٦٢

أخرج ابن أبي عمر العدني في سنده وابن أبي حاتم عن سلمان قال: سألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم، فذكر من صلاتهم وعبادتهم، فنزلت {وإن الذين آمنوا والذين هادوا...} الآية.

وأخرج الواحدي عن مجاهد قال: لما قص سلمان على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قصة أصحابه قال: هم في النار. قال سلمان: فأظلمت علي الأرض، فنزلت {وإن الذين آمنوا والذين هادوا} إلى قوله {يحزنون} قال: فكأنما كشف عني جبل.

وأخرج ابن جرير واللفظ له وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {وإن الذين آمنوا والذين هادوا...} الآية. قال: نزلت هذه الآية في أصحاب سلمان الفارسي، وكان رجلا من جند نيسابور، وكان من أشرافهم، وكان ابن الملك صديقا له مؤاخيا لا يقضي واحد منهما أمر دون صاحبه، وكانا يركبان إلى الصيد جميعا، فبينما هما في الصيد إذ رفع لهما بيت من عباءة، فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه وهو يبكي فسألاه ما هذا؟ فقال: الذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما، فإن كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا حتى أعلمكما، فنزلا إليه فقال لهما: هذا كتاب جاء من عند اللّه، أمر فيه بطاعته ونهى عن معصيته، فيه أن لا تسرق ولا تزني ولا تأخذ أموال الناس بالباطل، فقص عليهما ما فيه وهو الإنجيل الذي أنزل اللّه على عيسى، فوقع في قلوبهما وتابا فأسلما، وقال لهما: إن ذبيحة قومكما عليكما حرام، فلم يزالا معه كذلك يتعلمان منه حتى كان عيد للملك، فجمع طعاما ثم جمع الناس والأشراف، وأرسل إلى ابن الملك رسولا فدعاه إلى ضيعته ليأكل مع الناس، فأبى الفتى وقال: إني عنك مشغول فكل أنت وأصحابك، فلما أكثر عليه من الرسل أخبرهم أنه لا يأكل من طعامهم، فبعث الملك إلى ابنه ودعاه وقال: ما أمرك هذا؟ قال: إنا لا نأكل من ذبائحكم، إنكم كفار ليس تحل ذبائحكم. فقال له الملك: من أمرك هذا؟ فأخبره أن الراهب أمره بذلك، فدعا الراهب فقال: ماذا يقول ابني؟ قال: صدق ابنك. قال له: لولا الدم فينا عظيم لقتلتك ولكن أخرج من أرضنا، فأجله أجلا فقال سلمان: فقمنا نبكي عليه. فقال لهما: إن كنتما صادقين فإنا في بيعة في الموصل، ستين رجلا نعبد اللّه فأتونا فيها، فخرج الراهب وبقي سلمان وابن الملك، فجعل سلمان يقول لابن الملك: انطلق بنا. وابن الملك يقول: نعم.

وجعل ابن الملك يبيع متاعه يريد الجهاز، فلما أبطأ على سلمان خرج سلمان حتى أتاهم، فنزل على صاحبه وهو رب البيعة، فكان أهل تلك البيعة أفضل مرتبة من الرهبان، فكان سلمان معه يجتهد في العبادة ويتعب نفسه، فقال له سلمان: أرأيت الذي تأمرني به هو أفضل أو الذي أصنع؟ قال: بل الذي تصنع. قال: فخل عني. ثم إن صاحب البيعة دعاه فقال أتعلم أن هذه البيعة لي وأنا أحق الناس بها، ولو شئت أن أخرج منها هؤلاء لفعلت ولكني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء، وأنا أريد أن أتحول من هذه البيعة إلى بيعة أخرى هم أهون عبادة من ههنا، فإن شئت أن تقيم هنا فاقم وإن شئت أن تنطلق معي فانطلق. فقال له سلمان: أي البيعتين أفضل أهلا؟ قال: هذه. قال سلمان: فأنا اكون في هذه فأقام سلمان بها وأوصى صاحب البيعة بسلمان يتعبد معهم. ثم إن الشيخ أراد أن يأتي بيت المقدس فدعا سلمان فقال: إني أريد أن آتي بيت المقدس، فإن شئت أن تنطلق معي فانطلق، وإن شئت أن تقيم فأقم. قال له سلمان: أيهما أفضل، أنطلق معك أو أقيم؟ قال: لا بل تنطلق. فانطلق معه فمروا بمقعد على ظهر الطريق ملقى، فلما رآهما نادى يا سيد الرهبان ارحمني رحمك اللّه، فلم يكلمه ولم ينظر إليه، وانطلقا حتى أتيا بيت المقدس، وقال الشيخ لسلمان: أخرج فاطلب العلم، فإنه يحضر هذا المسجد علماء الأرض. فخرج سلمان يسمع منهم، فرجع يوما حزينا فقال له الشيخ مالك يا سلمان قال: إن الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء والأتباع. فقال له الشيخ: لا تحزن فإنه قد بقي نبي ليس من نبي بأفضل تبعا منه، وهذا الزمان الذي يخرج فيه ولا أراني أدركه، وأما أنت فشاب فلعلك أن تدركه، وهو يخرج في أرض العرب فإن أدركته فآمن به واتبعه. قال له سلمان: فأخبرني عن علامته بشيء. قال: نعم، وهو مختوم في ظهره بخاتم النبوة وهو يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، ثم رجعا حتى بلغا مكان المقعد فناداهما فقال: يا سيد الرهبان ارحمني رحمك اللّه فعطف إليه حماره فأخذ بيده فرفعه فضرب به الأرض ودعا له، وقال: قم بإذن اللّه. فقام صحيحا يشتد.

فجعل سلمان يتعجب وهو ينظر إليه، وسار الراهب فغيب عن سلمان ولا يعلم سلمان. ثم إن سلمان فزع بطلب الراهب، فلقيه رجلان من العرب من كلب، فسألهما هل رأيتما الراهب؟ فأناخ أحدهما راحلته قال: نعم [؟؟] راعي الصرمة هذا، فحمله فانطلق به إلى المدينة قال سلمان: فأصابني من الحزن شيء لم يصبني مثله قط، فاشترته امرأة من جهينة فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم، هذا يوما وهذا يوما، وكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد صلى اللّه عليه وسلم. فبينما هو يوما يرعى إذ أتاه صاحبه بعقبة فقال له: أشعرت أنه قد قدم المدينة اليوم رجل يزعم أنه نبي؟! فقال له سلمان: أقم في الغنم حتى آتيك. فهبط سلمان إلى المدينة فنظر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ودار حوله، فلما رآه النبي صلى اللّه عليه وسلم عرف ما يريد، فأرسل ثوبه حتى خرج خاتمة، فلما رآه أتاه وكلمه، ثم انطلق فاشترى بدينار ببعضه شاة فشواها وببعضه خبزا، ثم أتاه به فقال: ماهذه؟ قال سلمان: هذه صدقة. قال: لا حاجة لي بها فأخرجها فليأكلها المسلمون. ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزا ولحما، ثم أتى به النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قال: هذه هدية. قال: فاقعد فكل. فقعد فأكلا منها جميعا. فبينما هو يحدثه إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم، فقال: كانوا ويصومون ويؤمنون بك، ويشهدون أنك ستبعث نبيا، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يا سلمان هم من أهل النار" فاشتد ذلك على سلمان وقد كان قال له سلمان: لو أدركوك صدقوك واتبعوك. فأنزل اللّه هذه الآية {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن باللّه واليوم الآخر}.

وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال "سأل سلمان الفارسي النبي صلى اللّه عليه وسلم عن أولئك النصارى، وما رأى أعمالهم، قال: لم يموتوا على الإسلام. قال سلمان: فأظلمت علي الأرض وذكرت اجتهادهم، فنزلت هذه الآية {إن الذين آمنوا والذين هادوا} فدعا سلمان فقال: نزلت هذه الآية في أصحابك، ثم قال: من مات على دين عيسى قبل أن يسمع بي فهو على خير، ومن سمع بي ولم يؤمن فقد هلك".

وأخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن الذين آمنوا والذين هادوا...} الآية. قال: فأنزل اللّه بعد هذا (ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد اللّه بن نجى عن علي قال: إنما سميت اليهود لأنهم قالوا: إنا هدنا إليك.

وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن مسعود قال: نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية، بكلمة موسى عليه السلام إنا هدنا إليك، ولم تسمت النصارى بالنصرانية، من كلمة عيسى عليه السلام كونوا أنصار اللّه.

وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود قال: نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية، ولم تسمت النصارى بالنصرانية، إنما تسمت اليهود باليهودية بكلمة قالها موسى إنا هنا إليك، فلما مات قالوا هذه الكلمة كانت تعجبه فتسموا اليهود، وإنما تسمت النصارى بالنصرانية لكلمة قالها عيسى من أنصاري إلى اللّه؟ قال الحواريون: نحن أنصار اللّه فتسموا بالنصرانية.

وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: إنما سموا نصارى بقرية يقال لها ناصرة ينزلها عيسى بن مريم، فهو اسم تسموا به ولم يؤمروا به.

وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن جرير عن ابن عباس قال: إنما سميت النصارى لأن قرية عيسى كانت تسمى ناصرة.

وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الصابئون قوم بين اليهود والمجوس والنصارى ليس لهم دين.

وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: الصابئون ليسوا بيهود ولا نصارى، هم قوم من المشركين لا كتاب لهم.

وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال: سئل ابن عباس عن الصابئين؟ فقال: هم قوم بين اليهود والنصارى والمجوس، لا تحل ذبائحهم ولا مناكحهم.

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: الصابئون منزله بين النصرانية والمجوسية. لفظ ابن أبي حاتم: منزلة بين اليهود والنصارى.

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: ذهبت الصابئون إلى اليهود فقالوا: ما أمركم؟ قالوا: نبينا موسى جاءنا بكذا وكذا ونهانا عن كذا وكذا، وهذه التوراة فمن تابعنا دخل الجنة، ثم أتوا النصارى فقالوا في عيسى ما قالت اليهود في موسى، وقالوا هذا الإنجيل فمن تابعنا دخل الجنة، فقالت الصابئون هؤلاء يقولون نحن ومن اتبعنا في الجنة، واليهود يقولون نحن ومن اتبعنا في الجنة، فنحن به لا ندين، فسماهم اللّه الصابئين.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور.

وأخرج وكيع عن السدي قال الصابئون من أهل الكتاب.

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: الصابئون قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى غير القبلة، ويقرؤون الزبور.

وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: الصابئ: الذي يعرف اللّه وحده، وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرا.

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الزناد قال: الصابئون قال: الصابئون مما يلي العراق، وهم بكوثى يؤمنون بالنبيين كلهم.

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: يقولون الصابئون: وما الصابئون [؟؟] الصابئون ويقولون: الخاطئون وما الخاطئون الخاطئون.

﴿ ٦٢