١٩٩

أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي في سننه عن عائشة قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس وكانت سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها، فذلك قوله {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}.

وأخرج البخاري ومسلم عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس والحمس قريش وما ولدت، كانوا يطوفون عراة إلا أن تعطيهم الحمس ثيابا، فيعطون الرجال الرجال والنساء النساء، وكانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة، وكان الناس كلهم يبلغون عرفات قال هشام: فحدثني أبي عن عائشة قال: كانت الحمس الذين أنزل اللّه فيهم {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} قالت: كان الناس يفيضون من عرفات وكان الحمس يفيضون من المزدلفة، يقولون: لا نفيض إلا من الحرم. فلما نزلت {أفيضوا من حيث أفاض الناس} رجعوا إلى عرفات.

وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت: قالت قريش: نحن قواطن البيت لا نجاوز الحرم فقال اللّه {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}.

وأخرج البخاري ومسلم والنسائي والطبراني عن جبير بن مطعم قال: أضللت بعيرا لي فذهبت أطلبه يوم عرفة، فرأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واقفا مع الناس بعرفة، فقلت واللّه إن هذا لمن الحمس فما شأنه ههنا؟ وكانت قريش تعد من الحمس. وزاد الطبراني وكان الشيطان قد استهواهم فقال لهم: إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس حرمكم، وكانوا لا يخرجون من الحرم.

وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن جبير بن مطعم قال: كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة ويقولون: نحن الحمس فلا نخرج من الحرم وقد تركوا الموقف على عرفة، فرأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الجاهلية يقف مع الناس بعرفة على جمل له، ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة فيقف معهم، ثم يدفع إذا دفعوا.

وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن جبير بن مطعم قال: "لقد رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل أن ينزل عليه وأنه لواقف على بعير به بعرفات مع الناس يدفع معهم منها، وما ذاك إلا توفيق من اللّه".

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كانت العرب تقف بعرفة وكانت قريش دون ذلك بالمزدلفة، فأنزل اللّه {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}.

وأخرج ابن المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كانت قريش يقفون بالمزدلفة ويقف الناس بعرفة إلا شيبة بن ربيعة، فأنزل اللّه {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: كانت قريش وكل ابن اخت لهم وحليف لا يفيضون مع الناس من عرفات إنما يفيضون من المغمس، كانوا يقولون: إنما نحن أهل اللّه فلا نخرج من حرمه، فأمرهم اللّه أن يفيضوا من حيث أفاض الناس، وكانت سنة إبراهيم وإسماعيل الإفاضة من عرفات.

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {من حيث أفاض الناس} قال: إبراهيم.

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} قال عرفة، كانت قريش تقول: إنما نحن حمس أهل الحرم لا يخلف الحرم المزدلفة، أمروا أن يبلغوا عرفة.

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال: كان الناس يقفون بعرفة إلا قريشا وأحلافها وهي الحمس، فقال بعضهم: لا تعظموا إلا الحرم فإنكم إن عظمتم غير الحرم أوشك أن تتهاونوا بحرمكم، فقصروا عن مواقف الحق فوقفوا بجمع، فأمرهم اللّه أن يفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات.

أما قوله تعالى: {واستغفروا اللّه إن اللّه غفور رحيم}.

أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: إذا كان يوم عرفة هبط اللّه إلى السماء الدنيا في الملائكة، فيقول لهم: عبادي آمنوا بوعدي وصدقوا رسلي ما جزاؤهم؟ فيقال: أن يغفر لهم. فذلك قوله {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا اللّه إن اللّه غفور رحيم}.

وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة وابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي والحاكم عن عائشة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق اللّه فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملاءكة فيقول: مأراده هؤلاء".

وأخرج أحمد وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم: انظروا عبادي جاؤوني شعثا غبرا".

وأخرج البزار وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي عن جابر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: أفضل الأيام أيام العشر - يعني عشر ذي الحجة - قيل: وما مثلهن في سبيل اللّه؟ قال: ولا مثلهن في سبيل اللّه إلا رجل عفر وجهه بالتراب، وما من يوم أفضل عند اللّه من يوم عرفة، ينزل اللّه تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأضر أهل السماء، فيقول: انظروا عبادي جاؤوني شعثا غبرا ضاحين، جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ويستعيذون من عذابي ولم يروه، فلم ير يوما أكثر عتقا وعتيقة من النار منه".

وأخرج أحمد والطبراني عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: إن اللّه يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة فيقول: انظروا عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فما من يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة".

وأخرج مالك والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن طلحة بن عبيد اللّه بن كريز "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه من يوم عرفة، وما ذاك إلا مما يرى فيه من تنزل الرحمة وتجاوز اللّه عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر. قالوا: يا رسول اللّه وما الذي رأى يوم بدر؟ قال: رأى جبريل يزع الملائكة".

وأخرج البيهقي عن الفضيل بن عباس "أنه كان رديف النبي صلى اللّه عليه وسلم بعرفة، وكان الفتى يلاحظ النساء، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ببصره هكذا وصرفه، وقال يا ابن أخي: هذا يوم من ملك فيه بصره إلا من حق، وسمعه إلا من حق، ولسان إلا من حق، غفر له".

وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل قولي وقول الأنبياء قبلي لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير".

وأخرج البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال "كان أكثر دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم عرفة لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير".

وأخرج الترمذي وابن خزيمة والبيهقي عن علي بن أبي طالب قال "كان أكثر دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عشية يوم عرفة اللّهم لك الحمد كالذي نقول وخيرا مما نقول: اللّهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي ولك رب تدآبي، اللّهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللّهم إني أسألك من خير ما تجيء به الريح وأعوذ بك من شر ما تجيء به الريح".

وأخرج البيهقي في الشعب عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من مسلم يقف عشية عرفة بالوقف يستقبل القبلة يوجهه، ثم يقول: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير مائة مرة، ثم يقرأ (قل هو اللّه أحد) (الإخلاص الآية ١) مائة مرة، ثم يقول: اللّهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وعلينا معهم مائة مرة إلا قال اله تعالى: يا ملائكتي ما جزاء عبدي هذا سبحني وهللني وكبرني وعظمني وعرفني وأثنى علي وصلى على نبيي، اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له وشفعته في نفسه، ولو سألني عبدي هذا لشفعته في أهل الموقف كلهم. قال البيهقي: هذا متن غريب، وليس إسناده من ينسب إلى الوضع".

وأخرج البيهقي عن بكير بن عتيق قال: حججت فتوسمت رجلا أقتدي به إذا سالم بن عبد اللّه في الموقف يقول: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا اللّه إلها واحدا ونحن له مسلمون، لا إله إلا اللّه ولو كره المشركون، لا إله إلا اللّه ربنا ورب آبائنا الأولين. فلم يزل يقول هذا حتى غابت الشمس، ثم نظر إلي وقال: حدثني أبي عن جدي عمر بن الخطاب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "يقول اللّه تبارك وتعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين".

وأخرج ابن أبي شيبة والجندي في فضائل مكة عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، اللّهم اجعل في سمعي نورا، في بصري نورا، وفي قلبي نورا، اللّهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، وأعوذ بك من وسواس الصدور، وتشتت الأمور، وعذاب القبر، اللّهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، شر بوائق الدهر".

وأخرج الجندي عن ابن جريج قال: بلغني أنه كان يؤمر أن يكون أكثر دعاء المسلم في الوقف: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي وابن أبي عاصم والطبراني معا في الدعاء والبيهقي في الدعوات عن عبد اللّه بن مسعود قال "ما من عبد ولا أمة دعا اللّه ليلة عرفة بهذه الدعوات - وهي عشر كلمات - ألف مرة إلا ولم يسأل اللّه شيئا إلا أعطاه إياه إلا قطيعة رحم أوإثما. سبحان اللّه الذي في السماء عرشه، سبحان الذي في النار سلطانه، سبحان الذي في الجنة رحمته، سبحان الذي في القبور قضاؤه، سبحان الذي في الهواء روحه، سبحان الذي رفع السماء، سبحان الذي وضع الأرض، سبحان الذي لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه. قيل له: أنت سمعت هذا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: نعم".

وأخرج ابن أبي شيبة عن صدقة بن يسار قال: سألت مجاهدا عن قراءة القرآن أفضل يوم عرفة أم الذكر؟ قال: لا بل قراءة القرآن.

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي عن علي بن أبي طالب أنه قال وهو بعرفات: لا أدع هذا الموقف ما وجدت إليه سبيلا، لأنه ليس في الأرض يوم أكثر عتقا للرقاب فيه من يوم عرفة، فأكثروا في ذلك اليوم من قول: اللّهم أعتق رقبتي من النار، وأوسع لي في الرزق، واصرف عني فسقة الجن والإنس، فإنه عامة ما أدعوك به.

وأخرج الطبراني في الدعاء عن ابن عباس قال: كان من دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عشية عرفة"اللّهم إنك ترى مكاني، وتسمع كلامي، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنوبه، أسألك مسألة المساكين، وأبتهل إليك إبتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف المضرور من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عيناه، ونحل لك جسده ورغم أنفه، اللّهم لا تجعلني بدعائك شقيا، وكن بي رؤوفا رحيما يا خير المسؤولين ويا خير المعطين".

وأخرج الطبراني في الدعاء عن ابن عمر. أنه كان يرفع صوته عشية عرفة يقول: اللّهم اهدنا بالهدي، وزينا بالتقوى، واغفر لنا في الآخرة والأولى، ثم يخفصض صوته بقوله: اللّهم إني أسألك من فضلك رزقا طيبا مباركا، اللّهم إني أمرت بالدعاء وقضيت على نفسك بالإجابة، وإنك لا تخلف وعدك ولا تنكث عهدك، اللّهم ما أحببت من خير فحببه إلينا ويسره لنا، وما كرهت من شر فكرهه إلينا وجنبناه، ولا تنزع منا الإسلام بعد إذ أعطيتناه.

وأخرج عبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو ذر الهروي في المناسك عن أبي مجلز قال: شهدت ابن عمر بالوقف بعرفات، فسمعته يقول: اللّه أكبر وللّه الحمد ثلاث مرات، ثم يقول: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مرة واحدة، ثم يقول: اللّهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا ويسكت قدر ما يقرأ فاتحة الكتاب، ثم يعود فيقول مثل ذلك حتى أفاض.

وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي سليمان الداراني عن عبد اللّه بن أحمد بن عطية قال: سئل علي بن أبي طالب عن الوقوف بالجبل ولم لم يكن في الحرم؟ قال: لأن الكعبة بيت اللّه والحرم باب اللّه، فلما قصدوه وافدين وقفهم بالباب يتضرعون. قيل: يا أمير المؤمنين فالوقوف بالمشعر؟ قال: لأنه لما أذن لهم بالدخول وقفهم بالحجاب الثاني وهو المزدلفة، فلما أن طال تضرعهم أذن لهم بتقريب قربانهم بمنى، فلما أن قضوا تفثهم وقربوا قربانهم فتطهروا بها من الذنوب التي كانت لهم أذن لهم بالوفادة إليه على الطهارة. قيل: يا أمير المؤمنين فمن أين حرم صيام أيام التشريق؟ قال: لأن القوم زاروا اللّه وهم في ضيافته، ولا يجوز للضيف أن يصوم دون إذن من أضافه. قيل: يا أمير المؤمنين فتعلق الرجل بأستار الكعبة لأي معنى هو؟ قال: مثل الرجل بينه وبين سيده جناية فتعلق بثوبه وتنصل إليه وتحدى له ليهب له جنايته.

وأخرج ابن زنجويه والأزرقي والجندي ومسدد والبزار في مسنديهما وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أنس بن مالك قال: كنت قاعدا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مسجد الخيف أتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف، فسلما عليه ثم قالا: يا رسول اللّه جئنا نسألك. قال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه، وإن شئتما سألتماني. قال: أخبرنا يا رسول اللّه نزداد إيمانا ويقينا! قال للأنصاري: جئت تسأل عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه، وعن طوافك وما لك فيه، وعن ركعتيك بعد الطواف وما لك فيهما، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه، وعن وقوفك بعرفة وما لك فيه، وعن رميك الجمار وما لك فيه، وعن طوافك بالبيت وما لك فيه، يعني الإفاضة. قال: والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأسألك عن ذلك.

﴿ ١٩٩