٦٣

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس "أن رهطا من أهل نجران قدموا على النبي صلى اللّه عليه وسلم، وكان فيهم السيد والعاقب فقالوا له: ما شأنك تذكر صاحبنا؟ قال: من هو؟ قالوا: عيسى تزعم أنه عبد اللّه! قال: أجل إنه عبد اللّه. قالوا: فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به. ثم خرجوا من عنده فجاءه جبريل فقال: قل لهم إذا أتوك {إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم} إلى آخر الآية".

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: "ذكر لنا أن سيدي أهل نجران وأسقفيهم السيد والعاقب لقيا نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسألاه عن عيسى فقالا: كل آدمي له أب فما شأن عيسى لا أب له؟ فأنزل اللّه فيه هذه الآية {إن مثل عيسى عند اللّه....} الآية".

وأخرج ابن جرير عن السدي قال "لما بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسمع به أهل نجران أتاه منهم أربعة نفر من خيارهم، منهم السيد، والعاقب، وماسرجس، ومار بحر، فسألوه ما تقول في عيسى؟ قال: هو عبد اللّه، وروحه، وكلمته، قالوا هم: لا، ولكنه هو اللّه نزل من ملكه فدخل في جوف مريم ثم خرج منها، فأرانا قدرته وأمره، فهل رأيت انسانا قط خلق من غير أب؟ فأنزل اللّه {إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم....} الآية".

وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله {إن مثل عيسى....} الآية قال: نزلت في العاقب، والسيد، من أهل نجران.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال "بلغنا أن نصارى نجران قدم وفدهم على النبي صلى اللّه عليه وسلم فيهم السيد، والعاقب، وهما يومئذ سيدا أهل نجران فقالوا: يا محمد فيم تشتم صاحبنا؟ قال: من صاحبكم؟! قالوا: عيسى بن مريم تزعم أنه عبد. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أجل إنه عبد اللّه، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه. فغضبوا وقالوا: إن كنت صادقا فأرنا عبدا يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه، لكنه اللّه. فسكت حتى أتاه جبريل فقال: يا محمد (لقد كفر الذين قالوا إن اللّه هو المسيح بن مريم...) (المائدة الآية ١٧) الآية. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا جبريل إنهم سألوني أن أخبرهم بمثل عيسى. قال جبريل {إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} فلما أصبحوا عادوا فقرأ عليهم الآيات".

وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد عن الأزرق بن قيس قال: "جاء أسقف نجران، والعاقب، إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فعرض عليهما الإسلام فقالا: قد كنا مسلمين قبلك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: كذبتما، منع الإسلام منكما ثلاث: قولكما اتخذ اللّه ولدا، وسجودكما للصليب، وأكلكما لحم الخنزير، قالا: فمن أبو عيسى؟ فلم يدر ما يقول. فأنزل اللّه {إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم} إلى قوله {بالمفسدين} فلما نزلت هذه الآيات دعاهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الملاعنة فقالا: انه إن كان نبيا فلا ينبغي لنا أن نلاعنه، فأبيا فقالا: ما تعرض سوى هذا؟ فقال: الإسلام، أو الجزية، أو الحرب، فأقروا بالجزية".وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {الحق من ربك فلا تكن من الممترين} يعني فلا تكن في شك من عيسى، أنه كمثل آدم عبد اللّه ورسوله وكلمته.

وأخرج ابن المنذر عن الشعبي قال: "قدم وفد نجران على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: حدثنا عن عيسى بن مريم قال: رسول اللّه، وكلمته ألقاها إلى مريم. قالوا: ينبغي لعيسى أن يكون فوق هذا. فأنزل اللّه {إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم...} الآية. قالوا: ما ينبغي لعيسى أن يكون مثل آدم. فأنزل اللّه {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم...} الآية".

وأخرج ابن جرير عن عبد اللّه بن الحرث بن جزء الزبيدي "أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: ليت بيني وبين أهل نجران حجابا فلا أراهم ولا يروني، من شدة ما كانوا يمارون النبي صلى اللّه عليه وسلم".

وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جده "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه (طس) سليمان: بسم اللّه إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، من محمد رسول اللّه إلى أسقف نجران وأهل نجران. إن أسلمتم فإني أحمد إليكم اللّه إله إبراهيم وإسحق ويعقوب. أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة اللّه من عبادة العباد، وأدعوكم إلى اللّه من العباد، فإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم آذنتكم بالحرب، والسلام. فلما قرأ الأسقف الكتاب فظع به وذعر ذعرا شديدا، فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة، فدفع إليه كتاب النبي صلى اللّه عليه وسلم فقرأه فقال له الأسقف: ما رأيك...؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد اللّه إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة، فما يؤمن أن يكون هذا الرجل! ليس لي في النبوة رأي، لو كان رأي من أمر الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك.

فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران، فكلهم قال مثل قول شرحبيل، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة، وعبد اللّه بن شرحبيل، وجبار بن فيض، فيأتونهم بخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فانطلق الوفد حتى أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسألهم وسألوه، فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى بن مريم؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى صبح الغد. فأنزل اللّه هذه الآية {إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب} إلى قوله {فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين} فأبوا أن يقروا بذلك.

فلما أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميلة له، وفاطمة تمشي خلف ظهره للملاعنة، وله يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبه: إني أرى أمرا مقبلا إن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك فقالا له: ما رأيك؟ فقال: رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا ابدا. فقالا له: أنت وذاك. فتلقى شرحبيل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك قال: وما هو؟ قال: حكمك اليوم إلى الليل، وليلتك إلى الصباح، فمهما حكمت فينا فهو جائز. فرجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم يلاعنهم وصالحهم على الجزية".

وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو نعيم في الدلائل عن حذيفة "أن العاقب، والسيد، أتيا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأراد أن يلاعنهما فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه فواللّه لئن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعده فقالوا له: نعطيك ما سألت فابعث معنا رجلا أمينا فقال: قم يا أبا عبيدة. فلما وقف قال: هذا أمين هذه الأمة".

وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال "قدم على النبي صلى اللّه عليه وسلم العاقب، والسيد، فدعاهما إلى الإسلام فقالا: أسلمنا يا محمد قال: كذبتما، إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام. قالا: فهات. قال: حب الصليب، وشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير. قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة، فواعداه إلى الغد، فغدا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأخذ بيد علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، ثم أرسل اليهما فأبيا أن يجيباه، وأقرا له، فقال: والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما نارا. قال جابر: فيهم نزلت {تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم...} الآية. قال جابر: أنفسنا وأنفسكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلي، وأبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة".

وأخرج الحاكم وصححه عن جابر "أن وفد نجران أتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: ما تقول في عيسى؟ فقال: هو روح اللّه، وكلمته، وعبد اللّه، ورسوله، قالوا له: هل لك أن نلاعنك أنه ليس كذلك؟ قال: وذاك أحب إليكم؟ قالوا: نعم. قال: فإذا شئتم. فجاء وجمع ولده الحسن والحسين، فقال رئيسهم: لا تلاعنوا هذا الرجل فواللّه لئن لاعنتموه ليخسفن بأحد الفريقين فجاؤوا فقالوا: يا أبا القاسم إنما أراد أن يلاعنك سفهاؤنا، وإنا نحب أن تعفينا. قال: قد أعفيتكم ثم قال: إن العذاب قد أظل نجران".

وأخرج أبو النعيم في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس "أن وفد نجران من النصارى قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم. منهم السيد وهو الكبير، والعاقب وهو الذي يكون بعده، وصاحب رأيهم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لهما: أسلما قالا: أسلمنا. قال: ما أسلمتما. قالا: بلى. قد أسلمنا قبلك. قال: كذبتما يمنعكم من الإسلام ثلاث فيكما: عبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير، وزعمكما أن للّه ولدا. ونزل {إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب...} الآية. فلما قرأها عليهم قالوا: ما نعرف ما تقول. ونزل {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم} يقول: من جادلك في أمر عيسى من بعد ما جاءك من العلم من القرآن {فقل تعالوا} إلى قوله {ثم نبتهل} يقول: نجتهد في الدعاء أن الذي جاء به محمد هو الحق، وأن الذي يقولون هو الباطل فقال لهم: إن اللّه قد أمرني إن لم تقبلواهذا أن أباهلكم فقالوا: يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك. فخلا بعضهم ببعض وتصادقوا فيما بينهم قال السيد للعاقب: قد واللّه علمتم أن الرجل نبي مرسل، ولئن لاعنتموه إنه ليستأصلكم، وما لاعن قوم قط نبيا فبقي كبيرهم، ولا نبت صغيرهم. فإن أنتم لم تتبعوه وأبيتم إلا إلف دينكم فوادعوه وارجعوا إلى بلادكم. وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج ومعه علي، والحسن، والحسين، وفاطمة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن أنا دعوت فأمنوا أنتم، فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية".

وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس "أن ثمانية من أساقف العرب من أهل نجران قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منهم العاقب، والسيد، فأنزل اللّه {قل تعالوا ندع أبناءنا} إلى قوله {ثم نبتهل} يريد ندع اللّه باللعنة على الكاذب. فقالوا: أخرنا ثلاثة أيام، فذهبوا إلى بني قريظة، والنضير، وبني قينقاع، فاستشاروهم. فأشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه، وهو النبي الذي نجده في التوراة. فصالحوا النبي صلى اللّه عليه وسلم على ألف حلة في صفر، وألف في رجب، ودراهم".

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن قتادة {فمن حاجك فيه} في عيسى {فقل تعالوا ندع أبناءنا..} الآية "فدعا النبي صلى اللّه عليه وسلم لذلك وفد نجران، وهم الذين حاجوه في عيسى فنكصوا وأبوا. وذكر لنا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: إن كان العذاب لقد نزل على أهل نجران، ولو فعلوا لاستئصلوا عن وجه الأرض".

وأخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم عن الشعبي قال "كان أهل نجران أعظم قوم من النصارى قولا في عيسى بن مريم، فكانوا يجادلون النبي صلى اللّه عليه وسلم فيه. فأنزل اللّه هذه الآيات في سورة آل عمران {إن مثل عيسى عند اللّه} إلى قوله {فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين} فأمر بملاعنتهم، فواعدوه لغد، فغدا النبي صلى اللّه عليه وسلم ومعه الحسن، والحسين، وفاطمة، فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر لو تموا على الملاعنة".

وأخرج عبد الرزاق والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال "لو باهل أهل نجران رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا".

وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن سعد بن أبي وقاص قال: لمأنزلت هذه الآية {قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليا، وفاطمة، وحسنا، وحسينا، فقال: "اللّهم هؤلاء أهلي".

وأخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر اليشكري قال "لمأنزلت هذه الآية {قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم...} الآية. أرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى علي، وفاطمة، وابنيهما الحسن، والحسين، ودعا اليهود ليلاعنهم فقال شاب من اليهود: ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير؟ لا تلاعنوا. فانتهوا".

وأخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الآية {تعالوا ندع أبناءنا...} الآية. قال: فجاء بأبي بكر وولده، وبعمر وولده، وبعثمان وولده، وبعلي وولده.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن ابن عباس {ثم نبتهل} نجتهد.

وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: هذا الإخلاص يشير بأصبعه التي تلي الإبهام، وهذا الدعاء فرفع يديه حذو منكبيه، وهذا الإبتهال فرفع يديه مدا".

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن هذا لهو القصص الحق} يقول: إن هذا الذي قلنا في عيسى هو الحق.

وأخرج عبد بن حميد عن قيس بن سعد قال: كان بين ابن عباس وبين آخر شيء فقرأ هذه الآية {تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل} فرفع يديه واستقبل الركن {فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين}.

﴿ ٦٣