١٤٥

أخرح ابن المنذر عن كليب قال: خطبنا عمر فكان يقرأ على المنبر آل عمران، ويقول: إنها أحدية، ثم قال: تفرقنا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم أحد، فصعدت الجبل فسمعت يهوديا يقول: قتل محمد فقلت لا أسمع أحدا يقول: قتل محمد إلا ضربت عنقه، فنظرت فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والناس يتراجعون إليه، فنزلت هذه الآية {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل}.

وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اعتزل هو وعصابة معه يومئذ على أكمة والناس يفرون، ورجل قائم على الطريق يسألهم: ما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ وجعل كلما مروا عليه يسألهم فيقولون: واللّه ما ندري ما فعل! فقال: والذي نفسي بيده لئن كان قتل النبي صلى اللّه عليه وسلم لنعطينهم بأيدينا، إنهم لعشائرنا واخواننا وقالوا: لو أن محمدا كان حيا لم يهزم، ولكنه قد قتل، فترخصوا في الفرار حينئذ. فأنزل اللّه {وما محمد إلا رسول...} الآية كلها.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال: ذلك يوم أحد حين أصابهم ما أصابهم من القتل والقرح، وتداعوا نبي اللّه...؟ قالوا: قد قتل. وقال أناس منهم: لو كان نبيا ما قتل. وقال أناس من علية أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم: قاتلوا على ما قتل عليه نبيكم حتى يفتح اللّه عليكم أو تلحقوا به، وذكر لنا أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتخبط في دمه فقال: يا فلان أشعرت أن محمدا قد قتل؟ فقال الأنصاري: إن كان محمدا قد قتل فقد بلغ، فقاتلوا عن دينكم. فأنزل اللّه {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} يقول: ارتددتم كفارا بعد إيمانكم.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه.

وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: نادى مناد يوم أحد حين هزم أصحاب محمد: إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى دينكم الأول، فأنزل اللّه {وما محمد إلا رسول...} الآية.

وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: قال أهل المرض والارتياب والنفاق حين فر الناس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: قد قتل محمد فالحقوا بدينكم الأول. فنزلت هذه الآية {وما محمد إلا رسول...} الآية.

وأخرج ابن جرير عن السدي قال: فشا في الناس يوم أحد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد قتل، فقال بعض أصحاب الصخرة: ليت لنا رسولا إلى عبد اللّه بن أبي، فيأخذ لنا أمانا من أبي سفيان. يا قوم إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلونكم. قال أنس بن النضر: يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد صلى اللّه عليه وسلم، اللّهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء. فشد بسيفه فقاتل حتى قتل. فأنزل اللّه {وما محمد إلا رسول} الآية.

وأخرج ابن جرير عن القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخي بني عدي بن النجار قال: انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر وطلحة بن عبيد اللّه في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل محمد رسول اللّه قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول اللّه. واستقبل القوم فقاتل حتى قتل.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطية العوفي قال: لما كان يوم أحد وانهزموا قال بعض الناس: إن كان محمد قد أصيب فأعطوهم بأيديكم إنما هم إخوانكم. وقال بعضهم: إن كان محمد قد أصيب ألا تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به. فأنزل اللّه {وما محمد إلا رسول} إلى قوله {فآتاهم اللّه ثواب الدنيا}.

وأخرج ابن سعد في الطبقات عن محمد بن شرحبيل العبدري قال: حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فقطعت يده اليمنى، فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} ثم قطعت يده اليسرى فجثا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول {وما محمد إلا رسول..} الآية. ومأنزلت هذه الآية {وما محمد إلا رسول} يومئذ حتى نزلت بعد ذلك.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد {ومن ينقلب على عقبيه} قال: يرتد.

وأخرج البخاري والنسائي من طريق الزهري عن أبي سلمة عن عائشة أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو مغشى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه وقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، واللّه لا يجمع اللّه عليك موتتين، وأما الموتة التي كتبت عليك فقد متها. قال الزهري: وحدثني أبو سلمة عن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر. وقال أبو بكر: أما بعد من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد اللّه فإن اللّه حي لا يموت. قال اللّه {وما محمد إلا رسول} إلى قوله {الشاكرين} فقال: فواللّه لكأن الناس لم يعلموا أن اللّه أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلاها الناس منه كلهم. فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها.

وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قام عمر بن الخطاب فقال: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول اله صلى اللّه عليه وسلم توفي، وإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - واللّه - ما مات، ولكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات. واللّه ليرجعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مات. فخرج أبو بكر فقال: على رسلك يا عمر أنصت. فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد اللّه فإن اللّه حي لا يموت. ثم تلا هذه الآية {وما محمد إلا رسول} الآية. فواللّه لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ، وأخذ الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم. قال عمر: فواللّه ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى وقعت إلى الأرض، ما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد مات.

وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة قال: لما توفي النبي صلى اللّه عليه وسلم قام عمر بن الخطاب فتوعد من قال قد مات بالقتل والقطع، فجاء أبو بكر فقام إلى جانب المنبر وقال: إن اللّه نعى نبيكم إلى نفسه وهو حي بين أظهركم، ونعاكم إلى أنفسكم، فهو الموت حتى لا يبقى أحد إلا اللّه. قال اللّه {وما محمد إلا رسول} إلى قوله {الشاكرين} فقال عمر: هذه الآية في القرآن؟ واللّه ما علمت أن هذه الآية أنزلت قبل اليوم وقال: قال اللّه لمحمد صلى اللّه عليه وسلم (إنك ميت وإنهم ميتون) (الزمر الآية ٣٠).

وأخرج ابن المنذر والبيهقي من طريق ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال: كنت أتأول هذه الآية (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) (البقرة الآية ١٤٣) فواللّه إن كنت لأظن أنه سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها، وأنه هو الذي حملني على أن قلت ما قلت.

وأخرح ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله {وسيجزي اللّه الشاكرين} قال: الثابتين على دينهم. أبا بكر وأصحابه، فكان علي يقول: كان أبو بكر أمين الشاكرين.

وأخرح الحاكم والبيهقي في الدلائل عن الحسن بن محمد قال: "قال عمر: دعني يا رسول اللّه أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو فلا يقوم خطيبا في قومه أبدا فقال: دعها فلعلها أن تسرك يوما. فلما مات النبي صلى اللّه عليه وسلم نفر أهل مكة، فقام سهيل عند الكعبة فقال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات واللّه حي لا يموت".

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم عن ابن عباس أن عليا كان يقول في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن اللّه يقول {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} واللّه لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه، واللّه لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت.

وأخرج ابن المنذر عن الزهري قال: لمأنزلت هذه الآية (ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) (الفتح الآية ٤) قالوا: يا رسول اللّه قد علمنا أن الإيمان يزداد فهل ينقص؟ قال: إي والذي بعثني بالحق إنه لينقص قالوا: يا رسول اللّه فهل لذلك دلالة في كتاب اللّه؟ قال: نعم. ثم تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} فالإنقلاب نقصان ولا كفر.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن إسحق {وما كان لنفس} الآية أي لمحمد صلى اللّه عليه وسلم أجل هو بالغه، فإذا أذن اللّه في ذلك كان {ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها} أي من كان منكم يريد الدنيا ليست له رغبة في الآخرة نؤته ما قسم له فيها من رزق ولا حظ له في الآخرة {ومن يرد ثواب الآخرة} منكم {نؤته منها} ما وعده مع ما يجري عليه من رزقه في دنياه، وذلك جزاء الشاكرين.

وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز في الآية قال: لا تموت نفس ولها في الدنيا عمر ساعة إلا بلغته.

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {وسنجزي الشاكرين} قال: يعطي اللّه العبد بنيته الدنيا والآخرة.

وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: قال أبو بكر: لومنعوني ولو عقالا أعطوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لجاهدتهم. ثم تلا {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}.

وأخرج البغوي في معجمه عن إبراهيم بن حنظلة عن أبيه أن سالما مولى أبي حذيفة كان معه اللواء يوم اليمامة فقطعت يمينه، فأخذ اللواء بيساره، فقطعت يساره، فاعتنق اللواء وهو يقول {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم...} الآيتين.

﴿ ١٤٥