١٤

أخرج ابن أبي حاتم أخبرنا أبو بدر عباد بن الوليد المغبري فيما كتب إلي قال: سمعت أبا سعيد أحمد بن داود الحداد يقول: إنه لم يقل اللّه لشيء إنه معه إلا للملائكة يوم بدر. قال: إني معكم بالنصر.

وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي اللّه عنه قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر.

وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: قال أبي: يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: إن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا عليها نزلوا على الماء يوم بدر فغلبوا المؤمنين عليه، فأصاب المؤمنين الظمأ فجعلوا يصلون مجنبين ومحدثين؟ فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزن فقال لهم: أتزعمون أن فيكم النبي وإنكم أولياء اللّه وقد غلبتم على الماء وأنتم تصلون مجنبين ومحدثين؟ حتى تعاظم ذلك في صدور أصحاب النبي: فأنزل اللّه من السماء ماء حتى سال الوادي، فشرب المؤمنون، وملأوا الأسقية، وسقوا الركاب، واغتسلوا من الجنابة، فجعل اللّه في ذلك طهورا وثبت أقدامهم، وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة، فبعث اللّه المطر عليها فلبدها حتى اشتدت وثبت عليها الأقدام، ونفر النبي صلى اللّه عليه وسلم بجميع المسلمين وهم يومئذ ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا، منهم سبعون ومائتان من الأنصار وسائرهم من المهاجرين، وسيد المشركين يومئذ عتبة بن ربيعة لكبر سنه.

فقال عتبة: يا معشر قريش إني لكم ناصح وعليكم مشفق لا أدخر النصيحة لكم بعد اليوم، وقد بلغتم الذي تريدون وقد نجا أبو سفيان فارجعوا وأنتم سالمون، فإن يكن محمد صادقا فأنتم أسعد الناس بصدقه، وإن يك كاذبا فأنتم أحق من حقن دمه. فالتفت إليه أبو جهل فشتمه وفج وجهه وقال له: قد امتلأت أحشاؤك رعبا. فقال له عتبة: سيعلم اليوم من الجبان المفسد لقومه.

فنزل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، حتى إذا كانوا أقرب أسنة المسلمين قالوا: ابعثوا إلينا عدتنا منكم نقاتلهم. فقام غلمة من بني الخزرج فأجلسهم النبي صلى اللّه عليه وسلم ثم قال: يا بني هاشم أتبعثون إلى أخويكم - والنبي منكم - غلمة بني الخزرج؟ فقام حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث، فمشوا إليهم في الحديد فقال عتبة: تكلموا نعرفكم، فإن تكونوا أكفاءنا نقاتلكم. فقال حمزة رضي اللّه عنه: أنا أسد اللّه وأسد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فقال له عتبة: كفء كريم. فوثب إليه شيبة فاختلفا ضربتين فضربه حمزة فقتله، ثم قام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه إلى الوليد بن عتبة فاختلفا ضربتين فضربه علي رضي اللّه عنه فقتله، ثم قام عبيدة فخرج إليه عتبة فاختلفا ضربتين فجرح كل واحد منهما صاحبه، وكر حمزة على عتبة فقتله، فقام النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال "اللّهم ربنا أنزلت علي الكتاب وأمرتني بالقتال ووعدتني النصر ولا تخلف الميعاد" فأتاه جبريل عليه السلام، فأنزل عليه (ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة مردفين) (آل عمران:١٢٤) فأوحى اللّه إلى الملائكة {إني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} فقتل أبو جهل في تسعة وستين رجلا، وأسر عقبة بن أبي معيط فقتل صبرا، فوفى ذلك سبعين وأسر سبعون.

وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن بعض بني ساعدة قال: سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة رضي اللّه عنه بعدما أصيب بصره يقول: لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى، فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس، وأوحى اللّه: إليهم إني معكم فثبتوا الذين آمنوا، وتثبيتهم أن الملائكة عليهم السلام تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول: أبشروا فإنهم ليسوا بشيء واللّه معكم كروا عليهم، فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه وقال: إني بريء منكم وهو في صورة سراقة، وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول: لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم فإنه كان على موعد من محمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، ثم قال: واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال، فلا تقتلوا وخذوهم أخذا.

وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال " لما حضر القتال ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رافع يديه يسأل اللّه النصر، ويقول: اللّهم إن ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك، ولا يقوم لك دين، وأبو بكر رضي اللّه عنه يقول: واللّه لينصرنك اللّه ويبيضن وجهك، فأنزل اللّه عز وجل ألفا من الملائكة مردفين عند أكتاف العدو، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أبشر يا أبا بكر هذا جبريل عليه السلام معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض، فلما نزل إلى الأرض تغيب عني ساعة ثم نزل على ثنايا النقع، يقول: أتاك نصر اللّه إذ دعوته".

وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي اللّه عنه قال: كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة عليهم السلام ممن قتلوهم بضرب على الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي اللّه عنه في قوله {فاضربوا فوق الأعناق} يقول: الرؤوس.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطية رضي اللّه عنه في قوله {فاضربوا فوق الأعناق} قال: اضربوا الأعناق.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي اللّه عنه في قوله {فاضربوا فوق الأعناق} يقول: اضربوا الرقاب.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {واضربوا منهم كل بنان} قال: كل مفصل.

وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي رضي اللّه عنه في قوله {واضربوا منهم كل بنان} قال: اضرب منه الوجه والعين، وارمه بشهاب من نار.

وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى {واضربوا منهم كل بنان} قال: أطراف الأصابع وبلغة هذيل الجسد كله. قال: فأنشدني في كلتيهما؟ قال: نعم، أما أطراف الأصابع فقول عنترة العبسي:

فنعم فوارس الهيجاء قومي * إذا علق الأعنة بالبنان

وقال الهذلي في الجسد:

لها أسد شاكي البنان مقذف * له لبد أظفاره لم تقلم

وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن أبي داود المازني رضي اللّه عنه قال: بينا أنا أتبع رجلا من المشركين يوم بدر، فأهويت إليه بسيفي فوقع رأسه قبل أن يصل سيفي إليه، فعرفت أن قد قتله غيري.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي اللّه عنه {فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} قال: ما وقعت يومئذ ضربة إلا برأس أو وجه أو مفصل.

﴿ ١٤