٨٩ أخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل عن زيد بن ثابت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "خرج إلى أحد فرجع ناس خرجوا معه، فكان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيهم فرقتين: فرقة تقول: نقتلهم. وفرقة تقول: لا. فأنزل اللّه {فما لكم في المنافقين فئتين...} الآية كلها. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إنها طيبة، وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة". وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن ابن سعد بن معاذ الأنصاري أن هذه الآية أنزلت فينا {فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا} خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الناس فقال: "من لي بمن يؤذيني ويجمع لي في بيته من يؤذيني؟ فقام سعد بن معاذ فقال: إن كان منا يا رسول اللّه قتلناه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا فأطعناك. فقام سعد بن عبادة فقال: ما بك يا ابن معاذ طاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولكن عرفت ما هو منك. فقام أسيد بن حضير فقال: إنك يا ابن عبادة منافق تحب المنافقين. فقام محمد بن مسلمة فقال: استكوا أيها الناس، فإن فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يأمرنا فننفذ لأمره. فأنزل اللّه {فما لكم في المنافقين فئتين...} الآية". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: "إن قوما كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم، فقالوا: إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا فيهم بأس، وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة قالت فئة من المؤمنين: اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم، وقالت فئة أخرى من المؤمينن: سبحان اللّه...! تقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ويتركوا ديارهم تستحل دماؤهم وأموالهم، فكانوا كذلك فئتين والرسول عندهم لا ينهى واحد من الفريقين عن شيء. فنزلت {فما لكم في المنافقين فئتين} إلى قوله {حتى يهاجروا في سبيل اللّه} يقول: حتى يصنعوا كما صنعتم {فإن تولوا} قال: عن الهجرة". وأخرج أحمد بسند فيه انقطاع عن عبد الرحمن بن عوف "أن قوما من العرب أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة، فأسلموا وأصابهم وباء المدينة حماها فأركسوا، خرجوا من المدينة، فاستقبلهم نفر من الصحابة فقالوا لهم: ما لكم رجعتم؟ قالوا: أصابنا وباء المدينة فقالوا: ما لكم في رسول اللّه أسوة حسنة. فقال بعضهم: نافقوا. وقال بعضهم: لم ينافقوا، إنهم مسلمون. فأنزل اللّه {فما لكم في المنافقين فئتين...} الآية. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي سلمة عن عبد الرحمن أن نفرا من طوائف العرب هاجروا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فمكثوا معه ما شاء اللّه أن يمكثوا، ثم ارتكسوا فرجعوا إلى قومهم، فلقوا سرية من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فعرفوهم فسألوهم: ما ردكم؟ فاعتلوا لهم فقال بعض القوم لهم: نافقتم، فلم يزل بعض ذلك حتى فشا فيهم القول، فنزلت هذه الآية {فما لكم في المنافقين فئتين}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {فما لكم في المنافقين فئتين} قال: قوم خرجوا من مكة حتى جاؤوا المدينة، يزعمون أنهم مهاجرون ثم ارتدوا بعد ذلك، فاستأذنوا النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها، فاختلف فيهم المؤمنون فقائل يقول: هم منافقون. وقائل يقول: هم مؤمنون، فبين اللّه نفاقهم، فأمر بقتلهم، فجاءوا ببضائعهم يريدون هلال بن عويمر الأسلمي وبينه وبين محمد عليه السلام حلف، وهو الذي حصر صدره أن يقاتل المؤمنين أو يقاتل قومه، فدفع عنهم بأنهم يؤمون هلالا وبينه وبين النبي صلى اللّه عليه وسلم عهد. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله {فما لكم في المنافقين فئتين} قال: ذكر لنا أنهما كانا رجلين من قريش، كانا مع المشركين بمكة، وكانا قد تكلما بالإسلام ولم يهاجرا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، فلقيهما ناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهما مقبلان إلى مكة، فقال بعضهم: إن دماءهما وأموالهما حلال. وقال بعضهم: لا يحل ذلك لكم. فتشاجروا فيهما، فأنزل اللّه {فما لكم في المنافقين فئتين} حتى بلغ {ولو شاء اللّه لسلطهم عليكم فلقاتلوكم}. وأخرج ابن جرير عن معمر بن راشد قال: بلغني أن ناسا من أهل مكة كتبوا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم أنهم قد أسلموا، أو كان ذلك منهم كذبا، فلقوهم فاختلف فيهم المسلمون فقالت طائفة: دماءهم حلال. وطائفة قالت: دماءهم حرام. فأنزل اله {فما لكم في المنافقين فئتين}. وأخرج ابن جرير عن الضحاك في الآية قال: هم ناس تخلفوا عن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأقاموا بمكة وأعلنوا الإيمان ولم يهاجروا، فاختلف فيهم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فتولاهم ناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتبرأ من ولايتهم آخرون، وقالوا: تخلفوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم يهاجروا فسماهم اللّه منافقين، وبرأ المؤمنين من ولايتهم، وأمرهم أن لا يتولوهم حتى يهاجروا. وأخرج ابن جرير عن السدي قال: كان ناس من المنافقين أرادوا أن يخرجوا من المدينة، فقالوا للمؤمنين: إنا قد أصابنا أوجاع في المدينة واتخمناها، فلعلنا أن نخرج إلى الظهر حتى نتماثل ثم نرجع، فإنا كنا أصحاب برية. فانطلقوا واختلف فيهم أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقالت طائفة: أعداء اللّه منافقون، وددنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أذن لنا فقاتلناهم. وقالت طائفة: لا، بل إخواننا تخمتهم المدينة فاتخموها، فخرجوا إلى الظهر يتنزهون فإذا برئوا رجعوا. فأنزل اللّه في ذلك {فما لكم في المنافقين فئتين}. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال: أخذ ناس من المسلمين أموالا من المشركين فانطلقوا بها تجارا إلى اليمامة، فاختلف المسلمون فيهم، فقالت طائفة: لو لقيناهم قتلناهم وأخذنا ما في أيديهم. وقال بعضهم: لا يصلح لكم ذلك، إخوانكم انطلقوا تجارا. فنزلت هذه الآية {فما لكم في المنافقين فئتين}. وأخرج ابن جرير من طريق ابن وهب عن ابن زيد في قوله {فما لكم في المنافقين فئتين} قال: هذا في شأن ابن أبي، حين تكلم في عائشة ما تكلم، فنزلت إلى قوله {فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل اللّه} فقال سعد بن معاذ: فإني أبرأ إلى اللّه وإلى رسوله منه. يريد عبد اللّه بن أبي بن سلول. وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطب الناس فقال: كيف ترون في الرجل يخاذل بين أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ويسيء القول لأهل رسول اللّه وقد برأها اللّه، ثم قرأ ما أنزل اللّه في براءة عائشة، فنزل القرآن في ذلك {فما لكم في المنافقين فئتين...} الآية. فلم يكن بعد هذه الآية ينطق ولا يتكلم فيه أحد". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس {واللّه أركسهم} يقول: أوقعهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس {أركسهم} قال: ردهم. وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قول {أركسهم} قال: حبسهم في جهنم بما عملوا. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول أمية بن الصلت في شعره: أركسوا في جهنم أنهم كانوا عتاة * يقولوا مينا وكذبا وزورا [البيت مكسور وفيه خطأ]. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة {أركسهم بما كسبوا} قال: أهلكهم بما عملوا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي {أركسهم} قال: أضلهم. |
﴿ ٨٩ ﴾