنها سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "إن اللّه افترض على العباد خمس صلوات في كل يوم وليلة". وأخرج أبو يعلى عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن أول ما افترض اللّه على الناس من دينهم الصلاة، وآخر ما يبقى الصلاة، وأول ما يحاسب به الصلاة، يقول اللّه: انظروا في صلاة عبدي، فإن كانت تامة كتبت تامة، وإن كانت ناقصة قال: انظروا هل له من تطوع؟ فإن وجد له تطوع تمت الفريضة من التطوع، ثم يقول: هل زكاته تامة؟ فإن وجدت زكاته تامة كتبت تامة، وإن كانت ناقصة قال: انظروا هل له صدقة؟ فإن كانت له صدقة تمت زكاته من الصدقة". وأخرج أحمد والطبراني والبيهقي في الشعب عن حنظلة الكاتب قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "من حافظ على الصلوات الخمس: ركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن، وعلم أنهن حق من عند اللّه، دخل الجنة". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله". وأخرج أحمد وابن حبان والطبراني عن عبد اللّه بن عمرو عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "أنه ذكر الصلاة يوما فقال: من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وأبي بن خلف". وأخرج البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا سهم في الإسلام لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له". وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهور له، ولا دين لمن لا صلاة له، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد". وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت: قال أبو القاسم صلى اللّه عليه وسلم "من جاء بصلاة الخمس يوم القيامة قد حافظ على وضوئها، ومواقيتها، وركوعها، وسجودها، لم ينقص منها شيئا، جاء وله عند اللّه عهدا أن لا يعذبه، ومن جاء قد انتقص منهن شيئا فليس له عند اللّه عهد، إن شاء رحمه وإن شاء عذبه". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ثلاث من حفظهن فهو ولي حقا، ومن ضيعهن فهو عدو حقا: الصلاة، والصيام، والجنابة". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال لمن حوله من أمته: "اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة. قلت: ما هي يا رسول اللّه؟ قال: الصلاة، والزكاة، والأمانة، والفرج، والبطن، واللسان". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لعائشة: اهجري المعاصي فإنها خير الهجرة، وحافظي على الصلوات فإنها أفضل من البر". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من صلى الصلوات لوقتها، وأسبغ لها وضوءها، وأتم لها قيامها، وخشوعها، وركوعها، وسجودها، خرجت وهي بيضاء مسفرة تقول: حفظك اللّه كما حفظتني، ومن صلى لغير وقتها، ولم سبغ لها وضوءها، ولم يتم لها خشوعها، ولا ركوعها، ولا سجودها، خرجت وهي سوداء مظلمة تقول: ضيعك اللّه كما ضيعتني. حتى إذا كانت حيث شاء اللّه لفت كما يلف الثوب الخلق ثم يضرب بها وجهه". وأخرج محمد والطبراني وابن مردويه عن كعب بن عجرة قال "خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ونحن ننتظر صلاة الظهر فقال: هل تدرون ما يقول ربكم؟ قلنا: لا. قال: فإن ربكم يقول: من صلى الصلوات لوقتها، وحافظ عليها، ولم يضيعها استخفافا بحقها فله علي عهد أن أدخله الجنة، ومن لم يصلها لوقتها، ولم يحافظ عليها وضيعها استخفاف بحقها فلا عهد له علي، إن شئت عذبته وإن شئت غفرت له". وأخرج الطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود أن النبي صلى اللّه عليه وسلم خرج على أصحابه يوما فقال لهم: قالوا: اللّه ورسوله أعلم! قالها ثلاثا. قال: قال: وعزتي وجلالي، لا يصليها عبد لوقتها إلا أدخلته الجنة، ومن صلاها لغير وقتها إن شئت رحمته وإن شئت عذبته". وأخرج البزار والطبراني عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا توضأ العبد فأحسن الوضوء، ثم قام إلى الصلاة فأتم ركوعها، وسجودها، والقراءة فيها. قالت: حفظك اللّه كما حفظتني ثم أصعد بها إلى السماء ولها ضوء ونور، وفتحت لها أبواب السماء، وإذا لم يحسن العبد الوضوء، ولم يتم الركوع، والسجود، والقراءة، قالت: ضيعك اللّه كما ضيعتني، ثم تلف كما يلف الثوب الخلق، ثم يضرب بها وجه صاحبها". وأخرج أحمد وابن حبان عن عبد اللّه بن عمرو "أن رجلا جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: الصلاة. قال: ثم مه؟ قال: ثم الصلاة. قال: ثم مه؟ قال: ثم الصلاة ثلاث مرات. قال: ثم مه؟ قال: ثم الجهاد في سبيل اللّه. قال الرجل: فإن لي والدين، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: آمرك بالوالدين خيرا". وأخرج الطبراني عن طارق بن شهاب أنه بات عند سلمان لينظر ما اجتهاده، فقام يصلي من آخر الليل فكأنه لم ير الذي يظن، فذكر ذلك له فقال سلمان: حافظوا على هذه الصلوات الخمس فإنهن كفارات لهذه الجراحات ما لم يصب المقتلة، فإذا صلى الناس العشاء صدروا عن ثلاث ليال منازل، منهم من عليه ولا له، ومنهم من له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه، فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فركب فرسه في المعاصي عليه ولا له، ومن له ولا عليه فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فقام يصلي فذلك له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه فرجل صلى ثم نام فذلك لا له ولا عليه، إياك والحقحقة، وعليك بالقصد وداوم. وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة. من حافظ على الصلوات الخمس: على وضوئهن، وركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا، وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه، وأدى الأمانة، قيل: يا نبي اللّه وما أداء الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة، لأن اللّه لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيرها". وأخرج أحمد عن عائشة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ثلاث أحلف عليهن لا يجعل اللّه من له سهم في الإسلام لا سهم له، وأسهم الإسلام ثلاثة: الصلاة، والصوم، والزكاة". وأخرج الدارمي عن جابر بن عبد اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "مفتاح الجنة الصلاة". وأخرج الديلمي عن علي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "الصلاة عماد الدين". وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "الصلاة ميزان، فمن أوفى استوفى". وأخرج البيهقي في الشعب عن عمر قال: جاء رجل فقال "يا رسول اللّه اي شيء أحب عند اللّه في الإسلام؟ قال: الصلاة لوقتها، ومن ترك الصلاة فلا دين له، والصلاة عماد الدين". وأخرج ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن". وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هرير قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين". وأخرج ابن أبي شيبة عن مسروق قال: من حافظ على هؤلاء الصلوات لم يكتب من الغافلين، فإن في إفراطهن الهلكة. وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن مسعود قال: من سره أن يلقى اللّه غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن. ولفظ أبي داود: حافظوا على الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإنهن من سنن الهدى، وإن اللّه تبارك وتعالى شرع لنبيه سنن الهدى، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق بين النفاق، ولقد رأيتنا وأن الرجل ليهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته، ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم. وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، وإن انتقص من فريضته قال الرب: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به ما انتقص من الفريضة؟ ثم يكون سائر عمله على ذلك". وأخرج ابن ماجة والحاكم عن تميم الداري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أكملها كتبت له كاملة، وإن لم يكن أكملها قال اللّه لملائمته: انظروا هل تجدون له من تطوع فأكملوا به ما ضيع من فريضته؟ ثم الزكاة مثل ذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك". وأخرج الطبراني عن النعمان بن قوقل "أنه جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه أرأيت إذا صليت المكتوبة، وصمت رمضان، وحرمت الحرام، وأحللت الحلال، ولم أزد على ذلك، أأدخل الجنة؟ قال: نعم. قال: واللّه لا أزيد على ذلك شيئا". وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال "جاء أعرابي من بني سعد بن بكر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: من خلقك؟ ومن خلق من قبلك؟ ومن هو خالق من بعدك؟ قال: اللّه. قال: فناشدك بذلك أهو أرسلك؟ قال: نعم. قال: من خلق السموات السبع، والأرضين السبع، وأجرى بينهن الرزق؟ قال: اللّه. قال: فنشدتك بذلك أهو أرسلك؟ قال: نعم. قال: فإنا قد وجدنا في كتابك وأمرتنا رسلك أن نصلي بالليل والنهار خمس صلوات لمواقيتها، فنشدتك بذلك أهو أمرك؟ قال: نعم. قال: فإنا وجدنا في كتابك وأمرتنا رسلك أن نأخذ من حواشي أموالنا فنجعله في فقرائنا، فنشدتك بذلك أهو أمرك؟ قال: نعم. قال: والذي بعثك بالحق لأعملن بها ومن أطاعني من قومي. فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم قال: لئن صدق ليدخلن الجنة". وأخرج أحمد والطبراني عن أبي الطفيل عامر بن واثلة "أن رجلا مر على قوم فسلم عليهم، فردوا عليه السلام، فلما جاوزهم قال رجل منهم: واللّه إني لأبغض هذا في اللّه. فقال أهل المجلس: بئس واللّه ما قلت، أما اللّه لننبئه، قم يا فلان فأخبره، فأدركه رسولهم فأخبره بما قال: فانصرف الرجل حتى أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه مررت بمجلس من المسلمين فيهم فلان، فسلمت عليهم فردوا السلام، فلما جاوزتهم أدركني رجل منهم فأخبرني أن فلانا قال: واللّه إني لأبغض هذا الرجل في اللّه، فادعه يا رسول اللّه فسأله عم يبغضني؟ فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فسأله عما أخبره الرجل، فاعترف بذلك قال: فلم تبغضه؟ فقال: أنا جاره، وأنا به خابر، واللّه ما رأيته يصلي قط إلا هذه الصلاة المكتوبة التي يصليها البر والفاجر. قال: سله يا رسول اللّه خل رآني قط أخرتها عن وقتها، أو أسأت الوضوء لها، أو أسأت الركوع والسجود فيها؟ فسأله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: لا. قال: واللّه ما رأيته يصوم قط إلا هذا الشهر الذي يصومه البر والفاجر. قال: سله يا رسول اللّه هل رآني قط فرطت فيه أو انتقصت من حقه شيئا؟ فسأله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لا. ثم قال: واللّه ما رأيته يعطي سائلا قط، ولا رأيته ينفق من ماله شيئا في سبيل اللّه إلا الصدقة التي يؤديها البر والفاجر. قال: فسله يا رسول اللّه هل كتمت من الزكاة شيئا قط، أو ما كست فيها طالبها؟ فسأله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لا. فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: قم إن أدرى لعله خير منك". وأخرج البزار والطبراني عن مالك الأشجعي عن أبيه قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أسلم الرجل أول ما يعلمه الصلاة". وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن ابن عباس أن أعرابيا أتاه فقال: أنا أناس من المسلمين، وههنا أناس من الهاجرين يزعمون أنا لسنا على شيء. فقال ابن عباس: قال نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم"من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وحج البيت، وصام رمضان، وقرى الضيف، دخل الجنة". وأخرج الطبراني عن ابن مسعود "أنه سئل أي درجات الإسلام أفضل؟ قال: الصلاة. قيل: ثم أي؟ قال: الزكاة". وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن مسعود. أنه سئل أي درجات الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة، ومن لم يصل فلا دين له. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه عن بريدة"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر". وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة والطبراني عن عبادة بن الصامت قال: "أوصاني خليلي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسبع خلال. فقال: لا تشركوا باللّه شيئا وإن قطعتم أو حرقتم أو صلبتم، ولا تتركوا الصلاة متعمدين فمن تركها متعمدا فقد خرج من الملة، ولا تركبوا المعصية فإنها تسخط اللّه، ولا تشربوا الخمر فإنها رأس الخطايا كلها". [؟؟] وأخرج الترمذي والحاكم عن عبد اللّه بن شقيق العقيلي عن أبي هريرة قال: كان أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفرا غير الصلاة. وأخرج الطبراني عن ثوبان"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة، فإن تركها فقد أشرك". وأخرج البزار والطبراني عن ابن عباس "أنه لما اشتكى بصره قيل له نداويك وتدع الصلاة أياما؟ قال: لا، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من ترك الصلاة لقي اللّه وهو عليه غضبان". وأخرج ابن ماجة ومحمد بن نصر المروزي والطبراني في الأوسط عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة، فإن تركها متعمدا فقد أشرك". وأخرج أبو يعلى عن ابن عباس رفعه قال: عرا الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام، من ترك واحدة منهن فهو كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا اللّه، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان. وأخرج أحمد والطبراني عن معاذ بن جبل قال "أوصاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعشر كلمات. قال: لا تشرك باللّه شيئا وإن قتلت وحرقت، ولا تعقن والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا فإنه من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة اللّه، ولا تشربن الخمر فإن رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية فإن المعصية جل سخط اللّه، وإياك والفرار من الزحف وإن هلك الناس وإن أصاب الناس موت فاثبت، وأنفق على أهلك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا وأخفهم في اللّه". وأخرج الطبراني عن أميمة مولاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالت"كنت أصب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وضوءه، فدخل رجل فقال: أوصني. فقال: لا تشرك باللّه شيئا وإن قطعت أو حرقت، ولا تعص والديك وإن أمراك أن تخلي من أهلك ودنياك فتخله، ولا تشربن خمرا فإنها مفتاح كل شر، ولا تتركن صلاة متعمدا فمن فعل ذلك فقد برئت منه ذمة اللّه ورسوله". وأخرج ابن سعد عن سماك "أن ابن عباس في عينية الماء فذهب بصره، فأتاه هؤلاء الذين يثقبون العيون ويسيلون الماء فقالوا: خل بيننا وبين عينيك نسيل ماءهما ولكنك تمسك خمسة أيام لا تصلي إلا على عود. قال: لا واللّه ولا ركعة واحدة، إني حدثت أن من ترك صلاة واحدة متعمدا لقي اللّه وهو عليه غضبان". وأخرج ابن حبان عن بريدة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "بكروا بالصلاة في يوم الغيم، فإنه من ترك الصلاة فقد كفر". وأخرج أحمد عن زياد بن نعيم الحضرمي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أربع فرضهن اللّه في الإسلام، فمن أتى بثلاث لم يغنين عنه شيئا حتى يأتي بهن جميعا: الصلاة، والزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت". وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من ترك الصلاة متعمدا أحبط اللّه عمله، وبرئت منه ذمة اللّه حتى يراجع إلى اللّه عز وجل توبة". وأخرج أحمد والبيهقي عن أم أيمن أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لا تترك الصلاة متعمدا، فإنه من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة اللّه ورسوله". وأخرج ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان وفي المصنف والبخاري في تاريخه عن علي قال: من لم يصل فهو كافر. وفي لفظ: فقد كفر. وأخرج محمد بن نصر المروزي وابن عبد البر عن ابن عباس قال: من ترك الصلاة فقد كفر. وأخرج ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر والطبراني عن ابن مسعود قال: من ترك الصلاة فلا دين له. وأخرج ابن عبد البر عن جابر بن عبد اللّه قال: من لم يصل فهو كافر. وأخرج ابن عبد البر عن أبي الدرداء قال: لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له. وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: من ترك الصلاة كفر. وأخرج مالك والطبراني في الأوسط عن عروة. أن عمر بن الخطاب أوقظ للصلاة وهو مطعون، فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين. فقال: هاللّه!... إذن؟ ولا حق في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وإن جرحه ليثعب دما. وأخرج مالك عن نافع. أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله: إن أهم أموركم عندي الصلاة، من حفظها أو حافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. وأخرج النسائي وابن حبان عن نوفل بن معاوية أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "من فاته صلاة فكأنما وتر أهله وماله". وأخرج الترمذي والحاكم عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر". وأخرج الطبراني عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"نهيت عن قتل المصلين". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى عن أبي بكر الصديق قال "نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ضرب المصلين". وأخرج أحمد والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة قال: جاء علي إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا نبي اللّه ادفع إلينا خادما. قال: اذهب فإن في البيت ثلاثة فخذ أحد الثلاثة. فقال: يا نبي اللّه اختر لي. فقال: اختر لنفسك. قال: يا نبي اللّه اختر لي. قال: اذهب فإن في البيت ثلاثة: منهم غلام قد صلى فخذه ولا تضربه، فإنا قد نهينا عن ضرب أهل الصلاة". وأخرج أبو يعلى عن أم سلمة "أن النبي أتاه أبة الهيثم بن التيهان فاستخدمه، فوعده النبي صلى اللّه عليه وسلم إن أصاب سبيا، ثم جاء فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: قد أصبنا غلامين أسودين اختر أيهما شئت. قال: فإني استشيرك. قال: خذ هذا فقد صلى عندنا ولا تضربه، فإنا قد نهينا عن ضرب المصلين". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن ماجة عن أبي هرير قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار". وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: اعبد اللّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، واعدد نفسك من الموتى، وإياك ودعوة المظلوم فإنها تستجاب، ومن استطاع منكم أن يشهد الصلاتين العشاء والصبح ولو حبوا فليفعل". وأخرج ابن أبي شيبة والبزار وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال: كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر و العشاء أسأنا به الظن. وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن ماجة عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لو يعلم الناس ما في صلاة العشاء وصلاة الفجر لأتوهما ولو حبوا".
وأخرج مسلم والبيهقي عن جندب بن سفيان عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من صلى الصبح فهو في ذمة اللّه، فلا تخفروا اللّه في ذمته". وأخرج أحمد والبزار والطبراني في الأوسط عن ابن عمر"أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: من صلى الصبح فهو في ذمة اللّه، فلا تخفروا اللّه في ذمته، فإنه من أخفر ذمته طلبه تبارك وتعالى حتى يكبه على وجهه". وأخرج البزار وأبو يعلى والطبراني في الأوسط عن أنس قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "من صلى الغداة فهو في ذمة اللّه، فإياكم أن يطلبكم اللّه بشيء من ذمته". وأخرج الطبراني عن أبي بكرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من صلى الصبح فهو في ذمة اللّه، فمن أخفر ذمة اللّه كبه اللّه في النار لوجهه". وأخرج الطبراني عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من صلى الصبح فهو في ذمة اللّه وحسابه على اللّه". وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة والبيهقي في سننه عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله". وأخرج الشافعي عن نوفل بن معاوية الديلمي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن بريدة قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله". وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من ترك صلاة العصر متعمدا فقد حبط عمله". وأخرج مسلم والنسائي والبيهقي عن أبي بصرة الغفاري قال "صلى بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم العصر بالمخمص، ثم قال: إن هذه الصلاة على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد، والشاهد النجم". وأخرج الطبراني عن أبي أيوب قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "إن هذه الصلاة - يعني العصر - فرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها أعطي أجرها مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد، يعني النجم". وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من ترك صلاة العصر حتى تغيب الشمس من غير عذر فكأنما وتر أهله وماله". وأخرج ابن أبي شيبة عن نوفل بن معاوية قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "إن من الصلاة صلاة، من فاتته فكأنما وتر أهله وماله. قال ابن عمر: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: هي صلاة العصر". وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء قال: من ترك العصر حتى تفوته من غير عذر فقد حبط عمله. وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم". وأخرج أحمد والطبراني والبيهقي في سننه عن السائب بن يزيد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل طلوع النجم". وأخرج الحاكم وصححه عن أبي أيوب"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "لا تزال أمتي بخير، أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم". وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أفضل الصلاة صلاة المغرب، ومن صلى بعدها ركعتين بنى اللّه له بيتا في الجنة". وأخرج ابن سعد والبخاري ومسلم عن أبي موسى قال خرج النبي صلى اللّه عليه وسلم ليلة لصلاة العشاء فقال: "ابشروا أن من نعمة اللّه عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الصلاة غيركم، أو قال: ما صلى هذه الساعة أحد غيركم". وأخرج الطبراني عن المنكدر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه خرج ليلة لصلاة العشاء فقال: "أما إنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلكم من الأمم". وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم خرج ليلة لصلاة العشاء فقال لهم: "ما صلى صلاتكم هذه أمة قط قبلكم". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي في سننه عن معاذ قال بقينا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لصلاة العتمة ليلة، فتأخر بها حتى ظن الظان أن قد صلى، أو ليس بخارج فقال صلى اللّه عليه وسلم لنا: "اعتموا بهذه الصلاة، فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم، ولم تصلها أمة قبلكم". وأخرج أحمد عن الحسن عن أبي هريرة أراه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: "أن العبد المملوك ليحاسب بصلاته، فإذا نقص منها قيل له: لم نقصت منها؟ فيقول: يا رب سلطت علي مليكا شغلني عن صلاتي. فيقول: قد رأيتك تسرق من ماله لنفسك فهلا سرقت من عملك لنفسك؟ فتجب للّه عز وجل عليه الحجة". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جاره قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والحاكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع". وأخرج أبو داود عن رجل من الصحابة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه سئل متى يصلي الصبي؟ فقال: "إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة". وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد اللّه بن خبيب أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعا، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا، وفرقوا بينهم في المضاجع". وأخرج الحرث بن أبي أسامة والطبراني عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا عرف الغلام يمينه من شماله فمروه بالصلاة". وأخرج البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مروهم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لثلاث عشرة". وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن ابن مسعود قال: "حافظوا على أبنائكم في الصلاة، وعودوهم الخير فإن الخير عادة".وأخرج أحمد والطبراني عن أبي الجوزاء قال: قلت للحسن بن علي: ما حفظت من النبي صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: الصلوات الخمس. وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن أبا بكر وعمر كانا يعلمان الناس. تعبد اللّه ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة التي افترضها اللّه لمواقيتها، فإن في تفريطها الهلكة. وأخرج ابن أبي شيبة عن جعفر بن برقان قال: كتب إلينا عمر بن العزيز: أما بعد فإن عز الدين وقوام الإسلام: الإيمان باللّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فصل الصلاة لوقتها وحافظ عليها. وأما قوله تعالى: {والصلاة الوسطى} أخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مختلفين في الصلاة الوسطى هكذا، وشبك بين أصابعه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر. أنه سئل عن الصلاة الوسطى فقال: هي فيهن فحافظوا عليهن كلهن. وقال مالك في الموطأ: بلغني عن علي بن أبي طالب، وعبد اللّه بن عباس، كانا يقولان: الصلاة الوسطى صلاة الصبح. أخرجه البيهقي في سننه. وأخرج ابن جرير من طريق أبي العالية عن ابن عباس. أنه صلى الغداة في جامع البصرة، فقنت في الركوع وقال: هذه الصلاة الوسطى التي ذكرها اللّه في كتابه. فقال {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا للّه قانتين}. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة في المصنف وابن الأنباري في المصاحف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن أبي رجاء العطاردي قال: صليت خلف ابن عباس الفجر، فقنت فيها ورفع يديه ثم قال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق عكرمة عن ابن عباس، أنه كان يقول: الصلاة الوسطى صلاة الصبح، تصلى في سواد الليل. وأخرج ابن عبد البر في التمهيد عن ابن عباس أنه كان يقول: الصلاة الوسطى صلاة الصبح، تصلى في سواد من الليل وبياض من النهار، وهي أكثر الصلوات تفوت الناس. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري عن أبي العالية قال: صليت خلف عبد اللّه بن قيس زمن عمر صلاة الغداة، فقلت لرجل من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى جانبي: ما الصلاة الوسطى؟ قال: هذه الصلاة. وأخج عبد الرزاق وابن جرير عن أبي العالية. أنه صلى مع أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلاة الغداة، فلما أن فرغوا قلت لهم: ايتهن الصلاة الوسطى؟ قالوا: التي صليتها قبل. وأخرج ابن جرير عن جابر بن عبد اللّه قال: الصلاة الوسطى صلاة الصبح. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وإسحق بن راهويه وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عمر قال: الصلاة الوسطى صلاة الصبح. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة، أنه سئل عن الصلاة الوسطى فقال: هي صلاة الصبح. وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف بلفظ: لا أحسبها إلا الصبح. وأخرج ابن جرير والبيهقي من طريق جابر بن زيد عن ابن عباس قال: الصلاة الوسطى صلاة الفجر. وأخرج ابن أبي شيبة عن حيان الأزدي قال: سمعت ابن عمرو سئل عن الصلاة الوسطى، وقيل له: أن أبا هريرة يقول: هي العصر. فقال: إن أبا هريرة يكثر. إن ابن عمر يقول: هي الصبح. وأخرج سفيان بن عينية عن طاوس قال: الصلاة الوسطى صلاة الصبح. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد وجابر بن زيد قالا: هي الصبح. وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن الصلاة الوسطى قال: أظنها الصبح، إلا تسمع لقوله (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) (الإسراء الآية ٧٨). وأخرج عبد الرزاق عن طاوس وعكرمة قالا: هي الصبح، وسطت فكانت بين الليل والنهار. وأخرج الطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقات عن ابن عمر، أنه سئل عن الصلاة الوسطى فقال: كنا نتحدث أنها الصلاة التي وجه فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى القبلة، الظهر. وأخرج عبد بن حميد عن مكحول "أن رجلا أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فسأله عن الصلاة الوسطى فقال: هي أول صلاة تأتيك بعد صلاة الفجر". وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه وأبو داود والطحاوي والروياني وأبو يعلى والطبراني والبيهقي من طريق الزبرقان عن عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهاجرة، وكانت أثقل الصلاة على أصحابه، فنزلت {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} قال: لأن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين. وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة في المصنف والبخاري في تاريخه وابن أبي حاتم وأبو يعلى والروياني والضياء المقدسي في المختارة والبيهقي من طريق الزبرقان عن زهرة بن معبد قال: كنا جلوسا عند زيد بن ثابت، فأرسلوا إلى أسامة فسألوه عن الصلاة الوسطى؟ فقال: هي الظهر، كأن النبي صلى اللّه عليه وسلم يصليها بالهجير. وأخرج أحمد وابن المنيع والنسائي وابن جرير والشاشي والضياء من طريق الزبرقان "أن رهطا من قريش مر بهم زيد بن ثايت وهم مجتمعون، فأرسلوا إليه غلامين لهم يسألانه عن الصلاة الوسطى؟ فقال: الظهر، ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد فسألاه، فقال: هي الظهر، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير، فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان والناس في قائلتهم وتجارتهم، فأنزل اللّه {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا للّه قانتين} فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لينتهين رجال أو لأحرقن بيوتهم". وأخرج النسائي والطبراني من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب قال "كنت مع قوم اختلفوا في الصلاة الوسطى وأنا أصغر القوم، فبعثوني إلى زيد بن ثابت لأسأله عن الصلاة الوسطى، فأتيته فسألته فقال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة والناس في قائلتهم وأسواقهم، فلم يكن يصلي وراء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا الصف والصفان، فأنزل اللّه {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا للّه قانتين} فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لينتهين أقوام أو لأحرقن بيوتهم". وأخرج ابن جرير في تهذيبه من طريق عبد الرحمن بن أبان عن أبيه عن زيد بن ثابت في حديث يرفعه قال: الصلاة الوسطى صلاة الظهر. وأخرج البيهقي وابن عساكر من طريق سعيد بن المسيب. أنه كان قاعدا وعروة بن الزبير، وإبراهيم بن طلحة، فقال سعيد بن المسيب: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: الصلاة الوسطى صلاة الظهر. قال: فمر علينا ابن عمر فقال عروة: أرسلوا إلى ابن عمر فسألوه. فأرسلنا إليه غلاما فسأله، ثم جاء الرسول فقال: هي صلاة الظهر. فشككنا في قول الغلام، فقمنا جميعا فذهبنا إلى ابن عمر، فسألناه فقال: هي صلاة الظهر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن زيد بن ثابت قال: الصلاة الوسطى صلاة الظهر. وأخرج مالك وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر من طرق عن زيد بن ثابت قال: الصلاة الوسطى صلاة الظهر. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن حرملة مولى زيد بن ثابت قال: تمارى زيد بن ثابت وأبي بن كعب في الصلاة الوسطى، فأرسلاني إلى عائشة أي صلاة هي؟ فقالت: الظهر. فكان زيد يقول: هي الظهر، فلا أدري عنه أخذه أو عن غيرها. وأخرج ابن المنذر من طرق أبي جعفر محمد بن علي بن حسين عن علي بن أبي طالب قال: الصلاة الوسطى صلاة الظهر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طرق عن ابن عمر قال: الصلاة الوسطى الظهر. وأخرج ابن جرير عن أبي سعيد الخدري قال: صلاة الظهر هي الصلاة الوسطى. وأخرج عبد الرزاق والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف عن أبي رافع مولى حفصة قال: استكتبتني حفصة مصحفا فقالت: إذا أتيت على هذه الآية فتعال حتى أمليها عليك كما أقرئتها، فلما أتيت على هذه الاية {حافظوا على الصلوات} قالت: اكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) فلقيت أبي بن كعب فقلت: يا أبا المنذر، إن حفصة قال: كذا وكذا. فقال: هو كما قالت: أو ليس أشغل ما نكون عند صلاة الظهر في عملنا ونواضحنا؟ وأخرج مالك وأبو عبيد وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في سننه عن عمرو بن رافع قال: كنت أكتب مصحفا لحفصة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} فلما بلغتها آذنتها فأملت علي (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا للّه قانتين) وقالت: أشهد أني سمعتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج عبد الرزاق عن نافع. أن حفصة دفعت مصحفا إلى مولى لها يكتبه، وقالت: إذا بلغت هذه الآية {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} فآذني، فلما بلغها جاءها فكتبت بيدها (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر). وأخرج مالك وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي داود وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في سنه عن أبي يونس مولى عائشة قال: أمرتني عائشه أن أكتب لها مصحفا، وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآدني {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} فلما بلغتها آذنتها، فأملت علي (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا للّه قانتين) وقالت عائشة: سمعتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر عن أم حميد بنت عبد الرحمن. أنها سألت عائشة عن الصلاة الوسطى؟ فقالت: كنا نقرؤها في الحرف الأول على عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا للّه قانتين). وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة قال: الصلاة الوسطى هي الظهر، قبلها صلاتان وبعدها صلاتان. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي داود عن هشام بن عروة قال: قرأت في مصحف عائشة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا للّه قانتين). وأخرج ابن الأنباري في المصاحف من طريق سليمان بن أرقم عن الحسن وابن سيرين وابن شهاب الزهري، وكان الزهري أشبعهم حديثا قالوا: لما أسرع في قتل قراء القرآن يوم اليمامة قتل معهم يومئذ أربعمائة رجل، لقي زيد بن ثابت عمر بن الخطاب فقال له: إن هذا القرآن هو الجامع لديننا، فإن ذهب القرآن ذهب ديننا، وقد عزمت على أن أجمع القرآن في كتاب. فقال له: انتظر حتى نسأل أبا بكر، فمضيا إلى أبي بكر فأخبراه بذلك. فقال: لا تعجل حتى اشاور المسلمين، ثم قام خطيبا في الناس فأخبرهم بذلك، فقالوا: أصبت. فجمعوا القرآن، وأمر أبو بكر مناديا فنادى في الناس: من كان عنده من القرآن شيء فليجيء به. قالت: حفصة: إذا انتهيتم إلى هذه الآية فأخبروني {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} فلما بلغوا إليها قالت: اكتبوا (والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر) فقال لها عمر: ألك بهذا بينة؟ قالت: لا. قال: فو اللّه لا ندخل في القرآن ما تشهد به امرأة بلا إقامة بينة. وقال عبد اللّه بن مسعود: اكتبوا" (والعصر إن الإنسان لفي خسر) (العصر الآية ١) وإنه فيه إلى آخر الدهر"فقال عمر: نحوا عنا هذه الاعرابية. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق نافع عن ابن عمر عن حفصة أنها قالت لكاتب مصحفها: إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك ما سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلما أخبرها قالت: اكتب، إني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر". وأخرج وكيع وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر عن عبد اللّه بن رافع عن أم سلمة. أنها أمرته أن يكتب لها مصحفا، فلما بلغت {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} قالت: اكتب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا للّه قانتين وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود والبيهقي في سننه من طريق عمير بن مريم، أنه سمع ابن عباس قرأ هذا الحرف ( (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) ). وأخرج عبد بن حميد ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن جرير والبيهقي عن البراء بن عازب قال: نزلت (حافظوا على الصلوات العصر) فقرأناها على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما شاء اللّه، ثم نسخها اللّه فأنزل {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} فقيل له: هي إذن صلاة العصر؟ فقال: قد حدثتك كيف نزلت، وكيف نسخها اللّه واللّه أعلم. وأخرج البيهقي عن البراء قال: قرأناها مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أياما (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر) ثم قرأناها {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} فلا أدري أهي هي أم لا. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن زر قال: قلت لعبيدة: سل عليا عن صلاة الوسطى. فسأله فقال: كنا نراها الفجر، حتى سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول يوم الأحزاب "شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ اللّه قبورهم وأجوافهم نارا". وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن زر قال: انطلقت أنا وعبيدة السلماني إلى علي، فأمرت عبيدة أن يسأله عن الصلاة فسأله فقال: كنا نراها صلاة الصبح، فبينا نحن نقاتل أهل خيبر فقاتلوا حتى أرهقونا عن الصلاة، وكان قبيل غروب الشمس قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اللّهم املأ قلوب هؤلاء القوم الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى وأجوافهم نارا، فعرفنا يومئذ أنها الصلاة الوسطى". وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم والنسائي والبيهقي عن شتير بن شكل قال: سألت عليا عن الصلاة الوسطى فقال: كنا نرى انها الصبح حتى سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول يوم الأحزاب "ملأ اللّه بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس، ولم يكن صلى يومئذ الظهر والعصر حتى غابت الشمس". وأخرج عبد الرزاق عن علي قال: هي العصر. وأخرج الدمياطي في كتاب الصلاة الوسطى من طريق الحسن البصري عن علي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "الصلاة الوسطى صلاة العصر". وأخرج عبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال "حبس المشركون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرت، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ اللّه أجوافهم وقبورهم نارا". وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن حبان من طرق عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الصلاة الوسطى صلاة العصر". وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني من طريق مقسم وسعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال يوم الخندق "شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس، ملأ اللّه قبورهم وأجوافهم نارا". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزاة فحبسه المشركون عن صلاة العصر حتى مسى بها، فقال "اللّهم املأ بيوتهم وأجوافهم نارا كما حبسونا عن الصلاة الوسطى". وأخرج الطبراني عن ابن عباس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نسي الظهر والعصر يوم الأحزاب، فذكر بعد المغرب فقال: اللّهم من حبسنا عن الصلاة الوسطى فاملأ بيوتهم نارا". وأخرج البزار بسند صحيح عن جابر "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال يوم الخندق: ملأ اللّه بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس". وأخرج البزار بسند صحيح عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الأحزاب "شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ اللّه بيوتهم وقبورهم نارا". وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أم سلمة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "شغلونا عن الصلاة الوسطى - صلاة العصر - ملأ اللّه أجوافهم وقلوبهم نارا". وأخرج ابن منده عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "الموتور أهله وماله من وتر الصلاة الوسطى في جماعة، وهي صلاة العصر". وأخرج أحمد وابن جرير والطبراني عن سمرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وسماها لنا، وإنما هي صلاة العصر". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير والطبراني والبيهقي عن سمرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر". وأخرج الطبراني عن سمره بن جندب قال "أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن نحافظ على الصلوات كلهن، وأوصانا بالصلاة الوسطى، ونبأنا أنها صلاة العصر". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد من طريق سالم عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله. قال: فكان ابن عمر يرى أنها الصلاة الوسطى". وأخرج ابن جرير والبيهقي من طريق أبي صالح وهو ميزان عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الصلاة الوسطى صلاة العصر". وأخرج الطحاوي من طريق موسى بن وردان عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الصلاة الوسطى صلاة العصر" وأخرج عبد الرزاق في المصنف والطحاوي عن عبد الرحمن بن لبيبة الطائفي. أنه سأل أبا هريرة عن الصلاة الوسطى؟ فقال: سأقرأ عليك القرآن حتى تعرفها، أليس يقول اللّه في كتابه (أقم الصلاة لدلوك الشمس) (الإسراء الاية ٧٨) الظهر (إلى غسق الليل) المغرب (ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم) (النور الآية ٥٨) لعتمة ويقول (إن القرآن الفجر كان مشهودا) (الإسراء الآية ٧٨) الصبح، ثم قال {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا للّه قانتين} هي العصر هي العصر. وأخرج ابن سعد والبزار وابن جرير والطبراني والبغوي في معجمه عن كهيل بن حرملة قال "سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى؟ فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها ونحن بفناء بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة بن عبد شمس، فقال: أنا أعلم لكم ذلك، فقام فأستأذن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فدخل عليه، ثم خرج إلينا فقال: أخبرنا أنها صلاة العصر". وأخرج ابن جرير عن إبراهيم بن يزيد الدمشقي قال "كنت جالسا عند عبد العزيز بن مروان فقال: يا فلان اذهب إلى فلان فقل له: أي شيء سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الصلاة الوسطى؟ فقال رجل جالس: أرسلني أبو بكر وعمر وأنا غلام صغير أسأله عن الصلاة الوسطى، فأخذ أصبعي الصغيرة فقال: هذه الفجر، وقبض التي تليها وقال: هذه الظهر، ثم قبض الإبهام فقال: هذه المغرب، ثم قبض التي تليها فقال: هذه العشاء، ثم قال: أي أصابعك بقيت؟ فقلت الوسطى. فقال: أي الصلاة بقيت؟ فقلت: العصر. فقال: هي العصر". وأخرج البزار بسند صحيح عن ابن عباس. أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "الصلاة الوسطى صلاة العصر". وأخرج ابن جرير والطبراني عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الصلاة الوسطى صلاة العصر". وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر". وأخرج ابن جرير عن عروة قال: كان في مصحف عائشة ( (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر) ). وأخرج وكيع عن حميدة قالت: قرأت في مصحف عائشة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر). وأخرج ابن أبي داود عن قبيصة بن ذؤيب قال في مصحف عائشة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى والصلاة الوسطى صلاة العصر). وأخرج سعيد بن منصور وأبو عبيد عن زياد بن أبي مريم. أن عائشة أمرت بمصحف لها أن يكتب وقالت: إذا بلغتم {حافظوا على الصلوات} فلا تكتبوها حتى تؤذنوني، فلما أخبروها أنهم قد بلغوا قالت: اكتبوها والصلاة الوسطى صلاة العصر. وأخرج ابن جرير والطحاوي والبيهقي عن عمرو بن رافع قال: كان مكتوبا في مصحفة حفصة (حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى وهي صلاة العصر وقوموا للّه قانتين). وأخرج المحاملي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن. سمعت السائب بن يزيد تلا هذه الآية (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر). وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن المنذر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب. أنه كان يقرؤها (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر). وخرج أبو عبيد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير والطحاوي من طريق رزين بن عبيد. أنه سمع ابن عباس يقرؤها (والصلاة الوسطى صلاة العصر). وأخرج وكيع والفريابي وسفيان بن عينية وسعيد بن منصور ومسدد في مسنده وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في الشعب من طرق عن علي بن أبي طالب قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر التي فرط بها سليمان حتى توارت بالحجاب. وأخرج وكيع وسفيان وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طرق عن ابن عباس قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي من طرق عن أبي هريرة قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر. وأخرج عبد بن حميد والطحاوي من طريق أبي قلابة قال: كانت في مصحف أبي بن كعب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر) وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق أبي قلابة عن أبي المهلب بن أبي بن كعب. وأخرج ابن جرير والطحاوي من طريق سالم عن أبيه عبد اللّه بن عمر قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر أنه قرأ (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر). وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر عن أبي أيوب قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر. وأخرج ابن المنذر والطبراني عن زيد بن ثابت قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر. وأخرج ابن المنذر والطحاوي عن أبي سعيد الخدري قال: الصلاة الوسطى العصر. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أم سلمة قالت: الصلاة الوسطى صلاة العصر. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير من طرق عن عائشة قالت: الصلاة الوسطى العصر. وأخرج الدمياطي عن عبد اللّه بن عمرو قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي من طريق نافع عن حفصة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم أنا قالت لكاتب مصحفها "إذ بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك بما سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأخبرها قالت: اكتب فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر) ". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: كنا نحدث أن الصلاة الوسطى صلاة العصر قبلها صلاتان من النهار وبعدها صلاتان من الليل. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد عن سالم بن عبد اللّه أن حفصة أم المؤمنين قالت: الوسطى صلاة العصر. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: الوسطى هي العصر. وأخرج الطحاوي عن أبي عبد الرحمن عبيد اللّه بن محمد بن عائشة قال: إن آدم لما أتت عليه عين الفجر صلى ركعتين فصارت الصبح، وفدى إسحق عند الظهر فصلى إبراهيم أربعا فصارت الظهر، وبعث عزيز فقيل له: كم لبثت؟ قال: يوما، فرأى الشمس فقال: أو بعض يوم، فصلى أربع ركعات فصارت العصر، وغفر لداود عند المغرب، فقام فصلى أربع ركعات فجهد، فجلس في الثالثة فصارت المغرب ثلاثا، وأول من صلى العشاء الآخرة نبينا صلى اللّه عليه وسلم، فلذلك قالوا: الوسطى هي صلاة العصر. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: هي العصر. وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر. وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن الصلاة الوسطى فقال: هي العصر. وأخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قال: الصلاة الوسطى المغرب. وأخرج ابن جرير عن قبيصة بن ذؤيب قال: الصلاة الوسطة صلاة المغرب، ألا ترى أنها ليست باقلها ولا أكثرها ولا تقصر في السفر، وأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يؤخرها عن وقتها ولم يعجلها. وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين قال: سأل رجل زيد بن ثابت عن الصلاة الوسطى قال: حافظ على الصلوات تدركها. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الربيع بن خيثم. أن سائلا سأله عن الصلاة الوسطى قال: حافظ عليهن فإنك إن فعلت أصبتها، إنما هي واحدة منهن. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال: سئل شريح عن الصلاة الوسطى فقال: حافظوا عليها تصيبوها. وأما قوله تعالى: {وقوموا للّه قانتين}. وأخرج وكيع وأحمد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن خزيمة والطحاوي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والبيهقي عن زيد بن أسلم قال: كنا نتكلم على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الصلاة، يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت {وقوموا للّه قانتين} فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام. وأخرج الطبراني عن ابن عباس في قول اللّه {وقوموا للّه قانتين} قال: كانوا يتكلمون في الصلاة، يجيء الرجل إليه وهو في الصلاة فيكلمه بحاجته، فنهوا عن الكلام. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة. مثله. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن محمد بن كعب قال: قدم رسول اللّه صلى اللّه ليه وسلم المدينة والناس يتكلمون في الصلاة في حوائجهم كما تكلم أهل الكتاب في الصلاة في حوائجهم، حتى نزلت هذه الآية {وقوموا للّه قانتين} فتركوا الكلام. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطية قال: كان يأمرون في الصلاة بحوائجهم حتى أنزلت {وقوموا للّه قانتين} فتركوا الكلام في الصلاة. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: كانوا يتكلمون في الصلاة، وكان الرجل يأمر أخاه بالحاجة، فأنزل اللّه {وقوموا للّه قانتين} فقطعوا الكلام، فالقنوت السكوت والقنوت الطاعة. وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن مرة عن ابن مسعود قال "كنا نقوم في الصلاة فنتكلم ويسارر الرجل صاحبه ويخبره، ويردون عليه إذا سلم حتى أتيت أنا، فسلمت فلم يردوا علي السلام، فاشتد ذلك علي، فلما قضى النبي صلى اللّه عليه وسلم صلاته قال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أن أمرنا أن نقوم قانتين لا نتكلم في الصلاة، والقنوت السكوت". وأخرج ابن جرير من طريق زر عن ابن مسعود قال "كنا نتكلم في الصلاة فسلمت على النبي صلى اللّه عليه وسلم فلم يرد علي، فلما انصرف قال: قد أحدث اللّه أن لا تتكلموا في الصلاة، و نزلت هذه الآية {وقوموا للّه قانتين} ". وأخرج ابن جرير من طريق كلثوم بن المصطلق عن ابن مسعود قال: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان عودني أن يرد علي السلام في الصلاة، فأتيته ذات يوم فسلمت فلم يرد علي وقال: إن اللّه يحدث من أمره ما شاء، وإنه قد أحدث لكم في الصلاة أن لا يتكلم أحد إلا بذكر اللّه، وما ينبغي من تسبيح وتمجيد {وقوموا للّه قانتين}. وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى من طريق المسيب عن ابن مسعود قال: كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة، فمررت برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسلمت عليه فلم يرد علي، فوقع في نفسي أنه نزل في شيء، فلما قضى النبي صلى اللّه عليه وسلم صلاته قال "وعليك السلام أيها المسلم ورحمة اللّه، إن اللّه يحدث في أمره ما يشاء، فإذا كنتم في الصلاة فاقنتوا ولا تتكلموا". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: القانت الذي يطع اللّه ورسوله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وقوموا للّه قانتين} قال: مصلين. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: كل أهل دين يقومون فيها عاصين، فقوموا أنتم للّه مطيعين. وأخرج ابن أبي شيبة في الصنف عن الضحاك في قوله {وقوموا للّه قانتين} قال: مطيعين للّه في الوضوء. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: إذا قمتم في الصلاة فاسكتوا ولا تكلموا أحدا حتى تفرغوا منها، والقانت المصلي الذي لا يتكلم. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والأصبهاني في الترغيب والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد في قوله {وقوموا للّه قانتين} قال: من القنوت الركوع والخشوع وطول الركوع، يعني طول القيام، وغض البصر، وخفض الجناح، والرهبة للّه، كان الفقهاء من أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم إذا قام أحدهم في الصلاة يهاب الرحمن سبحانه وتعالى أن يلتفت، أو يقلب الحصى، أو يشد بصره، أو يعبث بشيء، أو يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا إلا ناسيا حتى ينصرف. وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن ابن عباس في قوله {وقوموا للّه قانتين} قال: كانوا يتكلمون في الصلاة ويأمرون بالحاجة، فنهوا عن الكلام والالتفات في الصلاة، وأمروا أن يخشعوا إذا قاموا في الصلاة قانتين خاشعين غير ساهين ولا لاهين. وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والترمذي وابن ماجة عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أفضل الصلاة طول القنوت". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن ابن مسعود قال "كنا نسلم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، فقلنا يا رسول اللّه كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا؟ فقال: إن في الصلاة شغلا". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن معاوية بن الحكم السلمي قال "بينا أنا أصلي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا عطس رجل من القوم، فقلت يرحمك اللّه، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي...؟ ١ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني سكت، فلما صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فواللّه ما انتهرني ولا ضربني ولا شتمني، ثم قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن". وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة عن جابر قال: "كنا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم يعني في سفر فبعثني في حاجة، فرجعت وهو يصلي على راحلته، فسلمت عليه فلم يرد علي، فلما انصرف قال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي". وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه عن صهيب قال "مررت برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يصلي، فسلمت عليه فرد على إشارة". وأخرج البزار عن أبي سعيد الخدري "أن رجلا سلم على النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو في الصلاة فرد النبي صلى اللّه عليه وسلم إشارة، فلما سلم قال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: إنا كنا نرد السلام في صلاتنا فنهينا عن ذلك". وأخرج الطبراني عن عمار بن ياسر قال "أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي في سننه عن محمد بن سيرين قال: سئل أنس بن مالك أقنت النبي صلى اللّه عليه وسلم في الصبح؟ قال: نعم. قيل: أوقنت قبل الركوع؟ قال: بعد الركوع يسيرا. قال: فلا أدري اليسير للقام أو القنوت. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر. أنه كان لا يقنت في الفجر ولا في الوتر، وكان إذا سئل عن القنوت قال: ما نعلم القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن. وأخرج البخاري والبيهقي من طريق أبي قلابة عن أنس قال: كان القنوت في الفجر والمغرب. وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني والبيهقي عن البراء بن عازب: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقنت في الفجر والمغرب. وأخرج الطبراني في الأوسط والدارقطني والبيهقي عن البراء بن عازب "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب". وأخرج الطبراني في الأوسط والدارقطني والبيهقي عن البراء بن عازب قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني والبيهقي عن أبي سلمة. أنه سمع أبا هريرة يقول: واللّه لأقربن لكم صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر، وصلاة العشاء، وصلاة الصبح، بعد ما يقول: سمع اللّه لمن حمده، يدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين. وأخرج أبو داود والبيهقي عن ابن عباس قال: قنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح، في دبر كل صلاة، إذا قال: سمع اللّه لمن حمده من الركعة الأخيرة، يدعو على أحياء من سليم على رعل وذكوان وعصية، ويؤمن من خلفه. وأخرج أبو داود والدارقطني عن محمد بن سيرين قال "حدثني من صلى مع النبي صلى اللّه عليه وسلم صلاة الغداة، فلما رفع رأسه من الركعة الثانية قام هنية". وأخرج أحمد والبزار الدارقطني عن أنس قال: "ما زال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا". وأخرج الدارقطني والبيهقي عن أنس قال "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قنت شهرا يدعو عليهم ثم تركه، وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا". وأخرج الدارقطني عن أنس قال: "صليت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلم يزل يقنت بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقته. قال: وصليت خلف عمر بن الخطاب فلم يزل يقنت بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقته".وأخرج البزار والبيهقي عن أنس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قنت حتى مات، وأبو بكر حتى مات، وعمر حتى مات". وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عثمان. أنه سئل عن قنوت عمر في الفجر؟ فقال: كان يقنت بقدر ما يقرأ الرجل مائة آية. وأخرج البيهقي عن أنس قال: قنت النبي صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان بعد الركوع، ثم تباعدت الديار فطلب الناس إلى عثمان أن يجعل القنوت في الصلاة قبل الركوع لكي يدركوا الصلاة، فقنت قبل الركوع. وأخرج الدارقطني من طريق أبي الطفيل عن علي وعمار "أنهما صليا خلف النبي صلى اللّه عليه وسلم فقنت في الغداة". وأخرج ابن ماجة عن حميد قال: سئل أنس عن القنوت في صلاة الصبح فقال: كنا نقنت قبل الركوع وبعده. وأخرج الحرث بن أبي أمامة والطبراني في الأوسط عن عائشة قالت"كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقنت في الفجر قبل الركعة، وقال: إنما أقنت بكم لتدعوا ربكم وتسألوه حوائجكم". وأخرج أبو يعلى عن أبي رافع "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: سلوا اللّه حوائجكم في صلاة الصبح". وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن مسعود قال: "ما قنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في شيء من الصلوات إلا في الوتر، وإنه وكان إذا حارب يقنت في الصلوات كلهن، يدعو على المشركين". وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي بن كعب "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والطبراني والبيهقي عن الحسن بن علي قال "علمني جدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللّهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت. زاد الطبراني والبيهقي: ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت". وأخرج البيهقي عن يزيد بن أبي مريم قال: سمعت ابن عباس ومحمد بن علي بن الحنفية بالخيف يقولان"كأن النبي صلى اللّه عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح وفي وتر الليل بهؤلاء الكلمات: اللّهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت". وأخرج الدارقطني عن الحسن فيمن نسي القنوت في صلاة الصبح قال: عليه سجدتا السهو. وأخرج الدارقطني عن سعيد بن عبد العزيز فيمن نسي القنوت في صلاة الصبح: يسجد سجدتي السهو. واللّه أعلم. ٢٣٩ أخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق والبخاري والبيهقي من طريق نافع قال: كان ابن عمر إذا سئل عن صلاة الخوف قال: يتقدم الإمام وطائفة من الناس فيصلي بهم الإمام ركعة، وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدو لم يصلوا، فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة، ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين، فتقوم كل واحدة من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف الإمام، فيكون كل واحد من الطائفتين قد صلى ركعتين، وإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالا أو قياما على أقدامهم، أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها. قال نافع: لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي من طريق نافع عن ابن عمر قال "صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه، فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدو، فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة، ثم قضت الطائفتان ركعة ركعة. قال: وقال ابن عمر: فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصلى راكبا أو قائما تومئ إيماء". وأخرج ابن ماجة من طريق نافع عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في صلاة الخوف "أن يكون الإمام يصلي بطائفة معه فيسجدون سجدة واحدة وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدو، ثم ينصرف الذين سجدوا السجدة مع أميرهم، ثم يكونوا مكان الذين لم يصلوا ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلوا مع أميرهم سجدة واحدة، ثم ينصرف أميرهم وقد صلى صلاته، ويصلي كل واحد من الطائفتين بصلاته سجدة لنفسه، فإن كان خوفا أشد من ذلك فرجالا أو ركبانا". وأخرج البزار عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "صلاة المسايفة ركعة، أي وجه كان الرجل يجزئ عنه، فإن فعل ذلك لم يعده". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} قال: يصلي الراكب على دابته والراجل على رجليه {فإذا أمنتم فاذكروا اللّه كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون} يعني كما علمكم أن يصلي الراكب على دابته، والراجل على رجليه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن جابر بن عبد اللّه قال: إذا كانت المسايفة فليومئ برأسه حيث كان وجهه، فذلك قوله {فرجالا أو ركبانا}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله {فرجالا} قال: مشاة {أو ركبانا} قال: لأصحاب محمد على الخيل في القتال، إذا وقع الخوف فليصل الرجل إلى كل جهة، قائما أو راكبا أو ما قدر على أن يومئ إيماء برأسه أو يتكلم بلسانه. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: أحل اللّه لك إذا كنت خائفا أن تصلي وأنت راكب، وأنت تسعى وتومئ إيماء حيث كان وجهك للقبلة، أو لغير ذلك. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} قال: هذا في العدو يصلي الراكب والماشي يومئون إيماء حيث كان وجوههم، والركعة الواحدة تجزئك. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن مجاهد قال: يصلي ركعتين، فإن لم يستطع فركعة، فإن لم يستطع فتكبيرة حيث كان وجهه. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} قال: ركعة ركعة. وأخرج أبو داود عن عبد اللّه بن أنيس قال "بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي"وكان نحو عرنة وعرفات فقال: اذهب فاقتله. قال: فرأيته وقد حضرت صلاة العصر فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما أن أؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومئ إيماء نحوه، فلما دنوت منه قال لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب، بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك في ذلك. قال: إني لفي ذلك. فمشيت معه ساعة حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد". وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم في قوله {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} قال: إذا حضرت الصلاة في المطادرة فأومئ حيث كان وجهك، واجعل السجود أخفض من الركوع. وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله {فرجالا أو ركبانا} قال: ذلك عند الضراب بالسيف تصلي ركعة إيماء حيث كان وجهك، راكبا كنت أم ماشيا أو ساعيا. وأخرج الطيالسي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والنسائي وأبو يعلى والبيهقي في سننه عن أبي سعيد الخدري قال "كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الخندق، فشغلنا عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى كفينا ذلك، وذلك قوله (وكفى اللّه المؤمنين القتال) (الأحزاب الآية ٢٥) فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بلالا، فأقام لكل صلاة إقامة، وذلك قبل أن ينزل عليه {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} ". وأخرج وكيع وابن جرير عن مجاهد {فإذا أمنتم} قال: خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال {فإذا أمنتم} فصلوا الصلاة كما افترض عليكم، إذا جاء الخوف كانت لهم رخصة. ٢٤٠ وأخرج البخاري والبيهقي في سننه عن ابن الزبيرقال: قلت لعثمان بن عفان {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها أو تدعها؟ قال: يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله {والذين يتوفون منكم...} الآية. قال: كان للمتوفى عنها زوجها نفقتها وسكناها في الدار سنة، فنسختها آية المواريث فجعل لهن الربع والثمن مما ترك الزوج. وأخرج ابن جرير عن عطاء في الآية قال: كان ميراث المرأة من زوجها أن تسكن إن شاءت من يوم يموت زوجها إلى الحول، يقول {فإن خرجن فلا جناح عليكم} ثم نسخها ما فرض اللّه من الميراث. وأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج} قال: نسخ اللّه ذلك بآية الميراث، بما فرض اللّه لهن من الربع والثمن، ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي من طريق ابن سيرين عن ابن عباس. أنه قام يخطب الناس، فقرأ لهم سورة البقرة، فبين لهم منها فأتى على هذه الآية (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين) (البقرة الآية ١٨٠) فقال: نسخت هذه، ثم قرأ حتى أتى على هذه الآية {والذين يتوفون منكم} إلى قوله {غير إخراج} فقال: وهذه. وأخرج الشافعي وعبد الرزاق عن جابر بن عبد اللّه قال: ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة حسبها الميراث. وأخرج أبو داود في ناسخه والنسائي عن عكرمة في قوله {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول} قال: نسخها (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (البقرة الآية ٢٣٤). وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن زيد بن أسلم في قوله {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم} قال: كانت المرأة يوصى لها زوجا بنفقة سنة ما لم تخرج وتتزوج، فنسخ ذلك بقوله (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (البقرة الآية ٢٣٤) فنسخت هذه الآية الأخرى، وفرض عليهن التربص أربعة أشهر وعشرا، وفرض لهن الربع والثمن. وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن زيد بن أسلم عن قتادة في الآية قال: كانت المرأة يوصي لها زوجا بالسكنى والنفقة ما لم تخرج وتتزوج، ثم نسخ ذلك وفرض لها الربع إن لم يكن لزوجها ولد، والثمن إن كان لزوجها ولد، ونسخ هذه الآية قوله (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (البقرة الآية ٢٣٤) فنسخت هذه الآية الوصية إلى الحول. وأخرج ابن راهويه في نفسيره عن مقاتل بن حيان "أن رجلا من أهل الطائف قدم المدينة وله أولاد رجال ونساء ومعه أبواه وامرأته، فمات بالمدينة فرفع ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم، فأعطى الوالدين وأعطى أولاده بالمعروف، ولم يعط امرأته شيئا غير أنهم أمروا أن ينفقوا عليها من تركة زوجها إلى الحوا، وفيه نزلت {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا...} الآية". وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {فلا جناح عليكم فيما فعلن في لأنفسهن من معروف} قال: النكاح الحلال الطيب. ٢٤١ انظر تفسير الآية: ٢٤٢ ٢٤٢ أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: لما نزل قوله (متاعا بالمعروف حقا على المحسنين) قال رجل: إن أحسنت فعلت وإن لم أرد ذلك لم أفعل، فأنزل اللّه {وللمطلاقات متاع بالمعروف حقا على المتقين}. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال: نسخت هذه الآية التي بعدها قوله (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) (البقرة الآية ٢٣٧) نسخت {وللمطلاقات متاع بالمعروف}. وأخرج عن عتاب بن خصيف في قوله {للمطلقات متاع} قال: كان ذلك قبل الفرائض. وأخرج مالك وعبد الرزاق والشافعي وعبد بن حميد والنحاس في ناسخه وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر قال: لكل مطلقة متعة إلا التي يطلقها ولم يدخل بها وقد فرض لها، كفى بالنصف متاعا. وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: لكل مؤمنة طلقت حرة أو أمة متعة، وقرأ {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين}. وأخرج البيهقي عن جابر بن عبد اللّه قال "لما طلق حفص بن المغيرة امرأته فاطمة أتت النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال لزوجها. متعها. قال: لا أجد ما أمتعها. قال: فإنه لا بد من المتاع، متعها ولو نصف صاع من تمر". وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين} قال: لكل مطلقة متعة. وأخرج عبد بن حميد عن يعلى بن حكيم قال: قال رجل لسعيد بن جبير: المتعة على كل أحد هي؟ قال: لا. قال: فعلى من هي؟ قال: على المتقين. وأخرج البيهقي عن قتادة قال: طلق رجل امرأته عند شريح فقال له شريح: متعتها؟ فقالت المرأة: إنه ليس لي عليه متعة، إنما قال اللّه {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين} وللمطلقات متاع بالمعروف على المحسنين، وليس من أولئك. وأخرج البيهقي عن شريح أنه قال لرجل فارق امرأته: لا تأب أن تكون من المتقين، لا تأب أن تكون من المحسنين. وأخرج الشافعي عن جابر بن عبد اللّه قال: نفقة المطلقة ما لم تحرم، فإذا حرمت فمتاع بالمعروف. ٢٤٣ انظر تفسير الآية: ٢٤٤ ٢٤٤ أخرج وكيع والفريابي وابن جرير وابن المنذر والحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله {ألم تر إلى الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون، وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت، حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا، قال لهم اللّه: موتوا. فمر عليهم نبي من الأنبياء، فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في الآية قال: كانوا أربعة آلاف من أهل قرية يقال لها داوردان، خرجوا فارين من الطاعون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي عن أبي مالك في الآية قال: كانت قرية يقال لها داوردان قريب من واسط، فوقع فيهم الطاعون، فأقامت طائفة وهربت طائفة، فوقع الموت فيمن أقام وسلم الذين أجلوا، فلما ارتفع الطاعون رجعوا إليهم، فقال الذين بقوا: إخواننا كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا سلمنا، ولئن بقينا إلى أن يقع الطاعون لنصنعن كما صنعوا. فوقع الطاعون من قابل فخرجوا جميعا، الذين كانوا أجلوا والذين كانوا أقاموا وهم بضعة وثلاثون ألفا، فساروا حتى أتوا واديا فسيحا فنزلوا فيه وهو بين جبلين، فبعث اللّه لإليهم ملكين، ملكا بأعلى الوادي وملكا بأسفله، فناداهم: أن موتوا فماتوا. فمكثوا ما شاء اللّه، ثم مر بهم نبي يقال حزقيل، فرأى تلك العظام فوقف متعجبا لكثرة ما يرى منهم، فأوحى اللّه إليه أن ناد أيتها العظام إن اللّه أمرك أن تجتمعي، فاجتمعت العظام من أعلى الوادي وأدناه حتى التزق بعضها بعض كل عظم من جسد التزق بجسده، فصارت أجسادا من عظام لا لحم ولا دم، ثم أوحى اللّه إليه أن ناد أيتها العظام إن اللّه يأمرك أن تكتسي لحما فاكتست لحما، ثم أوحى اللّه إليه أن ناد أيتها الأجساد إن اللّه يأمرك أن تقومي فبعثوا أحياء. فرجعوا إلى بلادهم فأقاموا لا يلبسون ثوبا إلا كان عليهم كفنا دسما، يعرفهم أهل ذلك الزمان أنهم قد ماتوا، ثم أقاموا حتى أتت عليهم آجالهم بعد ذلك قال أسباط: وقال منصور عن مجاهد: كان كلامهم حين بعثوا أن قالوا سبحانك اللّهم ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت...! وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز في قوله تعالى {ألم تر إلى الذين أخرجوا من ديارهم} قال: هم من أذرعات. وأخرج عن أبي صالح في الآية قال: كانوا تسعة آلاف. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} قال: مقتهم اللّه على فرارهم من الموت، فأماتهم اللّه عقوبة اللّه ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليستوفوها، ولو كانت آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم. وأخرج ابن جرير عن أشعث بن أسلم البصري قال: بينا عمر يصلي ويهوديان خلفه قال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ فلما انتعل عمر قال: أرأيت قول أحدكما لصاحبه أهو هو؟ قالا: إنا نجده في كتابنا قرنا من حديد يعطى ما يعطى حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن اللّه. فقال عمر: ما نجد في كتاب اللّه حزقيل ولا أحيا الموتى بإذن اللّه إلا عيسى. قال: أما تجد في كتاب اللّه (ورسلا لم نقصصهم عليك) (النساء الآية ١٦٤)؟ فقال عمر: بلى. قال: وأما إحياء الموت فسنحدثك أن بني إسرائيل وقع عليهم الوباء، فخرج منهم قوم حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم اللّه، فبنوا عليهم حائطا حتى إذا بليت عظامهم بعث اللّه حزقيل، فقام عليهم فقال ما شاء اللّه، فبعثهم اللّه له، فأنزل اللّه في ذلك {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف...} الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن هلال بن يساف في الآية قال: هؤلاء قوم من بني إسرائيل، كانوا إذا وقع فيهم الطاعون خرج أغنيائهم وأشرافهم، وأقام فقراؤهم وسفلتهم فاستحر القتل على المقيمين ولم يصب الآخرين شيء، فلما كان عام من تلك الأعوام قالوا: لو صنعنا كما صنعوا نجونا، فظعنوا جميعا فأرسل عليهم الموت فصاروا عظاما تبرق، فجاءهم أهل القرى فجمعوهم في مكان واحد، فمر بهم نبي فقال: يا رب لو شئت أحييت هؤلاء فعمروا بلادك وعبدوك. فقال: قل كذا وكذا، فتكلم به، فنظر إلى العظام تركب، ثم تكلم فإذا العظام تكسى لحما، ثم تكلم فإذا هم قعود يسبحون ويكبرون، ثم قيل لهم {وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أن اللّه سميع عليم}. وأخرج عبد الرزاق عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في الآية قال: هم قوم فروا من الطاعون، فأماتهم اللّه قبل آجالهم عقوبة ومقتا، ثم أحياهم ليكملوا بقية آجالهم. وأخرج ابن جرير عن وهب بن منبه. أن كالب بن يوقنا لما قبضه اللّه بعد يوشع خلف في بني إسرائيل حزقيل من بوزى وهو ابن العجوز، وإنما سمي ابن العجوز لأنها سألت اللّه الولد وقد كبرت فوهبه لها، وهو الذي دعا للقوم الذين ذكر اللّه في كتابه في قوله {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم} الآية. وأخرج عبد بن حميد عن وهب قال: أصاب ناسا من بني إسرائيل بلاء وشدة من زمان، فشكوا ما أصابهم وقالوا: يا ليتنا قد متنا فاسترحنا مما نحن فيه، فأوحى اللّه إلى حزقيل أن قومك صاحوا من البلاء، وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا واستراحوا، وأي راحة لهم في الموت، أيظنون أني لا أقدر على أن أبعثهم بعد الموت؟ فانطلق إلى جبانة كذا وكذا، فإن فيها أربعة آلاف قال وهب: وهم الذين قال اللّه {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} فقم فناد فيهم، وكانت عظامهم قد تفرقت كما فرقتها الطير والسباع، فنادى حزقيل: أيتها العظام إن اللّه يأمرك أن تجتمعي، فاجتمع عظام كل إنسان منهم معا، ثم قال: أيتها العظام إن اللّه يأمرك أن ينبت العصب والعقب، فتلازمت واشتدت بالعصب والعقب، ثم نادى جزقيل فقال: أيتها العظام إن اللّه يأمرك أن تكتسي اللحم. فاكتست اللحم وبعد اللحم جلدا فكانت أجسادا، ثم نادى حزقيل الثالثة فقال: أيتها الأرواح إن اللّه يأمرك أن تعودي في أجسادك. فقاموا بإذن اللّه فكبروا تكبيرة رجل واحد. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} يقول: عدد كثير خرجوا فرارا من الجهاد في سبيل اللّه، فأماتهم اللّه حتى ذاقوا الموت الذي فروا منه، ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا عدوهم، فذلك قوله {وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أن اللّه سميع عليم} وهم الذين قالوا لنبيهم (ابعث ملكا نقاتل في سبيل اللّه) (البقرة الآية ٢٤٦). وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في الآية قال: كانوا أربعين ألفا وثمانية آلاف حظر عليهم حظائر، وقد أروحت أجسادهم وأنتنوا، فإنها لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح، خرجوا فرارا من الجهاد في سبيل اللّه، فأماتهم ثم أحياهم فأمرهم بالجهاد، فذلك قوله {وقاتلوا في سبيل اللّه}. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: خرجوا فرارا من الطاعون وهم ألوف ليست الفرقة أخرجتهم كما يخرج للحرب والقتال قلوبهم مؤتلفة، فلما كانوا حيث ذهبوا يبتغون الحياة قال اللّه لهم: موتوا، ومر رجل بها وهي عظام تلوح، فوقف ينظر فقال (أنى يحيى هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عام) (البقرة الآية ٢٥٩). وأخرج البخاري والنسائي عن عائشة قالت"سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني أنه كان عذابا يبعثه اللّه على من يشاء وجعله رحمة للمؤمنين، فليس من رجل يقع الطاعون ويمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب اللّه له إلا كان له مثل أجر الشهيد". وأخرج أحمد والبخاري والنسائي ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن عوف"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول في الطاعون: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه". وأخرج سيف في الفتوح عن شرحبيل بن حسنة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فإن الموت في أعناقكم، وإذا بأرض فلا تدخلوها فإنه يحرق القلوب". وأخرج عبد بن حميد عن أم أيمن "أنه سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوصي بعض أهله فقال: وإن أصاب الناس موتان وأنت فيهم فاثبت". وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب الطواعين وأبو يعلى والطبرلني في الأوسط وابن عدي في الكامل عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون. قلت: يا رسول اللّه هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال: غدة كغدة البعير، المقيم بها كالشهيد والفار منه كالفار من الزحف". وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبزار وابن خزيمة والطبراني عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الفار من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه كالصابر في الزحف". ٢٤٥ أخرج سعيد بن منصور وابن سعد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال "لمأنزلت {من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له} قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول اللّه وإن اللّه ليريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح. قال: أرني يدك يا رسول اللّه، فناوله يده قال: فإني أقرضت ربي حائطي وحائط له فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها، فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح قالت: لبيك. قال: أخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل". وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن زيد بن أسلم قال "لما نزل {من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا} الآية. جاء أبو الدحداح إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا نبي اللّه ألا أرى ربنا يستقرضنا مما أعطانا لأنفسنا، وإن لي أرضين أحداهما بالعالية والأخرى بالسافلة، وإني قد جعلت خيرهما صدقة، وكأن النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: كم من عذق مدلل لأبي الدحداح في الجنة". وأخرج الطبراني في الأوسط وزيد بن أسم عن أبيه عن عمر بن الخطاب. مثله. وأخرج ابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن الأعرج عن أبي هريرة قال "لمأنزلت {من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا...} قال ابن الدحداح: يا رسول اللّه لي حائطان أحداهما بالسافلة والآخر بالعالية وقد أقرضت ربي إحداهما. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: قد قبله منك. فأعطاه النبي صلى اللّه عليه وسلم اليتامى الذين في حجره، فكأن النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: رب عذق لابن الدحداح مدلى في الجنة". وأخرج ابن سعد عن يحيى بن أبي كثير قال "لما نزلن هذه الآية {من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا...} قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا أهل الإسلام أقرضوا اللّه من أموالكم يضاعفه لكم أضعافا كثيرة. فقال له ابن الدحداحة: يا رسول اللّه لي مالان مال بالعالية ومال في بني ظفر، فابعث خارصك فليقبض خيرهما. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لفروة بن عمر: انطلق فانظر خيرهما فدعه واقبض الآخر، فانطلق فأخبره فقال: ما كنت لأقرض ربي شر ما أملك ولكن أقرض ربي خير ما أملك، إني لا أخاف فقر الدنيا. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا رب عذق مدلل لابن الدحداح في الجنة". وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال "استقرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من رجل تمرا فلم يقرضه قال: لو كان هذا نبيا لم يستقرض، فأرسل اللّه إلى أبي الدحداح فاستقرضه فقال: واللّه لأنت أحق بي وبمالي وولدي من نفسي، وإنما هو مالك فخذ منه ما شئت اترك لنا ما شئت، فلما توفي أبو الدحداح قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: رب عذق مدلل لأبي الدحداح في الجنة". وأخرج ابن إسحق وابن المنذر عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية {من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا...} الآية. في ثابت بن الدحداحة حين تصدق بماله. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب في قوله {من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا} قال: النفقة في سبيل اللّه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا على عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم لما سمع هذه الآية قال: أنا أقرض اللّه، فعمد إلى خير مال له فتصدق به. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {فيضاعفه له أضعافا كثيرة} قال: هذا التضيعف لا يعلم اللّه أحدا ما هو. وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي قال: بلغني عن أبي هريرة حديث أنه قال: إن اللّه ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة، فحججت ذلك العام ولم أكن أريد الحج إلا لألقاه في هذا الحديث، فلقيت أبا هريرة فقلت له؟ فقال: ليس هذا قلت: ولم يحفظ الذي حدثك، إنما قلت أن اللّه ليعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة، ثم قال أبو هريرة: أو ليس تجدون هذا في كتاب اللّه {من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} فالكثيرة عند اللّه أكثر من ألف ألف وألفي ألف، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"إن اللّه يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال: لمأنزلت (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل) (البقرة الآية ٢٦١) إلى آخرها. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "رب زد أمتي. فنزلت {من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} قال: رب زد أمتي. فنزلت (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) (الزمر الآية ١٠). وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال: لمأنزلت (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) (الأنعام الآية ١٦٠) قال: رب زد أمتي. فنزلت {من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا...} الآية. قال: رب زد أمتي. فنزلت (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل...) (البقرة الآية ٢٦١) الآية. قال: رب زد أمتي. فنزلت (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) (الزمر الآية ١٠) فانتهى". وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {قرضا حسنا} قال: النفقة على الأهل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم من طريق أبي سفيان عن أبي حيان عن أبيه عن شيخ لهم. أنه كان إذا سمع السائل يقول {من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا} قال: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، هذا القرض الحسن. وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب. أن رجلا قال له: سمعت رجلا يقول من قرأ (قل هو اللّه أحد) مرة واحدة بنى اللّه له عشرة آلاف ألف غرفة من در وياقوت في الجنة أفأصدق بذلك؟ قال: نعم، أو عجبت من ذلك وعشرين ألف ألف، وثلاثين ألف ألف، وما لا يحصى، ثم قرأ {فيضاعفه له أضعافا كثيرة} فالكثير من اللّه ما لا يحصى. وأخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "أن ملكا بباب من أبواب السماء يقول: من يقرض اللّه اليوم يجز غدا، وملك بباب آخر ينادي: اللّهم أعط منفقا خلفا وأعك ممسكا تلفا، وملك بباب آخر ينادي: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم، ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وملك بباب آخر ينادي: يا بني آدم لدوا للموت وابنوا للخراب". وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يروي ذلك عن ربه عز وجل أنه يقول: يا ابن آدم أودع من كنزك عندي ولا حرق ولا غرق ولا سرق، أوفيكه أحوج ما تكون إليه. أما قوله تعالى: {واللّه يقبض ويبسط وإليه ترجعون}. أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {واللّه يقبض} قال: يقبض الصدقة {ويبسط} قال: يخلف {وإليه ترجعون} قال: من التراب خلقهم وإلى التراب يعودون. وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة وابن جرير والبيهقي في سننه عن أنس قال "غلا السعر فقال الناس: يا رسول اللّه سعر لنا. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن اللّه هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى اللّه وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة من دم ولا مال". وأخرج أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة "أن رجلا قال: يا رسول اللّه سعر. قال: بل ادعو. ثم جاءه رجل فقال: يا رسول اللّه سعر. فقال: بل اللّه يخفض ويرفع، وإني لأرجو أن ألقى اللّه وليس لأحد عندي مظلمة". وأخرج البزار عن علي قال: قيل: يا رسول اللّه قوم لنا السعر. قال: إن غلاء السعر ورخصه بيد اللّه، أريد أن ألقى ربي وليس أحد يطلبني بمظلمة ظلمتها إياه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: علم اللّه أم فيمن يقاتل في سبيله من لا يجد قوة، وفيمن لا يقاتل في سبيله من يجد، فندب هؤلاء إلى القرض فقال {من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة واللّه يقبض ويبسط} قال: يبسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده، ويقبض عن هذا وهو يطيب نفسا بالخروج ويخف له، فقوه مما في يدك يكن لك في ذلك حظ. ٢٤٦ انظر تفسير الآية: ٢٤٧ ٢٤٧ أخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في الآية قال: ذكر لنا - واللّه أعلم - أن موسى لما حضرته الوفاة استخلف فتاه يوشع بن نون على بني إسرائيل، وأن يوشع بن نون سار فيهم بكتاب اللّه التوراة وسنة نبيه موسى، ثم إن يوشع بن نون توفي واستخلف فيهم آخر، فسار فيهم بكتاب اللّه وسنة نبيه موسى، ثم استخلف آخر فسار بهم سيرة صاحبيه، ثم استخلف آخر فعرفوا وأنكروا، ثم استخلف آخر فأنكروا عامة أمره، ثم استخلف آخر فأنكروا أمره كله، ثم إن بني إسرائيل أتوا نبيا من أنبيائهم حين أوذوا في أنفسهم وأموالهم، فقالوا له: سل ربك أن يكتب علينا القتال. فقال لهم ذلك النبي: {هل عسيتم أن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا...} الآية. فبعث اللّه طالوت ملكا، وكان في بني إسرائيل سبطان سبط نبوة وسبط مملكة، ولم يكن طالوت من سبط النبوة ولا من سبط المملكة، فلما بعث لهم ملكا أنكروا ذلك وقالوا {أنى يكون له الملك علينا} فقال {إن اللّه اصطفاه عليكم} الآية.وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل...} الآية. قال: هذا حين رفعت التوراة واستخرج أهل الإيمان، وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم، فلما كتب عليهم القتال وذلك حين أتاهم التابوت قال: وكان من بني اسرائي سبطان سبط نبوة وسبط خلافة، فلا تكون الخلافة إلا في سبط الخلافة، ولا تكون النبوة إلا في سبط النبوة {فقال لهم نبيهم إن اللّه قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه} وليس من أحد السبطين، ولا من سبط النبوة ولا من سبط الخلافة {قال إن اللّه اصطفاه عليكم....} الآية فأبوا أن يسلموا له الرياسة حتى قال لهم (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم) (البقرة الآية ٢٤٨) وكان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفع منها، وجمع ما بقي فجعله في التابوت، وكانت العمالقة قد سبت ذلك التابوت - والعمالقة فرقة من عاد كانوا بأريحا - فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت، فلما رأوا ذلك قالوا: نعم، فسلموا له وملكوه، وكانت الأنبياء إذا حضروا قتالا قدموا التابوت بين أيديهم. ويقولون: إن آدم نزل بذلك التابوت، وبالركن، وبعصا موسى من الجنة، وبلغني أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية، وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة. وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن وهب بن منبه قال: خلف بعد موسى في بني إسرائيل يوشع بن نون يقيم فيهم التوارة وأمر اللّه حتى قبضه اللّه، ثم خلف فيهم كالب بن يوقنا يقيم فيهم التوراة وأمر اللّه حتى قبضه اللّه، ثم خلف فيهم حزقيل بن بورى وهو ابن العجوز، ثم إن اللّه قبض حزقيل وعظمت في بني إسرائيل الأحداث ونسوا ما كان من عهد اللّه إليهم حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون اللّه، فبعث إليهم إلياس بن نسي بن فنحاص بن العيزار بن هرون بن عمران نبيا. وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة، وكان إلياس مع ملك من بني إسرائيل يقال له اجان وكان يسمع منه ويصدقه، فكان إلياس يقيم له أمره، وكان سائر بني إسرائيل قد اتخذوا صنما يعبدونه، فجعل إلياس يدعوهم إلى اللّه وجعلوا لا يسمعون منه شيئا إلا ما كان من ذلك الملك، والملوك متفرقة بالشام كل ملك له ناحية منها يأكلها، فقال ذلك الملك لإلياس: ما أرى ما تدعون إليه إلا باطلا، أرى فلان وفلانا - يعدد ملوك بني إسرائيل - قد عبدوا الأوثان، وهم يأكلون ويشربون ويتنعمون ما ينقص من دنياهم، فاسترجع إلياس وقام شعره ثم رفضه وخرج عنه، ففعل ذلك الملك فعل أصحابه وعبد الأوثان. ثم خلف من بعده فيهم اليسع فكان فيهم ما شاء اللّه أن يكون، ثم قبضه اللّه إليه وخلفت فيهم الخلوف وعظمت فيهم الخطايا وعندهم التابوت يتوارثونه كابرا عن كابر، فيه السكينة وبقة مما ترك آل موسى وآل هرون، وكان لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويرجعون به معهم إلا هزم اللّه ذلك العدو، فلما عظمت أحداثهم وتركوا عهد اللّه إليهم، نزل بهم عدو فخرجوا إليه وأخرجوا معهم التابوت كما كانوا يخرجونه، ثم زحفوا به فقوتلوا حتى استلب من أيديهم، فمرج أمره عليهم ووطئهم عدوهم حتى اصاب من أبنائهم ونسائهم، وفيهم نبي يقال له شمويل، وهو الذي ذكره اللّه في قوله {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم...} الآية. فكلموه وقالوا {ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه}. وإنما كان قوام بني إسرائيل الاجتماع على الملوك وطاعة الملوك أنبياءهم، وكان الملك هو يسير بالجموع والنبي يقوم له بأمره ويأتيه بالخبر من ربه، فإذا فعلوا ذلك صلح أمرهم، فإذا عتت ملوكهم وتركوا أمر أنبيائهم فسد أمرهم، فكانت الملوك إذا تابعتها الجماعة على الضلالة تركوا أمر الرسل، ففريقا يكذبون فلا يقبلون منه شيئا وفريقا يقتلون، فلم يزل ذلك البلاء بهم حتى قالوا {ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه} فقال لهم: إنه ليس عندكم وفاء، ولا صدق، ولا رغبة في الجهاد. فقالوا: إنا كنا نهاب الجهاد ونزهد فيه، إنا كنا ممنوعين في بلادنا لا يطؤها أحد فلا يظهر علينا عدو، فأما إذا بلغ ذلك فإنه لا بد من الجهاد، فنطيع ربنا في جهاد عدونا ونمنع أبنائنا ونساءنا وذرارينا. فلما قالوا له ذلك سأل اللّه شمويل أن يبعث لهم ملكا. فقال اللّه: انظر القرن الذي فيه الدهن في بيتك، فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن - فهو ملك بني إسرائيل - فادهن رأسه منه وملكه عليهم، فأقام ينتظر متى ذلك الرجل داخلا عليه، وكان طالوت رجلا دباغا يعمل الادم، وكان من سبط بنيامين بن يعقوب، وكان سبط بنيامين سبطا لم يكن فيهم نبوة ولا ملك، فخرج طالوت في ابتغاء دابة له أضلته ومعه غلام، فمرا ببيت النبي عليه السلام فقال غلام طالوت لطالوت: لو دخلت بنا على هذا النبي فسألناه عن أمر دابتنا فيرشدنا ويدعو لنا فيها بخير. فقال طالوت: ما بما قلت من بأس فدخلا عليه، فبينما هما عنده يذكران له من شأن دابتهما ويسألانه أن يدعو لهما فيها إذ نش الدهن الذي في القرن، فقالم النبي عليه السلام فأخذه، ثم قال لطالوت: قرب رأسك فقربه، فدهنه منه ثم قال: أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني اللّه أن أملكك عليهم، وكان اسم طالوت بالسريانية شاول بن قيس بن أشال بن ضرار بن يحرب بن أفيح بن أنس بن يامين بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم، فجلس عنده وقال: الناس ملك طالوت. فأتت عظماء بني إسرائيل نبيهم فقالوا له: ما شأن طالوت تملك علينا وليس من بيت النبوة ولا المملكة، قد عرفت أن النبوة والملك في آل لاوي وآل يهوذا؟! فقال لهم {إن اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم}. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن وهب بن منبه قال: قالت بنو إسرائيل لشمويل: ابعث ملكا نقاتل في سبيل اللّه قال: قد كفاكم اللّه القتال. قالوا: إنا نتخوف من حولنا فيكون لنا ملك نفزع إليه، فأوحى اللّه إلى شمويل: أن ابعث لهم طالوت ملكا، وادهنه بدهن القدس. وضلت حمر لأبي طالوت فأرسله وغلاما له يطلبانها، فجاؤوا إلى شمويل يسألونه عنها فقال: إن اللّه قد بعثك ملكا على بني إسرائيل. قال: أنا؟! قال: نعم. قال: وما علمت أن سبطي أدنى أسباط بني إسرائيل؟ قال: بلى. قال: فبأي آية؟ قال: بآية أن ترجع وقد وجد أبوك حمره، فدهنه بدهن القدس فقال لبني إسرائيل {إن اللّه قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك...} الآية. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {إذ قالوا لنبي لهم} قال: شمؤل. وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في الآية قال: هو يوشع بن نون. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن مرة عن أبي عبيدة {إذ قالوا لنبي لهم} قال: الشمول ابن حنة بن العاقر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: كانت بنو إسرائيل يقاتلون العمالقة، وكان ملك العمالقة جالوت، وأنهم ظهروا على بني إسرائيل فضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم، وكانت بنو إسرائيل يسألون اللّه أن يبعث لهم نبيا يقاتلون معه، وكان سبط النبوة قد هلكوا فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى، فأخذوها فحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدله بغلام لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها، فجعلت تدعو اللّه أن يرزقها غلاما، فولدت غلاما فسمته شمعون. فكبر الغلام فأسلمته يتعلم التوراة في بيت المقدس، وكفله شيخ من علمائهم وتبناه، فلما بلغ الغلام أن يبعثه اللّه نبيا أتاه جبريل والغلام نائم إلى جنب الشيخ، وكان لا يأتمن عليه أحدا غيره، فدعاه بلحن الشيخ يا شماؤل، فقام الغلام فزعا إلى الشيخ فقال: يا أبتاه دعوتني؟ فكره الشيخ أن يقول لا فيفزع الغلام، فقال: يا بني ارجع فنم. فرجع فنام، ثم دعاه الثانية فأتاه الغلام أيضا فقال: دعوتني؟ فقال: ارجع فنم فإن دعوتك الثالثة فلا تجبني. فلما كانت الثالثة ظهر له جبريل فقال: اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك، فإن اللّه قد بعثك فيهم نبيا، فلما أتاهم كذبوه وقالوا: استعجلت النبوة ولم يأن لك، وقالوا: إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه آية نبوتك. فقال لهم شمعون: عسى إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا {قالوا وما لنا لا نقاتل في سبيل اللّه...} الآية. فدعا اللّه فأتي بعصا تكون على مقدار طول الرجل الذي يبعث فيهم ملكا. فقال: إن صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا. فقاسوا أنفسهم بها فلم يكونوا مثلها. وكان طالوت رجلا سقاء يسقي على حمار له، فضل حماره، فانطلق يطلبه في الطريق، فلما رأوه دعوه فقاسوه فكان مثلها. فقال له نبيهم {إن اللّه قد بعث لكم طالوت ملكا} قال القوم: ما كنت قط أكذب منك الساعة، ونحن من سبط المملكة وليس هو من سبط المملكة، ولم يؤت سعة من المال فنتبعه لذلك. فقال النبي {إن اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم} قالوا: فإن كنت صادقا فإتنا بآية أن هذا ملك. قال {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت...) (البقرة الآية ٢٤٨) الآية. فأصبح التابوت وما فيه في دار طالوت، فآمنوا بنبوة شمعون وسلموا بملك طالوت. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال: كان طالوت سقاء يبيع الماء. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {قالوا أنى يكون له الملك علينا} قال: لم يقولوا ذلك، إلا أنه كان في بني إسرائيل سبطان كان في أحدهما النبوة وفي الآخر الملك، فلا يبعث نبي إلا من كان من سبط النبوة، ولا يملك على الأرض أحد إلا من كان من سبط الملك، وأنه ابتعث طالوت حين ابتعثه وليس من أحد السبطين {قال إن اللّه اصطفاه} يعني اختاره عليكم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك في قوله {أنى} يعني من أين. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس {وزاده بسطة} يقول: فضيلة {في العلم والجسم} يقول: كان عظيما جسيما يفضل بني إسرائيل بعنقه. وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه في قوله {وزاده بسطة في العلم} قال: العلم بالحرب. وأخرج ابن جرير عن وهب في قوله {والجسم} قال: كان فوق بني إسرائيل بمنكبيه فصاعدا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {واللّه يؤتي ملكه من يشاء} قال: سلطانه. وأخرج ابن المنذر عن وهب أنه سئل أنبي كان طالوت؟ قال: لا، لم يأته وحي. وأخرج إسحق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ومن طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله {ألم تر إلى الملأ} يعني ألم تخبر يا محمد عن الملأ {من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم} اشمويل {ابعث لنا ملكا نقاتل} إلى قوله {وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} يعني أخرجتنا العمالقة، وكان رأس العمالقة يومئذ جالوت، فسأل اللّه نبيهم أن يبعث لهم ملكا. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى} قال: هم الذين قال اللّه (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (النساء الآية ٧٧). وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {ونحن أحق بالملك منه} قال: لأنه لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط الخلافة. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: بعث اللّه لهم طالوت ملكا وكان من سبط لم تكن فيه مملكة ولا نبوة، وكان في بني إسرائيل سبطان سبط نبوة وسبط مملكة، فكان سبط النبوة سبط لاوي، وكان سبط المملكة سبط يهوذا، فلما بعث طالوت من غير سبط النبوة والمملكة أنكروا ذلك وعجبوا منه و {قالوا أنى يكون له الملك علينا} قالوا: كيف يكون له الملك وليس من سبط النبوة ولا المملكة. وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبيدة قال: كان في بني إسرائيل رجل له ضرتان، وكانت إحداهما تلد والأخرى لا تلد، فاشتد على التي لا تلد فتطهرت، فخرجت إلى المسجد لتدعو اللّه فلقيها حكم على بني إسرائيل - وحكماؤهم الذين يدبرون أمورهم - فقال: أين تذهبين؟ قالت: حاجة لي إلى ربي. قال: اللّهم اقض لها حاجتها فعلقت بغلام وهو الشمول، فلما ولدت جعلته محررا، وكانوا يجعلون المحرر إذا بلغ السعي في المسجد يخدم أهله، فلما بلغ الشمول السعي دفع إلى أهل المسجد يخدم، فنودي الشمول ليلة، فأتى الحكم فقال: دعوتني؟ فقال: لا، فلما كانت الليلة الأخرى دعي، فأتى الحكم فقال: دعوتني؟ فقال: لا، وكان الحكم يعلم كيف تكون النبوة فقال: دعيت البارحة الأولى؟ قال: نعم. قال: ودعيت البارحة؟ قال: نعم. قال: فإن دعيت الليلة فقل لبيك وسعديك والخير بين يديك والمهدي من هديت، أنا عبدك بين يديك مرني بما شئت. فأوحي إليه، فأتى الحكم فقال: دعيت الليلة؟ قال: نعم، وأوحي إلي. قال: فذكرت لك بشيء؟ قال: لا عليك أن لا تسألني. قال: ما أبيت أن تخبرني إلا وقد ذكرت لك شيء من أمري، فألح عليه وأبى أن يدعه حتى أخبره. فقال: قيل لي: إنه قد حضرت هلكتك وارتشى ابنك في حكمك، فكان لا يدبر أمرا إلا انتكث ولا يبعث جيشا إلا هزم، حتى بعث جيشا وبعث معهم بالتوراة يستفتح بها فهزموا، وأخذت التوراة فصعد المنبر وهو آسف غضبان، فوقع فانكسرت رجله أو فخذه فمات من ذلك، فعند ذلك قالوا لنبيهم: ابعث لنا ملكا وهو الشمول بن حنة العاقر. ٢٤٨ أخرج ابن المنذر من طريق الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: أمرني عثمان بن عفان أن أكتب له مصحفا فقال: إني جاعل معك رجلا لسنا فصيحا، فما جتمعتما عليه فاكتباه وما اختلفتما فيه فارفعا إلي. قال زيد: فقلت أنا: التابوه. وقال أبان بن سعيد: التابوت. فرفعاه إلى عثمان فقال: التابوت، فكتبت. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن عمرو بن دينار. أن عثمان بن عفان أمر فتيان المهاجرين والأنصار أن يكتبوا المصاحف، قال: فما اختلفتم فيه فاجعلوه بلسان قريش. فقال المهاجرون: التابوت. وقال الأنصار: التابوه. فقال عثمان: اكتبوه بلغة المهاجرين. التابوت. وأخرج ابن سعد والبخاري والترمذي والنسائي وابن أبي داود وابن الأنباري معا في المصاحف وابن حبان والبيهقي في سننه من طريق الزهري عن أنس بن مالك. أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في قرى أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فرأى حذيفة اختلافهم في القرآن فقال لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب كما اختلف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلي بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت حفصة إلى عثمان بالصحف، فأرسل عثمان إلى زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام، وعبد اللّه بن الزبير: أن انسخوا الصحف في المصاحف، وقال للرهط القرشيين الثلاثة: ما اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانها. قال الزهري: فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه. فقال النفر القرشيون: التابوت. وقال زيد: التابوه. فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال: اكتبوا التابوت، فإنه بلسان قريش أنزل. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وهب بن منبه. أنه سئل عن تابوت موسى ما سعته؟ قال: نحو من ثلاثة أذرع في ذراعين. أما قوله تعالى: {فيه سكينة من ربكم}. أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: السكينة الرحمة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: السكينة الطمأنينة. أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: السكينة دابة قدر الهر لها عينان لهما شعاع، وكان إذا التقى الجمعان أخرجت يديها ونظرت إليهم، فيهزم الجيش من الرعب. وأخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه من لا يعرف من طريق خالد بن عرعرة عن علي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "السكينة ريح خجوج". وأخرج ابن جرير من طريق خالد بن عرعرة عن علي قال: السكينة ريح خجوج ولها رأسان. وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن عساكر والبيهقي في الدلائل من طريق أبي الأحوص عن علي قال: السكينة لها وجه كوجه الإنسان، ثم هي بعد ريح هفافة. وأخرج سفيان بن عينية وابن جرير من طريق سلمة بن كهيل عن علي في قوله {فيه سكينة من ربكم} قال: ريح هفافة، لها صورة ولها وجه كوجه الإنسان. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن سعد بن مسعود الصدفي "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان في مجلس، فرفع نظره إلى السماء ثم طأطأ نظره، ثم رفعه فسئل عن ذلك؟ فقال: إن هؤلاء القوم الذين كانوا يذكرون اللّه - يعني أهل مجلس أمامه - فنزلت عليهم السكينة تحملها الملائكة كالقبة، فلما دنت منهم تكلم رجل منهم بباطل فرفعت عنهم". وأخرج سفيان بن عينية وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن مجاهد قال: السكينة من اللّه كهيئة الريح، لها وجه كوجه الهر وجناحان وذنب مثل ذنب الهر. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير من طريق أبي مالك عن ابن عباس {فيه سكينة من ربكم} قال: طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيها قلوب الأنبياء، ألقى موسى فيها الألواح. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه. أنه سئل عن السكينة؟ فقال: روح من اللّه تتكلم إذا اختلفوا في شيء تكلم، فأخبرهم ببيان ما يريدون. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {فيه سكينة} قال: فيه شيء تسكن إليه قلوبهم، يعني ما يعرفون من الآيات يسكنون إليه. وأخرج عبد الرزاق عن قتادة {فيه سكينة} أي وقار. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وبقية مما ترك آل موسى} قال: عصاه، ورضاض الألواح. وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح قال: كان في التابوت عصا موسى، وعصا هارون، وثياب موسى، وثياب هارون، ولوحان من التوراة، والمن، وكلمة الفرج لا إله إلا اللّه الحليم الكريم، وسبحان اللّه رب السموات السبع ورب العرش العظيم، والحمد للّه رب العالمين. وأخرج إسحق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: البقية رضاض الألواح، وعصا موسى، وعمامة هارون، وقباء هارون الذي كان فيه علامات الأسباط، وكان فيه طست من ذهب فيه صاع من من الجنة، وكان يفطر عليه يعقوب. أما السكينة فكانت مثل رأس هرة من زبرجدة خضراء. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله {تحمله الملائكة} قال: أقبلت به الملائكة تحمله حتى وضعته في بيت طالوت، فأصبح في داره. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن في ذلك لآية} قال: علامة. ٢٤٩ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: خرجوا مع طالوت وهم ثمانون ألفا، وكان جالوت من أعظم الناس وأشدهم بأسا، فخرج يسير بين يدي الجند فلا تجتمع إليه أصحابه حتى يهزم هو من لقي، فلما خرجوا قال لهم طالوت {إن اللّه مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني} فشربوا منه هيبة من جالوت، فعبر منهم أربعة آلاف ورجع ستة وسبعون ألفا، فمن شرب منه عطش، ومن لم يشرب منه إلا غرفة روي {فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه} فنظروا إلى جالوت رجعوا أيضا و {قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} فرجع عنه ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون، وجلس في ثلثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن اللّه مبتليكم بنهر} يقول: بالعطش، فلما انتهوا إلى النهر - وهو نهر الأردن - كرع فيه عامة الناس فشربوا، فم يزد من شرب إلا عطشا، وأجزأ من اغترف غرفة بيده وانقطع الظمأ عنه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فلما فصل طالوت بالجنود} غازيا إلى جالوت قال طالوت لبني إسرائيل {إن اللّه مبتليكم بنهر} بين فلسطين والأردن، نهر عذب الماء طيبه، فشرب كل إنسان كقدر الذي في قلبه، فمن اغترف غرفة وأطاعه روي بطاعته، ومن شرب فأكثر عصى فلم يرو {جاوزه هو والذين آمنوا معه} قال الذين شربوا {قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون} الذين اغترفوا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن اللّه مبتليكم بنهر} قال: نهر فلسطين. وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في الآية قال: كان الكفار يشربون فلا يروون، وكان المسلمون يغترفون غرفة فيجزئهم ذلك. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: في تلك الغرفة ما شربوا وسقوا دوابهم. وأخرج سعيد بن منصور عن عثمان بن عفان أنه قرأ {فشربوا منه إلا قليلا منهم} قال: القليل ثلثمائة وبضعة عشر، عدة أهل بدر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن البراء قال: كنا أصحاب محمد نتحدث أن أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلثمائة. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر "أنتم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي، وكان الصحابة يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلا". وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى قال: كان عدة أصحاب طالوت يوم جالوت ثلثمائة وبضعة عشر. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيدة قال: عدة الذين شهدوا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم بدرا كعدد الذين جاوزوا مع طالوت النهر، عدتهم ثلثمائة وثلاثة عشر. وأخرج إسحق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: كانوا ثلثمائة ألف وثلاثة آلاف وثلثمائة وثلاثة عشر رجلا، فشربوا منه كلهم إلا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا، عدة أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر، فردهم طالوت ومضى في ثلثمائه وثلاثة عشر، وكان اشمويل دفع إلى طالوت درعا فقال له: من استوى هذا الدرع عليه فإنه يقتل جالوت بإذن اللّه تعالى، ونادى منادي طالوت، من قتل جالوت زوجته ابنتي، وله نصف ملكي ومالي. وكان اللّه سبب هذا الأمر على يدي داود بن ايشا، وهو من ولد خصرون بن فارض بن يهود بن يعقوب. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {الذين يظنون أنهم ملاقو اللّه} قال: الذين يستيقنون. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {الذين يظنون أنهم ملاقو اللّه} قال: الذين شروا أنفسهم للّه ووطنوها على الموت. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: تلقى المؤمنين بعضهم أفضل من بعض جدا، وعزما وهم كلهم مؤمنون. ٢٥٠ انظر تفسير الآية: ٢٥١ ٢٥١ انظر تفسير الآية: ٢٥٢ ٢٥٢ أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كان طالوت أميرا على الجيش، فبعث أبو داود بشيء إلى إخوته فقال داود لطالوت: ماذا لي وأقتل جالوت؟ فقال: لك ثلث ملكي وأنكحك ابنتي، فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات، ثم سمى إبراهيم وإسحق ويعقوب، ثم أدخل يده فقال: بسم اللّه إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب، فخرج على إبراهيم فجعله في مرجمته فرمى بها جالوت، فخرق ثلاثة وثلاثين بيضة على رأسه، وقتلت مما وراءه ثلاثين ألفا. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: لما برز طالوت لجالوت قال جالوت: ابرزوا لي من يقاتلني فإن قتلني فلكم ملكي وإن قتلته فلي ملككم، فأتي بداود إلى طالوت فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته وأن يحكمه في ماله، فألبسه طالوت سلاحا فكره داود أن يقاتله بسلاح، وقال: إن اللّه إن لم ينصرني عليه لم يغن السلاح شيئا، فخرج إليه بالمقلاع ومخلاة فيها أحجار، ثم برز له جالوت فقال أنت تقاتلني؟! قال داود: نعم. قال: ويلك ما خرجت إلا كما تخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة! لأبددن لحمك ولأطعمنه اليوم للطير والسباع. فقال له داود: بل أنت عدو اللّه شر من الكلب، فأخذ داود حجرا فرماه بالمقلاع، فأصابت بين عينيه حتى نفذت في دماغه، فصرخ جالوت وانهزم من معه واحتز رأسه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: عبر يومئذ النهر مع طالوت أبو داود فيمن عبر مع ثلاثة عشر ابنا له وكان داود أصغر بنيه، وأنه أتاه ذات يوم فقال: يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئا إلا صرعته، قال: أبشر فإن اللّه قد جعل رزقك في قذافتك، ثم أتاه يوما فقال: يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا رابضا فركبت عليه وأخذت بأذنيه فلم يهجني. فقال: أبشر يا بني فإن هذا خير يعطيكه اللّه، ثم أتاه يوما آخر فقال: يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال فأسبح، فما يبقى جبل إلا سبح معي. قال: ابشر يا بني فإن هذا خير أعطاكه اللّه، وكان داود راعيا، وكان أبوه خلفه يأتي إليه وإلى أخوته بالطعام، فأتى النبي بقرن فيه دهن وبثوب من حديد، فبعث به إلى طالوت فقال: إن صاحبكم الذي يقتل جالوت يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي حين يدهن منه ولا يسيل على وجهه يكون على رأسه كهيئة الأكليل، ويدخل في هذا الثوب فيملؤه، فدعا طالوت بني إسرائيل فجربه فلم يوافقه منهم أحد، فلما فرغوا قال طالوت لأبي داود: هل بقي لك ولد لم يشهدنا؟ قال: نعم، بقي ابني داود وهو يأتينا بطعامنا، فلما أتاه داود مر في الطريق بثلاثة أحجار، فكلمنه وقلن له: يا داود تقتل بنا جالوت، فأخذهن فجعلهن في مخلاته، وقد كان طالوت قال: من قتل جالوت زوجته ابنتي وأجريت خاتمه في ملكي، فلما جاء داود وضعوا القرن على رأسه فغلى حتى ادهن منه، ولبس الثوب فملأه، وكان رجلا مسقاما مصفارا ولم يلبسه أحد إلا تقلقل فيه، فلما لبسه داود تضايق عليه الثوب حتى تنقص، ثم مشى إلى جالوت. وكان جالوت من أجسم الناس وأشدهم، فلما نظر إلى داود قذف في قلبه الرعب منه، وقال له: يا فتى، ارجع فإني أرحمك أن أقتلك. فقال داود: لا بل أنا أقتلك. وأخرج الحجارة فوضعها في القذافة، كلما رفع حجرا سماه فقال: هذا باسم أبي إبراهيم، والثاني باسم أبي إسحق، والثالث باسم أبي إسرائيل، ثم أدار القذافة فعادت الأحجار حجر واحدا، ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت فثقبت رأسه فقتله، ثم لم تزل تقتل كل إنسان تصيبه تنفذ منه حتى لم يكن بحيالها أحد، فهزموهم عند ذلك، وقتل داود جالوت ورجع طالوت فأنكح داود ابنته، وأجرى خاتمه في ملكه، فمال الناس إلى داود وأحبوه. فلما رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده فأراد قتله، فعلم به داود فسجى له زق خمر في مضجعه، فدخل طالوت إلى منام داود وقد هرب داود، فضرب الزق ضربة فحرقه، فسالت الخمر منه فقال: يرحم اللّه داود ما كان أكثر شربه للخمر، ثم إن داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائم، فوضع سهمين عن رأسه وعند رجليه، وعن يمينه وعن شماله سهمين، فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها فقال: يرحم اللّه داود هو خير مني، ظفرت به فقتلته وظفر بي فكف عني. ثم إنه ركب يوما فوجده يمشي في البرية وطالوت على فرس، فقال طالوت: اليوم أقتل داود. وكان داود إذا فزع لا يدرك. فركض على أثره طالوت، ففزع داود فاشتد فدخل غارا، وأوحى اللّه إلى العنكبوت فضربت عليه بيتا، فلما انتهى طالوت إلى الغار نظر إلى بناء العنكبوت فقال: لو دخل ههنا لخرق بيت العنكبوت، فتركه وملك داود بعد ما قتل طالوت، وجعله اللّه نبيا وذلك قوله {وآتاه اللّه الملك والحكمة} قال: الحكمة هي النبوة، آتاه نبوة شمعون وملك طالوت. وأخرج ابن المنذر عن ابن إسحق وابن عساكر عن مكحول قالا: زعم أهل الكتاب أن طالوت لما رأى انصراف بني إسرائيل عنه إلى داود هم بأن يغتال داود، فصرف اللّه ذلك عنه، وعرف طالوت خطيئته والتمس التنصل منها والتوبة، فأتى إلى عجوز كانت تعلم الاسم الذي يدعى به، فقال لها: إني قد أخطأت خطيئة لن يخبرني عن كفارتها إلا اليسع، فهل أنت منطلقة معي إلى قبره، فداعية اللّه ليبعثه حتى أسأله؟ قالت: نعم. فانطلق بها إلى قبره، فصلت ركعتين ودعت، فخرج اليسع إليه فسأله، فقال: إن كفارة خطيئتك أن تجاهد بنفسك وأهل بيتك حتى لا يبقى منكم أحد، ثم رجع اليسع إلى موضعه، وفعل ذلك طالوت حتى هلك وهلك أهل بيته، فاجتمعت بنو إسرائيل على داود، فأنزل اللّه عليه وعلمه صنعة الحديد فألانه له، وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه إذا سبح، ولم يعط أحدا من خلقه مثل صوته، وكان إذا قرأ الزبور ترنو إليه الوحش حتى يؤخذ بأعناقها وإنها لمصغية تستمع له، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والنوح إلا على أصناف صوته. أما قوله تعالى: {ولولا دفع اللّه} الآية. أخرج ابن جرير وابن عدي بسند ضعيف عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء"، ثم قرأ ابن عمر {ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}. وأخرج ابن جرير بسند ضعيف عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله، ولا يزالون في حفظ اللّه ما دام فيهم". وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابنعباس في قوله {ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض} قال: يدفع اللّه بمن يصلي عمن لا يصلي، وبمن يحج عمن لا يحج، وبمن يزكي عمن لا يزكي. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {ولولا دفع اللّه الناس...} الآية. يقول: ولولا دفاع اللّه بالبر عن الفاجر، ودفعه ببقية أخلاق الناس بعضهم عن بعض لفسدت الأرض بهلاك أهلها. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض...} الآية. قال: يبتلي اللّه المؤمن بالكافر، ويعافي الكافر بالمؤمن. وأخرج ابن جرير عن الربيع {لفسدت الأرض} يقول: لهلك من في الأرض. وأخرج ابن جرير عن أبي مسلم. سمعت عليا يقول: لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم. وأخرج أحمد والحكيم الترمذي وابن عساكر عن علي"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: الأبدال بالشام، وهم أربعون رجلا، كلما مات رجل أبدل اللّه مكانه رجلا، يسقي بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب". ولفظ ابن عساكر: "ويصرف عن أهل الأرض البلاء والغرق". وأخرج الخلال في كتاب كرامات الأولياء عن علي بن أبي طالب قال: إن اللّه ليدفع عن القرية بسبعة مؤمنين يكونون فيهم. وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمن، فيهم تسقون وبهم تنصرون، ما مات منهم أحد إلا أبدل اللّه مكانه آخر". وأخرج الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الأبدال في أمتي ثلاثون، بهم تقوم الأرض، وبهم تمطرون، وبهم تنصرون". وأخرج أحمد في الزهد والخلال في كرامات الأولياء بسند صحيح عن ابن عباس قال: ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع اللّه بهم عن أهل الأرض. وأخرج الخلال بسند ضعيف عن ابن عمر قال: قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يزال أربعون رجلا يحفظ اللّه بهم الأرض، كلما مات رجل أبدل اللّه مكانه آخر، فهم في الأرض كلها". وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يزال أربعون رجلا من أمتي قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام يدفع اللّه بهم عن أهل الأرض، يقال لهم الأبدال، إنهم لن يدركوها بصلاة ولا بصوم ولا بصدقة. قالوا: يا رسول اللّه فيم أدركوها؟! قال: بالسخاء والنصيحة للمسلمين". وأخرج أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إن للّه عز وجل في الخلق ثلثمائة قلوبهم على قلب آدم عليه السلام، وللّه في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى عليه السلام، وللّه في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام، وللّه في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام، وللّه في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام، وللّه في الخلق واحد قلبه على قلب اسرافيل عليه السلام، فإذا مات الواحد أبدل اللّه مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل اللّه مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل اللّه مكانه من السبعة، وإذا مات من السبعة أبدل اللّه مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل اللّه مكانه من الثلثمائة، وإذا مات من الثلثمائة أبدل اللّه مكانه من العامة، فبهم يحيي، ويميت، ويمطر، وينبت، ويدفع البلاء. قيل لعبد اللّه بن مسعود: كيف بهم يحيي ويميت؟ قال: لأنهم يسألون اللّه إكثار الأمم فيكثرون، ويدعون على الجبابرة فيقصمون، ويستسقون فيسقون، ويسألون فينبت لهم الأرض، ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء".وأخرج الطبراني وابن عساكر عن عوف بن مالك قال: لا تسبوا أهل الشام، فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"فيهم الأبدال، بهم تنصرون وبهم ترزقون". وأخرج ابن حبان في تاريخه عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل اللّه، بهم تغاثون، وبهم ترزقون، وبهم تمطرون". وأخرج ابن عساكر عن قتادة قال: لن تخلو الأرض من أربعين، بهم يغاث الناس، وبهم ينصرون، وبهم يرزقون، كلما مات منهم أحد أبدل اللّه مكانه رجلا. قال قتادة: واللّه إني لأرجو أن يكون الحسن منهم. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: لم يزل على وجه الأرض في الدهر سبعة مسلمون فصاعدا، فلولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها. وأخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال: لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع اللّه بهم عن أهل الأرض ويخرج بركتها، إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده. وأخرج أحمد بن حنبل في الزهد والخلال في كرامات الأولياء عن ابن عباس قال: ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع اللّه بهم عن أهل الأرض. وأخرج أحمد في الزهد عن كعب قال: لم يزل بعد نوح في الأرض أربعة عشر يدفع اللّه بهم العذاب. وأخرج الخلال في كرامات الأولياء عن زاذان قال: ما خلت الأرض بعد نوح من اثني عشر فصاعدا يدفع اللّه بهم عن أهل الأرض. وأخرج الجندي في فضائل مكة عن مجاهد قال: لم يزل على الأرض سبعة مسلمون فصاعدا، ولولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها. وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة عن زهير بن محمد قال: لم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعدا، ولولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها. وأخرج ابن عساكر عن أبي الزاهرية قال: الأبدال ثلاثون رجلا بالشام، بهم تجارون وبهم ترزقون، إذا مات منهم رجل أبدل اللّه مكانه. وأخرج الخلال في كرامات الأولياء عن إبراهيم النخعي قال: ما من قرية ولا بلدة لا يكون فيها من يدفع اللّه به عنهم. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء عن أبي الزناد قال: لما ذهبت النبوة وكانوا أوتاد الأرض أخلف اللّه مكانهم أربعين رجلا من أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم يقال لهم الأبدال، لا يموت الرجل منهم حتى ينشئ اللّه مكانه آخر يخلفه، وهم أوتاد الأرض، قلوب ثلاثين منهم على مثل يقين إبراهيم، لم يفضلوا الناس بكثرة الصلاة ولا بكثرة الصيام ولكن بصدق الورع، وحسن النية، وسلامة القلوب، والنصيحة لجميع المسلمين. وأخرج البخاري ومسلم وابن ماجة عن معاوية بن أبي سفيان"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر اللّه لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر اللّه وهم ظاهرون على الناس". وأخرج مسلم والترمذي وابن ماجة عن ثوبان أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر اللّه وهم على ذلك". وأخرج البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "لا يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر اللّه وهم ظاهرون". وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر اللّه عز وجل لا يضرها من خالفها". وأخرج الحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة". وأخرج مسلم والحاكم وصححه عن جابر بن سمرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يزال هذا الدين قائما يقاتل عليه المسلمون حتى تقوم الساعة". وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن عمران بن حصين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال". وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجة عن معاية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة". وأخرج ابن جرير والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي منبه الخولاني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "إن اللّه. وفي لفظ: لا يزال اللّه يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته". وأخرج مسلم عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر اللّه قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تاتيهم الساعة وهم على ذلك". وأخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة". وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن اللّه يبعث لهذه الأمة على راس كل مائة سنة من يجدد لها دينها". وأخرج الحاكم في مناقب الشافعي عن الزهري قال: فلما كان في رأس المائة من اللّه على هذه الأمة بعمر بن عبد العزيز. وأخرج البيهقي في المدخل والخطيب من طريق أبي بكر المروزي قال: قال أحمد بن حنبل: إذا سئلت عن مسألة لا أعرف فيها خبرا قلت فيها بقول الشافعي، لأنه ذكر في الخبر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه يقيض في رأس كل مائة سنة من يعلم الناس السنن وينفي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم الكذب، فنظرنا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي". وأخرج النحاس عن سفيان بن عينية قال: بلغني أنه يخرج في كل مائة سنة بعد موت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجل من العلماء يقوي اللّه عز وجل به الدين، وإن يحيى بن آدم عندي منهم. وأخرج الحاكم في مناقب الشافعي عن أبي الوليد حسان بن محمد الفقيه قال: سمعت شيخا من أهل العلم يقول لأبي العباس بن سريج: أبشر أيها القاضي، فإن اللّه من على المؤمنين بعمر بن عبد العزيز على راس المائة فأظهر كل سنة وأمات كل بدعة، ومن اللّه على راس المائتين بالشافعي حتى أظهر السنة وأخفى البدعة، ومن اللّه على رأس الثلثمائة بك حتى قويت كل سنة وضعفت كل بدعة. ٢٥٣ وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {فضلنا بعضهم على بعض} قال: اتخذ اللّه إبراهيم خليلا، وكلم اللّه موسى تكليما، وجعل عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون، وهو عبد اللّه وكلمته وروحه، وآتى داوود زبورا، وآتى سليمان ملكا لا ينبغى لأحد من بعده، وغفر لمحمد ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وأخرج آدم بن أبي إياس وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله {منهم من كلم اللّه ورفع بعضهم درجات} قال: كلم اللّه موسى، وأرسل محمدا إلى الناس كافة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر هو الشعبي {ورفع بعضهم درجات} قال: محمدا صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: أتعجبون؟ الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر عن الربيع بن المنذر عن الربيع بن خيثم قال: لا أفضل على نبينا أحدا، ولا أفضل على إبراهيم خليل الرحمن أحدا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {ولو شاء اللّه ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات} يقول: من بعد موسى وعيسى. وأخرج ابن عساكر بسند واه عن ابن عباس قال: كنت عند النبي صلى اللّه عليه وسلم، وعنده أبو بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية، إذ أقبل علي فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لمعاوية "أتحب عليا؟ قال: نعم. قال: إنها ستكون بينكم هنيهة. قال: معاوية فما بعد ذلك يا رسول اللّه؟ قال: عفو اللّه ورضوانه. قال رضينا بقضاء اللّه ورضوانه، فعند ذلك نزلت هذه الآية {ولو شاء اللّه ما اقتتلوا ولكن اللّه يفعل ما يريد} ". ٢٥٤ أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم} في الزكاة والتطوع. وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال: يقال نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن، ونسخ شهر رمضان كل صوم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: قد علم اللّه أن أناسا يتخالون في الدنيا ويشفع بعضهم لبعض، فأما يوم القيامة فلا خلة إلا خلة المتقين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار قال: الحمد للّه الذي قال {والكافرون هم الظالمون} ولم يقل: والظالمون هم الكافرون. واللّه أعلم. وأخرج ابن جرير عن أبي مسلم. سمعت عليا يقول: لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم. ٢٥٥ أخرج أحمد واللفظ له ومسلم وأبو داود وابن الضريس والحاكم والهروي في فضائله عن أبي بن كعب "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم سأله أي آية في كتاب اللّه أعظم؟ قال: آية الكرسي {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم} قال ليهنك العلم أبا المنذر، والذي نفسي بيده أن لها لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش". وأخرج النسائي وأبو يعلى وابن حبان؟؟ وأبو الشيخ في العظمة والطبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن أبي كعب: أنه كان له جرن فيه تمر فكان يتعاهده فوجده ينقص، فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم، قال: فسلمت فرد السلام فقلت: ما أنت؟! جني أم أنسي؟ قال: جني. قلت: ناولني يدك. فناولني فإذا يداه يدا كلب وشعره شعر كلب، فقلت: هكذا خلق الجن؟ قال: لقد علمت الجن أن ما فيهم من هو أشد مني. قلت: ما حملك على ما صنعت؟ قال: بلغني أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك. فقال له أبي: فما الذي يجيرنا منكم؟ قال: هذه الآية، آية الكرسي التي في سورة البقرة، من قالها حتى؟؟ يمسي أجير منا حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسي. فلما أصبح أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فأخبره، فقال: "صدق الخبيث". وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني وأبو نعيم في المعرفة بسند رجاله ثقات عن ابن الأسقع البكري "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم. جاءهم في صفة المهاجرين، فسأله إنسان أي آية في القرآن أعظم؟ فقال النبي {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم} حتى انقضت الآية". وأخرج أحمد وابن الضريس والهروي في فضائله عن أنس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. سأل رجلا من أصحابه هل تزوجت؟ قال: لا، وليس عندي ما أتزوج به. قال: أو ليس معك {قل هو اللّه أحد} (الإخلاص الآية ١)؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن، أليس معك {قل يا أيها الكافرون} (الكافرون الآية ١)؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن، أليس معك {إذا زلزلت} (الزلزال الآية ١)؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن، أليس معك {إذا جاء نصر اللّه} (الفتح الآية ١)؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن، أليس معك آية الكرسي؟ قال: بلى. قال: فتزوج". وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من قرأ في دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي حفظ إلى الصلاة الأخرى، ولا يحافظ عليها إلا نبي أو صديق أو شهيد" وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخه عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أتدرون أي القرآن أعظم؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم! قال: {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم} إلى آخر الآية". وأخرج الطبراني بسند حسن عن الحسن بن علي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. "من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة كان في ذمة اللّه إلى الصلاة الأخرى". وأخرج أبو الحسن محمد بن أحمد بن َشمعون الواعظ في أماليه وابن النجار عن عائشة "أن رجلا أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم، فشكا إليه أن ما في بيته ممحوق من البركة، فقال: أين أنت من آية الكرسي، ما تليت على طعام ولا على أدام إلا أنمى اللّه بركة ذلك الطعام والأدام". وأخرج الدرامي عن أيفع بن عبد اللّه الكلاعي قال: قال رجل: يا رسول اللّه أي آية في كتاب اللّه أعظم؟ قال: "آية الكرسي {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم} قال: فأي آية في كتاب اللّه تحب أن تصيبك وأمتك؟ قال: آخر سورة البقرة، فإنها من كنز الرحمة من تحت عرش اللّه، ولم تترك خيرا في الدنيا والآخرة إلا اشتملت عليه". وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة أعطاه اللّه قلوب الشاكرين، وأعمال الصديقين، وثواب النبيين، وبسط عليه يمينه بالرحمة، ولم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت فيدخلها". وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق محمد بن الضوء بن الصلصال بن الدلهمس عن أبيه عن جده "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال: من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يكن بينه وبين أن يدخل الجنة إلا أن يموت، فإن مات دخل الجنة". وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن الضريس والطبراني والهروي في فضائله والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود أن أعظم آية في كتاب اللّه {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم}. وأخرج أبو عبيد وابن الضريس ومحمد بن نصر عن ابن مسعود قال: ما خلق اللّه من سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار أعظم من آية في سورة البقرة {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم}. وأخرج سعيد بن منصور وابن الضريس والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود قال: ما من سماء ولا أرض ولا سهل ولا جبل أعظم من آية الكرسي. وأخرج أبو عبيد في فضائله والدارمي والطبراني وأبو نعيم في دلائل النبوة والبيهقي عن ابن مسعود قال: خرج رجل من الأنس، فلقيه رجل من الجن فقال: هل لك أن تصارعني؟ فإن صرعتني علمتك آية إذا قرأتها حين تدخل بيتك لم يدخله شيطان، فصارعه فصرعه الأنسي. فقال: تقرأ آية الكرسي، فإنه لا يقرؤها أحد إذا دخل بيته إلا خرج الشيطان له خبج كخبج الحمار. فقيل لابن مسعود: أهو عمر؟ قال: من عسى أن يكون إلا عمر. الخبج: الضراط. وأخرج المحاملي في فوائده عن ابن مسعود قال: قال رجل: يا رسول اللّه علمني شيئا ينفعني اللّه به. قال "اقرأ آية الكرسي فإنه يحفظك وذريتك ويحفظ دارك، حتى الدويرات حول دارك". وأخرج ابن مردويه والشيرازي في الألقاب والهروي في فضائله عن ابن عمر. أن عمر بن الخطاب خرج ذات يوم إلى الناس فقال: أيكم يخبرني بأعظم آية في القرآن، وأعدلها، وأخوفها، وأرجاها؟ فسكت القوم. فقال ابن مسعود: على الخبير سقطت "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: أعظم آية في القرآن {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم} وأعدل آية في القرآن {ان اللّه يأمر بالعدل والإحسان} (النحل الآية ٩٠) إلى آخرها، وأخوف آية في القرآن {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (الزلزلة الآيتان ٧_٨) وأرجى آية في القرآن {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} (الزمر الآية ٥٣) ". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. إذا قرأ آخر سورة البقرة، أو آية الكرسي ضحك، وقال: إنهما من كنز الرحمن تحت العرش، وإذا قرأ {من يعمل سوءا يجز به} (النساء الآية ١٢٣) استرجع واستكان". وأخرج ابن الضريس ومحمد بن نصر والهروي في فضائله عن ابن عباس قال: ما خلق اللّه من سماء ولا أرض ولا سهل ولا جبل أعظم من سورة البقرة، وأعظم آية فيها آية الكرسي. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن المنذر وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف، أنه كان إذا دخل منزله قرأ في زواياه آية الكرسي. وأخرج ابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب قال: سيد آي القرآن {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم}. وأخرج البيهقي عن علي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. يقول: "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ومن قرأها حين يأخذ مضجعه أمنه اللّه على داره ودار جاره، وأهل دويرات حوله". وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة والدارمي ومحمد بن نصر وابن الضريس عن علي قال: ما أرى رجلا ولد في الإسلام أو أدرك عقله الإسلام يبيت أبدا حتى يقرأ هذه الآية {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم} ولو تعلمون ما هي، إنما أعطيها نبيكم من كنز تحت العرش، ولم يعطها أحد قبل نبيكم، وما بت ليلة قط حتى أقرأها ثلاث مرات، أقرؤها في الركعتين بعد العشاء الآخرة، وفي وتري، وحين آخذ مضجعي من فراشي. وأخرج أبو عبيد عن عبد اللّه بن رباح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال لأبي بن كعب: "أبا المنذر أي آية في القرآن أعظم؟ قال: اللّه ورسوله أعلم! قال: أبا المنذر أي آية في كتاب اللّه أعظم، قال: اللّه ورسوله أعلم! قال: أبا المنذر أي آية في كتاب اللّه عز وجل أعظم؟ قال: اللّه ورسوله أعلم، فقال: {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم} قال: فضرب صدره وقال: ليهنك العلم أبا المنذر". وأخرج ابن راهويه في مسنده عن عوف بن مالك قال: جلس أبو ذر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فقال: "يا رسول اللّه أيما أنزل اللّه عليك أعظم؟ قال {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم} حتى تختم". وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان ومحمد بن نصر الطبراني والحاكم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن معاذ بن جبل قال: " ضم إلي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تمر الصدقة، جعلته في غرفة لي، فكنت أجد فيه كل يوم نقصانا، فشكوت ذلك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال لي: هو عمل الشيطان فارصده، فرصدته ليلا، فلما ذهب هوى من الليل أقبل على صورة الفيل، فلما انتهى إلى الباب دخل من خلل الباب على غير صورته، فدنا من التمر فجعل يلتقمه، فشددت على ثيابي فتوسطته، فقلت: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا عبده ورسوله، يا عدو اللّه وثبت إلى تمر الصدقة فأخذته وكانوا أحق به منك، لأرفعنك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيفضحك - فعاهدني أن لا يعود. فغدوت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: ما فعل أسيرك؟ فقلت: عاهدني أن لا يعود. فقال: إنه عائد فارصده، فرصدته الليلة الثانية، فصنع مثل ذلك، وصنعت مثل ذلك، فعاهدني أن لا يعود، فخليت سبيله، ثم غدوت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته. فقال: إنه عائد فارصده، فرصدته الليلة الثالثة فصنع مثل ذلك، وصنعت مثل ذلك، فقلت: يا عدو اللّه عاهدتني مرتين وهذه الثالثة. فقال: إني ذو عيال وما أتيتك إلا من نصيبين، ولو أصبت شيئا دونه ما أتيتك، ولقد كنا في مدينتكم هذه حتى بعث صاحبكم، فلما نزلت عليه آيتان انفرتنا منها فوقعنا بنصيبين، ولا تقرآن في بيت إلا لم يلج فيه الشيطان ثلاثا، فإن خليت سبيلي علمتكهما. قلت: نعم. قال: آية الكرسي، وآخر سورة البقرة {آمن الرسول} (البقرة الآية ٢٨٥) إلى آخرها. فخليت سبيله، ثم غدوت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فأخبرته بما قال. فقال: صدق الخبيث وهو كذوب. قال: فكنت أقرؤهما بعد ذلك فلا أجد فيه نقصانا". وأخرج الطبراني في السنة عن ابن عباس {اللّه لا إله إلا هو} يريد الذي ليس معه شريك، فكل معبود من دونه فهو خلق من خلق لا يضرون ولا ينفعون، ولا يملكون رزقا ولا حياة ولا نشورا {الحي} يريد الذي لا يموت {القيوم} الذي لا يبلى {لا تأخذه سنة} يريد النعاس {ولا نوم من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} يريد الملائكة مثل قوله {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} (الأنبياء الآية ٢٨) {يعلم ما بين أيديهم} يريد من السماء إلى الأرض {وما خلفهم} يريد ما في السموات {ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء} يريد مما أطلعهم على علمه {وسع كرسيه السموات والأرض} يريد هو أعظم من السموات السبع والأرضين السبع {ولا يؤده حفظهما} يريد ولا يفوته شيء مما في السموات والأرض {وهو العلي العظيم} يريد لا أعلى منه، ولا أعظم، ولا أعز، ولا أجل، ولا أكرم. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي رحزة يزيد بن عبيد الساعي قال: "لما قفل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من غزوة تبوك أتاه وفد من بني فزارة، فقالوا: يا رسول اللّه ادع ربك أن يغيثنا، واشفع لنا إلى ربك، وليشفع ربك إليك. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ويلك هذا أنا شفعت إلى ربي فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه، لا إله إلا هو العظيم، وسع كرسيه السموات والأرض، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرجل الحديد!". وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان ومحمد بن نصر والطبراني وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أسيد الساعدي. أنه قطع تمر حائطه فجعله في غرفة، فكانت الغول تخالفه إلى مشربته فتسرق تمره وتفسده عليه، فشكا ذلك إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: "تلك الغول يا أبا أسيد، فاستمع عليها فإذا سمعت اقتحامها قل: بسم اللّه أجيبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فقالت الغول: يا أبا أسيد اعفني أن تكلفني أن أذهب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأعطيك موثقا من اللّه أن لا أخالفك إلى بيتك ولا أسرق تمرك، وأدلك على آية تقرؤها على بيتك فلا تخالف إلى أهلك، وتقرؤها على إنائك فلا يكشف غطاؤه، فأعطته الموثق الذي رضي به منها. فقالت: الآية التي أدلك عليها هي آية الكرسي. فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم. فقص عليه القصة، فقال: صدقت وهي كذوب". وأخرج النسائي والروياني في مسنده وابن حبان والدارقطني والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت". وأخرج ابن أبي الدنيا في الدعاء والطبراني وابن مردويه والهروي في فضائله والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي أمامة يرفعه "قال: اسم اللّه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث سور: سورة البقرة، وآل عمران، وطه، قال أبو أمامة: فالتمستها فوجدت في البقرة في آية الكرسي {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم} وفي آل عمران (اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم) (آل عمران الآية ٢) وفي طه (وعنت الوجوه للحي القيوم) (طه الآية ١١١) ". وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. نازلا على أبي أيوب في غرفة، وكان طعامه في سلة في المخدع، فكانت تجيء من الكوة كهيئة السنور تأخذ الطعام من السلة، فشكا ذلك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فقال: تلك الغول فإذا جاءت فقل: عزم عليك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن لا تبرحي. فجاءت فقال لها أبو أيوب:: عزم عليك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن لا تبرحي. فقالت: يا أبا أيوب دعني هذه المرة فواللّه لا أعود، فتركها ثم قالت: هل لك أن أعلمك كلمات إذا قلتهن لا يقرب بيتك شيطان تلك الليلة وذلك اليوم ومن الغد؟ قال: نعم. قالت: اقرأ آية الكرسي. فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فأخبره. فقال: صدقت وهي كذوب ". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان وأبو الشيخ في العظمة والطبراني والحاكم وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أيوب "أنه كان في سهوة له، فكانت الغول تجيء فتأخذ، فشكاها إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إذا رأيتها فقل: بسم اللّه أجيبي رسول اللّه. فجاءت فقال لها. فأخذها فقالت: إني لا أعود. فأرسلها فجاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فقال له: ما فعل أسيرك؟ قال: أخذتها فقالت: إني لا أعود فأرسلتها. فقال: إنها عائدة. فأخذها مرتين أو ثلاثا كل ذلك تقول: لا أعود، ويجيء النبي صلى اللّه عليه وسلم. فيقول: ما فعل أسيرك؟ فيقول: أخذتها فتقول: لا أعود. فقال: إنها عائدة. فأخذها فقالت: أرسلني وأعلمك شيئا تقوله فلا يقربك شيء. آية الكرسي. فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره فقال: صدقت وهي كذوب". وأخرج أحمد وابن الضريس والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي ذر قال "قلت يا رسول اللّه: أيما أنزل عليك أعظم؟ قال: آية الكرسي {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم} ". وأخرج ابن السني عن أبي قتادة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم. قال: "من قرأ آية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة عند الكرب أغاثه اللّه". وأخرج ابن مردويه عن أبي موسى الأشعري مرفوعا "أوحى اللّه إلى موسى بن عمران: أن اقرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة، فإنه من يقرأها في دبر كل صلاة مكتوبة أجعل له قلب الشاكرين، ولسان الذاكرين، وثواب النبيين، وأعمال الصديقين، ولا يواظب على ذلك إلا نبي، أو صديق، أو عبد امتحنت قلبه بالإيمان، أو أريد قتله في سبيل اللّه. قال ابن كثير: منكر جدا". وأخرج أحمد والطبراني عن أبي أمامة قال: " قلت يا رسول اللّه أيما أنزل عليك أعظم؟ قال: {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم} آية الكرسي". وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق علي بن الحسين عن أبيه عن أمه فاطمة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما دنا ولادها أمر أم سلمة وزينب بنت جحش أن يأتيا فاطمة، فيقرأ عندها آية الكرسي و {ان ربكم اللّه...} (الأعراف الآية ٥٤) إلى آخر الآية، ويعوذاها بالمعوذتين". وأخرج الديلمي عن علي بن أبي طالب قال: ما أرى رجلا أدرك عقله في الإسلام يبيت حتى يقرأ هذه الآية {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم} ولو تعلمون ما فيها لما تركتموها على حال، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "أعطيت آية الكرسي من كنز تحت العرش، ولم يؤتها نبي قبلي. قال علي: فما بت ليلة قط منذ سمعت هذا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. حتى أقرأها ". وأخرج الطبراني عن أبي أيوب الأنصاري قال: كان لي تمر في سهوة لي، فجعلت أراه ينقص منه، فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال "إنك ستجد فيه غدا هرة فقل: أجيبي رسول صلى اللّه عليه وسلم فلما كان الغد وجدت فيه هرة فقلت: أجيبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فتحولت عجوزا وقالت: أذكرك اللّه لما تركتني، فإني غير عائدة. فتركتها فأتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال:ما فعل الرجل؟ فأخبرته بخبرها. فقال: كذبت وهي عائدة. فقل لها: أجيبي رسول اللّه، فتحولت عجوزا. وقالت: أذكرك اللّه يا أبا أيوب لما تركتني هذه المرة فإني غير عائدة. فتركتها، ثم أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم. فقال كما قال لي، فعلت ذلك ثلاث مرات، فقالت لي في الثالثة: أذكرك اللّه يا أبا أيوب حتى أعلمك شيئا لا يسمعه شيطان فيدخل ذلك البيت فقلت: ما هو؟ فقالت: آية الكرسي لا يسمعها شيطان إلا ذهب، فذكرت ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: صدقت وإن كانت كذوبا". وأخرج الطبراني عن أبي أيوب قال: أصبت جنية فقالت لي: دعني ولك علي أن أعلمك شيئا إذا قلته لم يضرك منا أحد. قلت: ما هو؟ قال: آية الكرسي {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم} فذكرت ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: "صدقت وهي كذوب ". وأخرج الطبراني عن أبي أيوب قال "كنت مؤذى في البيت، فشكوت ذلك إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وكانت روزنة في البيت لنا، فقال: ارصده فإذا أنت عاينت شيئا فقل: أجيبي يدعوك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرصدت فإذا شيء قد تدلى من روزنة، فوثبت إليه وقلت: اخسأ يدعوك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فأخذته فتضرع إلي، وقال لي: لا أعود. فأرسلته فلما أصبحت غدوت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: ما فعل أسيرك؟ فأخبرته بالذي كان فقال: أما إنه سيعود. ففعلت ذلك ثلاث مرات كل ذلك آخذه وأخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم بالذي كان، فلما كانت الثالثة أخذته قلت: ما أنت بمفارقي حتى آتي بك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فناشدني وتضرع إلي وقال: أعلمك شيئا إذا قلته من ليلتك لم يقربك جان ولا لص، تقرأ آية الكرسي. فأرسلته ثم أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم. فقال: ما فعل أسيرك؟ قلت: يا رسول اللّه ناشدني وتضرع إلي حتى رحمته، وعلمني شيئا أقوله إذا قلته لم يقربني جن ولا لص. قال: صدق وإن كان كذوبا". وأخرج البخاري وابن الضريس والنسائي وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي هريرة قال "وكلني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: لأرفعنك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال، ولي حاجة شديدة فخليت عنه، فأصبحت فقال لي النبي صلى اللّه عليه وسلم يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول اللّه شكا حاجة شديدة وعيالا، فرحمته وخليت سبيله. قال: أما أنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود، فرحمته وخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما فعل أسيرك؟ قلت: يا رسول اللّه شكا حاجة وعيالا فرحمته وخليت سبيله، فقال: أما إنه قد كذبك وسيعود. فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام فأخذته وقلت: لأرفعنك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهذا آخر ثلاث مرات تزعم أنك لا تعود ثم تعود. فقال: دعني أعلمك كلمات ينفعك اللّه بها. قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم} حتى تختم الآية، فإنك لا يزال عليك من اللّه حافظ، ولا يقربك شيطان، حتى تصبح. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم أما إنه صدقك وهو كذوب". وأخرج البيهقي في الدلائل عن بريدة قال: كان لي طعام فتبينت فيه النقصان، فكمنت في الليل فإذا غول قد سقطت عليه، فقبضت عليها فقلت: لا أفارقك حتى أذهب بك إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم. فقالت: إني امرأة كثيرة العيال لا أعود. فجاءت الثانية والثالثة، فأخذتها فقالت: ذرني حتى أعلمك شيئا إذا قلته لم يقرب متاعك أحد منا، إذا أويت إلى فراشك فاقرأ على نفسك ومالك آية الكرسي. فأخبرت النبي صلى اللّه عليه وسلم. فقال "صدقت وهي كذوب". وأخرج سعيد بن منصور والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال: " سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن، لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه، آية الكرسي". وأخرج الدرامي والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. "من قرأ (حم، المؤمن) إلى (إليه المصير)، وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي، ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح ". وأخرج البخاري في تاريخه وابن الضريس عن أنس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: " أعطيت آية الكرسي من تحت العرش ". و أخرج ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان، والدينوري في المجالسة عن الحسن أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "إن جبريل أتاني فقال: إن عفريتا من الجن يكيدك، فإذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي". وأخرج ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان وأبو الشيخ في العظمة عن ابن إسحق قال: خرج زيد بن ثابت ليلا إلى حائط له، فسمع فيه جلبة فقال: ما هذا؟ قال: رجل من الجان أصابتنا السنة، فأردت أن أصيب من ثمارهم فطيبوه لنا. قال: نعم، ثم قال زيد بن ثابت: ألا تخبرنا بالذي يعيذنا منكم؟ قال: آية الكرسي. و أخرج أبو عبيد عن سلمة بن قيس وكان أول أمير كان على ايلياء قال: ما أنزل اللّه في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، أعظم من {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم}. وأخرج ابن الضريس عن الحسن "أن رجلا مات أخوه فرآه في المنام فقال: أخي أي الأعمال تجدون أفضل؟ قال: القرآن. قال: فأي القرآن؟ قال: آية الكرسي {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم} ثم قال: ترجون لنا شيئا؟ قال: نعم. قال: إنكم تعملون ولا تعلمون، وإنا نعلم ولا نعمل. وأخرج ابن الضريس عن قتادة قال: من قرأ آية الكرسي إذا أوى إلى فراشه وكل به ملكين يحفظانه حتى يصبح. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس. أن بني إسرائيل قالوا: يا موسى هل ينام ربك؟ قال: اتقوا للّه. فناداه ربه: يا موسى سألوك هل ينام ربك، فخذ زجاجتين في يديك فقم الليل، ففعل موسى فلما ذهب من الليل ثلث نعس فوقع لركبتيه ثم انتعش فضبطهما، حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا، فقال: يا موسى لو كنت أنام لسقطت السموات والأرض فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك، وأنزل اللّه على نبيه آية الكرسي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله {الحي} قال: حي لا يموت {القيوم} قيم على كل شيء يكلؤه ويرزقه ويحفظه. وأخرج آدم ابن أبي إياس وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله {القيوم} قال: القائم على كل شيء. وأخرج ابن أبي حاتم والحسن قال {القيوم} الذي لا زوال له. و أخرج ابن الأنباري في المصاحف عن قتادة قال {الحي} الذي لا يموت و {القيوم} القائم الذي لا بديل له. وأخرج آدم بن أبي إياس وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله {القيوم} قال: القائم على كل شيء. وأخرج ابن أبي حاتم والحسن قال {القيوم} الذي لا زوال له. وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن قتادة قال {الحي} الذي لا يموت و {القيوم} القائم الذي لا بديل له. وأخرج آدم بن أبي إياس وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله {لا تأخذه سنة ولا نوم} قال: السنة النعاس، والنوم هو النوم. وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء والطستي في مسائله عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله {لا تأخذه سنة} قال: السنة الوسنان الذي هو نائم وليس بنائم. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت زهير بن أبي سلمى وهو يقول: ولا سنة طوال الدهر تأخذه * ولا ينام وما في أمره فند و أخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن الضحاك في الآية قال:السنة النعاس، والنوم الاستثقال. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن السدي قال: السنة ريح النوم الذي يأخذ في الوجه فينعس الإنسان. و أخرج ابن أبي حاتم عن عطية {لا تأخذه سنة} قال: لا يفتر. وأخرج عن سعيد بن جبير في قوله {من ذا الذي يشفع عنده} قال: من يتكلم عنده إلا بإذنه. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {يعلم ما بين أيديهم} قال: ما مضى من الدنيا {وما خلفهم} من الآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {يعلم ما بين أيديهم} ما قدموا من أعمالهم {وما خلفهم} ما أضاعوا من أعمالهم. وأخرج ابن جرير عن السدي {ولا يحيطون بشيء من علمه} يقول: لا يعلمون بشيء من علمه {إلا بما شاء} هو أن يعلمهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس {وسع كرسيه السموات والأرض} قال: كرسيه علمه، ألا ترى إلى قوله {ولا يؤده حفظهما}. وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن عباس قال: سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن قول اللّه {وسع كرسيه السموت والأرض} قال "كرسيه موضع قدمه، والعرش لا يقدر قدره". وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه والخطيب والبيهقي عن ابن عباس قال: الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسى الأشعري قال: الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل. قلت: هذا على سبيل الاستعارة - تعإلى اللّه عن التشبيه - و يوضحه ما أخرجه ابن جرير عن الضحاك في الآية قال: كرسيه الذي يوضع تحت العرش الذي تجعل الملوك عليه أقدامهم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لو أن السموات السبع والأرضين السبع بسطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض ما كن في سعته - يعني الكرسي - إلا بمنزلة الحلقة في المفازة. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي ذر "أنه سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الكرسي فقال: يا أبا ذر ما السموات السبع والأرضين السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة". وأخرج عبد بن حميد وابن أبي عاصم في السنة والزار وأبو يعلى وابن جرير وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه والضياء المقدسي في المختارة عن عمر "أن امرأة أتت النبي صلى اللّه عليه وسلم. فقالت: ادع اللّه أن يدخلني الجنة، فعظم الرب تبارك وتعالى، وقال: إن كرسيه وسع السموات والأرض، وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله، ما يفضل منه أربع أصابع. وأخرج أبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الحلية بسند واه عن علي مرفوعا "الكرسي لؤلؤ، والقلم لؤلؤ، وطول القلم سبعمائة سنة، وطول الكرسي حيث لا يعلمه العالمون". وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك قال: الكرسي تحت العرش. وأخرج أبو الشيخ عن وهب بن منبه قال: الكرسي بالعرش ملتصق، والماء كله في جوف الكرسي. وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال: الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو الشيخ والبيهقي عن مجاهد قال: ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة، وما موضع كرسيه من العرش إلا مثل حلقة في أرض فلاة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: إن السموات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي العرش. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: قال رجل: يا رسول اللّه ما المقام المحمود؟ قال: ذلك يوم ينزل اللّه على كرسيه يئط منه كما يئط الرحل الجديد من تضايقه، وهو كسعة ما بين السماء والأرض. وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: كان الحسن يقول: الكرسي هو العرش. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمذاني عن ابن مسعود وناس من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم. في قوله {اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم....} الآية. قال: أما قوله {القيوم} فهو القائم، وأما {السنة؟؟} فهي ريح النوم التي تأخذ في الوجه فينعس الانسان، وأما {ما بين أيديهم} فالدنيا {وما خلفهم} الآخرة، وأما {لا يحيطون بشيء من علمه} يقول:لا يعلمون شيئا من علمه إلا بما شاء هو يعلمهم؟؟، وأما {وسع كرسيه السموات والأرض} فإن السموات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي العرش وهو موضع قدميه، وأما {لا يؤده} فلا يثقل عليه. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي عن أبي مالك في قوله {وسع كرسيه السموات والأرض} قال: إن الصخرة التي تحت الأرض السابعة ومنتهى الخلق على أرجائها عليها أربعة من الملائكة، لكل واحد منهم أربعة وجوه: وجه إنسان، ووجه أسد، ووجه ثو، ووجه نسر، فهم قيام عليها قد أحاطوا بالأرضين والسموات، ورؤوسهم تحت الكرسي، والكرسي تحت العرش، واللّه واضع كرسيه على العرش. قال البيهقي: هذا إشارة إلى كرسيين. أحدهما تحت العرش، والآخر موضوع على العرش. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {ولا يؤده حفظهما} يقول: لا يثقل عليه. وأخرج الطسي في مسائله عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {ولا يؤده حفظهما} قال: لا يثقله. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول الشاعر: يعطي المئين ولا يؤده حملها * محض الضرائب ماجد الأخلاق وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {ولا يؤده} قال: لا يكرثه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال {العظيم} الذي قد كمل في عظمته. وأخرج الطبراني في السنة عن ابن عباس {اللّه لا إله إلا هو} يريد الذي ليس معه شريك، فكل معبود من دونه فهو خلق من خلقه لا يضرون ولا ينفعون، ولا يملكون رزقا ولا حياة ولا نشورا {الحي} يريد الذي لا يموت {القيوم} الذي لا يبلى {لا تأخذه سنة} يريد النعاس {ولا نوم من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} يريد الملائكة، مثل قوله (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى). {يعلم ما بين أيديهم} يريد من السماء إلى الأرض {وما خلفهم} يريد ما في السموات {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} يريد مما أطلعهم على علمه {وسع كرسيه السموات والأرض} يريد هو أعظم من السموات السبع والأرضين السبع {ولا يؤده حفظهما} يريد لا يفوته شيء مما في السموات والأرض {وهو العلي العظيم} يريد لا أعلى منه ولا أعز، ولا أجل ولا أكرم. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السلمي قال "لما قفل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من غزوة تبوك أتاه وفد من بني فزارة فقالوا: يا رسول اللّه ادع ربك أن يغيثنا، واشفع لنا إلى ربك، وليشفع ربك إليك. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ويلك هذا أنا شفعت إلى ربي، فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه؟! لا إله إلا اللّه العظيم وسع كرسيه السموات والأرض، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد". ٢٥٦ أخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن منده في غرائب شعبه وابن حبان وابن مردويه والبيهقي في سننه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاة لا يكاد يعيش لها ولد، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا لا ندع أبناءنا. فأنزل اللّه {لا إكراه في الدين}. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن سعيد بن جبير في قوله {لا إكراه في الدين} قال: نزلت في الأنصار خاصة. قلت: خاصة، كانت المرأة منهم إذا كانت نزورة أو مقلاة تنذر: لئن ولدت ولدا لتجعلنه في اليهود تلتمس بذلك طول بقاءه، فجاء الإسلام وفيهم منهم، فلما أجليت النضير قالت الأنصار: يا رسول اللّه أبناؤنا وإخواننا فيهم، فسكت عنهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. {فنزلت لا إكراه في الدين} فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "قد خير أصحابكم فإن اختاروكم فهم منكم، وإن اختاروهم فهم منهم، فأجلوهم معهم". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الشعبي قال: كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاة لا يعيش لها ولد، فتنذر إن عاش ولدها أن تجعله مع أهل الكتاب على دينهم، فجاء الإسلام وطوائف من أبناء الأنصار على دينهم، فقالوا: إنما جعلناهم على دينهم، ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا، وإن اللّه جاء بالاسلام فلنكرهنهم، فنزلت {لا إكراه في الدين} فكان فصل ما بينهم إجلاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بني النضير، فلحق بهم من لم يسلم، وبقي من أسلم. وأخرج سعيد بن منمصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كان ناس من الأنصار مسترضعين في بني قريظة فثبتوا على دينهم، فلما جاء الإسلام أراد أهلوهم أن يكرهوهم على الإسلام، فنزلت {لا إكراه في الدين}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن مجاهد قال "كانت النضير أرضعت رجالا من الأوس، فلما أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بإجلائهم قال أبناؤهم من الأوس: لنذهبن معهم ولندينن دينهم، فمنعهم أهلوهم وأكرهوهم على الإسلام، ففيهم نزلت هذه الآية {لا إكراه في الدين} ". وأخرج ابن جرير عن الحسن. أن ناسا من الأنصار كانوا مسترضعين في بني النضير، فلما أجلوا أراد أهلوهم أن يلحقوهم بدينهم، فنزلت {لا إكراه في الدين}. وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس في قوله {لا إكراه في الدين} قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلا مسلما، فقال للنبي صلى اللّه عليه وسلم ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية، فأنزل اللّه فيه ذلك. وأخرج عبد بن حميد عن عبد اللّه بن عبيدة "أن رجلا من الأنصار من بني سالم بن عوف كان له ابنان تنصرا قبل أن يبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقدما المدينة في نفر من أهل دينهم يحملون الطعام، فرآهما أبوهما فانتزعهما وقال: واللّه لا أدعهما حتى يسلما، فأبيا أن يسلما، فاختصموا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟ فأنزل اللّه {لا إكراه في الدين...} الآية. فخلى سبيلهما". وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن السدي في قوله {لا إكراه في الدين} قال: نزلت في رجل من الأنصار يقال له أبو الحصين، كان له ابنان، فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت، فلما باعوا وأرادوا أن يرجعوا أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانية فتنصرا، فرجعا إلى الشام معهم، فأتى أبوهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: إن ابني تنصرا وخرجا فاطلبهما؟ فقال {لا إكراه في الدين} ولم يؤمر يومئذ بقتال أهل الكتاب، وقال: أبعدهما اللّه، هما أول من كفر، فوجد أبو الحصين في نفسه على النبي صلى اللّه عليه وسلم حين لم يبعث في طلبهما، فنزلت (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم...) (النساء الآية ٦٥) الآية. ثم نسخ بعد ذلك {لا إكراه في الدين} وأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} قال: وذلك لما دخل الناس في الإسلام، وأعطى أهل الكتاب الجزية. وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة في الآية قال: كانت العرب ليس لها دين، فأكرهوا على الدين بالسيف، قال: ولا يكره اليهود ولا النصارى والمجوس إذا أعطوا الجزية. وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن في قوله {لا إكراه في الدين} قال: لا يكره أهل الكتاب على الإسلام. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن وسق الرومي قال: كنت مملوكا لعمر بن الخطاب، فكان يقول لي: أسلم فإنك لو أسلمت استعنت بك على أمانة المسلمين، فإني لا أستعين على أمانتهم بمن ليس منهم، فأبيت عليه فقال لي: {لا إكراه في الدين}. وأخرج النحاس عن أسلم. سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية: أسلمي تسلمي، فأبت فقال عمر: اللّهم اشهد ثم تلا {لا إكراه في الدين}. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سليمان بن موسى في قوله {لا إكراه في الدين} قال: نسختها (جاهد الكفار والمنافقين) (التوبة الآية ٧٣). وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن حميد الأعرج. أنه كان يقرأ {قد تبين الرشد} وكان يقول: قراءتي على قراءة مجاهد. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال {الطاغوت} الشيطان. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن جابر بن عبد اللّه. أنه سئل عن الطواغيت قال: هم كهان تنزل عليهم الشياطين. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال {الطاغوت} الكاهن. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال {الطاغوت} الساحر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال {الطاغوت} الشيطان في صورة الإنسان، يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس قال {الطاغوت} ما يعبد من دون اللّه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {فقد استمسك بالعروة الوثقى} قال:لا إله إلا اللّه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس بن مالك في قوله {فقد استمسك بالعروة الوثقى} قال: القرآن. وأخرج سفيان وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {بالعروة الوثقى} قال: الإيمان. ولفظ سفيان قال: كلمة الإخلاص. وأخرج البخاري ومسلم عن عبد اللّه بن سلام قال "رأيت رؤيا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأيت كأني في روضة خضراء، وسطها عمود حديد، أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة فقيل لي: اصعد عليه فصعدت حتى أخذت بالعروة، فقال: استمسك بالعروة فاستيقظت وهي في يدي، فقصصتها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فقال: أما الروضة فروضة الإسلام وأما العمود فعمود الإسلام، وأما العروة فهي العروة الوثقى، أنت على الإسلام حتى تموت". وأخرج ابن عساكر عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر، فإنهما حبل اللّه الممدود، فمن استمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها". وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: القدر نظام التوحيد، فمن كفر بالقدر كان كفره بالقدر نقصا للتوحيد، فإذا وحد اللّه وآمن بالقدر فهي العروة الوثقى. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل. أنه سئل عن قوله {لا انفصام لها} قال: لا انقطاع لها دون دخول الجنة. ٢٥٧ أخرج ابن المنذر والطبراني عن ابن عباس في قوله {اللّه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} قال: هم قوم كانوا كفروا بعيسى فآمنوا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم {و الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} قال: هم قوم آمنوا بعيسى، فلما بعث محمد كفروا به. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ومقسم. مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {يخرجهم من الظلمات إلى النور} يقول: من الضلالة إلى الهدى. وفي قوله {يخرجونهم من النور إلى الظلمات} يقول: من الهدى إلى الضلالة. وأخرج ابن جرير عن الضحاك في الآية قال: الظلمات الكفر، والنور الإيمان. وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: ما كان فيه الظلمات والنور فهو الكفر والإيمان. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد قال: يبعث أهل الأهواء وتبعث الفتن، فمن كان هواه الإيمان كانت فتنته بيضاء مضيئة، ومن كان هواه الكفر كانت فتنته سوداء مظلمة، ثم قرأ هذه الآية. واللّه أعلم. ٢٥٨ أخرج الطيالسي وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال: الذي حاج إبراهيم في ربه هو نمرود بن كنعان. وأخرج ابن جرير عن مجاهد وقتادة والربيع والسدي. مثله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن زيد بن أسلم، أن أول جبار كان في الأرض نمرود، وكان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام، فخرج إبراهيم عليه السلام يمتار مع من يمتار، فإذا مر به ناس قال: من ربكم؟ قالوا له: أنت. حتى مر به إبراهيم فقال: من ربك: قال: الذي يحيي ويميت. قال: أنا أحيي وأميت. قال إبراهيم: فإن اللّه يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب. فبهت الذي كفر فرده بغير طعام، فرجع إبراهيم إلى أهله فمر على كثيب من رمل أعفر فقال: ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم؟ فأخذ منه فأتى أهله، فوضع متاعه ثم نام، فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته فإذا هو بأجود طعام رآه أحد، فصنعت له منه فقربته إليه، و كان عهده بأهله أنه ليس عندهم طعام فقال: من أين هذا؟! قالت من الطعام الذي جئت به. فعرف أن اللّه رزقه فحمد اللّه. ثم بعث اللّه إلى الجبار ملكا أن آمن بي وأنا أتركك على ملكك، فهل رب غيري؟ فأبى، فجاءه الثانية فقال له ذلك فأبى عليه، ثم أتاه الثالثة فأبى عليه فقال له الملك: فاجمع جموعك إلى ثلاثة أيام، فجمع الجبار جموعه، فأمر اللّه الملك ففتح عليه بابا من البعوض، فطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها، فبعثها اللّه عليهم فأكلت شحومهم وشربت دماءهم، فلم يبق إلا العظام، والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيء، فبعث اللّه عليه بعوضة فدخلت في منخره، فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق، وأرحم الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه، وكان جبارا أربعمائة سنة فعذبه اللّه أربعمائة سنة كملكه، ثم أماته اللّه وهو الذي كان بنى صرحا إلى السماء، فأتى اللّه بنيانه من القواعد. وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم} قال: نمرود بن كنعان، يزعمون أنه أول من ملك في الأرض، أتى برجلين قتل أحدهما وترك الآخر. فقال: أنا أحيي وأميت. قال: أستحيي: أترك من شئت، وأميت: أقتل من شئت. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: كنا نحدث أنه ملك يقال له نمرود بن كنعان، وهو أول ملك تجبر في الأرض، وهو صاحب الصرح ببابل، ذكر لنا أنه دعا برجلين فقتل أحدهما واستحيا الآخر، فقال: أنا أستحيي من شئت وأقتل من شئت. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {قال أنا أحيي وأميت} قال: أقتل من شئت، وأستحيي من شئت، أدعه حيا فلا أقتله، وقال: ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفر: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان بن داوود وذو القرنين، والكافران: بختنصر ونمرود بن كنعان، لم يملكها غيرهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي قال: لما خرج إبراهيم من النار أدخلوه على الملك ولم يكن قبل ذلك دخل عليه، فكلمه وقال له: من ربك؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت. قال نمرود: أنا أحيي وأميت، أنا أدخل أربعة نفر بيتا فلا يطعمون ولا يسقون حتى إذا هلكوا من الجوع أطعمت اثنين وسقيتهما فعاشا وتركت اثنين فماتا، فعرف إبراهيم أنه يفعل ذلك قال له: فإن ربي الذي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر وقال: إن هذا إنسان مجنون فأخرجوه، ألا ترون أنه من جنونه اجترأ على آلهتكم فكسرها، وأن النار لم تأكله، وخشي أن يفتضح في قومه. وأخرج أبو الشيخ عن السدي {واللّه لا يهدي القوم الظالمين} قال: إلى الإيمان. ٢٥٩ أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب في قوله {أو كالذي مر على قرية} قال: خرج عزير نبي اللّه من مدينته وهو شاب، فمر على قرية خربة وهي خاوية على عروشها فقال: أنى يحيي هذه اللّه بعد موتها؟ فأماته اللّه مائة عام ثم بعثه، فأول ما خلق منه عيناه، فجعل ينظر إلى عظامه وينظم بعضها إلى بعض، ثم كسيت لحما، ثم نفخ فيه الروح فقيل له: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما أو بعض يوم. قال: بل لبثت مائة عام، فأتى مدينته وقد ترك جارا له اسكافا شابا، فجاء وهو شيخ كبير. وأخرج إسحق بن بشر والخطيب وابن عساكر عن عبد اللّه بن سلام: أن عزيرا هو العبد الذي أماته اللّه مائة عام ثم بعثه. وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن عباس: أن عزير بن سروخا هو الذي فيه قال اللّه في كتابه {أو كالذي مر على قرية} الآية. وأخرج ابن جرير عن عكرمة وقتادة وسليمان بن بريدة والضحاك والسدي مثله. وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طرق عن ابن عباس وكعب والحسن ووهب يزيد بعضهم على بعض. أن عزيرا كان عبدا صالحا حكيما، خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعاهدها، فلما انصرف انتهى إلى خربة حين قامت الظهيرة أصابه الحر، فدخل الخربة وهو على حمار له، فنزل عن حماره ومعه سلة فيها تين وسلة فيها عنب، فنزل في ظل تلك الخربة، وأخرج قصعة معه، فاعتصر من العنب الذي كان معه في القصعة، ثم أخرج خبزا يابسا معه فألقاه في تلك القصعة في العصير ليبتل ليأكله، ثم استلقى على قفاه وأسند رجليه إلى الحائط، فنظر سقف تلك البيوت ورأى منها ما فيها وهي قائمة على عرشها وقد باد أهلها، ورأى عظاما بالية فقال: {أنى يحيي هذه اللّه بعد موتها!} فلم يشك أن اللّه يحييها ولكن قالها تعجبا. فبعث اللّه ملك الموت فقبض روحه، فأماته اللّه مائة عام، فلما أتت عليه مائة عام وكان فيما بين ذلك في بني إسرائيل أمور وأحداث، فبعث اللّه إلى عزير ملكا فخلق قلبه ليعقل به، وعينيه لينظر بهما فيعقل كيف يحيي اللّه الموتى، ثم ركب خلقه وهو ينظر، ثم كسا عظامه اللحم والشعر والجلد، ثم نفخ فيه الروح كل ذلك يرى ويعقل، فاستوى جالسا فقال له الملك: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما وذلك أنه كان نام في صدر النهار عند الظهيرة، وبعث في آخر النهار والشمس لم تغب. فقال: أو بعض يوم، ولم يتم لي يوم. فقال له الملك: بل لبثت مائة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك، يعني الطعام الخبز اليابس، وشرابه العصير الذي كان اعتصر في القصعة، فإذا هما على حالهما لم يتغير العصير والخبز اليابس، فذلك قوله {لم يتسنه} يعني لم يتغير، وكذلك التين والعنب غض لم يتغير عن حاله، فكأنه أنكر في قلبه. فقال له الملك: أنكرت ما قلت لك انظر إلى حمارك. فنظر فإذا حماره قد بليت عظامه وصارت نخرة، فنادى الملك عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركبه الملك وعزير ينظر إليه، ثم ألبسها العروق والعصب، ثم كساها اللحم، ثم أنبت عليها الجلد والشعر، ثم نفخ فيه الملك، فقام الحمار رافعا رأسه وأذنيه إلى السماء ناهقا، فذلك قوله {وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما} يعني انظر إلى عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضا في أوصالها، حتى إذا صارت عظاما مصورا حمارا بلا لحم، ثم انظر كيف نكسوها لحما {فلما تبين له قال أعلم أن اللّه على كل شيء قدير} من احياء الموتى وغيره. قال فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس، وأنكر الناس، وأنكر منازله، فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله، فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة لهم، فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته فقال لها عزير: يا هذه أهذا منزل عزير؟ قالت: نعم، وبكت وقالت: ما رأيت أحدا من كذا وكذا سنة يذكر عزيرا وقد نسيه الناس. قال: فإني أنا عزير. قالت: سبحان اللّه! فإن عزيرا قد فقدناه منذ مائة سنة فلم نسمع له بذكر. قال: فإني أنا عزير، كان اللّه أماتني مائة سنة ثم بعثني. قالت: فإن عزيرا كان رجلا مستجاب الدعوة، يدعو للمريض ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء فادع اللّه أن يرد علي بصري حتى أراك، فإن كنت عزيرا عرفتك. فدعا ربه ومسح يده على عينيهما؟؟ فصحتا، وأخذ بيدها فقال: قومي بإذن اللّه، فأطلق اللّه رجلها فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال، فنظرت فقالت: أشهد أنك عزير. فانطلقت إلى محلة بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم وابن لعزير شيخ ابن مائة سنة وثمان عشرة سنة، وبنو بنيه شيوخ في المجلس، فنادتهم فقالت: هذا عزير قد جاءكم. فكذبوها فقالت: أنا فلانة مولاتكم، دعا لي ربه فرد علي بصري وأطلق رجلي، وزعم أن اللّه كان أماته مائة سنة ثم بعثه، فنهض الناس فأقبلوا إليه فنظروا إليه فقال ابنه: كانت لأبي شامة سوداء بين كتفيه، فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير! فقالت بنو إسرائيل: فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوراة فيما حدثنا غير عزير، وقد حرق بختنصر التوراة ولم يبق منها شيء إلا ما حفظت الرجال فاكتبها لنا. وكان أبوه سروخا قد دفن التوراة أيام بختنصر في موضع لم يعرفه أحد غير عزير، فانطلق بهم إلى ذلك الموضع فحفره فاستخرج التوراة، وكان قد عفن الورق ودرس الكتاب، فجلس في ظل شجرة وبنو إسرائيل حوله فجدد لهم التوراة، فنزل من السماء شهابان حتى دخلا جوفه، فتذكر التوراة فجددها لبني إسرائيل، فمن ثم قالت اليهود: عزير ابن اللّه للذي كان من أمر الشهابين، وتجديده للتوراة، وقيامه بأمر بني إسرائيل، وكان جدد لهم التوراة بأرض السواد بدير حزقيل، والقرية التي مات فيها يقال لها سابر أباد، قال ابن عباس: فكان كما قال اللّه {و لنجعلك آية للناس} يعني لبني إسرائيل، وذلك أنه كان يجلس مع بني بنيه وهم شيوخ وهو شاب، لأنه كان مات وهو ابن أربعين سنة، فبعثه اللّه شابا كهيئته يوم مات. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن عبيد بن عمير في قوله {أو كالذي مر على قرية} قال: كان نبيا اسمه أورميا. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال: إن أرميا لما خرب بيت المقدس وحرق الكتب، وقف في ناحية الجبل فقال: {أنى يحيي هذه اللّه بعد موتها؟} فأماته اللّه مائة عام ثم بعثه وقد عمرت على حالها الأول، فجعل ينظر إلى العظام كيف يلتئم بعضه إلى بعض، ثم نظر إلى العظام تكسى عصبا ولحما {فلما تبين له قال أعلم أن اللّه على كل شيء قدير} فقال: انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه، وكان طعامه تينا في مكتل، وقلة فيها ماء. وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله {أو كالذي مر على قرية} قال: القرية بيت المقدس مر بها عزير بعد أن خربها بختنصر. وأخرج عن قتادة والضحاك والربيع. مثله. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن سليمان السياري. سمعت رجلا من أهل الشام يقول: إن الذي أماته اللّه مائة عام ثم بعثه اسمه حزقيل بن بوزا. وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن الحسن قال: كان أمر عزير وبختنصر في الفترة. وأخرج إسحق وابن عساكر عن عطاء بن أبي رباح قال: كان أمر عزير بين عيسى ومحمد. وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن وهب بن منبه قال: كانت قصة عزير وبختنصر بين عيسى وسليمان. وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله {خاوية} قال: خراب. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {خاوية} قال: ليس فيها أحد. وأخرج عن الضحاك {على عروشها} قال: سقوفها. وأخرج ابن جرير عن السدي {خاوية على عروشها} قال: ساقطة على سقفها. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {أنى يحيي هذه اللّه بعد موتها} قال: أنى تعمرهذه بعد خرابها. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبيهقي في البعث عن الحسن في قوله {فأماته اللّه مائة عام ثم بعثه} قال: ذكر لنا أنه أميت ضحوة وبعث حين سقطت الشمس قبل أن تغرب، وأن أول ما خلق اللّه منه عيناه، فجعل ينظر بهما إلى عظم كيف يرجع إلى مكانه. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: لبثت يوما ثم التفت فرأى بقية الشمس، فقال: أو بعض يوم. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: كان طعامه الذي معه سلة من تين، وشرابه زق من عصير. وأخرج عن مجاهد قال: طعامه سلة تين، وشرابه دن خمر. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر من طرق عن ابن عباس في قوله {لم يتسنه} قال: لم يتغير. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس. أن نافع ابن الأزرق سأله عن قوله {لم يتسنه} قال: لم تغيره السنون. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر: طاب منه الطعم والريح معا * لن تراه يتغير من أسن وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {لم يتسنه} قال: لم ينتن. وأخرج ابن راهويه في مسنده وأبو عبيد في الفضائل وعبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف عن هانئ البربري مولى عثمان قال: لما كتب عثمان المصاحف شكوا في ثلاث آيات، فكتبوها في كتف شاة وأرسلوني بها إلى أبي بن كعب و زيد بن ثابت، فدخلت عليهما فناولتها أبي بن كعب، فقرأها فوجد فيها (لا تبديل للخلق ذلك الدين القيم) فمحا بيده أحد اللامين و كتبها (لا تبديل لخلق اللّه) (الروم الآية ٣٠). ووجد فيها (انظر إلى طعامك و شرابك لم يتسنن) فمحا النون و كتبها {لم يتسنه}. وقرأ فيها (فأمهل الكافرين) فمحا الألف و كتبها (فمهل) (الطارق الآية ١٧). و نظر فيها زيد بن ثابت، ثم انطلقت بها إلى عثمان فأثبتوها في المصاحف كذلك. وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري عن هانئ قال: كنت الرسول بين عثمان وزيد بن ثابت، فقال زيد: سله عن قوله ( (لم يتسنن) ) أو {لم يتسنه} فقال عثمان: اجعلوا فيها هاء. وأخرج سفيان بن عيينه وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {و لنجعلك آية للناس} قال: كان يوم بعث ابن مائة وأربعين شابا، و كان ولده أبناء مائة سنة و هم شيوخ. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود. مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {كيف ننشزها} قال: نخرجها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {لم يتسنه} قال: لم يفسد بعد مائة حول، والطعام والشراب يفسد في أقل من ذلك {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} يقول: نشخصها عضوا عضوا. وأخرج الحاكم و صححه عن زيد بن ثابت. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قرأ {كيف ننشزها} بالزاي. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور ومسدد في مسنده وعبد بن حميد وابن المنذر عن زيد بن ثابت أنه قرأ {كيف ننشزها} بالزاي، وأن زيد أعجم عليها في مصحفه. وأخرج مسدد عن أبي بن كعب أنه قرأ {كيف ننشزها} أعجم الزاي. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ ( (نشرها) ) بالراء. وأخرج ابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح أنه قرأ (ننشرها) بالراء. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن. مثله. وأخرج ابن جرير عن السدي {كيف ننشزها} قال: نحركها. وأخرج عن ابن زيد {كيف ننشزها} قال: نحييها. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ {فلما تبين له قال أعلم} قال: إنما قيل له ذلك. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ {قال أعلم} ويقول: لم يكن بأفضل من إبراهيم، قال اللّه (واعلم أن اللّه). وأخرج ابن جرير عن هارون قال: في قراءة ابن مسعود "قيل اعلم ان اللّه" على وجه الأمر. و أخرج ابن أبي داوود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد اللّه (قيل أعلم). ٢٦٠ أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: إن إبراهيم مر برجل ميت زعموا أنه حبشي على ساحل البحر، فرأى دواب البحر تخرج فتأكل منه، وسباع الأرض تأتيه فتأكل منه، والطير تقع عليه فتأكل منه. فقال إبراهيم عند ذلك: رب هذه دواب البحر تأكل من هذا، وسباع الأرض والطير، ثم تميت هذه فتبلي، ثم تحييها فأرني كيف تحيي الموتى؟ قال: أولم تؤمن يا إبراهيم أني أحيي الموتى؟ قال: بلى يا رب ولكن ليطمئن قلبي. يقول: لأرى من آياتك وأعلم أنك قد أجبتني. فقال اللّه: خذ أربعة من الطير فصنع ما صنع، والطير الذي أخذه: ورال؟؟، وديك، وطاوس، وأخذ نصفين مختلفين ثم أتى أربعة أجبل، فجعل على كل جبل نصفين مختلفين، وهو قوله {ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا} ثم تنحى ورؤوسهما تحت قدميه، فدعا باسم اللّه الأعظم، فرجع كل نصف إلى نصفه وكل ريش إلى طائره، ثم أقبلت تطير بغير رؤوس إلى قدمه تريد رؤوسها بأعناقها، فرفع قدمه فوضع كل طائر منها عنقه في رأسه فعادت كما كانت {واعلم أن اللّه عزيز} يقول: مقتدر على ما يشاء {حكيم} يقول: محكم لما أراد. الرال فرخ النعام. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة. نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج عن ابن عباس قال: بلغني أن إبراهيم بينا هو يسير على الطريق إذا هو بجيفة حمار عليها السباع والطير قد تمزق لحمها وبقي عظامها، فوقف فعجب ثم قال: رب قد علمت لتجمعنها من بطون هذه السباع والطير، رب أرني كيف تحيي الموتى، قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليس الخبر كالمعاينة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: سأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، وذلك مما لقي من قومه من الأذى، فدعا به عند ذلك مما لقي منهم من الأذى فقال: رب أرني كيف تحيي الموتى. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: لما اتخذ اللّه إبراهيم خليلا سأل ملك الموت أن يأذن له فيبشر إبراهيم بذلك فأذن له، فأتى إبراهيم ولبس في البيت؟؟، فدخل داره وكان إبراهيم من أغير الناس إذا خرج أغلق الباب، فلما جاء وجد في بيته رجلا ثار إليه ليأخذه، وقال له: من أذن لك أن تدخل داري؟ قال ملك الموت: أذن لي رب هذه الدار. قال إبراهيم: صدقت، وعرف أنه ملك الموت. قال: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت جئتك أبشرك بأن اللّه قد اتخذك خليلا. فحمد اللّه وقال: يا ملك الموت أرني كيف تقبض أرواح الكفار؟ قال: يا إبراهيم لا تطيق ذلك. قال: بلى. قال: فأعرض، فأعرض إبراهيم ثم نظر فإذا هو برجل أسود ينال رأسه السماء يخرج من فيه لهب النار، ليس من شعرة في جسده إلا في صورة رجل يخرج من فيه ومسامعه لهب النار، فغشي على إبراهيم ثم أفاق وقد تحول ملك الموت في الصورة الأولى. فقال: يا ملك الموت لو لم يلق الكافر عند موته من البلاء والحزن إلا صورتك لكفاه، فأرني كيف تقبض أرواح المؤمنين؟ قال: فأعرض، فأعرض إبراهيم ثم التفت، فإذا هو برجل شاب أحسن الناس وجها، وأطيبه ريحا، في ثياب بياض. قال: يا ملك الموت لو لم ير المؤمن عند موته من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه لكان يكفيه. فانطلق ملك الموت وقام إبراهيم يدعو ربه يقول: رب أرني كيف تحيي الموتى حتى أعلم أني خليلك. قال: أولم تؤمن؟ يقول: تصدق بأني خليلك. قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي بخلولتك. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن سعيد بن جبير في قوله {ولكن ليطمئن قلبي} قال: بالخلة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله {ولكن ليطمئن قلبي} يقول: أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن مجاهد وإبراهيم {ليطمئن قلبي} قال: لأزداد إيمانا إلى إيماني. وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن ماجه وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رب أرني كيف تحيي الموتى. قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي}. ويرحم اللّه لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي". وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن أيوب في قوله {ولكن ليطمئن قلبي} قال: قال ابن عباس: ما في القرآن آية أرجى عندي منها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس. أنه قال لعبد اللّه بن عمرو بن العاص: أي آية في القرآن أرجى عندك؟ فقال: قول اللّه (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه...) (الزمر الآية ٥٣) الآية. فقال ابن عباس: لكن أنا أقول: قول اللّه لإبراهيم {أولم تؤمن قال بلى} فرضي من إبراهيم بقوله بلى، فهذا لما يعترض في الصدور ويوسوس به الشيطان. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق حنش عن ابن عباس {فخذ أربعة من الطير} قال: الغرنوق، والطاوس، والديك، والحمامة. الغرنوق الكركي. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الأربعة من الطير: الديك، والطاووس، والغراب، والحمام. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس {فصرهن} قال: قطعهن. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس {فصرهن} قال:هي بالنبطية شققهن. وأخرج ابن جرير عن عكرمة {فصرهن} قال: بالنبطية قطعهن. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {فصرهن} قال: هذه الكلمة بالحبشية يقول: قطعهن واخلط دماءهن وريشهن. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {فصرهن} قال: أوثقهن ذبحهن. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وهب قال: ما من اللغة شيء إلا منها في القرآن شيء، قيل: وما فيه من الرومية؟ قال {فصرهن} يقول: قطعهن. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث من طريق أبي جمرة عن ابن عباس {فصرهن إليك} قال: قطع أجنحتهن ثم اجعلهن أرباعا، ربعا ههنا وربعا ههنا في أرباع الأرض {ثم ادعهن يأتينك سعيا} قال: هذا مثل كذلك يحيي اللّه الموتى مثل هذا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: أمر أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن، ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن، ثم يجزئهن على أربعة أجبل. وأخرج ابن جرير عن عطاء {فصرهن إليك} اضممهن إليك. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق طاووس عن ابن عباس قال: وضعهن على سبعة أجبل، وأخذ الرؤوس بيده فجعل ينظر إلى القطرة تلقى القطرة، والريشة تلقى الريشة، حتى صرن أحياء ليس لهن رؤوس، فجئن إلى رؤوسهن فدخلن فيها. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {ثم ادعهن} قال: دعاهن باسم إله إبراهيم تعالين. وأخرج ابن أبي جرير عن الربيع في قوله {يأتينك سعيا} قال: شدا على أرجلهن. وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال: أخذ ديكا، وطاووسا، وغرابا، وحماما، فقطع رؤوسهن وقوائمهن وأجنحتهن، ثم أتى الجبل فوضع عليه لحما ودما وريشا، ثم فرقه على أربعة أجبال، ثم نودي: أيتها العظام المتمزقة، واللحوم المتفرقة، والعروق المتقطعة، اجتمعن يرد اللّه فيكن أرواحكن. فوثب العظم إلى العظم، وطارت الريشة إلى الريشة، وجرى الدم إلى الدم، حتى رجع إلى كل طائر دمه ولحمه وريشه، ثم أوحى اللّه إلى إبراهيم: إنك سألتني كيف أحيي الموتى، وإني خلقت الأرض وجعلت فيها أربعة أرواح: الشمال، والصبا، والجنوب، والدبور، حتى إذا كان يوم القيامة نفخ نافخ في الصور، فيجتمع من في الأرض من القتلى والموتى كما اجتمعت أربعة أطيار من أربعة جبال، ثم قرأ (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) (لقمان الآية ٢٨). وأخرج البيهقي في الشعب عن الحسن في قوله {رب أرني كيف تحيي الموتى} قال: إن كان إبراهيم لموقنا أن اللّه يحيي الموتى ولكن لا يكون الخبر كالعيان، إن اللّه أمره أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن وينتفهن، ثم قطعهن أعضاء أعضاء، ثم خلط بينهن جميعا، ثم جزأهن أربعة أجزاء، ثم جعل على كل جبل منهن جزءا، ثم تنحى عنهن فجعل يعدو كل عضو إلى صاحبه حتى استوين كما كن قبل أن يذبحهن، ثم أتينه سعيا. وأخرج البيهقي عن مجاهد في قوله {فصرهن إليك} قال: يقول: انتف ريشهن ولحومهن ومزقهن تمزيقا. وأخرج البيهقي عن عطاء قال: يقول: شققهن ثم اخلطهن. ٢٦١ أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبة} الآية. قال: فذلك سبعمائة حسنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: هذا لمن أنفق في سبيل اللّه فله أجره سبعمائة مرة. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {واللّه واسع عليم} قال: واسع أن يزيد في سعته،عالم بمن يزيده. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال: "كان من بايع النبي صلى اللّه عليه وسلم على الهجرة ورابط معه في المدينة ولم يذهب وجها إلا باذنه كانت له الحسنة بسبعمائة ضعف، ومن بايع على الإسلام كانت الحسنة له عشر أمثالها". وأخرج ابن ماجه عن الحسن بن علي بن أبي طالب وأبي الدرداء وأبي هريرة وأبي أمامه الباهلي وعبد اللّه بن عمر وجابر بن عبد اللّه وعمران بن حصين كلهم يحدث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: ح؟؟. وأخرج ابن ماجه وابن أبي حاتم عن عمران بن حصين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "من أرسل بنفقة في سبيل اللّه وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم، ومن غزا بنفسه في سبيل اللّه وأنفق في وجهه ذلك فله بكل درهم يوم القيامة سبعمائة ألف درهم، ثم تلا هذه الآية {واللّه يضاعف لمن يشاء} ". وأخرج البخاري في تاريخه عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "النفقة في سبيل اللّه تضاعف سبعمائة ضعف". وأخرج أحمد ومسلم والنسائي والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود "أن رجلا تصدق بناقة مخطومة في سبيل اللّه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة، كلها مخطومة". وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن خريم بن فاتك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أنفق نفقة في سبيل اللّه كتبت له بسبعمائة ضعف". وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الأعمال عند اللّه سبعة: عملان موجبان، وعملان أمثالهما، وعمل بعشرة أمثاله، وعمل بسبعمائة، وعمل لا يعلم ثواب عامله إلا اللّه. فأما الموجبان، فمن لقي اللّه يعبده مخلصا لا يشرك به شيئا وجبت له الجنة، ومن لقي اللّه قد أشرك به وجبت له النار، ومن عمل سيئة جزي بمثلها، ومن هم بحسنة جزي بمثلها، ومن عمل حسنة جزي عشرا، ومن أنفق ماله في سبيل اللّه ضعفت له نفقته الدرهم بسبعمائة والدينار بسبعمائة، والصيام للّه لا يعلم ثواب عامله إلا اللّه عز وجل. وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: طوبى لمن أكثر في الجهاد في سبيل اللّه من ذكر اللّه، فإن له بكل كلمة سبعين ألف حسنة، كل حسنة منها عشرة أضعاف مع الذي له عند اللّه من المزيد. قيل: يا رسول اللّه النفقة؟ قال: النفقة على قدر ذلك. قال عبد الرحمن: فقلت لمعاذ: إنما النفقة بسبعمائة ضعف؟ فقال معاذ: قل فهمك، إنما ذاك إذا أنفقوها وهم مقيمون في أهلهم غير غزاة، فإذا غزوا وأنفقوا خبأ اللّه لهم من خزائن رحمته ما ينقطع عنه علم العباد وصفتهم، فأولئك حزب اللّه وحزب اللّه هم الغالبون". وأخرج الحاكم وصححه عن عدي بن حاتم "أنه سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أي الصدقة أفضل؟ قال: خدمة عبد في سبيل اللّه، أو ظل فسطاط أو طروقة فحل في سبيل اللّه". وأخرج الترمذي وصححه عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل اللّه، أو منحة خادم في سبيل اللّه، أو طروقة فحل في سبيل اللّه". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن زيد بن خالد الجهني "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من جهز غازيا في سبيل اللّه فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا". وأخرج ابن ماجه والبيهقي عن عمر بن الخطاب "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من جهز غازيا حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع". وأخرج الطبراني في الأوسط عن زيد بن ثابت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من جهز غازيا في سبيل اللّه فله مثل أجره، ومن خلف غازيا في أهله بخير وأنفق على أهله كان له مثل أجره". وأخرج مسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخدري "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث إلى بني لحيان ليخرج من كل رجلين رجل، ثم قال للقاعد: أيكم خلف الخارج في أهله فله مثل أجره". وأخرج أحمد والحاكم والبيهقي عن سهل بن حنيف "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من أعان مجاهدا في سبيل اللّه، أو غارما في عسرته، أو مكاتبا في رقبته، أظله اللّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله". وأخرج ابن أبي حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أظل رأس غاز أظله اللّه يوم القيامة، ومن جهز غازيا في سبيل اللّه فله مثل أجره، ومن بنى مسجدا للّه يذكر فيه اسم اللّه بنى اللّه له بيتا في الجنة". وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن صعصعه بن معاوية قال: قلت لأبي ذر حدثني. قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "ما من عبد مسلم ينفق من ماله زوجين في سبيل اللّه إلا استقبلته حجبة الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده. قلت: وكيف ذاك؟ قال: إن كانت رحالا فرحلين، وإن كانت إبلا فبعيرين، وإن كانت بقرا فبقرتين". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبة} الآية. قال: نفقة الحج والجهاد سواء، الدرهم سبعمائة لأنه في سبيل اللّه. وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي في سننه عن بريدة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل اللّه، الدرهم بسبعمائة ضعف". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل اللّه، الدرهم بسبعمائة". وأخرج أبو داوود والحاكم وصححه عن معاذ بن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن الصلاة والصيام والذكر تضاعف على النفقة في سبيل اللّه بسبعمائة ضعف". ٢٦٢ أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: علم اللّه ناسا يمنون بعطيتهم، فكره ذلك وقدم فيه. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: إن أقواما يبعثون الرجل منهم في سبيل اللّه، أو ينفق على الرجل ويعطيه النفقة ثم يمنه ويؤذيه، ومنه يقول: أنفقت في سبيل اللّه كذا وكذا غير محتسبه عند اللّه، وأذى يؤذي به الرجل الذي أعطاه ويقول: ألم أعطك كذا وكذا؟ . وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن أنس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سأل البراء بن عازب فقال: يا براء كيف نفقتك على أمك؟ - وكان موسعا على أهله - فقال: يا رسول اللّه ما أحسنها. قال: فإن نفقتك على أهلك وولدك وخادمك صدقة، فلا تتبع ذلك منا ولا أذى". وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما أنفقتم على أهليكم في غير إسراف ولا إقتار فهو في سبيل اللّه". وأخرج الطبراني عن كعب بن عجرة قال: مر على النبي صلى اللّه عليه وسلم رجل، فرأى أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من جلده ونشاطه، فقالوا: يا رسول اللّه لو كان هذا في سبيل اللّه. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل اللّه، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل اللّه، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل اللّه، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان". وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن أيوب قال: أشرف على النبي صلى اللّه عليه وسلم رجل من رأس تل فقالوا: ما أجلد هذا الرجل! لو كان جلده في سبيل اللّه. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم "أوليس في سبيل اللّه إلا من قتل؟ ثم قال: من خرج في الأرض يطلب حلالا يكف به والديه فهو في سبيل اللّه، ومن خرج يطلب حلالا يكف به أهله فهو في سبيل اللّه، ومن خرج يطلب حلالا يكف به نفسه فهو في سبيل اللّه، ومن خرج يطلب التكاثر فهو في سبيل الشيطان". وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من سعى على والديه ففي سبيل اللّه، ومن سعى على عياله ففي سبيل اللّه، ومن سعى على نفسه ليعفها ففي سبيل اللّه، ومن سعى على التكاثر فهو في سبيل الشيطان". وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن أبي عبيدة بن الجراح "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من أنفق نفقة فاضلة في سبيل اللّه فبسبعمائة، ومن أنفق على نفسه وأهله أو عاد مريضا أو أماط أذى عن طريق فالحسنة بعشر أمثالها، والصوم جنة ما لم يخرقها، ومن ابتلاه اللّه ببلاء في جسده فله حظه". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي مسعود البدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة". وأخرج البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللّه إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في امرأتك؟؟". وأخرج أحمد عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة". وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أنفق على نفسه نفقة ليستعف بها فهي صدقة، ومن أنفق على امرأته وولده وأهل بيته فهي صدقة". وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر قال: قال رسول اللّه "ما أنفق المرء على نفسه وأهله وولده وذي رحمه وقرابته فهو له صدقة". وأخرج أحمد وأبو يعلى عن عمرو بن أمية "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ما أعطى الرجل أهله فهو له صدقة". وأخرج أحمد والطبراني عن العرباض بن سارية "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أجر". وأخرج أحمد والطبراني عن أم سلمة "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من أنفق على ابنتين، أو أختين، أو ذواتي قرابة، يحتسب النفقة عليهما حتى يغنيهما من فضل اللّه أو يكفهما كانتا له سترا من النار". وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن عوف بن مالك. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "ما من مسلم يكون له ثلاث بنات فينفق عليهن حتى يبن أو يمتن إلا كن له حجابا من النار. فقالت امرأة: أو بنتان؟ فقال: أو بنتان. وأخرج البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة قالت: دخلت علي امرأة ومعها بنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئا سوى تمرة واحدة فأعطيتها إياها، فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم قامت وخرجت، فدخل النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته فقال "من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار". وأخرج مسلم عن عائشة قالت: جائتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي تريد أن تأكلها بينهما فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال "إن اللّه قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب ومسلم والترمذي عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من عال جاريتين حتى تبلغا دخلت أنا وهو في الجنة كهاتين". وأخرج ابن أبي شيبة وابن حبان عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من عال ابنتين أو ثلاثا، أو أختين أو ثلاثا، حتى يمتن أو يموت عنهن كنت أنا وهو في الجنة كهاتين، وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها". وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة". وأخرج البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة". وأخرج البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من كفل يتيما له ذو قرابة أو لا قرابة له فأنا وهو في الجنة كهاتين، وضم أصبعيه. ومن سعى على ثلاث بنات فهو في الجنة وكان له كأجر مجاهد في سبيل اللّه صائما قائما". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وابن حبان عن ابن الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من كان له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو بنتان، أو أختان، فأحسن صحبتهن واتقى اللّه فيهن. وفي لفظ: فأدبهن، وأحسن إليهن، وزوجهن، فله الجنة". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب والبزار والطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من كن له ثلاث بنات يؤويهن، ويرحمهن، ويكفلهن، وينفق عليهن، وجبت له الجنة البتة. قيل: يا رسول اللّه فإن كانتا اثنتين؟ قال: وإن كانتا اثنتين. قال: فرأى بعض القوم أن لو قال واحدة لقال واحدة". وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: من كن له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن، وضرائهن، وسرائهن، أدخله اللّه الجنة برحمته إياهن. فقال رجل: واثنتان يا رسول اللّه؟ قال: واثنتان. قال رجل: يا رسول اللّه وواحدة؟ قال: وواحدة". وأخرج البخاري في الأدب والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، فأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جدته، كن له حجابا من النار. ٢٦٣ أخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن دينار قال: بلغنا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "ما من صدقة أحب إلى اللّه من قول، ألم تسمع قوله {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى}؟". وأخرج ابن ماجه عن أبي هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علما، ثم يعلمه أخاه المسلم". وأخرج المرهبي في فضل العلم والبيهقي في الشعب عن عبد اللّه بن عمرو "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ما أهدى المرء المسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة حكمة، يزيده اللّه بها هدى أو يرده عن ردى". وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما تصدق الناس بصدقة مثل علم ينشر". وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "نعم العطية كلمة حق تسمعها، ثم تحملها إلى أخ لك مسلم فتعلمها اياه". وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله {قول معروف...} الآية. قال: رد جميل. يقول: يرحمك اللّه يرزقك اللّه، ولا ينتهره ولا يغلظ له القول. وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس قال: الغني الذي كمل في غناه، والحليم الذي كمل في حلمه. وأخرج الحاكم وصححه عن عدي بن حاتم "أنه سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أي الصدقة أفضل؟ قال: خدمة عبد في سبيل اللّه، أو ظل فسطاط أو طروقة فحل في سبيل اللّه". ٢٦٤ أخرج ابن المنذر عن الضحاك في الآية قال: من أنفق نفقة ثم من بها أو آذى الذي أعطاه النفقة حبط أجره، فضرب اللّه مثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فلم يدع من التراب شيئا، فكذلك يمحق اللّه أجر الذي يعطي صدقته ثم يمن بها كما يمحق المطر ذلك التراب. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال اللّه للمؤمنين لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى فتبطل كما بطلت صدقة الرياء، وكذلك هذا الذي ينفق ماله رئاء الناس ذهب الرياء بنفقته كما ذهب هذا المطر بتراب هذا الصفا. وأخرج أحمد في الزهد عن عبد اللّه بن أبي زكريا قال: بلغني أن الرجل إذا راءى بشيء من عمله أحبط ما كان قبل ذلك. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يدخل الجنة منان، ولا عاق، ولا مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر، ولا كاهن". وأخرج البزار والحاكم وصححه عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة. العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان بما أعطى. وثلاثة لا يدخلون الجنة. العاق لوالديه، والديوث، والرجلة". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لا يدخل الجنة منان. فشق ذلك علي حتى وجدت في كتاب اللّه في المنان {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عمرو بن حريث قال: إن الرجل يغزو، ولا يسرق ولا يزني ولا يغل لا يرجع بالكفاف. قيل له: لماذا؟ فقال: إن الرجل ليخرج فإذا أصابه من بلاء اللّه الذي قد حكم عليه لعن وسب أمامه ولعن ساعة غزا، وقال: لا أعود لغزوة معه أبدا. فهذا عليه وليس له، مثل النفقة في سبيل اللّه يتبعها منا وأذى، فقد ضرب اللّه مثلها في القرآن {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} حتى ختم الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {صفوان} يقول: الحجر. {فتركه صلدا} ليس عليه شيء. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {كمثل صفوان} الصفاة. {فتركه صلدا} قال: تركها نقية ليس عليها شيء، فكذلك المنافق يوم القيامة لا يقدر على شيء مما كسب. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: الوابل المطر. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: الوابل المطر الشديد، وهذا مثل ضربه اللّه لأعمال الكفار يوم القيامة، يقول {لا يقدرون على شيء مما كسبوا} يومئذ كما ترك هذا المطر هذا الحجر ليس عليه شيء أنقى ما كان. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {فتركه صلدا} قال: يابسا خاسئا لا ينبت شيئا. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس. أن نافع ابن الأزرق سأله عن قوله {صفوان} قال: الحجر الأملس. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول أوس بن حجر: على ظهر صفوان كأن متونه * عللن بدهن يزلق المتنزلا قال: فأخبرني عن قوله {صلدا} قال: أملس. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول أبي طالب: واني لقرم وابن قرم لهاشم * لآباء صدق مجدهم معقل صلد ٢٦٥ أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال: هذا مثل ضربه اللّه لعمل المؤمن. وأخرج عن مقاتل بن حيان في قوله {ابتغاء مرضاة اللّه} قال: احتسابا. وأخرج عن الحسن قال: لا يريدون سمعة ولا رياء. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي {وتثبيتا من أنفسهم} قال: تصديقا ويقينا. وأخرج ابن جرير عن أبي صالح {وتثبيتا من أنفسهم} قال: يقينا من عند أنفسهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {وتثبيتا} قال: يتثبتون أين يضعون أموالهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن قال: كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت، فإن كان للّه أمضى، وإن خالطه شيء من الرياء أمسك. وأخرج ابن المنذر عن قتادة {و تثبيتا من أنفسهم} قال: النية. وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أنه كان يقرؤها {بربوة} بكسر الراء، والربوة النشز من الأرض. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: الربوة، الأرض المستوية المرتفعة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {جنة بربوة} قال: المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {أصابها وابل} قال: أصاب الجنة المطر. وأخرج عن عطاء الخراساني قال: الوابل الجود من المطر. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد {فآتت أكلها ضعفين} قال: أضعفت في ثمرها. وأخرج ابن جرير عن السدي {فآتت أكلها ضعفين} يقول: كما ضعفت ثمر تلك الجنة فكذلك تضاعف لهذا المنفق ضعفين. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فطل} قال: ندى. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {فطل} قال: طش. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك قال: الطل: الرذاذ من المطر، يعني اللين منه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: هذا مثل ضربه اللّه لعمل المؤمن، يقول: ليس لخيره خلف كما ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال كان، إن أصابها وابل وإن أصابها طل. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {فإن لم يصبها وابل فطل} قال: تلك أرض مصر إن أصابها طل زكت، وإن أصابها وابل أضعفت. ٢٦٦ أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال: قال عمر يوما لأصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم: فيم ترون هذه الآية نزلت {أيود احدكم أن تكون له جنة}؟ قالوا: اللّه أعلم! فغضب عمر فقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين! فقال: عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك. قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل. قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لعمل. قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة اللّه ثم بعث اللّه له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: قرأت الليلة آية أسهرتني {أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب} فقرأها كلها فقال: ما عنى بها؟ فقال بعض القوم: اللّه أعلم! فقال: إني أعلم أن اللّه أعلم، ولكن إنما سألت إن كان عند أحد منكم علم وسمع فيها شيئا أن يخبر بما سمع؟ فسكتوا. فرأني وأنا أهمس قال: قل يا ابن أخي ولا تحقر نفسك. قلت: عنى بها العمل. قال: وما عنى بها العمل؟ قلت: شيء ألقي في روعي فقلته. فتركني وأقبل وهو يفسرها صدقت يا ابن أخي عنى بها العمل، ابن آدم أفقر ما يكون إلى جنته إذا كبرت سنه وكثر عياله، وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم القيامة، صدقت يا ابن أخي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ضرب اللّه مثلا حسنا - وكل أمثاله حسن - قال {أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب... له فيها من كل الثمرات} يقول: صنعه في شبيبته فأصابه الكبر، وولده وذريته ضعفاء عند آخر عمره، فجاءه إعصار فيه نار فاحترق بستانه، فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله، ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه، فكذلك الكافر يوم القيامة إذا رد إلى اللّه ليس له خير فيستعتب، كما ليس لهذا قوة فيغرس مثل بستانه، ولا يجره قدم لنفسه خيرا يعود عليه، كما لم يغن عن هذا ولده وحرم أجره عند أفقر ما كان إليه، كما حرم هذا جنته عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته. وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: هذا مثل آخر لنفقة الرياء، أنه ينفق ماله يرائي به الناس، فيذهب ماله منه وهو يرائي فلا يأجره اللّه فيه، فإذا كان يوم القيامة واحتاج إلى نفقته وجدها قد أحرقها الرياء، فذهبت كما أنفق هذا الرجل على جنته، حتى إذا بلغت وكثر عياله واحتاج إلى جنته جاءت ريح فيها سموم، فأحرقت جنته فلم يجد منها شيئا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: هذا مثل المفرط في طاعة اللّه حتى يموت، مثله بعد موته كمثل هذا حين احترقت جنته وهو كبير لا يغني عنها وولده صغار لا يغنون عنه شيئا، كذلك المفرط بعد الموت كل شيء عليه حسرة. وأخرج ابن جرير عن ابن أبي مليكة. أن عمر تلا هذه الآية فقال: هذا مثل ضرب للإنسان يعمل عملا صالحا، حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه عمل عمل السوء. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: ضربت مثلا للعمل يبدأ فيعمل عملا صالحا فيكون مثلا للجنة، ثم يسيء في آخر عمره فيتمادى في الإساءة حتى يموت على ذلك، فيكون الإعصار الذي فيه نار التي أحرقت الجنة مثلا لإساءته التي مات وهو عليها. وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: قال عمر: آية من كتاب اللّه ما وجدت أحدا يشفيني عنها! قوله {أيحب أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب} حتى فرغ من الآية. قال ابن عباس: يا أمير المؤمنين إني أجد في نفسي منها فقال له عمر: فلم تحقر نفسك؟ فقال: يا أمير المؤمنين هذا مثل ضربه اللّه فقال: أيحب أحدكم أن يكون عمره يعمل بعمل أهل الخير وأهل السعادة، حتى إذا كبرت سنه، واقترب أجله، ورق عظمه، وكان أحوج ما يكون إلى أن يختم عمله بخير عمل بعمل أهل الشقاء فأفسد عمله فأحرقه. قال: فوقعت على قلب عمر وأعجبته. وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم وحسنه عن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعو "اللّهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني وانقطاع عمري". وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله {إعصار فيه نار} قال: ريح فيها سموم شديدة. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {إعصار} قال: الريح الشديدة. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر: فله في آثارهن خوار * وحفيف كأنه إعصار وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {كذلك يبين اللّه لكم الآيات لعلكم تتفكرون} قال: هذا مثل ضربه اللّه فاعقلوا عن اللّه أمثاله، فإن اللّه يقول (و تلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) (العنكبوت الآية ٤٣). ٢٦٧ وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} قال: من الذهب والفضة {و مما أخرجنا لكم من الأرض} قال: يعني من الحب والتمر وكل شيء عليه زكاة. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} قال: من التجارة {ومما أخرجنا لكم من الأرض} قال: من الثمار. وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني عن أبي سعيد الخدري "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة. وفي لفظ مسلم: ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق". وأخرج مسلم وابن ماجه والدارقطني عن جابر بن عبد اللّه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة". وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر". وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني عن جابر بن عبد اللّه "أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: فيما سقت الأنهار والعيون العشر، وفيما سقي بالسانية نصف العشر". وأخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "فيما سقت السماء والعيون العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر". وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة، من كل أربعين درهما درهم وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغ مائتين ففيها خمسة دراهم". وأخرج الدارقطني والحاكم وصحححه عن أبي ذر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته، قالها بالزاي" وأخرج أبو داود من طريق خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن جده "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع". وأخرج ابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر وعائشة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يأخذ من كل عشرين دينارا نصف دينار، ومن الأربعين دينارا دينارا". وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ليس في أقل من خمس ذود شيء، ولا في أقل من أربعين من الغنم شيء، ولا في أقل من ثلاثين من البقر شيء، ولا في أقل من عشرين مثقالا من الذهب شيء، ولا في أقل من مائتي درهم شيء، ولا في أقل من خمسة أوسق شيء، والعشر في التمر، والزبيب، والحنطة، والشعير، وما سقي سيحا ففيه العشر، وما سقي بالغرب ففيه نصف العشر". وأخرج ابن ماجه والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: سئل عبد اللّه بن عمر عن الجوهر، والدار، والفصوص، والخرز، وعن نبات الأرض البقل، والقثاء، والخيار. فقال: ليس في الحجر زكاة، وليس البقول زكاة، إنما سن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الزكاة في هذه الخمسة: في الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، والذرة. وأخرج الدارقطني عن عمر بن الخطاب قال "إنما سن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة: الحنطة، والشعير، والزبيب، والتمر". وأخرج الترمذي والدارقطني عن معاذ "أنه كتب إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم يسأله عن الخضراوات وهي البقول؟ فقال: ليس فيها شيء". وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن معاذ بن جبل "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر، وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب، فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب والخضر فعفو، عفا عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.". وأخرج الدارقطني عن علي بن أبي طالب "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ليس في الخضراوات صدقة، ولا في العرايا صدقة، ولا في أقل من خمسة أوسق صدق، ولا في العوامل صدقة، ولا في الجبهة صدقة. قال الصقر بن حبيب: الجبهة: الخيل والبغال والعبيد". وأخرج الدارقطني عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة". وأخرج الدارقطني عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "ليس في الخضراوات صدقة". وأخرج البزار والدارقطني عن طلحة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ليس في الخضراوات صدقة". وأخرج الدارقطني عن محمد بن عبد اللّه بن جحش "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ليس في الخضراوات صدقة". و أخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن علي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "قد عفوت لكن؟؟ عن صدقة أرقائكم وخيلكم، ولكن هاتوا صدقة أوراقكم وحرثكم وماشيتكم". وأخرج أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه عن معاذ بن جبل "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعثه إلى اليمن فقال: خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر". وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس". وأخرج الترمذي وابن ماجه عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة". وأخرج الدارقطني عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ليس في البقر العوامل صدقة ولكن في كل ثلاثة تبيع، وفي كل أربعين مسن أو مسنة". وأخرج الترمذي عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "في العسل في كل عشرة أزق زق". وأخرج أبو داود وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أخذ من العسل العشر، ولفظ أبي داود قال "جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعشور نخل له، وكان سأله أن يحمي له واديا يقال له سلبة، فحمى له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذلك الوادي، فلما ولي عمر بن الخطاب كتب سفيان بن وهب إلى عمر يسأله عن ذلك؟ فكتب إليه عمر: إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من عشور نخله، فاحم له سلبة وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من شاء. وأخرج الشافعي والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أنس. أن أبا بكر رضي اللّه عنه لما استخلف وجه أنس بن مالك إلى البحرين، فكتب له هذا الكتاب: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على المسلمين التي أمر اللّه بها رسوله صلى اللّه عليه وسلم، فمن سئلها من المؤمنين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطيه، فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم في كل ذود شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت احدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمس حقة، فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه وأن يجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده إلا حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده إلا ابنة مخاض فإنها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربع فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على المائتين ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلثمائة، فإذا زادت على ثلثمائة ففي كل مائة شاة ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار من الغنم، ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي الرقة ربع العشر، فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيه شيء إلا أن يشاء ربها. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والحاكم من طريق الزهري عن سالم عن أبيه قال "كتب النبي صلى اللّه عليه وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض فقرنه بسيفه، فعمل به أبو بكر ثم عمر، وكان فيه: في خمس من الإبل شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت ففيها حقة إلى ستين، فإذا زادت فجذعة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت بنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت فحقتان إلى عشرين ومائة، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، وفي الغنم في الأربعين شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة فشاتان إلى مائتين، فإذا زادت فثلاث شياه إلى ثلثمائة، فإن كان الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة، وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة، ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق مخافة الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عيب. قال الزهري: فإذا جاء المصدق قسمت الشاء أثلاثا. ثلث شرار، وثلث خيار، وثلث وسط، فيأخذ المصدق من الوسط". وأخرج الحاكم عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "أنه كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث مع عمرو بن حزم فقرئ على أهل اليمن، وهذه نسختها: بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال، والحرث بن عبد كلال، ويغنم بن عبد كلال، قيل ذي رعين، ومعافر، وهمدان، أما بعد فقد رجع رسولكم وأعطيتم من المغانم خمس اللّه، وما كتب اللّه على المؤمنين من العشر في العقار ما سقت السماء أو كان سيحا أو بعلا ففيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق، وما سقي بالرشاء والدالية ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أوسق، وفي كل خمس من الإبل سائمة شاة إلى أن تبلغ أربعا وعشرين، فإذا زادت واحدة على أربع وعشرين ففيها ابنة مخاض، فإن لم توجد ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين، فإذا زادت على خمسة وثلاثين واحدة ففيها ابن لبون إلى أن تبلغ خمسا وأربعين، فإن زادت واحدة على خمسة وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى أن تبلغ ستين، فإن زادت واحدة فجذعة إلى أن تبلغ خمسة وسبعين، فإن زادت واحدة ففيها ابنا لبون إلى أن تبلغ تسعين، فإن زادت واحدة ففيها حقتان طروقتا الحمل إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فما زاد على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة، وفي كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة، وفي كل أربعين باقورة بقرة، وفي كل أربعين شاة سائمة شاة إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فإن زادت على العشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلثمائة، فإن زادت فما زاد ففي كل مائة شاة شاة، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا عجفاء، ولا ذات عوار، ولا تيس غنم، إلا أن يشاء المصدق، ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خيفة الصدقة، وما أخذ من الخليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، وفي كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم، وما زاد ففي كل أربعين درهما درهم، وليس فيما دون خمس أواق شيء، وفي كل أربعين دينارا دينار، إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل بيت محمد، إنما هي الزكاة تزكى بها أنفسهم، ولفقراء المؤمنين، وفي سبيل اللّه، وابن السبيل، وليس في رقيق، ولا مزرعة، ولا عمالها شيء إذا كانت تؤدى صدقتها من العشر، وإنه ليس في عبد مسلم، ولا في فرسه شيء. قال: وكان في الكتاب. إن أكبر الكبائر عند اللّه يوم القيامة إشراك باللّه، وقتل النفس المؤمنة بغير حق، والفرار في سبيل اللّه يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وإن العمرة الحج الأصغر، ولا يمس القرآن إلا طاهر، ولا طلاق قبل إملاك، ولا عتاق حتى يبتاع، ولا يصلين أحد منكم في ثوب واحد وشقه باد، ولا يصلين أحد منكم عاقصا شعره، ولا في ثوب واحد ليس على منكبيه منه شيء. و كان في الكتاب: إن من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود إلا أن يرضي أولياء المقتول، وإن في النفس الدية مائة من الإبل، وفي الأنف الذي أوعب جدعه الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجل نصف الدية، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل اصبع من الأصابع من اليد والرجل عشر، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس، وإن الرجل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار". وأخرج أبو داود عن حبيب المالكي قال: قال رجل لعمران بن حصين: يا أبا نجيد إنكم لتحدثونا بأحاديث ما نجد لها أصلا في القرآن! فغضب عمران وقال: أوجدتم في كل أربعين درهما درهم، ومن كل كذا وكذا شاة شاة، ومن كذا وكذا بعيرا كذا وكذا. وجدتم هذا في القرآن؟ قال: لا. قال: فعمن أخذتم هذا؟! أخذتموه عنا، وأخذناه عن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر قال "فرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين". وأخرج أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال "فرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصيام من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات". وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني عن أبي سعيد الخدري قال: "كنا نخرج إذ كان فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعا من طعام، أو صاعا من أقط، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب". وأخرج أحمد وأبو داود والدارقطني عن ثعلبة بن صغير قال "قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطيبا قبل الفطر بيومين فأمر بصدقة الفطر صاع تمر أو صاع شعير على كل رأس، أو صاع بر أو قمح بين اثنين صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو أنثى غني أو فقير، أما غنيكم فيزكيه اللّه، وأما فقيركم فيرد اللّه عليه أكثر مما أعطاه". وأخرج أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه عن قيس بن سعد قال "أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله، وأمرنا بصوم عاشوراء قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان لم يأمرنا به ولم ينهنا عنه ونحن نفعله". وأخرج الدارقطني عن ابن عمر وعن علي "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرض زكاة الفطر على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد، ممن تمونون". وأخرج الشافعي عن جعفر بن محمد عن أبيه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرض زكاة الفطر على الحر والعبد، والذكر والأنثى، ممن تمونون". وأخرج البزار والدرقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمر صارخا ببطن مكة ينادي أن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو مملوك، حاضر أو باد، صاع من شعير أو تمر". وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن أبي هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حض على صدقة رمضان على كل إنسان صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من قمح". وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء أنها حدثته: أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل البيت، والصاع الذي يقتاتون به، يفعل ذلك أهل المدينة كلهم. وأخرج أبو حفص بن شاهين في فضائل رمضان عن جرير قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "صوم رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلا بزكاة الفطر، قال ابن شاهين: حديث غريب جيد الإسناد". وأخرج مالك والشافعي عن زريق بن حكيم. أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه: أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم من التجارات من كل أربعين دينارا دينار، فما نقص فبحسابه حتى تبلغ عشرين دينارا، فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا. وأخرج الدارقطني عن أبي عمرو بن جماس عن أبيه قال: كنت أبيع الأدم والجعاب، فمر بي عمر بن الخطاب فقال لي: أد صدقة مالك. فقلت: يا أمير المؤمنين إنما هو في الأدم! قال: قومه ثم أخرج صدقته. وأخرج البزار والدارقطني عن سمرة بن جندب قال "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يأمرنا برقيق الرجل أو المرأة الذي هو تلاد له، وهم عملة لا يريد بيعهم، فكان يأمرنا أن لا نخرج عنهم من الصدقة شيئا، وكان يأمرنا أن نخرج عن الرقيق الذي هو يعد للبيع". وأخرج الحاكم وصححه عن بلال بن الحرث "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية الصدقة". وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة عن ابن عباس "أنه سئل عن العنبر فقال: إنما هو شيء دسره البحر، فإن كان فيه شيء ففيه الخمس". وأخرج مالك وابن أبي شيبة عن ابن شهاب قال: في الزيتون العشر. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: في الزيتون العشر. وأخرج الدارقطني عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "في الخيل السائمة في كل فرس دينار". وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا زكاة الفطر في الرقيق". أما قوله تعالى: {و لا تيمموا الخبيث منه تنفقون} الآية. أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب في قوله {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} قال: نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحاب نخل، كان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط البسر والتمر فيأكل، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحفش وبالقنو قد انكسر فيعلقه، فأنزل اللّه {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال: لو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا عن اغماض وحياء. قال: فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: ذكر لنا أن الرجل كان يكون له الحائطان فينظر إلى أردئهما تمرا فيتصدق به ويخلط به الحشف، فنزلت الآية، فعاب اللّه ذلك عليهم ونهاهم عنه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك قال: كان أناس من المنافقين حين أمر اللّه أن تؤدى الزكاة يجيئون بصدقاتهم بأردأ ما عندهم من الثمرة، فأنزل اللّه {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}. وأخرج عبد بن حميد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال "لما أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بصدقة الفطر جاء رجل بتمر رديء، فأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم الذي يخرص النخل أن لا يجيزه، فأنزل اللّه {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم...} الآية". وأخرج الحاكم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بزكاة الفطر بصاع من تمر، فجاء رجل بتمر رديء فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لعبد اللّه بن رواحة "لا تخرص هذا التمر، فنزل هذا القرآن {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} الآية". وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والدارقطني والحاكم والبيهقي في سننه عن سهل بن حنيف قال "أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالصدقة، فجاء رجل بكبائس من هذا السحل - يعني الشيص - فوضعه، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: من جاء بهذا - وكان كل من جاء بشيء نسب إليه - فنزلت {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} الآية. ونهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن لونين من التمر، أن يؤخذا في الصدقة الجعرور ولون الحبيق". وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يشترون الطعام الرخيص ويتصدقون، فأنزل اللّه {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} الآية. وأخرج ابن جرير عن عبيدة السلماني قال: سألت علي بن أبي طالب عن قول اللّه {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} الآية. فقال: نزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة، كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه فيعزل الجيد ناحية، فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء. فقال اللّه {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} يقول: ولا يأخذ أحدكم هذا الرديء حتى يهضم له. وأخرج ابن جرير عن عطاء قال: علق إنسان حشفا في الأقناء التي تعلق بالمدينة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما هذا؟! بئسما علق هذا. فنزلت {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} ". وأخرج ابن المنذر عن محمد بن يحيى بن حبان المازني من الأنصار "أن رجلا من قومه أتى بصدقته يحملها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأصناف من التمر معروفة من الجعرور واللينة والأيارخ والقضرة وآمعاء فارة وكل هذا لا خير فيه من تمر النخيل، فردها اللّه ورسوله، وأنزل اللّه فيه {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} إلى قوله {حميد} ". وأخرج سفيان بن عيينة والفريابي عن مجاهد قال: كانوا يتصدقون بالحشف وشرار التمر، فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتصدقوا بطيب قال: وفي ذلك نزلت {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}. وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن قال: كان الرجل يتصدق برذالة ما له، فنزلت {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}. وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن عوف بن مالك قال "خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومعه عصا، فإذا أقناء معلقة في المسجد قنو منها حشف، فطعن في ذلك القنو وقال: ما يضر صاحبه لو تصدق بأطيب من هذه، إن صاحب هذه ليأكل الحشف يوم القيامة". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} يقول: تصدقوا من أطيب أموالكم وأنفسه {ولستم بآخذيه} قال: لو كان لكم على أحد حق فجاءكم بحق دون حقكم لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه فذلك قوله {إلا أن تغمضوا فيه} فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم؟ وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه، وهو قوله (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) (آل عمران الآية ٩٢). وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن مغفل في قوله {ولا تيمموا الخبيث} قال: كسب المسلم لا يكون خبيثا ولكن لا تصدق بالحشف، والدرهم الزيف، وما لا خير فيه. وفي قوله {إلا أن تغمضوا فيه} قال: لا تجوزوا فيه. وأخرج ابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب {ولا تيمموا الخبيث} يقول: ولا تعمدوا للخبيث منه تنفقون، واعلموا أن اللّه غني عن صدقاتكم. وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله {ولا تيمموا الخبيث} قال: لا تعمدوا إلى شر ثماركم وحروثكم فتعطوه في الصدقة، ولو أعطيتم ذلك لم تقبلوا. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول: يممت راحلتي أمام محمد * أرجو فواضله وحسن نداه و قال أيضا: تيممت قيسا وكم دونه * من الأرض من مهمه ذي شرر وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن هذه الآية {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} قال: إنما ذلك في الزكاة في الشيء الواجب، فأما في التطوع فلا بأس بأن يتصدق الرجل بالدرهم الزيف، هو خير من التمرة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال كان رجال يعطون زكاة أموالهم من التمر، فكانوا يعطون الحشف في الزكاة فقال: لو كان بعضهم يطلب بعضا ثم قضاه لم يأخذه إلا أن يرى أنه قد أغمض عنه حقه. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال: لا تأخذونه من غرمائكم ولا في بيوعكم إلا بزيادة على الطيب في الكيل، وذلك فيما كانوا يعلقون من التمر بالمدينة، ومن كل ما أنفقتم فلا تنفقوا إلا طيبا. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في قوله {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} قال: الحشفة والحنطة المأكولة {ولستم بآخذيه إلا أن تغمصوا فيه} قال: أرأيت لو كان لك على رجل حق فأعطاك دراهم فيها زيوف فأخذتها، أليس قد كنت غمضت من حقك؟ وأخرج وكيع عن الحسن {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} قال: لو وجدتموه يباع في السوق ما أخذتوه حتى يهضم لكم من الثمن. وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} يقول: لو كان لك على رجل حق لم ترض أن تأخذ منه دون حقك، فكيف ترضى للّه بأردأ مالك تقرب به إليه؟ وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} يقول: لستم بآخذي هذا الرديء بسعر الطيب إلا أن يهضم لكم منه. وأخرج أبو داود والطبراني عن عبد اللّه بن معاوية الفاخري قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان. من عبد اللّه وحده وأنه لا إله إلا اللّه، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه وافرة عليه كل عام، ولم يعط الهرمة، ولا الذربة، ولا المريضة، ولا الشرط اللثيمة، ولكن من وسط أموالكم فإن اللّه لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره". وأخرج الشافعي عن عمر بن الخطاب. أنه استعمل أبا سفيان بن عبد اللّه على الطائف فقال: قل لهم: لا آخذ منكم الربى، ولا الماخض، ولا ذات الدر، ولا الشاة الأكولة، ولا فحل الغنم، وخذ العناق والجذعة والثنية، فذلك عدل بين رديء المال وخياره. وأخرج الشافعي عن سعر أخي بني عدي قال "جاءني رجلان فقالا: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعثنا نصدق أموال الناس. قال: فأخرجت لهما شاة ماخضا أفضل ما وجدت، فرداها علي وقالا: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهانا أن نأخذ الشاة الحبلى. قال: فأعطيتهما شاة من وسط الغنم فأخذاها". وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم وصححه عن أبي بن كعب قال: بعثني النبي صلى اللّه عليه وسلم مصدقا، فمررت برجل فجمع لي ماله فلم أجد عليه فيها إلا ابنة مخاض، فقلت له: أدابة مخاض فإنها صدقتك؟ فقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر ولكن هذه ناقة عظيمة سمينة فخذها. فقلت له: ما أنا بآخذ ما لم أومر به، وهذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منك قريب، فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ذلك؟ قال: إني فاعل. فخرج معي بالناقة حتى قدمنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبره. فقال "إن تطوعت بخير آجرك اللّه فيه وقبلناه منك، وأمر بقبض الناقة منه ودعا له بالبركة". وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي هريرة قال: لدرهم طيب أحب إلي من مائة ألف، اقرأ {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} الآية. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في قوله {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} من الحلال. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مغفل {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} قال: من الحلال. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {ولا تيمموا الخبيث} قال: الحرام. وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يكسب عبد مالا حراما فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار. إن اللّه لا يمحو السيء بالسيء ولا يمحو السيء إلا بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث" وأخرج البزار عن ابن مسعود رفعه قال: إن الخبيث لا يكفر الخبيث ولكن الطيب يكفر الخبيث. وأخرج أحمد في الزهد عن ابن عمر قال: إذا طاب المكسب زكت النفقة، إن الخبيث لا يكفر الخبيث. وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: إن كسب المال من سبيل الحلال قليل، فمن كسب مالا من غير حله فوضعه في غير حقه فآثر من ذلك أن لا يسلب اليتيم ويكسو الأرملة، ومن كسب مالا من غير حله فوضعه في غير حقه فذلك الداء العضال، ومن كسب مالا من حله فوضعه في حقه فذلك يغسل الذنوب كما يغسل الماء التراب عن الصفا. وأخرج ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك، ومن جمع مالا من حرام ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر، وكان إصره عليه". وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: من كسب طيبا خبثه منع الزكاة، ومن كسب خبيثا لم تطيبه الزكاة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا خرج الحاج حاجا بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللّهم لبيك، ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك اللّهم لبيك، ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مبرور". وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من حج بمال حرام فقال: لبيك اللّهم لبيك. قال اللّه له: لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك". وأخرج أحمد عن أبي بردة بن نيار قال "سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن أفضل الكسب؟ فقال: بيع مبرور، وعمل الرجل بيده". وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال "سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم أي كسب الرجل أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور". وأخرج عبد بن حميد عن عائشة قالت: قال اللّه: كلوا من طيبات ما كسبتم وأولادكم من أطيب كسبكم، فهم وأموالهم لكم. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن ماجه عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه". وأخرج عبد بن حميد عن عائشة قالت: إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه، وليس للولد أن يأخذ من مال والده إلا بإذنه، والوالد يأخذ من مال ولده ما شاء بغير إذنه. وأخرج عبد بن حميد عن عامر الأحول قال: جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه ما لنا من أولادنا؟ قال: هم من أطيب كسبكم، وأموالهم لكم. وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن المنكدر قال " جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه إن لي مالا وإن لي عيالا، ولأبي مال وله عيال، وإن أبي يأخذ مالي. قال: أنت ومالك لأبيك". وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: يأخذ الرجل من مال ولده إلا الفرج. وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي قال: الرجل في حل من مال ولده. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: يأخذ الوالد من مال ولده ما شاء والوالدة كذلك ولا للولد أن يأخذ من مال والده إلا ما طابت به نفسه. وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: ليس للرجل من مال ابنه إلا ما احتاج إليه من طعام أو شراب أو لباس. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال: لا يأخذ الرجل من مال ولده شيئا إلا إن يحتاج فيستنفق بالمعروف، يعوله ابنه كما كان الأب يعوله، فأما إذا كان موسرا فليس له أن يأخذ من مال ابنه فيقي به ماله أو يضعه فيما لا يحل. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد من طريق قتادة عن الحسن قال: يأخذ الرجل من مال ابنه ما شاء، وإن كانت له جارية تسراها إن شاء. قال قتادة: فلم يعجبني ما قال في الجارية. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال: إذا كانت أم اليتيم محتاجة أنفق عليها من ماله يدها مع يده. قيل له: فالموسرة قال: لا شيء لها. واللّه أعلم. ٢٦٨ أخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من اللّه فليحمد اللّه، ومن وجد الأخرى فليتعوذ باللّه من الشيطان، ثم قرأ {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: اثنتان من اللّه واثنتان من الشيطان {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} يقول: لا تنفق مالك وأمسكه عليك فإنك تحتاج إليه {واللّه يعدكم مغفرة منه} على هذه المعاصي وفضلا في الرزق. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {واللّه يعدكم مغفرة منه} لفحشائكم وفضلا لفقركم. وأخرج ابن المنذر عن خالد الربعي قال: عجبت لثلاث آيات ذكرهن اللّه في القرآن (ادعوني أستجب لكم) (غافر الآية ٦٠) ليس بينهما حرف وكانت إنما تكون لنبي فأباحها اللّه لهذه الأمة، والثانية قف عندها ولا تعجل (اذكروني أذكركم) فلو استقر يقينها في قلبك ما جفت شفتاك، والثالثة {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرة منه وفضلا}. وأخرج أحمد في الزهد عن ابن مسعود قال: إنما مثل ابن آدم مثل الشيء الملقى بين يدي اللّه وبين الشيطان، فإن كان للّه تبارك وتعالى فيه حاجة أجاره من الشيطان، وإن لم يكن للّه فيه حاجة خلى بينه وبين الشيطان. ٢٦٩ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله {يؤتي الحكمة من يشاء} قال: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله. وأخرج ابن مردويه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس "مرفوعا {يؤت الحكمة} قال: القرآن، يعني تفسيره. قال ابن عباس: فإنه قد قرأه البر والفاجر". وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس {يؤت الحكمة} قال: القرآن. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس {يؤتي الحكمة من يشاء} قال: النبوة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {يؤتي الحكمة من يشاء} قال: ليست بالنبوة ولكنه القرآن والعلم والفقه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس {يؤت الحكمة} قال: الفقه في القرآن. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء {يؤت الحكمة} قال: قراءة القرآن والفكرة فيه. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية {يؤت الحكمة} قال: الكتاب والفهم به. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {يؤتي الحكمة} قال: الكتاب، يؤتي إصابته من يشاء. وأخرج ابن جرير عن إبراهيم {يؤتي الحكمة} قال: الفهم. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {يؤتي الحكمة} قال: الإصابة في القول. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {يؤت الحكمة} قال: الفقه في القرآن. وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك {يؤتي الحكمة} قال: القرآن. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية {يؤت الحكمة} قال: الخشية، لأن خشية اللّه رأس كل حكمة، وقرأ (إنما يخشى اللّه من عباده العلماء) (فاطر الآية ٢٨). وأخرج أحمد في الزهد عن خالد بن ثابت الربعي قال: وجدت فاتحة زبور داود. إن رأس الحكمة خشية الرب. وأخرج ابن أبي حاتم عن مطر الوراق قال: بلغنا أن الحكمة خشية اللّه والعلم باللّه. وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: الخشية حكمة من خشي اللّه فقد أصاب أفضل الحكمة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس قال: قال زيد بن أسلم: إن الحكمة العقل، وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة الفقه في دين اللّه، وأمر يدخله اللّه القلوب من رحمته وفضله، ومما يبين ذلك أنك تجد الرجل عاقلا في أمر الدنيا إذا نظر فيها، وتجد آخر ضعيفا في أمر دنياه عالما بأمر دينه بصيرا به يؤتيه اللّه إياه ويحرمه هذا، فالحكمة الفقه في دين اللّه. وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال: إن القرآن جزء من اثنين وسبعين جزءا من النبوة، وهو الحكمة التي قال اللّه {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}. وأخرج ابن المنذر عن عروة بن الزبير قال: كان يقال: الرفق رأس الحكمة. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من قرأ ثلث القرآن أعطي ثلث النبوة، ومن قرأ نصف القرآن أعطي نصف النبوة، ومن قرأ ثلثيه أعطي ثلثي النبوة، ومن قرأ القرآن كله أعطي النبوة، ويقال له يوم القيامة: اقرأ وارق بكل آية درجة حتى ينجز ما معه من القرآن. فيقال له: اقبض. فيقبض فيقال له: هل تدري ما في يديك؟ فإذا في يده اليمنى الخلد، وفي الأخرى النعيم". وأخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن عبد اللّه بن عمرو "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه، ومن قرأ القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم ما صغر اللّه وصغر ما عظم اللّه، وليس ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد ولا يجهل مع من جهل وفي جوفه كلام اللّه". وأخرج الحاكم وصححه عن عبيد اللّه بن أبي نهيك قال: قال سعد: تجار كسبة "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ليس منا من لم يتغن بالقرآن". قال سفيان بن عيينة: يعني يستغني به. وأخرج البزار والطبراني والحاكم عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ليس منا من لم يتغن بالقرآن". وأخرج البزار عن عائشة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ليس منا من لم يتغن بالقرآن". وأخرج الطبراني عن عبد اللّه بن عمرو "أن امرأة أتت النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالت: إن زوجي مسكين لا يقدر على شيء. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لزوجها: أتقرأ من القرآن شيئا؟ قال: أقرأ سورة كذا. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم بخ بخٍ، زوجك غني. فلزمت المرأة زوجها، ثم أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت: يا نبي اللّه قد بسط اللّه علينا رزقنا". وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة "أن رجلا أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه اشتريت مقسم بني فلان فربحت عليه كذا وكذا. فقال: ألا أنبئك بما هوأكثر ربحا؟ قال: وهل يوجد؟ قال: رجل تعلم عشر آيات. فذهب الرجل فتعلم عشر آيات، فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره". وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن ابن مسعود: أنه كان يقرئ الرجل الآية ثم يقول: تعلمها فإنها خير لك مما بين السماء والأرض، حتى يقول ذلك في القرآن كله. وأخرج الطبراني عن ابن مسعود أنه قال: لو قيل لأحدكم: لو غدوت إلى القرية كان لك أربع قلائص كان يقول: قد أن لي أن أغدو، فلو أن أحدكم غدا فتعلم آية من كتاب اللّه كانت له خيرا من أربع وأربع حتى عد شيئا كثيرا. وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يا معشر التجار أيعجز أحدكم إذا رجع من سوقه أن يقرأ عشر آيات، يكتب اللّه له بكل آية حسنة". وأخرج البزار عن أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره". وأخرج أبو نعيم في فضل العلم ورياضة المتعلمين والبيهقي عن أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: القرآن غنى لا فقر بعده ولا غنى دونه". وأخرج البخاري في تاريخه والبيهقي عن رجاء الغنوي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أعطاه اللّه حفظ كتابه وظن أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد غمط أعظم النعم". وأخرج البيهقي عن سمرة بن جندب "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: كل مؤدب يجب أن تؤتي أدبه، وأدب اللّه القرآن فلا تهجروه". وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: ما أنزل اللّه من آية إلا واللّه يحب أن يعلم العباد فيما أنزلت، وماذا عنى بها. وأخرج عبد بن حميد عن أبي قلابة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: أول ما يرفع من الأرض العلم فقالوا: يا رسول اللّه يرفع القرآن؟ قال: لا، ولكن يموت من يعلمه. أو قال: من يعلم تأويله. ويبقى قوم يتأولونه على أهوائهم". وأخرج ابن جرير والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال "كنا إذا تعلمنا من النبي صلى اللّه عليه وسلم عشر آيات من القرآن لم نتعلم العشر التي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيه. قيل لشريك: من العمل؟ قال: نعم". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير وابن المنذر والمرهبي في فضل العلم عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنهم كانوا يأخذون من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قال: فتعلمنا العلم والعمل. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: لقد عشت برهة من دهري، وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى اللّه عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن نقف عنده منها كما تعلمون أنتم القرآن، ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته ما يدري ما آمره، ولا زاجره، وما ينبغي أن يقف عنده منه، وينثره نثر الدقل. وأخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "الكلمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها". وأخرج أحمد في الزهد عن مكحول قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أخلص للّه أربعين يوما تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه". وأخرج أبو نعيم في الحلية موصولا من طريق مكحول عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعا. وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن لقمان قال لإبنه: يا بني عليك بمجالسة العلماء، واسمع كلام الحكماء، فإن اللّه يحيي القلب الميت بنور الحكمة كما تحيا الأرض الميتة بوابل المطر". وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه اللّه مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه اللّه الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها". وأخرج البيهقي في الشعب عن يزيد بن الأخنس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لا تنافس إلا في اثنتين: رجل آتاه اللّه القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ويتبع ما فيه، فيقول رجل: لو أن اللّه أعطاني ما أعطى فلانا فأقوم به كما يقوم به، ورجل أعطاه اللّه مالا فهو ينفق منه ويتصدق به، فيقول رجل: لو أن اللّه أعطاني كما أعطى فلانا فأتصدق به. قال رجل: أرأيتك النجدة تكون في الرجل؟ قال: ليست لهما بعدل، إن الكلب يهم من وراء أهله". وأخرج البخاري ومسلم وابن ماجه عن معاوية قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "من يرد اللّه به خيرا يفقهه في الدين". وأخرج أبو يعلى عن معاوية قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "من يرد اللّه به خيرا يفقهه في الدين، ومن لم يفقهه لم يبل له". وأخرج البزار والطبراني عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إذا أراد اللّه بعبد خيرا فقهه في الدين وألهمه رشده". وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "أفصل العبادة الفقه، وأفضل الدين الورع". وأخرج البزار والطبراني في الأوسط والمرهبي في فضل العلم عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع". وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد اللّه بن عمرو عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: " قليل العلم خير من كثير من العبادة، وكفى بالمرء فقها إذا عبد اللّه، وكفى بالمرء جهلا إذا أعجب برأيه". وأخرج الطبراني عن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردى، وما استقام دينه حتى يستقيم عقله". وأخرج ابن ماجه عن أبي ذر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "يا أبا ذر لأن تغدو فتعلم آية من كتاب اللّه خير لك من أن تصلي مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل به خير من أن تصلي ألف ركعة". وأخرج المرهبي في قضل العلم والطبراني في الأوسط والدارقطني والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "ما عبد اللّه بشيء أفضل من فقه في دين، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد، ولكل شيء عماد، وعماد هذا الدين الفقه. وقال أبو هريرة لأن أجلس ساعة فأتفقه أحب إلي من أن أحيي ليلة إلى الصباح". وأخرج الترمذي والمرهبي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "خصلتان لا تجتمعان في منافق، حسن سمت وفقه في الدين". وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "فضل العلم أفضل من العبادة، و ملاك الدين الورع". وأخرج الطبراني عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "يسير الفقه خير من كثير العبادة، وخير أعمالكم أيسرها". وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما عبد اللّه بشيء أفضل من فقه في الدين". وأخرج الطبراني عن ثعلبة بن الحكم قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "يقول اللّه للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لفصل عباده: إني لم أجعل علمي وحلمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان فيكم ولا أبالي". وأخرج الطبراني عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "يبعث اللّه العباد يوم القيامة ثم يميز العلماء، فيقول: يا معشر العلماء اني لم أضع فيكم علمي لأعذبكم، اذهبوا فقد غفرت لكم". ٢٧٠ أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن اللّه يعلمه} قال: يحصيه. وأخرج عبد الرزاق والبخاري من طريق ابن شهاب عن عوف بن الحرث بن الطفيل وهو ابن أخي عائشة لأمها. أن عائشة رضي اللّه عنها حدثت: أن عبد اللّه بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: واللّه لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها. فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا نعم. قالت عائشة: فهو للّه نذر أن لا أكلم ابن الزبير كلمة أبدا. فاستشفع ابن الزبير بالمهاجرين حين طالت هجرتها إياه. فقالت: واللّه لا أشفع فيه أحدا أبدا، ولا أحنث نذري الذي نذرت أبدا، فلما طال على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وهما من بني زهرة فقال لهما: أنشدكما اللّه إلا أدخلتماني على عائشة فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين عليه بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة، فقالا: السلام على النبي ورحمة اللّه و بركاته، أندخل؟ فقالت عائشة: ادخلوا. قالوا: أكلنا يا أم المؤمنين؟ قالت: نعم، ادخلوا كلكم. ولا تعلم عائشة أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير في الحجاب و اعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدان عائشة إلا كلمته وقبلت منه، ويقولان: " قد علمت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة، و أنه لا يحل للرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال" فلما أكثروا التذكير والتحريج طفقت تذكرهم وتبكي وتقول: إني قد نذرت والنذر شديد، فلم يزالوا بها حتى كلمت ابن الزبير، ثم أعتقت بنذرها أربعين رقبة للّه، ثم كانت تذكر، بعدما أعتقت أربعين رقبة، فتبكي حتى تبل دموعها خمارها. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن حجيرة الأكبر. أن رجلا أتاه فقال: إني نذرت أن لا أكلم أخي فقال: إن الشيطان ولد له ولد فسماه نذرا، وإن من قطع ما أمر اللّه به أن يوصل فقد حلت عليه اللعنة. وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من نذر أن يطيع اللّه فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه". و أخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من نذر أن يطيع اللّه فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه". وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين". وأخرج ابن ًأبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمران بن حصين قال: أسرت امرأة من الأنصار فأصيبت العضباء فقعدت في عجزها، ثم زجرتها فانطلقت و نذرت إن نجاها اللّه عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا: العضباء ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت: انها نذرت إن نجاها اللّه عليها لتنحرنها، فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: سبحان اللّه...! بئس ما جزتها، نذرت للّه إن نجاها اللّه عليها لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية اللّه، ولا فيما لا يملك العبد". وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عقبة بن عامر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ثابت بن الضحاك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "ليس على العبد نذر فيما لا يملك". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم نهى عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل". وأخرج مسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئا، وإنما يستخرج من البخيل". وأخرج البخاري ومسلم وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم أكن قدرته ولكن يلقيه النذر إلى القدر قد قدرته فيستخرج اللّه به من البخيل، فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم رأى شيخا يهادى بين ابنيه فقال: ما بال هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي إلى الكعبة. قال: إن اللّه عن تعذيب هذا نفسه لغني، وأمره أن يركب". وأخرج مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أدرك شيخا يمشي بين ابنيه يتوكأ عليهما. فقال: ما شأن هذا؟ قال ابناه: يا رسول اللّه كان عليه نذر. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: اركب أيها الشيخ فإن اللّه غني عنك وعن نذرك". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عقبة بن عامر قال: "نذرت أختي أن تمشي إلى بيت اللّه حافية، فأمرتني أن أستفتي لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فاستفتيته فقال: لتمش ولتركب". وأخرج أبو داود عن ابن عباس "أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية وإنها لا تطيق ذلك، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: إن اللّه لغني عن مشي أختك فلتركب ولتهد بدنة". وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه ان أختي نذرت أن تحج ماشية. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "إن اللّه لا يصنع بشقاء أختك شيئا، فلتحج راكبة وتكفر عن يمينها". وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عقبة بن عامر "أنه سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة. فقال: مروها فلتختمر، ولتركب، ولتصم ثلاثة أيام". وأخرج البخاري وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس قال "بينما النبي صلى اللّه عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس، فسأل عنه فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد لا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه". وأخرج أبو داود وابن ماجه عن أبي عباس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا أطاقه فليوف به". وأخرج النسائي عن عمران بن حصين "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: النذر نذران. فما كان من نذر في طاعة اللّه فذلك للّه وفيه الوفاء، وما كان من نذر في معصية اللّه فذلك للشيطان، ولا وفاء فيه ويكفره ما يكفر اليمين". وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي والحاكم عن عمران بن حصين قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا نذر في معصية ولا غضب، وكفارته كفارة يمين". وأخرج الحاكم وصححه عن عمران بن حصين قال "ما خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة. قال: وإن المثلة أن يخرم أنفه وأن ينذر أن يحج ماشيا، فمن نذر أن يحج ماشيا فليهد هديا وليركب". وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني نذرت أن أقوم على قعيقعان عريانا إلى الليل. فقال: أراد الشيطان أن يبدي عورتك وأن يضحك الناس بك، البس ثيابك وصل عند الحجر ركعتين. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: النذور أربعة: فمن نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا فيما لا يطيق فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا فيما يطيق فليوف بنذره. و أما قوله تعالى: {و ما للظالمين من أنصار} أخرج ابن أبي حاتم عن شريح قال: الظالم ينتظر العقوبة، والمظلوم ينتظر النصر. وأخرج البخاري ومسلم والترمذي عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "الظلم ظلمات يوم القيامة". وأخرج البخاري في الأدب ومسلم والبيهقي في الشعب عن جابر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم". وأخرج البخاري في الأدب وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "إياكم والظلم فإن الظلم هو الظلمات يوم القيامة، وإياكم والفحش فإن اللّه لا يحب الفاحش المتفحش، وإياكم والشح فإن الشح دعا من كان قبلكم فسفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم، وقطعوا أرحامهم". وأخرج الحاكم والبيهقي في الشعب عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إياكم و الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وإياكم والفحش والتفحش، وإياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا". وأخرج الطبراني عن الهرماس بن زياد قال "رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يخطب على ناقته فقال: إياكم والخيانة فإنها بئست البطانة، وإياكم والظلم فإنه ظلمات يوم القيامة، وإياكم والشح فإنما أهلك من كان قبلكم الشح حتى سفكوا دماءهم، وقطعوا أرحامهم". وأخرج الأصبهاني من حديث عمر بن الخطاب. مثله. وأخرج الطبراني عن ابن مسعود "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: لا تظلموا فتدعوا فلا يستجاب لكم، و تستسقوا فلا تسقوا، وتستنصروا فلا تنصروا". وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "صنفان من أمتي لن تنالهم شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وكل غال مارق". وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة". وأخرج الطبراني عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ثلاثة تستجاب دعوتهم: الوالد، والمسافر، والمظلوم". وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه". وأخرج الطبراني والأصبهاني عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "دعوتان ليس بينهما وبين اللّه حجاب. دعوة المظلوم، ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب". وأخرج الطبراني عن خزيمة بن ثابت قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام، يقول اللّه: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين". وأخرج أحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا، فإنه ليس دونها حجاب". وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "يقول اللّه: اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد له ناصرا غيري". وأخرج أبو الشيخ بن حبان في كتاب التوبيخ عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " قال اللّه تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوما فقدر أن ينصره فلم يفعل". وأخرج الأصبهاني عن عبد اللّه بن سلام قال: إن اللّه لما خلق الخلق فاستووا على أقدامهم رفعوا رؤوسهم، فقالوا: يا رب مع من أنت؟ قال: "أنا مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه". وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن ابن عباس أن ملكا من الملوك خرج يسير في مملكته وهو مستخف من الناس، حتى نزل على رجل له بقرة فراحت عليه تلك البقرة فحلبت، فإذا حلابها مقدار حلاب ثلاثين بقرة، فحدث الملك نفسه أن يأخذها، فلما كان الغد غدت البقرة إلى مرعاها، ثم راحت فحلبت فنقص لبنها على النصف، وجاء مقدار حلاب خمس عشرة بقرة، فدعا الملك صاحب منزله فقال: أخبرني عن بقرتك أرعت اليوم في غير مرعاها بالأمس، وشربت من غير مشربها بالأمس؟ فقال: ما رعت في غير مرعاها بالأمس، ولا شربت في غير مشربها بالأمس. فقال: ما بال حلابها على النصف؟! فقال: أرى الملك هم بأخذها فنقص لبنها، فإن الملك إذا ظلم أو هم بالظلم ذهبت البركة. قال: وأنت من أين يعرفك الملك؟ قال: هو ذاك كما قلت لك. قال: فعاهد الملك ربه في نفسه أن لا يظلم، ولا يأخذها، ولا يملكها، ولا تكون في ملكه أبدا. قال: فغدت فرعت ثم راحت، ثم حلبت فإذا لبنها قد عاد على مقدار ثلاثين بقرة. فقال الملك بينه وبين نفسه واعتبر: أرى الملك إذا ظلم أو هم بظلم ذهبت البركة، لا جرم لأعدلن فلأكونن على أفضل العدل. وأخرج الأصبهاني عن سعيد بن عبد العزيز: من أحسن فليرج الثواب، ومن أساء فلا يستنكر الجزاء، ومن أخذ عزا بغير حق أورثه اللّه ذلا بحق، ومن جمع مالا بظلم أورثه اللّه فقرا بغير ظلم. وأخرج أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال: إن اللّه عز وجل قال: من استغنى بأموال الفقراء أفقرته، وكل بيت يبنى بقوة الضعفاء أجعل عاقبته إلى خراب. ٢٧١ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} فجعل اللّه صدقة السر في التطوع تفضل على علانيتها سبعين ضعفا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا، وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها. وأخرج البيهقي في الشعب بسند ضعيف عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "عمل السر أفضل من العلانية أفضل لمن أراد الإقتداء به". وأخرج البيهقي عن معاوية بن قرة قال: كل شيء فرض اللّه عليك فالعلانية فيه أفضل. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن تبدوا الصدقات....} الآية. قال: كان هذا يعمل به قبل أن تنزل براءة، فلما نزلت براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها انتهت الصدقات إليها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: كل مقبول إذا كانت النية صادقة، وصدقة السر أفضل. وذكر لنا أن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} قال: هذا منسوخ وقوله (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) (الذاريات الآية ١٩) قال: منسوخ نسخ كل صدقة في القرآن الآية التي في التوبة (إنما الصدقات للفقراء) (التوبة الآية ٦٠) الآية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال: قلت يا رسول اللّه أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد مقل أو سر إلى فقير، ثم تلا هذه الآية {إن تبدوا الصدقات فنعما هي...} الآية. وأخرج الطيالسي وأحمد والبزار والطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ألا أدلك عن كنز من كنوز الجنة قلت: بلى يا رسول اللّه. قال: لا حول ولا قوة إلا باللّه فإنها كنز من كنوز الجنة. قلت: فالصلاة يا رسول اللّه؟ قال: خير موضوع، فمن شاء أقل ومن شاء أكثر. قلت: فالصوم يا رسول اللّه؟ قال: قرض مجزئ. قلت: فالصدقة يا رسول اللّه؟ قال: أضعاف مضاعفة وعند اللّه مزيد. قلت: فأيها أفضل؟ قال: جهد من مقل وسر إلى فقير. وأخرج أحمد والطبراني في الترغيب عن أبي أمامة. أن أبا ذر قال: يا رسول اللّه ما الصدقة؟ قال: أضعاف مضاعفة وعند اللّه المزيد، ثم قرأ (من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) (البقرة الآية ٢٤٥) قيل: يا رسول اللّه أي الصدقة أفضل؟ قال: سر إلى فقير أو جهد من مقل، ثم قرأ {إن تبدو الصدقات فنعما هي...} الآية. وأخرج أحمد والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لما خلق اللّه الأرض جعلت تميد، فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت، فتعجبت الملائكة من خلق الجبال فقالت: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال: نعم، الحديد. قالت: فهل من خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال: نعم، النار. قالت: فهل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال: نعم، الماء. قالت: فهل من خلقك شيء أشد من الماء؟ قال: نعم، الريح. قالت: فهل من خلقك شيء أشد من الريح؟ قال: نعم، ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها من شماله". وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: سبعة يظلهم اللّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله. إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة اللّه عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في اللّه اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف اللّه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر اللّه خاليا ففاضت عيناه". وأخرج الطبراني عن معاوية بن حيدة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن صدقة السر تطفئ غضب الرب". وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أم سلمة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف". وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب قضاء الحوائج والبيهقي في الشعب والأصبهاني في الترغيب عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "صدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وفعل المعروف يقي مصارع السوء". وأخرج أحمد في الزهد عن سالم بن أبي الجعد قال: كان رجل في قوم صالح عليه السلام قد آذاهم، فقالوا: يا نبي اللّه ادع اللّه عليه. فقال: اذهبوا فقد كفيتموه، وكان يخرج كل يوم فيحتطب، فخرج يومئذ ومعه رغيفان فأكل أحدهما وتصدق بالآخر، فاحتطب ثم جاء بحطبه سالما، فجاؤوا إلى صالح فقالوا: قد جاء بحطبه سالما لم يصبه شيء، فدعاه صالح فقال: أي شيء صنعت اليوم؟ فقال: خرجت ومعي قرصان تصدقت بأحدهما وأكلت الآخر. فقال صالح: حل حطبك. فحله فإذا فيه أسود مثل الجذع عاض على جذل من الحطب، فقال: بها دفع عنه. يعني بالصدقة. وأخرج أحمد عن سالم بن أبي الجعد قال: خرجت امرأة وكان معها صبي لها، فجاء الذئب فاختلسه منها، فخرجت في أثره وكان معها رغيف، فعرض لها سائل فأعطته الرغيف، فجاء الذئب بصبيها فرده عليها. وأخرج أبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي ذر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ثلاثة يحبهم اللّه وثلاثة يبغضهم اللّه، فأما الذين يحبهم اللّه فرجل أتى قوما فسألهم باللّه ولم يسألهم بقرابة فتخلف رجل من أعقابهم فأعطاه سرا لا يعلم بعطيته إلا اللّه والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم نزلوا فوضعوا رؤوسهم فقام رجل يتملقني ويتلو آياتي، ورجل كان في سرية فلقي العدو فهزموا فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له. وثلاثة يبغضهم اللّه الشيخ الزاني، والفقير المختال، والغني الظلوم". وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن عائشة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: قراءة القرآن في الصلاة أفضل من قراءة القرآن في غير الصلاة، وقراءة القرآن في غير الصلاة أفضل من التسبيح والتكبير، والتسبيح أفضل من الصدقة، والصدقة أفضل من الصوم، والصوم جنة من النار". وأخرج ابن ماجه عن جابر بن عبد اللّه قال "خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا أيها الناس توبوا إلى اللّه قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية، ترزقوا وتنصروا وتجبروا". وأخرج أبو يعلى عن جابر "أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول لكعب بن عجرة: يا كعب بن عجرة الصلاة قربان، والصيام جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. يا كعب بن عجرة الناس غاديان فبائع نفسه فموبق رقبته، ومبتاع نفسه في عتق رقبته". وأخرج ابن حبان عن كعب بن عجرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت النار أولى به، يا كعب بن عجرة الناس غاديان فغاد في فكاك نفسه فمعتقها، وغاد موبقها. يا كعب بن عجرة الصلاة قربان. والصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا". وأخرج أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس". وأخرج ابن خزيمة والحاكم وصححه عن عمر قال: ذكر لي أن الأعمال تباهي فتقول الصدقة: أنا أفضلكم. وأخرج أحمد والبزار وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن بريدة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما يخرج رجل بشيء من الصدقة حتى يفك عنها لحيي سبعين شيطانا". وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إن الصدقة لتطفئ على أهلها حر القبور، وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته". وأخرج البيهقي عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطى الصدقة". وأخرج البيهقي عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "تصدقوا فإن الصدقة فكاككم من النار". وأخرج الطبراني عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها". وأخرج الطبراني عن ميمونة بنت سعد أنها قالت: يا رسول اللّه أفتنا عن الصدقة؟ قال: إنها فكاك من النار لمن احتسبها يبتغي بها وجه اللّه. وأخرج الترمذي وحسنه وابن حبان عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء". وأخرج الطبراني عن رافع بن خديج قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الصدقة تسد سبعين بابا من السوء". وأخرج الطبراني عن عمرو بن عوف قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن صدقة المسلم تزيد في العمر وتمنع ميتة السوء، ويذهب اللّه بها الكبر والفخر". وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي ذر قال: ما خرجت صدقة حتى يفك عنها لحيا سبعين شيطانا كلهم ينهى عنها. وأخرج ابن المبارك في البر والأصبهاني في الترغيب عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه ليدرأ بالصدقة سبعين ميتة من السوء". وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه ليدخل باللقمة الخبز وقبضة التمر ومثله مما ينتفع به المسكين ثلاثة الجنة رب البيت الآمر به، والزوجة تصلحه: والخادم الذي يناول المسكين. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: الحمد للّه الذي لم ينس خدمنا". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن عدي بن حاتم قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "ما منكم من أحد إلا سيكلمه اللّه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة". وأخرج أحمد عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ليتق أحدكم وجهه من النار ولو بشق تمرة". وأخرج أحمد عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يا عائشة، اشتري نفسك من النار ولو بشق تمرة، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان". وأخرج البزار وأبو يعلى عن أبي بكر الصديق قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أعواد المنبر يقول "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإنها تقيم العوج، وتدفع ميتة السوء، وتقع من الجائع موقعها من الشبعان". وأخرج ابن حبان عن أبي ذر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "تعبد عابد من بني إسرائيل فعبد اللّه في صومعته ستين عاما، فأمطرت الأرض فاخضرت، فأشرف الراهب من صومعته فقال: لو نزلت فذكرت اللّه فازددت خيرا، فنزل ومعه رغيف أو رغيفان، فبينما هو في الأرض لقيته امرأة فلم يزل يكلمها وتكلمه حتى غشيها، ثم أغمي عليه، فنزل الغدير يستحم فجاء سائل فأوما إليه أن يأخذ الرغيفين ثم مات، فوزنت عبادة ستين سنة بتلك الزنية فرجحت الزنية بحسناته، ثم وضع الرغيف أو الرغيفان مع حسناته فرجحت حسناته فغفر له". وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن مسعود. أن راهبا عبد اللّه في صومعة ستين سنة، فجاءت امرأة فنزلت إلى جنبه، فنزل إليها فواقعها ست ليال، ثم سقط في يده فهرب فأتى مسجدا فأوى فيه ثلاثا لا يطعم شيئا، فأتى برغيف فكسره فأعطى رجلا عن يمينه نصفه، وأعطى آخر عن يساره نصفه، فبعث اللّه إليه ملك الموت فقبض روحه، فوضعت الستون في كفة ووضعت الستة في كفة فرجحت الستة، ثم وضع الرغيف فرجح. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى الأشعري. نحوه. وأخرج البيهقي عن رجل من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم يقال له خصفة بن خصفة قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "هل تدرون ما الشديد؟ قلنا: الرجل يصرع الرجل! قال: إن الشديد كل الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، تدرون ما الرقوب؟ قلنا: الرجل لا يولد له! قال: إن الرقوب الرجل الذي له الولد لم يقدم منهم شيئا، ثم قال: تدرون ما الصعلوك؟ قلنا: الرجل لا مال له! قال: الصعلوك كل الصعلوك الذي له المال لم يقدم منه شيئا". وأخرج البزار والطبراني عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اتقوا النار ولو بشق تمرة". وأخرج البزار والطبراني عن النعمان بن بشير "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة". وأخرج البزار والطبراني عن أبي هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة". وأخرج البزار والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال "يا عائشة، اشتري نفسك من اللّه، لا أغني عنك من اللّه شيئا ولو بشق تمرة، يا عائشة، لا يرجعن من عندك سائل ولو بظلف محرق". وأخرج مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى". وأخرج البزار وأبو يعلى عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "على كل ميسم من الإنسان صدقة كل يوم. فقال بعض القوم: إن هذا لشديد يا رسول اللّه ومن يطيق هذا؟ قال: أمر بالمعروف ونهي عن المنكر صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وإن حملك على الضعيف صدقة، وإن كل خطوة يخطوها أحدكم إلى الصلاة صدقة". وأخرج الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن ابن آدم ستون وثلثمائة مفصل، عن كل واحد منها في كل يوم صدقة، فالكلمة يتكلم بها الرجل صدقة، وعون الرجل أخاه على الشيء صدقة، والشربة من الماء تسقى صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة". وأخرج البزار والطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن تبسمك في وجه أخيك يكتب لك به صدقة، وإن إفراغك من دلو أخيك يكتب لك به صدقة، وإماطتك الأذى عن الطريق يكتب لك به صدقة، وإرشادك للضال يكتب لك به صدقة". وأخرج البزار عن أبي جحيفة قال "دهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ناس من قيس مجتابي الثمار متقلدي السيوف، فساءه ما رأى من حالهم، فصلى ثم دخل بيته، ثم خرج فصلى وجلس في مجلسه، فأمر بالصدقة أو حض عليها فقال: تصدق رجل من ديناره، تصدق رجل من درهمه، تصدق رجل من صاع بره، تصدق رجل من صاع تمره. فجاء رجل من الأنصار بصرة من ذهب فوضعها في يده، ثم تتابع الناس حتى رأى كومين من ثياب وطعام، فرأيت وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تهلل كأنه مذهبة". وأخرج البزار عن كثير بن عبد اللّه بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حث يوما على الصدقة، فقام علية بن زيد فقال: ما عندي إلا عرضي، وإني أشهدك يا رسول اللّه، أني تصدقت بعرضي على من ظلمني ثم جلس. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أنت المتصدق بعرضك قد قبل اللّه منك". وأخرج البزار عن علية بن زيد قال "حث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الصدقة، فقام علية فقال: يا رسول اللّه، حثثت على الصدقة وما عندي إلا عرضي فقد تصدقت به على من ظلمني فأعرض عني، فلما كان في اليوم الثاني قال: أين علية بن زيد، أو أين المتصدق بعرضه فإن اللّه تعالى قد قبل منه". وأخرج أحمد وأبو نعيم في فضل العلم والبيهقي عن أبي ذر "أنه قال: يا رسول اللّه، من أين نتصدق وليس لنا أموال؟ قال: إن من أبواب الصدقة التكبير، وسبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه وأستغفر اللّه، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعزل الشوك عن طريق الناس، والعظم والحجر، وتهدي الأعمى، وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه، وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها، وتسعى بشدة ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك، ولك في جماعك زوجتك أجر، قال أبو ذر: كيف يكون لي أجر في شهوتي؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أرأيت لو كان لك ولد فأدرك فرجوت أجره فمات أكنت تحتسب به؟ قلت: نعم. قال: فأنت خلقته؟ قلت: بل اللّه خلقه. قال: فأنت هديته؟ قلت: بل اللّه هداه. قال: فأنت كنت ترزقه؟ قلت: بل اللّه كان يرزقه. قال: فكذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه، فإن شاء اللّه أحياه وإن شاء أماته ولك أجر". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "تصدقوا فإنه يوشك أن يخرج الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها". وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سلمة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما نقصت صدقة من مال قط فتصدقوا". وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت "أهديت لنا شاة مشوية فقسمتها كلها إلا كتفها، فدخل علي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: كلها لكم إلا كتفها". وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب وابن عساكر عن الشعبي قال: نزلت هذه الآية {إن تبدو الصدقات فنعما هي} إلى آخر الآية في أبي بكر وعمر، جاء عمر بنصف ماله يحمله إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على رؤوس الناس، وجاء أبو بكر بماله أجمع يكاد أن يخفيه من نفسه. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما تركت لأهلك؟ قال: عدة اللّه وعدة رسوله. فقال عمر لأبي بكر: ما سبقناك إلى باب خير قط إلا سبقتنا إليه". وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم وصححاه عن عمر قال: أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوما أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. وأتى أبو بكر يحمل ما عنده، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم اللّه ورسوله. فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا". وأخرج ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب قال: إنما أنزلت هذه الآية {إن تبدو الصدقات فنعما هي} في الصدقة على اليهود والنصارى. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ (وتكفر عنكم من سيئاتكم) وقال: الصدقة هي التي تكفر. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة ابن مسعود {خير لكم تكفر} بغير واو. ٢٧٢ أخرج الفريابي وعبد بن حميد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين، فسألوا فنزلت هذه الآية {ليس عليك هداهم} إلى قوله {وأنتم لا تظلمون} فرخص لهم. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء عن ابن عباس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يأمرنا أن لا نتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية {ليس عليك هداهم} إلى آخرها. فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال "كأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يتصدق على المشركين، فنزلت {وما تنفقون إلا ابتغاء وجه اللّه} فتصدق عليهم". وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تصدقوا إلا على أهل دينكم. فأنزل اللّه {ليس عليك هداهم} إلى قوله {وما تفعلوا من خير يوف إليكم} فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: تصدقوا على أهل الأديان". وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الحنفية قال: كره الناس أن يتصدقوا على المشركين، فأنزل اللّه {ليس عليك هداهم} فتصدق الناس عليهم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كان أناس من الأنصار لهم أنساب وقرابة من قريظة والنضير، وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم ويريدونهم أن يسلموا، فنزلت {ليس عليك هداهم...} الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجالا من الصحابة قالوا: أنتصدق على من ليس من أهل ديننا؟ فنزلت {ليس عليك هداهم..} الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجالا من الصحابة قالوا: أنتصدق على من ليس من أهل ديننا؟ فنزلت {ليس عليك هداهم}. وأخرج ابن جرير عن الربيع قال: كان الرجل من المسلمين إذا كان بينه وبين الرجل من المشركين قرابة وهو محتاج لا يتصدق عليه، يقول: ليس من أهل ديني. فنزلت {ليس عليك هداهم}. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: سأله رجل ليس على دينه فأراد أن يعطيه، ثم قال: ليس على ديني. فنزلت {ليس عليك هداهم}. وأخرج سفيان وابن المنذر عن عمرو الهلالي قال: سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم أنتصدق على فقراء أهل الكتاب؟ فأنزل اللّه {ليس عليك هداهم...} الآية. ثم دلوا على الذي هو خير وأفضل، فقيل (للفقراء الذين أحصروا) (البقرة الآية ٢٧٣) الآية. وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: كانوا يعطون فقراء أهل الذمة صدقاتهم، فلما كثر فقراء المسلمين قالوا: لا نتصدق إلا على فقراء المسلمين، فنزلت {ليس عليك هداهم} الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: أما {ليس عليك هداهم} فيعني المشركين، وأما النفقة فبين أهلها فقال (للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللّه) (البقرة الآية ٢٧٣). وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله {وما تنفقون إلا ابتغاء وجه اللّه} قال: إذا أعطيت لوجه اللّه فلا عليك ما كان عمله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: نفقة المؤمن لنفسه، ولا ينفق المؤمن إذا أنفق إلا ابتغاء وجه اللّه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {يوف اليكم وأنتم لا تظلمون} قال: هو مردود عليك فمالك ولهذا تؤذيه وتمن عليه، إنما نفقتك لنفسك وابتغاء وجه اللّه واللّه يجزيك. وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب في قوله {وما تنفقوا من خير يوف إليكم} قال: إنما أنزلت هذه الآية في النفقة على اليهود والنصارى. ٢٧٣ أخرج ابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله {للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللّه} قال: هم أصحاب الصفة. وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن أبي بكر، أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء، وأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "من كان عنده طعام اثنين ليذهب بثالث الحديث". وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الحق إلى أهل الصفة فادعهم. قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يلوون على أهل ولا مال، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها". وأخرج أبو نعيم في الحلية عن فضالة بن عبيد قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا صلى بالناس يخر رجال من قيامهم في صلاتهم لما بهم من الخصاصة وهم أهل الصفة، حتى يقول الأعراب: إن هؤلاء مجانين". وأخرج ابن سعيد وعبد اللّه بن أحمد في زوائد الزهد وأبو نعيم عن أبي هريرة قال: كان من أهل الصفة سبعون رجلا ليس لواحد منهم رداء. وأخرج أبو نعيم عن الحسن قال "بنيت صفة لضعفاء المسلمين، فجعل المسلمون يوغلون إليها ما استطاعوا من خير، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأتيهم فيقول: السلام عليكم يا أهل الصفة. فيقولون: وعليك السلام يا رسول اللّه. فيقول: كيف أصبحتم؟ فيقولون: بخير يا رسول اللّه. فيقول: أنتم اليوم خير أم يوم يغدى على أحدكم بجفنة ويراح عليه بأخرى، ويغدو في حلة ويروح في أخرى؟ فقالوا: نحن يومئذ خير يعطينا اللّه فنشكر. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: بل أنتم اليوم خير". وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي في قوله {للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللّه} قال: هم أصحاب الصفة، وكانوا لا منازل لهم بالمدينة ولا عشائر، فحث اللّه عليهم الناس بالصدقة. وأخرج سفيان وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللّه} قال: هم مهاجروا قريش بالمدينة مع النبي صلى اللّه عليه وسلم، أمروا بالصدقة عليهم. وأخرج ابن جرير عن الربيع {للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللّه} قال: هم فقراء المهاجرين بالمدينة. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة {للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللّه} قال: حصروا أنفسهم في سبيل اللّه للغزو فلا يستطيعون تجارة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللّه} قال: قوم أصابتهم الجراحات في سبيل اللّه فصاروا زمنى، فجعل لهم في أموال المسلمين حقا. وأخرج ابن أبي حاتم عن رجاء بن حيوة في قوله {لا يستطيعون ضربا في الأرض} قال: لا يستطيعون تجارة. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: كانت الأرض كلها كفرا لا يستطيع أحد أن يخرج يبتغي من فضل اللّه، إذا خرج في كفر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي {للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللّه} قال: حصرهم المشركون في المدينة {لا يستطيعون ضربا في الأرض} يعني التجارة {يحسبهم الجاهل} بأمرهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {يحسبهم الجاهل أغنياء} قال: دل اللّه المؤمنين عليهم وجعل نفقاتهم لهم، وأمرهم أن يضعوا نفقاتهم فيهم ورضي عنهم. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد {تعرفهم بسيماهم} قال: التخشع. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع {تعرفهم بسيماهم} يقول: تعرف في وجوههم الجهد من الحاجة. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد {تعرفهم بسيماهم} قال: رثاثة ثيابهم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن يزيد بن قاسط السكسكي قال: كنت عند عبد اللّه بن عمر إذ جاءه رجل يسأله، فدعا غلامه فساره وقال للرجل: اذهب معه. ثم قال لي: أتقول هذا فقير؟ فقلت: واللّه ما سأل إلا من فقر. قال: ليس بفقير من جمع الدرهم إلى الدرهم والتمرة إلى التمرة، ولكن من أنقى نفسه وثيابه لا يقدر على شيء {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} فذلك الفقير. وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، و اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف، واقرأوا إن شئتم {لا يسألون الناس إلحافا} ". وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ليس المسكين بالطواف عليكم فتعطونه لقمة لقمة، إنما المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافا". وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد ما يغنيه ويستحي أن يسأل الناس، ولا يفطن له فيتصدق عليه". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: ذكر لنا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقول "إن اللّه يحب الحليم الحيي الغني المتعفف، ويبغض الفاحش البذي السائل الملحف". وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: من تغنى أغناه اللّه، ومن سأل الناس إلحافا فإنما يستكثر من النار. وأخرج مالك وأحمد وأبو داود والنسائي عن رجل من بني أسد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا". وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {إلحافا} قال: هو الذي يلح في المسألة. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن سلمة بن الأكوع. أنه كان لا يسأله أحد بوجه اللّه إلا أعطاه، وكان يكرهها ويقول: هي مسألة الإلحاف. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء: أنه كره أن يسأل بوجه اللّه أو بالقرآن شيء من أمر الدنيا. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد اللّه بن عمرو قال: من سئل باللّه فأعطى فله سبعون أجرا. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر. أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى اللّه وليس في وجهه مزعة لحم". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن حبان عن سمرة بن جندب. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إن المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك، إلا إن يسأل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بدا". وأخرج أحمد عن ابن عمر: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "المسألة كدوح في وجه صاحبها يوم القيامة، فمن شاء استبقى على وجهه". وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من سأل الناس في غير فاقة نزلت به، أو عيال لا يطيقهم جاء يوم القيامة بوجه ليس عليه لحم"، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من فتح على نفسه باب مسألة من غير فاقة نزلت به، أو عيال لا يطيقهم فتح اللّه عليه باب فاقة من حيث لا يحتسب". وأخرج الطبراني عن ابن عباس يرفعه قال: ما نقصت صدقة من مال، وما مد عبد يده بصدقة إلا ألقيت في يد اللّه قبل أن تقع في يد السائل، ولا فتح عبد باب مسألة له عنها غنى إلا فتح اللّه له باب فقر. وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن ماجه عن أبي كبشة الأنماري، أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده اللّه بها عزا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح اللّه عليه باب فقر، وأحدثكم حديثا فاحفظوه: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه اللّه مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم للّه فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه اللّه علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه اللّه مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم، ولا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم فيه للّه حقا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه اللّه مالا ولا علما فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته فوزرهما سواء". وأخرج النسائي عن عائذ بن عمرو "أن رجلا أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم يسأله فأعطاه، فلما وضع رجله على أسكفة الباب، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لو تعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله". وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لو يعلم صاحب المسألة ما له فيها لم يسأل". وأخرج أحمد والبزار والطبراني عن عمران بن حصين قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مسألة الغني شين في وجهه يوم القيامة، ومسألة الغني نار، إن أعطى قليلا فقليل وإن أعطى كثيرا فكثير". وأخرج أحمد والبزار والطبراني عن ثوبان عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من سأل مسألة وهو عنها غني كانت شينا في وجهه يوم القيامة". وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد اللّه، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "من سأل وهو غني عن المسألة يحشر يوم القيامة وهي خموش في وجهه". وأخرج الحاكم وصححه عن عروة بن محمد بن عطية حدثني أبي "أن أباه أخبره قال: قدمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أناس من بني سعد بن بكر فأتيت، فلما رآني قال: ما أعناك اللّه فلا تسأل الناس شيئا، فإن اليد العليا هي المنطية، واليد السفلى هي المنطاة، وإن مال اللّه لمسؤول ومنطى. قال: وكلمني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بلغتنا". وأخرج البيهقي عن مسعود بن عمرو عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "أنه أتي برجل يصلى عليه فقال: كم ترك؟ فقالوا: دينارين أو ثلاثة. قال: ترك كيتين أو ثلاث كيات. فلقيت عبد اللّه بن القاسم مولى أبي بكر فذكرت ذلك له، فقال: ذاك رجل كان يسأل الناس تكثرا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن خزيمة والطبراني والبيهقي عن حبشي بن جنادة "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: الذي يسأل من غير حاجة كمثل الذي يلتقط الجمر". ولفظ ابن أبي شيبة: "من سأل الناس ليثري به ماله فإنه خموش في وجهه، ورضف من جهنم يأكله يوم القيامة، وذلك في حجة الوداع". وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا، فليستقل أو ليستكثر". وأخرج عبد اللّه بن أحمد في زوائد المسند والطبراني في الأوسط عن علي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من سأل مسألة عن ظهر غنى استكثر بها من رضف جهنم. قالوا: وما ظهر غنى؟ قال: عشاء ليلة". وأخرج أحمد وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان عن سهل بن الحنظلية قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من سأل شيئا وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم. قالوا: يا رسول اللّه، وما يغنيه؟ قال: ما يغديه أو يعشيه". وأخرج ابن حبان عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من سأل الناس ليثري ماله فإنما هي رضف من النار يلهبه، فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر". وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن أبي ليلى قال: جاء سائل فسأل أبا ذر فأعطاه شيئا، فقيل له: تعطيه وهو موسر؟ فقال: إنه سائل وللسائل حق، وليتمنين يوم القيامة أنها كانت رضفة في يده. وأخرج مسلم والترمذي والنسائي عن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: "ألا تبايعون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقلنا: علام نبايعك؟ قال: أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا، ولا تسألوا الناس، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فلا يسأل أحدا يناوله إياه". وأخرج أحمد عن أبي ذر قال "دعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: هل لك إلى البيعة ولك الجنة؟ قلت: نعم. فشرط علي أن لا أسأل الناس شيئا. قلت: نعم. قال: ولا سوطك إن سقط منك حتى تنزل فتأخذه". وأخرج أحمد عن ابن أبي مليكة قال: ربما سقط الخطام من يد أبي بكر الصديق فيضرب بذراع ناقته، فينيخها فيأخذه فقالوا له: أفلا أمرتنا فنناولكه؟ فقال: إن حبيبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمرني أن لا أسأل أحدا شيئا. وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. "من يبايع؟ فقال ثوبان: بايعنا يا رسول اللّه. قال: على أن لا تسألوا أحدا شيئا. فقال ثوبان: فما له يا رسول اللّه؟ قال: الجنة. فبايعه ثوبان. قال أبو أمامة. فلقد رأيته بمكة في أجمع ما يكون من الناكدة، يسقط سوطه وهو راكب فربما وقع على عاتق الرجل، فيأخذه الرجل فيناوله فما يأخذه منه حتى يكون هو ينزل فيأخذه". وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ثوبان قال: قال رسول اله صلى اللّه عليه وسلم. "من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا وأتكفل له بالجنة؟ فقلت: أنا. فكان لا يسأل أحدا شيئا. ولابن ماجة، فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد ناولنيه حتى ينزل فيأخذه". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن حكيم بن حزام قال "سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم، هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه باشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى. فقلت: يا رسول اللّه، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا، ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله، فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم. حتى توفي رضي اللّه عنه". وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن عوف "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال: ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت لحالفا عليهن، لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا، ولا يعفو عبد عن مظلمة إلا زاده اللّه بها عزا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح اللّه عليه باب فقر". وأخرج أحمد وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري قال: قال عمر "يا رسول اللّه، لقد سمعت فلانا وفلانا يحسنان الثناء، يذكران أنك أعطيتهما دينارين، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: لكن فلانا ما هو كذلك، لقد أعطيته ما بين عشرة إلى مائة، فما يقول ذلك، أما واللّه إن أحدكم ليخرج بمسألته من عندي يتأبطها نارا. قال عمر: يا رسول اللّه، لم تعطيها إياهم؟ قال: فما أصنع، يأبون إلا مسألتي ويأبى اللّه لي البخل". وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي عن قبيصة بن المخارق قال "تحملت حمالة فأتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم أسأله فيها، فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، ثم قال: يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال: سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة فحلت له المسألة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة، سحت يأكلها صاحبها سحتا". وأخرج البزار والطبراني والبيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك". وأخرج البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن اللّه يحب الغني الحليم المتعفف، ويبغض البذي الفاجر السائل الملح". وأخرج البزار عن عبد الرحمن بن عوف قال: "كانت لي عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عدة فلما فتحت قريظة جئت لينجز لي ما وعدني، فسمعته يقول: من يستغن يغنه اللّه ومن يقنع يقنعه اللّه. فقلت في نفسي: لا جرم لا أسأله شيئا". وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال وهو على المنبر وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: اليد العليا خير من اليد السفلى، والعليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة". وأخرج ابن سعد عن عدي الجذامي قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول "يا أيها الناس، تعلموا فإنما الأيدي ثلاثة. فيد اللّه العليا، ويد المعطي الوسطى، ويد المعطى السفلى، فتغنوا ولو بحزم الحطب". وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الأيدي ثلاث: يد اللّه هي العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة، فاستعفف عن السؤال ما استطعت". وأخرج الطبراني في الأوسط عن سهل بن سعد قال "جاء جبريل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزى به، واحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس". وأخرج ابن حبان عن أبي ذر قال: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يا أبا ذر، أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت: نعم يا رسول اللّه. قال: أفترى قلة المال هو الفقر؟ قلت: نعم يا رسول اللّه. قال: إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب". وأخرج مسلم والترمذي عن عبد اللّه بن عمرو، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه اللّه بما آتاه". وأخرج الترمذي والحاكم وصححاه عن فضالة بن عبيد، أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "طوبى لمن هدي للإسلام، وكان عيشه كفافا وقنع". وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إياكم والطمع فإنه الفقر، وإياكم وما يعتذر منه". وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الزهد عن سعد بن أبي وقاص قال "أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم رجل فقال: يا رسول اللّه، أوصني وأوجز. فقال: عليك بالاياس مما في أيدي الناس، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر، وإياك وما يعتذر منه". وأخرج البيهقي في الزهد عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "القناعة كنز لا يفنى". وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي عن أنس "أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فسأله فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء. قال: ائتني بهما. فأتاه بهما فأخذهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيده فقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين، فأعطاهما للأنصاري وقال: اشتر بأحدهما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فائتني به، فأتاه به فشد فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عودا بيده، ثم قال: اذهب فاحتطب وبع فلا أرينك خمسة عشر يوما، ففعل فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسالة لا تصلح إلا لثلاث: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن ماجة عن الزبير بن العوام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لأن يأخذ أحدكم أحبلة فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه". وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه". وأخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "إن اللّه يحب المؤمن المحترف". وأخرج أحمد والطبراني وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد الخدري "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: من استغنى أغناه اللّه، ومن استعفف أعفه اللّه، ومن استكفى كفاه اللّه، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف". وأخرج أحمد ومسلم والنسائي عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تلحفوا في المسألة، فواللّه ما يسألني أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا له كاره، فيبارك له فيما أعطيته". وأخرج أبو يعلى عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تلحفوا في المسألة، فإنه من يستخرج منا بها شيئا لم يبارك له فيه". وأخرج ابن حبان عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن الرجل يأتيني فيسألني فأعطيه، فينطلق وما يحمل في حضنه إلا النار". وأخرج ابن حبان عن أبي سعيد الخدري قال "بينما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقسم ذهبا إذ أتاه رجل فقال: يا رسول اللّه، أعطني فأعطاه، ثم قال: زدني. فزاده ثلاث مرات، ثم ولى مدبرا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يأتيني الرجل فيسألني فأعطيه، ثم يسألني فأعطيه، ثم يولي مدبرا. وقد جعل في ثوبه نارا إذا انقلب إلى أهله". وأخرج أبو يعلى وابن حبان عن عمر بن الخطاب. أنه دخل على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال "يود رسول اللّه أن فلانا يشكر، يذكر أنك أعطيته دينارين، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لكن فلانا قد أعطيته ما بين العشرة إلى المائة، فما شكره وما يقول، إن أحدكم ليخرج من عندي بحاجته متأبطها وما هي إلا النار. قلت: يا رسول اللّه، لم تعطيهم؟ قال: يأبون إلا أن يسألوني، ويأبى اللّه لي البخل". وأخرج أحمد والبزار وابن حبان عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أعطيناه منها شيئا بطيب نفس منا وحسن طعمة منه من غير شره نفس بورك له فيه، ومن أعطيناه منها شيئا بغير طيب نفس منا وحسن طعمة منه وشره نفس كان غير مبارك له فيه". وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر أن عمر قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني. فقال: خذه إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه فتموله، فإن شئت كله وإن شئت تصدق به وما لا فلا تتبعه نفسك. قال سالم بن عبد اللّه: فلأجل ذلك كان عبد اللّه لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه". وأخرج مالك عن عطاء بن يسار "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أرسل إلى عمر بن الخطاب بعطاء فرده عمر، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لم رددته؟ فقال: يا رسول اللّه، أليس أخبرتنا أن خيرا لأحدنا أن لا يأخذ من أحد شيئا؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إنما ذلك عن المسألة، فأما ما كان غير مسألة فإنما هو رزق يرزقه اللّه. فقال عمر: والذي نفسي بيده لا أسأل شيئا ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلا أخذته". وأخرج البيهقي من طريق زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: فذكر نحوه. وأخرج أحمد والبيهقي عن عائشة قالت: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يا عائشة، من أعطاك شيئا بغير مسألة فاقبليه، فإنما هو رزق عرضه اللّه إليك". وأخرج أبو يعلى عن واصل بن الخطاب قال "قلت: يا رسول اللّه، قد قلت: إن خيرا لك أن لا تسأل أحدا من الناس شيئا؟ قال: إنما ذاك أن تسأل، وما أتاك من غير مسألة فإنما هو رزق رزقكه اللّه". وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن خالد بن عدي الجهني: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "من بلغه عن أخيه معروف من غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يرده، فإنما هو رزق ساقه اللّه إليه". وأخرج أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من آتاه اللّه شيئا من هذا المال من غير أن يسأله فليقبله، فإنما هو رزق ساقه اللّه إليه". وأخرج أحمد والطبراني والبيهقي عن عائذ بن عمرو عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من عرض له من هذا الرزق شيء من غير مسألة ولا إسراف فليتوسع به في رزقه، فإن كان غنيا فليوجهه إلى من هو أحوج إليه منه". وأخرج ابن شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "استغن عن الناس ولو بقضمة سواك". وأخرج ابن أبي شيبة عن حبشي بن جنادة السلولي "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول وأتاه أعرابي فسأله فقال: إن المسألة لا تحل إلا لفقر مدقع، أو غرم مفظع". وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقول "إن اللّه كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال، فإذا شئت رأيته في قيل وقال يومه أجمع وصدر ليلته حتى يلقى جيفة على رأسه لا يجعل اللّه له من نهاره ولا ليلته نصيبا، وإذا شئت رأيته ذا مال في شهوته ولذاته وملاعبه ويعدله عن حق اللّه فذلك إضاعة المال، وإذا شئت رأيته باسطا ذراعيه يسأل الناس في كفيه فإذا أعطي أفرط في مدحهم وإن منع أفرط في ذمهم". وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما المعطي من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجا". وأخرج ابن حبان في الضعفاء والطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "ما الذي يعطي من سعة بأعظم أجرا من الذي يقبل إذا كان محتاجا". وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {وما تنفقوا من خير فإن اللّه به عليم} قال: محفوظ ذلك عند اللّه عالم به شاكر له، وانه لا شيء أشكر من اللّه ولا أجزى لخير من اللّه. ٢٧٤ أخرج ابن سعد في الطبقات وأبو بكر أحمد بن أبي عاصم في الجهاد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي والطبراني والشيخ في العظمة والواحدي عن يزيد بن عبد اللّه بن عريب المكي عن أبيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "أنزلت هذه الآية {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} في أصحاب الخيل". وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة الباهلي قال: نزلت هذه الآية في أصحاب الخيل {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية} فيمن يربطها لا خيلاء ولضمار. وأخرج ابن جرير عن أبي الدرداء، أنه كان ينظر إلى الخيل مربوطة بين البراذين والهجن فيقول: أهل هذه من {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والواحدي عن أبي أمامة والباهلي؟؟ قال: من ارتبط فرسا في سبيل اللّه، لم يرتبطه رياء ولا سمعة كان من {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم...} الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والواحدي من طريق حنش الصنعاني، أنه سمع ابن عباس يقول في هذه الآية {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية} قال: هم الذين يعلفون الخيل في سبيل اللّه. وأخرج البخاري في تاريخه والحاكم وصححه عن أبي كبشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "الخيل معقود في نواصيها الخير، وأهلها معانون عليها، والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن عساكر من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية} قال: نزلت في علي بن أبي طالب، كانت له أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما، وبالنهار درهما، وسرا درهما، وعلانية درهما. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مسعر عن عون قال: قرأ رجل {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية} فقال: إنما كانت أربعة دراهم فأنفق درهما بالليل، ودرهما بالنهار، ودرهما في السر، ودرهما في العلانية. وأخرج ابن المنذر عن ابن إسحق قال: لما قبض أبو بكر واستخلف عمر، خطب الناس فحمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أيها الناس إن بعض الطمع فقر، وإن بعض اليأس غنى، وإنكم تجمعون ما لا تأكلون وتأملون ما لا تدركون، واعلموا أن بعض الشح شعبة من النفاق، فانفقوا خيرا لأنفسكم، فأين أصحاب هذه الآية {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}؟. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: هؤلاء قوم أنفقوا في سبيل اللّه الذي افترض عليهم في غير سرف ولا إملاق ولا تبذير ولا فساد. وأخرج ابن المنذر عن ابن المسيب {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} كلها في عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، في نفقتهما في جيش العسرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: كان هذا قبل أن تفرض الزكاة. وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: كان هذا يعمل به قبل أن تنزل براءة، فلما نزلت براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها انتهت الصدقات إليها. ٢٧٥ أخرج أبو يعلى من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} قال: يعرفون يوم القيامة بذلك، لا يستطيعون القيام إلا كما يقوم المتخبط المنخنق، {ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا} وكذبوا على اللّه {و أحل اللّه البيع وحرم الربا} ومن عاد لأكل الربا {فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} وفي قوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا) (البقرة الآية ٢٧٨) الآية. قال: بلغنا أن هذه الآية نزلت في بني عمرو بن عوف من ثقيف، وبني المغيرة من بني مخزوم، كان بنو المغيرة يربون لثقيف، فلما أظهر اللّه رسوله على مكة ووضع يومئذ الربا كله، وكان أهل الطائف قد صالحوا على أن لهم رباهم وما كان عليهم من ربا فهو موضوع، وكتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في آخر صحيفتهم "أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، أن لا يأكلوا الربا ولا يؤكلوه. فأتى بنو عمرو بن عمير ببني المغيرة إلى عتاب بن أسيد وهو على مكة فقال بنو المغيرة: ما جعلنا أشقى الناس بالربا ووضع عن الناس غيرنا. فقال بنو عمرو بن عمير: صولحنا على أن لنا ربانا. فكتب عتاب بن أسيد ذلك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،فنزلت هذه الآية (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب) (البقرة الآية ٢٧٩). وأخرج الأصبهاني في ترغيبه عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يأتي آكل الربا يوم القيامة مختبلا يجر شقيه، ثم قرأ {لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس {لا يقومون...) الآية. قال: ذلك حين يبعث من قبره. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أنس قال: "خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذكر الربا وعظم شأنه، فقال: إن الرجل يصيب درهما من الربا أعظم عند اللّه في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم". وأخرج عبد الرزاق وابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد اللّه بن سلام قال: الربا اثنتان وسبعون حوبا، أصغرها حوبا كمن أتى أمه في الإسلام، ودرهم في الربا أشد من بضع وثلاثين زنية. قال: ويؤذن للناس يوم القيامة البر والفاجر في القيام إلا أكلة الربا، فإنهم لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس. وأخرج البيهقي عن عبد اللّه بن سلام قال: الربا سبعون حوبا، أدناها فجرة مثل أن يضطجع الرجل مع أمه، وأربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه المسلم بغير حق. وأخرج عبد الرزاق وأحمد والبيهقي عن كعب قال: لأن أزني ثلاثة وثلاثين زنية أحب إلي من أن آكل درهما ربا يعلم اللّه أني أكلته ربا. وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "درهم ربا أشد على اللّه من ستة وثلاثين زنية. وقال: من نبت لحمه من السحت فالنار أولى به". وأخرج الحاكم وصححه البيهقي عن عبد اللّه بن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "الربا ثلاثة وسبعون بابا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم". وأخرج الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن الربا سبعون بابا، أدناها مثل ما يقع الرجل على أمه، وأربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه". وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الغيبة والبيهقي عن أنس قال: "خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذكر الربا وعظم شأنه فقال: إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند اللّه في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم". وأخرج الطبراني عن عوف بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إياك والذنوب التي لا تغفر. الغلول، فمن غل شيئا أتى به يوم القيامة، وأكل الربا، فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنونا يتخبط، ثم قرأ {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} ". وأخرج أبو عبيد وابن أبي حاتم عن ابن مسعود، أنه كان يقرأ {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطن من المس} يوم القيامة. وأخرج ابن جرير عن الربيع في الآية قال: يبعثون يوم القيامة وبهم خبل من الشيطان، وهي في بعض القراءة لا يقومون يوم القيامة. وأخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم وابن المنذر عن عائشة قالت "لمأنزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا، خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المسجد فقرأهن على الناس، ثم حرم التجارة في الخمر". وأخرج الخطيب في تاريخه عن عائشة قالت: "لمأنزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر، فنهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك". وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن جابر قال: لمأنزلت {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطن من المس} قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من لم يترك المخابرة فليؤذن بحرب من اللّه ورسوله". وأخرج أحمد وابن ماجه وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر عن عمر أنه قال: من آخر ما أنزل آية الربا، وإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبض قبل أن يفسرها لنا، فدعوا الربا والريبة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عمر بن الخطاب أنه خطب فقال: إن من آخر القرآن نزولا آية الربا والريبة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عمر بن الخطاب أنه خطب فقال: إن من آخر القرآن نزولا آية الربا، وإنه قد مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم يبينه لنا، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم. وأخرج البخاري وأبو عبيد وابن جرير والبيهقي في الدلائل من طريق الشعبي عن ابن عباس قال: آخر آية أنزلها اللّه على رسوله آية الربا. وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق سعيد بن المسيب قال: قال عمر بن الخطاب: آخر ما أنزل اللّه آية الربا. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الربا الذي نهى اللّه عنه قال: كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين، فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه. وأخرج ابن جرير عن قتادة. أن ربا أهل الجاهلية يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى، فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاده وأخر عنه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {الذين يأكلون الربا} يعني استحلالا لأكله {لا يقومون} يعني يوم القيامة، ذلك يعني الذي نزل بهم بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا، كان الرجل إذا حل ماله على صاحبه يقول المطلوب للطالب: زدني في الأجل وأزيدك على مالك، فإذا فعل ذلك قيل لهم هذا ربا. قالوا: سواء علينا إن زدنا في أول البيع أو عند محل المال فهما سواء، فأكذبهم اللّه فقال {وأحل اللّه البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه} يعني البيان الذي في القرآن في تحريم الربا {فانتهى} عنه {فله ما سلف} يعني فله ما كان أكل من الربا قبل التحريم {و أمره إلى اللّه} يعني بعد التحريم وبعد تركه، إن شاء عصمه منه وإن شاء لم يفعل {ومن عاد} يعني في الربا بعد التحريم فاستحله لقولهم إنما البيع مثل الربا {فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} يعني لا يموتون. وأخرج أحمد والبزار عن رافع بن خديج قال: قيل يا رسول اللّه أي الكسب أطيب؟ قال: "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور". وأخرج مسلم والبيهقي عن أبي سعيد قال: "أتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بتمر فقال: ما هذا من تمرنا. فقال الرجل: يا رسول اللّه بعنا تمرنا صاعين بصاع من هذا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ذلك الربا، ردوه ثم بيعوه تمرنا ثم اشتروا لنا من هذا". وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عائشة. أن امرأة قالت لها: إني بعت زيد بن أرقم عبدا إلى العطاء بثمانمائة، فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة، فقالت: بئسما شريت وبئسما اشتريت، أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن لم يتب. قلت: أفرأيت إن تركت المائتين وأخذت الستمائة؟ فقالت: نعم، {من جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف}. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد أنه سئل لم حرم اللّه الربا؟ قال: لئلا يتمانع الناس المعروف. ٢٧٦ انظر تفسير الآية: ٢٧٧ ٢٧٧ أخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس {يمحق اللّه الربا} قال: ينقص الربا {ويربي الصدقات} قال: يزيد فيها. وأخرج أحمد وابن ماجة وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل". وأخرج عبد الرزاق عن معمر قال: سمعنا أنه لا يأتي على صاحب الربا أربعون سنة حتى يمحق. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل اللّه إلا طيبا، فإن اللّه يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل". وأخرج الشافعي وأحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن خزيمة وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني في الصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره أو فلوه حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد، وتصديق ذلك في كتاب اللّه (ألم يعلموا أن اللّه هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) (التوبة الآية ١٠٤). و {يمحق اللّه الربا ويربي الصدقات} ". وأخرج البزار وابن جرير وابن حبان والطبراني عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه تبارك وتعالى يقبل الصدقة ولا يقبل منها إلا الطيب، ويربيها لصاحبها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله حتى أن اللقمة تصير مثل أحد، وتصديق ذلك في كتاب اللّه {يمحق اللّه الربا ويربي الصدقات} ". وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن المؤمن يتصدق بالتمرة أو بعدلها من الطيب ولا يقبل اللّه إلا الطيب، فتقع في يد اللّه فيربيها له كما يربي أحدكم فصيله حتى تكون مثل التل العظيم، ثم قرأ {يمحق اللّه الربا ويربي الصدقات} ". وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في الآية قال: أما {يمحق اللّه الربا} فإن الربا يزيد في الدنيا ويكثر ويمحقه اللّه في الآخرة ولا يبقى منه لأهله شيء، وأما قوله {ويربي الصدقات} فإن اللّه يأخذها من المتصدق قبل أن تصل إلى المتصدق عليه، فما يزال اللّه يربيها حتى يلقى صاحبها ربه فيعطيها إياه، وتكون الصدقة التمرة أو نحوها، فما يزال اللّه يربيها حتى تكون مثل الجبل العظيم. وأخرج الطبراني عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن العبد ليتصدق بالكسرة تربو عند اللّه حتى تكون مثل أحد". ٢٧٨ انظر تفسير الآية: ٢٧٩ ٢٧٩ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا...} الآية. قال: نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب، ورجل من بني المغيرة، كانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا إلى ناس من ثقيف من بني ضمرة وهم بنو عمرو بن عمير، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل اللّه {وذروا ما بقي} من فضل كان في الجاهلية {من الربا}. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه...} الآية قال: "كانت ثقيف قد صالحت النبي صلى اللّه عليه وسلم على أن ما لهم من ربا على الناس وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع، فلما كان الفتح استعمل عتاب بن أسيد على مكة، وكانت بنو عمرو بن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة، وكانت بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية، فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير، فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم، فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام، ورفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد، فكتب عتاب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا} إلى قوله {ولا تظلمون} فكتب بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى عتاب وقال: إن رضوا وإلا فآذنهم بحرب". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك في قوله {اتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا} قال: كان ربا يتعاملون به في الجاهلية، فلما أسلموا أمروا أن يأخذوا رؤوس أموالهم. وأخرج آدم وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله {اتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا} قال: كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني؟ فيؤخر عنه. وأخرج مالك والبيهقي في سننه عن زيد بن أسلم قال: كان الربا في الجاهلية أن يكون للرجل على الرجل الحق إلى أجل، فإذا حل الحق قال: أتقضي أم تربي؟ فإن قضاه أخذ وإلا زاده في حقه، وزاده الآخر في الأجل. وأخرج أبو نعيم في المعرفة بسند واه عن ابن عباس في قوله {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا} قال: نزلت في نفر من ثقيف منهم مسعود وربيعة، وحبيب وعبد ياليل، وهم بنو عمرو بن عمير بن عوف الثقفي، وفي بني المغيرة من قريش. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: " نزلت هذه الآية في بني عمرو بن عمير بن عوف الثقفي، ومسعود بن عمرو بن عبد ياليل بن عمرو، وربيعة بن عمرو، وحبيب بن عمير، وكلهم أخوة وهم الطالبون، والمطلوبون بنو المغيرة من بني مخزوم، وكانوا يداينون بني المغيرة في الجاهلية بالربا، وكأن النبي صلى اللّه عليه وسلم صالح ثقيفا فطلبوا رباهم إلى بني “المغيرة، وكان مالا عظيما فقال بنو المغيرة: واللّه لا نعطي الربا في الإسلام وقد وضعه اللّه ورسوله عن المسلمين، فعرفوا شأنهم معاذ بن جبل، ويقال عتاب بن أسيد، فكتب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن بني ابن عمرو وعمير يطلبون رباهم عند بني المغيرة، فأنزل اللّه {يا أيها الذين آمنوا أتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} فكتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى معاذ بن جبل: أن اعرض عليهم هذه الآية، فإن فعلوا فلهم رؤوس أموالهم، وإن أبوا فآذنهم بحرب من اللّه ورسوله". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فأذنوا بحرب} قال: من كان مقيما على الربا لا ينزع عنه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه. وفي قوله {لا تظلمون} فتربون {ولا تظلمون} فتنقصون. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فأذنوا بحرب} قال: استيقنوا بحرب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {فأذنوا بحرب} قال: أوعدهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالقتل. وأخرج أبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول اللّه. فقال: "ألا إن كل ربا في الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، وأول ربا موضوع ربا العباس". وأخرج ابن منده عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في ربيعة بن عمرو وأصحابه {فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم} الآية. وأخرج مسلم والبيهقي عن جابر بن عبد اللّه قال: "لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه، وقال: هم سواء". وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في شعب الإيمان عن علي قال "لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عشرة: آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه، والواشمة، والمستوشمة، ومانع الصدقة، والحال، والمحلل له". وأخرج البيهقي عن أم الدرداء قالت: قال موسى بن عمران عليه السلام: يا رب من يسكن غدا في حظيرة القدس ويستظل بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك؟ قال: يا موسى أولئك الذين لا تنظر أعينهم في الزنا، ولا يبتغون في أموالهم الربا، ولا يأخذون على أحكامهم الرشا، طوبى لهم وحسن مآب. وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والبيهقي عن ابن مسعود قال: " لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه". وأخرج البخاري وأبو داود عن أبي جحيفة قال " لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الواشمة، والمستوشمة، و آكل الربا، وموكله، ونهى عن ثمن الكلب، وكسب البغي، ولعن المصورين". وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان عن ابن مسعود قال " آكل الربا وموكله و شاهده وكاتباه إذا علموا، والواشمة والمستوشمة للحسن، ولاوي الصدقة، والمرتد أعرابيا بعد الهجرة، ملعونون على لسان محمد صلى اللّه عليه وسلم يوم القيامة". وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "أربع حق على اللّه أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها. مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، و العاق لوالديه". وأخرج الطبراني عن عبد اللّه بن سلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند اللّه من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام". وأخرج أحمد والطبراني عن عبد اللّه بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية". وأخرج الطبراني في الأوسط عن البراء بن عازب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "الربا اثنان و سبعون بابا، أدناها مثل أن يأتي الرجل أمه، وأن؟؟ أربى الربا استطالة الرجل في عرض عرض الرجل". وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: "نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن تشتري الثمرة حتى تطعم، و قال: إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب اللّه". وأخرج أبو يعلى عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "ما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب اللّه". وأخرج أحمد عن عمرو بن العاص "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب". وأخرج الطبراني عن القاسم بن عبد الواحد الوراق قال: رأيت عبد اللّه بن أبي أوفى في السوق فقال: يا معشر الصيارفة أبشروا قالوا: بشرك اللّه بالجنة بم تبشرنا؟ قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للصيارفة: "أبشروا بالنار". وأخرج أبو داود وابن ماجة والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا، فمن لم يأكله أصابه من غباره". وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: صرفت من طلحة بن عبيد اللّه ورقا بذهب فقال: انظرني حتى يأتينا خازننا من الغابة، فسمعها عمر بن الخطاب فقال: لا واللّه لا تفارقه حتى تستوفي منه صرفك، فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء، البر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر ربا إلا هاء وهاء". وأخرج عبد بن حميد ومسلم والنسائي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الذهب بالذهب مثل بمثل يد بيد، والفضة بالفضة مثل بمثل يد بيد، والتمر بالتمر مثل بمثل يد بيد، والبر بالبر مثل بمثل يد بيد، والشعير بالشعير مثل بمثل يد بيد، والملح بالملح مثل بمثل يد بيد، من زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي سواء". وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا غائبا بناجز". وأخرج الشافعي ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن عبادة بن الصامت "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، يدا بيد، ولكن بيعوا الذهب بالورق، والورق بالذهب، والبر بالشعير، والشعير بالبر، والتمر بالملح، والملح بالتمر، يدا بيد كيف شئتم، من زاد أو ازداد فقد أربى". وأخرج مالك ومسلم والبيهقي عن عثمان بن عفان "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين". وأخرج مالك ومسلم والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الدينار بالدينار لا فضل بينهما، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما". وأخرج مسلم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، وزن بوزن لا فضل بينهما، ولا يباع عاجل بآجل". وأخرج البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي عن أبي المنهال قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا: كنا تاجرين على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فسألنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الصرف فقال: "ما كان منه يدا بيد فلا بأس، وما كان منه نسيئة فلا". وأخرج مالك والشافعي وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن سعد بن وقاص "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن اشتراء الرطب بالتمر فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم، فنهى عن ذلك". وأخرج البزار عن أبي بكر الصديق "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة مثلا بمثل، الزائد والمستزيد في النار". وأخرج البزار عن أبي بكرة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم نهى عن الصرف قبل موته بشهرين". ٢٨٠ أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} قال: نزلت في الربا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {وإن كان ذو عسرة فنظرة} قال: إنما أمر في الربا أن ينظر المعسر، وليست النظرة في الأمانة ولكن تؤدى الأمانة إلى أهلها. وأخرج ابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} هذا في شأن الربا {وأن تصدقوا} بها للمعسر فتتركوها له. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والنحاس في ناسخه وابن جرير عن ابن سيرين أن رجلين اختصما إلى شريح في حق، فقضى عليه شريح وأمر بحبسه، فقال رجل عنده: إنه معسر، واللّه تعالى يقول {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} قال: إنما ذلك في الربا إن الربا كان في هذا الحي من الأنصار، فأنزل اللّه {وإن كان ذوعسرة فنظرة إلى ميسرة} وقال (إن اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) (النساء الآية ٥٨). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس {وإن كان ذو عسرة} يعني المطلوب. وأخرج ابن جرير عن السدي {وإن كان ذو عسرة فنظرة} برأس المال إلى ميسرة يقول: إلى غنى {وأن تصدقوا} برؤوس أموالكم على الفقير {فهو خير لكم} فتصدق به العباس. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك في الآية قال: من كان ذا عسرة فنظرة إلى ميسرة وكذلك كل دين على المسلم، فلا يحل لمسلم له دين على أخيه يعلم منه عسرة أن يسجنه ولا يطلبه حتى ييسره اللّه عليه {وأن تصدقوا} برؤوس أموالكم يعني على المعسر {خير لكم} من نظرة إلى ميسرة، فاختار اللّه الصدقة على النظارة. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {وأن تصدقوا خير لكم} يعني من تصدق بدين له على معدم فهو أعظم لأجره، ومن لم يتصدق عليه لم يأثم، ومن حبس معسرا في السجن فهو آثم لقوله {فنظرة إلى ميسرة} ومن كان عنده ما يستطيع أن يؤدي عن دينه فلم يفعل كتب ظالما. وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده ومسلم وابن ماجة عن أبي اليسر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله اللّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن حذيفة، أن رجلا أتى به اللّه عز وجل فقال: ماذا عملت في الدنيا؟ فقال له الرجل: ما عملت مثقال ذرة من خير. فقال له ثلاثا، وقال في الثالثة إني كنت أعطيتني فضلا من المال في الدنيا فكنت أبايع الناس، فكنت أيسرعلى الموسر وأنظر المعسر. فقال تبارك وتعالى أنا أولى بذلك منك تجاوزا عن عبدي فغفر له. وأخرج أحمد عن عمران بن حصين قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من كان له على رجل حق فأخره كان له بكل يوم صدقة". وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب اصطناع المعروف عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته فليفرج عن معسر". وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أنظر معسرا إلى ميسرته أنظره اللّه بذنبه إلى توبته". وأخرج أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن بريدة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أنظر معسرا كان له بكل يوم مثله صدقة، قال: ثم سمعته يقول: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثليه صدقة. فقلت: يا رسول اللّه إني سمعتك تقول: فله بكل يوم مثله صدقة. وقلت الآن: فله بكل يوم مثليه صدقة. فقال: إنه ما لم يحل الدين فله بكل يوم مثله صدقة، وإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة". وأخرج أبو الشيخ في الثواب وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب والطستي في الترغيب وابن لال في مكارم الأخلاق عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أحب أن يسمع اللّه دعوته، ويفرج كربته في الآخرة، فلينظر معسرا أو ليدع له، ومن سره أن يظله اللّه من فور جهنم يوم القيامة، ويجعله في ظله فلا يكونن على المؤمنين غليظا، وليكن بهم رحيما". وأخرج مسلم عن أبي قتادة "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من سره أن ينجيه اللّه من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه". وأخرج أحمد والدرامي والبيهقي في الشعب عن أبي قتادة "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة". وأخرج الترمذي وصححه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أنظر معسرا أو وضع له أظله اللّه يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله". وأخرج عبد اللّه بن أحمد في زوائد المسند عن عثمان بن عفان "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: أظل اللّه عبدا في ظله يوم لا ظل إلا ظله، من أنظر معسرا أو ترك لغارم". وأخرج الطبراني في الأوسط عن شداد بن أوس "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من أنظر معسرا أو تصدق عليه أظله اللّه في ظله يوم القيامة". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي قتادة وجابر بن عبد اللّه. أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من سره أن ينجيه اللّه من كرب يوم القيامة، وأن يظله تحت عرشه فلينظر معسرا". وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من أنظر معسرا أظله اللّه في ظله يوم القيامة". وأخرج الطبراني في الأوسط عن كعب بن عجرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أنظر معسرا أو يسر عليه أظله اللّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله". وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله اللّه في ظله يوم القيامة". وأخرج الطبراني عن أسعد بن زرارة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من سره أن يظله اللّه يوم لا ظل إلا ظله فلييسر على معسر أو ليضع عنه". وأخرج الطبراني عن أبي اليسر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن أول الناس يستظل في ظل اللّه يوم القيامة لرجل أنظر معسرا حتى يجد شيئا، أو تصدق عليه بما يطلبه يقول: ما لي عليك صدقة ابتغاء وجه اللّه، ويخرق صحيفته". وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب اصطناع المعروف عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أنظر معسرا أو وضع له وقاه اللّه من فيح جهنم". وأخرج عبد الرزاق ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس اللّه عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر في الدنيا يسر اللّه عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم في الدنيا ستر اللّه عليه في الدنيا والآخرة، واللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن رجلا لم يعمل خيرا قط، وكان يداين الناس، وكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل اللّه يتجاوز عنا، فلقي اللّه فتجاوز عنه". وأخرج مسلم والترمذي عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسرا، وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر قال اللّه: نحن أحق بذلك تجاوزا عنه". ٢٨١ وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت من القرآن على النبي صلى اللّه عليه وسلم {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه} وأخرج ابن أبي شيبة عن السدي وعطية العوفي. مثله. وأخرج ابن الأنباري عن أبي صالح وسعيد بن جبير. مثله. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه} نزلت بمنى وكان بين نزولها وبين موت النبي صلى اللّه عليه وسلم أحد وثمانون يوما. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: آخر ما نزل من القرآن كله {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه...} الآية. عاش النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد نزول هذه الآية تسع ليال، ثم مات يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {ثم توفى كل نفس ما كسبت} يعني ما عملت من خير أو شر {وهم لا يظلمون} يعني من أعمالهم لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم. ٢٨٢ أخرج ابن جرير بسند صحيح عن سعيد بن المسيب: أنه بلغه أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين. وأخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن شهاب قال: آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين. وأخرج الطيالسي وأبو يعلى وابن سعد وأحمد وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: لمأنزلت آية الدين قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن أول من جحد آدم أن اللّه لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذار إلى يوم القيامة فجعل يعرض ذريته عليه، فرأى فيهم رجلا يزهر قال: أي رب من هذا؟ قال: هذا ابنك داود. قال: أي رب كم عمره؟ قال: ستون عاما قال: رب زد في عمره. فقال: لا إلا أن أزيده من عمرك. وكان عمر آدم ألف سنة، فزاده أربعين عاما، فكتب عليه بذلك كتابا وأشهد عليه الملائكة، فلما احتضر آدم وأتته الملائكة لتقبضه قال: إنه قد بقي من عمري أربعون عاما. فقيل له: إنك قد وهبتها لابنك داود. قال: ما فعلت. فأبرز اللّه عليه الكتاب وأشهد عليه الملائكة، فكمل اللّه لآدم ألف سنة، وأكمل لداود مائة عام". وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى أن اللّه أجله وأذن فيه، ثم قرأ {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين} قال: نزلت في السلم في الحنطة في كيل معلوم إلى أجل معلوم. وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن ابن عباس قال: قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث، فقال "من أسلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم". وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: لا سلف إلى العطاء، ولا إلى الحصاد، ولا إلى الأندر [الأندر هو البيدر، كما في النهاية]، ولا إلى العصير، واضرب له أجلا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: أمر بالشهادة عند المداينة لكيلا يدخل في ذلك جحود ولا نسيان، فمن لم يشهد على ذلك فقد عصى، ولا يأب الشهداء يعني من احتيج إليه من المسلمين يشهد على شهادة، أو كانت عنده شهادة فلا يحل له أن يأبى إذا ما دعي، ثم قال بعد هذا {ولا يضار كاتب ولا شهيد} والضرار أن يقول الرجل للرجل وهو عنه غني: إن اللّه قد أمرك أن لا تأبى إذا دعيت فيضاره بذلك وهو مكتف بغيره، فنهاه اللّه عن ذلك وقال {وإن تفعلوا فإنه فسوق} يعني معصية. قال: ومن الكبائر كتمان الشهادة. قال: لأن اللّه تعالى يقول (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) (البقرة الآية ٢٨٣). وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {كاتب بالعدل} قال: يعدل بينهما في كتابه، لا يزاد على المطلوب ولا ينقص من حق الطالب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ولا يأب كاتب} قال: واجب على الكاتب أن يكتب. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي {ولا يأب كاتب} قال: إن كان فارغا. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {ولا يأب كاتب} قال: ذلك أن الكتاب في ذلك الزمان كانوا قليلا. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال {ولا يأب كاتب} قال: كانت الكتاب يومئذ قليلا. وأخرج ابن جرير عن الضحاك {ولا يأب كاتب} قال: كانت عزيمة فنسختها {ولا يضار كاتب ولا شهيد}. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك {كما علمه اللّه} قال: كما أمره اللّه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {كما علمه اللّه} قال: كما علمه الكتابة وترك غيره {وليملل الذي عليه الحق} يعني المطلوب. يقول: ليمل ما عليه من الحق على الكاتب {ولا يبخس منه شيئا} يقول: لا ينقص من حق الطالب شيئا {فإن كان الذي عليه الحق} يعني المطلوب {سفيها أو ضعيفا} يعني عاجزا أو أخرس أو رجلا به حمق {أو لا يستطيع} يعني لا يحسن {أن يمل هو} قال: أن يمل ما عليه {فليملل وليه} ولي الحق حقه {بالعدل} يعني الطالب ولا يزداد شيئا {واستشهدوا} يعني على حقكم {شهيدين من رجالكم} يعني المسلمين الأحرار {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان... أن تضل إحداهما} يقول: أن تنسى إحدى المرأتين الشهادة {فتذكر إحداهما الأخرى} يعني تذكرها التي حفظت شهادتها {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} قال: الذي معه الشهادة {ولا تسأموا} يقول: لا تملوا {أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا} يعني أن تكتبوا صغير الحق وكبيره قليله وكثيره {إلى أجله} لأن الكتاب أحصى للأجل والمال {ذلكم} يعني الكتاب {أقسط عند اللّه} يعني أعدل {وأقوم} يعني أصوب {للشهادة وأدنى} يقول: وأجدر {أن لا ترتابوا} أن لا تشكوا في الحق والأجل والشهادة إذا كان مكتوبا، ثم استثنى فقال {إلا أن تكون تجارة حاضرة} يعني يدا بيد {تديرونها بينكم} يعني ليس فيها أجل {فليس عليكم جناح} يعني حرج {أن لا تكتبوها} يعني التجارة الحاضرة {وأشهدوا إذا تبايعتم} يعني اشهدوا على حقكم إذا كان فيه أجل أو لم يكن فاشهدوا على حقكم على كل حال {وإن تفعلوا} يعني أن تضاروا الكاتب أو الشاهد وما نهيتم عنه {فإنه فسوق بكم} ثم خوفهم فقال {واتقوا اللّه} ولا تعصوه فيها {واللّه بكل شيء عليم} يعني من أعمالكم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد {فإن كان الذي عليه الحق سفيها} قال: هو الجاهل بالإملاء {أو ضعيفا} قال: هو الأحمق. وأخرج ابن جرير عن السدي والضحاك في قوله {سفيها} قالا: هو الصبي الصغير. وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس {فليملل وليه} قال: صاحب الدين. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن {فليملل وليه} قال: ولي اليتيم. وأخرج ابن جرير عن الضحاك {فليملل وليه} قال: ولي السفيه أو الضعيف. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر من طريق مجاهد عن ابن عمر في قوله {واستشهدوا شهيدين} قال: كان إذا باع بالنقد أشهد ولم يكتب قال مجاهد: وإذا باع بالنسيئة كتب وأشهد. وأخرج سفيان وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن مجاهد في قوله {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} قال: من الأحرار. وأخرج سعيد بن منصور عنه داود بن أبي هند قال: سألت مجاهدا عن الظهار من الأمة فقال: ليس بشيء. قلت: أليس يقول اللّه (الذين يظاهرون من نسائهم) (المجادلة الآية ٣) أفلسن من النساء؟ فقال: واللّه تعالى يقول {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} أفتجوز شهادة العبيد؟. وأخرج ابن المنذر عن الزهري أنه سئل عن شهادة النساء فقال: تجوز فيما ذكر اللّه من الدين، ولا تجوز في غير ذلك. وأخرج ابن المنذر عن مكحول قال: لا تجوز شهادة النساء إلا في الدين. وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك قال: لا تجوز شهادة أربع نسوة مكان رجلين في الحقوق، ولا تجوز شهادتهن إلا معهن رجل، ولا تجوز شهادة رجل وامرأة، لأن اللّه يقول {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان}. وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر قال: لا تجوز شهادة النساء وحدهن إلا على ما لا يطلع عليه إلا هن من عورات النساء، وما أشبه ذلك من حملهن وحيضهن. وأخرج مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن! قالت امرأة: يا رسول اللّه ما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ولا تصلي، وتفطر رمضان فهذا نقصان الدين". وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله {فمن ترضون من الشهداء} قال: عدول. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن أبي مليكة قال: كتبت إلى ابن عباس أسأله عن الشهادة الصبيان؟ فكتب إلي: إن اللّه يقول {ممن ترضون من الشهداء} فليسوا ممن نرضى، لا تجوز. وأخرج الشافعي والبيهقي عن مجاهد في قوله {ممن ترضون من الشهداء} قال: عدلان حران مسلمان. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن، أنه كان يقرؤها {فتذكر إحداهما الأخرى} مثقلة. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد. أنه كان يقرؤها {فتذكر إحداهما الأخرى} مخففة. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة ابن مسعود (أن تضل احداهما فتذكرها الأخرى). وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} يقول: من احتيج إليه من المسلمين قد شهد على شهادة أو كانت عنده شهادة فلا يحل له أن يأبى إذا ما دعي، ثم قال بعد هذا {ولا يضار كاتب ولا شهيد} والإضرار أن يقول الرجل للرجل وهو عنه غني: إن اللّه قد أمرك أن لا تأبى إذا ما دعيت فيضاره بذلك، وهو مكتف بذلك فنهاه اللّه وقال {وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم} يعني بالفسوق المعصية. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} قال: إذا كانت عندهم شهادة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع قال: كان الرجل يطوف في القوم الكثير يدعوهم ليشهدوا فلا يتبعه أحد منهم، فأنزل اللّه {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} قال: كان الرجل يطوف في الحي العظيم فيه القوم فيدعوهم إلى الشهادة فلا يتبعه أحد منهم، فأنزل اللّه هذه الآية. وأخرج سفيان وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} قال: إذا كانت عندك شهادة فأقمها، فأما إذا دعيت لتشهد فإن شئت فاذهب وإن شئت فلا تذهب. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {ولا يأب الشهداء} قال: وهو الذي عنده الشهادة. وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال: جمعت أمرين. لا تأب إذا كانت عندك شهادة أن تشهد، ولا تأب إذا دعيت إلى شهادة. وأخرج ابن المنذر عن عائشة في قوله {أقسط عند اللّه} قالت: أعدل. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن الحسن في قوله {وأشهدوا إذا تبايعتم} قال: نسختها (فإن أمن بعضكم بعضا) (البقرة الآية ٢٨٣). وأخرج ابن المنذر عن جابر بن زيد. أنه اشترى سوطا فأشهد وقال: قال اللّه {وأشهدوا إذا تبايعتم}. وأخرج النحاس في ناسخه عن إبراهيم في الآية قال: أشهد إذ بعت وإذا اشتريت ولو دستجة بقل. وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك {وأشهدوا إذا تبايعتم} قال: أشهدوا ولو دستجة من بقل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله {ولا يضار كاتب ولا شهيد} قال: يأتي الرجل الرجلين فيدعوهما إلى الكتاب والشهادة فيقولان: إنا على حاجة. فيقول: إنكما قد أمرتما أن تجيبا فليس له أن يضارهما. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {ولا يضار كاتب ولا شهيد} يقول: إنه يكون للكاتب والشاهد حاجة ليس منها بد فيقول: خلوا سبيله. وأخرج سفيان وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن عكرمة قال: كان عمر بن الخطاب يقرؤها (ولا يضارر كاتب ولا شهيد) يعني بالبناء للمفعول. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود، أنه كان يقرأ (و لا يضارر). وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد، أنه كان يقرأ (ولا يضارر كاتب ولا شهيد) وأنه كان يقول في تأويلها: ينطلق الذي له الحق فيدعو كاتبه وشاهده إلى أن يشهد، ولعله يكون في شغل أو حاجة. وأخرج ابن جرير عن طاوس {ولا يضار كاتب} فيكتب ما لم يمل عليه {ولا شهيد} فيشهد ما لم يستشهد. وأخرج ابن جرير والبيهقي عن الحسن {ولا يضار كاتب} فيزيد شيئا أو يحرف {ولا شهيد} لا يكتم الشهادة ولا يشهد إلا بحق. وأخرج ابن جرير عن الربيع قال: لمأنزلت هذه الآية {ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه اللّه} كان أحدهم يجيء إلى الكاتب فيقول: اكتب لي. فيقول: إني مشغول أو لي حاجة فانطلق إلى غيري، فيلزمه ويقول: إنك قد أمرت أن تكتب لي فلا يدعه ويضاره بذلك وهو يجد غيره، فأنزل اللّه {ولا يضار كاتب ولا شهيد}. وأخرج ابن جرير عن الضحاك {وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم} ويقول: إن تفعلوا غير الذي أمركم به {واتقوا اللّه ويعلمكم اللّه} قال: هذا تعليم علمكموه فخذوا به. وأخرج أبو يعقوب البغدادي في كتاب رواية الكبار عن الصغار عن سفيان قال: من عمل بما يعلم وفق لما لا يعلم. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من عمل بما علم ورثه اللّه علم ما لم يعلم". وأخرج الترمذي عن يزيد بن سلمة الجعفي أنه قال "يا رسول اللّه إني سمعت منك حديثا كثيرا أخاف أن ينسيني أوله آخره، فحدثني بكلمة تكون جماعا قال: اتق اللّه فيما تعلم". وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من معادن التقوى تعلمك إلى ما علمت ما لم تعلم والنقص والتقصير فيما علمت قلة الزيادة فيه، وإنما يزهد الرجل في علم ما لم يعلم قلة الانتفاع بما قد علم". وأخرج الدرامي عن عبد اللّه بن عمر. أن عمر بن الخطاب قال لعبد اللّه بن سلام: من أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون بما يعلمون. قال: فما ينفي العلم من صدور الرجال؟ قال: الطمع. وأخرج البيهقي في الشعب عن جابر بن عبد اللّه قال: تعلموا الصمت، ثم تعلموا الحلم، ثم تعلموا العلم، ثم تعلموا العمل به، ثم انشروا. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن زياد بن جدير قال: ما فقه قوم لم يبلغوا التقى. وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن قال: يقول اللّه عز وجل "إذا علمت أن الغالب على عبدي التمسك بطاعتي مننت عليه بالاشتغال بي والانقطاع إلي". وأخرج أبو الشيخ من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "العلم حياة الإسلام وعماد الإيمان، ومن علم علما أنمى اللّه له أجره إلى يوم القيامة، ومن تعلم علما فعمل به فإن حقا على اللّه أن يعلمه ما لم يكن يعلم". وأخرج هناد عن الضحاك قال: ثلاثة لا يسمع اللّه تعالى لهم دعاء. رجل معه امرأة زناء كلما قضى شهوته منها قال: رب اغفر لي. فيقول الرب تبارك وتعالى: تحول عنها وأنا أغفر لك وإلا فلا، ورجل باع بيعا إلى أجل مسمى ولم يشهد ولم يكتب فكافره الرجل بما له فيقول: يا رب كافرني فلان بمالي. فيقول الرب لا آجرك ولا أجيبك، إني أمرتك بالكتاب والشهود فعصيتني، ورجل يأكل مال قوم وهو ينظر إليهم ويقول: يا رب اغفر لي ما آكل من مالهم فيقول الرب تعالى: رد الهم مالهم وإلا فلا. ٢٨٣ أخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف من طرق عن ابن عباس أنه قرأ (ولم تجدوا كتابا) وقال: قد يوجد الكاتب ولا يوجد القلم ولا الدواة ولا الصحيفة، والكتاب يجمع ذلك كله قال: وكذلك كانت قراءة أبي. وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية أنه كان يقرأ (فإن لم تجدوا كتابا) قال: يوجد الكاتب ولا توجد الدواة ولا الصحيفة. وأخرج ابن الأنباري عن الضحاك. مثله. وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن الأنباري عن عكرمة أنه قرأها (فإن لم تجدوا كتابا). وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن الأنباري عن مجاهد أنه قرأها (فإن لم تجدوا كتابا) قال: مدادا. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس أنه كان يقرؤها (فإن لم تجدوا كتابا) وقال: الكتاب كثير لم يكن حواء من العرب إلا كان فيهم كاتب، ولكن كانوا لا يقدرون على القرطاس والقلم والدواة. وأخرج ابن الأنباري عن ابن عباس أنه كان يقرأ (ولم تجدوا كتابا) بضم الكاف وتشديد التاء. وأخرج الحاكم وصححه عن زيد بن ثابت قال: أقرأني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (فرهن مقبوضة) بغير ألف. وأخرج سعيد بن منصور عن حميد الأعرج وإبراهيم أنهما قرأ (فرهن مقبوضة). وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن وأبي الرجاء أنهما قرأ {فرهان مقبوضة}. وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {وإن كنتم على سفر...} الآية. قال: من كان على سفر فبايع بيعا إلى أجل فلم يجد كاتبا فرخص له في الرهان المقبوضة، وليس له إن وجد كاتبا أن يرتهن. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة} قال: لا يكون الرهان إلا في السفر. وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت "اشترى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم طعاما من يهودي بنسيئة ورهنه درعا له من حديد". وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا} يعني لم تقدروا على كتابة الدين في السفر {فرهان مقبوضة} يقول: فليرتهن الذي له الحق من المطلوب {فإن أمن بعضكم بعضا} يقول: فإن كان الذي عليه الحق أمينا عند صاحب الحق فلم يرتهن لثقته وحسن ظنه {فليؤد الذي ائتمن أمانته} يقول: ليؤد الحق الذي عليه إلى صاحبه، وخوف اللّه الذي عليه الحق فقال {وليتق اللّه ربه ولا تكتموا الشهادة} يعني عند الحكام يقول: من أشهد على حق فليقمها على وجهها كيف كانت {ومن يكتمها} يعني الشهادة ولا يشهد بها إذا دعي لها {فإنه آثم قلبه واللّه بما تعملون عليم} يعني من كتمان الشهادة وإقامتها. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لا يكون الرهن إلا مقبوضا يقبضه الذي له المال ثم قرأ {فرهان مقبوضة}. وأخرج البخاري في التاريخ الكبير وأبو داود والنحاس معا في الناسخ وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه بسند جيد عن أبي سعيد الخدري. أنه قرأ هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين} حتى إذا بلغ {فإن أمن بعضكم بعضا} قال: هذه نسخت ما قبلها. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عن الشعبي قال: لا بأس إذا أمنته أن لا تكتب ولا تشهد لقوله {فإن أمن بعضكم بعضا}. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع {ولا تكتموا الشهادة} قال: لا يحل لأحد أن يكتم شهادة هي عنده، وإن كانت على نفسه أو الوالدين أو الأقربين. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {آثم قلبه} قال: فاجر قلبه. ٢٨٤ أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} قال: نزلت في الشهادة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق مقسم عن ابن عباس في قوله {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه...} الآية. قال: نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها. وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال "لمأنزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {للّه ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء واللّه على كل شيء قدير} اشتد ذلك على أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم جثوا على الركب، فقالوا: يا رسول اللّه كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة، وقد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) (البقرة الآية ٢٨٥) فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل اللّه في أثرها (آمن الرسول...) (البقرة الآية ٢٨٥) الآية. فلما فعلوا ذلك نسخها اللّه فأنزل اللّه (لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها) (البقرة الآية ٢٨٦) إلى آخرها". وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: لمأنزلت هذه الآية {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} دخل في قلوبهم منه شيء لم يدخل من شيء فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم؟ فقال: قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا. فألقى اللّه الإيمان في قلوبهم، فأنزل اللّه (آمن الرسول...) (البقرة الآية ٢٨٥) الآية (لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) (البقرة الآية ٢٨٦) قال: قد فعلت (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) قال: قد فعلت (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) قال: قد فعلت (واعف عنا واغفر لنا وارحمنا...) الآية قال: قد فعلت. وأخرج عبد الرزاق وأحمد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: دخلت على ابن عباس فقلت: كنت عند ابن عمر فقرأ هذه الآية فبكى. قال: أية آية؟ قلت {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} قال ابن عباس: إن هذه الآية حين أنزلت غمت أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غما شديدا وغاظتهم غيظا شديدا، وقالوا: يا رسول اللّه هلكنا إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا وبما نعمل، فأما قلوبنا فليست بأيدينا؟ فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "قولوا سمعنا وأطعنا. قال: فنسختها هذه الآية (آمن الرسول) (البقرة الآية ٣٨٥) إلى (وعليها ما اكتسبت) فتجوز لهم عن حديث النفس وأخذوا بالأعمال". وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير والطبراني والبيهقي في الشعب عن سعيد بن مرجانة. أنه بينما هو جالس مع عبد اللّه بن عمر تلا هذه الآية {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه...} الآية. فقال: واللّه لئن آخذنا اللّه بهذا لنهلكن، ثم بكى حتى سمع نشيجه، قال ابن مرجانة: فقمت حتى أتيت ابن عباس فذكرت له ما قال ابن عمر وما فعل حين تلاها. فقال ابن عباس: يغفر اللّه لأبي عبد الرحمن، لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وجد عبد اللّه بن عمر، فأنزل اللّه بعدها (لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها) (البقرة الآية ٢٨٦) إلى آخر السورة قال ابن عباس: فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها، وصار الأمر إلى أن قضى اللّه أن للنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت من القول والعمل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير والنحاس في ناسخه والحاكم وصححه عن سالم أن أباه قرأ {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} فدمعت عيناه، فبلغ صنيعه ابن عباس فقال: يرحم اللّه أبا عبد الرحمن لقد صنع أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أنزلت، فنسختها الآية التي بعدها (لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها). وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد عن نافع قال: لقلما أتى ابن عمر على هذه الآية إلا بكى {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} إلى آخر الآية. ويقول: إن هذا لإحصاء شديد. وأخرج البخاري والبيهقي في الشعب عن مروان الأصغر عن رجل من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم أحسبه ابن عمر {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} قال: نسختها الآية التي بعدها. وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن علي قال: لمأنزلت هذه الآية {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه...) الآية. أحزنتنا قلنا: أيحدث أحدنا نفسه فيحاسب به لا ندري ما يغفر منه ولا ما لا يغفر منه؟! فنزلت هذه الآية بعدها فنسختها (لا يكلف اللّه نفسا إلا سعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت). وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني عن ابن مسعود في الآية قال: كانت المحاسبة قبل أن تنزل (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) فلما نزلت نسخت الآية التي كانت قبلها. وأخرج ابن جرير من طريق قتادة عن عائشة أم المؤمنين في الآية قال: نسختها (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت). وأخرج سفيان وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن المنذر عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن اللّه تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم وتعمل به". وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي قال "ما بعث اللّه من نبي ولا أرسل من رسول أنزل عليهم الكتاب إلا أنزل عليه هذه الآية {وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء واللّه على كل شيء قدير} فكانت الأمم تأبى على أنبيائها ورسلها، ويقولون: نؤاخذ بما نحدث به أنفسنا ولم تعمله جوارحنا؟! فيكفرون ويضلون، فلما نزلت على النبي صلى اللّه عليه وسلم اشتد على المسلمين ما اشتد على الأمم قبلهم، فقالوا: يا رسول اللّه أنؤاخذ بما نحدث به أنفسنا ولم تعمله جوارحنا؟ قال: نعم، فاسمعوا وأطيعوا واطلبوا إلى ربكم، فذلك قوله (آمن الرسول) (البقرة الآية ٢٨٥) الآية. فوضع اللّه عنهم حديث النفس إلا ما عملت الجوارح، لها ما كسبت من خير وعليها ما اكتسبت من شر (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) (البقرة الآية ٢٨٦) قال: فوضع عنهم الخطأ والنسيان (ربنا ولا تحمل علينا اصرا...) الآية. قال: فلم يكلفوا ما لم يطيقوا، ولم يحمل عليهم الاصر الذي جعل على الأمم قبلهم، وعفا عنهم وغفر لهم ونصرهم". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} فذلك سرائرك وعلانيتك {يحاسبكم به اللّه} فإنها لم تنسخ، ولكن اللّه إذا جمع الخلائق يوم القيامة يقول: إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم تطلع عليه ملائكتي، فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم وهو قوله (يحاسبكم به اللّه) يقول: يخبركم، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب وهو قوله (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) (البقرة الآية ٢٢٥). وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس عن مجاهد في قوله {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} قال: من اليقين والشك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه} فذلك سر عملك وعلانيته {يحاسبكم به اللّه} فما من عبد مؤمن يسر في نفسه خيرا ليعمل به فإن عمل به كتبت له عشر حسنات، وإن هو لم يقدر له أن يعمل كتب له به حسنة من أجل أنه مؤمن، واللّه رضي سر المؤمنين وعلانيتهم، وإن كان سوءا حدث به نفسه اطلع اللّه عليه أخبره اللّه به يوم تبلى السرائر، فإن هو لم يعمل به لم يؤاخذه اللّه به حتى يعمل به، فإن هو عمل به تجاوز اللّه عنه كما قال (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم) (الأحقاف الآية ١٦). وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس قال {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} نسخت فقال (لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها) (البقرة الآية ٢٨٦). وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} قال: لمأنزلت اشتد ذلك على المسلمين وشق عليهم فنسخها اللّه، فأنزل اللّه (لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها) (البقرة الآية ٢٨٦). وأخرج الطبراني في مسند الشاميين عن ابن عباس قال: لمأنزلت {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه...) الآية أتى أبو بكر، وعمر، ومعاذ بن جبل، وسعد بن زرارة، رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: ما نزل علينا آية أشد من هذه. وأخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس في الآية قال: إن اللّه يقول يوم القيامة: إن كتابي لم يكتبوا من أعمالكم إلا ما ظهر منها، فأما ما أسررتم في أنفسكم فأنا أحاسبكم به اليوم، فأغفر لمن شئت وأعذب من شئت. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في الآية قال: هي محكمة لم ينسخها شيء يعرفه اللّه يوم القيامة أنك أخفيت في صدرك كذا وكذا ولا يؤاخذه. وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أمية، أنها سألت عائشة عن قول اللّه تعالى {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} وعن قوله (من يعمل سوءا يجز به) (النساء الآية ١٢٣) فقالت: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت: هذه معاتبة اللّه العبد فيما يصيبه من الحمى والنكبة، حتى البضاعة يضعها في يد قميصه فيفقدها فيفزع لها ثم يجدها في ضبينه، حتى أن العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير من طريق الضحاك عن عائشة في قوله {وإن تبدوا ما في أنفسكم...} الآية. قالت: هو الرجل يهم بالمعصية ولا يعملها، فيرسل عليه من الغم والحزن بقدر ما كان هم من المعصية، فتلك محاسبته. وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت: كل عبد هم بسوء ومعصية وحدث به نفسه حاسبه اللّه به في الدنيا، يخاف ويحزن ويشتد همه لا يناله من ذلك شيء، كما هم بالسوء ولم يعمل منه شيئا. وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} بالرفع فيهما. وأخرج عن الأعمش: أنه قرأ بجزمهما. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش. أنه قال: في قراءة ابن مسعود (يحاسبكم به اللّه يغفر لمن يشاء) بغير فاء. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {فيغفر لمن يشاء...} الآية. قال: يغفر لمن يشاء الكبير من الذنوب، ويعذب من يشاء على الصغير. ٢٨٥ انظر تفسير الآية: ٢٨٦ ٢٨٦ أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن مجاهد قال "لمأنزلت (وإن تبدوا ما في أنفسكم) (البقرة الآية ٢٨٤) الآية. شق ذلك عليهم قالوا: يا رسول اللّه إنا لنحدث أنفسنا بشيء ما يسرنا أن يطلع عليه أحد من الخلائق، وإن لنا كذا وكذا. قال: أوقد لقيتم هذا؟ ذلك صريح الإيمان، فأنزل اللّه {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه...} الآيتين". وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب من طريق يحيى بن أبي كثير عن أنس قال: لمأنزلت هذه الآية على النبي صلى اللّه عليه وسلم {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "وحق له أن يؤمن. قال: الذهبي منقطع بين يحيى وأنس". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لمأنزلت هذه الآية قال "وحق له أن يؤمن. قلت هذا شاهد لحديث أنس". وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن علي بن أبي طالب. أنه قرأ (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه وآمن المؤمنون). وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس. أنه كان يقرأ (كل آمن باللّه وملائكته وكتابه). وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لمأنزلت هذه الآية قال المؤمنون: آمنا باللّه وملائكته وكتبه ورسله. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان لا نفرق بين أحد من رسله، لا نكفر بما جاءت به الرسل، ولا نفرق بين أحد منهم، ولا نكذب به {وقالوا سمعنا} للقرآن الذي جاء من اللّه {وأطعنا} أقروا للّه أن يطيعوه في أمره ونهيه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن عمير. أنه كان يقرأ (لا يفرق بين أحد من رسله) يقول: كل آمن، وكل لا يفرق. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {غفرانك ربنا} قال: قد غفرت لكم {وإليك المصير} قال: إليك المرجع والمآب يوم يقوم الحساب. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن حكيم بن جابر قال: لمأنزلت {آمن الرسول} قال جبريل للنبي صلى اللّه عليه وسلم: إن اللّه قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه. فسأل {لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها} حتى ختم السورة بمسألة محمد صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها} قال: هم المؤمنون، وسع اللّه عليهم أمر دينهم فقال (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (الحج الآية ٧٨) وقال (يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة الآية ١٨٥) وقال (فاتقوا اللّه ما استطعتم) (التغابن الآية ١٩). وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن عمران بن حصين قال: كانت لي بواسير، فسألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الصلاة فقال "صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} قال: من العمل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق الزهري عن ابن عباس قال: لمأنزلت ضج المؤمنون منها ضجة، وقالوا: يا رسول اللّه: هذا نتوب من عمل اليد والرجل واللسان كيف نتوب من الوسوسة؟ كيف نمتنع منها؟ فجاء جبريل بهذه الآية {لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها} إنكم لا تستطيعون أن تمتنعوا من الوسوسة. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {إلا وسعها} قال: إلا طاقتها. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك {إلا وسعها} قال: إلا ما تطيق. وأخرج سفيان والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم به". وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي بكر الهذلي عن شهر عن أم الدرداء عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إن اللّه تجاوز لأمتي عن ثلاث. عن الخطأ، والنسيان، والاستكراه. قال أبو بكر: فذكرت ذلك للحسن فقال: أجل، أما تقرأ بذلك قرآنا {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} ". وأخرج ابن ماجة وابن المنذر وابن حبان والطبراني والدارقطني والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن اللّه تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه". وأخرج ابن ماجة عن أبي ذر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه". وأخرج الطبراني عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه". وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه". وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "وضع اللّه عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه". وأخرج ابن عدي في الكامل وأبو نعيم في التاريخ عن أبي بكرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "رفع اللّه عن هذه الأمة الخطأ، والنسيان، والأمر يكرهون عليه". وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن الحسن عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "تجوز لهذه الأمة الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه". وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه تجاوز لأمتي عن ثلاث: عن الخطأ، والنسيان، والاكراه". وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "تجاوز اللّه لابن آدم عما أخطأ، وعما نسي، وعما أكره، وعما غلب عليه". وأخرج ابن جرير عن السدي قال: إن هذه الآية حين نزلت {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال له جبريل: إن اللّه قد فعل ذلك يا محمد. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {اصرا} قال: عهدا. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {ولا تحمل علينا اصرا} قال: عهدا. وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله {ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا} قال: عهدا كما حملته على اليهود، فمسختهم قردة وخنازير. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت أبا طالب وهو يقول: أفي كل عام واحد وصحيفة * يشد بها أمر وثيق وأيصره وأخرج ابن جرير عن ابن جريج {ولا تحمل علينا اصرا} قال: عهدا ألا نطيقه ولا نستطيع القيام به {كما حملته على الذين من قبلنا} اليهود والنصارى فلم يقوموا به فأهلكتهم {ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} قال: مسخ القردة والخنازير. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا} قال: كم من تشديد كان على من كان قبلنا {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} قال: كم من تخفيف ويسر وعافية في هذه الأمة. وأخرج ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح {ولا تحمل علينا اصرا} قال: لا تمسخنا قردة وخنازير. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله {ولا تحمل علينا اصرا} يقول: التشديد الذي شدد به على من كان من أهل الكتاب. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن عبد الرحمن بن حسنة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم البول قرضوه بالمقاريض". وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى قال: كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم البول يتبعه بالمقراضين. وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت "دخلت على امرأة من اليهود فقالت: إن عذاب القبر من البول. قلت: كذبت. قالت: بلى. قالت: إنه ليقرض منه الجلد والثوب، فأخبرت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: صدقت". وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: لا تحمل علينا ذنبا ليس فيه توبة ولا كفارة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الفضيل في قوله {ولا تحمل علينا اصرا} قال: كان الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب قيل له: توبتك أن تقتل نفسك فيقتل نفسه، فوضعت الآصار عن هذه الأمة. وأخرج ابن جرير عن الضحاك {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} قال: لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق. وأخرج ابن جرير عن السدي {ما لا طاقة لنا به} من التغليظ والأغلال التي كانت عليهم من التحريم. وأخرج ابن جرير عن سلام بن سابور {ما لا طاقة لنا به} قال: الغلمة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول {ما لا طاقة لنا به} قال: الغربة والغلمة والانعاظ. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد {واعف عنا} إن قصرنا عن شيء مما أمرتنا به {واغفر لنا} إن انتهكنا شيئا مما نهيتنا عنه {وارحمنا} يقول: لا ننال العمل بما أمرتنا به، ولا ترك ما نهيتنا عنه إلا برحمتك. قال: ولم ينج أحد إلا برحمته. وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في شعب الإيمان عن الضحاك قال: جاء بها جبريل ومعه من الملائكة ما شاء اللّه {آمن الرسول} إلى قوله {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا} قال: ذلك لك، وهكذا عقب كل كلمة. وأخرج سفيان بن عيينة وعبد بن حميد عن الضحاك قال "أقرأ جبريل النبي آخر سورة البقرة، فلما حفظها قال: اقرأها. فقرأها، فجعل كلما مر بحرف قال: ذلك لك حتى فرغ منها". وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: لمأنزلت هذه الآيات {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} فكلما قالها جبريل للنبي صلى اللّه عليه وسلم قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: آمين رب العالمين. وأخرج عبد بن حميد عن أبي ذر قال: هي للنبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة. وأخرج ابن جرير عن الضحاك في هذه الآية قال: كان عليه الصلاة والسلام فسألها نبي اللّه ربه، فأعطاه إياها، فكانت للنبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة. وأخرج أبو عبيد عن أبي ميسرة "إن جبريل لقن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند خاتمة البقرة: آمين". وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر عن معاذ بن جبل. أنه كان إذا فرغ من قراءة هذه السورة {وانصرنا على القوم الكافرين} قال: آمين. وأخرج أبو عبيد عن جبير بن نغير. أنه كان إذا قرأ خاتمة البقرة يقول: آمين، آمين. وأخرج ابن السني والبيهقي في الشعب عن حذيفة قال "صليت خلف النبي صلى اللّه عليه وسلم فقرأ سورة البقرة، فلما ختمها قال: اللّهم ربنا ولك الحمد عشرا أو سبع مرات". وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وأحمد والدرامي؟ ؟والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن الضريس والبيهقي في سننه عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه". وأخرج أبو عبيد والدرامي؟؟ والترمذي والنسائي وابن الضريس ومحمد بن نصر وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن النعمان بن بشير "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن اللّه كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام، فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان". وأخرج أحمد وأبو عبيد ومحمد بن نصر عن عقبة بن عامر "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: اقرؤوا هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة، فإن ربي أعطانيهما من تحت العرش". وأخرج الطبراني عن عقبة بن عامر قال: ترددوا في الآيتين من آخر سورة البقرة {آمن الرسول} إلى خاتمتها، فإن اللّه اصطفى بها محمدا. وأخرج أحمد والنسائي والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن حذيفة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش، لم يعطها نبي قبلي". وأخرج إسحق بن راهويه وأحمد والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش، لم يعطهن نبي قبلي". وأخرج مسلم عن ابن مسعود قال "لما أسري برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى، فأعطي ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك باللّه شيئا من أمته المقحمات". وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي ذر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن اللّه ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش، فتعلموهما وعلموهما نساءكم وأبناءكم، فإنهما صلاة وقرآن ودعاء. وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وجعفر الفريابي في الذكر عن محمد بن المنكدر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أواخر سورة البقرة "إنهن قرآن، وإنهن دعاء، وإنهن يدخلن الجنة، وإنهن يرضين الرحمن". وأخرج الديلمي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "آيتان هما قرآن، وهما يشفيان، وهما مما يحبهما اللّه، الآيتان من آخر البقرة". وأخرج الطبراني بسند جيد عن شداد بن أوس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان ". وأخرج مسدد عن عمر قال: ما كنت أرى أحدا يعقل ينام حتى يقرأ الآيات الأواخر من سورة البقرة، فإنهن من كنز تحت العرش. وأخرج الدارمي ومحمد بن نصر وابن الضريس وابن مردويه عن علي قال: ما كنت أرى أن أحدا يعقل ينام حتى يقرأ هؤلاء الآيات الثلاث من آخر سورة البقرة، وإنهن لمن كنز تحت العرش. وأخرج الفريابي وأبو عبيد والطبراني ومحمد بن نصر عن ابن مسعود قال: أنزلت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش. وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: من قرأ في ليلة آخر سورة البقرة فقد أكثر وأطاب. وأخرج الخطيب في تلخيص المتشابه عن ابن مسعود قال: من قرأ الثلاث الأواخر من سورة البقرة فقد أكثر وأطاب. وأخرج ابن عدي عن ابن مسعود الأنصاري "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: أنزل اللّه آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألفي عام، من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه عن قيام الليل". وأخرج ابن الضريس عن ابن مسعود البدري قال: من قرأ خاتمة سورة البقرة في ليلة أجزأت عنه قيام ليلة، وقال: أعطي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش. وأخرج أبو يعلى عن ابن عباس قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر، في الركعة الأولى {آمن الرسول} حتى ختمها، وفي الثانية من آل عمران (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء..) [سورة آل عمران:٦٤] الآية.". وأخرج أبو عبيد عن كعب أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم أعطي أربع آيات لم يعطهن موسى، وإن موسى أعطي آية لم يعطها محمد صلى اللّه عليه وسلم. قال: والآيات التي أعطيهن محمد {للّه ما في السموات وما في الأرض} حتى ختم البقرة، فتلك ثلاث آيات، وآية الكرسي حتى تنقضي، والآية التي أعطيها موسى اللّهم لا تولج الشيطان في قلوبنا وخلصنا منه، من أجل أن لك الملكوت والأيد والسلطان والملك والحمد والأرض والسماء والدهر الداهر أبدا أبدا، آمين آمين. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن، أنه كان إذا قرأ آخر البقرة قال: يا لك نعمة، يا لك نعمة. وأخرج ابن جرير في تهذيب الآثار عن أيوب. أن أبا قلابة كتب إليه بدعاء الكرب وأمره أن يعلمه ابنه. لا إله إلا اللّه العظيم الحليم، لا إله إلا اللّه رب العرش العظيم، لا إله إلا اللّه رب السموات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم، سبحانك يا رحمن ما شئت أن يكون كان وما لم تشاء لم يكن، لا حول ولا قوة إلا باللّه، أعوذ بالذي يمسك السموات السبع ومن فيهن أن يقعن على الأرض من شر ما خلق ومن شر ما برأ، وأعوذ بكلمات اللّه التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر السامة، والهامة، ومن الشر كله في الدنيا والآخرة، ثم يقرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة. |
﴿ ٠ ﴾