٢١٩

أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي والضياء المقدسي في المختارة عن عمر. أنه قال: اللّهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب المال والعقل، فنزلت {يسألونك عن الخمر والميسر} التي في سورة البقرة، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللّهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي سورة النساء (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) (النساء الآية ٤٣) فكان منادي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى أن لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللّهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ (فهل لأنتم منتهون) (المائدة الآية ٩١) قال عمر: انتهينا انتهينا.وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال: كنا نشرب الخمر، فأنزلت {يسألونك عن الخمر والميسر...} الآية. فقلنا: نشرب منها ما ينفعنا. فأنزلت في المائدة (إنما الخمر والميسر) (المائدة الآية ٩٠). الآية. فقالوا: اللّهم قد انتهينا.

وأخرج الخطيب في تاريخه عن عائشة قال "لمأنزلت سورة البقرة، نزل فيها تحريم الخمر فنهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك".

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال: إنما سميت الخمر لأنها صفاء صفوها وسفل كدرها.

وأخرج أبو عبيد والبخاري في الأدب المفرد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: الميسر القمار.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الميسر القمار، وإنما سمي الميسر لقولهم أيسر جزورا، كقولك ضع كذا وكذا.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله {يسألونك عن الخمر والميسر} قال: الميسر القمار، كان الرجل في الجاهلية يخاطر عن أهله وماله، فأيهما قهر صاحبه ذهب بأهله وماله. وفي قوله {قل فيهما إثم كبير} يعني ما ينقص من الدين عند شربها {ومنافع للناس} يقول: فيما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها {وإثمهما أكبر من نفعهما} يقول: ما يذهب من الدين والإثم فيه أكبر مما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها، فأنزل اللّه بعد ذلك (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى...) (النساء الآية ٤٣) الآية. فكانوا لا يشربونها عند الصلاة فإذا صلوا العشاء شربوها، فما يأتي الظهر حتى يذهب عنهم السكر، ثم إن ناسا من المسلمين شربوها فقاتل بعضهم بعضا، وتكلموا بما لا يرضي اللّه من القول. فأنزل اللّه (إنما الخمر والميسر والأنصاب) (المائدة الآية ٩٠) الآية. فحرم الخمر ونهى عنها.

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله {يسألونك عن الخمر...} الآية. قال: نسخها (إنما الخمر والميسر...) (المائده الآيه ٩٠) الآية.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {قل فيهما إثم كبير} قال: هذا أول ما عيبت به الخمر {ومنافع للناس} قال: ثمنها وما يصيبون من السرور.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} قال: منافعهما قبل التحريم، وإثمهما بعدما حرما.

وأما قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}.

أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس "أن نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل اللّه أتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا، فما ننفق منها؟ فأنزل اللّه {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} وكان قبل ذلك ينفق ماله حتى لا يجد ما يتصدق به، ولا ما لا يأكل حتى يتصدق عليه".

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبان عن يحيى "أنه بلغه أن معاذ بن جبل، وثعلبة، أتيا رسول اللّه فقالا: يا رسول اللّه إن لنا أرقاء وأهلين، فما ننفق من أموالنا؟ فأنزل اللّه {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} ".

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: هو ما لا يتبين في أموالكم، وكان هذا قبل أن تفرض الصدقة.

وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: ما يفضل عن أهلك، وفي لفظ قال: الفضل من العيال.

وأخرج ابن المنذر عن عطاء بن دينار الهذلي. أن عبد الملك بن مروان كتب إلى سعيد بن جبير يسأله عن العفو. فقال: العفو على ثلاثة أنحاء. نحو تجاوز عن الذنب، ونحو في القصد في النفقة {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}، ونحو في الإحسان فيما بين الناس (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) (البقرة الآية ٢٣٧).

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله {قل العفو} قال: ذلك أن لا تجد مالك ثم تقعد تسأل الناس.

وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في قوله {قل العفو} قال: الفضل.

وأخرج عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن طاوس قال: العفو اليسر من كل شيء، قال: وكان مجاهد يقول {العفو} الصدقة المفروضة.

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {قل العفو} قال: لم تفرض فيه فريضة معلومة، ثم قال (خذ العفو وأمر بالعرف) (الأعراف الآية ١٩٩) ثم نزلت الفرائض بعد ذلك مسماة.

وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {قل العفو} قال: هذا نسخته الزكاة.

وأخرج البخاري والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أفضل الصدقة ما ترك غني، واليد العليا خير من اليد السفلى، وأبدأ بمن تعول تقول المرأة: إما أن تطعمني وأما أن تطلقني، ويقول العبد، أطعمني واستعملني، ويقول الابن: اطعمني إلى من تدعني".

وأخرج ابن خزيمة عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "خير الصدقة ما أبقت غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وأبدأ بمن تعول تقول المرأة: أنفق علي أو طلقني، ويقول مملوكك: أنفق علي أو بعني. ويقول ولدك: إلى من تكلني".

وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وأبدا بمن تعول".

وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالصدقة فقال رجل: يا رسول اللّه عندي دينار. قال: تصدق به على نفسك. قال: عندي آخر؟ قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر. قال: تصدق به على زوجتك. قال: عندي آخر. قال: تصدق به على خادمك. قال: عندي آخر. قال: أنت أبصر".

وأخرج ابن سعد وأبو داود والحاكم وصححه عن جابر بن عبد اللّه قال "كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ جاء رجل، وفي لفظ: قدم أبو حصين السلمي بمثل بيضة من الحمامة من ذهب فقال: يا رسول اللّه أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم أتاه من خلفه، فأخذها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته. فقال: يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وأبدا بمن تعول".

وأخرج البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "اليد العليا خير من اليد السفلى، وأبدأ بمن تعول وخير الصدقة ما كان على ظهر غنى، ومن يستعف يعفه اللّه، ومن يستغن يغنه اللّه".

وأخرج مسلم والنسائي عن جابر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لرجل: أبدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا".

وأخرج أبو يعلى والحاكم وصححه عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الأيدي ثلاث. فيد اللّه العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة، فاستعفف عن السؤال وعن المسألة ما استطعت، فإن أعطيت خيرا فلير عليك، وأبدأ بمن تعول، وارضخ من الفضل، ولا تلام على الكفاف".

وأخرج أبو داود وابن حبان والحاكم عن مالك بن نضلة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الأيدي ثلاث. فيد اللّه العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى، فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك".

وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال "دخل رجل المسجد، فأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم الناس أن يطرحوا أثوابا فطرحوا فأمر له منها بثوبين، ثم حث على الصدقة فجاء فطرح أحد الثوبين، فصاح به وقال: خذ ثوبك".

وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت".

وأخرج البزار عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اليد العليا خير من اليد السفلى، وأبدأ بمن تعول".

وأخرج أحمد ومسلم والترمذي عن أبي أمامة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: يا ابن آدم إنك إن تبدل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وأبدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى".

وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن عبد الرحمن بن عوف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "يا ابن عوف إنك من الأغنياء ولن تدخل الجنة إلا زحفا، فأقرض اللّه يطلق لك قدميك. قال: وما الذي أقرض يا رسول اللّه؟ قال: تبرأ مما أمسيت فيه. قال: أمن كله أجمع يا رسول اللّه؟ قال: نعم. فخرج وهو يهم بذلك، فأتاه جبريل فقال: مر ابن عوف فليضف الضيف، وليطعم المساكين، وليعط السائل، وليبدأ بمن يعول، فإنه إذا فعل ذلك كان تزكية مما هو فيه".

وأخرج البيهقي في الشعب عن ركب المصري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "طوبى لمن تواضع من غير منقصة، وذل في نفسه من غير مسكنة، وأنفق مالا جمعه في غير معصية، ورحم أهل الذلة والمسكنة، وخالط أهل العفة والحكمة، طوبى لمن ذل في نفسه، وطاب كسبه، وصلحت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن الناس شره، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله".

وأخرج البزار عن أبي ذر قال: قلت يا رسول اللّه"ما تقول في الصلاة؟ قال: تمام العمل. قلت: يا رسول اللّه أسألك عن الصدقة؟ قال: شيء عجيب، قلت: يا رسول اللّه تركت أفضل عمل في نفسي أو خيره قال: ما هو؟ قلت: الصوم. قال: خير وليس هناك. قلت: يا رسول اللّه وأي الصدقة؟ قال: تمرة. قلت: فإن لم أفعل؟ قال: بكلمة طيبة. قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تريد أن لا تدع فيك من الخير شيئا".

وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة من طريق أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أفضل دينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل اللّه، قال أبو قلابة: وبدأ بالعيال، ثم قال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم أو ينفعهم اللّه به ويعينهم؟ ".

وأخرج مسلم والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "دينار أنفقته في سبيل اللّه، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك".

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن كدير الضبي قال: "أتى أعرابي على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: نبئني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار. قال: تقول العدل، وتعطي الفضل، قال: هذا شديد لا أستطيع أن أقول العدل كل ساعة، ولا أن أعطي فضل مالي. قال: فأطعم الطعام، وأفش السلام، قال: هذا شديد واللّه! قال: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: انظر بعيرا من إبلك وسقاء فاسق أهل بيت لا يشربون إلا غبا فلعلك أن لا يهلك بعيرك، ولا ينخرق سقاؤك، حتى تجب لك الجنة. قال: فانطلق يكبر، ثم إنه استشهد بعد.

وأخرج ابن سعد عن طارق بن عبد اللّه قال: "أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يخطب، فسمعت من قوله: تصدقوا فإن الصدقة خير لكم، واليد العليا خير من اليد السفلى، وأبدأ بمن تعول، أمك وأباك وأختك وأخاك، ثم أدناك فأدناك".

وأخرج مسلم عن خيثمة قال: كنا جلوسا مع عبد اللّه بن عمرو إذ جاءه قهرمان له، فدخل فقال: أعطيت الرقيق قوتهم؟ قال: لا. قال: فأنطلق فأعطهم، وقال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته".

أما قوله تعالى: {كذلك يبين اللّه لكم الآيات} الآية

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله {كذلك يبين اللّه لكم الآيات لعلكم تتفكرون} في الدنيا والآخرة، يعني في زوال الدنيا وفنائها، وإقبال الآخرة وبقائها.

وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله {لعلكم تتفكرون} في الدنيا والآخرة. قال: لتعلموا فضل الآخرة على الدنيا.

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الصعق بن حزن التميمي قال: شهدت الحسن وقرأ هذه الآية من البقرة {لعلكم تتفكرون} في الدنيا والآخرة. قال: هي واللّه لمن تفكرها، ليعلمن أن الدنيا دار بلاء، ثم دار فناء، وليعلمن أن الآخرة دار جزاء، ثم دار بقاء.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: من تفكر في الدنيا عرف فضل إحداهما على الأخرى، عرف أن الدنيا دار بلاء، ثم دار فناء، وأن الآخرة دار بقاء، ثم دار جزاء، فكونوا ممن يصرم حاجة الدنيا لحاجة الآخرة.

﴿ ٢١٩