٩٩ أخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فيأتي السهم يرمي به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل. فأنزل اللّه {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر، فأصيب بعضهم وقتل بعض، فقال المسلمون: قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت هذه الآية {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى آخر الآية. قال فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية وأنه لا عذر لهم فخرجوا، فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فأنزلت فيهم هذه الآية (ومن الناس من يقول آمنا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة الناس كعذاب اللّه) (العنكبوت الآية ١٠) إلى آخر الآية. فكتب المسلمون إليهم بذلك، فحزنوا وأيسوا من كل خير، فنزلت فيهم (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) (النحل الآية ١١٠) فكتبوا إليهم بذلك أن اللّه قد جعل لكم مخرجا فأخرجوا، فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن جرير عن عكرمة في قوله {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} إلى قوله {وساءت مصيرا} قال: نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود، وقيس بن الوليد بن المغيرة، وأبي العاص بن منية بن الحجاج، وعلي بن أمية بن خلف. قال: لما خرج المشركون من قريش وأتباعهم لمنع أبي سفيان بن حرب وعير قريش من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، وأن يطلبوا ما نيل منهم يوم نخلة، خرجوا معهم بشبان كارهين، كانوا قد أسلموا واجتمعوا ببدر على غير موعد، فقتلوا ببدر كفار ورجعوا عن الإسلام، وهم هؤلاء الذين سميناهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق في قوله {إن الذين توفاهم الملائكة} قال: هم خمسة فتية من قريش: علي بن أمية، وأبو قيس بن الفاكه، وزمعة بن الأسود، وأبو العاصي بن منية بن الحجاج. قال: ونسيت الخامس. وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: هم قوم تخلفوا بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم وتركوا أن يخرجوا معه، فمن مات منهم قبل أن يلحق بالنبي صلى اللّه عليه وسلم ضربت الملائكة وجهه ودبره. وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: كان قوم بمكة قد أسلموا، فلما هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كرهوا أن يهاجروا وخافوا، فأنزل اللّه {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله {إلا المستضعفين}. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: هم أناس من المنافقين تخلفوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمكة، فلم يخرجوا معه إلى المدينة، وخرجوا مع مشركي قريش إلى بدر، فأصيبوا يوم بدر فيمن أصيب. فأنزل اللّه فيهم هذه الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: لما أسر العباس، وعقيل، ونوفل، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "افد نفسك وابن أخيك. قال: يا رسول اللّه ألم نصل قبلتك ونشهد شهادتك؟ قال: يا عباس إنكم خاصمتم فخصمتم ثم تلا عليه هذه الآية {ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} فيوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجر {إلا المستضعفين} الذين {لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا} حيلة في المال، والسبيل الطريق. قال ابن عباس: كنت أنا منهم من الولدان". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: حدثت أن هذه الآية أنزلت في أناس تكلموا بالإسلام من أهل مكة، فخرجوا مع عدو اللّه أبي جهل، فقتلوا يوم بدر فاعتذروا بغير عذر، فأبى اللّه أن يقبل منهم، وقوله {إلا المستضعفين} قال: أناس من أهل مكة عذرهم اللّه فاستثناهم. قال: وكان ابن عباس يقول: كنت أنا وأمي من الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية: نزلت هذه الآية فيمن قتل يوم بدر من الضعفاء، في كفار قريش. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: "لما بعث النبي صلى اللّه عليه وسلم وظهروا ونبع الإيمان نبع النفاق معه فأتى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجال فقالوا: يا رسول اللّه لولا أنا نخاف هؤلاء القوم يعذبونا، ويفعلون ويفعلون لأسلمنا، ولكنا نشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك رسول اللّه، فكانوا يقولون ذلك له، فلما كان يوم بدر قام المشركون فقالوا: لا يتخلف عنا أحد إلا هدمنا داره، واستبحنا ماله. فخرج أولئك الذين كانوا يقولون ذلك القول للنبي صلى اللّه عليه وسلم معهم، فقتلت طائفة منهم وأسرت طائفة، قال: فأما الذين قتلوا فهم الذين قال اللّه {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية كلها {ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها} وتتركوا هؤلاء الذين يستضعفونكم {أولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} ثم عذر اللّه أهل الصدق فقال {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا} يتوجهون له لو خرجوا لهلكوا {فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم} إقامتهم بين ظهري المشركين. وقال الذين أسروا: يا رسول اللّه إنك تعلم أنا كنا نأتيك فنشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك رسول اللّه، وأن هؤلاء القوم خرجنا معهم خوفا؟ فقال اللّه (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم اللّه في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم) (الأنفال الآية ٧٠) صنيعكم الذي صنعتم خروجكم مع المشركين على النبي صلى اللّه عليه وسلم. (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا اللّه من قبل) (الأنفال الآية ٧١) خرجوا مع المشركين فأمكن منهم". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين. أنا من الولدان، وأمي من النساء. وأخرج عبد بن حميد والبخاري وابن جرير والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه تلا {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} قال: كنت أنا وأمي ممن عذر اللّه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة: "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كانو يدعو في دبر كل صلاة: اللّهم خلص الوليد وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، وضعفة المسلمين من أيدي المشركين، الذين لا يستطيعون حلية ولا يهتدون سبيلا". وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: "بينا النبي صلى اللّه عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال: سمع اللّه لمن حمده. ثم قال قبل أن يسجد: اللّهم نج عياش بن أبي ربيعة، اللّهم نج سلمة بن هشام، اللّهم نج الوليد بن الوليد، اللّهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللّهم اشدد وطأتك على مضر، اللّهم اجعلها سنين كسني يوسف". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في قوله {إلا المستضعفين} يعني الشيخ الكبير، والعجوز، والجواري الصغار، والغلمان. وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن يحيى قال: "مكث النبي صلى اللّه عليه وسلم أربعين صباحا يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع، وكان يقول في قنوته: اللّهم أنج الوليد بن الوليد، وعياش بن أبي ربيعة، والعاصي بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين بمكة الذين {لا يستطيعون حلية ولا يهتدون سبيلا} ". وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله {وساءت مصيرا} قال: كانوا قوما من المسلمين بمكة، فخرجوا مع قومهم من المشركين في قتال، فقتلوا معهم، فنزلت هذه الآية {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} فعذر اللّه أهل العذر منهم، وهلك من لا عذر له قال ابن عباس: وكنت أنا وأمي ممن كان له عذر. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {لا يستطيعون حيلة} قوة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {لا يستطيعون حيلة} قال: نهوضا إلى المدينة {ولا يهتدون سبيلا} طريقا إلى المدينة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد {ولا يهتدون سبيلا} طريقا إلى المدينة. واللّه تعالى أعلم. |
﴿ ٩٩ ﴾