٢

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله {لا تحلوا شعائر اللّه} قال: كان المشركون يحجون البيت الحرام، ويهدون الهدايا، ويعظمون حرمة المشاعر، وينحرون في حجهم، فاراد المسلمون أن يغيروا عليهم فقال اللّه {لا تحلوا شعائر اللّه} وفي قوله {ولا الشهر الحرام} يعني لا تستحلوا قتالا فيه {لا آمين البيت الحرام} يعني من توجه قبل البيت، فكان المؤمنون والمشركون يحجون البيت جميعا، فنهى اللّه المؤمنين أن يمنعوا أحدا يحج البيت، أو يتعرضوا له من مؤمن أو كافر، ثم أنزل اللّه بعد هذا {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} (التوبة الآية ٢٨) وفي قوله {يبتغون فضلا} يعني انهم يترضون اللّه بحجهم {ولا يجرمنكم} يقول: لا يحملنكم {شنآن قوم} يقول: عداوة قوم {وتعانوا على البر والتقوى} قال: البر. ما أمرت به {والتقوى} مانهيت عنه.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: شعائر اللّه ما نهى اللّه عنه أن تصيبه وأنت محرم، والهدى مالم يقلدوا القلائد مقلدات الهدي {ولا آمين البيت الحرام} يقول: من توجه حاجا.

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {لا تحلوا شعائر اللّه} قال: مناسك الحج.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله {لاتحلوا شعائر اللّه} قال: معالم اللّه في الحج.

وأخرج ابن جرير وابن المنذرعن عطاء انه سئل عن شعائر الحج فقال: حرمات اللّه اجتناب سخط اللّه واتباع طاعته، فذلك شعائر اللّه.

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير والنحاس في ناسخه عن قتادة في قوله {يا أيها الذين أمنوا لا تحلوا شعائر اللّه ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام} قال: منسوخ، كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من السمر فلم يعرض له أحد، واذا تقلد بقلادة شعر لم يعرض له أحد، وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت، فأمر اللّه أن لا يقاتل المشركون في الشهر الحرام ولاعند البيت، ثم نسخها قوله {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} (التوبة الآية ٥).

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: نسخ منها {آمين البيت الحرام} نسختها الآية التي في براءة {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقال {ماكان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر} (التوبة الآية ١٧) وقال {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} (التوبة الآية ٢٨) وهو العام الذي حج فيه أبو بكر بالاذان.

وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله {لاتحلوا شعائر اللّه...} الآية. قال: نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم...} (التوبة الآية ٥).

وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك. مثله.

وأخرج ابن جرير عن عطاء قال: كانوا يتقلدون من لحاء شجر الحرم، يأمنون بذلك إذا خرجوا من الحرم، فنزلت {لاتحلوا شعائر اللّه ولاالشهر الحرام ولاالهدي ولاالقلائد}.

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {لاتحلوا شعائر اللّه} قال: القلائد. اللحاء في رقاب الناس والبهائم أمانا لهم، والصفا والمروة والهدي والبدن كل هذا من شعائر اللّه قال أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم "هذا كله عمل أهل الجاهلية فعله واقامته، فحرم اللّه ذلك كله بالاسلام إلا اللحاء القلائد ترك ذلك".

وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في الآية قال: اما القلائد. فإن أهل الجاهلية كانوا ينزعون من لحاء السمر فيتخذون منها قلائد يأمنون بها في الناس، فنهى اللّه عن ذلك ان ينزع من شجر الحرم.

وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله {ولا الشهر الحرام} قال: هو ذو القعدة.

وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال "كان رسول اللّه ص بالحديبية وأصحابه حين صدهم المشركون عن البيت، وقد اشتد ذلك عليهم، فمر بهم أناس من المشركون من أهل المشرق يريدون العمرة، فقال أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم نصد هؤلاء كما صدنا أصحابنا، فأنزل اللّه {ولا يجرمنكم....} الآية".

وأخرج ابن جرير عن السدي قال: أقبل الحطم بن هند البكري حتى أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم، فدعاه فقال: إلام تدعو؟ فأخبره، وقد كأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه "يدخل اليوم عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان، فلما أخبره النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: انظروا لعلي أسلم ولي من أشاوره، فخرج من عنده، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقب غادر، فمر بسرح من سرح المدينة، فساقه ثم أقبل من عام قابل حاجا قد قلد وأهدى، فاراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان يبعث إليه، فنزلت هذه الآية حتى بلغ {ولا آمين البيت الحرام} فقال الناس من أصحابه: يا رسول اللّه خل بيننا وبينه فإنه صاحبنا. قال: انه قد قلد! قالوا: إنما هو شيء كنا نصنعه في الجاهلية، فأبى عليهم، فنزلت هذه الآية".

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال: قدم الحطم بن هند البكري المدينة في عير له تحمل طعاما، فباعه ثم دخل على النبي صلى اللّه عليه وسلم فبايعه وأسلم، فلما ولى خارجا نظر اليه فقال لمن عنده "لقد دخل علي بوجه فاجر وولى بقفا غادر، فلما قدم اليمامة ارتد عن الإسلام، وخرج في عير له تحمل الطعام في ذي القعدة يريد مكة، فلما سمع به أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم تهيأ للخروج اليه نفر من المهاجرين والأنصار ليقتطعوه في عيره، فأنزل اللّه {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر اللّه} الآية. فانتهى القوم".

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {ولا آمين البيت الحرام} قال: هذا يوم الفتح، جاء الناس يؤمون البيت من المشركين يهلون بعمرة، فقال المسلمون: يا رسول اللّه، إنما هؤلاء مشركون، فمثل هؤلاء فلن ندعهم إلا أن نغير عليهم، فنزل القرآن {ولا آمين البيت الحرام}.

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا} قال: يبتغون الاجر والتجارة حرم اللّه على كل أحد اخافتهم.

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله {يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا} قال: هي للمشركين يلتمسون فضل اللّه ورضوانا نماء يصلح لهم دنياهم.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: خمس آيات في كتاب اللّه رخصة وليست بعزمة {واذا حللتم فاصطادوا} ان شاء اصطاد وإن شاء لم يصطد {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا} (الجمعة الآية ١٠). {أو على سفر فعدة من أيام اخر} (البقرة الآية ١٨٤) {قكلوا منها وأطعموا} (الحج الآية ٢٨).

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: خمس آيات من كتاب اللّه رخصة وليست بعزيمة {فكلوا منها وأطعموا} (الحج الآية ٢٨) فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل {واذا حللتم فاصطادوا} فمن شاء فعل ومن شاء لم يفعل {ومن كان مريضا أو على سفر} (البقرة الآية ١٨٤) فمن شاء صام ومن شاء افطر {فكاتبوهم ان علمتم} (النور الآية ٣٣) ان شاء كاتب وإن شاء لم يفعل، {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا} (الجمعة الآية ١٠)، إن شاء انتشر وإن شاء لم ينتشر.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {ولا يجرمنكم شنآن قوم} قال: لا يحملنكم بغض قوم.

وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله {ولا آمين البيت الحرام} قال: الذين يريدون الحج {يبتغون فضلا من ربهم} قال: التجارة في الحج {ورضوانا} قال: الحج {ولا يجرمنكم شنآن قوم} قال: عداوة قوم {وتعاونوا على البر والتقوى} قال: البر. ما أمرت به، والتقوى. مانهيت عنه.

وأخرج أحمد وعبد بن حميد في هذه الآية والبخاري في تاريخه عن وابصه قال: أتيت رسول اللّه ص وأنا لا أريد أن أدع شيئا من البر والاثم إلا سألته عنه، فقال لي "يا وابصة أخبرك عما جئت تسأل عنه أم تسأل؟ قلت: يا رسول اللّه أخبرني! قال: جئت لتسأل عن البر والاثم، ثم جمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها في صدري، ويقول: يا وابصة استفت قلبك، استفت نفسك، البر: مااطمأن اليه القلب واطمأنت اليه النفس، والاثم: ماحاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك".

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب ومسلم والترمذي والحاكم والبيهقي في الشعب عن النواس بن سمعان قال: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن البر والإثم، فقال "ماحاك في نفسك فدعه قال: فما الإيمان؟ قال: من ساءته سيئته وسرته حسنته فهو مؤمن".

وأخرج عبد بن حميد عن عبد اللّه بن مسعود قال: الاثم حواز القلوب.

وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: الاثم حواز القلوب، فإذا حز في قلب أحدكم شيء فليدعه.

وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الاثم حواز القلوب، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع".

وأخرج أحمد والبيهقي عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مامن رجل ينعش لسانه حقا يعمل به إلا أجرى عليه أجره إلى يوم القيامة، ثم بوأه اللّه ثوابه يوم القيامة".

وأخرج البيهقي عن ابن عباس، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "ان داود عليه السلام قال فيما يخاطب ربه عز وجل: يا رب، أي عبادك أحب اليك أحبه بحبك؟ قال: يا داود أحب عبادي الي نقي القلب، نقي الكفين، لا يأتي إلى أحد سوءا، ولا يمشي بالنميمة، تزول الجبال ولا يزول، أحبني وأحب من يحبني، وحببني إلى عبادي، قال: يا رب إنك لتعلم إني أحبك وأحب من يجبك، فكيف أحببك إلى عبادك؟ ! قال: ذكرهم بآلائي وبلائي ونعمائي، يا داود إنه ليس من عبد يعين مظلوما، أو يمشي معه في مظلمته، إلا أثبت قدميه يوم تزل الاقدام".

وأخرج أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال " من رد عن عرض أخيه رد اللّه عن وجهه النار يوم القيامة".

وأخرج ابن ماجه عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: " من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة، لقى اللّه مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللّه".

وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم عن ابن عباس، ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "من أعان ظالما بباطل ليدحض به حقا فقد برئ من ذمة اللّه ورسوله".

وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أعان على خصومة بغير حق كان في سخط اللّه حتى ينزع".

وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن أوس ابن شرحبيل قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من مشى مع ظالم ليعينه وهويعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام".

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "من حالت شفاعته دون حد من حدود اللّه فقد ضاد اللّه في أمره، ومن مات وعليه دين فليس بالدينار والدرهم ولكنها الحسنات والسيئات، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط اللّه حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ماليس فيه أسكنه اللّه ردغة الخبال حتى يخرج مما قال ".

وأخرج البيهقي من طريق فسيلة. أنها سمعت أباها وهو واثلة بن الاسقع يقول: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمن المعصية أن يحب الرجل قومه؟ قال "لا، ولكن من المعصية أن يعين الرجل قومه على الظلم".

وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من مشى مع قوم يرى أنه شاهد وليس بشاهد فهو شاهد زور، ومن اعان على خصومة بغير علم كان في سخط اللّه حتى ينزع، وقتال المسلم كفر، وسبابه فسوق".

وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن مسعود عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أعان قوما على ظلم فهو كالبعير المتردي، فهو ينزع بذنبه". ولفظ الحاكم: " مثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثل البعير يتردى، فهو يمد بذنبه".

﴿ ٢