٢٠٢

وقال: أما مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن ناقتك لا ترفع خفا ولا تضعه إلا كتب اللّه لك به حسنة ومحا به عنك خطيئة، وأما طوافك بالبيت فإنك لا ترفع قدما ولا تضعها إلا كتب اللّه لك بها حسنة ومحا عنك بها خطيئة ورفع لك بها درجة، وأما ركعتاك بعد طوافك فكعتق رقبة من بني إسماعيل، وأما طوافك بين الصفا والمروة فكعتق سبعين رقبة، وأما وقوفك عشية عرفة فإن اللّه تعالى يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة، ويقول: انظروا إلى عبادي جاؤوني من كل فج عميق شعثا غبرا يرجون رحمتي ومغفرتي، فلو كانت ذنوبهم مثل الرمل، وعدد القطر، ومثل زبد البحر، ومثل نجوم السماء، لغفرتها لهم ويقول: أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولم شفعتم فيه، وأما رميك الجمار فإن اللّه يغفر لك بكل حصاة رميتها كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات، وأما نحرك فمدخور لك عند ربك، وأما طوافك بالبيت - يعني الإفاضة - فإنك تطوف ولا ذنب عليك، ويأتيك ملك فيضع يده بين كتفيك ويقول: اعمل لما بقي فقد كفيت ما مضى.

وأخرج البزار والطبراني وابن حبان عن ابن عمر قال "كنت جالسا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في مسجد منى، فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف، فسلما عليه ثم قالا: يا رسول اللّه جئنا نسألك فقال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه فعلت، وإن شئتما أن أمسك وتسألاني فعلت. فقالا: أخبرنا يا رسول اللّه! فقال الثقفي للأنصاري: سل. فقال: أخبرني يا رسول اللّه. فقال: جئتن تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه، وعن طوافك وما لك فيهما، وعن ركعتيك بعد الطواف وما لك فيهما، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه، وعن وقوفك عشية عرفة وما لك فيه، وعن رميك الجمار وما لك فيه، وعن نحرك وما لك فيه مع الإفاضة. قال: والذي بعثك بالحق لعن هذا جئت أسألك.

قال: فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام لا تضع ناقتك خفا ولا ترفعه إلا كتب اللّه لك به حسنة ومحى عنك خطيئة، وأما ركعتاك بعد الطواف فكعتق رقبة من بني إسماعيل، وأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين رقبة، وأما وقوفك عشية عرفة فإن اللّه يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة، فيقول: عبادي جاؤوني شعثا غبرا من كل فج عميق يرجون جنتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، أو كقطر المطر، أو كزبد البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم له، وأما رميك الجمار فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات، وأما نحرك فمدخور لك عند ربك وأما حلاقك رأسك فلك بكل شعرة حلقتها حسنة ويمحي عنك بها خطيئة، وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك، يأتي ملك حتى يضع يديه بين كتفيك فيقول: اعمل فيما يستقبل فقد غفر لك ما مضى.

وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر قال: خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عشية عرفة فقال: أيها الناس إن اللّه تطول عليكم في مقامكم هذا، فقبل من محسنكم وأعطى محسنكم ما سأل، ووهب مسيئكم لمحسنكم إلا التبعات فيما بينكم، أفيضوا على اسم اللّه.

فلما كان غداة جمع قال: أيها الناس إن اللّه قد تطول عليكم في مقامكم هذا فقبل من محسنكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، والتبعات بينكم عوضها من عنده أفيضوا على اسم اللّه فقال أصحابه: يا رسول اللّه أفضت بنا الأمس كئيبا حزينا، وأفضت بنا اليوم فرحا مسرورا؟ فقال: إني سألت ربي بالأمس شيئا لم يجد لي به سألته التبعات فأبى علي، فلما كان اليوم أتاني جبريل فقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول ضمنت التبعات وعوضتها من عندي".

وأخرج الطبراني عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم عرفة"أيها الناس إن اللّه تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل فادفعوا باسم اللّه، فلما كان بجمع قال: إن اللّه قد غفر لصالحيكم، وشفع لصالحيكم في طالحيكم، تنزل الرحمة فتعمهم، ثم يفرق المغفرة في الأرض فيقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده، وإبليس وجنوده بالويل والثبور".

وأخرج ابن ماجة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وعبد اللّه بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير والطبراني والبيهقي في سننه والضياء المقدسي في المختارة عن العباس بن مرداس السلمي "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء، فأوحى اللّه إليه: أني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا، وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم فقد غفرتها. فقال: يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته وتغفر لهذا الظالم. فلم يجبه تلك العشية، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء، فأجابه اللّه أني قد غفرت لهم. فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسأله أصحابه؟ قال: تبسمت من عدو اللّه إبليس، أنه لما علم أن اللّه قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور، ويحثو التراب على رأسه".

وأخرج ابن أبي الدنيا في الأضاحي وأبو يعلى عن أنس"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: إن اللّه تطول على أهل عرفات يباهي بهم الملائكة، فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثا غبرا أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق، فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت لمحسنهم جميع ما سألوني غير التبعات التي بينهم، فإذا أفاض القوم إلى جمع ووقفوا وعادوا في الرغبة والطلب إلى اللّه، فيقول: يا ملائكتي عبادي وقفوا فعادوا في الرغبة والطلب، فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت محسنيهم جميع ما سألوني، وكفلت عنهم التبعات التي بينهم".

وأخرج ابن المبارك عن أنس بن مالك قال "وقف النبي صلى اللّه عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب فقال: يا بلال أنصت لي الناس. فقام بلال فقال: انصتوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فنصت الناس فقال: يا معاشر الناس أتاني جبريل آنفا فأقرأني من ربي السلام وقال: إن اللّه عز وجل غفر لأهل عرفات، وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات. فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول اللّه هذا لنا خاصة؟ قال: هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة. فقال عمر بن الخطاب: كثر خير اللّه وطاب".

وأخرج ابن ماجة عن بلال بن رباح "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال له غداة جمع: أنصت الناس. ثم قال: إن اللّه تطاول عليكم في جمعكم هذا، فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، ادفعوا باسم اللّه".

وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما عاديان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقال: كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه، ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه.

وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أم الفضل بنت الحرث "أن ناسا اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم. وقال بعضهم: ليس بصائم. فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه".

وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن أبي الدنيا في الأضاحي والحاكم وصححه عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة".

وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي نجيح قال: سئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة فقال: حججت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه، ولا آمر به، ولا أنهى عنه.

وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي قتادة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: صيام يوم عرفة أني أحتسب على اللّه أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده".

وأخرج مالك في الموطأ من طريق القاسم بن محمد عن عائشة. أنها كانت تصوم يوم عرفة قال القاسم: ولقد رأيتها عشية عرفة يدفع الإمام وتقف حتى يبيض ما بينها وبين الناس من الأرض، ثم تدعو بالشراب فتفطر.

وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت: ما من يوم من السنة أصومه أحب إلي من يوم عرفة.

وأخرج البيهقي عن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم".

وأخرج البيهقي عن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"صيام يوم عرفة كصيام ألف عام".

وأخرج البيهقي عن مسروق أنه دخل على عائشة يوم عرفة فقال: اسقوني. فقالت عائشة"وما أنت يا مسروق بصائم. فقال: لا، إني أتخوف أن يكون أضحى. فقالت عائشة: ليس كذلك يوم عرفة، يوم يعرف الإمام، ويوم النحر يوم ينحر الإمام، أو ما سمعت يا مسروق أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يعدله بصوم ألف يوم".

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي والبيهقي عن أنس بن مالك قال: كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة عشرة الآف يوم، يعني في الفضل.

وأخرج البيهقي عن الفضل بن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من حفظ لسانه وسمعه وبصره يوم عرفة غفر له من عرفة إلى عرفة".

وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال "كان الفضل بن عباس رديف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ابن أخي إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له".

وأخرج المروزي في كتاب العيدين عن محمد بن عباد المخزومي قال: لا يستشهد مؤمن حتى يكتب اسمه عشية عرفة فيمن يستشهد.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في الأضاحي والمرزوي عن إبراهيم. أنه سئل عن التعريف بالأمصار فقال: إنما التعريف بعرفات.

وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي عوانة قال: رأيت الحسن البصري يوم عرفة بعد العصر جلس، فذكر اللّه ودعا واجتمع إليه الناس.

وأخرج المروزي عن مبارك قال: رأيت الحسن، وبكر بن عبد اللّه، وثابتا البناني ومحمد بن واسع، وغيلان بن جرير، يشهدون عرفة بالبصرة.

وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي عن موسى بن أبي عائشة قال: رأيت عمرو بن حريث في المسجد يوم عرفة والناس مجتمعون إليه.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والمروزي عن الحسن قال: إن أول من عرف البصرة ابن عباس.

وأخرج المروزي عن الحكم قال: أول من فعل ذلك بالكوفة مصعب بن الزبير.

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن أبي الدنيا في الأضاحي والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهن أيام أكل وشرب".

وأخرج ابن أبي الدنيا عن جابر بن عبد اللّه قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا صلى صلاة الغداة يوم عرفة وسلم جثا على ركبتيه فقال: اللّه أكبر لا إله إلا اللّه، اللّه أكبر اللّه أكبر وللّه الحمد، إلى آخر أيام التشريق يكبر في العصر".

وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي من طريق أبي الطفيل عن علي وعمار "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يجهر في المكتوبات ببسم اللّه الرحمن الرحيم ويقنت في الفجر، وكان يكبر من يوم عرفة صلاة الغداة، ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق".

وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والمروزي في العيدين والحاكم عن عبيد بن عمير قال: كان عمر يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة الظهر أو العصر من آخر أيام التشريق.

وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم عن شقيق قال: كان يكبر بعد الفجر غداة عرفة، ثم لا يقطع حتى يصلي العصر من آخر أيام التشريق.

وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي والحاكم عن ابن عباس: أنه كان يكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والحاكم عن عمير بن سعد قال: قدم علينا ابن مسعود، فكان يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق.

وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه كان يقول: من يصحبني منكم من ذكر أو أنثى فلا يصومن يوم عرفة، فإنه يوم أكل وشرب وتكبير.

أخرج ابن أبي حاتم عن عطاء {فإذا قضيتم مناسككم} قال: حجكم.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {فإذا قضيتم مناسككم} قال: حجكم.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {فإذا قضيتم مناسككم} قال: اهراقه الدماء {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم} قال: تفاخر العرب بينها بفعال آبائها يوم النحر حين يفزعون، فأمروا بذكر اللّه مكان ذلك.

وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: كان المشركون يجلسون في الحج فيذكرون فيه أيام آبائهم وما يعدون من أنسابهم يومهم أجمع، فأنزل اللّه على رسوله في الإسلام {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا}.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم يقول الرجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحملات ويحمل الديات ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم، فأنزل اللّه {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا}.

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن عبد اله بن الزبير قال: كانوا إذا فزعوا من حجهم تفاخروا بالآباء، فأنزل اللّه {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم}.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: كانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا عند الجمرة فذكروا آباءهم وذكروا أيامهم في الجاهلية وفعال آبائهم، فنزلت هذه الآية.

وأخرج الفاكهي عن أنس قال: كانوا في الجاهلية يذكرون آباءهم فيقول أحدهم: كان أبي يطعم الطعام. ويقول الآخر: كان أبي يضرب بالسيف. ويقول الآخر: كان أبي يجز بالنواصي. فنزلت {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم}.

وأخرج وكيع وابن جرير عن سعيد بن جبير وعكرمة قالا: كانوا يذكرون فعل آبائهم في الجاهلية إذا وقفوا بعرفة، فنزلت {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم}.

وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن عطاء قال: كان أهل الجاهلية إذا نزلوا منى تفاخروا بآبائهم ومجالسهم، فقال هذا: فعل أبي كذا وكذا. وقال هذا: فعل أبي كذا وكذا. فذلك قوله {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم وأشد ذكرا}.

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح في قوله {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا} قال: هو قول الصبي أول ما يفصح في الكلام أباه وأمه.وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس. أنه قيل له: قول اللّه {كذكركم آبائكم} إن الرجل ليأتي عليه اليوم وما يذكر أباه، قال: إنه ليس بذاك ولكن يقول: تغضب للّه إذا عصي أشد من غضبك إذا ذكر والديك بسوء.

أما قوله تعالى: {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا} الآيات.

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللّهم اجعله عام غيث، وعام خصب، وعام ولاد حسن ولا يذكرون من أمر الآخرة شيئا، فأنزل فيهم {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق} ويجيء بعدهم آخرون من المؤمنين {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} فأنزل اللّه فيهم {أولئك لهم نصيب مما كسبوا واللّه سريع الحساب}.

وأخرج الطبراني عن عبد اللّه بن الزبير قال: كان الناس في الجاهلية إذا وقفوا عند المشعر الحرام دعوا فقال أحدهم: اللّهم ارزقني إبلا. وقال الآخر: اللّهم ارزقني غنما، فأنزل اللّه {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا} إلى قوله {سريع الحساب}.

وأخرج ابن جرير عن أنس بن مالك في قوله {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا} قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون: اللّهم اسقنا المطر، وأعطنا على عدونا الظفر، وردنا صالحين إلى صالحين.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: كانوا يقولون: ربنا آتنا رزقا ونصرا، ولا يسألون لآخرتهم شيئا فنزلت.

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأبو يعلى عن أنس قال: كان أكثر دعوة يدعو بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "اللّهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن حبان وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أنس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غادر رجلا من المسلمين قد صار مثل الفرخ المنتوف، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: هل كنت تدعو اللّه بشيء؟ قال: نعم، كنت أقول: اللّهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: سبحان اللّه.! إذن لا تطيق ذلك ولا تستطيعه، فهلا قلت ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؟ ودعا له فشفاه اللّه".

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب وابن أبي حاتم عن أنس. أن ثابتا قال له: إن إخوانك يحبون أن تدعو لهم. فقال: اللّهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. فاعاد عليه فقال: تريدون أن أشقق لكم الأمور إذا أتاكم اللّه في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ووقاكم عذاب النار، فقد آتاكم الخير كله.

وأخرج الشافعي وابن سعد وابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عبد اللّه بن السائب. أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول فيما بين الركن اليماني والحجر"ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما مررت على الركن إلا رأيت عليه ملكا يقول آمين، فإذا مررتم عليه فقولوا: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".

وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في الشعب عن ابن عباس. أن ملكا موكلا بالركن اليماني منذ خلق اللّه السموات والأرض يقول: آمين آمين. فقولوا: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وأخرج ابن ماجة والجندي في فضائل مكة عن عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن الركن اليماني وهو في الطواف فقال: حدثني أبو هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: وكل به سبعون ملكا فمن قال: اللّهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. قال: آمين".

وأخرج الأزرقي عن ابن أبي نجيح قال: كان أكثر كلام عمر وعبد الرحمن بن عوف في الطواف: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد اللّه بن أحمد في زوائد الزهد عن حبيب بن صهبان الكاهلي قال: كنت أطوف بالبيت وعمر بن الخطاب يطوف ما له إلا قوله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ما له هجيرى غيرها.

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة. أنه كان يستحب أن يقال في أيام التشريق: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: ينبغي لكل من نفر أن يقول حين ينفر متوجها إلى أهله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: كانوا أصنافا ثلاثة في تلك المواطن يومئذ: رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والمؤمنون، وأهل الكفر، وأهل النفاق {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق} إنما حجوا للدنيا والمسألة لا يريدون الآخرة ولا يؤمنون بها {ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} والصنف الثالث (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا) (البقرة الآية ٢٠٤).

وأخرج أحمد والترمذي وحسنه عن أنس قال "جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه أي الدعاء أفضل؟ قال: تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ثم أتاه من الغد فقال: يا رسول اللّه أي الدعاء أفضل؟ قال: تسأل ربك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، ثم أتاه من الغد فقال: يا رسول اللّه أي الدعاء أفضل؟ قال: تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ثم أتاه من اليوم الرابع فقال: يا رسول اللّه أي الدعاء أفضل؟ قال: تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا ثم أعطيتهما في الآخرة فقد أفلحت".

وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} قال: عافية {وفي الآخرة حسنة} قال: عافية.

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والذهبي في فضل العلم والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسن في قوله {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة} قال: الحسنة في الدنيا العلم والعبادة، وفي الآخرة الجنة.

وأخرج ابن جرير عن السدي قال: حسنة الدنيا المال، وحسنة الآخرة الجنة.

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} قال: الرزق الطيب، والعلم النافع.

وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في الآية قال: المرأة الصالحة من الحسنات.

وأخرج ابن المنذر عن سالم بن عبد اللّه بن عمر {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} قال: الثناء.

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء {أولئك لهم نصيب مما كسبوا} قال: مما عملوا من الخير.

وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {واللّه سريع الحساب} قال: سريع الإحصاء.

وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس، أن رجلا قال له: إني أجرت نفسي من قومي على أن يحملوني، ووضعت لهم من أجرتي على أن يدعوني أحج معهم، أفيجزئ ذلك عني؟ قال: أنت من الذين قال اللّه {أولئك لهم نصيب مما كسبوا واللّه سريع الحساب}.

وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سفيان قال: أصحاب عبد اللّه يقرؤونها ( (أولئك لهم نصيب مما اكتسبوا) ).

﴿ ٢٠٢