٢٤٤

أخرج وكيع والفريابي وابن جرير وابن المنذر والحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله {ألم تر إلى الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون، وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت، حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا، قال لهم اللّه: موتوا. فمر عليهم نبي من الأنبياء، فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم.

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في الآية قال: كانوا أربعة آلاف من أهل قرية يقال لها داوردان، خرجوا فارين من الطاعون.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي عن أبي مالك في الآية قال: كانت قرية يقال لها داوردان قريب من واسط، فوقع فيهم الطاعون، فأقامت طائفة وهربت طائفة، فوقع الموت فيمن أقام وسلم الذين أجلوا، فلما ارتفع الطاعون رجعوا إليهم، فقال الذين بقوا: إخواننا كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا سلمنا، ولئن بقينا إلى أن يقع الطاعون لنصنعن كما صنعوا.

فوقع الطاعون من قابل فخرجوا جميعا، الذين كانوا أجلوا والذين كانوا أقاموا وهم بضعة وثلاثون ألفا، فساروا حتى أتوا واديا فسيحا فنزلوا فيه وهو بين جبلين، فبعث اللّه لإليهم ملكين، ملكا بأعلى الوادي وملكا بأسفله، فناداهم: أن موتوا فماتوا. فمكثوا ما شاء اللّه، ثم مر بهم نبي يقال حزقيل، فرأى تلك العظام فوقف متعجبا لكثرة ما يرى منهم، فأوحى اللّه إليه أن ناد أيتها العظام إن اللّه أمرك أن تجتمعي، فاجتمعت العظام من أعلى الوادي وأدناه حتى التزق بعضها بعض كل عظم من جسد التزق بجسده، فصارت أجسادا من عظام لا لحم ولا دم، ثم أوحى اللّه إليه أن ناد أيتها العظام إن اللّه يأمرك أن تكتسي لحما فاكتست لحما، ثم أوحى اللّه إليه أن ناد أيتها الأجساد إن اللّه يأمرك أن تقومي فبعثوا أحياء.

فرجعوا إلى بلادهم فأقاموا لا يلبسون ثوبا إلا كان عليهم كفنا دسما، يعرفهم أهل ذلك الزمان أنهم قد ماتوا، ثم أقاموا حتى أتت عليهم آجالهم بعد ذلك قال أسباط: وقال منصور عن مجاهد: كان كلامهم حين بعثوا أن قالوا سبحانك اللّهم ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت...!

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز في قوله تعالى {ألم تر إلى الذين أخرجوا من ديارهم} قال: هم من أذرعات.

وأخرج عن أبي صالح في الآية قال: كانوا تسعة آلاف.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} قال: مقتهم اللّه على فرارهم من الموت، فأماتهم اللّه عقوبة اللّه ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليستوفوها، ولو كانت آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم.

وأخرج ابن جرير عن أشعث بن أسلم البصري قال: بينا عمر يصلي ويهوديان خلفه قال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ فلما انتعل عمر قال: أرأيت قول أحدكما لصاحبه أهو هو؟ قالا: إنا نجده في كتابنا قرنا من حديد يعطى ما يعطى حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن اللّه. فقال عمر: ما نجد في كتاب اللّه حزقيل ولا أحيا الموتى بإذن اللّه إلا عيسى. قال: أما تجد في كتاب اللّه (ورسلا لم نقصصهم عليك) (النساء الآية ١٦٤)؟ فقال عمر: بلى. قال: وأما إحياء الموت فسنحدثك أن بني إسرائيل وقع عليهم الوباء، فخرج منهم قوم حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم اللّه، فبنوا عليهم حائطا حتى إذا بليت عظامهم بعث اللّه حزقيل، فقام عليهم فقال ما شاء اللّه، فبعثهم اللّه له، فأنزل اللّه في ذلك {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف...} الآية.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن هلال بن يساف في الآية قال: هؤلاء قوم من بني إسرائيل، كانوا إذا وقع فيهم الطاعون خرج أغنيائهم وأشرافهم، وأقام فقراؤهم وسفلتهم فاستحر القتل على المقيمين ولم يصب الآخرين شيء، فلما كان عام من تلك الأعوام قالوا: لو صنعنا كما صنعوا نجونا، فظعنوا جميعا فأرسل عليهم الموت فصاروا عظاما تبرق، فجاءهم أهل القرى فجمعوهم في مكان واحد، فمر بهم نبي فقال: يا رب لو شئت أحييت هؤلاء فعمروا بلادك وعبدوك. فقال: قل كذا وكذا، فتكلم به، فنظر إلى العظام تركب، ثم تكلم فإذا العظام تكسى لحما، ثم تكلم فإذا هم قعود يسبحون ويكبرون، ثم قيل لهم {وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أن اللّه سميع عليم}.

وأخرج عبد الرزاق عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في الآية قال: هم قوم فروا من الطاعون، فأماتهم اللّه قبل آجالهم عقوبة ومقتا، ثم أحياهم ليكملوا بقية آجالهم.

وأخرج ابن جرير عن وهب بن منبه. أن كالب بن يوقنا لما قبضه اللّه بعد يوشع خلف في بني إسرائيل حزقيل من بوزى وهو ابن العجوز، وإنما سمي ابن العجوز لأنها سألت اللّه الولد وقد كبرت فوهبه لها، وهو الذي دعا للقوم الذين ذكر اللّه في كتابه في قوله {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم} الآية.

وأخرج عبد بن حميد عن وهب قال: أصاب ناسا من بني إسرائيل بلاء وشدة من زمان، فشكوا ما أصابهم وقالوا: يا ليتنا قد متنا فاسترحنا مما نحن فيه، فأوحى اللّه إلى حزقيل أن قومك صاحوا من البلاء، وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا واستراحوا، وأي راحة لهم في الموت، أيظنون أني لا أقدر على أن أبعثهم بعد الموت؟ فانطلق إلى جبانة كذا وكذا، فإن فيها أربعة آلاف قال وهب: وهم الذين قال اللّه {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} فقم فناد فيهم، وكانت عظامهم قد تفرقت كما فرقتها الطير والسباع، فنادى حزقيل: أيتها العظام إن اللّه يأمرك أن تجتمعي، فاجتمع عظام كل إنسان منهم معا، ثم قال: أيتها العظام إن اللّه يأمرك أن ينبت العصب والعقب، فتلازمت واشتدت بالعصب والعقب، ثم نادى جزقيل فقال: أيتها العظام إن اللّه يأمرك أن تكتسي اللحم. فاكتست اللحم وبعد اللحم جلدا فكانت أجسادا، ثم نادى حزقيل الثالثة فقال: أيتها الأرواح إن اللّه يأمرك أن تعودي في أجسادك. فقاموا بإذن اللّه فكبروا تكبيرة رجل واحد.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} يقول: عدد كثير خرجوا فرارا من الجهاد في سبيل اللّه، فأماتهم اللّه حتى ذاقوا الموت الذي فروا منه، ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا عدوهم، فذلك قوله {وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أن اللّه سميع عليم} وهم الذين قالوا لنبيهم (ابعث ملكا نقاتل في سبيل اللّه) (البقرة الآية ٢٤٦).

وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في الآية قال: كانوا أربعين ألفا وثمانية آلاف حظر عليهم حظائر، وقد أروحت أجسادهم وأنتنوا، فإنها لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح، خرجوا فرارا من الجهاد في سبيل اللّه، فأماتهم ثم أحياهم فأمرهم بالجهاد، فذلك قوله {وقاتلوا في سبيل اللّه}.

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: خرجوا فرارا من الطاعون وهم ألوف ليست الفرقة أخرجتهم كما يخرج للحرب والقتال قلوبهم مؤتلفة، فلما كانوا حيث ذهبوا يبتغون الحياة قال اللّه لهم: موتوا، ومر رجل بها وهي عظام تلوح، فوقف ينظر فقال (أنى يحيى هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عام) (البقرة الآية ٢٥٩).

وأخرج البخاري والنسائي عن عائشة قالت"سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني أنه كان عذابا يبعثه اللّه على من يشاء وجعله رحمة للمؤمنين، فليس من رجل يقع الطاعون ويمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب اللّه له إلا كان له مثل أجر الشهيد".

وأخرج أحمد والبخاري والنسائي ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن عوف"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول في الطاعون: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه".

وأخرج سيف في الفتوح عن شرحبيل بن حسنة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فإن الموت في أعناقكم، وإذا بأرض فلا تدخلوها فإنه يحرق القلوب".

وأخرج عبد بن حميد عن أم أيمن "أنه سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوصي بعض أهله فقال: وإن أصاب الناس موتان وأنت فيهم فاثبت".

وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب الطواعين وأبو يعلى والطبرلني في الأوسط وابن عدي في الكامل عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون. قلت: يا رسول اللّه هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال: غدة كغدة البعير، المقيم بها كالشهيد والفار منه كالفار من الزحف".

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبزار وابن خزيمة والطبراني عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الفار من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه كالصابر في الزحف".

﴿ ٢٤٤