٢١٨ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في سننه بسند صحيح عن جندب بن عبد اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "أنه بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح، أو عبيدة بن الحرث، فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فجلس وبعث مكانه عبد اللّه بن جحش، وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا، وقال: لا تكرهن أحدا على السير معك من أصحابك، فلما قرأ الكتاب استرجع وقال: سمعا وطاعة للّه ولرسوله، فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان ومضى بقيتهم، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى، فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام، فأنزل اللّه {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه...} الآية. فقال بعضهم إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر، فأنزل اللّه {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمة اللّه واللّه غفور رحيم} ". وأخرج البزار عن ابن عباس في قوله {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبد اللّه بن فلان في سرية، فلقوا عمرو بن الحضرمي ببطن نخلة، فذكر الحديث. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال "إن المشركين صدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وردوه عن المسجد الحرام في شهر حرام، ففتح اللّه على نبيه في شهر حرام من العام المقبل، فعاب المشركون على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم القتال في شهر حرام، فقال اللّه {قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل اللّه وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه} من القتال فيه، وأن محمدا صلى اللّه عليه وسلم بعث سرية، فلقوا عمرو بن الحضرمي وهو مقبل من الطائف في آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب، وأن أصحاب محمد كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى، وكانت أول رجب ولم يشعروا، فقتله رجل منهم وأخذوا ما كان معه، وأن المشركين أرسلوا يعيرونه بذلك، فقال اللّه {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} وغيره أكبر منه {وصد عن سبيل اللّه وكفر به والمسجد الحرام} وإخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر من الذي أصاب أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، والشرك أشد منه". وأخرج ابن إسحق حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل فيما كان من مصاب عمرو بن الحضرمي {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} إلى آخر الآية. وأخرج ابن منده وابن عساكر من طريق عكرمة عن ابن عباس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث صفوان بن بيضاء في سرية عبد اللّه بن جحش قبل الأبواء، فغنموا وفيهم نزلت {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه...} الآية". وأخرج ابن جرير من طريق السدي "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث سرية وكانوا سبعة نفر عليهم عبد اللّه بن جحش الأسدي، وفيهم عمار بن ياسر، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان السلمي حليف لبني نوفل، أو سهيل بن بيضاء، وعامر بن فهيرة، وواقد بن عبد اللّه اليربوعي حليف لعمر بن الخطاب، وكتب مع ابن جحش كتابا أمره أن لا يقرأه حتى ينزل ملل، فلما نزل ببطن ملل فتح الكتاب، فإذا فيه أن سر حتى تنزل بطن نخلة. قال لأصحابه: من كان يريد الموت فليمض وليوص فإني موص وماض لأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فسار وتخلف عنه سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان، أضلا راحلة لهما وسار ابن جحش إلى بطن نخلة، فإذا هم بالحكم بن كيسان، وعبد اللّه بن المغيرة بن عثمان، وعمرو الحضرمي، فاقتتلوا فأسروا الحكم بن كيسان، وعبد اللّه بن المغيرة، وانقلب المغيرة وقتل عمرو الحضرمي قتله واقد بن عبد اللّه، فكانت أول غنيمة غنمها أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، فلما رجعوا إلى المدينة بالأسيرين وما غنموا من الأموال قال المشركون: محمد يزعم أنه يتبع طاعة اللّه وهو أول من استحل الشهر الحرام، فأنزل اللّه {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} لا يحل وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام حين كفرتم باللّه وصددتم عنه محمدا {والفتنة} وهي الشرك أعظم عند اللّه من القتل في الشهر الحرام، فذلك قوله {وصد عن سبيل اللّه وكفر به...} الآية". وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال "أن رجلا من بني تميم أرسله النبي صلى اللّه عليه وسلم في سرية، فمر بابن الحضرمي يحمل خمرا من الطائف إلى مكة فرماه بسهم فقتله، وكان بين قريش ومحمد فقتله في آخر يوم من جمادى الآخرة وأول يوم من رجب. فقالت قريش: في الشهر الحرام ولنا عهد؟ فأنزل اللّه {قل قتال فيه كبير...} الآية. يقول: كفر به وعبادة الأوثان أكبر من قتل ابن الحضرمي". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي مالك الغفاري قال "بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبد اللّه بن جحش، فلقي ناسا من المشركين ببطن نخلة والمسلمون يحسبون أنه آخر يوم من جمادى وهو أول يوم من رجب، فقتل المسلمون ابن الحضرمي. فقال المشركون: ألستم تزعمون أنكم تحرمون الشهر الحرام والبلد الحرام، وقد قتلتم في الشهر الحرام؟ فأنزل اللّه {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} إلى قوله {أكبر عند اللّه} من الذي استكبرتم من قتل ابن الحضرمي {والفتنة} التي أنتم عليها مقيمون يعني الشرك {أكبر من القتل}. وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق الزهري عن عروة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث سرية من المسلمين، وأمر عليهم عبد اللّه بن جحش الأسدي، فانطلقوا حتى هبطوا نخلة، فوجدوا عمرو بن الحضرمي في عير تجارة لقريش في يوم بقي من الشهر الحرام، فاختصم المسلمون فقال قائل منهم: هذه غرة من عدو وغنم رزقتموه، ولا ندري أمن الشهر الحرام هذا اليوم أم لا. وقال قائل: لا نعلم اليوم إلا من الشهر الحرام ولا نرى أن تستحلوه لطمع أشفقتم عليه، فغلب على الأمر الذين يريدون عرض الدنيا فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه وغنموا عيره. فبلغ ذلك كفار قريش وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين والمشركين، فركب وفد كفار قريش حتى قدموا على النبي صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة فقالوا: أتحل القتال في الشهر الحرام؟ فأنزل اللّه عز وجل {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل اللّه...} إلى آخر الآية. فحدثهم اللّه في كتابه: إن القتال في الشهر الحرام حرام كما كان، وإن الذين يستحلون من المؤمنين هو أكبر من ذلك، فمن صدهم عن سبيل اللّه حين يسخمونهم ويعذبونهم ويحبسونهم أن يهاجروا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكفرهم باللّه وصدهم للمسلمين عن المسجد الحرام في الحج والعمرة والصلاة فيه، وإخراجهم أهل المسجد الحرام وهم سكانه من المسلمين وفتنهم إياهم عن الدين، فبلغنا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم عقل ابن الحضرمي وحرم الشهر الحرام كما كان يحرمه، حتى أنزل اللّه عز وجل (براءة من اللّه ورسوله) (التوبة الآية ١). وأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري ومقسم قالا"لقي واقد بن عبد اللّه عمرو بن الحضرمي أول ليلة من رجب وهو يرى أنه من جمادى فقتله، فأنزل اللّه {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه...} الآية. قال الزهري: فكأن النبي صلى اللّه عليه وسلم فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام، ثم أحل بعد". وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق يزيد بن رومان عن عروة قال "بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبد اللّه بن جحش إلى نخلة فقال له: كن بها حتى تأتينا بخبر من أخبار قريش ولم يأمره بقتال وذلك في الشهر الحرام، وكتب له كتابا قبل أن يعلمه أنه يسير فقال: أخرج أنت وأصحابك حتى إذا سرت يومين فافتح كتابك وانظر فيه، فما أمرتك به فامض له ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على الذهاب معك، فلما سار يومين فتح الكتاب فإذا فيه: أن امض حتى تنزل نخلة فتأتينا من أخبار قريش بما تصل إليك منهم. فقال لأصحابه حين قرأ الكتاب: سمعا وطاعة من كان منكم له رغبة في الشهادة فلينطلق معي فإني ماض لأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ومن كره ذلك منكم فليرجع فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد نهاني أن أستكره منكم أحدا، فمضى معه القوم حتى إذا كانوا بنجران أضل سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان، بعيرا لهما كانا يتعقبانه، فتخلفا عليه يطلبانه. ومضى القوم حتى نزلوا نخلة فمر بهم عمرو بن الحضرمي، والحكم بن كيسان، وعثمان، والمغيرة بن عبد اللّه، معهم تجارة قد مروا بها من الطائف إلى مكة؟؟ أدم وزيت، فلما رآهم القوم أشرف لهم واقد بن عبد اللّه وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه حليقا قال عمار: ليس عليكم منهم بأس وائتمر القوم بهم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو آخر يوم من جمادى، فقالوا: لئن قتلتوهم إنكم لتقتلونهم في الشهر الحرام، ولئن تركتموهم ليدخلن في هذه الليلة حرم مكة فيمتنعن منكم. فأجمع القوم على قتلهم، فرمى واقد بن عبد اللّه التميمي عمرو بن الحضرمي فقتله، واستأسر عثمان بن عبد اللّه، والحكم بن كيسان، وهرب المغيرة فأعجزهم. واستاقوا العير فقدموا بها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال لهم: واللّه ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام، فأوقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الأسيرين والعير فلم يأخذ منها شيئا، فلما قال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما قد سقط في أيديهم، وظنوا أن قد هلكوا وعنفهم إخوانهم من المسلمين، وقالت قريش حين بلغهم أمر هؤلاء: قد سفك محمد الدم الحرام، وأخذ المال، وأسر الرجال، واستحل الشهر الحرام، فأنزل اللّه {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه...} الآية. فلما نزل ذلك أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم العير، وفدى الأسيرين. فقال المسلمون: يا رسول اللّه أتطمع أن يكون لنا غزوة؟ فأنزل اللّه {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمة اللّه} وكانوا ثمانية وأميرهم التاسع عبد اللّه بن جحش". وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} قال: يقول: يسألونك عن قتال فيه قال: وكذلك كان يقرؤها {عن قتال فيه}. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد اللّه ( (يسألونك عن الشهر الحرام عن قتال فيه) ) وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة. أنه كان يقرأ هذا الحرف {قتل فيه}. وأخرج عن عطاء بن ميسرة قال: أحل القتال في الشهر الحرام في براءة في قوله (فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة) (التوبة الآية ٣٦). وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري. أنه سئل عن هذه الآية فقال: هذا شيء منسوخ، ولا بأس بالقتال في الشهر الحرام. وأخرج النحاس في ناسخه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: قوله {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} أي في الشهر الحرام. قال {قتال فيه كبير} أي عظيم، فكان القتال محظورا حتى نسخه آية السيف في براءة (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة الآية ٥) فأبيح القتال في الأشهر الحرام وفي غيرها. وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر {والفتنة أشد من القتل} قال: الشرك. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {ولا يزالون يقاتلونكم} قال: كفار قريش. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله {أولئك يرجون رحمة اللّه} قال: هؤلاء خيار هذه الأمة، ثم جعلهم اللّه أهل رجاء. إنه من رجا طلب، ومن خاف هرب. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: هؤلاء خيار هذه الأمة، جعلهم اللّه أهل رجاء كما تسمعون. |
﴿ ٢١٨ ﴾