ÓõæÑóÉõ ÇáÊøóæúÈóÉö ãóÏóäöíøóÉñ æóåöíó ãöÇÆóÉñ æóÊöÓúÚñ æóÚöÔúÑõæäó ÂíóÉð سورة التوبة مدنية وآياتها تسع وعشرون ومائة أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: نزلت براءة بعد فتح مكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: نزلت سورة التوبة بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه عنهما قال: أنزل بالمدينة سورة براءة. وأخرج ابن المنذر عن قتادة رضي اللّه عنه قال: مما نزل في المدينة براءة. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر والنحاس في ناسخه وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قلت لعثمان بن عفان رضي اللّه عنه: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني؟ وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا سطر بسم اللّه الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان رضي اللّه عنه: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول"ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا "وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظنت أنها منها، فقبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بيهما ولم أكتب بينهما سطر بسم اللّه الرحمن الرحيم، ووضعتهما في السبع الطوال. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن الضريس وابن المنذر والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه عن البراء رضي اللّه عنه قال: آخر آية نزلت (يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة) (النساء:١٧٦) وآخر سورة نزلت تامة براءة. وأخرج أبو الشيخ عن أبي رجاء قال: سألت الحسن رضي اللّه عنه عن الأنفال وبراءة، أسورتان أو سورة؟ قال: سورتان. وأخرج أبو الشيخ عن أبي روق قال: الأنفال وبراءة سورة واحدة. وأخرج النحاس في ناسخه عن عثمان رضي اللّه عنه قال: كانت الأنفال وبراءة يدعيان في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم القرينتين، فلذلك جعلتهما في السبع الطوال. وأخرج الدارقطني في الأفراد عن عسعس بن سلامة رضي اللّه عنه قال: قلت لعثمان رضي اللّه عنه: يا أمير المؤمنين، ما بال الأنفال وبراءة ليس بينهما بسم اللّه الرحمن الرحيم؟ قال: كانت تنزل السورة فلا تزال تكتب حتى تنزل بسم اللّه الرحمن الرحيم، فإذا جاءت بسم اللّه الرحمن الرحيم كتبت سورة أخرى، فنزلت الأنفال ولم تكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم. وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "المنافق لا يحفظ سورة هود وبراءة ويس والدخان وعم يتسألون". وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن أبي عطية الهمداني قال: كتب عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه: تعلموا سورة براءة، وعلموا نساءكم سورة النور. وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن حذيفة رضي اللّه عنه قال: التي تسمون سورة التوبة هي سورة العذاب، واللّه ما تركت أحدا إلا نالت منه، ولا تقرأون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة رضي اللّه عنه في براءة يسمونها سورة التوبة وهي سورة العذاب. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة رضي اللّه عنه في براءة يسمونها سورة التوبة وهي سورة العذاب. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعيد بن جبير رضي اللّه عنه قال: قلت لابن عباس رضي اللّه عنهما: سورة التوبة؟ قال: التوبة، بل هي الفاضحة، ما زالت تنزل ومنهم حتى ظننا أن لن يبقى منا أحد إلا ذكر فيها. وأخرج أبو عوانة وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما. أن عمر رضي اللّه عنه قيل له: سورة التوبة؟ قال: هي إلى العذاب أقرب، ما أقلعت عن الناس حتى ما كادت تدع منهم أحدا. وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة رضي اللّه عنه قال: قال عمر رضي اللّه عنه: ما فرغ من تنزيل براءة حتى ظننا أنه لم يبق منا أحد إلا سينزل فيه، وكانت تسمى الفاضحة. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن زيد بن أسلم رضي اللّه عنه. أن رجلا قال لعبد اللّه: سورة التوبة؟ فقال ابن عمر رضي اللّه عنه: وأيتهن سورة التوبة؟ فقال: براءة. فقال ابن عمر: وهل فعل بالناس الأفاعيل إلا هي، ما كنا ندعوها إلا المقشقشة. وأخرج أبو الشيخ عن عبد اللّه بن عبيد بن عمير رضي اللّه عنه قال: كانت براءة تسمى المنقرة، نقرت عما في قلوب المشركين. وأخرج أبو الشيخ عن حذيفة رضي اللّه عنه قال: ما تقرأون ثلثها، يعني سورة التوبة. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال: يسمونها سورة التوبة وإنها لسورة عذاب يعني براءة. وأخرج ابن المنذر عن محمد بن إسحق رضي اللّه عنه قال: كانت براءة تسمى في زمان النبي المعبرة، لما كشفت من سرائر الناس. وأخرج سعيد بن منصور والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي ذر رضي اللّه عنه قال "دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي صلى اللّه عليه وسلم يخطب، فجلست قريبا من أبي بن كعب رضي اللّه عنه، فقرأ النبي صلى اللّه عليه وسلم سورة براءة، فقلت لأبي: متى نزلت هذه السورة؟ فلم يكلمني قضى النبي صلى اللّه عليه وسلم صلاته قلت لأبي رضي اللّه عنه: سألتك فتجهمتني ولم تكلمني، فقال أبي: مالك من صلاتك إلا ما لغوت. فذهبت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته، فقال: صدق أبي". وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي رضي اللّه عنه "أن أبا ذر والزبير بن العوام رضي اللّه عنهما سمع أحدهما من النبي صلى اللّه عليه وسلم آية يقرأها وهو على المنبر يوم الجمعة فقال لصاحبه: متى أنزلت هذه الآية؟! فلما قضى صلاته، قال له عمر بن الخطاب: لا جمعة لك. فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: صدق عمر". وأخرج البيهقي في شعب الإيمان وضعفه عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال: لما نزلت سورة براءة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "بعثت بمداراة الناس". وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: سألت علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه لم لم تكتب في براءة بسم اللّه الرحمن الرحيم؟ قال: لأن بسم اللّه الرحمن الرحيم أمان، وبراءة نزلت بالسيف. _________________________________ ١ انظر تفسير الآية: ٢ ٢ وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {براءة من اللّه ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين} إلى أهل العهد خزاعة ومدلج ومن كان له عهد وغيرهم، أقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من تبوك حين فرغ منها فأراد الحج، ثم قال "إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك، فأرسل أبا بكر رضي اللّه عنه وعليا رضي اللّه عنه فطافا في الناس بذي المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يبيعون بها وبالموسم كله، فآذانوا أصحاب العهد أن يأمنوا أربعة أشهر وهي الأشهر الحرم المنسلخات المتواليات، عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر تخلو من ربيع الأول، ثم عهد لهم وآذن الناس كلهم بالقتال إلى أن يموتوا". وأخرج عبد اللّه بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي رضي اللّه عنه قال "لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلى اللّه عليه وسلم دعا أبا بكر رضي اللّه عنه ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني فقال لي: أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه، ورجع أبو بكر رضي اللّه عنه فقال: يا رسول اللّه نزل في شيء؟ قال: لا، ولكن جبريل جاءني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس رضي اللّه عنه قال "بعث النبي صلى اللّه عليه وسلم ببراءة مع أبي بكر رضي اللّه عنه، ثم دعاه فقال: لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي، فدعا عليا فأعطاه إياه". وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث أبا بكر رضي اللّه عنه ببراءة إلى أهل مكة، ثم بعث عليا رضي اللّه عنه على أثره فأخذها منه، فكأن أبا بكر رضي اللّه عنه وجد في نفسه؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: يا أبا بكر إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني". وأخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث عليا رضي اللّه عنه بأربع لا يطوفن بالبيت عريان، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد فهو إلى عهده، وإن اللّه ورسوله بريء من المشركين". وأخرج أحمد والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال "كنت مع علي رضي اللّه عنه حين بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث عليا رضي اللّه عنه بأربع. لا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد فهو إلى عهده، وأن اللّه ورسوله بريء من المشركين". وأخرج أحمد والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال "كنت مع علي رضي اللّه عنه حين بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة، فكنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد فإن أمره أو أجله إلى أربعة أشهر فإذا مضت الأربعة أشهر فإن اللّه بريء من المشركين ورسوله، ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك". وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن المسيب رضي اللّه عنه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه "أن أبا بكر رضي اللّه عنه أمره أن يؤذن ببراءة في حجة أبي بكر فقال أبو هريرة: ثم اتبعنا النبي صلى اللّه عليه وسلم عليا رضي اللّه عنه، أمره أن يؤذن ببراءة وأبو بكر رضي اللّه عنه على الموسم كما هو، أو قال: على هيئته". وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي اللّه عنهما "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استعمل أبا بكر رضي اللّه عنه على الحج، ثم أرسل عليا رضي اللّه عنه ببراءة على أثره، ثم حج النبي صلى اللّه عليه وسلم المقبل، ثم خرج فتوفي، فولي أبو بكر رضي اللّه عنه فاستعمل عمر رضي اللّه عنه على الحج، ثم حج أبو بكر رضي اللّه عنه من قابل ثم مات، ثم ولي عمر رضي اللّه عنه فاستعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج، ثم كان يحج بعد ذلك هو حتى مات، ثم ولي عثمان رضي اللّه عنه فاستعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج، ثم كان يحج حتى قتل". وأخرج ابن حبان وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبا بكر رضي اللّه عنه يؤدي عنه براءة، فلما أرسله بعث إلى علي رضي اللّه عنه فقال: يا علي إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو أنت، فحمله على ناقته العضباء فسار حتى لحق بأبي بكر رضي اللّه عنه فأخذ منه براءة، فأتى أبو بكر النبي صلى اللّه عليه وسلم وقد دخله من ذلك مخافة أن يكون قد أنزل فيه شيء، فلما أتاه قال: ما لي يا رسول اللّه؟! قال "خير أنت أخي وصاحبي في الغار وأنت معي على الحوض، غير أنه لا يبلغ عني غيري أو رجل مني". وأخرج ابن مردويه عن أبي رافع رضي اللّه عنه قال "بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبا بكر رضي اللّه عنه ببراءة إلى الموسم، فأتى جبريل عليه السلام فقال: إنه لن يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك، فبعث عليا رضي اللّه عنه على أثره حتى لحقه بين مكة والمدينة، فأخذها فقرأها على الناس في الموسم". وأخرج البخاري ومسلم وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال "بعثني أبو بكر رضي اللّه عنه في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: أن لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ثم أردف النبي صلى اللّه عليه وسلم بعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، فأمره أن يؤذن ببراءة فأذن معنا علي رضي اللّه عنه في أهل منى يوم النحر ببراءة: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان". وأخرج الترمذي وحسنه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي اللّه عنهما "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث أبا بكر رضي اللّه عنه وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، ثم أتبعه عليا رضي اللّه عنه وأمره أن ينادي بها، فانطلقا فحجا فقام علي رضي اللّه عنه في أيام التشريق فنادى {إن اللّه بريء من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} ولا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن. فكان علي رضي اللّه عنه ينادي بها". وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه وابن المنذر والنحاس والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن زيد بن تبيع رضي اللّه عنه قال: سألنا عليا رضي اللّه عنه بأي شيء بعثت مع أبي بكر رضي اللّه عنه في الحج؟ قال: بعثت بأربع. لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مؤمن وكافر بالمسجد الحرام بعد عامه هذا، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر. وأخرج إسحق بن راهويه والدارمي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر رضي اللّه عنه "أن النبي بعث أبا بكر على الحج، ثم أرسل عليا رضي اللّه عنه ببراءة. فقرأها على الناس في موقف الحج حتى ختمها". وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة رضي اللّه عنه قال "بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبا بكر أميرا على الناس سنة تسع وكتب له سنن الحج، وبعث علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه بآيات من براءة فأمره أن يؤذن بمكة وبمنى وعرفة والمشاعر كلها: بأنه برئت ذمة رسول من كل مشرك حج هذا العام، أو طاف بالبيت عريان، وأجل من كان بينه وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد أربعة أشهر، وسار علي رضي اللّه عنه على راحلته في الناس كلهم يقرأ عليهم القرآن {براءة من اللّه ورسوله} وقرأ عليهم (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) (الأعراف:٣١) الآية". وأخرج أبو الشيخ عن علي رضي اللّه عنه قال "بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى اليمن ببراءة، فقلت: يا رسول اللّه تبعثني وأنا غلام حديث السن، وأسأل عن القضاء ولا أدري ما أجيب؟ قال: ما بد من أن تذهب بها أو أذهب بها. قلت: إن كان لا بد فأنا أذهب. قال: انطلق فإن اللّه يثبت لسانك ويهدي قلبك، ثم قال: انطلق فاقرأها على الناس". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {براءة من اللّه ورسوله...} الآية. قال: حد اللّه للذين عاهدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أربعة أشهر يسيحون فيها حيث شاؤوا، وحد أجل من ليس له عهد انسلاخ الآربعة الأشهر الحرم من يوم النحر إلى إنسلاخ الحرم خمسين ليلة، فإذا انسلخ الأشهر الحرم أمره أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام ونقض ما سمى لهم من العهد والميثاق، وإن ذهب الشرط الأول (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) (التوبة:٤) يعني أهل مكة. وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كان لقوم عهود فأمر اللّه النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يؤجلهم أربعة أشهر يسيحون فيها ولا عهد لهم بعدها وأبطل ما بعدها، وكان قوم لا عهود لهم فأجلهم خمسين يوما، عشرين من ذي الحجة والمحرم كله، فذلك قوله (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة:٥) قال: ولم يعاهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد هذه الآية أحدا. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما {براءة من اللّه ورسوله} قال: برئ إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من عهودهم كما ذكر اللّه عز وجل. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس عن الزهري رضي اللّه عنه {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} قال: نزلت في شوال فهي الأربعة أشهر شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. ٣ وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي اللّه عنه في قوله {وأذان من اللّه ورسوله} قال: هو إعلام من اللّه ورسوله. وأخرج ابن أبي حاتم عن حكيم بن حميد رضي اللّه عنه قال: قال لي علي بن الحسين: إن لعلي في كتاب اللّه اسما ولكن لا يعرفونه. قلت: ما هو؟ قال: ألم تسمع قول اللّه {وأذان من اللّه ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} هو واللّه الأذان. وأخرج الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي رضي اللّه عنه قال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن يوم الحج الأكبر؟ فقال "يوم النحر". وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وأبو الشيخ عن علي رضي اللّه عنه قال: يوم الحج الأكبر يوم النحر. وأخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن علي رضي اللّه عنه قال "أربع حفظتهن عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. إن الصلاة الوسطى العصر، وإن الحج الأكبر يوم النحر، وإن أدبار السجود الركعتان بعد المغرب، وإن أدبار النجوم الركعتان قبل صلاة الفجر". وأخرج الترمذي وابن مردويه عن عمرو بن الأحوص رضي اللّه عنه. أنه شهد حجة الوداع مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر ووعظ قال "أي يوم أحرم، أي يوم حرم، أي يوم حرم؟ فقال الناس: يوم الحج الأكبر يا رسول اللّه". وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن عبد اللّه بن قرط قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"أعظم الأيام عند اللّه أيام النحر يوم القر". وأخرج ابن مردويه عن ابن أبي أوفى رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن قال "يوم الأضحى هذا يوم الحج الأكبر". وأخرج البخاري تعليقا وأبو داود وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر رضي اللّه عنهما "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حجها فقال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم النحر. قال: هذا يوم الحج الأكبر". وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن مردويه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: بعثني أبو بكر رضي اللّه عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، والحج الأكبر الحج، وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر، فنبذ أبو بكر رضي اللّه عنه إلى الناس في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مشرك، وأنزل اللّه تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس) (التوبة:٢٨) الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن عباس قال: الحج الأكبر يوم النحر. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير عن المغيرة بن شعبة. أنه خطب يوم الأضحى فقال: اليوم النحر، واليوم الحج الأكبر. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي جحيفة رضي اللّه عنه قال: الحج الأكبر: يوم النحر. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير رضي اللّه عنه قال: الحجر الأكبر: يوم النحر. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد اللّه بن أبي أوفى رضي اللّه عنه قال: الحج الأكبر: يوم النحر يوضع فيه الشعر، ويراق فيه الدم، وتحل فيه الحرم. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن سمرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "يوم الحج الأكبر يوم حج أبو بكر رضي اللّه عنه بالناس". وأخرج ابن مردويه عن سمرة رضي اللّه عنه في قوله {يوم الحج الأكبر} قال: كان عام حج فيه المسلمون والمشركون في ثلاثة أيام، واليهود والنصارى في ثلاثة أيام، فاتفق حج المسلمين والمشركين واليهود والنصارى في ستة أيام. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عون رضي اللّه عنه قال: سألت محمد عن يوم الحج الأكبر؟ قال: كان يوم وافق فيه حج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وحج أهل الملل. وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب رضي اللّه عنه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال زمن الفتح: إنه عام الحج الأكبر. قال: اجتمع حج المسلمين وحج المشركين في ثلاثة أيام متتابعات فاجتمع حج المسلمين والمشركين والنصارى واليهود في ثلاثة أيام متتابعات، ولم يجتمع منذ خلق اللّه السموات والأرض كذلك قبل العام، ولا يجتمع بعد العام حتى تقوم الساعة. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي اللّه عنه. أنه سئل عن الحج الأكبر؟ فقال: ما لكم وللحج الأكبر؟ ذاك عام حج فيه أبو بكر رضي اللّه عنه، استخلفه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحج بالناس، فاجتمع فيه المسلمون والمشركون فلذلك سمي الحج الأكبر، ووافق عيد اليهود والنصارى. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب رضي اللّه عنه قال: الحج الأكبر اليوم الثاني من يوم النحر، ألم تر أن الإمام يخطب فيه. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن المسور بن مخرمة رضي اللّه عنه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال يوم عرفة: هذا يوم الحج الأكبر". وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: الحج الأكبر يوم عرفة. وأخرج ابن جرير عن أبي الصهباء البكري قال: سألت علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه عن يوم الحج الأكبر؟ فقال: يوم عرفة. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: إن يوم عرفة يوم الحج الأكبر، يوم المباهاة يباهي اللّه ملائكته في السماء بأهل الأرض، يقول "جاؤوني شعثا غبرا، آمنوا بي ولم يروني وعزتي لأغفرن لهم". وأخرج ابن جرير عن معقل بن داود قال سمعت ابن الزبير يقول يوم عرفة هذا يوم الحج الأكبر. وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي. أنه سئل هذا الحج الأكبر فما الحج الأصغر؟ قال: عمرة في رمضان. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي إسحق رضي اللّه عنه قال: سألت عبد اللّه بن شداد رضي اللّه عنه عن الحج الأكبر فقال: الحج الأكبر يوم النحر، والحج الأصغر العمرة. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي اللّه عنه قال: كان يقال: العمرة هي الحجة الصغرى. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبو خيوة رضي اللّه عنه في قوله {إن اللّه بريء من المشركين ورسوله} قال: برئ رسوله صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتاب الوقف والابتداء وابن عساكر في تاريخه عن ابن أبي مليكة رضي اللّه عنه قال: قدم أعرابي في زمان عمر رضي اللّه عنه فقال: من يقرئني ما أنزل اللّه على محمد صلى اللّه عليه وسلم؟ فاقرأه رجل فقال {إن اللّه بريء من المشركين ورسوله} بالجر فقال الأعرابي: أقد برئ اللّه من رسوله؟ إن يكن اللّه برئ من رسوله فأنا أبرأ منه. فبلغ عمر مقالة الأعرابي، فدعاه فقال: يا أعرابي أتبرأ من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن، فسألت من يقرئني؟ فأقرأني هذا سورة براءة. فقال {إن اللّه بريء من المشركين ورسوله} فقلت: إن يكن اللّه برئ من رسوله فأنا أبرأ منه. فقال عمر رضي اللّه عنه: ليس هكذا يا أعرابي. قال: فكيف هي يا أمير المؤمنين؟ فقال {إن اللّه بريء من المشركين ورسوله} فقال الأعرابي: وأنا واللّه أبرأ مما ما برئ اللّه ورسوله منه. فأمر عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أن لا يقرئ الناس إلا عالم باللغة، وأمر أبا الأسود رضي اللّه عنه فوضع النحو. وأخرج ابن الأنباري عن عباد المهلبي قال: سمع أبو الأسود الدؤلي رجلا يقرأ {إن اللّه بريء من المشركين ورسوله} بالجر فقال: لا أظنني يسعني إلا أن أن أضع شيئا يصلح به لحن هذا أو كلاما هذا معناه. أما قوله تعالى: {وبشر الذين كفروا بعذاب أليم}. وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن مسهر قال: سئل سفيان بن عينية عن البشارة أتكون في المكروه؟ قال: ألم تسمع قوله تعالى {وبشر الذين كفروا بعذاب أليم}. ٤ وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {إلا الذين عاهدتم من المشركين} قال: هم مشركو قريش الذين عاهدهم نبي اللّه زمن الحديبية، وكان بقي من مدتهم أربعة اشهر بعد يوم النحر، فأمر اللّه نبيه أن يوفي لهم بعهدهم هذا إلى مدتهم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن عباد بن جعفر في قوله {إلا الذين عاهدتم من المشركين} قال: هم بنو خزيمة بن عامر من بني بكر بن كنانة. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {ثم لم ينقصوكم شيئا..} الآية. قال: فإن نقض المشركون عهدهم وظاهروا عدوا فلا عهد لهم، وإن أوفوا بعهدهم الذي بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم يظاهروا عليه فقد أمر أن يؤدي إليهم عهدهم ويفي به. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} قال: كان لبني مدلج وخزاعة عهد، فهو الذي قال اللّه {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم}. وأخرج أبو الشيخ عن اسدي رضي اللّه عنه في قوله {إلا الذين عاهدتم من المشركين} قال: هؤلاء بنو ضمرة وبنو مدلج حيان من بني كنانة، كانوا حلفاء النبي صلى اللّه عليه وسلم في غزوة العسرة من بني تبيع {ثم لم ينقصوكم شيئا} ثم لم ينقضوا عهدكم بغدر {ولم يظاهروا} عدوكم عليكم {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} يقول: أجلهم الذي شرطتم لهم {إن اللّه يحب المتقين} يقول: الذين يتقون اللّه تعالى فيما حرم عليهم فيفون بالعهد: قال: فلم يعاهد النبي بعد هؤلاء الآيات أحد. ٥ وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي اللّه عنه في قوله {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} قال: هي الأربعة عشرون من ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وشهر ربيع الأول، وعشرون من شهر ربيع الآخر. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي اللّه عنه في قوله {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} قال: عشر من ذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم، سبعون ليلة. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} قال: هي الأربعة التي قال (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) (براءة: ٢). وأخرج ابن المنذر عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {فإذا انسلخ الأشهر الحرم...} الآية. قال: كان عهد بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبين قريش أربعة أشهر بعد يوم النحر، كانت تلك بقية مدتهم ومن لا عهد له إلى إنسلاخ المحرم، فأمر اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم إذا مضى هذه الأجل أن يقاتلهم في الحل والحرم وعند البيت، حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي اللّه عنه قال: كل آية في كتاب اللّه تعالى فيها ميثاق بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وبين أحد من المشركين، وكل عهد ومدة نسخها سورة براءة {خذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد}. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي اللّه عنه في قوله {احصروهم} قال: ضيقوا عليهم {واقعدوا لهم كل مرصد} قال: لا تتركوهم يضربون في البلاد ولا يخرجون التجارة. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني رضي اللّه عنه قال: الرباط في كتاب اللّه تعالى {واقعدوا لهم كل مرصد}. وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس في قوله {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} ثم نسخ واستثنى فقال {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} وقال (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام اللّه) (التوبة:٦). أما قوله تعالى: {فإن تابوا} الآية أخرج ابن ماجة ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق الربيع بن أنس عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"من فارق الدنيا على الإخلاص للّه وعبادته وحده لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فارقها واللّه عنه راض، قال أنس رضي اللّه عنه: وهو دين اللّه الذي جاءت به الرسل، وبلغوه عن ربهم من قبل هوج الأحاديث وإختلاف الأهواء. قال أنس: وتصديق ذلك في كتاب اللّه تعالى في آخر ما أنزل {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} قال: توبتهم خلع الأوثان وعبادة ربهم. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي اللّه عنه {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة} قال: حرمت هذه دماء أهل القبلة. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن اللّه غفور رحيم} قال: فإنما الناس ثلاثة نفر. مسلم عليه الزكاة، ومشرك عليه الجزية، وصاحب حرب يأتمن بتجارته إذا أعطى عشر ماله. وأخرج الحاكم وصححه عن مصعب بن عبد الرحمن عن أبيه رضي اللّه عنه قال: افتتح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكة، ثم انصرف إلى الطائف فحاصرهم ثمانية أو سبعة، ثم ارتحل غدوة وروحة، ثم نزل ثم هجر، ثم قال "أيها الناس إني لكم فرط، وإني أوصيكم بعترتي خيرا موعدكم الحوض، والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة أو لأبعثن عليكم رجلا مني أو كنفسي فليضربن أعناق مقاتلهم وليسبين ذراريهم، فرأى الناس أنه يعني أبا بكر أو عمر رضي اللّه عنهما، فأخذ بيد علي رضي اللّه عنه فقال: هذا". وأخرج ابن سعد عن عبد الرحمن بن الربيع الظفري رضي اللّه عنه - وكانت له صحبة - قال "بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى رجل من أشجع تؤخذ صدقته، فجاءه الرسول فرده فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: اذهب فإن لم يعط صدقته فاضرب عنقه. ٦ انظر تفسير الآية: ٧ ٧ أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {ثم أبلغه مأمنه} قال: إن لم يوافقه ما يقضي عليه ويجتريه فأبلغه مأمنه، وليس هذا بمنسوخ. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي اللّه عنه في قوله {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام اللّه} قال: أمر من أراد ذلك أن يأمنه، فإن قبل فذاك وإلا خلى عنه حتى يأتي مأمنه، وأمر أن ينفق عليهم على حالهم ذلك. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {حتى يسمع كلام اللّه} أي كتاب اللّه. وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي اللّه عنه قال: ثم استثنى فنسخ منها فقال {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام اللّه} وهو كلامك بالقرآن فأمنه {ثم أبلغه مأمنه} يقول: حتى يبلغ مأمنه من بلاده. وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن أبي عروبة رضي اللّه عنه قال: كان الرجل يجيء إذا سمع كلام اللّه وأقر به وأسلم. فذاك الذي دعي إليه، وإن أنكر ولم يقر به فرد إلى مأمنه، ثم نسخ ذلك فقال (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) (التوبة: ٥). وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} قال: قريش. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي اللّه عنهما في قوله {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} قال: هؤلاء قريش. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل رضي اللّه عنه قال: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم قد عاهده الناس من المشركين وعاهد أيضا أناسا من بني ضمرة بن بكر وكنانة خاصة، عاهدهم عند المسجد الحرام وجعل مدتهم أربعة أشهر، وهم الذين ذكر اللّه {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} يقول: ما وفوا لكم بالعهد فوفوا لهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي اللّه عنه في قوله {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} قال: هم بنو خزيمة بن فلان. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} قال: هو يوم الحديبية {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} قال: فلم يستقيموا ونقضوا عهدكم أعانوا بني بكر حلفاء قريش على خزاعة حلفاء النبي صلى اللّه عليه وسلم. ٨ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه قال {الأل} اللّه عز وجل. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة قال: الأل: اللّه. وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {إلا ولا ذمة} قال: الأل القرابة، والذمة العهد. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول: جزى اللّه إلا كان بيني وبينهم * جزاء ظلوم لا يؤخر عاجلا وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء عن ميمون بن مهران رضي اللّه عنه. أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس رضي اللّه عنهما: أخبرني عن قول اللّه تعالى {لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة} قال: الرحم، وقال فيه حسان بن ثابت: لعمرك إن غلك من قريش * كال السقب من رال النعام وأخرج الن أبي حاتم عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {وأكثرهم فاسقون} قال: ذم اللّه تعالى أكثر الناس. ٩ انظر تفسير الآية: ١٠ ١٠ أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {اشتروا بآيات اللّه ثمنا قليلا} قال: أبو سفيان بن حرب، أطعم حلفاءه وترك حلفاء محمد صلى اللّه عليه وسلم. ١١ أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي اللّه عنه {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخوانكم في الدين} يقول: إن تركوا اللات والعزى، وشهدوا أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه فإخوانكم في الدين. ١٢ أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {وإن نكثوا أيمانهم} قال: عهدهم. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم} يقول اللّه لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: وإن نكثوا العهد الذي بينك وبينهم فقاتلوهم إنهم أئمة الكفر. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {أئمة الكفر} قال: أبو سفيان بن حرب، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وسهيل بن عمرو، وهم الذين نكثوا عهد اللّه تعالى وهموا بإخراج الرسول من مكة. وأخرج ابن عساكر عن مالك بن أنس رضي اللّه عنه. مثله. وأخرج ابن عساكر عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {فقاتلوا أئمة الكفر} قال: أبو سفيان. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما {فقاتلوا أئمة الكفر} قال: رؤوس قريش. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر رضي اللّه عنهما في قوله {فقاتلوا أئمة الكفر} قال: أبو سفيان بن حرب منهم. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي اللّه عنه {فقاتلوا أئمة الكفر} قال: الديلم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة رضي اللّه عنه أنهم ذكروا عنده هذه الآية فقال: ما قوتل أهل هذه الآية بعد. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن مردويه عن زيد بن وهب رضي اللّه عنه في قوله {فقاتلوا أئمة الكفر} قال: كنا عند حذيفة رضي اللّه عنه فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة ولا من المنافقين إلا أربعة. فقال أعرابي: إنكم أصحاب صلى اللّه عليه وسلم محمد تخبروننا بأمور لا ندري ما هي، فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلاقنا؟! قال: أولئك الفساق، أجل لم يبق منهم إلا أربعة، أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير رضي اللّه عنه. أنه كان في عهد أبي بكر رضي اللّه عنه في الناس حين وجههم إلى الشام، فقال: إنكم ستجدون قوما محلوقة رؤوسهم فاضربوا مقاعد الشيطان منهم بالسيوف، فواللّه لئن أقتل رجلا منهم أحب إلي من أن أقتل سبعين من غيرهم، وذلك بأن اللّه تعالى يقول {قاتلوا أئمة الكفر}. وأخرج أبو الشيخ عن حذيفة رضي اللّه عنه {لا أيمان لهم} قال: لا عهود لهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عمار رضي اللّه عنه {لا أيمان لهم} لا عهود لهم. وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: واللّه ما قوتل أهل هذه الآية منذ أنزلت {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم...} الآية. وأخرج ابن مردويه عن مصعب بن سعد قال: مر سعد رضي اللّه عنه برجل من الخوارج فقال الخارجي لسعد: هذا من أئمة الكفر. فقال سعد رضي اللّه عنه: كذبت، أنا قاتلت أئمته. ١٣ انظر تفسير الآية:١٥ ١٤ انظر تفسير الآية:١٥ ١٥ وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم} قال: قتال قريش حلفاء النبي صلى اللّه عليه وسلم وهمهم بإخراج الرسول، زعموا أن ذلك عام عمرة النبي صلى اللّه عليه وسلم في العام السابع للحديبية، وجعلوا في أنفسهم إذا دخلوا مكة أن يخرجوه منها فذلك همهم بإخراجه، فلم تتابعهم خزاعة على ذلك، فلما خرج النبي صلى اللّه عليه وسلم من مكة قالت قريش لخزاعة: عميتمونا عن إخراجه؟ فقاتلوهم فقتلوا منهم رجالا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة رضي اللّه عنه قال: نزلت في خزاعة {قاتلوهم يعذبهم اللّه بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} من خزاعة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {ويشف صدور قوم مؤمنين} قال: خزاعة حلفاء رسول صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي اللّه عنه في قوله {ويشف صدور قوم مؤمنين} قال: هم خزاعة يشفي، صدورهم من بني بكر {ويذهب غيظ قلوبهم} قال: هذا حين قتلهم بنو بكر وأعانهم قريش. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه {ويذهب غيظ قلوبهم} قال: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في خزاعة حين جعلوا يقتلون بني بكر بمكة. وأخرج ابن إسحق والبيهقي في الدلائل عن مروان بن الحكم والمسور بن خرمة قالا " كان في صلح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الحديبية بينه وبين قريش: أن من شاء أن يدخل في عقد النبي صلى اللّه عليه وسلم وعهده دخل فيه، ومن شاء أن يدخل في عهد قريش وعقدهم دخل فيه، فتواثبت خزاعة فقالوا: ندخل في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: ندخل في عقد قريش وعهدهم، فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة عشر أو الثمانية عشر شهرا، ثم إن بني بكر الذي كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم وثبوا على خزاعة الذين دخلوا في عقد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعهده ليلا بماء لهم يقال له الوتير قريب من مكة، فقالت قريش: ما يعلم بنا محمد صلى اللّه عليه وسلم وهذا الليل وما يرانا أحد، فأعانوهم عليهم بالكراع والسلاح فقاتلوهم معهم للضغن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وركب عمرو بن سالم عندما كان من أمر خزاعة وبني بكر بالوتير حتى قدم المدينة على رسول اللّه بأبيات أنشده إياها: اللّهم إني ناشد محمدا * خلف أبينا وأبيه إلا تلدا كنا والدا وكنت ولدا * ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا فانصر رسول اللّه نصرا عندا * وادع عباد اللّه يأتوا مددا فيهم رسول اللّه قد تجردا * إن شئتم حسنا فوجهه بدر بدا في فيلق كالبحر يجري مزبدا * إن قريشا أخلفوك موعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا * وزعموا أن ليس تدعو أحدا فهم أذل وأقل عددا * قد جعلوا لي بكداء رصدا هم بيوتنا بالهجير هجدا * وقتلونا ركعا وسجدا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: نصرت يا عمرو بن سالم، فما برح حتى مرت غمامة في السماء فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن هذه السحابة لتشهد بنصر بني كعب، وأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الناس بالجهاد وكتمهم مخرجه، وسأل اللّه أن يعمي على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم". ١٦ وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي اللّه عنه في قوله {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم} قال: أبى أن يدعهم دون التمحيص. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: الوليجة: البطانة من غير دينهم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {وليجة} أي حنانة. ١٧ انظر تفسير الآية:١٨ ١٨ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه} وقال {إنما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه} فنفي المشركين من المسجد يقول: من وحد اللّه وآمن بما أنزل اللّه {وأقام الصلاة} يعني الصلوات الخمس {ولم يخش إلا اللّه} يقول: لم يعبد إلا اللّه {فعسى أولئك} يقول: أولئك هم المهتدون كقوله لنبيه (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) (الإسراء:٧٩) يقول: إن ربك سيبعثك مقاما محمودا وهي الشفاعة، وكل عسى في القرآن فهي واجبة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي اللّه عنه أنه قرأ "ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد اللّه" قال: إنما هو مسجد واحد. وأخرج ابن المنذر عن حماد قال: سمعت عبد اللّه بن كثير يقرأ هذا الحروف "ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد اللّه...، إنما يعمر مسجد اللّه". وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدارمي والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن خزيمة وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان، قال اللّه {إنما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه وباليوم الآخر} ". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: من سمع النداء بالصلاة ثم لم يجب ويأتي المسجد ويصلي فلا صلاة له وقد عصى اللّه ورسوله. قال اللّه {إنما يعمر مساجد اللّه} الآية. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إن اللّه سبحانه يقول: إني لأهم بأهل الأرض عذابا، فإذا نظرت إلى عمار بيوتي، والمتحابين في، والمستغفرين بالأسحار، صرفت عنهم". وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن معمر عن رجل من قريش يرفع الحديث قال: يقول اللّه تبارك وتعالى "إن أحب عبادي إلي الذين يتحابون في، والذين يعمرون مساجدي، والذين يستغفرون بالأسحار، أولئك الذين إذا أردت بخلقي عذابا ذكرتهم فصرفت عذابي عن خلقي". وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبزار وحسنه والطبراني والبيهقي عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه أنه كتب إلى سلمان: يا أخي، ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"المسجد بيت كل تقي"، وقد ضمن اللّه لمن كانت المساجد بيوتهم بالروح والراحة، والجواز إلى الصراط إلى رضوان الرب. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن قتادة رضي اللّه عنه قال: كان يقال: ما زي المسلم إلا في ثلاث: في مسجد يعمره، أو بيت يكنه، أو ابتغاء رزق من فضل ربه. وأخرج أبو بكر عبد الرحمن بن القاسم بن الفرج الهاشمي في جزئه المشهور بنسخة أبي مسهر عن أبي إدريس الخولاني رضي اللّه عنه قال: المساجد مجالس الكرام. وأخرج أحمد عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "إن للمساجد أوتاد، الملائكة جلساؤهم، إن غابوا يفتقدونهم، وإن مرضوا عادوهم، وإن كانوا في حاجة أعانوهم، ثم قال: جليس المسجد على ثلاث خصال أخ مستفاد، أو كلمة محكمة، أو رحمة منتظرة". وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن بيوت اللّه في الأرض المساجد، وإن حقا على اللّه أن يكرم الزائر". وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن عمرو بن ميمون الأودي رضي اللّه عنه قال: أخبرنا أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أن المساجد بيوت اللّه في الأرض، وأنه لحق على اللّه أن يكرم من زاره فيها. وأخرج البزار وأبو يعلى والطبراني في الأوسط والبيهقي عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إذا عاهة من السماء أنزلت صرفت عن عمار المساجد". وأخرج البيهقي عن عبد اللّه بن سلام رضي اللّه عنه قال: إن للمساجد أوتادا هم عمارها، وإن لهم جلساء من الملائكة تفتقدهم الملائكة إذا غابوا، فإن كانوا مرضى عادوهم، وإن كانوا في حاجة أعانوهم. وأخرج الطبراني في الأوسط وابن عدي عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"من ألف المسجد ألفه اللّه". وأخرج الطبراني عن الحسن بن علي رضي اللّه عنه قال: سمعت جدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"من أدمن الاختلاف إلى المسجد أصاب أخا مستفادا في اللّه، وعلما مستظرفا، وكلمة تدعوه إلى الهدى، وكلمة تصرفه عن الردي، ويترك الذنوب حياء وخشية أو نعمة أو رحمة منتظرة". وأخرج الطبراني بسند صحيح عن سلمان رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من توضأ في بيته ثم أتى المسجد فهو زائر اللّه، وحق على المزور أن يكرم الزائر". وأخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سلمان موقوفا. وأخرج البيهقي عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه عن النبي قال "بشر المشائين في ظلم الليالي بالنور التام يوم القيامة". وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني والبيهقي عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد آتاه اللّه نورا يوم القيامة". وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "بشر المدلجين إلى المساجد في الظلم بمنابر من نور يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزعون". وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"الغدو والرواح إلى المسجد من الجهاد في سبيل اللّه". وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مغفل رضي اللّه عنه قال: كنا نتحدث أن المسجد حصن حصين من الشيطان. وأخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: المساجد بيوت اللّه في الأرض، تضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض. وأخرج أحمد عن عبد اللّه بن عمير رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من بنى للّه مسجدا بنى اللّه له بيتا أوسع منه في الجنة". وأخرج أحمد والطبراني عن بشر بن حيان قال: جاء واثلة بن الأسقع رضي اللّه عنه ونحن نبني مسجدنا، فوقف علينا فسلم ثم قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"من بنى مسجدا يصلي فيه بنى اللّه له بيتا في الجنة أفضل منه". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبزار عن ابن عباس رضي اللّه عنهما عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من بنى للّه مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى اللّه له بيتا في الجنة". وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي اللّه عنها عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من بنى مسجدا لا يريد به رياء ولا سمعة بنى اللّه له بيتا في الجنة". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"من بنى بيتا يعبد اللّه فيه من مال حلال بنى اللّه له بيتا في الجنة من در وياقوت". وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي ذر رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى اللّه له بيتا في الجنة". وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من بنى مسجدا يذكر اسم اللّه فيه بنى اللّه له بيتا في الجنة". وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"ابنوا المساجد واتخذوها حمى". وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: أمرنا أن نبني المساجد جما والمدائن شرفا. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: نهينا أن نصلي في مسجد مشرف. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد اللّه بن شقيق رضي اللّه عنه قال: إنما كانت المساجد جما، وإنما شرف الناس حديثا من الدهر. وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: كان يقال: ليلأتين على الناس زمان يبنون المساجد يتباهون بها، ولا يعرفونها إلا قليلا. وأخرج ابن أبي شيبة عن يزيد بن الأصم رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"ما أمرت بتشييد المساجد". وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: لتزخرفن مساجدكم كما زخرفت اليهود والنصارى مساجدهم. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي رضي اللّه عنه قال: إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم. وأخرج الطبراني في مسند الشاميين عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "من علق قنديلا في مسجد صلى عليه سبعون ألف ملك، واستغفر له ما دام ذلك القنديل يقد". وأخرج سليم الرازي في الترغيب عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوؤه". وأخرج أبو بكر الشافعي رضي اللّه عنه في رباعياته والطبراني عن أبي قرصاصة رضي اللّه عنه قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول"ابنوا المساجد وأخرجوا القمامة منها. وسمعته يقول: اخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين، وسمعته يقول: من بنى للّه مسجدا بنى اللّه له بيتا في الجنة. فقالوا: يا رسول اللّه وهذه المساجد التي تبنى في الطرق؟ فقال: وهذه المساجد التي تبى في الطرق". وأخرج أحمد عن أنس رضي اللّه عنه قال "مررت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في طريق من طرق المدينة، فرأى فيه قبة من لبن فقال: لمن هذه؟ قلت: لفلان. فقال: إن كل بناء كل على صاحبه يوم القيامة إلا ما كان من مسجد، ثم مر فلم يرها قال: ما فعلت القبة؟ قلت: بلغ صاحبها ما قلت، فهدمها فقال: رحمه اللّه". وأخرج أحمد في الزهد والحكيم الترمذي عن مالك بن دينار رضي اللّه عنه قال: يقول اللّه"إني لأهم بعذاب أهل الأرض، فإذا نظرت إلى جلساء القرآن وعمار المساجد وولدان الإسلام سكن غضبي". ١٩ انظر تفسير الآية:٢٠ ٢٠ وأخرج مسلم وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن النعمان بن بشير رضي اللّه عنه قال: كنت عند منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال رجل منهم، ما أبالي أن لا أعمل للّه عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام. وقال آخر: بل الجهاد في سبيل اللّه خير مما قلتم. فزجرهم عمر رضي اللّه عنه وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة - ولكن إذا صليتم الجمعة دخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأستفتيه فيما اختلفتم فيه، فأنزل اللّه {أجعلتم سقاية الحاج} إلى قوله {واللّه لا يهدي القوم الظالمين}. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {أجعلتم سقاية الحاج...} الآية. وذلك أن المشركين قالوا: عمارة بيت اللّه، وقيام على السقاية، خير ممن آمن وجاهد. فكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره، فذكر اللّه استكبارهم وإعراضهم فقال لأهل الحرم من المشركين (قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون. مستكبرين به سامرا تهجرون) (المؤمنون:٦٧). يعني أنهم كانوا يستكبرون بالحرم. وقال (به سامرا) كانوا به يسمرون ويهجون بالقرآن والنبي صلى اللّه عليه وسلم، فخير الإيمان باللّه والجهاد مع نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عمران المشركين البيت وقيامهم على السقاية، ولم يكن ينفعهم عند اللّه تعالى مع الشرك به وإن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه، قال اللّه {لا يستوون عند اللّه واللّه لا يهدي القوم الظالمين} يعني الذين زعموا أنهم أهل العمارة، فسماهم اللّه ظالمين بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئا. وأخرح ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال العباس رضي اللّه عنه حين أسر يوم بدر: إن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنت نعمر المسجد الحرام، ونسقي الحاج، ونفك العاني، فأنزل اللّه {أجعلتم سقاية الحاج...} الآية. يعني أن ذلك كان في الشرك، فلا أقبل ما كان في الشرك. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام...} الآية. قال: نزلت في علي بن أبي طالب والعباس رضي اللّه عنه. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي رضي اللّه عنه قال: نزلت هذه الآية {أجعلتم سقاية الحاج} في العباس وعلي رضي اللّه عنهما تكلما في ذلك. وأخرج ابن مردويه عن الشعبي رضي اللّه عنه قال: كانت بين علي والعباس رضي اللّه عنهما منازعة فقال العباس لعلي رضي اللّه عنه: أنا عم النبي وأنت ابن عمه، وإلي سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، فأنزل اللّه {أجعلتم سقاية الحاج...} الآية. وأخرج عبد الرزاق عن الحسن قال: نزلت في علي والعباس وعثمان وشيبة تكلموا في ذلك. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد اللّه بن عبيدة رضي اللّه عنه قال: قال علي رضي اللّه عنه للعباس: لو هاجرت إلى المدينة. قال: أولست في أفضل من الهجرة؟ ألست أسقي الحاج، وأعمر المسجد الحرام؟ فنزلت هذه الآية يعني قوله {أعظم درجة عند اللّه} قال: فجعل اللّه للمدينة فضل درجة على مكة. وأخرج الفريابي عن ابن سيرين قال: قدم علي بن أبي طالبي رضي اللّه عنه مكة فقال للعباس رضي اللّه عنه: أي عم ألا تهاجر، ألا تلحق برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقال: أعمر المسجد الحرام، وأحجب البيت. فأنزل اللّه {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام...} الآية. وقال لقوم قد سماهم: ألا تهاجرون ألا تلحقون برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقالوا: نقيم مع إخواننا وعشائرنا ومساكننا، فأنزل اللّه تعالى (قل إن كان آباؤكم) (التوبة:٢٤) الآية كلها. وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي رضي اللّه عنه قال: افتخر طلحة بن شيبة، والعباس، وعلي بن أبي طالب، فقال طلحة: أنا صاحب البيت معي مفتاحه. وقال العباس رضي اللّه عنه: أنا صاحب السقاية والقائم عليها: فقال علي رضي اللّه عنه: ما أدري ما تقولون: لقد صليت إلى القبلة قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد، فأنزل اللّه {أجعلتم سقاية الحاج...} الآية كلها. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الضحاك رضي اللّه عنه قال: أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك، فقال العباس: أما - واللّه - لقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونفك العاني، ونحجب البيت، ونسقي الحاج، فأنزل اللّه {أجعلتم سقاية الحاج} الآية. وأخرج أبو نعيم في فضائل الصحابة وابن عساكر عن أنس رضي اللّه عنه قال: قعد العباس وشيبة صاحب البيت يفتخران، فقال له العباس رضي اللّه عنه: أنا أشرف منك، أنا عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ووصي أبيه، وساقي الحجيج. فقال شيبة: أنا أشرف منك، أنا أمين اللّه على بيته وخازنه، أفلا ائتمنك كما ائتمنني؟ فاطلع عليهما علي رضي اللّه عنه فأخبراه بما قالا. فقال علي رضي اللّه عنه: أنا أشرف منكما، أنا أول من آمن وهاجر: فانطلقوا ثلاثتهم إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبروه. فما أجابهم بشيء، فانصرفوا فنزل عليه الوحي بعد أيام، فأرسل إليهم فقرأ عليهم {أجعلتم سقاية الحاج} إلى آخر العشر. وأخرج أبو الشيخ عن أبي حمزة السعدي أنه قرأ {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام}. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي اللّه عنه في قوله {أجعلتم سقاية الحاج} قال: أرادوا أن يدعوا السقاية والحجابة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"لا تدعوها فإن لكم فيها خيرا". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن عبد اللّه بن السائب رضي اللّه عنه قال: اشرب من سقاية العباس فإنها من السنة. وفي لفظ ابن أبي شيبة: فإنه من تمام الحج. وأخرج البخاري والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال للعباس: يا فضل اذهب إلى أمك فائت رسول اللّه بشراب من عندها، فقال: اسقني. فقال: يا رسول اللّه إنهم يجعلون أيديهم فيه. فقال: اسقني. فشرب منه ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها فقال: اعملوا فإنكم على عمل صالح، لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه، وأشار إلى عاتقه". وأخرج أحمد عن أبي محذورة رضي اللّه عنه قال: جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الأذان لنا ولموالينا، والسقاية لنبي هاشم، والحجابة لبني عبد الدار. وأخرج ابن سعد عن علي رضي اللّه عنه قال " قلت للعباس رضي اللّه عنه: سل لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ألا نأتيك بماء لم تمسه الأيدي؟ قال: بلى، فاسقوني فسقوه، ثم أتى زمزم فقال: استقوا لي منها دلوا، فأخرجوا منها دلوا فمضمض منه ثم مجه فيه، ثم قال: أعيدوه ثم قال: إنكم على عمل صالح، ثم قال: لولا أن تغلبوا عليه لنزلت فنزعت معكم". وأخرج ابن سعد عن جعفر بن تمام قال: جاء جل إلى ابن عباس رضي اللّه عنهما فقال: أرأيت ما تسقون الناس من نبيذ هذا الزبيب، أسنة تبغونها أم تجدون هذا أهون عليكم من البن والعسل؟ قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتى العباس وهو يسقي الناس فقال "اسقني. فدعا العباس بعساس من نبيذ، فتناول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عسا منها فشرب، ثم قال: أحسنتم هكذا فاصنعوا. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: فما يسرني أن سقايتها جرت علي لبنا وعسلا مكان قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أحسنتم هكذا فافعلوا". وأخرج ابن سعد عن مجاهد رضي اللّه عنه قال: اشرب من سقاية آل العباس فإنها من السنة". وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء رضي اللّه عنه في قوله {أجعلتم سقاية الحاج؟} قال: زمزم. وأخرج عبد الرزاق في المصنف والأزرقي في تاريخ مكة والبيهقي في الدلائل عن الزهري رضي اللّه عنه قال: أول ما ذكر من عبد المطلب جد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أن قريشا خرجت من الحرم فارة من أصحاب الفيل وهو غلام شاب فقال: واللّه لا أخرج من حرم اللّه أبتغي العز في غيره. فجلس عند البيت وأجلت عنه قريش فقال: اللّهم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك * لا يغلبن صليبهم وضلالهم عدو محالك فلم يزل ثابتا في الحرم حتى أهلك اللّه الفيل وأصحابه، فرجعت قريش وقد عظم فيها لصبره وتعظيمه محارم اللّه، فبينما هو في ذلك وقد ولد له أكبر بنيه، فأدرك - وهو الحارث بن عبد المطلب - فأتي عبد المطلب في المنام فقيل له: احفر زمزم خبيئة الشيخ الأعظم، فاستيقظ فقال: اللّهم بين لي. فأتي في النام مرة أخرى فقيل: احفرتكم بين الفرث والدم في مبحث الغراب في قرية النمل مستقبل الأنصاب الحمر. فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس في المسجد الحرام ينتظر ما سمي له من الآيات، فنحرت بقرة بالجزورة فانفلتت من جازرها تحمي نفسها حتى غلب عليها الموت في المسجد في موضع زمزم، فجزرت تلك البقرة من مكانها حتى احتمل لحمها فأقبل غراب يهوي حتى وقع في الفرث، فبحث عن قرية النمل فقام عبد المطلب فحفر هناك، فجاءته قريش فقالت لعبد المطلب: ما هذا الصنيع إنما لم نكن نرميك بالجهل لم تحفر في مسجدنا؟! فقال عبد المطلب: إني لحافر هذا البئر ومجاهد من صدني عنها. فطفق هو وولده الحارث وليس له ولد يومئذ غيره، فسفه عليهما يومئذ ناس من قريش فنازعوهما وقاتلوهما، وتناهى عنه ناس من قريش لما يعلمون من عتق نسبه وصدقه واجتهاده في دينهم. حتى إذا أمكن الحفر واشتد عليه الأذى، نذر أن وفي له عشرة من الولدان ينحر أحدهم، ثم حفر حتى أدرك سيوفا دفنت في زمزم حين دفنت، فلما رأت قريش أنه قد أدرك السيوف قالوا: يا عبد المطلب أجدنا مما وجدت. فقال عبد المطلب: هذه السيوف لبيت اللّه. فحفر حتى أنبط الماء في التراب وفجرها حتى لا تنزف وبنى عليها حوضا، فطفق هو وابنه ينزعان فيملآن ذلك الحوض فيشربه الحاج، فيكسره أناس حسدة من قريش فيصلحه عبد المطلب حين يصبح. فلما أكثروا فساده دعا عبد المطلب ربه، فأري في المنام فقيل له: قل اللّهم لا أحلها المغتسل ولكن هي للشاربين حل وبل ثم كفيتهم. فقام عبد المطلب حين اختلفت قريش في المسجد، فنادى بالذي أري ثم انصرف فلم يكن يفسد حوضه ذلك عليه أحد من قريش إلا رمي في جسده بداء حتى تركوا حوضه وسقايته، ثم تزوج عبد المطلب النساء فولد له عشرة رهط. فقال: اللّهم إني كنت نذرت لك نحر أحدهم وإني أقرع بينهم فأصيب بذلك من شئت. فأقرع بينهم فطارت القرعة على عبد اللّه، وكان أحب ولده إليه فقال عبد المطلب: اللّهم هو أحب إليك أم مائة من الإبل؟ ثم أقرع بينه وبين المائة من الإبل فطارت القرعة على المائة من الإبل، فنحرها عبد المطلب. وأخرج الأزرقي والبيهقي في الدلائل عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال: احفر طيبة. قلت: وما طيبة؟ فذهب عني، فلما كان من الغد رجعت إلى مضجعي فنمت به، فجاءني فقال: احفر زمزم. فقلت: وما زمزم؟ قال: لا تنزف ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم عند قرية النمل. قال: فلما أبان له شأنها ودل على موضعها وعرف أن قد صدق غدا بمعول ومعه ابنه الحارث ليس له يومئذ غيره فحفر، فلما بدا لعبد المطلب الطي كبر فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته، فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب إنها بئر إسمعيل، وإن لنا فيها حقا فأشركنا معك فيها؟ فقال: ما أنا بفاعل، إن هذا الأمر خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم. قالوا: فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نحاكمك. قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم. قالوا: كاهنة من سعد هذيل. قال: نعم - وكانت بأشراف الشام - فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني عبد مناف، وركب من كل ركب من قريش نفر - والأرض إذ ذاك مفاوز - فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض المفاوز بين الحجاز والشام فنى ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة، فاستسقوا ممن معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا: إنا في مفازة نخشى فيها على أنفسنا مثل ما أصابكم. فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك فمرنا ما شئت. قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم لنفسه لما بكم الآن من القوة، كلما مات رجل دفنه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلا فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا. قالوا: سمعنا ما أردت. فقام كل رجل منهم يحفر حفرته، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: واللّه إن ألقاءنا بأيدينا لعجز ما نبتغي لأنفسنا حيلة، عسى اللّه أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ارحلوا، فارتحلوا حتى فرغوا ومن معهم من قريش ينظرون إليهم وما هم فاعلون، فقام عبد المطلب إلى راحلته فركبها، فلما انبعثت انفجرت من تحت خفها عين من ماء عذب، فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه، ثم نزل فشرب وشربوا واستقوا حتى ملأوا سقيتهم، ثم دعا القبائل التي معه من قريش فقال: هلم الماء قد سقانا اللّه تعالى فاشربوا واستقوا. فقالت القبائل التي نازعته: قد - واللّه - قضى اللّه لك يا عبد المطلب علينا، واللّه لا نخاصمك في زمزم. فارجع إلى سقايتك راشدا. فرجع ورجعوا معه ولم يمضوا إلى الكاهنة، وخلوا بينه وبين زمزم. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة وعمر بن شبة والفاكهاني في تاريخ مكة والطبراني في الأوسط وابن عدي والبيهقي في سننه من طريق أبي الزبير عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ماء زمزم لما شرب له". وأخرج المستغفري في الطب عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم" ماء زمزم لما شرب له، من شربه لمرض شفاه اللّه، أو جوع أشبعه اللّه، أو لحاجة قضاها اللّه". وأخرج الدينوري في المجالسة عن الحميدي - وهو شيخ البخاري رضي اللّه عنهما - قال: كنا عند ابن عينية فحدثنا بحديث ماء زمزم لما شرب له، فقام رجل من المجلس ثم عاد فقال: يا أبا محمد ليس الحديث الذي قد حدثتنا في زمزم صحيحا. فقال: بلى. فقال الرجل: فإني شربت الآن دلوا من زمزم على أن تحدثني بمائة حديث. فقال سفيان رضي اللّه عنه: اقعد فقعد. فحدثه بمائة حديث. وأخرج الفاكهاني في تاريخ مكة عن عباد بن عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه عنه قال: حج معاوية رضي اللّه عنه وحججنا معه، فلما طاف بالبيت صلى عند المقام ركعتين، ثم مر بزمزم وهو خارج إلى الصفا فقال: يا غلام انزع لي منها دلوا. فنزع له دلوا يشرب وصب على وجهه، وخرج وهو يقول: ماء زمزم لما شرب له. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"ماء زمزم لما شرب له". وأخرج الحافظ أبو الوليد بن الدباغ رضي اللّه عنه في فوائده والبيهقي والخطيب في تاريخه عن سويد بن سعيد رضي اللّه عنه قال: رأيت ابن المبارك رضي اللّه عنه أتى زمزم، فملأ إناء ثم استقبل الكعبة فقال: اللّهم إن ابن أبي الموالي حدثنا عن ابن المنكدر عن جابر رضي اللّه عنه: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ماء زمزم لما شرب له". وهو ذا أشرب هذا لعطش يوم القيامة. ثم شربه. وأخرج الحكيم الترمذي من طريق أبي الزبير عن جابر رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"ماء زمزم لما شرب له"قال الحكيم: وحدثني أبي قال: دخلت الطواف في ليلة ظلماء، فأخذني من البول ما شغلني، فجعلت أعتصر حتى آذاني، وخفت إن خرجت من المسجد أم أطأ بعض تلك الأقذار وذلك أيام الحج، فذكرت هذا الحديث، فدخلت زمزم فتضلعت منه، فذهب عني إلى الصباح. وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"خير ماء على وجه الأرض زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم". وأخرج ابن أبي شيبة والفاكهاني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم" زمزم خير ماء يعلم، وطعام يطعم، وشفاء سقم". وأخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عائشة رضي اللّه عنها أنه كانت تحمل ماء زمزم في القوارير، وتذكر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فعل ذلك، وكان يصب على المرضى ويسقيهم. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن صفية رضي اللّه عنها عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "ماء زمزم شفاء من كل داء". وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه من طريق مجاهد رضي اللّه عنه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"ماء زمزم لما شرب له، فإن شربته تشتفي به شفاك اللّه، وإن شربته مستعيذا أعاذك اللّه، وإن شربته ليقطع ظمؤك قطعه اللّه، وإن شربته لشبعك أشبعك اللّه، وهي عزيمة جبريل، وسقيا إسمعيل عليهما السلام. قال: وكان ابن عباس رضي اللّه عنهما إذا شرب ماء زمزم قال: اللّهم إني أسألك علما نافعا، ورزقا واسعا، وشفاء من كل داء". وأخرج عبد الرزاق وابن ماجة والطبراني والدارقطني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عثمان بن الأسود رضي اللّه عنه قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي اللّه عنهما فقال: من أين جئت؟ قال: شربت من زمزم فقال: اشرب منها كما ينبغي. قال: وكيف ذاك يا أبا عباس؟ قال: إذا شربت منها فاستقبل القبلة واذكر اسم اللّه واشرب وتنفس ثلاثا وتضلع منها، فإذا فرغت فأحمد اللّه فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم". وأخرج الأزرقي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال "كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في صفة زمز، فأمر بدلو انتزع له من البئر فوضعها على شفة البئر، ثم وضع يده من تحت عراقي الدلو، ثم قال: بسم اللّه. ثم كرع فيها فأطال، فرفع رأسه فقال: الحمد للّه. ثم دعا فقال: بسم اللّه. ثم كرع فيها فأطال وهو دون الأول، ثم رفع رأسه فقال: الحمد للّه. ثم دعا فقال: بسم اللّه. ثم كرع فيها وهو دون الثاني، ثم رفع فقال: الحمد للّه. ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: علامة ما بيننا وبين المنافقين لم يشربوا منها قط حتى يتضلعوا". وأخرج الأزرقي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى اللّه عليه وسلم"التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق". وأخرج الأزرقي عن رجل من الأنصار عن أبيه عن جده "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: علامة ما بيننا وبين المنافقين أن يدلوا دلوا من ماء زمزم فيتضلعوا منها، ما استطاع منافق قط أن يتضلع منها". وأخرج الأزرقي عن الضحاك بن مزاحم رضي اللّه عنه قال: بلغني أن التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق، وأن ماءها مذهب بالصداع، وأن الإطلاع فيها يجلو البصر، وأنه سيأتي عليها زمان تكون أعذب من النيل والفرات. وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي والفاكهاني عن كعب رضي اللّه عنه قال: إني لأجد في كتاب اللّه المنزل أن زمزم طعام طعم، وشفاء سقم. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والأزرقي عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيم رضي اللّه عنه قال: قدم علينا وهب بن منبه مكة فاشتكى، فجئنا نعوده فإذا عنده من ماء زمزم، فقلنا: لو استعذبت فإن هذا ماء فيه غلظ. قال: ما أريد أن أشرب حتى أخرج منها غيره، والذي نفس وهب بيده إنها لفي كتاب اللّه مضنونة، وإنها لفي كتاب اللّه طعام طعم، وشفاء سقم، والذي نفس وهب بيده لا يعمد إليها أحد فيشرب منها حتى يتضلع إلا نزعت داء وأحدثت له شفاء. وأخرج الأزرقي عن كعب رضي اللّه عنه. أنه قال: لزمزم إنا نجده مضنونة ضن بها لكم، وأول من سقي ماءها إسمعيل عليه السلام، طعام طهم وشفاء سقم. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور والأزرقي والحكيم الترمذي عن مجاهد رضي اللّه عنه قال: ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تريد الشفاء شفاك اللّه، وإن شربته لظمأ رواك اللّه، وإن شربته لجوع أشبعك اللّه، وهي هزمة جبريل عليه السلام بعقبه، وسقيا اللّه لإسمعيل عليه السلام. وأخرج بقية عن علي بن أبي طالبي رضي اللّه عنه قال: خير واد في الناس وادي مكة، ووادي الهند الذي هبط به آدم عليه السلام، ومنه يؤتى بهذا الطيب الذي تطيبون به. وشر واد الناس واد بالأحقاف، ووادي حضر موت يقال له برهوت، وخير بئر في الناس بئر زمزم، وشر بئر في الناس بئر برهوت، وإليها تجتمع أرواح الكفار. وأخرج الأزرقي من طريق عطاء عن ابن عباس رضي اللّه عنمها قال: صلوا في مصلى الأخيار، واشربوا من شراب الأبرار. قيل لابن عباس: ما مصلى الأخيار؟ قال: تحت الميزاب. قيل: وما شراب الأبرار؟ قال: ماء زمزم. وأخرج الأزرقي عن ابن جريج رضي اللّه عنه قال: سمعت أنه يقال: خير ماء في الأرض ماء زمزم، وشر ماء في الأرض ماء برهوت، شعب من شعب حضر موت. وأخرج الأزرقي عن كعب الأحبار رضي اللّه عنه قال: إن إيليا وزمزم ليتعارفان. وأخرج الأزرقي عن عكرمة بن خالد رضي اللّه عنه قال: بينما أنا ليلة في جوف الليل عند زمزم جالس إذا نفر يطوفون عليهم ثياب بيض لم أر بياض ثيابهم بشيء قط، فلما فرغوا صلوا قريبا منا، فالتفت بعضهم فقال لأصحابه اذهبوا بنا نشرب من شراب الأبرار. فقاموا فدخلوا زمزم فقلت: واللّه لو دخلت على القوم فسألتهم. فقمت فدخلت فإذا ليس فيها أحد من البشر. وأخرج الأزرقي عن العباس بن عبد المطلب رضي اللّه عنه قال: تنافس الناس في زمزم في الجاهلية، حتى أن كان أهل العيال يغدون بعيالهم فيشربون فيكون صبوحا لهم، وقد كنا نعدها عونا على العيال. وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كانت زمزم تسمى في الجاهلية شباعة، وتزعم أنها نعم العون على العيال. وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والأزرقي والبزار وأبو عوانة والبيهقي في سننه عن أبي ذر رضي اللّه عنه قال: قدمت مكة فقال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "متى كنت ههنا؟ قلت: أربع عشرة. وفي لفظ: قلت ثلاثين من بين يوم وليلة. قال: من كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام ولا شراب إلا ماء زمزم فما أجد على كيدي سحقة جوع، ولقد تكسرت عكن بطني. قال: إنها مباركة إنها طعام طعم، زاد الطيالسي وشفاء سقم". وأخرج الأزرقي عن رباح بن الأسود رضي اللّه عنه قال: كنت مع أهلي بالبادية، فابتعت بمكة فأعتقت، فمكثت ثلاثة أيام لا أجد شيئا آكله، فكنت أشرب من ماء زمزم، فشربت يوما فإذا أنا بصريف اللبن من بين ثناياي، فقلت: لعلي ناعس...! فانطلقت وأنا أجد قوة اللبن وشبعه. وأخرج الأزرقي عن عبد العزيز بن أبي رواد رضي اللّه عنه. أن راعيا كان يرعى وكان من العباد، فكان إذا ظمئ وجد فيها لبنا، وإذا أراد أن يتوضأ وجد فيها ماء. وأخرج الأزرقي عن الضحاك بن مزاحم رضي اللّه عنه قال: إن اللّه يرفع المياه قبل يوم القيامة غير زمزم، فتغور المياه غير زمزم، وتلقي الأرض ما في بطنها من ذهب وفضة، ويجيء الرجل بالجراب فيه الذهب والفضة فيقول: من يقبل هذا مني؟ فيقول: لو أتيتني به أمس قبلته. وأخرج الأزرقي عن زر بن حبيش قال: رأيت عباس بن عبد المطلب في المسجد الحرام وهو يطوف حول زمزم يقول: لا أحلها لمغتسل وهي لمتوضئ وشارب حل وبل. وأخرج الأزرقي عن ابن أبي حسين "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث إلى سهيل بن عمرو يستهديه من ماء زمزم، فبعث له براويتين". وأخرج عبد الرزاق والأزرقي عن ابن جريج عن ابن أبي حسين واسمه عبد اللّه بن أبي عبد الرحمن قال: كتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى سهيل بن عمرو"إن جاءك كتابي ليلا فلا تصبحن، وإن جاءك نهار فلا تمسين حتى تبعث إلي بماء من زمزم، فملأ له مزادتين وبعث بهما على بعير". وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي اللّه عنهما "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استهدى سهيل بن عمرو رضي اللّه عنه من ماء زمزم". وأخرج ابن سعد عن أم أيمن رضي اللّه عنهما قال "ما رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شكا صغيرا ولا كبيرا جوعا ولا عطشا، كان يغدو فيشرب من ماء زمزم فأعرض عليه الغداء فيقول: لا أريده أنا شبعان". وأخرج الدارقطني عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: خمس من العبادة: النظر إلى المصحف، والنظر إلى الكعبة، والنظر إلى الوالدين، والنظر في زمزم وهي تحط الخطايا، والنظر في وجه العالم". وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد رضي اللّه عنه. أنه كان إذا شرب من زمزم قال: هي لما شربت له. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: ما من رجل يشرب من ماء زمزم حتى يتضلع إلا حط اللّه به داء من جوفه، ومن شربه لعطش روي، ومن شربه لجوع شبع. وأخرج عبد الرزاق عن طاوس رضي اللّه عنه قال: ماء زمزم طعام طعم، وشفاء سقم. وأخرج الفاكهاني عن سعيد بن أبي هلال رضي اللّه عنه قال "بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عينا له إلى مكة فأقام بها ليالي يشرب من ماء زمزم، فلما رجع قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما كان عيشك؟ فأخبره أنه كان يأتي زمزم فيشرب من مائها، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إنها شفاء من سقم وطعام من طعم". وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم: كان إذا أراد أن يتحف الرجل بتحفة سقاه من ماء زمزم. وأخرج الفاكهاني عن مجاهد رضي اللّه عنه قال: كان ابن عباس رضي اللّه عنهما إذا نزل به ضيف أتحفه من ماء زمزم، ولا أطعم قوما طعاما إلا سقاهم من ماء زمزم. وأخرج أبو ذر الهروي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كانت أهل مكة لا يسابقهم أحد إلا سبقوه، ولا يصارعهم أحد إلا صرعوه حتى رغبوا عن ماء زمزم. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد رضي اللّه عنه قال: كانوا يستحبون إذا ودعوا البيت أن يأتوا زمزم فيشربوا منها. وأخرج السلفي في الطيوريات عن ابن حبيب رضي اللّه عنه قال: زمزم شراب الأبرار، والحجر مصلى الأخيار. ٢١ انظر تفسير الآية:٢٢ ٢٢ أخرج أبو الشيخ عن طلحة بن مصرف رضي اللّه عنه أنه قرأ {يبشرهم ربهم}. ٢٣ انظر تفسير الآية:٢٤ ٢٤ أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه قال: أمروا بالهجرة فقال العباس بن عبد المطلب: أنا أسقي الحاج. وقال طلحة أخو بني عبد الدار، أنا أحجب الكعبة فلا نهاجر، فأنزلت {لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان}. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي اللّه عنه في هذه الآية قال: هي في الهجرة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {وأموال اقترفتموها} قال: أصبتموها. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي اللّه عنه في قوله {وتجارة تخشون كسادها} يقول: تخشون أن تكسد فتبيعونها {ومساكن ترضونها} قال: هي القصور والمنازل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {فتربصوا حتى يأتي اللّه بأمره} قال: بالفتح في أمره بالهجرة هذا كله قبل فتح مكة. وأخرج أحمد والبخاري عن عبد اللّه بن هشام رضي اللّه عنه قال: كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقال: واللّه لأنت يا رسول اللّه أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه واللّه أعلم". ٢٥ انظر تفسير الآية:٢٧ ٢٦ انظر تفسير الآية:٢٧ ٢٧ وأخرج الفريابي عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة} قال: هي أول ما أنزل اللّه تعالى من سورة براءة. وأخرج ابن أبي شيبة وسنيد وابن حرب وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي اللّه عنه قال: أول ما نزل من براءة {لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة} يعرفهم نصره ويوطنهم لغزوة تبوك. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي اللّه عنه في قوله {لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة} قال: هذا مما يمن اللّه به عليهم من نصره إياهم في مواطن كثيرة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه قال {حنين} ماء بين مكة والطائف، قاتل النبي صلى اللّه عليه وسلم هوازن وثقيف، وعلى هوازن مالك بن عوف، وعلى ثقيف عبد يا ليل بن عمرو الثقفي. وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة رضي اللّه عنه" أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أقام عام الفتح نصف شهر، ولم يزد على ذلك حتى جاءته هوازن وثقيف فنزلوا بحنين، وحنين واد إلى جنب ذي المجاز". وأخرج ابن المنذر عن الحسن رضي اللّه عنه قال "لما اجتمع أهل مكة وأهل المدينة قالوا: الآن واللّه نقاتل حين اجتمعنا، فكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما قالوا وما أعجبهم من كثرتهم، فالتقوا فهزمهم اللّه حتى ما يقوم منهم أحد على أحد، حتى جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينادي أحياء العرب إلي فواللّه ما يعرج إليه أحد حتى أعرى موضعه، فالتفت إلى الأنصار وهم ناحية ناحية فناداهم: يا أنصار اللّه وأنصار رسوله إلى عباد اللّه أنا رسول اللّه، فعطفوا وقالوا: يا رسول اللّه ورب الكعبة إليك واللّه، فنكسوا رؤوسهم يبكون وقدموا أسيافهم يضربون بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى فتح اللّه عليهم". وأخرج البيهقي في الدلائل عن الربيع رضي اللّه عنه "أن رجلا قال يوم حنين: لن نغلب من قلة. فشق ذلك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه عز وجل {ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم} قال الربيع: وكانوا اثني عشر ألفا، منهم ألفان من أهل مكة". وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد البغوي في معجمه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي عبد الرحمن الفهري رضي اللّه عنه قال: كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حنين، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال الشجر، فلما زالت الشمس لبست لامتي وركبت فرسي، فأتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت: السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته، قد حان الرواح يا رسول اللّه. قال "أجل، ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا بلال...فثار من تحت سمرة كان ظله ظل طائر فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك. ثم قال: أسرج لي فرسي. فأتاه بدفتين من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر قال: فركب فرسه ثم سرنا يومنا فلقينا العدو وتشامت الخيلان فقاتلناهم، فولى المسلمون مدبرين كما قال اللّه عز وجل، فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: يا عباد اللّه أنا عبد اللّه ورسوله، فاقتحم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن فرسه، وحدثني من كان أقرب إليه مني: أنه أخذ حفنة من تراب فحثاها في وجوه القوم وقال: شاهت الوجوه...! قال يعلى بن عطاء رضي اللّه عنه: فأخبرنا أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه من التراب، وسمعنا صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست الحديد، فهزمهم اللّه عز وجل". وأخرج الطبراني والحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين، فولى الناس عنه وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار، فكنا على أقدامنا نحو من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل اللّه عليهم السكينة ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على بغلته، فمضى قدما فقال "ناولني كفا من تراب. فناولته فضرب وجوههم، فامتلأت أعينهم ترابا وولى المشركون أدبارهم". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي اللّه عنه. أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والإبل والغنم، فجعلوهم صفوفا ليكثروا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فالتقى المسلمون والمشركون، فولى المسلمون مدبرين كما قال اللّه عز وجل، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم" يا عباد اللّه أنا عبد اللّه ورسوله، ثم قال: يا معشر الأنصار أنا عبد اللّه ورسوله، فهزم اللّه المشركين ولم يضرب بسيف ولم يطعن برمح". وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وأحمد ومسلم والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال "شهدت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين، فلقد رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، فلزمنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلم نفارقه وهو على بلغته الشهباء التي أهداها له فروة بن معاوية الجذامي، فلما التقى المسلمون والمشركون ولي المسلمون مدبرين وطفق النبي صلى اللّه عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع وهو لا يألو ما أسرع نحو المشركين، وأبو سفيان بن الحرث آخذ بغرز رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا عباس نادي أصحاب السمرة يا أصحاب سورة البقرة، فواللّه لكأني عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها ينادون يا لبيك يا لبيك، فأقبل المسلمون فاقتتلوا هم والكفار، وارتفعت الأصوات وهم يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار. ثم قصرت الدعوة على بني الحرث بن الخزرج، فتطاول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو على بغلته فقال: هذا حين حمى الوطيس، ثم أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا ورب الكعبة. فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فما هو إلا أن رماهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بحصيات، فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا حتى هزمهم اللّه عز وجل". وأخرج الحاكم وصححه عن جابر رضي اللّه عنه قال: ندب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين الأنصار فقال: يا معشر الأنصار. فأجابوه لبيك - بأبينا أنت وأمنا - يا رسول اللّه. قال "أقبلوا بوجوهكم إلى اللّه ورسوله يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار. فأقبلوا ولهم حنين حتى أحدقوا به كبكبة تحاك مناكبهم يقاتلون حتى هزم اللّه المشركين". وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس رضي اللّه عنه قال: لما اجتمع يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة أعجبتهم كثرتهم، فقال القوم: اليوم واللّه نقاتل، فلما التقوا واشتد القتال ولوا مدبرين، فندب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الأنصار، فقال: "يا معشر المسلمين إلي عباد اللّه، أنا رسول اللّه. فقالوا: إليك - واللّه - جئنا، فنكسوا رؤوسهم ثم قاتلوا حتى فتح اللّه عليهم". وأخرج الحاكم عن عبادة بن الصامت رضي اللّه عنه قال "أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين وبرة من بعير، ثم قال: أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء اللّه عليكم قدر هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم، فأدوا الخيط والمخيط وإياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة، وعليكم بالجهاد في سبيل اللّه فإنه باب من أبواب الجنة يذهب اللّه به الهم والغم، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يكره الأنفال، ويقول: ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم". وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: رأيتنا يوم حنين وإن الفئتين لموليتان، وعن عكرمة قال: لما كان يوم حنين ولى المسلمون وولى المشركون، وثبت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال "أنا محمد رسول اللّه ثلاث مرات - وإلى جنبه عمه العباس - فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لعمه: يا عباس أذن يا أهل الشجرة، فأجابوه من كل مكان لبيك لبيك حتى أظلوه برماحهم، ثم مضى فوهب اللّه له الظفر، فأنزل اللّه {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم} الآية ". وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن عبيد اللّه بن عمير الليثي رضي اللّه عنه قال "كان مع النبي صلى اللّه عليه وسلم أربعة آلاف من الأنصار، وألف من جهينة، وألف من مزينة، وألف من أسلم، وألف من غفار، وألف من أشجع، وألف من المهاجرين وغيرهم، فكان معه عشرة آلاف. وخرج باثني عشر ألفا، وفيها قال اللّه تعالى في كتابه {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا}. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن مردويه عن البراء بن عازب رضي اللّه عنه. أنه قيل له: هل كنتم وليتم يوم حنين؟ قال: واللّه ما ولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولكن خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرا ليس عليهم سلاح، فلقوا جمعا رماة هوازن وبني النضر ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقا ما كادوا يخطئون، فأقبلوا هنالك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء وابن عمه أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب يقود به، فنزل ودعا واستنصر ثم قال: أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب ثم صف أصحابه". وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي اللّه عنه في قوله {وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا} قال: قتلهم بالسيف. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي اللّه عنه قال: في يوم حنين أمد اللّه رسوله صلى اللّه عليه وسلم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، ويومئذ سمى اللّه تعإلى الأنصار مؤمنين قال {ثم أنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين}. وأخرج ابن إسحق وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن جبير بن مطعم رضي اللّه عنه قال: رأيت قبل هزيمة القوم - والناس يقتتلون - مثل البجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي، لم أشك أنها الملائكة عليهم السلام، ولم يكن إلا هزيمة القوم...!. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي اللّه عنه في قوله {وعذب الذين كفروا} قال: بالهزيمة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن أبزي رضي اللّه عنه في قوله {وعذب الذين كفروا} قال: بالهزيمة والقتل. وفي قوله {ثم يتوب اللّه من بعد ذلك على من يشاء} قال: على الذين انهزموا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين. وأخرج ابن سعد والبخاري في التاريخ والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عبد اللّه بن عياض بن الحرث عن أبيه. قال: أن رسول صلى اللّه عليه وسلم أتى هوازن في اثني عشر ألفا، فقتل من الطائف يوم حنين مثل قتلى يوم بدر، وأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كفا من حصباء فرمى بها وجوهنا فانهزمنا. وأخرج أحمد ومسلم عن سلمة بن الأكوع رضي اللّه عنه قال: غزونا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حنينا، فلما واجهنا العدو وتقدمت فأعلو ثنية، فاستقبلني رجل من العدو فأرميته بسهم فتوارى عني فما دريت ما صنع، فنظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم وأصحاب والنبي صلى اللّه عليه وسلم وأنا متزر وأرجع منهزما وعلي بردتان متزرا بإحدهما مرتديا بالأخرى، فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا ومررت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منهزما وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"لقد رأى ابن الأكوع فزعا، فلما غشوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم فقال: شاهت الوجوه. فما خلق اللّه منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم اللّه تعالى، وقسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين". وأخرج البخاري في التاريخ والبيهقي في الدلائل عن عمرو بن سفيان الثقفي رضي اللّه عنه قال "قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين قبضة من الحصى فرمى بها في وجوهنا فانهزمنا، فما خيل إلينا إلا أن كل حجر أو شجر فارس يطلبنا". وأخرج البخاري في التاريخ وابن مردويه والبيهقي عن يزيد بن عامر السوائي - وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم - قال: أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين قبضة من الأرض فرمى بها في وجوه المشركين وقال: ارجعوا شاهت الوجوه، فما أحد يلقاه أخوه إلا وهو يشكو قذى في عينيه ويمسح عينيه. وأخرج مسدد في مسنده والبيهقي وابن عساكر عن عبد الرحمن مولى أم برثن قال: حدثني رجل كان من المشركين يوم حنين قال: لما التقينا نحن وأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة إلا كفيناهم، فبينا نحن نسوقهم في أدبارهم إذ التقينا إلى صاحب البغلة البيضاء فإذا هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فتلقتنا عنده رجال بيض حسان الوجوه قالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا. فرجعنا وركبوا أكتافنا وكانت إياها. وأخرج البيهقي من طريق ابن إسحق، حدثنا أمية بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان، أنه حدث أن مالك بن عوف رضي اللّه عنه بعث عيونا فأتوه وقد تقطعت أوصالهم فقال: ويلكم ما شأنكم؟ فقالوا: أتانا رجال بيض على خيل بلق، فواللّه ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى. وأخرج ابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن مصعب بن شيبة بن عثمان الحجبي عن أبيه قال "خرجت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين، واللّه ما خرجت إسلاما ولكن خرجت اتقاء أن تظهر هوازن على قريش، فواللّه إني لواقف مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ قلت: يا نبي اللّه إني لأرى خيلا بلقا...! قال: يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر. فضرب بيده عند صدري حتى ما أجد من خلق اللّه تعالى أحب إلي منه فقال: فالتقى المسلمون فقتل من قتل، ثم أقبل النبي وعمر رضي اللّه عنه آخذ باللجام، والعباس آخذ بالغرز، فنادى العباس رضي اللّه عنه: أين المهاجرون، أين أصحاب سورة البقرة؟ - بصوت عال - هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فأقبل الناس والنبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: أنا النبي غير كذب * أنا ابن عبد المطلب فأقبل المسلمون فاصطكوا بالسيوف، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: الآن حمي الوطيس". ٢٨ وأخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يدخل المسجد الحرام مشرك بعد عامي هذا أبدا إلا أهل العهد وخدمكم". وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن جابر رضي اللّه عنه في قوله {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} إلا أن يكون عبدا أو أحدا من أهل الذمة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {إنما المشركون نجس} أي أخباث {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} وهو العام الذي حج فيه أبو بكر رضي اللّه عنه. نادى علي رضي اللّه عنه بالأذان، وذلك لتسع سنين من الهجرة، وحج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في العام المقبل حجة الوداع لم يحج قبلها ولا بعدها منذ هاجر، فلما نفى اللّه تعإلى المشركين عن المسجد الحرام شق ذلك على المسلمين، فأنزل اللّه {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اللّه من فضله} فأغناهم اللّه تعالى بهذا الخراج: الجزية الجارية عليهم يأخذونها شهرا شهرا وعاما عاما، فليس لأحد من المشركين أن يقرب المسجد الحرام بعد عامهم ذلك إلا صاحب الجزية أو عبد رجل من المسلمين. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كان المشركون يجيئون إلى البيت ويجيئون معهم بالطعام يتجرون فيه، فلما نهوا عن أن يأتوا البيت قال المسلمون: فمن أين لنا الطعام؟ فأنزل اللّه {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء} قال: فأنزل اللّه عليهم المطر وكثر خيرهم حين ذهب المشركون عنهم. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي اللّه عنه قال: لما نزلت {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} شق على أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم وقالوا: من يأتينا بطعامنا وبالمتاع؟ فنزلت {وإن خفتم عيلة...} الآية. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: لما نفى اللّه تعالى إلى المشركين عن المسجد الحرام ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين فقال: من أين تأكلون وقد نفى المشركون وانقطعت عنكم العير؟ قال اللّه تعالى {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء} فأمرهم بقتال أهل الكفر وأغناهم من فضله. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي اللّه عنه في الآية قال: قال المؤمنون: قد كنا نصيب من متاجر المشركين. فوعدهم اللّه تعالى أن يغنيهم من فضله عوضا لهم بأن لا يقربوا المسجد الحرام، فهذه الآية من أول براءة في القرأءة وفي آخرها التأويل. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي اللّه عنه قال: لا يدخل الحرم كله مشرك، وتلا هذه الآية. وأخرج عبد الرزاق والنحاس في ناسخه عن عطاء عن عطاء رضي اللّه عنه في قوله {فلا يقربوا المسجد الحرام} قال: يريد الحرم كله. وفي لفظ: لا يدخل الحرم كله مشرك. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي اللّه عنه في قوله {وإن خفتم عيلة} قال: الفاقة. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي اللّه عنه في قوله {فسوف يغنيكم اللّه من فضله} قال: أغناهم اللّه تعالى بالجزية الجارية. وأخرج أبو الشيخ عن الأوزاعي رضي اللّه عنه قال: كتب عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه أن يمنع أن يدخل اليهود والنصارى المساجد، واتبع نهيه {إنما المشركون نجس}. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي اللّه عنه {إنما المشركون نجس} فمن صافحهم فليتوضأ. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من صافح مشركا فليتوضأ، أو ليغسل كفيه". وأخرج ابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده قال "استقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جبريل عليه السلام، فناوله يده فأبى أن يتناولها فقال: يا جبريل ما منعك أن تأخذ بيدي؟! فقال:إنك أخذت بيد يهودي فكرهت أن تمس يدي يدا قد مستها يد كافر، فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بماء فتوضأ، فناوله يده فتناولها". وأخرج ابن مردويه وسمويه في فوائده عن أبي سعيد رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامهم هذا، ومن كان بينه وبين رسول صلى اللّه عليه وسلم أجل فأجله مدته". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال عام الفتح: لا يدخل المسجد الحرام مشرك، ولا يؤدي مسلم جزية". وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عمر بن العزيز قال: آخر ما تكلم به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن قال "قاتل اللّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقى بأرض العرب دينان". وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج رضي اللّه عنه قال "بلغني أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أوصى عند موته بأن لا يترك يهودي ولا نصراني بأرض الحجاز، وأن يمضي جيش أسامة إلى الشام، وأوصى بالقبط خيرا فإن لهم قرابة". وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما رفعه قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبو عبيدة بن الجراح رضي اللّه عنه قال: إن آخر كلام تكلم به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن قال "أخرجوا اليهود من أرض الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العرب". وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لئن بقيت لأخرجن المشركين من جزيرة العرب، فلما ولي عمر رضي اللّه عنه أخرجهم". ٢٩ أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: أنزل اللّه تعالى في العام الذي نبذ فيه أبو بكر رضي اللّه عنه إلى المشركين {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس} فكان المشركون يوافون بالتجارة فينتفع بها المسلمون، فلما حرم اللّه تعالى على المشركين أن يقربوا المسجد الحرام وجد المسلمون في أنفسهم مما قطع عنهم من التجارة التي كان المشركون يوافون بها، فأنزل اللّه تعالى {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء} فأجل في الآية الأخرى التي تتبعها الجزية، ولم تكن تؤخذ قبل ذلك فجعلها عوضا مما منعهم من موافاة المشركين بتجاراتهم، فقال {قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} إلى قوله {صاغرون} فلما أحق ذلك للمسلمين عرفوا أنه قد عوضهم أفضل ما كانوا وجدوا عليه مما كان المشركين يوافون به من التجارة. وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "القتال قتالان: قتال المشركين حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وقتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر اللّه فإذا فاءت أعطيت العدل". وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في سننه عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه...} الآية. قال: نزلت هذه حين أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه بغزوة تبوك. وأخرج ابن المنذر عن ابن شهاب رضي اللّه عنه قال: أنزلت في كفار قريش والعرب (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين للّه) (البقرة: ١٩٣) وأنزلت في أهل الكتاب {قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} إلى قوله {حتى يعطوا الجزية} فكان أول من أعطى الجزية أهل نجران. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الجزية عن يد قال "جزية الأرض والرقبة، جزية الأرض والرقبة". وأخرج النحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} قال: نسخ بهذا العفو عن المشركين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي اله عنه في الآية قال: لما فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قتال من يليه من العرب أمره بجهاد أهل الكتاب. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي اللّه عنه في قوله {قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه} يعني الذين لا يصدقون بتوحيد اللّه {ولا يحرمون ما حرم اللّه ورسوله} يعني الخمر والخنزير {ولا يدينون دين الحق} يعني دين الإسلام {من الذين أتوا الكتاب} يعني من اليهود والنصارى أوتوا الكتاب من قبل المسلمين أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} يعني يذلون. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {عن يد} قال: عن قهر. وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة رضي اللّه عنه في قوله {عن يد} قال: من يده ولا يبعث بها مع غيره. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي سنان رضي اللّه عنه في قوله {عن يد} قال: عن قدرة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {عن يد وهم صاغرون} قال: ولا يلكزون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سلمان رضي اللّه عنه في قوله {وهم صاغرون} قال: غير محمودين. وأخرج ابن أبي حاتم عن المغيرة رضي اللّه عنه. أنه بعث إلى رستم فقال له رستم: إلام تدعو؟ فقال له: أدعوك إلى الإسلام، فإن أسلمت فلك ما لنا وعليك ما علينا. قال: فإن أبيت؟ قال: فتعطي الجزية عن يد وأنت صاغر. فقال: لترجمانه: قل له أما إعطاء الجزية فقد عرفتها فما قولك وأنت صاغر؟ قال: تعطيها وأنت قائم وأنا جالس والسوط على رأسك. وأخرج أبو الشيخ عن سلمان رضي اللّه عنه أنه قال لأهل حصن حاصرهم الإسلام: أو الجزية وأنتم صاغرون قالوا: وما الجزية؟ قال: نأخذ منكم الدراهم والتراب على رؤوسكم. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن سلمان رضي اللّه عنه. أنه انتهى إلى حصن فقال: إن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أنتم أبيتم فأدوا الجزية وأنتم صاغرون، فإن أبيتم فأنبذناكم على سواء إن اللّه لا يحب الخائنين. وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن المسيب رضي اللّه عنه قال: أحب لأهل الذمة أن يتعبوا في أداء الجزية لقول اللّه تعالى {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}. وأخرج ابن أبي شيبة عن مسروق رضي اللّه عنه قال "لما بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر". وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري رضي اللّه عنه قال: أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الجزية من مجوس أهل هجر، ومن يهود اليمن ونصاراهم من كل حالم دينار. وأخرج ابن أبي شيبة عن بجالة قال: لم يأخذ عمر رضي اللّه عنه الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخذها من مجوس هجر. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن بن محمد بن علي رضي اللّه عنهم قال "كتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم قبل منه ومن أبى ضربت عليهم الجزية، حتى أن لا تؤكل لهم ذبيحة ولا ينكح منهم امرأة". وأخرج مالك والشافعي وأبو عبيد في كتاب الأموال وابن أبي شيبة عن جعفر عن أبيه. أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه استشار الناس في المجوس في الجزية فقال عبد الرحمن بن عوف رضي اللّه عنه: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"سنوا بهم سنة أهل الكتاب". وأخرج ابن المنذر عن حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه قال: لولا أني رأيت أصحابي أخذوا من المجوس ما أخذت منهم، وتلا {قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه} الآية. وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه. أنه سئل عن أخذ الجزية من المجوس؟ فقال: واللّه ما على الأرض أحد أعلم بذلك مني إن المجوس كانوا أهل كتاب يعرفونه وعلم يدرسونه، فشرب أميرهم الخمر فسكر فوقع على أخته، فرآه نفر من المسلمين فلما أصبح قالت أخته: إنك قد صنعت بي كذا وكذا وقد رآك نفر لا يسترون عليك. فدعا أهل الطمع فأعطاهم ثم قال لهم: قد علمتم أن آدم عليه السلام قد أنكح بنيه بناته، فجاء أولئك الذين رأوه فقالوا: ويل للأبعد إن في ظهرك حد اللّه فقتلهم أولئك الذين كانوا عنده، ثم جاءة امرأة فقالت له: بلى قد رأيتك. فقال لها: ويحا لبغي بني فلان...! قالت: أجل، واللّه لقد كانت بغية ثم تابت فقتلها، ثم أسرى على ما في قلوبهم وعلى كتبهم فلم يصبح عندهم شيء. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن الحسن رضي اللّه عنه قال: قاتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أهل هذه الجزيرة من العرب على الإسلام لم يقبل منهم غيره، وكان أفضل الجهاد، وكان بعد جهاد آخر على هذه الأمة في شأن أهل الكتاب {قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه...} الآية. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه عن مجاهد رضي اللّه قال: يقاتل أهل الأوثان على الإسلام، ويقاتل أهل الكتاب على الجزية. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: من نساء أهل الكتاب من يحل لنا ومنهم من لا يحل لنا، وتلا {قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤه، ومن لم يعط الجزية لم يحل لنا نساؤوه، ولفظ ابن مردويه: لا يحل نكاح أهل الكتاب إذا كانوا حربا، ثم تلا هذه الآية. وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رجلا قال له: آخذ الأرض فأتقبلها أرضا خربة فأعمرها وأؤدي خراجها فنهاه ثم قال: لا تعمدوا إلى ما ولاه اللّه هذا الكافر فتخلعه من عنقه وتجعله في عنقك، ثم تلا {قاتلوا الذين لا يؤمنون} إلى {صاغرون}. ٣٠ وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال "أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سلام بن مشكم، ونعمان بن أوفى، وأبو أنس، وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف، فقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن اللّه؟ وإنما قالوا: هو ابن اللّه من أجل أن عزيرا كان في أهل الكتاب، وكانت التوراة عندهم يعملون بها ما شاء اللّه تعالى أن يعملوا، ثم أضاعوها وعملوا بغير الحق، وكان التابوت فيهم فلما رأى اللّه تعالى أنهم قد أضاعوا التوراة وعملوا بالأهواء رفع اللّه عنهم التابوت، وأنساهم التوراة، ونسخها من صدورهم، وأرسل عليهم مرضا فاستطلقت بطونهم منهم حتى جعل الرجل يمشي كبده حتى نسوا التوراة ونسخت من صدورهم، وفيهم عزير كان من علمائهم فدعا عزير اللّه عز وجل وابتهل إليه أن يرد إليه الذي نسخ من صدره، فبينما هو يصلي مبتهلا إلى اللّه تعالى نزل نور من اللّه فدخل جوفه، فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة، فأذن في قومه فقال: يا قوم قد آتاني اللّه التوراة ردها إلي، فعلق يعلمهم فمكثوا ما شاء اللّه أن يمكثوا وهو يعلمهم، ثم إن التابوت نزل عليهم بعد ذلك وبعد ذهابه منهم، فلما رأوا التابوت عرضوا ما كانوا فيه على الذي كان عزير يعلمهم فوجده مثله، فقالوا: واللّه ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن اللّه. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي اله عنه في قوله {وقالت اليهود عزير بن اللّه} قال: قالها رجل وأحد اسمه فنحاص. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كن نساء بني إسرائيل يجتمعن بالليل فيصلين ويعتزلن ويذكرن ما فضل اللّه تعالى به على بني إسرائيل وما أعطاهم، ثم سلط عليهم شر خلقه بختنصر فحرق التوراة وخرب بيت المقدس، وعزير يومئذ غلام فقال عزير: أو كان هذا؟! فلحق الجبال والوحش فجعل يتعبد فيها، وجعل لا يخالط الناس، فإذا هو ذات يوم بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال: يا أمة اللّه اتقي اللّه واحتسبي واصبري، أما تعلمين أن سبيل الناس إلى الموت؟! فقالت: يا عزير أتنهاني أن أبكي وأنت خلفت بني إسرائيل ولحقت بالجبال والوحش؟ قالت: إني لست بامرأة ولكني الدنيا، وأنه سينبع في مصلاك عين وتنبت شجرة، فاشرب من العين وكل من ثمرة الشجرة، فإنه سيأتيك ملكان فاتركهما يصنعان ما أرادا. فلما كان من الغد نبعت العين ونبتت الشجرة فشرب من ماء العين وأكل من ثمرة الشجرة، وجاء ملكان ومعهما قارورة فيها نور فأوجراه ما فيها، فألهمه اللّه التوراة فجاء فأملاه على الناس، فقالوا عند ذلك: عزير بن اللّه، تعإلى اللّه عن ذلك علوا كبيرا. وأخرج أبو الشيخ عن كعب رضي اللّه عنه قال: دعا عزير ربه عز وجل أن يلقي التوراة كما أنزل على موسى عليه السلام في قلبه، فأنزلها اللّه تعالى عليه، فبعد ذلك قالوا: عزير بن اللّه. وأخرج أبو الشيخ عن حميد الخراط رضي اللّه عنه. أن عزيرا كان يكتبها بعشرة أقلام في كل أصبع قلم. وأخرج أبو الشيخ عن الزهري رضي اللّه عنه قال: كان عزير يقرأ التوراة ظاهرا، وكان قد أعطي من القوة ما أن كان ينظر في شرف السحاب، فعند ذلك قالت اليهود: عزير بن اللّه. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي اللّه عنه قال: إنما قالت اليهود عزير بن اللّه لأنهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم وأخذوا التوراة، وهرب علمائهم الذين بقوا فدفنوا كتب التوراة في الجبال، وكان عزير يتعبد في رؤوس الجبال لا ينزل إلا في يوم عيد، فجعل الغلام يبكي يقول: رب تركت بني إسرائيل بغير عالم؟ فلم يزل يبكيهم حتى سقط أشفار عينيه، فنزل مرة إلى العيد فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلت له عند قبر من تلك القبور تبكي، تقول: يا مطعماه يا كاسياه...! فقال لها: ويحك من كان يطعمك أو يكسوك أو يسقيك قبل هذا الرجل؟! قالت: اللّه. قال: فإن اللّه حي لم يمت. قالت: يا عزير فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال: اللّه. قالت: فلم تبكي عليهم؟ فلما عرف أنه قد خصم ولى مدبرا. فدعته فقالت: يا عزير إذا أصبحت غدا فائت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه، ثم أخرج فصل ركعتين فإنه يأتيك شيخ فما أعطاك فخذه. فلما أصبح انطلق عزير إلى ذلك النهر فاغتسل فيه ثم خرج فصلى ركعتين، فأتاه شيخ فقال: افتح فمك. ففتح فمه فألقمه فيه شيئا كهيئة الجمرة العظيمة مجتمع كهيئة القوارير ثلاث مرات، فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة فقال: يا بني إسرائيل إني قد جئتكم بالتوراة. فقالوا له: ما كنت كذابا؟؟ فعمد فربط على كل أصبع له قلما، ثم كتب بأصابعه كلها فكتب التوراة، فلما رجع العلماء أخبروا بشأن عزير، واستخرج أولئك العلماء كتبهم التي كانوا رفعوها من التوراة في الجبال، وكانت في خواب مدفونة فعرضوها بتوراة عزيز، فوجدوها مثلها فقالوا: ما أعطاك اللّه إلا وأنت ابنه. وأخرج ابن مردويه وابن عساكر رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"ثلاث أشك فيهن. فلا أدري أعزير كان نبيا أم لا، ولا أدري ألعن تبعا أم لا، قال: ونسيت الثالثة". وأخرج البخاري في تاريخه عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: لما كان يوم أحد شج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته، فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يومئذ رافعا يديه يقول"إن اللّه عز وجل اشتد غضبه على اليهود أن قالوا عزير ابن اللّه، واشتد غضبه على النصارى أن قالوا أن المسيح ابن اللّه، وأن اللّه اشتد غضبه على من أراق دمي وآذاني في عترتي". وأخرج ابن النجار عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال عزير: يا رب ما علامة من صافيته من خلقك؟ فأوحى اللّه إليه: أن أقنعه باليسير وأدخر له في الآخرة الكثير. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما {يضاهئون قول الذي كفروا من قبل} قال: قالوا مثل ما قال أهل الأديان. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {يضاهئون قول الذي كفروا من قبل} يقول: ضاهت النصارى قول اليهود قبلهم فقالت النصارى: المسيح بن اللّه. كما قالت اليهود: عزير بن اللّه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {قاتلهم اللّه} قال: لعنهم اللّه، وكل شيء في القرآن قتل فهو لعن. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي اللّه عنه في قوله {قاتلهم اللّه} قال: كلمة من كلام العرب. ٣١ أخرج ابن سعد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عدي بن حاتم رضي اللّه عنه قال: أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يقرأ في سورة براءة {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه} فقال: "أما أنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه". وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في سننه عن أبي البختري رضي اللّه عنه قال: سأل رجل حذيفة رضي اللّه عنه فقال: أرأيت قوله تعالى {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه} أكانوا يعبدونهم؟ قال: لا، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه. وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان عن حذيفة رضي اللّه عنه {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم} قال: أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم أطاعوهم في معصية اللّه. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه {اتخذوا أحبارهم} اليهود {ورهبانهم} النصارى {وما أمروا} في الكتاب الذي أتاهم وعهد إليهم {إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} سبح نفسه أن يقال عليه البهتان. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي اللّه عنه قال {أحبارهم} قراؤهم {ورهبانهم} علماؤهم. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي اللّه عنه قال: الأحبار من اليهود، والرهبان من النصارى. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي. مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الفضيل بن عياض رضي اللّه عنه قال: الأحبار العلماء، والرهبان العباد. ٣٢ وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي اللّه عنه في قوله {يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم} قال: الإسلام بكلامهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي اللّه عنه في قوله {يريدون أن يطفئوا نور اللّه} يقول: يريدون أن يهلك محمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه أن لا يعبدوا اللّه بالإسلام في الأرض، يعني بها كفار العرب وأهل الكتاب من حارب منهم النب صلى اللّه عليه وسلمي وكفر بآياته. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم} قال: هم اليهود والنصارى. ٣٣ أخرج أحمد ومسلم والحاكم وابن مردويه عن عائشة رضي اللّه عنها. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى. فقالت عائشة رضي اللّه عنها: يا رسول اللّه إني كنت أظن حين أنزل اللّه {ليظهره على الدين كله} أن ذلك سيكون تاما؟ فقال: إنه سيكون من ذلك إن شاء اللّه، ثم يبعث اللّه ريحا طيبة فيتوفى من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من خير، فيبقى من لا خير فيه يرجعون إلى دين آبائهم". وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي اللّه عنه {هو الذي أرسل رسوله بالهدى} يعني بالتوحيد والقرآن والإسلام. وأخرج ابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي اللّه عنه في قوله {ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} قال: يظهر اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم على أمر الدين كله، فيعطيه إياه كله ولا يخفى عليه شيء منه، وكان المشركون واليهود يكرهون ذلك. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: بعث اللّه محمد صلى اللّه عليه وسلم ليظهره على الدين كله، فديننا فوق الملل ورجالنا فوق نسائهم، ولا يكونون رجالهم فوق نسائنا. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في سننه عن جابر رضي اللّه عنه في قوله {ليظهره على الدين كله} قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني صاحب ملة إلا الإسلام، حتى تأمن الشاة الذئب والبقرة الأسد والإنسان الحية، وحتى لا تقرض فأرة جرابا، وحتى توضع الجزية، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، وذلك إذا نزل عيسى بن مريم عليه السلام. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي اللّه في قوله {ليظهره على الدين كله} قال: الأديان ستة. الذين آمنوا، والذين هادوا، والصابئين، والنصارى، والمجوس، والذين أشركوا، فالأديان كلها تدخل في دين الإسلام، والإسلام لا يدخل في شيء منها، فإن اللّه قضى فيما حكم، وأنزل أن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي هريرة رضي اللّه عنه في قوله {ليظهره على الدين كله} قال: خروج عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام. ٣٤ أخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي اللّه عنه في قوله {يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار} يعني علماء اليهود {والرهبان} علماء النصارى {ليأكلون أموال الناس بالباطل} والباطل كتب كتبوها لم ينزلها اللّه تعالى فأكلوا بها الناس، وذلك قول اللّه تعالى (الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه) (البقرة:٧٩). وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي اللّه عنه في الآية قال: أما الأحبار فمن اليهود، وأما الرهبان فمن النصارى، وأما سبيل اللّه فمحمد صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج أبو الشيخ عن الفضيل بن عباس رضي اللّه عنه قال: اتبعوا عالم الآخرة، واحذروا عالم الدنيا لا يضركم بشكره، ثم تلا هذه الآية {إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل اللّه}. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {والذين يكنزون الذهب والفضة...} الآية. قال: هم الذين لا يؤدون زكاة أموالهم، وكل مال لا تؤدى زكاته كان على ظهر الأرض أو في بطنها فهو كنز، وكل مال أدي زكاته فليس بكنز كان على ظهر الأرض أو في بطنها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: ما أدي زكاته فليس بكنز. وأخرج مالك وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين، وما لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي اللّه عنهما مرفوعا. مثله. وأخرج ابن عدي والخطيب عن جابر رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أي مال أديت زكاته فليس كنز" وأخرجه ابن أبي شيبة عن جابر رضي اللّه عنه موقوفا. وأخرج أحمد في الزهد والبخاري وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر رضي اللّه عنهما في الآية قال: إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها اللّه طهرة للأموال، ثم قال: ما أبالي لو كان عندي مثل أحد ذهبا أعلم عدده أزكيه وأعمل فيه بطاعة اللّه. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن سعد بن أبي سعيد رضي اللّه عنه. أن رجلا باع دارا على عهد عمر رضي اللّه عنه فقال له عمر: احرز ثمنها احفر تحت فراش امرأتك. فقال: يا أمير المؤمنين أو ليس كنز؟ قال: ليس بكنز ما أدي زكاته. وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أم سلمة رضي اللّه عنها "أنها قالت: يا رسول اللّه إن لي أوضاحا من ذهب أو فضة أفكنز هو؟ قال: كل شيء تؤدى زكاته فليس بكنز". وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن شاهين في الترغيب في الذكر وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ثوبان رضي اللّه عنه قال: لما نزلت {والذين يكنزون الذهب والفضة} كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بعض أسفاره فقال له أصحابه: لو علمنا أي المال خير فنتخذه. فقال "أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه. وفي لفظ: تعينه على أمر الآخرة". وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده وأبو داود وأبو يعلى وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: لما نزلت هذه الآية {والذين يكنزون الذهب والفضة} كبر ذلك على المسلمين وقالوا: ما يستطيع أحد منا لولده مالا يبقى بعده. فقال عمر رضي اللّه عنه: أنا أفرج عنكم. فانطلق عمر رضي اللّه عنه واتبعه ثوبان رضي اللّه عنه، فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا نبي اللّه إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية. فقال "إن اللّه لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم. فكبر عمر رضي اللّه عنه، ثم قال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته". وأخرج الدارقطني في الأفراد وابن مردويه عن بريدة رضي اللّه عنه قال: الصالحة التي إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته. وأخرج الدارقطني في الأفراد وابن مردويه عن بريدة رضي اللّه عنه قال: لما نزلت {والذين يكنزون الذهب والفضة...} الآية. قال أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: نزل اليوم في الكنز ما نزل...! فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: يا رسول اللّه ماذا نكنز اليوم؟ قال "لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة صالحة تعين أحدكم على إيمانه". وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال: إذا أخرجت صدقة كنزك فقد أذهبت شره وليس بكنز. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي اللّه عنه في قوله {والذين يكنزون الذهب والفضة} قال: هم أهل الكتاب، وقال: هي خاصة وعامة. وأخرج ابن الضريس عن علباء بن أحمر. أن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه قال: لما أراد أن يكتب المصاحف أرادوا أن يلغوا الواو التي في براءة {والذين يكنزون الذهب والفضة} قال لهم أبي رضي اللّه عنه: لتلحقنها أو لأضعن سيفي على عاتقي. فألحقوها. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: أربعة آلاف فما دونها نفقة، وما فوقها كنز. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي اللّه عنه في قوله {والذين يكنزون الذهب والفضة} قال: هؤلاء أهل القبلة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عراك بن مالك وعمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنهما. أنهما قالا: في قول اللّه {والذين يكنزون الذهب والفضة} قالا: نسختها الآية الأخرى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (التّوبة:١٠٣). ٣٥ أخرج البخاري ومسلم وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا جعلت له يوم القيامة صفائح، ثم أحمي عليها في نار جهنم، ثم يكوى بها جبينه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين الناس، فيرى سبيله إما إلى الجنة أو إلى النار". وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"لا يوضع الدينار على الدينار ولا الدرهم على الدرهم، ولكن يوسع اللّه جلده {فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكتنزون} ". وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن ابن مسعود رضي اللّه عنه في قوله {يوم يحمى عليها في نار جهنم} قال: لا يعذب رجل بكنز يكنزه فيمس درهم درهما ولا دينار دينارا، ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على حدته، ولا يمس درهم درهما ولا دينار دينارا. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {فتكوى بها...} الآية. قال: يوسع بها جلده. وأخرج أبو الشيخ رضي اللّه عنه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {يوم يحمى عليها} الآية. قال: حية تنطوي على جنبيه وجبهته فتقول: أنا مالك الذي بخلت بي. وأخرج ابن أبي حاتم عن ثوبان رضي اللّه قال: ما من رجل يموت وعنده أحمر وأبيض إلا جعل اللّه له بكل قيراط صفحة من نار تكوى بها قدمه إلى ذقنه مغفورا له بعد أو معذبا. وأخرج ابن أبي شيبة عن ثوبان رضي اللّه عنه مرفوعا. نحوه. وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن أبي ذر رضي اللّه عنه قال: بشر أصحاب الكنوز بكي في الجباه، وفي الجنوب وفي الظهور. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والبخاري وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن زيد بن وهب رضي اللّه عنه قال: مررت على أبي ذر رضي اللّه عنه بالربذة فقلت: ما أنزلك بهذه الأرض؟ قال: كتابا لشام فقرأت {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشرهم بعذاب أليم} فقال معاوية: ما هذا فينا، هذه في أهل الكتاب...! قلت أنا: إنها لفينا وفيهم. وأخرج مسلم وابن مردويه عن الأحنف بن قيس رضي اللّه عنه قال: جاء أبو ذر رضي اللّه عنه فقال: بشر الكانزين بكي من قبل ظهورهم يخرج من جنوبهم، وكي من جباهم يخرج من أقفائهم. فقلت: ماذا...؟ قال: ما قلت إلا ما سمعت من نبيهم صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن سعد وأحمد عن أبي ذر رضي اللّه عنه قال "إن خليلي عهد إلي أن أي مال ذهب أو فضة أوكئ عليه فهو جمر على صاحبه حتى يفرغه في سبيل اللّه، وكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله عما يكفيه لسنة فاشتراه، ثم اشترى فلوسا بما بقي". وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن أبي ذر رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته، فمن رفع دينار أو درهما أو تبرا أو فضة لا يعده لغريمه ولا ينفقه في سبيل اللّه فهو كنز يكوى به يوم القيامة". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه مرفوعا. مثله. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم. أنه قال "الدينار كنز، والدرهم كنز، والقيراط كنز ". وأخرج أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وابن مردويه عن ثوبان رضي اللّه عنه قال: كان نصل سيف أبي هريرة رضي اللّه عنه من فضة فقال له أبو ذر رضي اللّه عنه: أما سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "ما من رجل ترك صفراء ولا بيضاء إلا كوي بها". وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "ما من أحد يموت فيترك صفراء أو بيضاء إلا كوي بها يوم القيامة، مغفورا له بعد أو معذبا". وأخرج ابن مردويه عن جابر رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما من ذي كنز لا يؤدي حقه إلا جيء به يوم القيامة يكوى به جبينه وجبهته، وقيل له:هذا كنزك الذي بخلت به". وأخرج الطبراني في الأوسط وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات عن علي رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم القدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما يمنع أغنياؤهم، ألا وإن اللّه يحاسبهم حسابا شديدا أو يعذبهم عذابا أليما". وأخرج الطبراني في الصغير عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مانع الزكاة يوم القيامة في النار". وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال: مانع الزكاة ليس بمسلم. وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك رضي اللّه عنه قال: لا صلاة إلا بزكاة. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال " لاوي الصدقة - يعني مانعها - ملعون على لسان محمد صلى اللّه عليه وسلم يوم القيامة". وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه عن بلال قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يا بلال ألق اللّه فقيرا ولا تلقه غنيا. قلت: وكيف لي بذلك؟ قال: إذا رزقت فلا تخبأ، وإذا سئلت فلا تمنع. قلت: وكيف لي بذلك؟ قال: هو ذاك وإلا فالنار". وأخرج أحمد في الزهد عن أبي بكر بن المنكدر قال: بعث حبيب بن سلمة إلى أبي ذر وهو أمير الشام بثلاثمة دينار، وقال: استعن بها على حاجتك. فقال أبو ذر: ارجع بها إليه، أما وجد أحدا أغر باللّه منا؟ ما لنا إلا الظل نتوارى به، وثلاثة من غنم تروح علينا، ومولاة لنا تصدق علينا بخدمتها، ثم إني لأنا أتخوف الفضل. وأخرج أحمد في الزهد عن أبي ذر رضي اللّه عنه قال: ذو الدرهمين أشد حبسا من ذي الدرهم. وأخرج البخاري ومسلم عن الأحنف بن قيس قال: جلست إلى ملأ من قريش فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئة حتى قام عليهم فسلم، ثم قال: بشر الكانزين برضف يحمي عليه في نار جهنم، ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه فيتدلدل. ثم ولى وجلس إلى سارية وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو...! فقلت: لا أرى القوم إلا قد كرهوا ما قلت. قال: إنهم لا يعقلون شيئا. قال لي خليلي. قلت: من خليلك؟ قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "أتبصر أحدا؟ قلت: نعم. قال: ما أحب أن يكون لي مثل أحد ذهبا أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير، وإن هؤلاء لا يعقلون إنما يجمعون للدنيا، واللّه لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى اللّه عز وجل". وأخرج أحمد والطبراني عن شداد بن أوس قال: كان أبو ذر رضي اللّه عنه يسمع من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الأمر فيه الشدة، ثم يخرج إلى باديته ثم يرخص فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد ذلك، فيحفظ من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ذلك الأمر الرخصة فلا يسمعها أبو ذر، فيأخذ أبو ذر بالأمر الأول الذي سمع قبل ذلك. ٣٦ وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي بكرة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم خطب في حجته فقال: ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا: منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو العقدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان". وأخرج البزار وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السموات والأرض، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات، ورجب مضر بين جمادى وشعبان". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر رضي اللّه عنه قال: خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حجة الوداع بمنى في أوسط أيام التشريق فقال "أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند اللّه اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، أولهن رجب مضر بين جمادى وشعبان، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم". وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم خطب الناس فقال: أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السموات والأرض، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات رجب مضر حرام، إلا وإن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا". وأخرج أحمد والبارودي وابن مردويه عن أبي حمزة الرقاشي عن عمه - وكانت له صحبة - قال: كنت آخذا بزمام ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود الناس عنه فقال "يا أيها الناس، هل تدرون في أي شهر أنتم، وفي أي يوم أنتم، وفي أي بلد أنتم؟ قالوا: في يوم حرام، وشهر حرام، وبلد حرام، قال: فإن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه، ثم قال: اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تتظالموا ألا لا تتظالموا، إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه، ألا إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بني ليث فقتله هذيل، ألا وإن كل ربا كان في الجاهلية موضوع، وإن اللّه قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السموات والأرض، ألا وإن عدة الشهور عند اللّه اثنا عشر شهرا في كتاب اللّه يوم خلق اللّه السموات والأرض، منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، إلا إن الشيطان قد آيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكنه في التحريش بينهم، واتقوا اللّه في النساء فإنهن عوان عندكم لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإن لهن عليكم حقا ولكم عليهن حقا أن لا يطئن فرشكم أحدا غيركم، ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه، فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذتموهن بأمانة اللّه واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها وبسط يديه. وقال: اللّهم قد بلغت ألا هل بلغت، ثم قال: ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من سامع". وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما {منها أربعة حرم} قال: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي اللّه عنه قال: إنما سمين حرما لئلا يكون فيهن حرب. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما {ذلك الدين القيم} قال: القضاء القيم. وأخرج أبو داود والبيهقي في شعب الإيمان عن محببة الباهلي عن أبيه أو عمه. أنه أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأسلم، ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حاله وهيئته، فقال: يا رسول اللّه"وما تعرفني؟! قال: ومن أنت؟! قال: أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول. قال: فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة؟ قال: ما أكلت طعاما منذ فارقتك إلا قليل. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لم عذبت نفسك؟ ثم قال: صم شهر الصبر ويوما من كل شهر. قال: زدني فإن لي قوة. قال: صم يومين. قال: زدني. قال: صم ثلاثة أيام. قال: زدني. قال: صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب اللّه له عبادة سنتين". وأخرج مسلم وأبو داود عن عثمان بن حكيم رضي اللّه عنه قال: سألت سعيد بن جبير رضي اللّه عنه عن صيام رجب؟ فقال: أخبرني ابن عباس رضي اللّه عنهما "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم". وأخرج البيهقي عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من صام يوما من رجب كان كصيام سنة، ومن صام سبعة أيام غلقت عنه سبعة أبواب جهنم، ومن صام ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة، ومن صام عشرة أيام لم يسأل اللّه عز وجل شيئا إلا أعطاه، ومن صام خمسة عشر يوما نادى مناد من السماء قد غفرت لك ما سلف فاستأنف العمل قد بدلت سيئاتكم حسنات، من زاد زاده اللّه. وفي رجب حمل نوح عليه السلام في السفينة فصام نوح عليه السلام وأمر من معه أن يصوموا، وجرت بهم السفينة ستة أشهر إلى آخر ذلك لعشر خلون من المحرم". وأخرج البيهقي والأصبهاني عن أبي قلابة رضي اللّه عنه قال: في الجنة قصر لصوام رجب "قال البيهقي: موقوف على أبي قلابة وهو من التابعين، فمثله لا يقول ذلك إلا عن بلاغ عمن فوقه ممن يأتيه الوحي. وأخرج البيهقي وضعفه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يصم بعد رمضان إلا رجب وشعبان". وأخرج البيهقي وضعفه عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن رجب شهر اللّه ويدعى الأصم، وكان أهل الجاهلية إذا دخل رجب يعطلون أسلحتهم ويضعونها، فكان الناس ينامون ويأمن السبيل ولا يخافون بعضهم بعضا حتى ينقضي". وأخرج البيهقي عن قيس بن أبي حازم رضي اللّه عنه قال: كن نسمي رجب الأصم في الجاهلية من شدة حرمته في أنفسنا. وأخرج البخاري والبيهقي عن أبي رجاء العطاردي رضي اللّه عنه قال: كنا في الجاهلية إذا دخل رجب نقول: جاء منصل الأسنة، لا ندع حديدة في سهم ولا حديدة في رمح إلا انتزعناها فألقيناها. وأخرج البيهقي عن قيس بن أبي حازم رضي اللّه عنه قال: كنا نسمي رجب الأصم في الجاهلية من شدة حرمته. وأخرج البيهقي وضعفه عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "في رجب يوم وليلة من صام ذلك اليوم وقام تلك اليلة كان كمن صام من الدهر مائة سنة وقام مائة سنة، وهو لثلاث بقين من رجب وفيه بعث اللّه محمدا". وأخرج البيهقي وضعفه عن أنس رضي اللّه عنه مرفوعا"في رجب ليلة يكتب للعامل فيها حسنة مائة سنة وذلك لثلاث بقين من رجب، فمن صلى فيها اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة من القرآن يتشهد في كل ركعتين ويسلم في آخرهن ثم يقول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر مائة مرة، ويستغفر اللّه مائة مرة، ويصلي على النبي صلى اللّه عليه وسلم مائة مرة، ويدعو لنفسه ما شاء من أمر دنياه وآخرته ويصبح صائما، فإن اللّه يستجيب دعاءه كله إلا أن يدعو في المعصية. قال البيهقي: هذا أضعف من الذي قبله". وأخرج البيهقي وقال: إنه منكن بمرة عن أنس رضي اللّه عنه مرفوعا "خيرة اللّه من الشهور شهر رجب وهو شهر اللّه، من عظم شهر رجب فقد عظم أمر اللّه، ومن عظم أمر اللّه أدخله جنات النعيم وأوجب له رضوانه الأكبر، وشعبان شهري فمن عظم شهر شعبان فقد عظم أمري، ومن عظم أمري كنت له فرطا وذخرا يوم القيامة، وشهر رمضان شهر أمتي فمن عظم شهر رمضان وعظم حرمته ولم ينتهكه، وصام نهاره، وقام ليلة، وحفظ جوارحه، خرج من رمضان وليس عليه ذنب يطلبه اللّه به". وأخرج ابن ماجة والبيهقي وضعفه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما" أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى عن صوم رجب كله". وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {إن عدة الشهور عند اللّه اثنا عشر شهرا في كتاب اللّه} قال: يقرب بها شر النسيء ما نقص من السنة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {إن عدة الشهور عند اللّه اثنا عشر شهرا في كتاب اللّه} ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرم وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم، {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} قال: في كلهن {وقاتلوا المشركين كافة} يقول: جميعا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} قال: إن الظلم في الشهر الحرام أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواه، وإن كان الظلم على كل حال عظيما ولكن اللّه يعظم من أمره ما شاء، وقال: إن اللّه اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس رسلا، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي لية القدر، فعظموا ما عظم اللّه فإنما تعظم الأمور لما عظمها اللّه تعالى به عند أهل الفهم والعقل. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} قال: في الشهور كلها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} قال: الظلم العمل لمعاصي اللّه والترك لطاعته. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله {وقاتلوا المشركين كافة} قال: نسخت هذه الآية كل آية فيها رخصة. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن كعب قال: اختار اللّه البلدان، فأحب البلدان إلى اللّه البلد الحرام، واختار اللّه الزمان فأحب الزمان إلى اللّه الأشهر الحرم، وأحب الأشهر إلى اللّه ذو الحجة، وأحب ذو الحجة إلى اللّه العشر الأول منه، واختار اللّه الأيام، فأحب الأيام إلى اللّه يوم الجمعة، وأحب الليالي إلى اللّه ليلة القدر، واختار اللّه ساعات والليل والنهار، فأحب الساعات إلى اللّه ساعات الصلوات المكتوبات، واختار اللّه الكلام، فأحب الكلام إلى اللّه لا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، وسبحان اللّه، والحمد للّه. ٣٧ أخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت العرب يحلون عاما شهرا وعاما شهرين، ولا يصيبون الحج إلا في كل ستة وعشرين سنة مرة، وهو النسيء الذي ذكر اللّه تعالى في كتابه، فلما كان عام الحج الأكبر ثم حج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من العام المقبل فاستقبل الناس الأهلة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السموات والأرض". وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عمر قال "وقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالعقبة فقال: إن النسيء من الشيطان {زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما} فكانوا يحرمون المحرم عاما ويحرمون صفرا عاما، ويستحلون المحرم وهو النسيء ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان جنادة بن عوف الكناني يوفي الموسم كل عام، وكان يكنى أبا ثمادة فينادي: ألا إن أبا ثمادة لا يخاف ولا يعاب، إلا أن صفر الأول حلال، وكان طوائف من العرب إذا أرادوا أن يغيروا على بعض عدوهم أتوه فقالوا: أحل لنا هذا الشهر - يعنون صفر - وكانت العرب لا تقاتل في الأشهر الحرم فيحله لهم عاما ويحرمه عليهم في العام الآخر، ويحرم المحرم في قابل {ليواطئوا عدة ما حرم اللّه} يقول: ليجعلوا الحرم أربعة غير أنهم جعلوا صفرا عاما حلالا وعاما حراما. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كانت النساة حيا من بني مالك من كنانة من بني تميم، فكان أخراهم رجلا يقال له القلمس وهو الذي أنسأ المحرم، وكان ملكا، كان يحل المحرم عاما ويحرمه عاما، فإذا حرمه كانت ثلاثة أشهر متوالية، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وهي العدة التي حرم اللّه في عهد إبراهيم عليه السلام، فإذا أحله دخل مكانه صفر في المحرم ليواطئ العدة يقول: قد أكملت الأربعة كما كانت لأني لم أحل شهرا إلا وقد حرمت مكانه شهرا، فكانت على ذلك العرب من يدين للقلمس بملكه حتى بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم، فأكمل الحرم ثلاثة أشهر متوالية ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي وائل رضي اللّه عنه في قوله {إنما النسيء زيادة في الكفر} قال: نزلت في رجل من بني كنانة يقال له نسي، كان يجعل المحرم صفرا ليستحل فيه المغانم. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي وائل رضي اللّه عنه قال: كان الناسي رجلا من كنانة ذا رأي يأخذون من رأيه رأسا فيهم، فكان عاما يجعل المحرم صفرا فيغيرون فيه ويستحلونه فيصيبون فيغنمون، وكان عاما يحرمه. وأخرج ابن المنذر عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {إنما النسيء زيادة في الكفر} الآية. قال: عمد أناس من أهل الضلالة فزادوا صفر في أشهر الحرم، وكان يقوم قائلهم في الموسم فيقول: إن آلهتكم قد حرمت صفر فيحرمونه ذلك العام، وكان يقال لهما الصفران، وكان أول من نسأ النسيء بنو مالك من كنانة، وكانوا ثلاثة، أبو ثمامة صفوان بن أمية، أحد بني تميم بن الحرث، ثم أحد بني كنانة. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {إنما النسيء زيادة في الكفر} قال: فرض اللّه الحج في ذي الحجة، وكان المشركون يسمون الأشهر ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وربيع، وربيع، وجمادى، وجمادى، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوال، وذو القعدة، وذو الحجة ثم يحجون فيه ثم يسكتون عن المحرم فلا يذكرونه، ثم يعودون فيسمون صفر، صفر، ثم يسمون رجب جمادى الآخر، ثم يسمون شعبان رمضان، ورمضان شوال، ويسمون ذا القعدة شوال، ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة، ثم يسمون المحرم ذا الحجة، ثم يحجون فيه واسمه عندهم ذو الحجة، ثم عادوا مثل هذه القصة فكانوا يحجون في كل شهر عاما حتى وافق حجة أبي بكر رضي اللّه عنه الآخرة من العام في ذي القعدة، ثم حج النبي صلى اللّه عليه وسلم حجته التي حج فيها فوافق ذو الحجة، فذلك حين يقول النبي صلى اللّه عليه وسلم في خطبته"إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السموات والأرض". وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي اللّه عنه في الآية قال: كان رجل من بني كنانة يقال له جنادة بن عوف يكنى أبا أمامة ينسئ الشهور، وكانت العرب يشتد عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر لا يغيروا بعضهم على بعض، فإذا أراد أن يغير على أحد قام يوما بمنى فخطب فقال: إني قد أحللت المحرم وحرمت صفر مكانه فيقاتل الناس في المحرم، فإذا كان صفر عمدوا ووضعوا الأسنة ثم يقوم في قابل فيقول: إني قد أحللت صفر وحرمت المحرم فيواطئوا أربعة أشهر فيحلوا المحرم. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {يحلونه عاما ويحرمونه عاما} قال: هو صفر، كانت هوازن وغطفان يحلونه سنة ويحرمونه سنة. ٣٨ أخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا...} الآية. قال: هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح، وحنين أمرهم بالنفير في الصيف حين خرقت الأرض فطابت الثمار واشتهوا الظلال وشق عليهم المخرج، فأنزل اللّه سبحانه وتعالى (انفروا خفافا وثقالا) (التوبة:٤١). قوله تعالى: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} وأخرج الحاكم وصححه عن المستور رضي اللّه عنه قال: كنا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم، فتذاكروا الدنيا والآخرة فقال بعضهم: إنما الدنيا بلاغ للآخرة، فيها العمل وفيها الصلاة وفيها الزكاة، وقالت طائفة منهم: الآخرة فيها الجنة. وقالوا ما شاء اللّه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يمشي أحدكم إلى اليم فأدخل أصبعه فيه فما خرج منه فهي الدنيا". وأخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة عن المستور بن شداد رضي اللّه عنه قال: كنت في ركب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ مر بسخلة ميتة فقال "أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها قالوا: من هوانها ألقوها يا رسول اللّه قال: فالدنيا أهون على اللّه من هذه على أهلها". وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه جعل الدنيا قليلا وما بقي منها إلا القليل، كالثعلب في الغدير شرب صفوه وبقي كدره". وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: دخل عمر رضي اللّه عنه على النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال: يا رسول اللّه لو اتخذت فرشا أوثر من هذا؟ فقال "ما لي وللدنيا وما للدنيا وما لي، والذي نفسي بيده ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة، ثم راح وتركها". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه وابن ماجة والحاكم عن ابن مسعود رضي اللّه عنه "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم نام على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا يا رسول اللّه: لو اتخذنا لك؟ فقال: ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة ثم راح وتركها". وأخرج الحاكم وصححه عن سهل رضي اللّه عنه قال: مر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذي الحليفة فرأى شاة شائلة برجلها فقال "أترون هذه الشاة هينة على صاحبها؟ قالوا: نعم يا رسول اللّه. قال: والذي نفسي بيده للدنيا أهون على اللّه من هذه على صاحبها، ولو كانت تعدل عند اللّه جناح بعوضة ما سقي الكافر منها شربة ماء". وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى". وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي الدنيا في كتاب المنامات والحاكم وصححه والبيهقي عن النعمان بن بشير رضي اللّه عنه"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: إنه لم يبق من الدنيا إلا مثل الذباب تمور في جوها، فاللّه اللّه في إخوانكم من أهل القبور، فإن أعمالكم تعرض عليهم". وأخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي عن قتادة بن النعمان رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا أحب اللّه عبدا حماه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الماء". وأخرج أحمد والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي مالك الأشعري رضي اللّه عنه"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: حلوة الدنيا مرة الآخرة، ومرة الدنيا حلوة الآخرة". وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي جحيفة قال: أكلت لحما كثيرا وثريدا، ثم جئت فقعدت قبال النبي صلى اللّه عليه وسلم فجعلت أتجشأ، فقال "اقصر من جشائك، فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا في الآخرة". وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم"يا عائشة إن أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب، ولا تستخلفي ثوبا حتى ترقعيه، وإياك ومجالسة الأغنياء". وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن سعد بن طارق رضي اللّه عنه عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "نعمت الدار الدنيا لمن تزود منها لآخرته حتى يرضي ربه، وبئست الدار لمن صدته عن آخرته وقصرت به عن رضا ربه، وإذا قال العبد: قبح اللّه الدنيا. قالت الدنيا: قبح اللّه أعصانا لربه". وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن سهل بن سعد رضي اللّه عنه "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم وعظ فقال: ازهد الدنيا يحبك اللّه، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس". وأخرج أحمد والحاكم عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم" الدنيا سجن المؤمن وسننه، فإذا خرج من الدنيا فارق السجن والسنة". وأخرج الحاكم والبيهقي عن حذيفة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من اللّه في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم". وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن الأعمش عن أبي سفيان رضي اللّه عنه عن أشياخه قال: دخل سعد رضي اللّه عنه على سلمان يعوده، فبكى فقال سعد: ما يبكيك يا أبا عبد اللّه؟ قال: توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو عنك راض، وترد عليه الحوض، وتلقى أصحابك. قال: ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ولكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد إلينا عهدا. قال "ليكن بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب". وحولي هذه الأساودة، وإنما حوله أجانة وجفنة ومطهرة. وأخرج الحاكم وصححه عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يأتي على الناس زمان يتحلقون في مساجدهم وليس همهم إلا الدنيا، ليس للّه فيهم حاجة فلا تجالسوهم". وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اقتربت الساعة ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصا، ولا يزدادون من اللّه إلا بعدا". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سفيان قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري قال: لو كانت الدنيا تزن عند اللّه جناح ذبابة ما سقى منها كافرا شربة ماء. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن المستور قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه في اليم ثم يرفعها فلينظر ثم يرجع". وأخرج عبد اللّه بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي عثمان النهدي قال: قلت يا أبا هريرة: سمعت إخواني بالبصرة يزعمون أنك تقول: سمعت نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "إن اللّه يجزي بالحسنة ألف ألف حسنة؟ فقال أبو هريرة: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: إن اللّه يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة، ثم تلا هذه الآية {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} فالدنيا ما مضى منها إلى ما بقي منها عند اللّه قليل، وقال (من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) (البقرة:٢٤٥) فكيف الكثير عند اللّه تعالى إذا كانت الدنيا ما مضى منها وما بقي عند اللّه قليل". وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} كزاد الراعي. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حازم قال: لما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة قال: ائتوني بكفني الذي أكفن فيه أنظر إليه، فلما وضع بين يديه نظر إليه فقال: أمالي كثير ما أخلف من الدنيا إلا هذا؟ ثم ولى ظهره وبكى وقال: أف لك من دار إن كان كثيرك القليل، وإن كان قليلك الكثير، وإن كنا منك لفي غرور. ٣٩ وأخرج أبو داود وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما} قال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استنفر حيا من أحياء العرب فتثاقلوا عنه، فأنزل اللّه هذه الآية فأمسك عنهم المطر فكان ذلك عذابهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لما نزلت {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما} وقد كان تخلف عنه ناس في البدو يفقهون قومهم فقال المنافقون: قد بقي ناس في البوادي. وقالوا: هلك أصحاب البوادي، فنزلت (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) (التوبة:١٢٢). وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما} قال: نسختها (وما كان المؤمنون لينفروا كافة). ٤٠ وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {إلا تنصروه فقد نصره اللّه} قال: ذكر ما كان من أول شأنه حتى بعث يقول اللّه: فأنا فاعل ذلك به وناصره كما نصرته إذ ذاك وهو ثاني اثنين. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب رضي اللّه عنه قال: اشترى أبو بكر رضي اللّه عنه من عازب رجلا بثلاثة عشر درهما فقال لعازب: مر البراء فليحمله إلى منزلي. فقال: لا، حتى تحدثنا كيف صنعت حيث خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأنت معه؟ فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: خرجنا فأدلجنا فاحثثنا يوما وليلة حتى أظهرنا، وقام قائم الظهيرة فضربت ببصري هل أرى ظلا فآوي إليه، فإذا أنا بصخرة فأهويت إليها فإذا بقية ظلها فسويته لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وفرشت له فروة وقلت اضطجع يا رسول اللّه فاضطجع، ثم خرجت أنظر هل أرى أحدا من الطلب فإذا أنا براعي غنم، فقلت: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش، فسماه فعرفته فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. فقلت: وهل أنت حالب لي؟ قال: نعم. قال: فأمرته فاعتقل لي شاة منها، ثم أمرته فنفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته فنفض كفيه ومعي إداوة على فمها خرقة فحلب لي كثبة من اللبن، فصببت على القدح من الماء حتى برد أسفله، ثم أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فوافقته قد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول اللّه، فشرب حتى رضيت، ثم قلت: هل آن الرحيل؟ قال: فارتحلنا والقوم يطلبونا فلم يدركنا منهم إلا سراقة على فرس له، فقلت: يا رسول اللّه هذا الطلب قد لحقنا فقال: "لا تحزن إن اللّه معنا"حتى إذا دنا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة، فقلت: يا رسول اللّه هذا الطلب قد لحقنا وبكيت...! قال: لم تبك. فقلت: أما واللّه لا أبكي على نفسي ولكني أبكي عليك. فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال " اللّهم اكفناه بما شئت" فساخت فرسه إلى بطنها في أرض صلد ووثب عنها، وقال: يا محمد إن هذا عملك فادع اللّه أن ينجيني مما أنا فيه، فواللّه لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا حاجة لي فيها ودعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأطلق، ورجع إلى أصحابه ومضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة فتلقاه الناس فخرجوا على الطرق وعلى الأجاجير واشتد الخدم والصبيان في الطرق اللّه أكبر جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم محمد، تنازع القوم أيهم ينزل عليه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أنزل الليلة على بني النجار أخوال عبد المطلب لأكرمهم بذلك". فلما أصبح غدا حيث أمر. وأخرج البخاري عن سراقة بن مالك رضي اللّه عنه قال: خرجت أطلب النبي صلى اللّه عليه وسلم وأبا بكر رضي اللّه عنه، حتى إذا دنوت منهما عثرت بي فرسي، فقمت فركبت حتى إذا سمعت قرأءة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر رضي اللّه عنه يكثر التلفت، ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عنان ساطع في السماء مثل الدخان، فناديتهما بالأمان: فوقفا لي ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهما أنه سيظهر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: لما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الليل لحق بغار ثور قال: وتبعه أبو بكر رضي اللّه عنه، فلما سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حسه خلفه خاف أن يكون الطلب، فلما رأى ذلك أبو بكر رضي اللّه عنه تنحنح، فلما سمع ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عرفه فقام له حتى تبعه فأتيا الغار، فأصبحت قريش في طلبه فبعثوا إلى رجل من قافة بني مدلج، فتبع الأثر حتى انتهى إلى الغار وعلى بابه شجرة، فبال في أصلها القائف ثم قال: ما جاز صاحبكم الذي تطلبون هذا المكان. قال: فعند ذلك حزن أبو بكر رضي اللّه عنه فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تحزن إن اللّه معنا" قال: فمكث هو وأبو بكر رضي اللّه عنه في الغار ثلاثة أيام يختلف إليهم بالطعام عامر بن فهيرة وعلي يجهزهم، فاشتروا ثلاثة أباعر من إبل البحرين واستأجر لهم دليلا، فلما كان بعض الليل من الليلة الثالثة أتاهم علي رضي اللّه عنه بالإبل والدليل، فركب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم راحلته وركب أبو بكر أخرى فتوجهوا نحو المدينة وقد بعثت قريش في طلبه. وأخرج ابن سعد عن ابن عباس وعلي وعائشة بنت أبي بكر رضي اللّه عنهم وعائشة بنت قدامة وسراقة بن جعشم دخل حديث بعضهم في بعض قالوا: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والقوم جلوس على بابه، فأخذ حفنة من البطحاء فجعل يدرها على رؤوسهم ويتلو (يس. والقرآن الحكيم) (يس:١ - ٢) الآيات ومضى، فقال لهم قائل ما تنتظرون؟ قالوا: محمدا. قال: قد - واللّه - مر بكم. قالوا: واللّه ما أبصرناه! وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، وخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر رضي اللّه عنه إلى غار ثور فدخلاه، وضربت العنكبوت على بابه بعشاش بعضها على بعض، وطلبته قريش أشد الطلب حتى انتهت إلى باب الغار، فقال بعضهم: إن عليه لعنكبوتا قبل ميلاد محمد. وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن عائشة بنت قدامة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: لقد خرجت من الخوخة متنكرا، فكان أول من لقيني أبو جهل، فعمى اللّه بصره عني وعن أبي بكر حتى مضينا". وأخرج أبو نعيم عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللّه عنها "أن أبا بكر رضي اللّه عنه رأى رجلا مواجه الغار فقال: يا رسول اللّه إنه لرائينا. قال: كلا إن الملائكة تستره الآن بأجنحتها، فلم ينشب الرجل أن قعد يبول مستقبلهما. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا أبا بكر لو كان يراك ما فعل هذا". وأخرج أبو نعيم عن محمد بن إبراهيم التيمي رضي اللّه عنه "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حين دخل الغار ضربت العنكبوت على بابه بعشاش بعضها على بعض، فلما انتهوا إلى فم الغار قال قائل منهم: ادخلوا الغار فقال أمية بن خلف: وما أربكم إلى الغار؟ إن عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد، فنهى النبي صلى اللّه عليه وسلم عن قتل العنكبوت، قال: إنها جند من جنود اللّه". وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عطاء بن أبي ميسرة رضي اللّه عنه قال: نسجت العنكبوت مرتين. مرة على داود عليه السلام حين كان طالوت يطلبه، ومرة على النبي صلى اللّه عليه وسلم في الغار. وأخرج ابن سعد وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن أنس رضي اللّه عنه قال: لما خرج النبي صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر رضي اللّه عنه التفت أبو بكر رضي اللّه عنه فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا نبي اللّه هذا فارس قد لحقنا. فقال " اللّهم اصرعه. فصرع عن فرسه فقال: يا نبي اللّه مرني بما شئت. قال: تقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا. فكان أول النهار جاهدا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفي آخر النهار مسلحة له، وفي ذلك يقول سراقة مخاطبا لأبي جهل: أبا حكم لو كنت واللّه شاهدا * لأمر جوادي أن تسيخ قوائمه علمت ولم تشكك بأن محمدا * رسول ببرهان فمن ذا يقاومه وأخرج البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ضبة بن محصن العبري قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: أنت خير من أبي بكر، فبكى وقال: واللّه لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر، هل لك أن أحدثك بليلته ويومه؟ قال: قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: أما ليلته، فلما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هاربا من أهل مكة، خرج ليلا فتبعه أبو بكر رضي اللّه عنه فجعل يمشي مرة أمامه ومرة خلفه، ومرة عن يمينه ومرة عن يساره، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"ما هذا يا أبا بكر ما أعرف هذا من فعلك؟! قال: يا رسول اللّه أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون من خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك. فمشى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليلته على أطراف أصابعه حتى حفيت رجلاه، فلما رآه أبو بكر رضي اللّه عنه أنها قد حفيت حمله على كاهله وجعل يشد به حتى أتى فم الغار فأنزله، ثم قال: والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك، فدخل فلم ير شيئا فحمله فأدخله، وكان في الغار خرق فيه حيات وأفاعي، فخشي أبو بكر رضي اللّه عنه أن يخرج منهن شيء يؤذي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فألقمه قدمه، فجعلن يضربنه وتلسعه الأفاعي والحيات وجعلت دموعه تتحدر ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول له: يا أبا بكر لا تحزن إن اللّه معنا، فأنزل اللّه سكينته، أي طمأنينته لأبي بكر رضي اللّه عنه، فهذه ليلته. وأما يومه، فلما توفي رسول اللّه وارتدت العرب، فقال بعضهم: نصلي ولا نزكي. وقال بعضهم: لا نصلي ولا نزكي، فأتيته ولا آلوه نصحا فقلت: يا خليفة رسول اللّه تألف الناس وارفق بهم. فقال: جبار في الجاهلية خوار في الإسلام، بماذا تألفهم، أبشعر مفتعل أو بشعر مفتري؟ قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وارتفع الوحي، فواللّه لو منعوني عقالا مما كانوا يعطون لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقاتلتهم عليه. قال: فقاتلنا معه فكان - واللّه - رشيد الأمر، فهذا يومه. وأخرج أبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب رضي اللّه عنه وعروة رضي اللّه عنه. أنهم ركبوا في كل وجه يطلبون النبي صلى اللّه عليه وسلم وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم ويجعلون له الجعل العظيم، وأتوا على ثور الجبل الذي فيه الغار الذي فيه النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى طلعوا فوقه، وسمع أبو بكر رضي اللّه عنه والنبي صلى اللّه عليه وسلم أصواتهم، وأشفق أبو بكر وأقبل عليه الهم والخوف، فعند ذلك يقول له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تحزن إن اللّه معنا، ودعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزلت عليه سكينة من اللّه فأنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين {وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة اللّه هي العليا واللّه عزيز حكيمْ} ". وأخرج ابن شاهين وابن مردويه وابن عساكر عن حبشي بن جنادة قال: قال أبو بكر رضي اللّه عنه: يا رسول اللّه لو أن أحدا من المشركين رفع قدمه لأبصرنا. قال "يا أبا بكر لا تحزن إن اللّه معنا". وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: إن الذين طلبوهم صعدوا الجبل فلم يبق أن يدخلوا. فقال أبو بكر رضي اللّه عنه:أتينا. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تحزن إن اللّه معنا" وانقطع الأثر فذهبوا يمينا وشمالا. وأخرج ابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: خرج رسول اللّه وخرج أبو بكر رضي اللّه عنه معه، لم يأمن على نفسه غيره حتى دخلا الغار. وأخرج ابن شاهين والدارقطني وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأبي بكر "أنت صاحبي في الغار، وأنت معي على الحوض". وأخرج ابن عساكر من حديث ابن عباس عن أبي هريرة. مثله. وأخرج ابن عدي وابن عساكر من طريق الزهري عن أنس رضي اللّه عنه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لحسان رضي اللّه عنه: هل قلت في أبي بكر شيئا؟ قال: نعم. قال: قل وأنا أسمع. فقال: وثاني اثنين في الغار المنيف وقد * طاف العدو به إذ صاعد الجبلا وكان حب رسول اللّه قد علموا * من البرية لم يعدل به رجلا فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: صدقت يا حسان، هو كما قلت". وأخرج خيثمة بن سليمان الإطرابلسي في فضائل الصحابة وابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: إن اللّه ذم الناس كلهم ومدح أبا بكر رضي اللّه عنه، فقال {إلا تنصروه فقد نصره اللّه إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن اللّه معنا}. وأخرج ابن عساكر عن أبي بكر رضي اللّه عنه أن قال: ما دخلني إشفاق من شيء ولا دخلني في الدين وحشة إلى أحد بعد ليلة الغار، فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين رأى إشفاقي عليه وعلى الدين، قال لي"هون عليك، فإن اللّه قد قضى لهذا الأمر بالنصر والتمام". وأخرج ابن عساكر عن سفيان بن عيينة رضي اللّه عنه قال: عاتب اللّه المسلمين جميعا في نبيه صلى اللّه عليه وسلم غير أبي بكر رضي اللّه عنه وحده، فإنه خرج من المعاتبة، ثم قرأ {إلا تنصروه فقد نصره اللّه} الآية. وأخرج الحكيم الترمذي عن الحسن رضي اللّه عنه قال: لقد عاتب اللّه جميع أهل الأرض فقال {إلا تنصروه فقد نصره اللّه إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين}. وأخرج ابن عساكر من طريق محمد بن يحيى قال: أخبرني بعض أصحابنا قال: قال شاب من أبناء الصحابة في مجلس فيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق: واللّه ما كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من موطن إلا وأبي فيه معه. قال: يا ابن أخي لا تحلف. قال: هلم. قال: بلى ما لا ترده، قال اللّه {ثاني اثنين إذ هما في الغار}. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي وأبو عوانة وابن حبان وابن المنذر وابن مردويه عن أنس رضي اللّه عنه قال: حدثني أبو بكر رضي اللّه عنه قال "كنت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في الغار، فرأيت آثار المشركين فقلت: يا رسول اللّه لو أن أحدهم رفع قدمه لأبصرنا تحت قدمه. فقال: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين اللّه ثالثهما". وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ وأبو نعيم في الدلائل عن أبي بكر رضي اللّه عنه. أنهما لما انتهيا إلى الغار إذا جحر فألقمه أبو بكر رضي اللّه عنه رجليه قال: يا رسول اللّه إن كانت لدغة أو لسعة كانت في. وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: لما كانت ليلة الغار قال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه: يا رسول اللّه دعني فلأدخل قبلك، فإن كانت حية أو شيء كانت في قبلك. قال "ادخل. فدخل أبو بكر رضي اللّه عنه فجعل يلمس بيديه، فكلما رأى جحرا قال بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع، وبقي جحر فوضع عليه عقبه وقال: ادخل. فلما أصبح قال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: فأين ثوبك؟ فأخبره بالذي صنع، فرفع النبي صلى اللّه عليه وسلم يديه وقال: اللّهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة. فأوحى اللّه إليه أن اللّه قد استجاب لك". وأخرج ابن مردويه عن جندب بن سفيان رضي اللّه عنه قال: لما انطلق أبو بكر رضي اللّه عنه مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الغار قال له أبو بكر رضي اللّه عنه: لا تدخل يا رسول اللّه حتى استبرئه. فدخل أبو بكر رضي اللّه عنه الغار. فأصاب يده شيء فحعل يمسح الدم عن أصبعه وهو يقول: هل أنت إلا أصبع دميت * وفي سبيل اللّه ما لقيت وأخرج ابن مردويه عن جعدة بن هبيرة رضي اللّه عنه قال: قالت عائشة رضي اللّه عنها: قال أبو بكر رضي اللّه عنه: لو رأيتني مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ صعدنا الغار، فأما قدما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتفطرتا دما، وأما قدماي فعادتا كأنهما صفوان. قالت عائشة رضي اللّه عنها: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يتعود الحفية. وأخرج ابن سعد وابن مردويه عن ابن مصعب قال: أدركت أنس بن مالك، وزيد بن أرقم، والمغيرة بن شعبة، فسمعتهم يتحدثون أن النبي صلى اللّه ع-ليه وسلم ليلة الغار أمر اللّه شجرة فنبتت في وجه النبي فسترته، وأمر اللّه العنكبوت فنسجت في وجه النبي صلى اللّه عليه وسلم فسترته، وأمر اللّه حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار، وأقبل فتيان قريش من كل بطن رجل بعصيهم وأسيافهم وهراويهم، حتى إذا كانوا من النبي صلى اللّه عليه وسلم قدر أربعين ذراعا فنزل بعضهم فنظر في الغار، فرجع إلى أصحابه فقالوا: ما لك لم تنظر في الغار؟! فقال: رأيت حمامتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد. فسمع النبي صلى اللّه عليه وسلم ما قال، فعرف أن اللّه درأ عنه بهما فسمت النبي صلى اللّه عليه وسلم عليهن وفرض جزاءهن وانحدرن في الحرم، فأخرج ذلك الزوج كل شيء في الحرم. وأخرج ابن عساكر في تاريخه بسند واه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كان أبو بكر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الغار فعطش، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اذهب إلى صدر الغار فاشرب. فانطلق أبو بكر رضي اللّه عنه إلى صدر الغار فشرب منه ماء أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وأزكى رائحة من المسك، ثم عاد فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن اللّه أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن خرق نهرا من جنة الفردوس إلى صدر الغار لتشرب". وأخرج ابن المنذر عن الشعبي رضي اللّه عنه قال: والذي لا إله غيره لقد عوتب أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم في نصرته إلا أبا بكر رضي اللّه عنه، فإن اللّه تعالى {إلا تنصروه فقد نصره اللّه إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار} خرج أبو بكر رضي اللّه عنه واللّه من المعتبة. وأخرج ابن أبي حاتم عن سالم بن عبيد اللّه رضي اللّه عنه - وكان من أهل الصفة - قال: أخذ عمر بيد أبي بكر رضي اللّه عنهما فقال: من له هذه الثلاث. (إذ يقول لصاحبه) من صاحبه؟ (إذ هما في الغار) من هما؟ (لا تحزن إن اللّه معنا). وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن الحارث عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه قال: أيكم يقرأ سورة التوبة؟ قال: رجل: أنا. قال: اقرأ. فلما بلغ {إذ يقول لصاحبه لا تحزن} بكى وقال: واللّه أنا صاحبه. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه قال: كان صاحبه أبا بكر رضي اللّه عنه، والغار جبل بمكة يقال له ثور. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أبو بكر أخي وصاحبي في الغار فاعرفوا ذلك له، فلو كنت متخذا خليلا لا تخذت أبا بكر خليلا، سدوا كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر". وأخرج ابن مردويه عن عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه عنهما "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: لو اتخذت خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخي وصاحبي في الغار". وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الزهري رضي اللّه عنه في قوله {إذ هما في الغار} قال: الغار الذي في الجبل الذي يسمى ثورا. وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: رأيت قوما يصعدون حراء فقلت: ما يلتمس هؤلاء في حراء؟ فقالوا: الغار الذي اختبأ فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر رضي اللّه عنه. قالت عائشة رضي اللّه عنها: ما اختبأ في حراء إنما اختبأ في ثور، وما كان أحد يعلم مكان ذلك الغار إلا عبد الرحمن بن أبي بكر وأسماء بنت أبي بكر فإنهما كانا يختلفان إليهما، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي اللّه عنه فإنه كان إذا سرح غنمه مر بهما فحلب لهما. وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي اللّه عنه قال: مكث أبو بكر رضي اللّه عنه مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الغار ثلاثا. وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، ولما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر رضي اللّه عنه مهاجرا قبل أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وسيد القارة فقال ابن الدغنة: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي. قال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار. فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وأمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، وليصل فيها ما شاء، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا ولا يشتغلن بالصلاة والقرأءة في غير داره. ففعل ثم بدا لأبي بكر رضي اللّه عنه فابتنى مسجدا بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رضي اللّه رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم فقالوا: إنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقرأءة، وإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فإن أحب أن يقتصر أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان. فأتى ابن الدغنة أبا بكر رضي اللّه عنه فقال: يا أبا بكر قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني خفرت في عقد رجل عقدت له. فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وسلم - ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يومئذ بمكة - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للمسلمين " قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما حرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين، وتجهز أبو بكر رضي اللّه عنه مهاجرا فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي. فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: وترجو ذلك بأبي أنت؟! قال: نعم".فحبس أبو بكر رضي اللّه عنه نفسه على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لصحبته، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر. فبينما نحن جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر رضي اللّه عنه: هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مقبلا في ساعة لم يكن يأتينا فيها! فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة إلا أمر! فجاء رسول اللّه فاستأذن صلى اللّه عليه وسلم، فأذن له فدخل، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين دخل لأبي بكر رضي اللّه عنه"أخرج من عندك. فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول اللّه؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فإنه قد أذن لي بالخروج. فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: فالصحابة بأبي أنت يا رسول اللّه؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: نعم. فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: فخذ بأبي أنت يا رسول اللّه إحدى راحلتي هاتين. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: بالثمن". فقالت عائشة رضي اللّه عنها: فجهزناهما أحسن الجهاز فصنعنا لهما سفرة من جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر من نطاقها فأوكت به الجراب، - فلذلك كانت تسمى ذات النطاقين - ولحق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور، فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد اللّه بن أبي بكر وهو غلام شاب لقن ثقف، فيخرج من عندهما سحرا فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمر يكاد أن به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى لأبي بكر منيحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب بغلس ساعة من الليل، فيبيتان في رسلهما حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث. واستأجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلا من بني الديل، ثم من بني عبد بن عدي هاديا خريتا - والخريت الماهر بالهداية - قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل وهو على دين كفار قريش، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلاث ليال فارتحلا، فانطل معهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر والدليل الديلي، فأخذ بهم طريقا آخر وهو طريق الساحل قال الزهري: أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن حعشم: إن أباه أخبره أنه سمع سراقة يقول: جاءتنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر رضي اللّه عنه دية كل واحد منهما لمن قتلهما أو أسرهما. فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا فقال: يا سراقة إني رأيت آنفا أسودة بالساحل لا أراها إلا محمدا وأصحابه! قال سراقة: فعرفت أنهم هم. فقلت: إنهم ليسوا بهم ولكن رأيت فلانا وفلانا انطلقوا، ثم لبثت في المجلس حتى قمت فدخلت بيتي وأمرت جاريتي أن تخرج لي فرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها علي، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت، فخططت برمحي الأرض وخفضت عالية الرمح حتى أتيت فرسي، فركبتها ودفعتها تقرب بي حتى رأيت أسودتهما، فلما دنوت منهم حيث يسمعهم الصوت عثرت بي فرسي، فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا فخرج الذي أكره أن لا أضرهم، فركبت فرسي وعصيت الأزلام حتى إذا سمعت قرأءة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر رضي اللّه عنه يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغت الركبتين، فخررت عنها فجررتها فنهضت فلم تكد تخرج يداها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء من الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره أن لا أضرهم، فناديتهم بالأمان فوقف وركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أنه سيظهر أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم من أخبار سفرهم وما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني شيئا ولم يسألاني إلا أن أخف عنا، فسألته أن يكتب لي كتابا موادعة آمن به، فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أديم ثم مضى. قال الزهري: وأخبرني عروة بن الزبير أنه لقي الزبير وركبا من المسلمين كانوا تجارا بالشام قابلين إلى مكة، فعرفوا النبي صلى اللّه عليه وسلم وأبا بكر فكساهم ثياب بيض، وسمع المسلمون بالمدينة بخروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يؤذيهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظاره، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود أطما من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فنادى بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون. فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى أتوه بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف بقباء، وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول، فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر رضي اللّه عنه يذكر الناس، وجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صامتا، وطفق من جاء من الأنصار ممن لم يكن رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحسبه أبا بكر حتى أصابت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الشمس، فأقبل أبو بكر رضي اللّه عنه حتى ظلل عليه برادئه، فعرف الناس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند ذلك. فلبث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وابتنى المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه، ثم ركب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم راحلته فسار، ومشى الناس حتى بركت به عند مسجد رسول اللّه بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل غلامين يتمين أخوين في حجر أبي أمامة أسعد بن زرارة من بني النجار، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين بركت به راحلته"هذا المنزل إن شاء اللّه، ثم دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد يتخذه مسجدا. فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول اللّه. فأبى النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يقبله منهما حتى ابتاعه منهما وبناه مسجدا، وطفق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنائه وهو يقول: هذا الجمال لا جمال خيبر * هذا أبر ربنا وأطهر إن الأجر أجر الآخرة * فارحم الأنصار والمهاجرة ويتمثل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي، قال ابن شهاب: ولم يبلغني في الأحاديث أن النبي صلى اللّه عليه وسلم تمثل ببيت من الشعر تاما غير هؤلاء الأبيات ولكن يرجزهم لبناء المسجد. فلما قاتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كفار قريش حالت الحرب بين مهاجري أرض الحبشة وبين القدوم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى لقوه بالمدينة زمن الخندق، فكانت أسماء بنت عميس تحدث: أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كان يعيرهم بالمكث في أرض الحبشة، فذكرت ذلك أسماء لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال رسول اللّه: لستم كذلك، وكانت أول آية أنزلت في القتال (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) (الحج آية ٣٩) حتى بلغ (لقوي عزيز) ". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري عن أنس رضي اللّه عنه قال: أقبل النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة وهو يردف أبا بكر رضي اللّه عنه، وهو شيخ يعرف والنبي لا يعرف، فكانوا يقولون: يا أبا بكر من هذا الغلام بين يديك؟ فيقول: هاد يهديني السبيل. قال: فلما دنونا من المدينة نزلنا الحرة، وبعث إلى الأنصار فجاءوا قال: فشهدته يوم دخل المدينة، فما رأيت يوما كان أحسن منه وما رأيت يوما كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه النبي صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن عبد البر في التمهيد عن كثير بن فرقد "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين خرج مهاجرا إلى المدينة ومعه أبو بكر رضي اللّه عنه، أتى براحلة أبي بكر فسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يركب ويردفه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"بل أنت راكب وأردفك أنا فإن الرجل أحق بصدر دابته "فلما خرجا لقيا في الطريق سراقة بن جعشم - وكان أبو بكر رضي اللّه عنه لا يكذب - فسأله من الرجل؟ قال: باغ. قال: فما الذي وراءك؟ قال: هاد. قال: أحسست محمدا! قال: هو ورائي. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {فأنزل اللّه سكينته عليه} قال: على أبي بكر رضي اللّه عنه لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم تزل السكينة معه. وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: دخل النبي صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر غار حراء، فقال أبو بكر للنبي صلى اللّه عليه وسلم: لو أن أحدهم يبصر موقع قدمه لأبصرني وإياك. فقال "ما ظنك باثنين اللّه ثالثهما؟ يا أبا بكر إن اللّه أنزل سكينته عليك وأيدني بجنود لم تروها". وأخرج الخطيب في تاريخه عن حبيب بن أبي ثابت رضي اللّه عنه {فأنزل اللّه سكينته عليه} قال: على أبي بكر رضي اللّه عنه، فأما النبي صلى اللّه عليه وسلم فقد كانت عليه السكينة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {وجعل كلمة الذين كفروا السفلى} قال: هي الشرك {وكلمة اللّه هي العليا} قال: لا إله إلا اللّه. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك. مثله. وأخرج البخاريي ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن مردويه عن أبي موسى رضي اللّه عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل اللّه؟ قال "من قاتل لتكون كلمة اللّه هي العليا فهو في سبيل اللّه تعالى". ٤١ وأخرج الفريابي وأبو الشيخ عن أبي الضحى رضي اللّه عنه قال: أول ما نزل من براءة {انفروا خفافا وثقالا} ثم نزل أولها وآخرها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي مالك رضي اللّه عنه قال: أول شيء نزل من براءة {انفروا خفافا وثقالا} ثم نزل أولها وآخرها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي مالك رضي اللّه عنه قال: أول شيء نزل من براءة {انفروا خفافا وثقالا}. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {انفروا خفافا وثقالا} قال: نشاطا وغير نشاط. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم في قوله {انفروا خفافا وثقالا} قال: مشاغيل وغير مشاغيل. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي اللّه عنه في قوله {انفروا خفافا وثقالا} قال: في العسر واليسر. وأخرج ابن المنذر عن زيد بن أسلم رضي اللّه عنه في قوله {خفافا وثقالا} قال: فتيانا وكهولا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عكرمة في قوله {خفافا وثقالا} قال: شبابا وشيوخا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه قال: قالوا: إن فينا الثقيل وذا الحاجة والصنعة والشغل والمنتشر به أمره في ذلك، فأنزل اللّه {انفروا خفافا وثقالا} وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافا وثقالا وعلى ما كان منهم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي اللّه عنه قال: جاء رجل زعموا أنه المقداد وكان عظيما سمينا، فشكا إليه وسأله أن يأذن له فأبى، فنزلت يومئذ فيه {انفروا خفافا وثقالا} فلما نزلت هذه الآية اشتد على الناس شأنها، فنسخها اللّه فقال (ليس على الضعفاء ولا على المرضى) (التوبة:٩١) الآية. وأخرج ابن جرير عن حضرمي قال: ذكر لنا أن أناسا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلا أو كبير فيقول: إني لا آثم، فأنزل اللّه {انفروا خفافا وثقالا} الآية. وأخرج ابن سعد وابن أبي عمر العدني في مسنده وعبد اللّه بن أحمد في زوائد الزهد وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس بن مالك. أنا أبا طلحة قرأ سورة براءة، فأتى على هذه الآية {انفروا خفافا وثقالا} قال: أرى ربنا يستنفرنا شيوخا وشبابا. وفي لفظ فقال: ما أسمع اللّه عذر أحد أجهزوني. قال بنوه: يرحمك اللّه تعالى قد غزوت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى مات، وغزوت مع أبي بكر حتى مات وغزوت مع عمر رضي اللّه عنه حتى مات، فنحن نغزو عنك. فأبى فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد تسعة أيام، فلم يتغير فدفنوه فيها. وأخرج ابن سعد والحاكم عن ابن سيرين رضي اللّه عنه قال: شهد أبو أيوب رضي اللّه عنه بدرا ثم لم يتخلف عن غزوة للمسلمين إلا عاما واحدا، وكان يقول: قال اللّه {انفروا خفافا وثقالا} فلا أجدني إلا خفيفا وثقيلا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أبي راشد الحبراني قال: رأيت المقداد فارس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بحمص يريد الغزو فقلت: لقد أعذر اللّه تعالى إليك. قال: أبت علينا سورة التحوب {انفروا خفافا وثقالا} يعني سورة التوبة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي يزيد المديني قال: كان أبو أيوب الأنصاري والمقداد بن الأسود يقولان: أمرنا أن تنفر على كل حال، ويتأولان قوله تعالى {انفروا خفافا وثقالا}. ٤٢ وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قيل له: ألا تغزو بني الأصفر لعلك أن تصيب ابنة عظيم الروم؟ فقال رجلان: قد علمت يا رسول اللّه أن النساء فتنة فلا تفتنا بهن فأذن لنا. فأذن لهما، فلما انطلقا قال أحدهما: إن هو الأشحمة لأول آكل، فسار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم ينزل عليه في ذلك شيء، فلما كان ببعض الطريق نزل عليه وهو على بعض المياه {لو كان عرضا قريبا وسفر قاصدا لاتبعوك} ونزل عليه (عفا اللّه عنك لم أذنت لهم) (التوبة ٤٣) ونزل عليه (لا يستأذنك الذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر) (التوبة ٤٣) ونزل عليهم (إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون) (التوبة ٩٥). وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما {لو كان عرضا قريبا} قال: غنيمة قريبة {ولكن بعدت عليهم الشقة} قال: المسير. وأخرجه ابن أبي حاتم عن السدي رضي اللّه عنه في قوله {لو كان عرضا قريبا} يقول: دنيا يطلبونها {وسفرا قاصدا} يقول: قريبا. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {واللّه يعلم إنهم لكاذبون} قال: لقد كانوا يستطيعون الخروج ولكن كان تبطئة من عند أنفسهم وزهادة في الجهاد. ٤٣ أخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير عن عمرو بن ميمون الأودي رضي اللّه عنه قال: اثنتان فعلهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يؤمر فيهما بشيء أذنه للمنافقين وأخذه من الأسارى، فأنزل اللّه {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم} الآية. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مورق العجلي رضي اللّه عنه قال: سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا، بدأ بالعفو قبل المعاتبة فقال {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم}. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم} قال: ناس قالوا: استأذنوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا. وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم...} الآيات الثلاث. قال: نسختها (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم) (النور ٦٢). وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم...} الآية. قال: ثم أنزل اللّه بعد ذلك في سورة النور (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم). ٤٤ انظر تفسير الآية:٤٥ ٤٥ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {لا يستأذنك الذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر} الآيتين. قال: هذا تفسير للمنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد بغير عذر، وعذر اللّه المؤمنين فقال (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم). وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {لا يستأذنك الذين يؤمنون باللّه...} الآيتين. قال: نسختها الآية التي في سورة النور (إنما المؤمنون الذي آمنوا باللّه ورسوله) (النور ٦٢) إلى (إن اللّه غفور رحيم) فجعل اللّه النبي صلى اللّه عليه وسلم بأعلى النظرين في ذلك، من غزا غزا في فضيلة ومن قعد قعد في غير حرج إن شاء اللّه. ٤٦ انظر تفسير الآية:٤٨ ٤٧ انظر تفسير الآية:٤٨ ٤٨ أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي اللّه عنه في قوله {ولكن كره اللّه انبعاثهم} قال: خروجهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {فثبطهم} قال: حبسهم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا} قال: هؤلاء المنافقون في غزوة تبوك، سأل اللّه عنها نبيه والمؤمنين فقال: ما يحزنكم {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا} يقول: جمع لكم وفعل وفعل يخذلونكم. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {ولأوضعوا خلالكم} قال: لأسرعوا بينكم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ولأوضعوا خلالكم} قال: لأرفضوا {يبغونكم الفتنة} قال: يبطئنكم عبد اللّه بن نبتل، وعبد اللّه بن أبي بن سلول، ورفاعة بن تابوت، وأوس بن قيظي {وفيكم سماعون لهم} قال: محدثون بأحاديثهم غير منافقين، هم عيون للمنافقين. وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {وفيكم سماعون لهم} قال: مبلغون. وأخرج ابن إسحق وابن المنذر عن الحسن البصري قال: كان عبد اللّه بن أبي، وعبد اللّه بن نبتل، ورفاعة بن زيد بن تابوت، من عظماء المنافقين وكانوا ممن يكيد الإسلام وأهله، وفيهم أنزل اللّه تعالى {لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور} إلى آخر الآية. ٤٩ أخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال "لما أراد النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يخرج إلى غزوة تبوك قال لجد بن قيس: ما تقول في مجاهدة بني الأصفر؟ فقال: إني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن أفتن فائذن لي ولا تفتني، فأنزل اللّه {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} الآية". وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول لجد بن قيس: يا جد هل لك في جلاد بني الأصفر؟ قال جد: أتأذن لي يا رسول اللّه؟ فإني رجل أحب النساء، وإني أخشى إن أنا رأيت نساء بني الأصفر أن أفتتن. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو معرض عنه: قد أذنت لك. فأنزل اللّه {ومنهم من يقول ائذن لي...} الآية ". وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: اغزوا تغنموا بنات بني الأصفر. فقال ناس من المنافقين: إنه ليفتنكم بالنساء. فأنزل اللّه {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} ". وأخرج ابن مردويه عن عائشة {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} قال: نزلت في الجد بن قيس، قال: يا محمد ائذن لي ولا تفتني بنساء بني الأصفر. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر نساء الروم. فقالوا: ائذن لنا ولا تفتنا بالنساء". وأخرج ابن إسحق وابن المنذر والبيهقي في الدلائل من طريقه عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد اللّه بن أبي بكر بن حزم "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قلما كان يخرج في وجه من مغازيه إلا أظهر أنه يريد غيره، غير أنه في غزوة تبوك قال: "أيها الناس إني أريد الروم فأعلمهم، وذلك في زمان البأس وشدة من الحر وجدب البلاد، وحين طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص عنها، فبينما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم في جهازه إذ قال للجد بن قيس: يا جد هل لك في بنات بني الأصفر؟ قال: يا رسول اللّه لقد علم قومي أنه ليس أحد أشد عجبا بالنساء مني، وإني أخاف إن رأيت نساء بني الأصفر أن يفتنني فأذن لي يا رسول اللّه. فأعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال: قد أذنت. فأنزل اللّه {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا} يقول: ما وقع فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورغبته بنفسه عن نفسه أعظم مما يخاف من فتنة نساء بني الأصفر {وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} يقول: من ورائه. وقال رجل من المنافقين (لا تنفروا في الحر) فأنزل اللّه (قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون) (التوبة: ٨١) قال: ثم إن رسول اللّه جد في سفره وأمر الناس بالجهاز، وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل اللّه، فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا، وأنفق عثمان رضي عنه في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد أعظم منها وحمل على مائتي بعير". وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة وموسى بن عقبة قالا "ثم إن رسول اللّه تجهز غازيا يريد الشام فأذن في الناس بالخروج وأمرهم به، وكان ذلك في حر شديد ليالي الخريف والناس في نخيلهم خارفون، فأبطأ عنه ناس كثير وقالوا: الروم لا طاقة بهم. فخرج أهل الحسب وتخلف المنافقون، وحدثوا أنفسهم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يرجع إليهم أبدا، فاعتلوا وثبطوا من أطاعهم وتخلف عنه رجال من المسلمين بأمر كان لهم فيه عذر، منهم السقيم والمعسر، وجاء ستة نفر كلهم معسر يستحملونه لا يحبون التخلف عنه، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لا أجد ما أحملكم عليه. فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون، منهم من بني سلمة، عمر بن غنمة، ومن بني مازن ابن النجار أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، ومن بني حارث علية بن زيد ومن بني عمرو بن عوف بن سالم بن عمير، وهرم بن عبد اللّه، وهم يدعون بني البكاء، وعبد اللّه بن عمر، ورجل من بني مزينة، فهؤلاء الذين بكوا واطلع اللّه عز وجل أنهم يحبون الجهاد، وأنه الجد من أنفسهم، فعذرهم في القرآن فقال (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا للّه ورسوله) (التوبة:٩١) الآية والآيتين بعدها. وأتاه الجد بن قيس السلمي وهو في المسجد معه نفر فقال: يا رسول اللّه ائذن لي في القعود فإني ذو ضيعة وعلة فيها عذر لي. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: تجهز فإنك موسر لعلك أن تحقب بعض بنات بني الأصفر. فقال: يا رسول اللّه ائذن لي ولا تفتني. فنزلت {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} وخمس آيات معها يتبع بعضها بعضا، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنون معه، كان فيمن تخلف عنه غنمة بن وديعة من بني عمرو بن عوف، فقيل: ما خلفك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأنت مسلم؟ فقال: الخوض واللعب. فأنزل اللّه عز وجل فيه وفيمن تخلف من المنافقين (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) (التوبة:٦٥) ثلاث آيات متتابعات". وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: لما أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يغزو تبوك قال "نغزو الروم إن شاء اللّه ونصيب بنات بني الأصفر - كان يذكر من حسنهن ليرغب المسلمون في الجهاد - فقام رجل من المنافقين فقال: يا رسول اللّه قد علمت حبي للنساء فائذن لي ولا تخرجني، فنزلت الآية". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تفتني} قال: لا تخرجني {ألا في الفتنة سقطوا} يعني في الحرج. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {ولا تفتني} قال: لا تؤثمني {ألا في الفتنة} قال: ألا في الإثم سقطوا. ٥٠ وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد اللّه قال: جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة يخبرون عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبار السوء يقولون: إن محمدا وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا، فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية النبي وأصحابه، فساءهم ذلك، فأنزل اللّه تعالى {إن تصبك حسنة تسؤهم} الآية. وأخرج سنيد وابن جرير عن ابن عباس {إن تصبك حسنة تسؤهم} يقول: إن تصبك في سفرك هذا لغزوة تبوك {حسنة تسؤهم} قال: الجد وأصحابه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {إن تصبك حسنة تسؤهم} قال: العافية والرخاء والغنيمة {وإن تصبك مصيبة} قال: البلاء والشدة {يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل} قد حذرنا. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي اللّه عنه في قوله {إن تصبك حسنة تسؤهم} قال: إن أظفرك اللّه وردك سالما ساءهم ذلك {وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا} في القعود من قبل أن تصيبهم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {إن تصبك حسنة تسؤهم} قال: إن كان فتح للمسلمين كبر ذلك عليهم وساءهم. ٥١ أخرج أبو الشيخ عن السدي {قل لن يصيبنا إلا ما كتب اللّه لنا} قال: إلا ما قضى اللّه لنا. وأخرج ابن أبي حاتم عن مسلم بن يسار رضي اللّه عنه قال: الكلام في القدر واديان عريضان يهلك الناس فيهما لا يدرك عرضهما، فاعمل عمل رجل يعلم أنه لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب اللّه له. وأخرج أبو الشيخ عن مطرف رضي اللّه عنه قال: ليس لأحد أن يصعد فوق بيت فيلقي نفسه ثم يقول: قدر لي. ولكن نتقي ونحذر، فإن أصابنا شيء علمنا أنه لن يصيبنا إلا ما كتب اللّه لنا. وأخرج أحمد عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه". ٥٢ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} قال: فتح أو شهادة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {إلا إحدى الحسنيين} قال: إلا فتحا أو قتلا في سبيل اللّه. وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي من طريق سعد بن إسحق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده بينما النبي صلى اللّه عليه وسلم بالروحاء إذ هبط عليه أعرابي من سرب فقال: من القوم وأين تريدون؟ قال: قوم بدوا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم. قال: ما لي أراكم بذة هيئتكم قليلا سلاحكم؟ قال: ننتظر إحدى الحسنيين، إما أن نقتل فالجنة وإما أن نغلب فيجمعهما اللّه تعالى لنا الظفر والجنة. قال: أين نبيكم؟ قالوا: ها هو ذا. فقال له: يا نبي اللّه ليست لي مصلحة آخذ مصلحي ثم ألحق؟ قال "اذهب إلى أهلك فخذ مصلحتك فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر وخرج الرجل إلى أهله حتى فرغ من حاجته ثم لحق بهم ببدر، فدخل في الصف معهم فاقتتل الناس فكان فيمن استشهد، فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد أن انتصر فمر بين ظهراني الشهداء ومعه عمر رضي اللّه عنه، فقال: ها يا عمر إنك تحب الحديث، وإن للشهداء سادة وأشرافا وملوكا، وإن هذا يا عمر منهم". وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي اللّه عنه في قوله {ونحن نتربص بكم أن يصيبكم اللّه بعذاب من عنده أو بأيدينا} قال: القتل بالسيوف. ٥٣ انظر تفسير الآية:٥٤ ٥٤ أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال الجد بن قيس: إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن ولكن أعينك بمالي. قال: ففيه نزلت {قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم} قال: لقوله أعينك بمالي. ٥٥ أخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد اللّه ليعذبهم بها} في الآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي اللّه عنه في قوله {إنما يريد اللّه ليعذبهم بها في الحياة الدنيا} قال: بالمصائب فيهم، هي لهم عذاب وللمؤمنين أجر. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم} قال: هذه من مقاديم الكلام يقول: لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد اللّه ليعذبهم بها في الآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي اللّه عنه في قوله {وتزهق أنفسهم وهم كافرون} قال: تزهق أنفسهم في الحياة الدنيا {وهم كافرون} قال: هذه آية فيها تقديم وتأخير. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي اللّه عنه في قوله {فلا تعجبك} يقول: لا يغررك {وتزهق} قال: تخرج أنفسهم من الدنيا {وهم كافرون}. ٥٦ انظر تفسير الآية:٥٧ ٥٧ أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي اللّه عنه في قوله {ويحلفون باللّه إنهم لمنكم...} الآية. قال: إنما يحلفون باللّه تقية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {لو يجدون ملجأ...} الآية. قال: الملجأ الحرز في الجبال، والغارات الغيران في الجبال، والمدخل السرب. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا} يقول: محرزا لهم يفرون إليه منكم {لولوا إليه} قال: لفروا إليه منكم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي اللّه عنه في قوله {وهم يجمحون} قال: يسرعون. ٥٨ انظر تفسير الآية:٥٩ ٥٩ وأخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال "بينما النبي صلى اللّه عليه وسلم يقسم قسما إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول اللّه. فقال: ويلك ومن العدل إذا لم أعدل؟! فقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: يا رسول اللّه ائذن لي فيه فاضرب عنقه. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في نضيه فلا يرى فيه شيء، ثم ينظر في رصافه فلا يرى فيه شيء ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى يديه - أو قال ثدييه - مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة، تدردر يخرجون على حين فرقة من الناس قال: فنزلت فيهم {ومنهم من يلمزك في الصدقات...} الآية قال أبو سعيد: أشهد أني سمعت هذا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأشهد أن عليا حين قتلهم وأنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ومنهم من يلمزك بالصدقات} قال: يطعن عليك. وأخرج سنيد وابن جرير عن داود بن أبي عاصم قال: أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم بصدقة فقسمها ههنا وههنا حتى ذهبت، ورآه رجل من الأنصار فقال: ما هذا بالعدل؟ فنزلت هذه الآية. وأخرج أبو الشيخ عن إياد بن لقيط. أنه قرأ {وإن لم يعطوا منها إذا هم ساخطون}. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: لما قسم النبي صلى اللّه عليه وسلم غنائم حنين سمعت رجلا يقول: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه اللّه. فأتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال "رحمة اللّه على موسى قد أؤذي بأكثر من هذا فصبر" ونزل {ومنهم من يلمزك بالصدقات}. ٦٠ وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر قال "جاء أعرابي إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فسأله وهو يقسم قسما، فأعرض عنه وجعل يقسم قال: أتعطي رعاء الشاء؟ واللّه ما عدلت. فقال: ويحك...! من يعدل إذا أنا لم أعدل؟ فأنزل اللّه هذه الآية {إنما الصدقات للفقراء...} الآية". وأخرج أبو داود والبغوي في معجمه والطبراني والدارقطني وضعفه عن زياد بن الحارث الصدائي قال: قال رجل "يا رسول اللّه أعطني من الصدقة. فقال: إن اللّه لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك". وأخرج ابن سعد عن زياد بن الحرث الصدائي قال: بينا أنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ جاء قوم يشكون عاملهم، ثم قالوا: يا رسول اللّه آخذنا بشيء كان بيننا وبينه في الجاهلية، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"لا خير للمؤمن في الأمارة، ثم قام رجل فقال: يا رسول اللّه أعطني من الصدقة. فقال: إن اللّه لم يكل قسمها إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل حتى أجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت جزأ منها أعطيتك وإن كنت غنيا عنها فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن". وأخرج سعيد بن منصور والطبراني وابن مردويه عن موسى بن يزيد الكندي قال: كان ابن مسعود يقرئ رجلا، فقرأ {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} مرسلة، فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها النبي صلى اللّه عليه وسلم. فقال: وكيف أقرأكها؟ قال: أقرأنيها {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} فمدها. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نسخت هذه الآية كل صدقة في القرآن قوله (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) (الإسراء: ٢٦) وقوله (إن تبدوا الصدقات) (البقرة:٢٧١) وقوله (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) (الذاريات:١٩). وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إنما الصدقات للفقراء والمساكين...} الآية. قال: إنما هذا شيء أعلمه اللّه إياه لهم، فأيما أعطيت صنفا منها أجزاك. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ عن حذيفة في قوله {إنما الصدقات للفقراء...} الآية. قال: إن شئت جعلتها في صنف واحد من الأصناف الثمانية الذين سمى اللّه أو صنفين أو ثلاثة. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي العالية قال: لا بأس أن تجعلها في صنف واحد مما قال اللّه. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن الحسن وعطاء وإبراهيم وسعيد بن جبير. مثله. وأخرج ابن المنذر والنحاس عن ابن عباس قال: الفقراء فقراء المسلمين، والمساكين الطوافون. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ عن قتادة قال: الفقير الذي به زمانة، والمسكين المحتاج الذي ليس به زمانة. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب. أنه مر برجل من أهل الكتاب مطروح على باب فقال: استكدوني وأخذوا مني الجزية حتى كف بصري، فليس أحد يعود علي بشيء. فقال عمر: ما أنصفنا إذا، ثم قال: هذا من الذين قال اللّه {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} ثم أمر له أن يرزق ويجري عليه. وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر في قوله {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} قال: هم زمني أهل الكتاب. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: لا يعطي المشركون من الزكاة ولا من شيء من الكفارات. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: ليس بفقير من جمع الدرهم إلى الدرهم ولا التمرة إلى التمرة، إنما الفقير من أنقي ثوبه ونفسه لا يقدر على غنى (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) (البقرة:٢٧٣). وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر بن زيد قال: الفقراء المتعففون، والمساكين الذين يسألون. وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري. أنه سئل عن هذه الآية فقال: الفقراء الذين في بيوتهم ولا يسألون، والمساكين الذي يخرجون فيسألون. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الفقير، الرجل يكون فقيرا وهو بين ظهري قومه وعشيرته وذوي قرابته وليس له مال، والمسكين الذي لا عشيرة له ولا قرابة ولا رحم وليس له مال. وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك في الآية قال: الفقراء الذين هاجروا، والمساكين الذين لم يهاجروا. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: يعطي من الزكاة من له الدار والخادم والفرس. وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم رضي اللّه عنه قال: كانوا لا يمنعون الزكاة من له البيت والخادم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {والعاملين عليها} قال: السعاة أصحاب الصدقة. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الضحاك رضي اللّه عنه قال: يعطي كل عامل بقدر عمله. وأخرج ابن أبي شيبة عن رافع بن خديج رضي اللّه عنه"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: العامل على الصدقة بالحق كالغازي حتى يرجع إلى بيته". وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {والمؤلفة قلوبهم} قال: هم قوم كانوا يأتون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أسلموا، وكان يرضخ لهم من الصدقات، فإذا أعطاهم من الصدقة فأصابوا منها خيرا قالوا: هذا دين صالح، وإن كان غير ذلك، عابوه وتركوه. وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال "بعث علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه من اليمن إلى النبي بذهيبة فيها تربتها، فقسمها بين أربعة من المؤلفة: الأقرع بن حايس الحنظلي، وعلقمة بن علاثة العامري، وعينية بن بدر الفزاري، وزيد الخيل الطائي. فقالت قريش والأنصار: أيقسم بين صناديد أهل نجد ويدعنا؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: إنما أتألفهم". وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن يحيى بن أبي كثير رضي اللّه عنه قال "المؤلفة قلوبهم: من بني هاشم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ومن بني أمية أبو سفيان بن حرب ومن بني مخزوم الحارث بن هشام وعبد الرحمن بن يربوع، ومن بني أسد حكيم بن حزام، ومن بني عامر سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزي، ومن بني جمح صفوان بن أمية، ومن بني سهم عدي بن قيس، ومن ثقيف العلاء بن حارثة أو حارثة، ومن بني فزارة عينية بن حصن، ومن بني تميم الأقرع بن حابس، ومن بني نصر مالك بن عوف، ومن بني سليم العباس بن مرداس. أعطى النبي صلى اللّه عليه وسلم كل رجل منهم مائة ناقة مائة ناقة إلا عبد الرحمن بن يربوع وحويطب بن عبد العزى، فإنه أعطى كل واحد منهما خمسين". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي اللّه عنه قال: المؤلفة قلوبهم الذين يدخلون في الإسلام إلى يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك قال: المؤلفة قلوبهم قوم من وجوه العرب، يقدمون عليه فينفق عليهم منها ما داموا حتى يسلموا أو يرجعوا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن جبير قال: ليس اليوم مؤلفة قلوبهم. وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي رضي اللّه عنه قال: ليست اليوم مؤلفة قلوبهم، إنما كان رجال يتألفهم النبي صلى اللّه عليه وسلم، فلما أن كان أبو بكر رضي اللّه عنه قطع الرشا في الإسلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيدة السلماني قال: جاء عينية بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر فقالا: يا خليفة رسول اللّه إن عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة، فإن رأيت أن تعطيناها لعلنا نحرثها ونزرعها ولعل اللّه أن ينفع بها. فأقطعهما إياها وكتب لهما بذلك كتابا وأشهد لهما، فانطلقا إلى عمر ليشهداه على ما فيه، فلما قرأ على عمر ما في الكتاب تناوله من أيديهما فتفل فيه فمجاه، فتذمرا وقالا له مقالة سيئة، فقال عمر: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يتألفهما والإسلام يومئذ قليل، وإن اللّه قد أعز الإسلام فاذهبا فاجهد جهدكما لا أرعى اللّه عليكما إن أرعيتما. وأخرج ابن سعد عن أبي وائل. أنه قيل له: ما أصنع بنصيب المؤلفة؟ قال: زده على الآخرين. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله {وفي الرقاب} قال: هم المكاتبون. وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم النخعي قال: لا يعتق من الزكاة رقبة تامة ويعطى في رقبة، ولا بأس بأن يعين به مكاتبا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز قال: سهم الرقاب نصفان، نصف لكل مكاتب ممن يدعي الإسلام، والنصف الباقي يشترى به رقاب ممن صلى وصام وقدم إسلامه من ذكر أو أنثى يعتقون للّه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس. أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل من زكاته في الحج، وأن يعتق منها رقبة. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: أعتق من زكاة مالك. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن الحسن: أنه كان لا يرى بأسا أن يشتري الرجل من زكاة ماله نسمة فيعتقها. وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر عن إبراهيم النخعي قال: يعان فيها الرقبة ولا يعتق منها. وأخرج أبو عبيد و ابن أبي شيبة وابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي اللّه عنه قال: لا تعتق من زكاة مالك فإنه يجر الولاء. قال أبو عبيد: قول ابن عباس أعلى ما جاءنا في هذا الباب، وهو أولى بالإتباع وأعلم بالتأويل، وقد وافقه عليه كثير من أهل العلم. وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري. أنه سئل عن الغارمين. قال: أصحاب الدين، وابن السبيل وإن كان غنيا. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {والغارمين} قال: من احترق بيته، وذهب السيل بماله، وادان على عياله. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي جعفر في قوله {والغارمين} قال: المستدينين في غير فساد {وابن السبيل} قال: المجتاز من أرض إلى أرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله {والغارمين} قال: هو الذي يسأل في دم أو جائحة تصيبه {وفي سبيل اللّه} قال: هم المجاهدون {وابن السبيل} قال: المنقطع به يعطي قدر ما يبلغه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله {وفي سبيل اللّه} قال: الغازي في سبيل اللّه {وابن السبيل} قال: المسافر. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ابن السبيل هو قال: الغازي في سبيل اللّه {وابن السبيل} قال: المسافر. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ابن السبيل هو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين. وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك في رجل سافر وهو غني، فنفد ما معه في سفره فاحتاج قال: يعطى من الصدقة في سفره لأنه ابن سبيل. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وفي سبيل اللّه} قال: حمل الرجل في سبيل اللّه من الصدقة {وابن السبيل} قال: هو الضيف والمسافر إذا قطع به وليس له شيء {فريضة من اللّه واللّه عليم حكيم} قال: ثمانية أسهم فرضهن اللّه وأعلمهن. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل اللّه، أو مسكين تصدق عليه فأهدى منها الغني". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة والنحاس في ناسخه عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشا أو كدوحا. قالوا: يا رسول اللّه وماذا يغنيه؟ قال: خمسون درهم، أو قيمتها من الذهب". وأخرج أبو الشيخ عن عبد اللّه بن عمر. أنه سئل عن مال الصدقة فقال: شر مال، إنما هو مال الكسحان والعرجان والعميان وكل منقطع به. قيل: فإن للعاملين عليها حقا، وللمجاهدين في سبيل اللّه. قال: أما العاملون فلهم بقدر عمالتهم، وأما المجاهدون في سبيل اللّه فقوم أحل لهم أن الصدقة لا تحل لغني، ولا لذي مرة سوى. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال "فرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الصدقة في ثمانية أسهم. ففرض في الذهب، والورق، والإبل، والبقر، والغنم، والزرع، والكرم، والنخل، ثم توضع في ثمانية أسهم. في أهل هذه الآية {إنما الصدقات للفقراء...} الآية كلها".
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: خففوا على المسلمين في خرصكم فإن فيه العرايا، وفيه الوصايا، فأما العرايا فالنخلة والثلاث والأربع وأقل من ذلك وأكثر، يمنحها الرجل أخاه ثمرتها فيأكلها هو وعياله، وأما الوصايا فثمانية أسهم {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} إلى قوله {واللّه عليم حكيم}. وأخرج أحمد عن رجل من بني هلال قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"لا تحل الصدقة لغني، ولا ذي مرة سوى". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي عن عبد اللّه بن عمر عن النبي قال "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوى". وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي عن عبيد اللّه بن عدي بن الخيار قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى اللّه عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها. فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين، فقال: إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب". ٦١ وأخرج ابن إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كان نبتل بن الحرث يأتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيجلس إليه فيسمع منه ثم ينقل حديثه إلى المنافقين، وهو الذي قال لهم: إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه، فأنزل اللّه فيه {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن} الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: اجتمع ناس من المنافقين فيهم جلاس بن سويد بن صامت، وجحش بن حمير، ووديعة بن ثابت، فأرادوا أن يقعوا في النبي صلى اللّه عليه وسلم، فنهى بعضهم بعضا وقالوا: إنا نخاف أن يبلغ محمد فيقع بكم، وقال بعضهم: إنما محمد أذن نحلف له فيصدقنا. فنزل {ومنهم الذين يؤذون النبي} الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {ويقولون هو أذن} يعني أنه يسمع من كل أحد. قال اللّه عز وجل {قل أذن خير لكم يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين} يعني يصدق باللّه ويصدق المؤمنين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {ويقولون هو أذن} أي يسمع ما يقال له. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه {ويقولون هو أذن} يقولون: سنقول له ما شئنا ثم نحلف له فيصدقنا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء رضي اللّه عنه قال: الأذن الذي يسمع من كل أحد ويصدقه. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي اللّه عنه في قوله {يؤمن باللّه} قال: يصدق اللّه بما أنزل إليه {ويؤمن للمؤمنين} يصدق المؤمنين فيما بينهم في شهاداتهم وأيمانهم على حقوقهم وفروجهم وأموالهم. وأخرج الطبراني وابن عساكر وابن مردويه عن عمير بن سعد قال: في أنزلت هذه الآية {ويقولون هو أذن} وذلك أن عمير بن سعد كان يسمع أحاديث أهل المدينة فيأتي النبي صلى اللّه عليه وسلم فيساره حتى كانوا يتأذون بعمير بن سعد، وكرهوا مجالسته وقالوا {هو أذن} واللّه أعلم. ٦٢ أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي اللّه عنه قال: ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال: واللّه إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا، وإن كان ما يقول محمد حقا لهم أشر من حمير. فسمعها رجل من المسلمين فقال: واللّه ما يقول محمد لحق ولأنت أشر من الحمار. فسعى بها الرجل إلى نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبره، فأرسل إلى الرجل فدعاه فقال: ما حملك على الذي قلت؟ فجعل يلتعن ويحلف باللّه ما قال ذلك، وجعل الرجل المسلم يقول: اللّهم صدق الصادق وكذب الكاذب، فأنزل اللّه تعالى في ذلك {يحلفون باللّه لكم ليرضوكم...} الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي اللّه عنه. مثله، وسمى الرجل المسلم عامر بن قيس من الأنصار. ٦٣ وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي اللّه عنه {ألم يعلموا أنه من يحادد اللّه ورسوله} قال: يعادي اللّه ورسوله. وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن هرون قال: خطب أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه فقال في خطبته: يؤتى بعبد قد أنعم اللّه عليه وبسط له في الرزق، قد أصح بدنه وقد كفر نعمة ربه، فيوقف بين يدي اللّه تعالى فيقال له: ماذا عملت ليومك هذا وما قدمت لنفسك؟ فلا يجده قدم خيرا، فيبكي حتى تنفد الدموع ثم يعير ويخزى بما ضيع من طاعة اللّه، فيبكي الدم ثم يعير ويخزى حتى يأكل يديه إلى مرفقيه، ثم يعير ويخزى بما ضيع من طاعة اللّه فينتحب حتى تسقط حدقتاه على وجنتيه وكل واحد منهما فرسخ في فرسخ، ثم يعير ويخزى حتى يقول: يا رب ابعثني إلى النار وارحمني من مقامي هذا. وذلك قوله {أنه من يحادد اللّه ورسوله فأن له نار جهنم} إلى قوله {العظيم}. ٦٤ أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم} قال: يقولون القول فيما بينهم ثم يقولون عسى اللّه أن لا يفشي علينا هذا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه قال: كانت هذه السورة تسمى الفاضحة فاضحة المنافقين، وكان يقال لها المثيرة، أنبأت بمثالبهم وعوراتهم. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وأبو الشيخ عن المسيب بن رافع رضي اللّه عنه قال: ما عمل رجل من حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها اللّه، ولا عمل رجل من سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها اللّه، وتصديق ذلك كلام اللّه تعالى {إن اللّه مخرج ما تحذرون}. ٦٥ انظر تفسير الآية:٦٦ ٦٦ وأخرج أبو نعيم في الحلية عن شريح بن عبيد رضي اللّه عنه. أن رجلا قال لأبي الدرداء رضي اللّه عنه: يا معشر القراء ما بالكم أجبن منا وأبخل إذا سئلتم، وأعظم لقما إذا أكلتم؟ فأعرض عنه أبو الدرداء ولم يرد عليه شيئا، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فانطلق عمر إلى الرجل الذي قال ذلك، فقاله بثوبه وخنقه وقاده إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال الرجل: إنما كنا نخوض ونلعب. فأوحى اللّه تعالى إلى نبيه صلى اللّه عليه وسلم {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب}. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد اللّه بن عمر قال "قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوما: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، لا أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنة، ولا أجبن عند اللقاء.! فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق. لأخبرن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ونزل القرآن،. قال عبد اللّه: فأنا رأيته متعلقا يحقب ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والحجارة تنكيه وهو يقول: يا رسول اللّه إنما كنا نخوض ونلعب. والنبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟ ". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والعقيلي في الضعفاء وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب في رواة مالك عن ابن عمر قال "رأيت عبد اللّه بن أبي وهو يشتد قدام النبي صلى اللّه عليه وسلم والأحجار تنكيه، وهو يقول: يا محمد إنما كنا نخوض ونلعب، والنبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟ ". وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب} قال: قال رجل من المنافقين يحدثنا محمد: أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا في يوم كذا وكذا، وما يدريه بالغيب؟. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: بينما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوته إلى تبوك وبين يديه أناس من المنافقين، فقالوا: يرجو هذا الرجل أن تفتح له قصور الشام وحصونها؟ هيهات هيهات...! فأطلع اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم على ذلك، فقال نبي صلى اللّه عليه وسلم "احبسوا علي هؤلاء الركب. فأتاهم فقال: قلتم كذا قلتم كذا. قالوا: يا نبي اللّه إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل اللّه فيهما ما تسمعون". وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال "بينما النبي صلى اللّه عليه وسلم في مسيره وأناس من المنافقين يسيرون أمامه، فقالوا: إن كان ما يقول محمد حقا فلنحن أشر من الحمير. فأنزل اللّه تعالى ما قالوا، فأرسل إليهم. ما كنتم تقولون؟ فقالوا: إنما كنا نخوض ونلعب". وأخرج إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال "قال محشي بن حمير: لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منكم مائة على أن ينجو من أن ينزل فينا قرآن. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعمار بن ياسر"أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فسلهم عما قالوا، فإن هم أنكروا وكتموا فقل بلى قد قلتم كذا وكذا، فأدركهم فقال لهم. فجاءوا يعتذرون، فأنزل اللّه {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم} الآية. فكان الذي عفا اللّه عنه محشي بن حمير، فتسمى عبد الرحمن وسأل اللّه أن يقتل شهيدا لا يعلم بمقتله. فقتل باليمامة لا يعلم مقتله، ولا من قتله، ولا يرى له أثر ولا عين". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال:نزلت هذه الآية في رهط من المنافقين من بني عمرو بن عوف، فيهم وديعة بن ثابت ورجل من أشجع حليف لهم يقال له محشي بن حمير، كان يسيرون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك، فقال بعضهم لبعض: أتحسبون قتال بني الأصفر كقتال غيرهم؟ واللّه لكأنا بكم غدا تقادون في الحبال. قال محشي بن حمير: لوددت أني أقاضي. فذكر الحديث مثل الذي قبله. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود. نحوه. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وأبو الشيخ عن الكلبي "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما أقبل من غزوة تبوك وبين يديه ثلاثة رهط استهزأوا باللّه وبرسوله وبالقرآن، قال: كان رجل منهم لم يمالئهم في الحديث يسير مجانبا لهم يقال له يزيد بن وديعة، فنزلت {إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة} فسمي طائفة وهو واحد. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة} قال: الطائفة الرجل والنفر. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الطائفة الواحد إلى الألف. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: الطائفة رجل فصاعدا. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك {إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة} يعني إن عفى بعضهم فليس بتارك الآخرين أن يعذبهم {بأنهم كانوا مجرمين}. وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد اللّه قال: كان فيمن تخلف بالمدينة من المنافقين وداعة بن ثابت أحد بني عمرو بن عوف، فقيل له: ما خلفك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقال: الخوض واللعب. فأنزل اللّه فيه وفي أصحابه {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب} إلى قوله {مجرمين}. ٦٧ انظر تفسير الآية:٧٠ ٦٨ انظر تفسير الآية:٧٠ ٦٩ انظر تفسير الآية:٧٠ ٧٠ أخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن حذيفة. أنه سئل عن المنافق. فقال: الذي يصف الإسلام ولا يعمل به. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: النفاق نفاقان. نفاق تكذيب بمحمد صلى اللّه عليه وسلم فذاك كفر، ونفاق خطايا وذنوب فذاك يرجى لصاحبه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {يأمرون بالمنكر} قال: هو التكذيب. قال: وهو أنكر المنكر {وينهون عن المعروف} قال: شهادة أن لا إله إلا اللّه والإقرار بما أنزل اللّه وهو أعظم المعروف. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: كل آية ذكرها اللّه تعالى في القرآن فذكر المنكر عبادة الأوثان والشيطان. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ويقبضون أيديهم} قال: لا يبسطونها بنفقة في حق اللّه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {ويقبضون أيديهم} قال: لا يبسطونها بخير {نسوا اللّه فنسيهم} قال: نسوا من كل خير ولم ينسوا من الشر. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {نسوا اللّه فنسيهم} قال: تركوا اللّه فتركهم من كرامته وثوابه. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك {نسوا اللّه} قال: تركوا أمر اللّه {فنسيهم} تركهم من رحمته أن يعطيهم إيمانا وعملا صالحا. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: إن اللّه لا ينسى من خلقه ولكن نسيهم من الخير يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: نسوا في العذاب. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {كالذين من قبلكم} قال: صنيع الكفار كالكفار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: ما أشبه الليلة بالبارحة {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة} إلى قوله {وخضتم كالذي خاضوا} هؤلاء بنو إسرائيل أشبهناهم، والذي نفسي بيده لنتبعنهم حتى لو دخل رجل جحر ضب لدخلتموه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {بخلاقهم} قال: بدينهم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي هريرة قال: الخلاق الدين. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {فاستمتعوا بخلاقهم} قال: بنصيبهم من الدنيا. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله {وخضتم كالذي خاضوا} قال: لعبتم كالذي لعبوا. وأخرج أبو الشيخ عن الربيع "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حذركم أن تحدثوا حدثا في الإسلام، وعلم أنه سيفعل ذلك أقوام من هذه الأمة فقال اللّه {فاستمتعوا بخلاقهم...} الآية". ٧١ انظر تفسير الآية:٧٢ ٧٢ أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {والمؤتفكات} قال: قوم لوط، ائتفكت بهم أرضهم فجعل عليها سافلها. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} يدعون إلى الإيمان باللّه ورسوله والنفقات في سبيل اللّه وما كان من طاعة اللّه {وينهون عن المنكر} ينهون عن الشرك والكفر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من فرائض اللّه كتبها اللّه على المؤمنين. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} قال: إخاؤهم في اللّه يتحابون بجلال اللّه والولاية للّه. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب قضاء الحوائج والطبراني عن سلمان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة" وأخرجه ابن أبي شيبة عن أبي عثمان مرسلا. وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي موسى "أن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن المعروف والمنكر خليقتان ينصبان يوم القيامة، فأما المعروف فيبشر أهله ويعدهم الخير، وأما المنكر فيقول لأصحابه: إليكم وما تستطيعون له إلا لزوما. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"رأس العقل بعد الإيمان باللّه مداراة الناس، ولن يهلك رجل بعد مشورة، وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة". وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة، إن اللّه ليبعث المعروف يوم القيانة في صورة الرجل المسافر، فيأتي صاحبه إذا انشق قبره فيمسح عن وجهه التراب ويقول: أبشر يا ولي اللّه بأمان اللّه وكرامته، لا يهولنك ما ترى من أهوال يوم القيامة. فلا يزال يقول له: احذر هذا واتق هذا يسكن بذلك روعه حتى يجاوز به الصراط، فإذا جاوز به الصراط عدل ولي اللّه إلى منازله في الجنة، ثم يثني عنه المعروف فيتعلق به فيقول: يا عبد اللّه من أنت خذلني الخلائق في أهوال القيامة غيرك فمن أنت؟ فيقول له: أما تعرفني؟! فيقول: لا. فيقول: أنا المعروف الذي عملته في الدنيا، بعثني اللّه خلقا لأجازيك به يوم القيامة". وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن علي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم، ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم، فإن اللعنة تنزل عليهم، يا علي إن اللّه خلق المعروف وخلق له أهلا، فحببه إليهم وحبب إليهم فعاله، ووجه إليهم طلابه كما وجه الماء في الأرض الجدبة لتحيا به ويحيى به أهلها، إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة". وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن علي قال: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم". وأخرج الحاكم عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"صانع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الأولين والآخرين، ثم أمر مناديا ينادي:ألا ليقم أهل المعروف في الدنيا. فيقومون. حتى يقفوا بين يدي اللّه، فيقول اللّه: أنتم أهل المعروف في الدنيا؟ فيقولون: نعم. فيقول: وأنتم أهل المعروف في الآخرة فقوموا مع الأنبياء والرسل فاشفعوا لمن أحببتم فأدخلوه الجنة حتى تدخلوا عليهم المعروف في الآخرة كما أدخلتم عليهم المعروف في الدنيا". وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب قضاء الحوائج عن بلال قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"كل معروف صدقة، والمعروف يقي سبعين نوعا من البلاء ويقي ميتة السوء، والمعروف والمنكر خلقان منصوبان للناس يوم القيامة، فالمعروف لازم لأهله والمنكر لازم لأهله، يقودهم ويسوقهم إلى النار". وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إن أحب عباد اللّه إلى اللّه عز وجل من حبب إليه المعروف وحبب إليه فعاله". وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إن اللّه جعل للمعروف وجوها من خلقه، وحبب إليهم فعاله ووجه طلاب المعروف إليهم، ويسر عليهم إعطاءه كما يسر الغيث إلى الأرض الجدبة ليحييها ويحيي به أهلها، وإن اللّه جعل للمعروف أعداء من خلقه بغض إليهم المعروف وبغض إليهم فعاله، وحظر عليهم إعطاءه كما يحظر الغيث عن الأرض الجدبة ليهلكها ويهلك بها أهلها، وما يعفو اللّه أكثر". وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "عليكم باصطناع المعروف فإنه يمنع مصارع السوء، وعليكم بصدقة السر فإنها تطفئ غضب اللّه عز وجل". وأخرج ابن أبي الدنيا عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"كل معروف صدقة". وأخرج ابن أبي شيبة والقضاعي والعسكري وابن أبي الدنيا من طريق محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"كل معروف صدقة، وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له به صدقه، وما وقى به عرضه كتب له به صدقة، وقد قيل لمحمد بن المنكدر ما يعني ما وقى به عرضه؟ قال: الشيء يعطى الشاعر وذا اللسان المتقى". وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار والطبراني عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "كل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة". وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: كل معروف يصنعه أحدكم إلى غني فقير فهو صدقة". وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"كل معروف صدقة". وأخرج ابن أبي الدنيا عن جابر الجعفي رفعه قال: المعروف خلق من خلق اللّه تعالى كريم. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الحسن قال: سألت عمران بن حصين وأبا هريرة عن تفسير {ومساكن طيبة في جنات عدن} قالا: على الخبير سقطت. سألنا عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال "قصر من لؤلؤة في الجنة، في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريرا، على كل سرير سبعون فراشا من كل لون، على كل فراش امرأة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، في كل مائدة سبعون لونا من كل طعام، في كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة، فيعطى المؤمن من القوة في كل غداة ما يأتي على ذلك كله". وأخرج ابن أبي حاتم عن سليم بن عامر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "الجنة مائة درجة: فأولها من فضة أرضها فضة، ومساكنها فضة، وآنيتها فضة، وترابها مسك. والثانية من ذهب أرضها ذهب، ومساكنها ذهب، وآنيتها ذهب، وترابها مسك. والثالثة لؤلؤ أرضها لؤلؤ، وآنيتها لؤلؤ، وترابها مسك. وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حازم قال: إن اللّه ليعد للعبد من عبيده في الجنة لؤلؤة مسيرة أربعة برد، أبوابها وغرفها ومغاليقها ليس فيها قضم ولا قصم، والجنة مائة درجة: فثلاث منها ورق وذهب ولؤلؤ وزبرجد وياقوت، وسبع وتسعون لا يعلمهما إلا الذي خلقها. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل له ألف قصر، ما بين كل قصرين مسيرة سنة، يرى أقصاها كما يرى أدناها، في كل قصر من الحور العين والرياحين والولدان ما يدعو شيئا إلا أتي به. وأخرج ابن أبي شيبة عن مغيث بن سمي قال: إن في الجنة قصورا من ذهب، وقصورا من فضة، وقصورا من ياقوت، وقصورا من زبرجد، جبالها المسك، وترابها الورس والزعفران. وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: إن في الجنة ياقوتة ليس فيها صدع ولا وصل، وفيها سبعون ألف دار في كل دار سبعون ألفا من الحور العين لا يدخلها إلا نبي، أو صديق، أو شهيد، أو إمام عادل، أو محكم في نفسه. قيل لكعب: وما المحكم في نفسه؟ قال: الرجل يأخذه العدو فيحكمونه بين أن يكفر أو يلزم الإسلام فيقتل، فيختار أن يلزم الإسلام. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {جنات عدن} قال: معدن الرجل الذي يكون فيه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {جنات عدن} قال: معدنهم فيها. وأخرج ابن أبي حاتم عن خالد بن معدان قال: إن اللّه خلق في الجنة جنة عدن دملج لؤلؤة، وغرس فيها قضيبا ثم قال لها: امتدي حتى أرضى. ثم قال لها: أخرجي ما فيك من الأنهار والثمار ففعلت. فقالت (قد أفلح المؤمنون) (المؤمنون: ١). وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله {ورضوان من اللّه أكبر} يعني إذا أخبروا أن اللّه عنهم راض فهو أكبر عندهم من التحف والتسليم. وأخرج ابن مردويه عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إذا دخل أهل الجنة الجنة قال اللّه: هل تشتهون شيئا فأزيدكم؟ قالوا: يا ربنا وهل بقي شيء إلا قد أنلتناه؟! فيقول: نعم. رضائي فلا أسخط عليكم أبدا". وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عبد الملك الجهني قال: قال رسول اللّه" لنعيم أهل الجنة برضوان اللّه عنهم أفضل من نعيمهم بما في الجنان". وأخرج أبو الشيخ عن شمر بن عطية قال: يجيء القرآن يوم القيامة في صورة الرجل الشاحب حين ينشق عنه قبره فيقول: أبشر بكرامة اللّه تعالى. قال: فله حلة الكرامة. فيقول: يا رب زدني. فيقول: رضواني ورضوان من اللّه أكبر. وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إن اللّه يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة. فيقولون: لبيك يا ربنا وسعديك والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ربنا، وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطه أحدا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟! قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا". وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن قال: بلغني أنا أبا بكر الصديق كان يقول في دعائه: اللّهم أسألك الذي هو خير في عاقبة الخير، اللّهم اجعل آخر ما تعطيني الخير رضوانك والدرجات العلى في جنات النعيم. ٧٣ وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله {يا أيها النبي جاهد الكفار} قال: بالسيف {والمنافقين} قال: باللسان {وأغلظ عليهم} قال: أذهب الرفق عنهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله {جاهد الكفار والمنافقين} قال: بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليلقه بوجه مكفهر. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: لما نزلت {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين} أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يجاهد بيده، فإن لم يستطع فقلبه، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فليلقه بوجه مكفهر. وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله {جاهد الكفار} قال: بالسيف {والمنافقين} بالقول باللسان {وأغلظ عليهم} قال: على الفريقين جميعا، ثم نسخها فأنزل بعدها (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) (التوبة: ١٢٣). وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: أمر اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يجاهد الكفار بالسيف، ويغلظ على المنافقين في الحدود. ٧٤ أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال "لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين قال الجلاس: واللّه لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير. فسمعه عمير بن سعد فقال: واللّه يا جلاس إنك لأحب الناس إلي وأحسنهم عندي أشرا وأعزهم علي أن يدخل عليه شيء يكرهه، ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن سكت عنها لتهلكني، ولأحدهما أشد علي من الأخرى. فمشى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكر له ما قال، فأتى الجلاس فجعل يحلف باللّه ما قال، ولقد كذب على عمير فأنزل اللّه {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} الآية". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال "كان الجلاس بن سويد بن الصامت ممن تخلف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة تبوك، وقال: لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير. فرفع عمير بن سعد مقالته إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فحلف الجلاس باللّه لقد كذب علي وما قلت. فأنزل اللّه {يحلفون باللّه ما قالوا} الآية. فزعموا أنه تاب، وحسنت توبته". وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال "سمع زيد بن أرقم رضي اللّه عنه رجلا من المنافقين يقول - والنبي صلى اللّه عليه وسلم يخطب - : إن كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير. فقال زيد رضي اللّه عنه: هو - واللّه - صادق ولأنت أشر من الحمار، فرفع ذلك إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فجحد القائل، فأنزل اللّه {يحلفون باللّه ما قالوا...} الآية. فكانت الآية في تصديق زيد". وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالسا في ظل شجرة فقال: إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاء فلا تكلموه، فلم يلبثوا إلا أن طلع رجل أزرق، فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فانطلق الرجل فجاء بأصحابه، فحلفوا باللّه ما قالوا حتى تجاوز عنهم، وأنزل اللّه {يحلفون باللّه ما قالوا...} الآية". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي اللّه عنه قال "ذكر لنا أن رجلين اقتتلا، أحدهما من جهينة والآخر من غفار، وكانت جهينة حلفاء الأنصار، فظهر الغفاري على الجهني فقال عبد اللّه بن أبي للأوس: انصروا أخاكم، واللّه ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك. واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فسعى بها رجل من المسلمين إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأرسل إليه فسأله فجعل يحلف باللّه ما قاله، فأنزل اللّه {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر...} الآية". وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} قال: نزلت في عبد اللّه بن أبي بن سلول. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عروة أن رجلا من الأنصار يقال الجلاس بن سويد قال ليلة في غزوة تبوك"واللّه لئن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير. فسمعه غلام يقال له عمير بن سعد وكان ربيبه فقال له: أي عم، تب إلى اللّه. وجاء الغلام إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره، فأرسل النبي صلى اللّه عليه وسلم إليه فجعل يحلف ويقول: واللّه ما قلت يا رسول اللّه. فقال الغلام: بلى، واللّه لقد قلته فتب إلى اللّه، ولولا أن ينزل القرآن فيجعلني معك ما قلته، فجاء الوحي إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فسكتوا فلا يتحركون إذا نزل الوحي، فرفع عن النبي فقال {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} إلى قوله {فإن يتوبوا يك خيرا لهم} فقال: قد قلته وقد عرض اللّه علي التوبة فأنا أتوب، فقبل ذلك منه، وقتل له قتيل في الإسلام فوداه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأعطاه ديته فاستغنى بذلك وكان هم أن يلحق بالمشركين، وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم للغلام: وعت أذنك". وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين رضي اللّه عنه قال: لما نزل القرآن أخذ النبي صلى اللّه عليه وسلم بأذن عمير فقال "وعت أذنك يا غلام وصدقك ربك". وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن سيرين رضي اللّه عنه قال: قال رجل من المنافقين: لئن كان محمد صادقا فيما يقول لنحن شر من الحمير. فقال له زيد بن أرقم رضي اللّه عنهما: إن محمدا لصادق ولأنت شر من الحمار. فكان فيما بينهما ذلك كلام، فلما قدموا على النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره، فأتاه الآخر فحلف باللّه ما قال، فنزلت {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لزيد بن أرقم"وعت أذنك". وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي اللّه عنه في الآية قال: قال أحدهم: إن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير. فقال رجل من المؤمنين: فواللّه إن ما يقول محمد لحق، ولأنت شر من الحمار. فهم بقتله المنافق، فذلك همهم بما لم ينالوا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي اللّه عنه في قوله {يحلفون باللّه ما قالوا} قال "هم الذين أرادوا أن يدفعوا النبي صلى اللّه عليه وسلم ليلة العقبة، وكانوا قد أجمعوا أن يقتلوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهم معه في بعض أسفاره، فجعلوا يلتمسون غرته حتى أخذ في عقبة، فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم وذلك ليلا قالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، فسمع حذيفة رضي اللّه عنه وهو يسوق النبي صلى اللّه عليه وسلم وكان قائده تلك الليلة عمار، وسائقه حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه، فسمع حذيفة أخفاف الإبل، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين: فقال: إليكم إليكم يا أعداء اللّه فأمسكوا. ومضى النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى نزل منزله الذي أراد، فلما أصبح أرسل إليهم كلهم فقال: أردتم كذا وكذا؟ فحلفوا باللّه ما قالوا ولا أرادوا الذي سألهم عنه، فذلك قوله {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} الآية". وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {وهموا بما لم ينالوا} قال: هم رجل يقال له الأسود بقتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة رضي اللّه عنه قال "رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قافلا من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أصحابه فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فلما غشيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخبر خبرهم فقال: من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم، وأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم العقبة، وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا وقد هموا بأمر عظيم، وأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه وعمار بن ياسر رضي اللّه عنه فمشيا معه شيئا، فأمر عمار أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة بسوقها. فبينما هم يسيرون إذ سمعوا وكرة القوم من ورائهم قد غشوه، فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم، وأبصر حذيفة رضي اللّه عنه غضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم فضربها ضربا بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثمون لا يشعرون إنما ذلك فعل المسافر، فرعبهم اللّه حين أبصروا حذيفة رضي اللّه عنه وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتى خالطوا الناس وأقبل حذيفة رضي اللّه عنه حتى أدرك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما أدركه قال: اضرب الراحلة يا حذيفة وامش أنت يا عمار، فأسرعوا حتى استووا بأعلاها، فخرجوا من العقبة يتنظرون الناس فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لحذيفة: هل عرفت يا حذيفة من هؤلاء الرهط أحدا؟ قال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: هل علمتم ما كان شأنهم وما أرادوا؟ قالوا: لا واللّه يا رسول اللّه...! قال: فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا طلعت في العقبة طرحوني منها. قالوا: أفلا تأمر بهم يا رسول اللّه فنضرب أعناقهم؟ قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا: إن محمد وضع يده في أصحابه فسماهم لهما، وقال: أكتماهم". وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن إسحق نحوه وزاد بعد قوله لحذيفة "هل عرفت من القوم أحدا" فقال: لا. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن اللّه قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبرك بهم إن شاء اللّه عند وجه الصبح، فلما أصبح سماهم به: عبد اللّه بن أبي سعد، وسعد بن أبي سرح، وأبا حاصر الأعرابي، وعامرا، وأبا عامر، والجلاس بن سويد بن صامت، ومجمع بن حارثة، ومليحا التيمي، وحصين بن نمير، وطعمة بن أبيرق، وعبد اللّه بن عيينة، ومرة بن ربيع. فهم اثنا عشر رجلا حاربوا اللّه ورسوله وأرادوا قتله، فأطلع اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم على ذلك، وذلك قوله عز وجل {وهموا بما لم ينالوا} وكان أبو عامر رأسهم، وله بنوا مسجد الضرار وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة". وأخرج ابن سعد عن نافع بن جبير بن مطعم قال: لم يخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأسماء المنافقين الذين تحسوه ليلة العقبة بتبوك غير حذيفة رضي اللّه عنه، وهم اثنا عشر رجلا ليس فيهم قرشي، وكلهم من الأنصار ومن حلفائهم. وأخرج البيهقي في الدلائل عن حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه قال: كنت آخذا بخطام ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اقود به وعمار يسوقه أو أنا أسوقه وعمار يقوده، حتى إذا كنا بالعقبة فإذا أنا باثني عشر راكبا قد اعترضوا فيها قال: فأنبهت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فصرخ بهم فولوا مدبرين، فقال لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"هل عرفتم القوم؟ قلنا لا يا رسول اللّه كانوا متلثمين ولكنا قد عرفنا الركاب. قال: هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة. هل تدرون ما أرادوا؟ قلنا: لا. قال: أرادوا أن يزحموا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في العقبة فيلقوه منها. قلنا يا رسول اللّه، ألا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟ قال: لا، إني أكره أن تحدث العرب بينها: أن محمدا قاتل بقوم حتى إذا أظهره اللّه بهم أقبل عليهم يقتلهم، ثم قال: اللّهم ارمهم بالدبيلة. قلنا يا رسول اللّه، وما الدبيلة؟ قال: شهاب من نار يوضع على نياط قلب أحدهم فيهلك". وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي اللّه عنه في قوله {وهموا بما لم ينالوا} قال: أرادوا أن يتوجوا عبد اللّه بن أبي وإن لم يرض محمد صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح {وهموا بما لم ينالوا} قال: هموا أن يتوجوا عبد اللّه بن أبي بتاج. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عكرمة رضي اللّه عنه. أن مولى لبني عدي بن كعب قتل رجلا من الأنصار، فقضى النبي صلى اللّه عليه وسلم بالدية اثني عشر ألفا، وفيه نزلت {وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله}. وأخرج ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قتل رجل على عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم فجعل ديته اثني عشر ألفا، وذلك قوله {وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله} قال: بأخذهم الدية. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله} قال: كانت له دية قد غلب عليها فأخرجها له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة قال: كان جلاس يحمل حمالة أو كان عايه دين فأدى عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذلك قوله {وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله}. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: ثم دعاهم إلى التوبة فقال {فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم اللّه عذابا أليما في الدنيا والآخرة} فأما عذاب الدنيا فالقتل، وأما عذاب الآخرة فالنار. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن قوما قد هموا بهم سوءا وأرادوا أمرا فليقوموا فليستغفروا فلم يقم أحد ثلاث مرار، فقال: قم يا فلان قم يا فلان. فقالوا: نستغفر اللّه تعالى. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: واللّه لأنا دعوتكم إلى التوبة واللّه أسرع إليكم بها وأنا أطيب لكم نفسا بالاستغفار أخرجوا". وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: قال لي ابن عباس رضي اللّه عنهما: احفظ عني كل شيء في القرآن {وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير} فهي للمشركين، فأما المؤمنون فما أكثر شفعاءهم وأنصارهم. ٧٥ انظر تفسير الآية:٧٨ ٧٦ انظر تفسير الآية:٧٨ ٧٧ انظر تفسير الآية:٧٨ ٧٨ أخرج الحسن بن سفيان وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والعسكري في الأمثال والطبراني وابن منده والباوردي وأبو نعيم في معرفة الصحابة وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن أبي أمامة الباهلي رضي اللّه عنه قال "جاء ثعلبة بن حاطب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه ادع اللّه أن يرزقني مالا. قال: ويحك يا ثعلبة...! أما ترضى أن تكون مثلي؟ فلو شئت أن يسير ربي هذه الجبال معي لسارت. قال: يا رسول اللّه ادع اللّه أن يرزقني مالا، فوالذي بعثك بالحق إن آتاني اللّه مالا لأعطين كل ذي حق حقه. قال: ويحك يا ثعلبة...! قليل تطيق شكره خير من كثير لا تطيق شكره. فقال: يا رسول اللّه، ادع اللّه تعالى. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: اللّهم ارزقه مالا. فاتجر واشترى غنما فبورك له فيها ونمت كما ينمو الدود حتى ضاقت به المدينة فتنحى بها - فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا يشهدها بالليل، ثم نمت كما ينمو الدود فتنحى بها، فكان لا يشهد الصلاة بالنهار ولا بالليل إلا من جمعة إلى جمعة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم نمت كما ينمو الدود فضاق به مكانه فتنحى به، فكان لا يشهد جمعة ولا جنازة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فجعل يتلقى الركبان ويسألهم عن الأخبار. وفقده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسأل عنه؟ فأخبروه أن اشترى غنما، وأن المدينة ضاقت به وأخبروه بخبره. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ويح ثعلبة بن حاطب...! ثم إن اللّه تعالى أمر رسوله أن يأخذ الصدقات، وأنزل اللّه تعالى (خذ من أموالهم صدقة) (التوبة: ١٠٣). فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلين، رجلا من جهينة ورجلا من بني سلمة يأخذان الصدقات، فكتب لهما أسنان الإبل والغنم كيف يأخذانها على وجهها، وأمرهما أن يمرا على ثعلبة بن حاطب وبرجل من بني سليم، فخرجا فمرا بثعلبة فسألاه الصدقة. فقال: أرياني كتابكما، فنظر فيه فقال: ما هذا إلا جزية، انطلقا حتى تفرغا ثم مرا بي. قال: فانطلقا وسمع بهما السليمي فاستقبلهما بخيار إبله فقالا: إنما عليك دون هذا. فقال: ما كنت أتقرب إلى اللّه إلا بخير مالي! فقبلاه، فلما فرغا مرا بثعلبة فقال: أرياني كتابكما. فنظر فيه فقال: ما هذا إلا جزية. انطلقا حتى أرى رأيي. فانطلقا حتى قدما المدينة، فلما رآهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال قبل أن يكلمهما: ويح ثعلبة بن حاطب. ودعا للسليمي بالبركة، وأنزل اللّه {ومنهم من عاهد اللّه لئن آتانا من فضله لنصدقن} الثلاث آيات. قال: فسمع بعض من أقارب ثعلبة فأتى ثعلبة فقال: ويحك يا ثعلبة...! أنزل اللّه فيك كذا وكذا. قال: فقدم ثعلبة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه هذه صدقة مالي. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن اللّه تعالى قد منعني أن أقبل منك. قال: فجعل يبكي ويحثي التراب على رأسه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: هذا عملك بنفسك أمرتك فلم تطعني. فلم يقبل منه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى مضى. ثم أتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر اقبل مني صدقتي، فقد عرفت منزلتي من الأنصار. فقال أبو بكر: لم يقبلها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأقبلها؟! فلم يقبلها أبو بكر، ثم ولي عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فأتاه فقال: يا أبا حفص يا أمير المؤمنين اقبل مني صدقتي. وتوسل إليه بالمهاجرين والأنصار وأزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم. فقال عمر: لم يقبلها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا أبو بكر أقبلها أنا؟! فأبى أن يقبلها، ثم ولي عثمان فهلك في خلافة عثمان، وفيه نزلت (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) (التوبة: ٧٩) قال: وذلك في الصدقة". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله {ومنهم من عاهد اللّه لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين} وذلك أن رجلا كان يقال له ثعلبة من الأنصار، أتى مجلسا فأشهدهم فقال: لئن آتاني اللّه من فضله آتيت كل ذي حق حقه وتصدقت منه وجعلت منه للقرابة. فابتلاه اللّه فأتاه من فضله. فأخلف ما وعده، فأغضب اللّه بما أخلفه ما وعده نقص اللّه شأنه في القرآن. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد اللّه بن مسعود قال: اعتبروا المنافق بثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وذلك بأن اللّه تعالى يقول {ومنهم من عاهد اللّه لئن آتانا من فضله لنصدقن} إلى آخر الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبد اللّه بن عمر قال: ثلاث من كن فيه فهو منافق. إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان. وتلا هذه الآية {ومنهم من عاهد اللّه لئن آتانا من فضله} إلى آخر الآية. وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "آية المنافق ثلاث. إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان". وأخرج أبو الشيخ والخرائطي في مكارم الأخلاق عن محمد بن كعب القرظي قال: سمعت بالثلاث التي تذكر في المنافق. إذا ائتمن خان، وإذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، فالتمستها في الكتاب زمانا طويلا حتى سقطت عليها بعد حين، وجدنا اللّه تعالى يذكر فيه {ومنهم من عاهد اللّه لئن آتانا من فضله} إلى قوله {وبما كانوا يكذبون} و (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض) (الأحزاب الآية ٧٢) إلى آخر الآية (وإذا جاءك المنافقون) (المنافقون: ١) إلى قوله (واللّه يشهد أن المنافقين لكاذبون). وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رجلا من الأنصار هو الذي قال هذا، فمات ابن عم له فورث منه مالا فبخل به ولم يف اللّه بما عاهد عليه، فأعقبه بذلك نفاقا إلى أن يلقاه قال: ذلك {بما أخلفوا اللّه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون}. وأخرج أبو الشيخ عن أبي قلابة قال: مثل أصحاب الأهواء مثل المنافقين كلامهم شتى وجماع أمرهم النفاق، ثم تلا {ومنهم من عاهد اللّه} (ومنهم من يلمزك) (التوبة: ٥٨) (ومنهم الذين يؤذون النبي) (التوبة: ٦١). وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله {بما أخلفوا اللّه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} قال: "اجتنبوا الكذب فإنه باب من النفاق، وعليكم بالصدق فإنه باب من الإيمان، وذكر لنا أن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم حدث "أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاء بالتوراة لبني إسرائيل قالت بنو إسرائيل: إن التوراة كثيرة، وإنا لا نفرغ لها فسل لنا جماعا من الأمر نحافظ عليه ونتفرغ لمعايشنا. قال: مهلا مهلا أي قوم، هذا كتاب اللّه وبيان اللّه ونور اللّه وعصمة اللّه. فردوا عليه مثل مقالتهم، فعل ذلك ثلاث مرات فقال الرب تبارك وتعالى: فإني آمرهم إن هم حافظوا عليهن دخلوا الجنة بهن: أن يتناهوا إلى قسمة مواريثهم ولا يتظالموا فيها، وأن لا يدخلوا أبصارهم البيوت حتى يؤذن لهم، وأن لا يطعموا طعاما حتى يتوضأوا كوضوء الصلاة. فرجع موسى عليه السلام إلى قومه بهن ففرحوا، ورأوا أن سيقومون بهن، فواللّه إن لبث القوم إلا قليلا حتى جنحوا فانقطع بهم، فلما حدث نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذا عن بني إسرائيل قال: تكفلوا لي بست أتكفل لكم بالجنة. إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، وفروجكم. قال قتادة: شداد واللّه إلا من عصم اللّه". ٧٩ أخرج البخاري ومسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن ابن مسعود قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا مراء، وجاء أبو عقيل بنصف صاع فقال المنافقون: إن اللّه لغني عن صدقة هذا. فنزلت {الذي يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم...} الآية. وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثا، فجاء عبد الرحمن فقال: يا رسول اللّه، عندي أربعة آلاف، ألفين أقرضهما ربي وألفين لعيالي. فقال: بارك اللّه لك فيما أعطيت، وبارك لك فيما أمسكت، وجاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول اللّه، إني بت أجر الحرير فأصبت صاعين من تمر، فصاعا أقرضه ربي وصاعا لعيالي، فلمزه المنافقون قالوا: واللّه ما أعطى ابن عوف الذي أعطى إلا رياء. وقالوا: أو لم يكن اللّه ورسوله غنيين عن صاع هذا؟ فأنزل اللّه {الذين يلمزون المطوعين} الآية". وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال "أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالصدقة، فجاء عبد الرحمن بن عوف بصدقته، وجاء المطوعون من المؤمنين، وجاء أبو عقيل بصاع فقال: يا رسول اللّه، بت أجر الحرير فأصبت صاعين من تمر، فجئتك بأحدهما وتركت الآخر لأهلي قوتهم فقال المنافقون: ما جاء عبد الرحمن وأولئك إلا رياء، وإن اللّه لغني عن صدقة أبي عقيل، فأنزل اللّه {الذين يلمزون المطوعين} الآية". وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم والبغوي في معجمه والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن أبي عقيل قال "بت أجر الحرير على ظهري على صاعين من تمر، فانقلبت بإحدهما إلى أهلي يتبلغون به، وجئت بالآخر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتقرب به إلى ربي، فأخبرته بالذي كان فقال: انثره في المسجد. فسخر القوم وقالوا: لقد كان اللّه غنيا عن صاع هذا المسكين؟ فأنزل اللّه {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين...} الآيتين". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {الذي يلمزون المطوعين...} الآية. قال: جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، وجاء رجل من الأنصار بصاع من طعام فقال بعض المنافقين: واللّه ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إلا رياء، وقالوا: إن كان اللّه ورسوله لغنيين عن هذا الصاع. وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالك قال: الذي تصدق بصاع التمر فلمزه المنافقون: أبو خيثمة الأنصاري. وأخرج البغوي في معجمه وابن قانع وابن مردويه عن سعيد بن عثمان البلوي عن جدته ليلى بن عدي. أن أمها عميرة بنت سهل بن رافع صاحب الصاعين الذي لمزه المنافقون، أخبرتها أنه خرج بصاع من تمر وابنته عميرة حتى أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم بصاع من تمر فصبه. وأخرج عبد الرزاق وابن عساكر عن قتادة في قوله {الذي يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات} قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله ثمانية آلاف دينار، فقال ناس من المنافقين: إن عبد الرحمن لعظيم الرياء. فقال اللّه عز وجل {الذي يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات} وكان لرجل من الأنصار صاعان من تمر، فجاء بأحدهما فقال ناس من المنافقين: إن كان اللّه عن صاع هذا لغني! وكان المنافقون يطعنون عليهم ويسخرون منهم فقال اللّه عز وجل {والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم} الآية. وأخرج أبو نعيم في المعرفة عن قتادة قال "أقبل رجل من فقراء المسلمين يقال له الحجاب أبو عقيل قال: يا نبي اللّه بت أجر الحرير الليلة على صاعين من تمر، فأما صاع فأمسكته لأهلي وأما صاع فهو ذا. فقال المنافقون: إن كان اللّه ورسوله لغنيين عن صاع هذا، فأنزل اللّه {الذي يلمزون المطوعين من المؤمنين...} الآية". وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دعا الناس للصدقة، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف فقال: يا رسول اللّه هذه صدقة. فلمزه بعض القوم فقال: ما جاء بهذه عبد الرحمن إلا رياء، وجاء أبو عقيل بصاع من تمر فقال بعض القوم: ما كان اللّه أغنى عن صاع أبي عقيل، فنزلت {الذي يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات} إلى قوله {فلن يغفر اللّه لهم} ". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم المسلمين أن يجمعوا صدقاتهم، وكان لعبد الرحمن بن عوف ثمانية آلاف دينار، فجاء بأربعة آلاف دينار صدقة فقال: هذا ما أفرضه اللّه وقد بقي مثله. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم "بورك لك فيما أعطيت وفيما أمسكت، وجاء أبو نهيك رجل من الأنصار بصاع تمر نزع عليه ليله كله، لما أصبح جاء به إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال رجل من المنافقين: إن عبد الرحمن بن عوف لعظيم الرياء، وقال للآخر: إن اللّه لغني عن صاع هذا. فأنزل اللّه {الذي يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات} عبد الرحمن بن عوف {والذين لا يجدون إلا جهدهم} صاحب الصاع". وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في الآية قال: أصاب الناس جهد عظيم، فأمرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يتصدقوا فقال "أيها الناس تصدقوا. فجعل أناس يتصدقون، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعمائة أوقية من ذهب فقال: يا رسول اللّه كان لي ثمانمائة أوقية من ذهب فجئت بأربعمائة أوقية. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: اللّهم بارك له فيما أعطى وبارك فيما أمسك". وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لما كان يوم فطر أخرج عبد الرحمن بن عوف مالا عظيما، وأخرج عاصم بن عدي كذلك، وأخرج رجل صاعين، وآخر صاعا. فقال قائل من الناس: إن عبد الرحمن إنما جاء بما جاء به فخرا ورياء، وأما صاحب الصاع أو الصاعين فإن اللّه ورسوله غنيان عن صاع وصاع، فسخروا بهم فأنزل اللّه فيهم هذه الآية {الذي يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات}. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المسلمين أن يتصدقوا فقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: إنما ذلك مال وافر فأخذ نصفه. قال: فجئت أحمل مالا كثيرا. فقال له رجل من المنافقين: أترائي يا عمر؟ قال: نعم. أرائي اللّه ورسوله فأما غيرهما فلا. قال: وجاء رجل من الأنصار لم يكن عنده شيء فأجر نفسه بجر الحرير على رقبته بصاعين ليلته، فترك صاعا لعياله وجاء بصاع يحمله، فقال له بعض المنافقين: إن اللّه ورسوله عن صاعك لغنيان. فذلك قوله {الذي يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات}. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة {الذي يلمزون المطوعين} أي يطعنون على المطوعين. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {والذين لا يجدون إلا جهدهم} قال: هو رفاعة بن سعد. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي في قوله {والذين لا يجدون إلا جهدهم} قال: الجهد في القوت، والجهد في العمل. وأخرج أبو الشيخ عن سفيان في الآية قال: الجهد جهد الإنسان، والجهد في ذات اليد. وأخرج ابن المنذر عن ابن إسحق قال: كان الذي تصدق بجهده أبو عقيل واسمه سهل بن رافع، أتى بصاع من تمر فأفرغها في الصدقة، فتضاحكوا به وقالوا: إن اللّه لغني عن صدقة أبي عقيل. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مقاما للناس فقال "يا أيها الناس تصدقوا أشهد لكم بها يوم القيامة، ألا لعل أحدكم أن يبيت فصاله راو وابن عمه طاو، ألا لعل أحدكم أن يثمر ماله وجاره مسكين لا يقدر على شيء، ألا رجل منح ناقة من إبله يغدو برفد ويروح برفد، يغدو بصبوح أهل بيت ويروح بغبوقهم، ألا إن أجرها لعظيم. فقام رجل فقال: يا رسول اللّه عندي أربعة ذود. فقام آخر قصير القامة قبيح السنة يقود ناقة له حسناء جميلة فقال رجل من المنافقين كلمة خفية لا يرى أن النبي صلى اللّه عليه وسلم سمعها: ناقته خير منه. فسمعها النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: كذبت هو خير منك ومنها ثم قام عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول اللّه عندي ثمانية آلاف، تركت أربعة منها لعيالي وجئت بأربعة أقدمها للّه، فتكاثر المنافقون ما جاء به، ثم قام عاصم بن عدي الأنصاري فقال: يا رسول اللّه عندي سبعون وسقا جذاذ العام، فتكاثر المنافقون ما جاء به وقالوا: جاء هذا بأربعة آلاف وجاء هذا بسبعين وسقا للرياء والسمعة فهلا أخفياها فهلا فرقاها. ثم قام رجل من الأنصار اسمه الحجاب يكنى أبا عقيل فقال: يا رسول اللّه ما لي من مال غير أني أجرت نفسي من بني فلان، أجر الحرير في عنقي على صاعين من تمر، فتركت صاعا لعيالي وحئت بصاع أقربه إلى اللّه تعالى، فلمزه المنافقون وقالوا: جاء أهل الإبل بالإبل، وجاء أهل الفضة بالفضة، وجاء هذا بتمرات يحملها، فأنزل اللّه {الذين يلمزون المطوعين...} الآية". وأخرج عبد اللّه بن أحمد في زوائد الزهد عن أبي السليل قال: وقف علينا شيخ في مجلسنا فقال: حدثني أبي أو عمي أنه شهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالبقيع قال "من يتصدق اليوم بصدقة أشهد له بها عند اللّه يوم القيامة. فجاء رجل - لا واللّه ما البقيع رجل أشد سواد وجه منه، ولا أقصر قامة، ولا أذم في عين منه - بناقة - لا واللّه ما بالبقيع شيء أحسن منها - فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: هذه صدقة؟ قال: نعم يا رسول اللّه. فلمزه رجل فقال: يتصدق بها واللّه لهي خير منه. فسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كلمته فقال: كذبت بل هو خير منك ومنها، كذبت بل هو خير منك ومنها ثلاث مرات، ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ألا من قال بيده هكذا وهكذا وقليل ما هم، ثم قال: قد أفلح المزهد المجهد، قد أفلح المزهد المجهد". وأخرج أبو داود وابن خزيمة والحاكم وصححه عن أبي هريرة. أنه قال: يا رسول اللّه أي الصدقة أفضل؟ قال "جهد المقل، وابدأ بمن تعول". ٨٠ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عروة أن عبد اللّه بن أبي قال لأصحابه: لولا أنكم تنفقون على محمد وأصحابه لأنفضوا من حوله، وهو القائل (ليخرجن الأعز منها الأذل) (المنافقون: ٨) فأنزل اللّه عز وجل {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم} قال النبي" لأزيدن على السبعين. فأنزل اللّه (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم) " (المنافقون: ٦). وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: لما نزلت {إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم} قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "سأزيد على سبعين، فأنزل اللّه في السورة التي يذكر فيها المنافقون (لن يغفر اللّه لهم) (المنافقون: ٦) ". وأخرج ابن جرير عن ابن عباس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لما نزلت هذه الآية أسمع ربي قد رخص لي فيهم، فواللّه لأستغفرن أكثر من سبعين مرة لعل اللّه أن يغفر لهم. فقال اللّه من شدة غضبه عليهم (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم إن اللّه لا يهدي القوم الفاسقين) " (المنافقون: ٦) ". وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم والنحاس وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول: لما توفي عبد اللّه بن أبي، دعي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للصلاة عليه، فقام عليه فلما وقف قلت أعلى عدو اللّه عبد اللّه بن أبي القائل كذا وكذا، والقائل كذا وكذا؟! أعدد أيامه ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتبسم، حتى إذا أكثرت قال "يا عمر أخر عني إني قد خيرت، قد قيل لي {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة} فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها، ثم صلى عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومشى معه حتى قام على قبره حتى فرغ منه، فعجبت لي ولجراءتي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - واللّه رسوله أعلم - فواللّه ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) (التوبة: ٨٤) فما صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على منافق بعده حتى قبضه اللّه عز وجل". وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: لقد أصبت في الإسلام هفوة ما أصبت مثلها قط، أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يصلي على عبد اللّه بن أبي، فأخذت بثوبه فقلت: واللّه ما أمرك اللّه بهذا، لقد قال اللّه {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم} فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: قد خيرني ربي فقال {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} فقعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على شفير القبر، فجعل الناس يقولون لابنه: يا حباب افعل كذا يا حباب افعل كذا: فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الحباب اسم شيطان أنت عبد اللّه". وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله {استغفر لهم...} الآية. قال: نزلت في الصلاة على المنافقين قال: لما مات عبد اللّه بن أبي بن سلول المنافق قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "لو أعلم إن استغفرت له إحدى وسبعين مرة غفر له لفعلت فصلى عليه اللّه الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم، فأنزل اللّه (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) (التوبة: ٨٤) ونزلت العزمة في سورة المنافقين (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) (المنافقون: ٦) الآية. ٨١ أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {بمقعدهم خلاف رسول اللّه} قال: عن غزوة تبوك. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في الآية قال: يعني المتخلفون بأن قعدوا خلاف رسول اللّه. وأخرج ابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كانت تبوك آخر غزوة غزاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهي غزوة الحر. قالوا: لا تنفروا في الحر، وهي غزوة العسرة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا معه وذلك في الصيف. فقال رجال: يا رسول اللّه الحر شديد ولا نستطيع الخروج فلا تنفروا في الحر. فقال اللّه {قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون} فأمره بالخروج". وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {لاتنفروا في الحر} قال: قول المنافقين يوم غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تبوك. وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حر شديد إلى تبوك، فقال رجل من بني سلمة: لا تنفروا في الحر. فأنزل اللّه {قل نار جهنم أشد حرا...} الآية. وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد اللّه قال: استدار برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجال من المنافقين حين أذن للجد بن قيس ليستأذنوه ويقولوا: يا رسول اللّه ائذن لنا فإنا لا نستطيع أن ننفر في الحر، فأذن لهم وأعرض عنهم. فأنزل اللّه {قل نار جهنم أشد حرا...} الآية. ٨٢ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا} قال: هم المنافقون والكفار الذين اتخذوا من دينهم هزوا ولعبا، يقول اللّه تعالى {فليضحكوا قليلا} في الدنيا {وليبكوا كثيرا} في الآخرة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {فليضحكوا قليلا} قال: الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاؤوا، فإذا انقطعت الدنيا وصاروا إلى اللّه تعالى استأنفوا بكاء لا ينقطع أبدا. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي رزين. مثله. وأخرج البخاري والترمذي وابن مردويه عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا". وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته للّه ساجدا، واللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجارون إلى اللّه، لوددت أني كنت شجرة تعضد". وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وأبو يعلى عن أنس"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: يا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع فتسيل فتقرح العيون، فلو أن سفنا أرخيت فيها لجرت". وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة النار عن زيد بن رفيع رفعه قال: إن أهل النار إذا دخلوا النار بكوا الدموع زمانا، ثم بكوا القيح زمانا فتقول لهم الخزنة: يا معشر الأشقياء تركتم البكاء في الدار المرحوم فيها أهلها في الدنيا، هل تجدون اليوم من تستغيثون به؟ فيرفعون أصواتهم: يا أهل الجنة يا معشر الآباء والأمهات والأولاد خرجنا من القبور عطاشا، وكنا طول الموقف، عطاشا ونحن اليوم عطاشا، فأفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم اللّه. فيدعون أربعين سنة لا يجيبهم، ثم يجيبهم إنكم ماكثون. فييأسون من كل خير. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي موسى الأشعري. أنه خطب الناس بالبصرة فقال: يا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع، ثم يبكون الدماء حتى لو أجري فيها السفن لجرت. وأخرج أحمد في الزهد عن عبد اللّه بن عمر قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ولو تعلمون حق العلم لصرخ أحدكم حتى ينقطع صوته، ولسجد حتى ينقطع صلبه. وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ولخرجتم تبكون لا تدرون تنجون أو لا تنجون. ٨٣ أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {فإن رجعك اللّه إلى طائفة منهم} قال: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلا من المنافقين، وفيهم قيل ما قيل. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في الآية يقول: أرأيت إن نفرت فاستأذنوك أن ينفروا معك؟ فقل: لن تخرجوا معي أبدا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فاقعدوا مع الخالفين} قال: هم الرجال الذين تخلفوا عن النفور. ٨٤ انظر تفسير الآية:٨٥ ٨٥ أخرج البخاري ومسلم وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال: لما توفي عبد اللّه بن أبي بن سلول أتى ابنه عبد اللّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه. فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه. فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقام عمر بن الخطاب فأخذ ثوبه فقال: يا رسول اللّه أتصلي عليه وقد نهاك اللّه أن تصلي على المنافقين؟ فقال "إن ربي خيرني وقال (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم) (التوبة: ٨٠) وسأزيد على السبعين فقال: إنه منافق فصلى عليه. فأنزل اللّه تعالى {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} فترك الصلاة عليهم". وأخرج الطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أن عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي قال له أبوه: أي بني، اطلب لي ثوبا من ثياب النبي صلى اللّه عليه وسلم فكفني فيه، ومره أن يصلي علي. قال "فأتاه فقال: يا رسول اللّه قد عرفت شرف عبد اللّه، وهو يطلب إليك ثوبا من ثيابك نكفنه فيه وتصلي عليه؟ فقال عمر: يا رسول اللّه قد عرفت عبد اللّه ونفاقه. أتصلي عليه وقد نهاك اللّه أن تصلي عليه؟ فقال: وابن؟! فقال (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم) (التوبة: ٨٠) قال: فإني سأزيد على سبعين. فأنزل اللّه عز وجل {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره...} الآية. قال: فأرسل إلى عمر فأخبره بذلك، وأنزل اللّه (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) (المنافقون: ٦). وأخرج ابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال: لما مرض عبد اللّه بن أبي بن سلول مرضه الذي مات فيه عاده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما مات صلى عليه وقام على قبره. قال: فواللّه إن مكثنا إلا ليالي حتى نزلت {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا...} الآية. وأخرج ابن ماجة والبزار وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن جابر قال "مات رأس المنافقين بالمدينة، فأوصى أن يصلي عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم وأن يكفنه في قميصه، فجاء ابنه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: أبي أوصى أن يكفن في قميصك، فصلى عليه وألبسه قميصه وقام على قبره، فأنزل اللّه {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} ". وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن مردويه عن أنس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أراد أن يصلي على عبد اللّه بن أبي، فأخذ جبريل عليه السلام بثوبه وقال {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} ". وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: "وقف نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عبد اللّه بن أبي، فدعاه فأغلظ له وتناول لحية النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال أبو أيوب: كف يدك عن لحية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فواللّه لئن أذن لأضعن فيك السلاح، وإنه مرض فأرسل إلى نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعوه، فدعا بقميصه فقال عمر: واللّه ما هو بأهل أن تأتيه. قال: بلى. فأتاه فقال: أهلكتك موادتك اليهود؟ قال: إنما دعوتك لتستغفر لي ولم أدعك لتؤنبني. قال: أعطني قميصك لأكفن فيه. فأعطاه ونفث في جلده، ونزل في قبره، فأنزل اللّه {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا...} الآية قال: فذكروا القميص. قال: وما يغني عنه قميصي، واللّه إني لأرجو أن يسلم به أكثر من ألف من بني الخزرج، فأنزل اللّه {ولا تعجبك أموالهم وأولادهم} الآية". ٨٦ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {أولو الطول} قال: أهل الغنى. ٨٧ انظر تفسير الآية:٨٩ ٨٨ انظر تفسير الآية:٨٩ ٨٩ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} قال: مع النساء. وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص "أن علي بن أبي طالب خرج مع النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى جاء ثنية الوداع يريد تبوك، وعلي يبكي ويقول: تخلفني مع الخوالف؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى إلا النبوة؟ ". وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} قال: رضوا بأن يقعدوا كما قعدت النساء. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} أي النساء وطبع على قلوبهم {أي بأعمالهم}. ٩٠ أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {وجاء المعذرون من الأعراب} يعني أهل العذر منهم ليؤذن لهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وجاء المعذرون من الأعراب} قال: هم أهل الأعذار، وكان يقرؤها {وجاء المعذرون} خفيفة. وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عن ابن عباس. أنه كان يقرأ {وجاء المعذرون من الأعراب} ويقول: لعن اللّه المعذرين. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: من قرأها {وجاء المعذرون من الأعراب} خفيفة قال: بنو مقرن، ومن قرأها {وجاء المعذرون} قال: اعتذروا بشيء ليس لهم عذر بحق. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن. أنه كان يقرأ {وجاء المعذرون} قال: اعتذروا بشيء ليس لهم عذر بحق. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن إسحق في قوله {وجاء المعذرون من الأعراب} قال: ذكر لي أنهم نفر من بني غفار، جاؤوا فاعتذروا، منهم خفاف بن إيماء من خرصة. ٩١ أخرج ابن أبي حاتم والدارقطني في الأفراد وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم براءة، فكنت أكتب ما أنزل اللّه عليه، فإني لواضع القلم على أذني إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه، إذ جاء أعمى فقال: كيف بي يا رسول اللّه وأنا أعمى؟ فنزلت {ليس على الضعفاء} الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {ليس على الضعفاء...} الآية. قال نزلت في عائذ بن عمرو وفي غيره. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: نزل من عند قوله (عفا اللّه عنك) (التوبة: ٤٣) إلى قوله {ما على المحسنين من سبيل واللّه غفور رحيم} في المنافقين. أما قوله تعالى: {إذا نصحوا للّه ورسوله}. أخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم عن أبي ثمامة الصائدي قال: قال الحواريون: يا روح اللّه أخبرنا من الناصح للّه؟ قال: الذي يؤثر حق اللّه على حق الناس، وإذا حدث له أمران أو بدا له أمر الدنيا وأمر الآخرة، بدأ الذي للآخرة ثم تفرغ للذي الدنيا. وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن تميم الداري "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: الدين النصيحة. قالوا: لمن يا رسول اللّه؟ قال: للّه، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم". وأخرج ابن عدي عن ابن عمر "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن الدين النصيحة. قيل: لمن يا رسول اللّه؟ قال: للّه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم". وأخرج البخاري ومسلم والترمذي عن جرير قال "بايعت النبي صلى اللّه عليه وسلم على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم". وأخرج أحمد والحكيم الترمذي عن أبي أمامة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "قال اللّه عز وجل:أحب ما تعبدني به عبدي إلي النصح لي". وأخرج أحمد في الزهد عن وهب بن منبه. أن راهبا قال لرجل: أوصيك بالنصح للّه نصح الكلب لأهله، فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم وينصحهم. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله {ما على المحسنين من سبيل} قال: ما على هؤلاء من سبيل بأنهم نصحوا للّه ورسوله ولم يطيقوا الجهاد، فعذرهم اللّه وجعل لهم من الأجر ما جعل للمجاهدين، ألم تسمع أن اللّه يقول (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) (النساء: ٩٥) فجعل اللّه للذين عذر من الضعفاء، وأولي الضرر، والذين لا يجدون ما ينفقون، من الأجر مثل ما جعل للمجاهدين. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما قفل من غزو تبوك، فأشرف على المدينة قال: لقد تركتم بالمدينة رجالا ما سرتم في مسير، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم فيه. قالوا: يا رسول اللّه وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال: حبسهم العذر". وأخرج أحمد ومسلم وابن مردويه عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لقد خلفتم بالمدينة رجالا ما قطعتم واديا، ولا سلكتم طريقا، إلا شركوكم في الأجر حبسهم المرض". وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {ما على المحسنين من سبيل} واللّه لأهل الإساءة {غفور رحيم}. ٩٢ أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لقد خلفتم بالمدينة أقواما ما أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم واديا، ولا نلتم من عدو نيلا، إلا وقد شركوكم في الأجر، ثم قرأ {ولا على الذين إذا ما أتوك...} الآية". وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن ينبعثوا غازين، فجاءت عصابة من أصحابه فيهم عبد اللّه بن معقل المزني، فقالوا: يا رسول اللّه احملنا؟ فقال "واللّه ما أجد ما أحملكم عليه. فتولوا ولهم بكاء وعز عليهم أن يحبسوا عن الجهاد، ولا يجدون نفقة ولا محملا. فأنزل اللّه عذرهم {ولا على الذين إذا ما أتوك...} الآية". وأخرج ابن سعد ويعقوب بن سفيان في تاريخه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبد اللّه بن معقل قال: إني لمن الرهط الذين ذكر اللّه {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} الآية. وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب قال: جاء ناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يستحملونه فقال "لا أجد ما أحملكم عليه، فأنزل اللّه {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم...} الآية. قال: وهم سبعة نفر من بني عمر بن عوف سالم بن عمير، ومن بني واقن حرمي بن عمرو، ومن بني مازن ابن النجار عبد الرحمن بن كعب يكنى أبا ليلى، ومن بني المعلي سلمان بن صخر، ومن بني حارثة عبد الرحمن بن زيد أبو عبلة، ومن بني سلمة عمرو بن غنمة، وعبد اللّه بن عمرو المزني". وأخرج ابن مردويه عن مجمع بن حارثة قال: الذين استحملوا النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: لا أجد ما أحملكم عليه سبعة نفر. علية بن زيد الحارثي، وعمر بن غنم الساعدي، وعمرو بن هرمي الرافعي، وأبو ليلى المزني، وسالم بن عمرو العمري، وسلمة بن صخر الزرقي، وعبد اللّه بن عمرو المزني. وأخرج عبد الغني بن سعيد في تفسيره وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس في قوله {ولا على الذين إذا ما أتوك...} الآية. قال: منهم سالم بن عمير أحد بني عمرو بن عوف. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر الكلاعي قال: أتينا العرباض بن سارية، وكان من الذين أنزل اللّه فيهم {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم...} الآية. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} قال: هم بنو مقرن من مزينة، وهم سبعة. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن كثير بن عبد اللّه بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده قال: واللّه إني أحد النفر الذين أنزل اللّه فيهم {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم...} الآية. وأخرج ابن إسحق وابن المنذر وأبو الشيخ عن الزهري ويزيد بن يسار وعبد اللّه بن أبي بكر وعاصم بن عمرو بن قتادة وغيرهم "أن رجالا من المسلمين أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهم البكاؤون، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم. من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير، ومن بني حارثة عتبة بن زيد، ومن بني مازن بن النجار أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، ومن بني سلمة عمرو بن عمرو بن جهام بن الجموح، ومن بني واقف هرمي بن عمرو، ومن بني مزينة عبد اللّه بن معقل، ومن بني فزارة عرباض بن سارية، فاستحملوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكانوا أهل حاجة؟ قال: لا أجد ما أحملكم عليه". وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن الحسن رضي اللّه عنه قال: كان معقل بن يسار من البكائين الذي قال اللّه {إذا ما أتوك لتحملهم...} الآية. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن وبكر بن عبد اللّه المزني في هذه الآية {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} الآية. قالا: نزلت في عبد اللّه بن معقل من مزينة، أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم ليحمله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن لهيعة. أن أبا شريح الكعبي كان من الذين قال اللّه {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم}. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك في قوله {لا أجد ما أحملكم عليه} قال: الماء والزاد. وأخرج ابن المنذر عن علي بن صالح قال: حدثني مشيخة من جهينة قالوا: أدركنا الذين سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الحملان. فقالوا: ما سألناه إلا الحملان على النعال {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم}. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم بن أدهم في قوله {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} قال: ما سألوه الدواب، ما سألوه إلا النعال. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: استحملوه النعال. ٩٣ انظر تفسير الآية:٩٦ ٩٤ انظر تفسير الآية:٩٦ ٩٥ انظر تفسير الآية:٩٦ ٩٦ أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {إنما السبيل على الذين يستأذنونك} قال: هي وما بعدها إلى قوله {إن اللّه لا يرضى عن القوم الفاسقين} في المنافقين. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {قد نبأنا اللّه من أخباركم} قال: أخبرنا أنكم لو خرجتم ما زدتمونا إلا خبالا وفي قوله {فأعرضوا عنهم إنهم رجس} قال: لما رجع النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "لا تكلموهم ولا تجالسوهم، فأعرضوا عنهم كما أمر اللّه". وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله {لتعرضوا عنهم {لتتجاوزوا}. ٩٧ أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {الأعراب أشد كفرا ونفاقا} ثم استثنى منهم فقال (من الأعراب من يؤمن باللّه واليوم الآخر) (التوبة: ٩٩) الآية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله} قال: هم أقل علما بالسنن. وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي قال: كان زيد بن صوحان يحدث فقال أعرابي: إن حديثك ليعجبني وإن يدك لتريبني. فقال: أما تراها الشمال؟ فقال الأعرابي: واللّه ما أدري اليمين يقطعون أم الشمال؟ قال زيد: صدق اللّه {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله}. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله {الأعراب أشد كفرا ونفاقا} قال: من منافقي المدينة {وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله} يعني الفرائض وما أمر به من الجهاد. وأخرج أبو الشيخ عن الكلبي في الآية: أنها أنزلت في أسد وغطفان. وأخرج أبو الشيخ عن ابن سيرين قال: إذا تلا أحدكم هذه الآية {الأعراب أشد كفرا ونفاقا} فليتل الآية الأخرى ولا يسكت (ومن الأعراب من يؤمن باللّه واليوم الآخر) (التوبة: ٩٩). وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي في الشعب عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السلطان افتتن. وأخرج أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن، وما ازداد من السلطان قربا إلا ازداد من اللّه بعدا". ٩٨ أخرج أبو الشيخ عن الضحاك {ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما} يعني أنه لا يرجو له ثوابا عند اللّه ولا مجازاة، وإنما يعطي ما يعطي من صدقات ماله كرها {ويتربص بكم الدوائر} الهلكات. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما} قال: هؤلاء المنافقون من الأعراب، الذين إنما ينفقون رياء اتقاء على أن يغزوا ويحاربوا ويقاتلوا، ويرون نفقاتهم مغرما. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما} يعد ما ينفق في سبيل اللّه غرامة يغرمها {ويتربص} بمحمد صلى اللّه عليه وسلم الهلاك. ٩٩ أخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد {ومن الأعراب من يؤمن باللّه واليوم الآخر} قال: هم بنو مقرن من مزينة، وهم الذين قال اللّه (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) (التوبة:٩٢) الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {وصلوات الرسول} يعني استغفار النبي صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {ومن الأعراب من يؤمن باللّه} قال: هذه ثنية اللّه من الأعراب، وفي قوله {وصلوات الرسول} قال: دعاء الرسول. ١٠٠ أخرج أبو عبيد وسنيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حبيب الشهيد عن عمرو بن عامر الأنصاري. أن عمر بن الخطاب قرأ"والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان"فرفع الأنصار ولم يلحق الواو في الذين، فقال له زيد بن ثابت: والذين. فقال عمر: الذين. فقال زيد: أمير المؤمنين أعلم. فقال عمر رضي اللّه عنه: ائتوني بأبي بن كعب، فأتاه فسأله عن ذلك؟ فقال أبي: والذين. فقال عمر رضي اللّه عنه: فنعم إذن فتابع أبيا. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال: مر عمر رضي اللّه عنه برجل يقرأ {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا؟ قال: أبي بن كعب. قال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه، فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم. قال: وسمعتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا! فقال أبي: تصديق ذلك في أول سورة الجمعة (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) (الجمعة آية ٣) وفي سورة الحشر (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا في الإيمان) (الحشر آية ١٠) وفي الأنفال (والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم) (الأنفال آية ٧٥). وأخرج أبو الشيخ عن أبي أسامة ومحمد بن إبراهيم التميمي قالا: مر عمر بن الخطاب برجل وهو يقرأ {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان} فوقف عمر، فلما انصرف الرجل قال: من أقرأك هذه؟ قال: أقرأنيها أبي بن كعب. قال: فانطلق إليه فانطلقا إليه فقال: يا أبا المنذر أخبرني هذا أنك أقرأته هذه الآية. قال: صدق تلقيتها من في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال عمر: أنت تلقيتها من في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: فقال في الثالثة وهو غضبان: نعم. واللّه لقد أنزلها اللّه على جبريل عليه السلام، وأنزلها جبريل عليه السلام على قلب محمد صلى اللّه عليه وسلم ولم يستأمر فيها الخطاب ولا ابنه. فخرج عمر رافعا يديه وهو يقول: اللّه أكبر اللّه أكبر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم في المعرفة عن أبي موسى. أنه سئل عن قوله {والسابقون الأولون} قالوا: هم الذين صلوا القبلتين جميعا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن سعيد بن المسيب في قوله {والسابقون الأولون} قال: هم الذين صلوا القبلتين جميعا. وأخرج ابن المنذر وأبو نعيم عن الحسن ومحمد بن سيرين في قوله {والسابقون الأولون} قالوا: هم الذين صلوا القبلتين جميعا، وهم أهل بدر. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {والسابقون الأولون من المهاجرين} قال: أبو بكر، وعمر، وعلي، وسلمان، وعمار بن ياسر. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو الشيخ وأبو نعيم في المعرفة عن الشعبي في قوله {والسابقون الأولون} قال: من أدرك بيعة الرضوان، وأول من بايع بيعة الرضوان سنان بن وهب الأسدي. وأخرج ابن مردويه عن غيلان بن جرير قال: قلت لأنس بن مالك هذا الاسم الأنصار أنتم سيتموه أنفسكم أو اللّه تعالى سماكم من السماء؟ قال: اللّه تعالى سمانا من السماء. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي عن معاوية بن أبي سفيان"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من أحب الأنصار أحبه اللّه، ومن أبغض الأنصار أبغضه اللّه". وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار". وأخرج أحمد عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال "اللّهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأزواج الأنصار ولذراري الأنصار الأنصار كرشي وعيبتي، ولو أن الناس أخذوا شعبا وأخذت الأنصار شعبا لأخذت شعب الأنصار، ولولا الهجرة كنت امرأ من الأنصار". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن الحارث بن زياد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"من أحب الأنصار أحبه اللّه حين يلقاه، ومن أبغض الأنصار أبغضه اللّه حين يلقاه". وأخرج ابن أبي شيبة عن قيس بن سعد بن عبادة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم. أنه قال " اللّهم صل على الأنصار، وعلى ذرية الأنصار، وعلى ذرية ذرية الأنصار". وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لو سلك الناس واديا وشعبا وسلكتم واديا وشعبا لسلكت واديكم وشعبكم، أنتم شعار والناس دثار ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ثم رفع يديه حتى إني لأرى بياض إبطيه فقال: اللّهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن البراء بن عازب رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، ومن أحبهم أحبه اللّه، ومن أبغضهم أبغضه اللّه". وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ألا إن عيبتي التي آوي إليها أهل بيتي، وإن كرشي الأنصار، فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم". وأخرج ابن أبي شيبة عن سعد بن عبادة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن هذا الحي من الأنصار حبهم إيمان وبغضهم نفاق". وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس رضي اللّه عنه"سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: اللّهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولنساء الأنصار، ولنساء أبناء الأنصار، ولنساء أبناء أبناء الأنصار". وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لا يبغض الأنصار رجل يؤمن باللّه واليوم الآخر". وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن رفاعة عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "اللّهم اغفر للأنصار، ولذراري الأنصار، ولذراري ذراريهم، ولمواليهم، ولجيرانهم". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال " قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار، موالي اللّه ورسوله لا مولى لهم غيره". وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا يبغض الأنصار رجل يؤمن باللّه واليوم الآخر". وأخرج الطبراني عن السائب بن يزيد رضي اللّه عنه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قسم الفيء الذي أفاء اللّه بحنين في أهل مكة من قريش وغيرهم، فغضبت الأنصار فأتاهم فقال: يا معشر الأنصار قد بلغني من حديثكم في هذه المغانم التي آثرت بها أناسا أتألفهم على الإسلام لعلهم أن يشهدوا بعد اليوم وقد أدخل اللّه قلوبهم الإسلام، يا معشر الأنصار ألم يمن اللّه عليكم بالإيمان وخصكم بالكرامة وسماكم بأحسن الأسماء أنصار اللّه وأنصار رسوله؟ ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وسلكتم واديا لسلكت واديكم. أفلا ترضون أن يذهب الناس بهذه الغنائم والشاء والنعم والبعير وتذهبون برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقالوا: رضينا. فقال: أجيبوني فيما قلت. قالوا: يا رسول اللّه وجدتنا في ظلمة فأخرجنا اللّه بك إلى النور، ووجدتنا على شفا حفرة من النار فأنقذنا اللّه بك، ووجدتنا ضلالا فهدانا اللّه بك. فرضينا باللّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا. فقال: أما واللّه لو أجبتموني بغير هذا القول لقلت صدقتم، لو قلت ألم تأتنا طريدا فآويناك، ومكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وقبلنا ما رد الناس عليك، لو قلتم هذا لصدقتم. قالوا: بل للّه ورسوله المن والفضل علينا وعلى غيرنا". وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي اللّه عنه قال: كان الناس على ثلاث منازل. المهاجرون الأولون، والذين اتبعوهم بإحسان، والذين جاؤوا من بعدهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان. فأحسن ما يكون أن يكون بهذه المنزلة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما. أنه أتاه رجل فذكر بعض الصحابة فتنقصه، فقال ابن عباس {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان}. وأخرج عن ابن زيد في قوله {والذين اتبعوهم بإحسان} قال: من بقي من اهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة. وأخرج أبو الشيخ عن عصمة رضي اللّه عنه قال: سألت سفيان عن التابعين قال: هم الذين أدركوا أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم ولم يدركوا النبي صلى اللّه عليه وسلم، سألته عن الذين اتبعوهم بإحسان قال: من يجيء بعدهم. قلت: إلى يوم القيامة؟ قال: أرجو. وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن أبي صخر حميد بن زياد قال: قلت لمحمد بن كعب القرظي رضي اللّه عنه: أخبرني عن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وإنما أريد الفتن؟ فقال: إن اللّه قد غفر لحميع أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم قلت له: وفي أي موضع أوجب اللّه لهم الجنة في كتابهم؟ قال: ألا تقرأ {والسابقون الأولون...} الآية. أوجب لجميع أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم الجنة والرضوان، وشرط على التابعين شرطا لم يشترطه فيهم قلت: وما اشترط عليهم؟ قال: اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان. يقول: يقتدون بهم في أعمالهم الحسنة ولا يقتدون بهم في غير ذلك. قال أبو صخر: لكأني لم أقرأها قبل ذلك، وما عرفت تفسيرها حتى قرأها علي محمد بن كعب. وأخرج ابن مردويه من طريق الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير والقاسم ومكحول وعبدة بن أبي لبابة وحسان بن عطية. أنهم سمعوا جماعة من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم يقولون لما أنزلت هذه الآية {والسابقون الأولون} إلى قوله {ورضوا عنه} قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "هذا لأمتي كلهم وليس بعد الرضا سخط". ١٠١ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {وممن حولكم من الأعراب منافقون...} الآية. قال: قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم جمعة خطيبا فقال: قم يا فلان فاخرج فإنك منافق. فأخرجهم بأسمائهم ففضحهم ولم يكن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه شهد تلك الجمعة لحاجة كانت له، فلقيهم عمر رضي اللّه عنه وهم يخرجون من المسجد، فاختبأ منهم استحياء أنه لم يشهد الجمعة، وظن الناس قد انصرفوا واختبأوا هم من عمر، وظنوا أنه قد علم بأمرهم، فدخل عمر رضي اللّه عنه المسجد فإذا الناس لم ينصرفوا...! فقال له رجل: أبشر يا عمر فقد فضح اللّه المنافقين اليوم فهذا العذاب الأول، والعذاب الثاني عذاب القبر. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي اللّه عنه في قوله {وممن حولكم من الأعراب} قال: جهينة ومزينة وأشجع وأسلم وغفار. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {مردوا على النفاق} قال: أقاموا عليه لم يتوبوا كما تاب آخرون. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {مردوا على النفاق} قال: ماتوا عليه عبد اللّه بن أبي، وأبو عامر الراهب، والجد بن قيس. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {نحن نعلمهم} يقول: نحن نعرفهم. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {لا تعلمهم نحن نعلمهم} قال: فما بال أقوام يتكلمون على الناس يقولون: فلان في الجنة وفلان في النار؟ فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال: لا أدري... لعمري لأنت بنفسك أعلم منك بأعمال الناس، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفه نبي قال نوح عليه السلام (وما علمي بما كانوا يعملون) (الشعراء: ١١٢) وقال شعيب عليه السلام (وما أنا عليكم بحفيظ) (الأنعام: ١٠٤) وقال اللّه تعالى لمحمد {لا تعلمهم نحن نعلمهم}. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {سنعذبهم مرتين} قال: بالجوع والقتل. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك رضي اللّه عنه في قوله {سنعذبهم مرتين} قال: بالجوع وعذاب القبر. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله {سنعذبهم مرتين} قال: عذاب في القبر، وعذاب في النار. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في (عذاب القبر) عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {سنعذبهم مرتين} قال: عذاب في القبر وعذاب في النار. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع رضي اللّه عنه في قوله {سنعذبهم مرتين} قال: يبتلون في الدنيا وعذاب القبر {ثم يردون إلى عذاب عظيم} قال: عذاب جهنم. وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد رضي اللّه عنه في قوله {سنعذبهم مرتين} قال: عذاب في الدنيا بالأموال والأولاد، وقرأ (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد اللّه ليعذبهم بها في الحياة الدنيا) (التوبة: ٥٥) بالمصائب فهي لهم عذاب وهي للمؤمنين أجر. قال: وعذاب الآخرة في النار {ثم يردون إلى عذاب عظيم} النار. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي اللّه عنه قال: بلغني أن ناسا يقولون {سنعذبهم مرتين} يعني القتل وبعد القتل البرزخ، والبرزخ ما بين الموت إلى البعث {ثم يردون إلى عذاب عظيم} يعني عذاب جهنم. وأخرج أبو الشيخ عن أبي مالك رضي اللّه عنه في قوله {سنعذبهم مرتين} قال: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يعذب المنافقين يوم الجمعة بلسانه على المنبر، وعذاب القبر. وأخرج ابن مردويه عن أبي مسعود الأنصاري رضي اللّه عنه قال: لقد خطبنا النبي صلى اللّه عليه وسلم خطبة ما شهدت مثلها قط فقال "أيها الناس إن منكم منافقين فمن سميته فليقم، قم يا فلان، قم يا فلان، حتى قام ستة وثلاثون رجلا. ثم قال: إن منكم وإن منكم وإن منكم فسلوا اللّه العافية. فلقي عمر رضي اللّه عنه رجلا كان بينه وبينه إخاء فقال: ما شأنك؟ فقال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطبنا فقال كذا وكذا. فقال عمر رضي اللّه عنه: أبعدك اللّه سائر اليوم". ١٠٢ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} قال "كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة تبوك، فلما حضر رجوع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممر النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا رجع في المسجد عليهم، فلما رآهم قال: من هؤلاء الموثقون أنفسهم؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول اللّه، أوثقوا أنفسهم وحلفوا أنهم لا يطلقهم أحد حتى يطلقهم النبي صلى اللّه عليه وسلم ويعذرهم. قال: وأنا أقسم باللّه لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون اللّه تعالى هو الذي يطلقهم رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين، فلما بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون اللّه هو الذي يطلقنا. فأنزل اللّه عز وجل {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى اللّه أن يتوب عليهم} وعسى من اللّه وإنه هو التواب الرحيم، فلما نزلت أرسل إليهم النبي صلى اللّه عليه وسلم فأطلقهم وعذرهم، فجاؤوا بأموالهم فقالوا: يا رسول اللّه هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا. قال: ما أمرت أن آخذ أموالكم. فأنزل اللّه عز وجل {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها وتزكيهم بها وصل عليهم} يقول: استغفر لهم إن {صلواتك سكن لهم} يقول: رحمة لهم، فأخذ منهم الصدقة واستغفر لهم، وكان ثلاثة نفر منهم لم يوثقوا أنفسهم بالسواري فأرجئوا سنة لا يدرون أيعذبون أو يتاب عليهم؟ فأنزل اللّه عز وجل (لقد تاب اللّه على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) (التوبة: ١١٧) إلى آخر الآية (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) (التوبة: ١١٨) إلى (ثم تاب عليهم ليتوبوا إن اللّه هو التواب الرحيم) يعني إن استقاموا. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي اللّه عنه. مثله سواء. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله {فاعترفوا بذنوبهم} قال: هو أبو لبابة إذ قال لقريظة ما قال، وأشار إلى حلقه بأن محمدا يذبحكم إن نزلتم على حكمه. وأخرج البيهقي عن سعيد بن المسيب. أن بني قريظة كانوا حلفاء لأبي لبابة فأطلعوا إليه وهو يدعوهم إلى حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالوا: يا أبا لبابة أتأمرنا أن ننزل؟ فأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح، فأخبر عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذلك، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أحسبت أن اللّه غفل عن يدك حين تشير إليهم بها إلى حلقك؟ فلبث حينا حتى غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تبوك - وهي غزوة العسرة - فتخلف عنه أبو لبابة فيمن تخلف، فلما قفل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منها جاءه أبو لبابة يسلم عليه، فأعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ففزع أبو لبابة، فارتبط بسارية التوبة التي عند باب أم سلمة سبعا بين يوم وليلة في حر شديد لا يأكل فيهن ولا يشرب قطرة، قال: لا يزال هذا مكاني حتى أفارق الدنيا أو يتوب اللّه علي. فلم يزل كذلك حتى ما يسمع الصوت من الجهد ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينظر إليه بكرة وعشية، ثم تاب اللّه عليه فنودي أن اللّه قد تاب عليك، فأرسل إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليطلق عنه رباطه، فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فجاءه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأطلقه عنه بيده، فقال أبو لبابة حين أفاق: يا رسول اللّه إني أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأنتقل إليك فأساكنك، وإني أختلع من مالي صدقة إلى اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وسلم. فقال: يجزي عنك الثلث. فهجر أبو لبابة دار قومه وساكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتصدق بثلث ماله ثم تاب، فلم ير منه في الإسلام بعد ذلك إلا خيرا حتى فارق الدنيا". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال "إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غزا غزوة تبوك، فتخلف أبو لبابة ورجلان معه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، ثم إن أبا لبابة ورجلين معه تفكروا وندموا وأيقنوا بالهلكة، وقالوا: نحن في الظل والطمأنينة مع النساء، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنون معه في الجهاد، واللّه لنوثقن أنفسنا بالسواري فلا نطلقها حتى يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو الذي يطلقنا ويعذرنا، فانطلق أبو لبابة فأوثق نفسه ورجلان معه بسواري المسجد وبقي ثلاثة لم يوثقوا أنفسهم، فرجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من غزوته وكان طريقه في المسجد، فمر عليهم فقال: من هؤلاء الموثقون أنفسهم بالسواري؟ فقال رجل: هذا أبو لبابة وصاحبان له تخلفوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فعاهدوا اللّه لا يطلقون أنفسهم حتى تكون الذي أنت تطلقهم وترضى عنهم وقد اعترفوا بذنوبهم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: واللّه لا أطلقهم حتى أؤمر بإطلاقهم، ولا أعذرهم حتى يكون اللّه يعذرهم وقد تخلفوا ورغبوا عن المسلمين بأنفسهم وجهادهم، فأنزل اللّه تعالى {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} الآية. وعسى من اللّه واجب، فلما نزلت الآية أطلقهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعذرهم، فانطلق أبو لبابة وصاحباه بأموالهم، فأتوا بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: خذ من أموالنا فتصدق بها عنا وصل علينا. يقولون: استغفر لنا وطهرنا. فقال: لا آخذ منها شيئا حتى أؤمر به. فأنزل اللّه خذ من أموالهم صدقة...} الآية. قال: وبقي الثلاثة الذين خالفوا أبا لبابة ولم يتوبوا ولم يذكروا بشيء ولم ينزل عذرهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وهم الذين قال اللّه {وآخرون مرجون لأمر اللّه) (التوبة الآية ١٠٦) الآية. فجعل الناس يقولون: هلكوا إذا لم ينزل لهم عذر، وجعل آخرون يقولون: عسى اللّه أن يتوب عليهم. فصاروا مرجئين لأمر اللّه حتى نزلت (لقد تاب اللّه على النبي) (التوبة الآية ١١٧) إلى قوله (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) (التوبة الآية ١١٨) يعني المرجئين لأمر اللّه، نزلت عليهم التوبة فعملوا بها". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} قال: هم الثمانية الذين ربطوا أنفسهم بالسواري، منهم كردم ومرداس وأبو لبابة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} قال: ذكر لنا أنهم كانوا سبعة رهط تخلفوا عن غزوة تبوك، منهم أربعة خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا: جد بن قيس، وأبو لبابة، وحرام، وأوس، كلهم من الأنصار تيب عليهم، وهم الذين قيل {خذ من أموالهم صدقة}. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} قال: غزوهم مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {وآخر سيئا} قال تخلفهم عنه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في التوبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي عثمان النهدي قال: ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} الآية. وأخرج أبو الشيخ والبيهقي عن مطرف قال: إني لأستلقي من الليل على فراشي وأتدبر القرآن، فأعرض أعمالي على أعمال أهل الجنة فإذا أعمالهم شديدة (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) (الذاريات الآية ١٧). (يبيتون لربهم سجدا وقياما) (الفرقان: ٦٤). (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما) (الزمر: ٩) فلا أراني منهم...! فأعرض نفسي على هذه الآية (ما سلككم في سقر) (قالوا لم نك من المصلين) (المدثر: ٤٢ - ٤٦) إلى قوله (نكذب بيوم الدين) فأرى القوم مكذبين فلا أراني منهم، فأمر بهذه الآية {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} فأرجو أن أكون أنا وأنتم يا إخوتاه منهم. وأخرج أبو الشيخ وابن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن عساكر بسند قوي عن جابر بن عبد اللّه قال: كان ممن تخلف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة تبوك ستة: أبو لبابة، وأوس بن جذام، وثعلبة بن وديعة، وكعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية. فجاء أبو لبابة، وأوس بن جذام، وثعلبة، فربطوا أنفسهم بالسواري، وجاؤوا بأموالهم فقالوا: يا رسول اللّه، خذ هذا الذي حبسنا عنك. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لا أحلهم حتى يكون قتال. فنزل القران {خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا...} الآية. وكان ممن أرجئ عن التوبة وخلف كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية. فأرجئوا أربعين يوما، فخرجوا وضربوا فساطيطهم، واعتزلوهم نساؤهم، ولم يتولهم المسلمون ولم يقربوا منهم، فنزل فيهم (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) (التوبة: ١١٨) إلى قوله (التواب الرحيم) فبعثت أم سلمة إلى كعب فبشرته". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب قال: قال الأحنف بن قيس: عرضت نفسي على القرآن فلم أجدني بآية أشبه مني بهذه الآية {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا...} الآية. وأخرج أبو الشيخ عن مالك بن دينار قال: سألت الحسن عن قول اللّه {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} فقال: يا مالك، تابوا، عسى اللّه أن يتوب عليهم، وعسى من اللّه واجبة. وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه عن سمرة بن جندب قال "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ممن يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ وإنه قال لنا ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان فقالا لي: انطلق. فانطلقت معهما، فأخرجاني إلى الأرض المقدسة فأتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ههنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود إليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى. قلت لهما: سبحان اللّه ما هذان...؟! قالا لي: انطلق. فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه وآخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصبح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى. قلت: سبحان اللّه ما هذان...؟! قالا لي: انطلق. فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط وأصوات، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللّهب ضوضوا قلت: ما هؤلاء...؟! فقالا لي: انطلق. فانطلقنا، فأتينا على نهر أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شاطئ النهر رجل عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجر فينطلق فيسبح، ثم يرجع إليه كلما رجع فغر له فاه فألقمه حجرا. قلت لهما: ما هذان...؟! قالا لي: انطلق. فانطلقنا، فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء، وإذا هو عنده نار يحشها ويسعى حولها. قلت لهما: ما هذا...؟! قالا لي: انطلق. فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط. قالا لي: انطلق. فانطلقنا، فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر قط روضة أعظم منها ولا أحسن. قالا لي: ارق فيها. فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء. قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر. فإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المخض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا، فذهب السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة...! قالا لي: هذه جنة عدن وهذاك منزلك، فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء قالا لي: هذا منزلك. قلت لهما: بارك اللّه فيكما ذراني فأدخله. قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله. قلت لهما: فإني رأيت منذ الليلة عجبا، فما هذا الذي رأيت؟! قالا لي: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة، يفعل به إلى يوم القيامة. وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخراه إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة. وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل التنور فإنهم الزناة والزواني. وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة فإنه آكل الربا. وأما الرجل الكريه المرآة الذي عنده النار يحشها فإنه مالك خازن النار. وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه السلام. وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة. وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز اللّه عنهم، وأنا جبريل وهذا ميكائيل". وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي موسى "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: رأيت رجالا تقرض جلودهم بمقاريض من نار. قلت: ما هؤلاء؟! قال: هؤلاء الذين يتزينون إلى ما لا يحل لهم. ورأيت خباء خبيث الريح وفيه صباح. قلت: ما هذا؟! قال: هن نساء يتزين إلى ما لا يحل لهن. ورأيت قوما اغتسلوا من ماء الجناة. قلت: ما هؤلاء؟! قال: هم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا". وأخرج ابن سعد عن الأسود بن قيس العبدي قال: لقي الحسن بن علي يوما حبيب بن مسلمة فقال: يا حبيب رب ميسر لك في غير طاعة اللّه. فقال: أما ميسري إلى أبيك فليس من ذلك قال: بلى ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة، فلئن قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك، ولو كنت إذ فعلت شرا قلت خيرا كان ذلك كما قال اللّه {خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} ولكنك كما قال اللّه (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) (المطففين: ١٤). ١٠٣ أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} قال: من ذنوبهم التي أصابوا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {وصل عليهم} قال: استغفر لهم من ذنوبهم التي أصابوها {إن صلواتك سكن لهم} قال: رحمة لهم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {وصل عليهم} يقول: ادع لهم {إن صلواتك سكن لهم} قال: استغفارك يسكن قلوبهم ويطمن لهم. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه عن عبد اللّه بن أبي أوفى قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أتى بصدقة قال: اللّهم صل على آل فلان. فأتاه أبي بصدقة فقال: اللّهم صل على آل أبي أوفي. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {سكن لهم} قال: أمن لهم. وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر بن عبد اللّه قال: أتانا النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالت له امرأتي: يا رسول اللّه صل علي وعلى زوجي. فقال "صلى اللّه عليك وعلى زوجك". وأخرج ابن أبي شيبة عن خارجة بن زيد عن عمه يزيد بن ثابت - وكان أكبر من زيد - قال: خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد، فسأل عنه فقالوا: فلانة. فعرفها فقال "أفلا آذنتموني بها؟ قالوا: كنت قائلا فكرهنا أن نؤذيك. فقال: لا تفعلوا. ما مات منكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي عليه رحمة". وأخرج الباوردي في معرفة الصحابة وابن مردويه عن دلسم السدوسي قال: قلنا لبشير بن الخصاصية: إن أصحاب الصدقة يعتدون علينا، أفنكنتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ فقال: إذا جاؤوكم فاجمعوها ثم مروهم فليصلوا عليكم، ثم تلا هذه الآية {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم}. ١٠٤ أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: قال الآخرون: هؤلاء كانوا معنا بالأمس لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم؟ فأنزل اللّه {ألم يعلموا أن اللّه هو يقبل التوبة عن عباده...} الآية. وأخرج عبد الرزاق والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود قال: ما تصدق رجل بصدقة إلا وقعت في يد اللّه قبل أن تقع في يد السائل. قال: وهو يضعها في يد السائل، ثم قرأ {ألم يعلموا أن اللّه هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات}. وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة في قوله {ويأخذ الصدقات} قال: إن اللّه هو يقبل الصدقة إذا كانت من طيب ويأخذها بيمينه، وإن الرجل ليصدق بمثل اللقمة فيربيها به كما يربي أحدكم فصيله أو مهره، فتربوا في كف اللّه حتى تكون مثل أحد. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة طيبة من كسب طيب - ولا يقبل اللّه إلا طيبا ولا يصعد إلى السماء إلا طيب - فيضعها في حق إلا كانت كأنما يضعها في يد الرحمن، فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله، حتى أن اللقمة أو التمرة لتأتي يوم القيامة مثل الجبل العظيم، وتصديق ذلك في كتاب اللّه العظيم {ألم يعلموا أن اللّه هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات} ". وأخرج الدارقطني في الأفراد عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "تصدقوا فإن أحدكم يعطي اللقمة أو الشيء فتقع في يد اللّه عز وجل قبل أن تقع في يد السائل، ثم تلا هذه الآية {ألم يعلموا أن اللّه هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات} فيربيها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله فيوفيها إياه يوم القيامة. ١٠٥ أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله} قال: هذا وعيد من اللّه عز وجل. وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن سلمة بن الأكوع "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قرأ {فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون}. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن سلمة بن الأكوع قال: مر بجنازة فأثنى عليها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"وجبت. ثم مر بجنازة أخرى فأثنى عليها، فقال: وجبت. فسئل عن ذلك فقال: إن الملائكة شهداء اللّه في السماء وأنتم شهداء اللّه في الأرض، فما شهدتم عليه من شيء وجب، وذلك قول اللّه {وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون} ". وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: ما احتقرت أعمال أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى نجم القراء الذين طعنوا على عثمان، فقالوا قولا لا نحسن مثله، وقرأوا قرأءة لا نقرأ مثلها، وصلوا صلاة لا نصلي مثلها، فلما تذكرت إذن واللّه ما يقاربون عمل أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإذا أعجبك حسن قول امرئ منهم {وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون} ولا يستخفنك أحد. وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب وابن أبي الدنيا في الإخلاص والضياء في المختارة عن أبي سعيد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لأخرج اللّه عمله للناس كائنا ما كان" واللّه أعلم. ١٠٦ أخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله {وآخرون مرجون لأمر اللّه} قال: هم الثلاثة الذين خلفوا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {وآخرون مرجون} قال: هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، من الأوس والخزرج. وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب. أن أبا لبابة أشار إلى بني قريظة بأصبعه أنه الذبح، فقال: خنت اللّه ورسوله. فنزلت (لا تخونوا اللّه والرسول) (الأنفال: ٢٧) ونزلت {وآخرون مرجون لأمر اللّه} فكان ممن تاب اللّه عليه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {إما يعذبهم} يقول: يميتهم على معصية {وإما يتوب عليهم} فأرجا أمرهم ثم نسخها فقال (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) (التوبة: ١١٨). ١٠٧ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا} قال: هم أناس من الأنصار ابتنوا مسجدا فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدكم واستمدوا بما استطعتم من قوة وسلاح، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فأتي بجنده من الروم فأخرج محمدا وأصحابه. فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا فنحب أن تصلي فيه وتدعو بالبركة. فأنزل اللّه {لا تقم فيه أبدا}. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما بنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مسجد قباء خرج رجال من الأنصار منهم يخدج جد عبد اللّه بن حنيف، ووديعة بن حزام، ومجمع بن جارية الأنصاري، فبنوا مسجد النفاق فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليخدج "ويلك يا يخدج...! ما أردت إلى ما أرى؟ قال: يا رسول اللّه، واللّه ما أردت إلا الحسنى - وهو كاذب - فصدقه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأراد أن يعذره، فأنزل اللّه {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب اللّه ورسوله} يعني رجلا يقال له أبو عامر، كان محاربا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان قد انطلق إلى هرقل وكانوا يرصدون إذا قدم أبو عامر أن يصلي فيه، وكان قد خرج من المدينة محاربا للّه ولرسوله". وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال "ذكر أن بني عمرو بن عوف ابتنوا مسجدا، فبعثوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يأتيهم فيصلي في مسجدهم، فأتاهم فصلى فيه، فلما رأوا ذلك إخوتهم بنو غنم بن عوف حسدوهم، فقالوا: نبني نحن أيضا مسجدا كما بنى إخواننا فنرسل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيصلي فيه، ولعل أبا عامر أن يمر بنا فيصلي فيه فبنوا مسجدا فأرسلوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يأتيهم فيصلي في مسجدهم كما صلى في مسجد إخوتهم، فلما جاء الرسول قام ليأتيهم أو هم ليأتيهم، فأنزل اللّه {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا} إلى قوله {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم} إلى آخر الآية". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {والذين اتخذوا مسجدا} قال: المنافقون. وفي قوله {وإرصادا لمن حارب اللّه ورسوله} قال: لأبي عامر الراهب. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا} قال: إن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنى مسجدا بقباء فعارضه المنافقون بآخر، ثم بعثوا إليه ليصلي فيه فأطلع اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم على ذلك. وأخرج ابن إسحق وابن مردويه عن ابن عباس قال: دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مالك بن الدخشم فقال: مالك لعاصم، أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي، فدخل على أهله فأخذ سعفات من نار، ثم خرجوا يشتدون حتى دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدموه وخرج أهله فتفرقوا عنه، فأنزل اللّه في شأن المسجد {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا} إلى قوله {عليم حكيم}. وأخرج ابن إسحق وابن مردويه عن أبي رهم كلثوم بن الحصين الغفاري - وكان من الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة - قال "أقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى نزل بذي أوان بينه وبين المدينة ساعة من نهار وكان بنى مسجد الضرار، فأتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول اللّه إنا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة الشاتية والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه. قال: إني على جناح سفر، ولو قدمنا إن شاء اللّه أتيناكم فصلينا لكم فيه، فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد، فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف، ومعن بن عدي، وأخاه عاصم بن عدي أحد بلعجلان، فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فأهدماه وأحرقاه، فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف وهم هط مالك بن الدخشم، فقال مالك لمعن: أنظرني حتى أخرج إليك. فدخل إلى أهله، فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا، ثم خرج يشتدان وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه، وفيهم نزل من القرآن ما نزل {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا} إلى أخر القصة". وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {والذين اتخذوا مسجدا} قال: هم ناس من الأنصار، ابتنوا مسجدا قريبا من مسجد قباء، بلغنا أنه أول مسجد بني في الإسلام. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن إسحق قال: كان الذين بنوا مسجد الضرار اثني عشر رجلا. جذام بن خالد بن عبيد بن زيد، وثعلبة بن حاطب، وهزال بن أمية، ومعتب بن قشير، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعباد بن حنيف، وجارية بن عامر، وأبناء محمع، وزيد، ونبتل بن الحارث، ويخدج بن عثمان، ووديعة بن ثابت. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا} قال: ضاروا أهل قباء {وتفريقا بين المؤمنين} قال: فإن أهل قباء كانوا يصلون في مسجد قباء كلهم، فلما بني ذلك أقصر من مسجد قباء من كان يحضره وصلوا فيه {وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى} فحلفوا ما أرداوا به إلا الخير. أما قوله تعالى: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه}. أخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن خزيمة وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي سعيد الخدري قال: اختلف رجلان رجل من بني خدرة، وفي لفظ: تماريت أنا ورجل من بني عمرو بن عوف في المسجد الذي أسس على التقوى. فقال الخدري: هو مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقال العمري: هو مسجد قباء. فأتيا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسألاه عن ذلك فقال "هو هذا المسجد، لمسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال: في ذلك خير كثير، يعني مسجد قباء". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والزبير بن بكار في أخبار المدينة وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والحاكم في الكنى وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدي قال: اختلف رجلان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى. فقال أحدهما: هو مسجد الرسول صلى اللّه عليه وسلم. وقال الآخر: هو مسجد قباء. فأتيا النبي صلى اللّه عليه وسلم فسألاه فقال "هو مسجدي هذا". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب والضياء في المختارة عن أبي بن كعب قال: سألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال "هو مسجدي هذا". وأخرج الطبراني والضياء المقدسي في المختارة عن زيد بن ثابت "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال "هو مسجدي هذا". وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه والطبراني من طريق عروة عن زيد بن ثابت قال: المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم. قال عروة: مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم خير منه، إنما أنزلت في مسجد قباء. وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن ابن عمر قال: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج الزبير بن بكار وابن جرير وابن المنذر من طريق عثمان بن عبيد اللّه عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري وزيد بن ثابت قالوا: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد الرسول صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب قال المسجد الذي أسس على التقوى مسجد المدينة الأعظم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله {لمسجد أسس على التقوى} يعني مسجد قباء. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله {لمسجد أسس على التقوى} قال: هو مسجد قباء. وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي والحاكم وصححه وابن ماجة عن أسيد بن ظهيرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "صلاة في مسجدة قباء كعمرة" قال الترمذي: لا نعرف لأسيد بن ظهيرة شيء يصح غير هذا الحديث. وأخرج ابن سعد عن ظهير بن رافع الحارثي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال " من صلى في قباء يوم الإثنين والخميس انقلب بأجرة عمرة". وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن عمر قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يكثر الإختلاف إلى قباء راكبا وماشيا. وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن ماجة عن سهل بن حنيف قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من خرج حتى يأتي هذا المسجد - مسجد قباء - فيصلي فيه كان كعدل عمرة". وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين. أنه كان يرى كل مسجد بني بالمدينة أسس على التقوى. وأخرج ابن أبي حاتم عن عمار الذهبي قال: دخلت مسجد قباء أصلي فيه فأبصرني أبو سلمة فقال: أحببت أن تصلي في مسجد أسس على التقوى من أول يوم. فأخبرني أن ما بين الصومعة إلى القبلة زيادة زادها عثمان. ١٠٨ أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "نزلت هذه الآية في أهل قباء {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية". وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما أنزلت هذه الآية {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى عويم بن ساعدة قال "ما هذا الطهور الذي أثنى اللّه عليكم؟ فقالوا: يا رسول اللّه ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه، أو قال: مقعدته. فقال النبي: هو هذا". وأخرج أحمد وابن خزيمة والطبراني والحاكم وابن مردويه عن عويم بن ساعدة الأنصاري "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال: إن اللّه قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم، فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟ قالوا: واللّه يا رسول اللّه ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود، فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا". وأخرج ابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الجارود في المنتقي والدارقطني والحاكم وابن مردويه وابن عساكر عن طلحة بن نافع قال: حدثني أبو أيوب، وجابر بن عبد اللّه، وأنس بن مالك رضي اللّه عنهم، أن هذه الآية لما نزلت {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يا معشر الأنصار إن اللّه قد أثنى عليكم خيرا في الطهور فما طهوركم هذا؟ قالوا: نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة قال: فهل مع ذلك غيره؟ قالوا: لا، غير أن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجي بالماء. قال: هو ذاك فعليكموه". وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مجمع بن يعقوب بن مجمع "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لعويم بن ساعدة: ما هذا الطهور الذي أثنى اللّه عليكم؟ فقالوا: نغسل الأدبار". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه وابن جرير والبغوي في معجمه والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن محمد بن عبد اللّه بن سلام عن أبيه قال: لما أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المسجد الذي أسس على التقوى فقال "إن اللّه قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني؟ يعني قوله {فيه رجال يحبون أن يتطهروا واللّه يحب المطهرين} فقالوا: يا رسول اللّه إنا لنجد مكتوبا في التوراة الاستنجاء بالماء، ونحن نفعله اليوم". وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال: لما نزلت هذه الآية {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأهل قباء"ما هذا الثناء الذي أثنى اللّه عليكم؟ قالوا: ما منا أحد إلا وهو يستنجي بالماء من الخلاء". وأخرج ابن أبي شيبة عن جعفر عن أبيه أن هذه الآية نزلت في أهل قباء {فيه رجال يحبون أن يتطهروا واللّه يحب المطهرين}. وأخرج عبد الرزاق في مصنفه والطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأهل قباء "ما هذا الطهور الذي خصصتم به في هذه الآية {فيه رجال يحبون أن يتطهروا}؟ قالوا: يا رسول اللّه ما منا أحد يخرج من الغائط إلا غسل مقعدته". وأخرج عبد الرزاق وابن مردويه عن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل قال "سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم أهل قباء فقال: إن اللّه قد أثنى عليكم فقالوا: إنا نستنجي بالماء. فقال: إنكم قد أثنى عليكم فدوموا". وأخرج ابن جرير عن عطاء قال: أحدث قوم الوضوء بالماء من أهل قباء، فأنزلت فيهم {فيه رجال يحبون أن يتطهروا واللّه يحب المطهرين}. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن خزيمة بن ثابت قال: كان رجال منا إذا خرجوا من الغائط يغسلون أثر الغائط، فنزلت فيهم هذه الآية {فيه رجال يحبون أن يتطهروا}. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال: قالوا: يا رسول اللّه، من هؤلاء الذي قال اللّه فيهم {فيه رجال يحبون أن يتطهروا واللّه يحب المطهرين}؟ قال: كانوا يستنجون بالماء، وكانوا لا ينامون الليل كله وهم على الجنابة". وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق عروة بن الزبير أن عويم بن ساعدة قال: يا رسول اللّه من الذين قال اللّه فيهم رجال يحبون أن يتطهروا واللّه يحب المطهرين؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "نعم القوم منهم عويم بن ساعدة، ولم يبلغنا أنه سمى رجلا غير عويم". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لنفر من الأنصار "إن اللّه قد أثنى عليكم في الطهور فما طهوركم؟ قالوا: نستنجي بالماء من البول والغائط:. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في هذه الآية {فيه رجال يحبون أن يتطهروا...} الآية. قال "سألهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن طهورهم الذي أثنى اللّه به عليهم. قالوا: كنا نستنجي بالماء في الجاهلية، فلما جاء اللّه بالإسلام لم ندعه. قال: فلا تدعوه". وأخرج ابن مردويه من طريق يعقوب بن مجمع عن عبد الرحمن بن يزيد عن مجمع بن جارية عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "أن هذه الآية نزلت في أهل قباء {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} وكانوا يغسلون أدبارهم بالماء". وأخرج ابن سعد من طريق موسى بن يعقوب عن السري بن عبد الرحمن عن عباد بن حمزة. أنه سمع جابر بن عبد اللّه يخبر: أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول "نعم العبد من عباد اللّه والرجل من أهل الجنة عويم بن ساعدة. قال موسى: وبلغني أنه لما نزلت {فيه رجال يحبون أن يتطهروا واللّه يحب المطهرين} قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: منهم عويم أول من غسل مقعدته بالماء فيما بلغني". وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: بلغني أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يدخل الخلاء إلا توضأ أو مس ماء. وأخرج عمر بن شبة في أخبار المدينة من طريق الوليد بن سندر الأسلمي عن يحيى بن سهل الأنصاري عن أبيه. إن هذه الآية نزلت في أهل قباء، كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} الآية. وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن قتادة "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لبعض الأنصار: ما هذا الطهور الذي أثنى اللّه عليكم {فيه رجال يحبون أن يتطهروا}؟ قالوا: نستطيب بالماء إذا جئنا من الغائط". ١٠٩ أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {أفمن أسس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوان خير} قال: هذا مسجد قباء {أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار} قال: هذا مسجد الضرار. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: مسجد الرضوان أول مسجد بني في المدينة في الإسلام. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي اللّه عنه قال: لما أسس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المسجد الذي أسسه على التقوى كان كلما رفع لبنة قال "اللّهم إن الخير خير الآخرة. ثم يناولها أخاه، فيقول ما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى تنتهي اللبنة منتهاه، ثم يرفع الأخرى فيقول: اللّهم اغفر للأنصار والمهاجرة، ثم يناولها أخاه، فيقول ما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى تنتهي اللبنة منتهاها". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم} قال: بنى قواعده في نار جهنم. وأخرج مسدد في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن جابر بن عبد اللّه قال: لقد رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حيث انهار على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {فانهار به في نار جهنم} قال: واللّه ما تناهى أن وقع في النار، ذكر لنا أنه حفرت فيه بقعة فرؤي منها الدخان. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {فانهار به في نار جهنم} قال: مسجد المنافقين انهار فلم يتناه دون أن وقع في النار. ولقد ذكر لنا: أن رجالا حفروا فيه فرأوا الدخان يخرج منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {فانهار به في نار جهنم} قال: فمضى حين خسف به. وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة. أنه لا يزال منه دخان يفور لقوله {فانهار به في نار جهنم} ويقال: إنه بقعة في نار جهنم. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: في قرأءة عبد اللّه بن مسعود "فانهار به قواعده في نارجهنم "يقول: خر من قواعده في نار جهنم. ١١٠ أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم} قال: يعني الشك {إلا أن تقطع قلوبهم} يعني الموت. وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: قلت لإبراهيم: أرأيت قول اللّه {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم}؟ قال: الشك. قلت: لا. قال: فما تقول أنت؟ قلت: القوم بنوا مسجدا ضرارا وهم كفارا حين بنوا، فلما دخلوا في الإسلام جعلوا لا يزالون يذكرون، فيقع في قلوبهم مشقة من ذلك فتراجعوا له، فقالوا: يا ليتنا لم نكن فعلنا، وكلما ذكروه وقع من ذلك في قلوبهم مشقة وندموا. فقال إبراهيم: استغفر اللّه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن حبيب بن أبي ثابت في قوله {ريبة في قلوبهم} قال: غيظا في قلوبهم {إلا أن تقطع قلوبهم} قال: إلى أن يموتوا. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {إلا أن تقطع} قال: الموت أن يموتوا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أيوب قال: كان عكرمة يقرأها "لا أن تقطع قلوبهم في القبر". وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله {إلا أن تقطع قلوبهم} قال: إلا أن يتوبوا، وكان أصحاب عبد اللّه يقرؤونها "ريبة في قلوبهم ولو تقطعت قلوبهم". ١١١ أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: قال عبد اللّه بن رواحة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: اشترط لربك ولنفسك ما شئت. قال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم. قالوا فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: الجنة. قال: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل. فنزلت {إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم...} الآية. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد اللّه قال "نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو في المسجد {إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم} الآية. فكبر الناس في المسجد. فاقبل رجل من الأنصار ثانيا طرفي ردائه على عاتقه فقال: يا رسول اللّه أنزلت هذه الآية؟ قال: نعم. فقال الأنصاري: بيع ربيح لا نقبل ولا نستقيل". وأخرج ابن مردويه عن أبو هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "من سل سيفه في سبيل اللّه فقد بايع اللّه". وأخرج ابن سعد عن عباد بن الوليد بن عبادة بن الصامت "أن أسعد بن زرارة أخذ بيد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليلة العقبة فقال: يا أيها الناس هل تدرون علام تبايعون محمدا؟ إنكم تبايعونه على أن تحاربوا العرب والعجم والجن والإنس كافة. فقالوا: نحن حرب لمن حارب وسلم لمن سالم. فقال أسعد بن زرارة: يا رسول اللّه اشترط علي، فقال: تبايعوني على أن تشهدوا أن لا إله إلا اللّه وإني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، والسمع والطاعة، ولا تنازعوا الأمر أهله، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم. قالوا: نعم. قال قائل الأنصار: نعم هذا لك يا رسول اللّه فما لنا؟ قال: الجنة والنصر". وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال: انطلق النبي صلى اللّه عليه وسلم بالعباس بن عبد المطلب - وكان ذا رأي - إلى السبعين من الأنصار عند العقبة فقال العباس: ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة، فإن عليكم للمشركين عينا وإن يعلموا بكم يفضحوكم. فقال قائلهم وهو أبو أمامة أسعد: يا محمد سل لربك ما شئت ثم سل لنفسك وأصحابك ما شئت، ثم أخبرنا ما لنا من الثواب على اللّه وعليكم إذا فعلنا ذلك. فقال "أسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأسألكم لنفسي وأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم. قال: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: الجنة. فكان الشعبي إذا حدث هذا الحديث قال: ما سمع الشيب والشبان بخطبة أقصر ولا أبلغ منها". وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن أنه كان إذا قرأ هذه الآية {إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} قال: أنفس هو خلقها وأموال هو رزقها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} قال: ثامنهم - واللّه - وأعلى لهم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال: ما على ظهر الأرض مؤمن إلا قد دخل هذه البيعة. وفي لفظ: اسعوا إلى بيعة بايع اللّه بها كل مؤمن {إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم}. وأخرج ابن المنذر من طريق عياش بن عتبة الحضرمي عن إسحق بن عبد اللّه المدني قال: لما نزلت هذه الآية {إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} دخل على رسول اللّه رجل من الأنصار فقال: يا رسول اللّه نزلت هذه الآية؟ فقال: نعم. فقال الأنصاري: بيع رابح لا نقيل ولا نستقيل قال عياش: وحدثني إسحق أن المسلمين كلهم قد دخلوا في هذه الآية، من كان منهم إذا احتيج إليه نفع وأغار، ومن كان منهم لا يغير إذا احتيج إليه فقد خرج من هذه البيعة". وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله {إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون} يعني يقاتلون المشركين {في سبيل اللّه} يعني في طاعة اللّه {فيقتلون} العدو {و يقتلون} يعني المؤمنين {وعدا عليه حقا} يعني ينجز ما وعدهم من الجنة {في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه} فليس أحد أوفى بعهده من اللّه {فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به} الرب تبارك بإقراركم بالعهد الذي ذكره في هذه الآية {وذلك} الذي ذكر من الثواب في الجنة للقاتل والمقتول {هو الفوز العظيم}. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله {إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} قال: ثامنهم - واللّه - فأعلى لهم الثمن {وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن} قال: وعدهم في التوراة والإنجيل أنه من قتل في سبيل اللّه أدخله الجنة.وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن شمر بن عطية قال: ما من مسلم إلا وللّه تعالى في عنقه بيعة وفى بها أو مات عليها {إن اللّه اشترى من المؤمنين} الآية. وأخرج أبو الشيخ عن الربيع قال: في قرأءة عبد اللّه رضي اللّه "إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنة". وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي اللّه عنه في قوله {إن اللّه اشترى...} الآية. قال: نسخها (ليس على الضعفاء) (التوبة: ٩١) الآية. وأخرج أبو الشيخ عن سليمان بن موسى رضي اللّه عنه: وجبت نصرة المسلمين على كل مسلم لدخوله في البيعة التي اشترى اللّه بها من المؤمنين أنفسهم. ١١٢ أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال: من مات على هذه التسع فهو في سبيل اللّه {التائبون العابدون} إلى آخر الآية. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: الشهيد من كان فيه التسع خصال {التائبون العابدون} إلى قوله {وبشر المؤمنين}. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله {التائبون} قال: تابوا من الشرك وبرئوا من النفاق. وفي قوله {العابدون} قال: عبدوا اللّه في أحايينهم كلها، أما واللّه ما هو بشهر ولا شهرين ولا سنة ولا سنتين ولكن كما قال العبد الصالح (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) (مريم: ٣١) وفي قوله {الحامدون} قال: يحمدون اللّه على كل حال في السراء والضراء. وفي قوله {الراكعون الساجدون} قال: في الصلوات المفروضات. وفي قوله {الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر} قال: لم يأمروا بالمعروف حتى ائتمروا به، ولم ينهوا الناس عن المنكر حتى انتهوا عنه. وفي قوله {والحافظون لحدود اللّه} قال: القائمون بأمر اللّه عز وجل {وبشر المؤمنين} قال: الذين لم يغزوا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله {التابئون} قال: من الشرك والذنوب {العابدون} قال: العابدون للّه عز وجل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {التائبون} قال: الذين تابوا من الشرك ولم ينافقوا في الإسلام {العابدون} قال: قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم {الحامدون} قال: قوم يحمدون اللّه على كل حال {السائحون} قال: قوم أخذوا من أبدانهم صوما للّه عز وجل {والحافظون لحدود اللّه} قال: لفرائضه من حلاله وحرامه. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {العابدون} قال: الذين يقيمون الصلاة. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون اللّه على السراء والضراء". وأخرج ابن المبارك عن سعيد بن جبير قال: إن أول من يدعى إلى الجنة الذين يحمدون اللّه على كل حال، أو قال: في السراء والضراء. وأخرج البيهقي في الشعب عن عائشة قالت "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أتاه الأمر يسره قال: الحمد للّه الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا أتاه الأمر يكرهه قال: الحمد للّه على كل حال". وأخرج ابن جرير عن عبيد بن عمير رضي اللّه عنه قال: سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن السائحين، قال "هم الصائمون". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: كلما ذكر اللّه في القرآن السياحة هم الصائمون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال {السائحون} الصائمون. وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت: سياحة هذه الأمة الصيام. وأخرج الفريابي ومسدد في مسنده وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عبيد بن عمير عن أبي هريرة قال: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن السائحين، فقال "هم الصائمون". وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه وابن النجار من طريق أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "السائحون: هم الصائمون". وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن السائحين. فقال: "الصائمون". وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال {السائحون} الصائمون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله {السائحون} قال: هم الصائمون. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الحسن مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عمر والعبدي قال {السائحون} الصائمون الذين يديمون الصيام. وأخرج ابن المنذر عن سفيان بن عيينة قال: إنما سمي الصائم السائح لأنه تارك للذات الدنيا كلها من المطعم والمشرب والمنكح، فهو تارك للدنيا بمنزلة السائح. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي فاختة مولى جعدة بن هبيرة. أن عثمان بن مظعون أراد أن ينظر أيستطيع السياحة؟ قال: كانوا يعدون السياحة قيام الليل وصيام النهار. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي أمامة. أن رجلا استأذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في السياحة. قال "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل اللّه". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {السائحون} قال: هم المهاجرون، ليس في أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم سياحة إلا الهجرة، وكانت سياحتهم الهجرة حين هاجروا إلى المدينة، ليس في أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ترهب. وأخرج ابن جرير عن وهب بن منبه قال: كانت السياحة في بني إسرائيل. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله {السائحون} قال: طلبة العلم. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس الآمرون بالمعروف قال: بلا إله إلا اللّه {والناهون عن المنكر} قال: الشرك باللّه {وبشر المؤمنين} قال: الذين لم يغزوا. وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله {والحافظون لحدود اللّه} قال: لفرائض اللّه التي افترض، نزلت هذه الآية في المؤمنين الذين لم يغزوا، والآية التي قبلها فيمن غزا {وبشر المؤمنين} قال: الغازين. وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في هذه الآية قال: هذه قال فيها أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم: إن اللّه قضى على نفسه في التوراة والإنجيل والقرآن لهذه الأمة أنه من قتل منهم على هذه الأعمال كان عند اللّه شهيدا، ومن مات منهم عليها فقد وجب أجره على اللّه. وأخرج ابن المنذر عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: الشهيد من لو مات على فراشه دخل الجنة. قال: وقال ابن عباس: من مات وفيه تسع فهو شهيد {التائبون العابدون} إلى آخر الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} يعني بالجنة، ثم قال: {التائبون} إلى قوله {والحافظون لحدود اللّه} يعني القائمون على طاعة اللّه، وهو شرط اشترطه اللّه على أهل الجهاد إذا وفوا اللّه بشرطه وفى لهم بشرطهم. ١١٣ انظر تفسير الآية:١١٤ ١١٤ أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: " لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم وعنده أبو جهل، وعبد اللّه بن أبي أمية، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم "أي عم، قل لا إله إلا اللّه أحاج لك بها عند اللّه. فقال أبو جهل وعبد اللّه بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ وجعل النبي يعرضها عليه وأبو جهل وعبد اللّه يعاونانه بتلك المقالة. فقال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا اللّه فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم إنه عنك. فنزلت {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية. وأنزل اللّه في أبي طالب فقال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (إنك لا تهدي من أحببت ولكن اللّه يهدي من يشاء) (القصص: ٥٦) ". وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان والضياء في المختارة عن علي قال: سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فذكرت ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الآية، فلما نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا، ثم أنزل اللّه تعالى {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه} الآية. يعني استغفر له ما كان حيا، فلما مات أمسك عن الاستغفار. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب قال: لما مرض أبو طالب أتاه النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال المسلمون: هذا محمد صلى اللّه عليه وسلم يستغفر لعمه وقد استغفر إبراهيم لأبيه فاستغفروا لقراباتهم من المشركين. فأنزل اللّه {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} ثم أنزل اللّه تعالى {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} قال: كان يرجوه في حياته {فلما تبين له أنه عدو اللّه تبرأ منه}. وأخرج ابن جرير من طريق شبل عن عمرو بن دينار "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي. وقال أصحابه: لنستغفرن لآبائنا كما استغفر النبي صلى اللّه عليه وسلم لعمه، فأنزل اللّه {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} إلى قوله {نبرأ منه} ". وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال: "لما حضرت أبا طالب الوفاة، أتاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال له: أي عم، إنك أعظم علي حقا من والدي فقل كلمة يجب لك بها الشفاعة يوم القيامة، قل لا إله إلا اللّه. فذكر نحو ما تقدم". وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجالا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم قالوا: يا نبي اللّه إن من آبائنا من كان يحسن الجوار، ويصل الرحم، ويفك العاني، ويوفي بالذمم، أفلا نستغفر لهم؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم "واللّه لأستغفرن لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه. فأنزل اللّه {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين...} الآية ثم عذر إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} إلى قوله {تبرأ منه} وذكر لنا أن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: أوحى إلي كلمات قد دخلن في أذني ووقرن في قلبي، أمرت أن لا أستغفر لمن مات مشركا، ومن أعطى فضل ماله فهو خير له، ومن أمسك فهو شر له، ولا يلوم اللّه على كفاف". وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن علي قال "أخبرت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بموت أبي طالب، فبكى فقال: اذهب فغسله وكفنه وواره غفر اللّه له ورحمه. ففعلت وجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يستغفر له أياما ولا يخرج من بيته، حتى نزل جبريل عليه السلام عليه بهذه الآية {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} ". وأخرج ابن سعد وأبو الشيخ وابن عساكر من طريق سفيان بن عيينة عن عمر قال: لما مات أبو طالب قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "رحمك اللّه وغفر لك، لا أزال أستغفر لك حتى ينهاني اللّه، فأخذ المسلمون يستغفرون لموتاهم الذين ماتوا وهم مشركون، فأنزل اللّه {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين...} الآية. فقالوا: قد استغفر إبراهيم لأبيه فنزلت {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه...} الآية. قال: فلما مات على كفره تبين له أنه عدو اللّه". وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن الحسن قال: لما مات أبو طالب قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "إن إبراهيم استغفر لأبيه وهو مشرك وأنا أستغفر لعمي حتى أبلغ، فأنزل اللّه {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} يعني به أبا طالب فاشتد على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال اللّه لنبيه {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} يعني حين قال (سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا) (مريم: ٤٧) {فلما تبين له أنه عدو للّه} يعني مات على الشرك {تبرأ منه} ". وأخرج ابن جرير من طريق عطية العوفي عن ابن عباس في قوله {ما كان للنبي والذين آمنوا...} الآية. قال إن النبي صلى اللّه عليه وسلم أراد أن يستغفر لأبيه، فنهاه اللّه عن ذلك قال "فإن إبراهيم قد استغفر لأبيه. فنزلت {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه} الآية. قلت إن هذا الأثر ضعيف معلول، فإن عطية ضعيف وهو مخالف لرواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس السابقة، وتلك أصح وعلى ثقة جليل". وأخرج الطبراني وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما أقبل من غزوة تبوك اعتمر، فلما هبط من ثنية عسفان أمر أصحابه أن يستندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم، فذهب فنزل على قبر أمه آمنة، فناجى ربه طويلا، ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه، فبكى هؤلاء لبكائه فقالوا: يا نبي اللّه بكينا لبكائك. قلنا لعله أحدث في أمتك شيء لم يطقه فقال: لا، وقد كان بعضه ولكني نزلت على قبر أمي فدعوت اللّه تعالى ليأذن لي في شفاعتها يوم القيامة، فأبى أن يأذن لي فرحمتها وهي أمي فبكيت، ثم جاءني جبريل عليه السلام فقال {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} الآية. فتبرأ أنت من أمك كما تبرأ إبراهيم من أبيه فرحمتها وهي أمي، فدعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربع فرفع عنهم اثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين. دعوت أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض، وأن لا يلبسهم شيعا، وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع اللّه عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض، وأبى أن يرفع عنهم القتل والهرج. قال: وإنما عدل إلى قبر أمه لأنها كانت مدفونة تحت كدي "وكانت عسفان لهم وبها ولد النبي صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال "خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوما إلى المقابر، فاتبعناه فجاء حتى جلس إلى قبر منها، فناجاه طويلا ثم بكى فبكينا لبكائه، ثم قام فقام إليه عمر، فدعاه ثم دعانا فقال: ما أبكاكم؟ قلنا: بكينا لبكائك. قال: إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي، وإني استأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي، وأنزل علي {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة، فذلك الذي أبكاني". وأخرج ابن مردويه عن بريدة قال "كنت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم إذ وقف على عسفان، فنظر يمينا وشمالا فأبصر قبر أمه آمنة، ورد الماء فتوضأ ثم صلى ركعتين ودعا فلم يفجأنا إلا وقد علا بكاؤه فعلا بكاؤنا لبكائه، ثم انصرف إلينا فقال: ما الذي أبكاكم؟ قالوا: بكيت فبكينا يا رسول اللّه. قال: وما ظننتم؟ قالوا: ظننا أن العذاب نازل علينا بما نعمل. قال: لم يكن من ذلك شيء. قالوا: فظننا أن أمتك كلفت من الأعمال ما لا يطيقون فرحمتها. قال: لم يكن من ذلك شيء، ولكن مررت بقبر أمي آمنة فصليت ركعتين، فاستأذنت ربي أن أستغفر لها فنهيت فبكيت ثم عدت فصليت ركعتين فاستأذنت ربي أن أستغفر لها، فزجرت زجرا فعلا بكائي ثم دعا براحلته فركبها، فما سار إلا هنية حتى قامت الناقة لثقل الوحي، فأنزل اللّه {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين...} الآيتين". وأخرج ابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال "جاء ابنا مليكة - وهما من الأنصار - فقالا: يا رسول اللّه إن أمنا كانت تحفظ على البعل وتكرم الضيف، وقد وئدت في الجاهلية فأين أمنا؟ فقال: أمكما في النار. فقاما وقد شق ذلك عليهما، فدعاهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرجعا، فقال: ألا أن أمي مع أمكما فقال منافق من الناس: أما ما يغني هذا عن أمه إلا ما يغني ابنا مليكة عن أمهما ونحن نطأ عقبيه. فقال شاب من الأنصار لم أر رجلا أكثر سؤالا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منه: يا رسول اللّه وأين أبواك؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما سألتهما ربي فيطيعني فيهما. وفي لفظ: فيطعمني فيهما، وإني لقائم يومئذ المقام المحمود، فقال المنافق للشاب الأنصاري: سله وما المقام المحمود؟ قال: يا رسول اللّه وما المقام المحمود؟ قال: ذاك يوم ينزل اللّه فيه على كرسيه يئط فيه كما يئط الرحل الجديد من تضايقه، وهو كسعة ما بين السماء والأرض، ويجاء بكم حفاة عراة غرلا، فيكون أول من يكسى إبراهيم. يقول اللّه: اكسوا خليلي. فيؤتي بريطتين بيضاوين من رياط الجنة ثم أكسى على أثره، فأقوم عن يمين اللّه مقاما يغبطني فيه الأولون والآخرون، ويشق لي نهر من الكوثر إلى حوضي قال: يقول المنافق: لم أسمع كاليوم قط لقلما جرى نهر قط إلا في إحالة أو رضراض، فسله فيم يجري النهر إليهم؟ قال: في إحالة من المسك ورضراض. قال: يقول المنافق: لم أسمع كاليوم قط. واللّه لقلما جرى نهر قط إلا كان له نبات، فسله هل لذلك النهر نبات؟ فقال الأنصاري: يا رسول اللّه هل لذلك النهر نبات؟ قال: نعم. قال: ما هو؟ قال: قضبان الذهب. قال: يقول المنافق: لم أسمع كاليوم قط واللّه ما نبتت قضيب إلا كان له ثمر، فسله هل لتلك القضبان ثمار؟ فسأل الأنصاري قال: يا رسول اللّه هل لتلك القضبان ثمار؟ قال: نعم، اللؤلؤ والجوهر. فقال المنافق: لم أسمع كاليوم قط، فسله عن شراب الحوض؟ فقال الأنصاري: يا رسول اللّه ما شراب الحوض؟ قال: أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، من سقاه اللّه منه شربة لم يظمأ بعدها، ومن حرمه لم يرو بعدها". وأخرج ابن سعد عن الكلبي وأبي بكر بن قيس الجعفي قالا: كانت جعفى يحرمون القلب في الجاهلية، فوفد إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلان منهم قيس بن سلمة، وسلمة بن يزيد، وهما أخوان لأم، فأسلما فقال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "بلغني أنكما لا تأكلان القلب. قالا: نعم. قال: فإنه لا يكمل إسلامكما إلا بأكله. ودعا لهما بقلب فشوي وأطعمه لهما. فقالا: يا رسول اللّه إن أمنا مليكة بنت الحلو، كانت تفك العاني، وتطعم البائس، وترحم الفقير، وإنها ماتت وقد وأدت بنية لها صغيرة فما حالها؟ فقال: الوائدة والموءودة في النار. فقاما مغضبين. فقال: إلي. فأرجعا، فقال: وأمي مع أمكما. فأبيا ومضيا وهما يقولان: واللّه إن رجلا أطعمنا القلب وزعم أن أمنا في النار لأهل أن لا يتبع، وذهبا فلقيا رجلا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معه إبل من إبل الصدقة، فأوثقاه وطردا الإبل، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم فلعنهما فيمن كان يلعن في قوله: لعن اللّه رعلا وذكوان وعصية ولحيان، وابني مليكة من حريم وحران". وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) (الإسراء: ٢٣) إلى قوله (كما ربياني صغيرا) قال: ثم استثنى فقال {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} إلى قوله {عن موعدة وعدها إياه}. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {فلما تبين له أنه عدو اللّه} قال: تبين له حين مات، وعلم التوبة قد انقطعت عنه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو بكر الشافعي في فوائده والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: لم يزل إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات، فلما مات تبين له أنه عدو للّه فتبرأ منه. وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس {فلما تبين له أنه عدو للّه} يقول: لما مات على كفره. أما قوله تعالى: {إن إبراهيم لأواه حليم} أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي ذر رضي اللّه عنه قال: كان رجل يطوف بالبيت ويقول في داعئه: أوه أوه...فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إنه لأواه". وأخرج عبد اللّه بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان عن كعب رضي اللّه عنه في قوله {إن إبراهيم لأواه حليم} قال: كان إبراهيم عليه السلام إذا ذكر النار قال: أوه من النار أوه. وأخرج أبو الشيخ عن أبي الجوزاء. مثله. وأخرج ابن مردويه عن جابر رضي اللّه عنه "أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل: لو أن هذا خفض صوته. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: دعه فإنه أواه". وأخرج الطبراني وابن مردويه عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لرجل يقال له ذو البجادين: إنه أواه، وذلك أنه كان يكثر ذكر اللّه بالقرآن والدعاء". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أدخل ميتا القبر، وقال: رحمك اللّه إن كنت لأواها تلاء للقرآن". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد اللّه بن شداد بن الهاد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "الأواه: الخاشع المتضرع". وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: الأواه: الدعاء. وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال: الأواه الدعاء المستكين إلى اللّه كهيئة المريض المتأوه من مرضه. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن أبي العبيدين قال: سألت عبد اللّه بن مسعود عن الأواه فقال: هو الرحيم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال: الأواه المؤمن التواب. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: الأواه الحليم المؤمن المطيع. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أيوب قال: الأواه الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها. وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: الأواه المؤمن بالحبشية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: الأواه الموقن. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ من طريق أبي ظبيان عن ابن عباس قال: الأواه الموقن بلسان الحبشية. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة. وأخرج ابن جرير عن عطاء قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة. وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: الأواه الموقن، وهي كلمة حبشية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد قال: الأواه الفقيه الموقن. وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال: الأواه الشيخ. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي ميسرة قال: الأواه الشيخ. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عمرو بن شرحبيل قال: الأواه الرحيم بلسان الحبشة. وأخرج ابن المنذر عن عمرو بن شرحبيل قال: الأواه الدعاء بلسان الحبشة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: الأواه المسيح. وأخرج البخاري في تاريخه عن الحسن قال: الأواه الذي قلبه معلق عند اللّه. وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم قال: كان إبراهيم يسمى الأواه لرقته ورحمته. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {إن إبراهيم لأواه حليم} قال: الحليم الرحيم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن إبراهيم لأواه حليم} قال: كان من حلمه أنه كان إذا أذاه الرجل من قومه قال له: هداك اللّه. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: ما أنزل شيء من القرآن إلا وأنا أعلمه إلا أربع آيات. إلا (الرقيم) (الكهف: ٩) فإني لا أدري ما هو فسألت كعبا؟ فزعم أنها القرية التي خرجوا منها (وحنانا من لدنا وزكاة) (مريم: ١٣) قال: لا أدري ما الحنان ولكنها الرحمة (والغسلين) (الحاقة: ٣٦) لا أدري ما هو ولكني أظنه الزقوم. قال اللّه (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) (الدخان الآيتان ٤٢ - ٤٣) قال: والأواه هو الموقن بالحبشية. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: الأواه المؤمن. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: الأواه المنيب الفقير. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عقبة بن عامر قال: الأواه الكثير ذكر اللّه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وما كان اللّه ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} قال: بيان اللّه للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصة، وفي بيانه طاعته ومعصيته عامة ما فعلوا أو تركوا. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله {حتى يبين لهم ما يتقون} قال: ما يأتونه وما ينتهون عنه. ١١٥ انظر تفسير الآية:١١٦ ١١٦ وأخرج ابن المنذر عن يحيى بن عقيل رضي اللّه عنه قال: دفع إلى يحيى بن يعمر كتابا قال: هذه خطبة عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه، كان يقوم فيخطب بها كل عشية خميس على أصحابه ذكر الحديث، ثم قال: فمن استطاع منكم أن يغدو عالما أو متعلما فليفعل ولا يغدو لسوى ذلك، فإن العالم والمتعلم شريكان في الخير، أيها الناس إني واللّه ما أخاف عليكم أن تؤخذوا بما لم يبين لكم وقد قال اللّه تعالى {وما كان اللّه ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} فقد بين لكم ما تتقون. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله {وما كان اللّه ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} قال: نزلت حين أخذوا الفداء من المشركين يوم الأسارى، قال: لم يكن لكم أن تأخذوه حتى يؤذن لكم ولكن ما كان اللّه ليعذب قوما بذنب أذنبوه حتى يبين لهم ما يتقون. قال: حتى ينهاهم قبل ذلك. ١١٧ أخرج ابن جرير وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل والضياء في المختارة عن ابن عباس. أنه قال لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه حدثنا من شأن ساعة العسرة. فقال "خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلا فأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستقطع، حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه: يا رسول اللّه إن اللّه قد عودك في الدعاء خيرا فادع لنا. فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأهطلت، ثم سكبت فملأوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله {في ساعة العسرة} قال: غزوة تبوك. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {لقد تاب اللّه على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} قال: هم الذين اتبعوا النبي صلى اللّه عليه وسلم في غزوة تبوك قبل الشام في لهبان الحر على ما يعلم اللّه من الجهد، أصابهم فيها جهد شديد حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كان يشقا التمرة بينهما، وكان النفر يتداولون التمرة بينهم يمصها أحدهم ثم يشرب عليها الماء ثم يمصها الآخر، فتاب اللّه عليهم فأقفلهم من غزوتهم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل عن محمد بن عبد اللّه بن عقيل بن أبي طالب في قوله {الذين اتبعوه في ساعة العسرة} قال: خرجوا في غزوة تبوك الرجلان والثلاثة على بعير، وخرجوا في حر شديد فأصابهم يوما عطش حتى جعلوا ينحرون إبلهم فيعصرون أكراشها ويشربون ماءها، فكان ذلك عسرة من الماء وعسرة من النفقة وعسرة من الظهر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن جابر في قوله {الذين اتبعوه في ساعة العسرة} قال: عسرة الظهر، وعسرة، وعسرة الماء. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك. أنه قرأ {من بعد ما زاغت قلوب طائفة منهم}. ١١٨ أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن منده وابن مردويه وابن عساكر عن جابر بن عبد اللّه في قوله {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} قال: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن ربيعة، وكلهم من الأنصار. وأخرج ابن مردويه عن مجمع بن جارية قال: الثلاثة الذين خلفوا فتاب اللّه عليهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن ربعي. وأخرج ابن مردويه عن ابن شهاب قال: إن الثلاثة الذين خلفوا كعب بن مالك من بني سلمة، وهلال بن أمية من بني واقف، ومرارة بن ربيع من بني عمرو بن عوف. وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال: لما نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذي أوان خرج عامة المنافقين الذين كانوا تخلفوا عنه يتلقونه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه "لاتكلمن رجلا تخلف عنا ولا تجالسوه حتى آذن لكم فلم يكلموهم، فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة أتاه الذين تخلفوا يسلمون عليه، فأعرض عنهم وأعرض المؤمنون عنهم حتى أن الرجل ليعرض عنه أخوه وأبوه وعمه، فجعلوا يأتون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويعتذرون بالجهد والأسقام، فرحمهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فبايعهم واستغفر لهم، وكان ممن تخلف عن غير شك ولا نفاق ثلاثة نفر الذين ذكر اللّه تعالى في سورة التوبة. كعب بن مالك السلمي، وهلال بن أمية الواقفي، ومرارة بن ربيعة العامري". وأخرج ابن منده وابن عساكر عن ابن عباس رضي اللّه عنهما {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} قال: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والبيهقي من طريق الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالك، أن عبد اللّه بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة تبوك، قال كعب: لم أتخلف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنها، إنما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع اللّه بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وأشهر. وكان من خبري حين تخلفت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة، واللّه ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قلما يريد غزاة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل عدوا كثيرا، فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم، فأخبرهم وجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان. قال كعب رضي اللّه عنه: فقل رجل يريد أن يتغيب إلى ظن أن ذلك سيخفى ما لم ينزل فيه وحي من اللّه عز وجل، وغزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظل وآن لها أن تصغر، فتجهز إليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولا أقضي شيئا، فأقول لنفسي: أنا قادر على ذلك إن أردت. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد، فأصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا، وفلت الجهاز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه، فغدوت بعد ما فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض من جهازي شيئا، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى انتهوا وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل فأدركهم - وليت أني أفعل - ثم لم يقدر لي ذلك، فطفقت إذ خرجت في الناس بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه من النفاق أو رجلا ممن عذره اللّه. ولم يذكرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك "ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بني سلمة: حبسه يا رسول اللّه برداه والنظر في عطفيه. فقال له معاذ بن جبل: بئسما قلت، واللّه يا رسول اللّه ما علمنا عليه إلا خيرا. فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ". قال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك، حضرني همي فطفقت أتذكر الكذب، وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أظل قادما، راح عني الباطل وعرفت أني لم أنج منه بشيء أبدا، فأجمعت صدقه وأصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منهم علانيتهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى اللّه حتى جئت، فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال لي "تعال. فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال: ما خلفك، ألم تكن قد اشتريت ظهرك؟ فقلت: يا رسول اللّه لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلا ولكنه - واللّه - لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى عني به ليوشكن اللّه يسخطك علي، ولئن حدثتك الصدق وتجد علي فيه أني لأرجو قرب عتبي من اللّه، واللّه ما كان لي عذر، واللّه ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي اللّه فيك". فقمت وبادرني رجال من بني سلمة، واتبعوني فقالوا لي: واللّه ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون، فلقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: فواللّه ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحدا؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان، قالا ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك. فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة حسنة، فمضيت حين ذكروهما لي. قال: ونهى رسول اللّه الناس عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض التي كنت أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما، وأما أنا فكنت أشد القوم وأجلدهم، فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف بالأسواق فلا يكلمني أحد، وآتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم وأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا، ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، فإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال علي ذلك من هجر المسلمين، مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه، فواللّه ما رد السلام علي فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك اللّه تعالى، هل تعلم أني أحب اللّه ورسوله؟ قال: فسكت. قال: فعدت فنشدته فسكت، فعدت فنشدته قال: اللّه ورسوله أعلم، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار. وبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاء فدفع إلي كتابا من ملك غسان - وكنت كاتبا - فإذا فيه: أما بعد فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك اللّه بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك. فقلت حين قرأتها: وهذا أيضا من البلاء. فيممت بها التنور فسجرته فيها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا برسول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك. فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟! قال: بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك. فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي اللّه في هذا الأمر، فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللّه إن هلالا شيخ ضائع وليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا، ولكن لا يقربنك. فقالت: إنه واللّه ما به حركة إلى شيء، واللّه ما زال يبكي من لدن إن كان من أمرك ما كان إلى يومه هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال أن تخدمه. فقلت: واللّه لا استأذنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما أدري ما يقول إذا استأذنته وأنا رجل شاب. قال: فلبثنا عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا. قال: ثم صليت الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر اللّه عنا، قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صارخا أوفى جبل سلع يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء الفرج، فآذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بتوبة اللّه علينا حين صلى الفجر، فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إلي رجل فرسا وسعى ساع من أسلم وأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته - واللّه ما أملك غيرهما يومئذ - فاستعرت ثوبين فلبستهما، فانطلقت أؤم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتلقاني الناس فوجا بعد فوج يهنئونني بالتوبة، يقولون: ليهنك توبة اللّه عليك حتى دخلت المسجد، فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس في المسجد وحوله الناس، فقام إلي طلحة بن عبيد اللّه يهرول حتى صافحني وهناني، واللّه ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره. قال: فكان كعب رضي اللّه عنه لا ينساها لطلحة. قال كعب رضي اللّه عنه: فلما سلمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور"أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك. قلت: أمن عندك يا رسول اللّه أم من عند اللّه؟ قال: لا بل من عند اللّه. وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر. فلما جلست بين يديه قلت يا رسول اللّه إن من توبتي أن انخلع من مالي صدقة إلى اللّه وإلى رسوله صلى اللّه عليه وسلم قال: أمسك بعض مالك فهو خير لك. قلت: إني أمسك سهمي الذي بخيبر، وقلت: يا رسول اللّه إنما نجاني اللّه بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت. قال: فواللّه ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه اللّه من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أحسن مما أبلاني اللّه تعالى، واللّه ما تعمدت منذ قلت ذلك إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني اللّه فيما بقي، وأنزل اللّه (لقد تاب اللّه على النبي والمهاجرين والأنصار) (التوبة: ١١٧) إلى قوله {وكونوا مع الصادقين} فواللّه ما أنعم اللّه علي من نعمة قط بعد أن هداني اللّه للإسلام أعظم في نفسي من صدق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يومئذ أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه، فإن اللّه قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، فقال (سيحلفون باللّه لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس) (التوبة: ٩٥) إلى قوله {الفاسقين} قال: وكنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين خلفوا، فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمرنا حتى قضى اللّه فيه، فبذلك قال {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} وليس تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا الذي ذكر مما خلفنا بتخلفنا عن الغزو، وإنما هو حلف له واعتذر إليه فقبل منه". وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن كعب بن مالك رضي اللّه عنه قال: لما نزلت توبتي أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم فقبلت يده وركبتيه، وكسوت المبشر ثوبين. وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي اللّه عنه {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} قال: الذين أرجأوا في وسط براءة قوله {وآخرون مرجون لأمر اللّه) (التوبة: ١٠٦) هلال بن أمية، ومرارة بن ربيعة، وكعب بن مالك. وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي اللّه عنه {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} مثقلة يقول: عن غزوة تبوك. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي اللّه عنه قال: لما غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تبوك تخلف كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، قال: أما أحدهم فكان له حائط حين زها قد فشت فيه الحمرة والصفرة فقال: غزوت وغزوت وغزوت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم، فلو أقمت العام في هذا الحائط فأصبت منه. فلما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه دخل حائطه فقال: ما خلفني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما استبق المؤمنون في الجهاد في سبيل اللّه إلا ضن بك أيها الحائط، اللّهم إني أشهدك أني تصدقت به في سبيلك. وأما الآخر فكان قد تفرق عنه من أهله ناس واجتمعوا له فقال: غزوت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وغزوت، فلو أني أقمت العام في أهلي. فلما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه قال: ما خلفني عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما استبق إليه المجاهدون في سبيل اللّه إلا ضن بكم أيها الأهل، اللّهم إن لك علي أن لا أرجع إلى أهلي ومالي حتى أعلم ما تقضي في. وأما الآخر فقال: اللّهم إن لك علي أن ألحق بالقوم حتى أدركهم أو أنقطع. فجعل يتتبع الدقع والحزونة حتى لحق بالقوم، فأنزل اللّه {لقد تاب اللّه على النبي} إلى قوله {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} قال الحسن رضي اللّه عنه: يا سبحان اللّه! واللّه ما أكلوا مالا حراما، لا أصابوا دما حراما، ولا أفسدوا في الأرض، غير أنهم أبطأوا عن شيء من الخير الجهاد في سبيل اللّه، وقد - واللّه - جاهدوا وجاهدوا وجاهدوا، فبلغ منهم ما سمعتم فهكذا يبلغ الذنب من المؤمن. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} يعني خلفوا عن التوبة، لم يتب عليهم حتى تاب اللّه على أبو لبابة وأصحابه. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن عساكر عن عكرمة في قوله {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} عن التوبة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة بن خالد المخزومي، أنه كان يقرؤها {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} نصب أي بعد محمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: دعا اللّه إلى توبته من قال (أنا ربكم الأعلى) (النازعات: ٢٤). وقال (ما علمت لكم من إله غيري) (القصص: ٣٨) ومن آيس العباد من التوبة بعد هؤلاء فقد جحد كتاب اللّه، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب اللّه وهو قوله {ثم تاب عليهم ليتوبوا} فبدء التوبة من اللّه عز وجل. ١١٩ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن نافع في قوله {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين} قال: نزلت في الثلاثة الذين خلفوا: قيل لهم: كونوا مع محمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه. وأخرج ابن المنذر عن كعب بن مالك قال: فينا نزلت أيضا {اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين}. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر في قوله {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين} قال: مع محمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه. وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله {وكونوا مع الصادقين} قال: مع أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ واين عساكر عن الضحاك في قوله {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين} قال: أمروا أن يكونوا مع أبي بكر وعمر وأصحابهما. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله {اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين} قال: مع علي بن أبي طالب. وأخرج ابن عساكر عن أبي حعفر في قوله {وكونوا مع الصادقين} قال: مع علي بن أبي طالب. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين} قال: كونوا مع كعب بن مالك، ومرارة بن ربيعة، وهلال بن أمية. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد اللّه بن مسعود قال: لا يصلح الكذب في جد ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صبيه شيئا ثم لا ينجزه، اقرأوا إن شئتم {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين} قال: وهي في قرأءة عبد اللّه هكذا، قال: فهل تجدون لأحد رخصة في الكذب. وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ {وكونوا مع الصادقين}. وأخرج أبو داود الطيالسي والبخاري في الأدب وابن عدي والبيهقي في الشعب عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه"سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وهما في الجنة، وإياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور وهما في النار، ولا يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند اللّه صديقا، ولا يزال يكذب حتى يكتب عند اللّه كذابا". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن عدي والبيهقي وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند اللّه صديقا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند اللّه كذابا". وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "يا أيها الناس اجتنبوا الكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإنه يقال: صدق وبر وكذب وفجر". وأخرج أحمد والبيهقي في الشعب عن أبي مالك الجشمي، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له: أرأيت لو كان لك عبدان أحدهما يخونك ويكذبك حديثا، والآخر لا يخونك ويصدقك حديثا أيهما أحب إليك؟ قال: قلت: الذي لا يخونني ويصدقني حديثا، قال: كذلك أنتم عند ربكم عز وجل".
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن ابن مسعود رضي اللّه عنه رفع الحديث إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، ولا يعد الرجل ابنه ثم لا ينجز له، إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، إنه يقال للصادق صدق وبر، ويقال للكاذب كذب وفجر، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند اللّه صديقا، ويكذب حتى يكتب عند اللّه كذابا". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن أسماء بنت يزيد "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطب فقال: ما يحملكم على أن تتابعوا على الكذب كما يتتابع الفراش في النار، كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب، أو إصلاح بين اثنين، أو رجل يحدث امرأته ليرضيها". وأخرج البيهقي عن النواس بن سمعان الكلابي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "مالي أراكم تتهافتون في الكذب تهافت الفراش في النار، كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب، أو إصلاح بين اثنين، أو رجل يحدث امرأته ليرضيها". وأخرج البيهقي عن ابن شهاب قال: ليس بكذاب من درأ عن نفسه. وأخرج ابن عدي والبيهقي وضعفه عن أبي بكر رضي اللّه عنه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: الكذب مجانب للإيمان". وأخرج ابن أبي شيبة وابن عدي عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه قال: إياكم والكذب فإن الكذب مجانب للإيمان. قال البيهقي: هذا هو الصحيح موقوف. وأخرج ابن عدي والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: يطبع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب. وأخرج ابن عدي عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "يطبع المؤمن على كل خلق ليس الخيانة والكذب". وأخرج ابن عدي عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن المؤمن ليطبع على خلال شتى من الجود والبخل وحسن الخلق، ولا يطبع المؤمن على الكذب، ولا يكون كذابا". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب". وأخرج البيهقي عن عبد اللّه بن أبي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "المؤمن يطبع على كل خلق إلا الكذب والخيانة". وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد قال: يبنى الإنسان على خصال، فمهما بني عليه فإنه لا يبنى على الخيانة والكذب. وأخرج مالك والبيهقي عن صفوان بن سليم أنه قيل يا رسول اللّه أيكون المؤمن جبانا؟ قال "نعم. قيل: أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: نعم. قيل: أيكون المؤمن كذابا؟ قال: لا". وأخرج البيهقي وأبو يعلى وضعفه عن أبي برزة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "الكذب يسود الوجه، والنميمة عذاب القبر". وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت "ما كان خلق أبغض إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الكذب، ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة". وأخرج أحمد وهناد بن السري رضي اللّه عنه في الزهد وابن عدي والبيهقي عن النواس بن سمعان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك مصدق وأنت به كاذب". وأخرج أحمد والبيهقي عن أسماء بنت عميس قالت "كنت صاحبة عائشة التي هيأتها، فأدخلتها على النبي صلى اللّه عليه وسلم في نسوة، فما وجدنا عنده قرى إلا قدح من لبن، فتناوله فشرب منه ثم ناوله عائشة، فاستحيت منه فقلت: لا تردي يد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فأخذته فشربته، ثم قال: ناولي صواحبك. فقلت: لا نشتهيه. فقال: لا تجمعن كذبا وجوعا. فقلت: إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهي أيعد ذلك كذبا. فقال: إن الكذب يكتب كذبا، حتى الكذيبة تكتب كذيبة". وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن عبد اللّه بن عامر بن ربيعة قال: جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيتنا وأنا صبي صغير، فذهبت ألعب فقالت أمي لي: يا عبد اللّه تعال أعطيك. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "ما أردت أن تعطيه؟ قالت: أردت أن أعطيه تمرا قال: إما أنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة". وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وصححه والدارمي وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والبيهقي والضياء عن الحسن بن علي"سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة". وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في خطبته"إن أعظم الخطيئة عند اللّه اللسان الكاذب". وأخرج ابن عدي عن أبي بكر الصديق قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"الصدق أمانة والكذب خيانة". وأخرج ابن ماجة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي عبد اللّه بن عمرو بن العاصي قال: قلنا يا رسول اللّه من خير الناس؟ قال "ذو القلب المحموم واللسان الصادق، قلنا: قد عرفنا اللسان الصادق فما القلب المحموم؟ قال: التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد. قلنا يا رسول اللّه: فمن على أثره؟ قال: الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة، قلنا ما نعرف هذا فينا إلا رافعا مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمن على أثره؟ قال: مؤمن في حسن خلق. قلنا: أما هذا ففينا". وأخرج البيهقي في الشعب عن عمر بن الخطاب قال: لا تجد المؤمن كذابا. وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب قال "لا تنظروا إلى صلاة أحد ولا إلى صيامه، ولكن انظروا إلى من حدث صدق، وإذا ائتمن أدى، وإذا أشفى ورع". وأخرج البيهقي عن أنس قال: إن الرجل ليحرم قيام الليل وصيام النهار بالكذبة يكذبها. وأخرج ابن عدي والبيهقي عن محمد بن سيرين قال: الكلام أوسع من أن يكذب ظريف. وأخرج البيهقي عن مطر الوراق قال: خصلتان إذا كانتا في عبد كان سائر عمله تبعا لهما، حسن الصلاة وصدق الحديث. وأخرج البيهقي عن الفضيل قال: لم يتزين الناس بشيء أفضل من الصدق، وطلب الحلال. وأخرج البيهقي عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: إبرار الدنيا الكذب وقلة الحياء، من طلب الدنيا بغيرهما فقد أخطأ الطريق والمطلب، وإبرار الآخرة، الحياء والصدق، فمن طلب الآخرة بغيرهما فقد أخطأ الطريق والمطلب. وأخرج البيهقي عن يوسف بن أسباط قال: يرزق العبد بالصدق ثلاث خصال، الحلاوة والملاحة والمهابة. وأخرج البيهقي عن أبي روح حاتم بن يوسف قال: أتيت باب الفضيل بن عياض فسلمت عليه فقلت: يا أبا علي معي خمسة أحاديث إن رأيت أن تأذن لي فأقرأ. فقال لي: اقرأ. فقرأت فإذا هي ستة فقال لي: أن قم يا بني تعلم الصدق ثم أكتب الحديث. وأخرج ابن عدي عن عمران بن الحصين رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب". وأخرج ابن عدي عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "إن في المعاريض ما يغني الرجل العاقل عن الكذب". ١٢٠ انظر تفسير الآية:١٢١ ١٢١ أخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن مالك عن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "لما نزلت هذه الآية {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول اللّه} قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: والذي بعثني بالحق لولا ضعفاء الناس ما كانت سرية إلا كنت فيها". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول اللّه} قال: هذا حين كان الإسلام قليلا، فلما كثر الإسلام وفشا قال اللّه تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) (التوبة: ١٢٢). وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {لا يصيبهم ظمأ} قال: العطش {ولا نصب} قال: العناء. وأخرج ابن أبي حاتم عن رجاء بن حيوة ومكحول: أنهما كانا يكرهان التلثم من الغبار في سبيل اللّه. وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي وعبد اللّه بن المبارك وإبراهيم بن محمد الغزاري وعيسى بن يونس السبيعي أنهم قالوا في قوله تعالى {ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح} قالوا: هذه الآية للمسلمين إلى أن تقوم الساعة. وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله {ما كان لأهل المدينة} الآية قال: نستخها الآية التي تليها {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} الآية. وأخرج الحاكم وابن مردويه عن علي رضي اللّه عنه قال "خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزاة وخلف جعفرا في أهله فقال جعفر: واللّه ما أتخلف عنك فخلفني. فقلت: يا رسول اللّه أتخلفني أي شيء تقول قريش؟ أليس يقولون: ما أسرع ما خذل ابن عمه وجلس عنه، وأخرى أبتغي الفضل من اللّه لأني سمعت اللّه تعالى يقول {ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار...} الآية. قال: أما قولك أن تقول قريش: ما أسرع ما خذل ابن عمه وجلس عنه، فقد قالوا: إني ساحر وكاهن وإني كذاب فلك بي أسوة، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، وأما قولك تبتغي الفضل من اللّه، فقد جاءنا فلفل من اليمن فبعه وأنفق عليك وعلى فاطمة حتى يأتيكما اللّه منه برزق". ١٢٢ أخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: نسخ هؤلاء الآيات (انفروا خفافا وثقالا) (التوبة: ٤١) و (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) (التوبة: ٣٩) قوله {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} يقول: لتنفر طائفة ولتمكث طائفة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فالماكثون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هم الذين يتفقهون في الدين وينذرون إخوانهم إذا رجعوا إليهم من الغزو، لعلهم يحذرون ما نزل من بعدهم من قضاء اللّه في كتابه وحدوده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في المدخل عن ابن عباس في قوله {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} يعني ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النبي صلى اللّه عليه وسلم وحده {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} يعني عصبة يعني السرايا فلا يسيرون إلا بإذنه، فإذا رجعت السرايا وقد نزل قرآن تعلمه القاعدون من النبي صلى اللّه عليه وسلم، قالوا: إن اللّه قد أنزل على نبيكم بعدنا قرآنا وقد تعلمناه، فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل اللّه على نبيهم بعدهم، ويبعث سرايا أخر، فذلك قوله {ليتفقهوا في الدين} يقول يتعلمون ما أنزل اللّه على نبيه ويعلمونه السرايا إذا رجعت إليهم {لعلهم يحذرون}. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} قال: ليست هذه الآية في الجهاد، ولكن لما دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على مضر بالسنين أجدبت بلادهم، فكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد ويعتلوا بالإسلام وهم كاذبون، فضيقوا على أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأجهدوهم، فأنزل اللّه تعالى يخبر رسوله صلى اللّه عليه وسلم أنهم ليسوا بمؤمنين، فردهم إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم، فذلك قوله {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد اللّه بن عبيد بن عمير قال: كان المؤمنون يحرضهم على الجهاد إذا بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سرية خرجوا فيها وتركوا النبي صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة في رقة من الناس، فأنزل اللّه تعالى {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} أمروا إذ بعث النبي صلى اللّه عليه وسلم سرية أن تخرج طائفة وتقيم طائفة، فيحفظ المقيمون على الذين خرجوا ما أنزل اللّه من القرآن وما يسن من السنن، فإذا رجع إخوانهم أخبروهم بذلك وعلموهم، وإذا خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يتخلف عنه أحد إلا بإذن أو عذر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة قال: لما نزلت (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) (التوبة: ٣٩) (وما كان لأهل المدينة) (التوبة: ١٢٠) الآية. قال المنافقون: هلك أهل البدو الذين تخلفوا عن محمد صلى اللّه عليه وسلم ولم يغزوا معه، وقد كان ناس خرجوا إلى البدو وإلى قومهم يفقهونهم، فأنزل اللّه تعالى {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} الآية. ونزلت (والذين يحاجون في اللّه من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة) (الشورى: ١٦):. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} الآية. قال: ناس من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم خرجوا في البوادي، فأصابوا من الناس معروفا ومن الخصب ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى فقال لهم الناس: ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتونا. فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرجا وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال اللّه تعالى {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} خرج بعض وقعد بعض يبتغون الخير {ليتفقهوا في الدين} وليسمعوا ما في الناس وما أنزل بعدهم {ولينذروا قومهم} قال: الناس كلهم إذا رجعوا إليهم {لعلهم يحذرون}. ١٢٣ أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} قال: الأدنى فالأدنى. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك. مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال: كان الذين يلونه من الكفار العرب، فقاتلهم حتى فرغ منهم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن جعفر بن محمد. أنه سئل عن قتال الديلم فقال: قاتلوهم فإنهم من الذين قال اللّه تعالى {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار}. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن. أنه كان إذا سئل عن قتال الروم والديلم، تلا هذه الآية {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} قال: شدة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر. أنه سئل عن غزو الديلم فقال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} قال: الروم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {وليجدوا فيكم غلظة} قال: شدة. ١٢٤ انظر تفسير الآية:١٢٦ ١٢٥ انظر تفسير الآية:١٢٦ ١٢٦ أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله {فمنهم من يقول أيكم زادته} قال: من المنافقين من يقول. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا} قال: كانت إذا أنزلت سورة آمنوا بها فزادهم اللّه إيمانا وتصديقا وكانوا بها يستبشرون. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {فزادتهم رجسا إلى رجسهم} قال: شكا إلى شكهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {أو لا يرون أنهم يفتنون} قال: يبتلون. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {يفتنون} قال: يبتلون {في كل عام مرة أو مرتين} قال: بالسنة والجوع. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {يفتنون في كل عام مرة أو مرتين} قال: يبتلون بالعدو في كل عام مرة أو مرتين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {يفتنون في كل عام} قال: يبتلون بالغزو في سبيل اللّه. وأخرج أبو الشيخ عن بكار بن مالك {أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين} قال: يمرضون في كل عام مرة أو مرتين. وأخرج أبو الشيخ عن العتبي قال: إذا مرض العبد ثم عوفي فلم يزدد خيرا قالت الملائكة عليهم السلام هذا الذي داويناه فلم ينفعه الدواء. وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد {أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين} قال: كانت لهم في كل عام كذبة أو كذبتان. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة في قوله {أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين} قال: كنا نسمع في كل عام كذبة أو كذبتين، فيضل بها فئام من الناس كثير. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: في قرأءة عبد اللّه "أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين وما يتذكرون". ١٢٧ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض} قال: هم المنافقون. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك {وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد} كراهية أن يغصنا بها. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله {وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد} ممن سمع خبركم رآكم أحد أخبره إذا نزل شيء يخبر عن كلامهم وهم المنافقون. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: لا تقولوا انصرفنا من الصلاة، فإن قوما انصرفوا صرف اللّه قلوبهم، ولكن قولوا: قضينا الصلاة. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: لا يقال انصرفنا من الصلاة، ولكن قد قضيت الصلاة. ١٢٨ أخرج عبد بن حميد والحارث بن أبي أسامة في مسنده وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في دلائل النبوة وابن عساكر عن ابن عباس في قوله {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} قال: ليس من العرب قبيلة إلا وقد ولدت النبي صلى اللّه عليه وسلم، مضريها وربيعيها ويمانيها. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه وأبو الشيخ عن جعفر بن محمد عن أبيه في قوله {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} قال: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح". وأخرج ابن سعد عن ابن عباس في قوله {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} قال: قد ولدتموه يا معشر العرب. وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قرأ رسول اللّه {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} فقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: يا رسول اللّه ما معنى {أنفسكم}؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أنا أنفسكم نسبا وصهرا وحسبا، ليس في ولا في آبائي من لدن آدم سفاح كلها نكاح". وأخرج الحاكم عن ابن عباس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قرأ {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} يعني من أعظمكم قدرا. وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح". وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"ما ولدني من سفاح الجاهلية شيء، وما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام". وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"خرجت من نكاح غير سفاح". وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة في المصنف عن محمد بن علي بن حسين أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال "إنما خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم لم يصبني من سفاح أهل الجاهلية شيء، لم أخرج إلا من طهرة". وأخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل وابن عساكر عن علي بن أبي طالب "أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي، وأمي لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء". وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "لم يلتق أبواي قط على سفاح، لم يزل اللّه ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذبا، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما". وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "خير العرب مضر، وخير مضر بنو عبد مناف، وخير بني عبد مناف بنو هاشم، وخير بنو هاشم بنو عبد المطلب، واللّه ما افترق شعبتان منذ خلق اللّه آدم إلا كنت في خيرهما". وأخرج البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن أنس قال: خطب النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: أنا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار، وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني اللّه في خيرهما، فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني شيء من عهد الجاهلية، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم، حتى انتهيت إلى أبي وأمي، فأنا خيركم نفسا وخيركم أبا". وأخرج ابن سعد والبخاري والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا، حتى كنت من القرن الذي كنت فيه". وأخرج ابن سعد ومسلم والترمذي والبيهقي في الدلائل عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إن اللّه اصطفى من ولد إبراهيم إسمعيل، واصطفى من ولد إسمعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم". وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إن اللّه حين خلق الخلق جعلني من خير خلقه، ثم حين فرقهم جعلني في خير الفريقين، ثم حين خلق القبائل جعلني من خيرهم قبيلة، وحين خلق الأنفس جعلني من خير أنفسهم، ثم حين خلق البيوت جعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم بيتا وخيرهم نفسا". وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إن اللّه خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا من خيار إلى خيار". وأخرج ابن سعد عن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: قسم اللّه الأرض نصفين فجعلني في خيرهما، ثم قسم النصف على ثلاثة فكنت في خير ثلث منها، ثم اختار العرب من الناس، ثم اختار قريشا من العرب، ثم اختار بني هاشم من قريش، ثم اختار بني عبد المطلب من بني هاشم، ثم اختارني من بني عبد المطلب". وأخرج ابن سعد والبيهقي عن محمد بن علي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إن اللّه اختار العرب فاختار منهم كنانة، ثم اختار منهم قريشا، ثم اختار منهم بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم" وأخرج ابن سعد عن عبد اللّه بن عبيد بن عمير قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إن اللّه اختار العرب فاختار كنانة من العرب،واختار قريشا من كنانة، واختار بني هاشم من قريش، واختارني من بني هاشم". وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"ما ولدتني بغي قط مذ خرجت من صلب آدم، ولم تزل تتنازعني الأمم كابرا عن كابر حتى خرجت من أفضل حيين من العرب هاشم وزهرة". وأخرج ابن أبي عمر العدني عن ابن عباس "أن قريشا كانت نورا بين يدي اللّه تعالى قبل أن يخلق الخلق بألفي عام، يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه، فلما خلق اللّه آدم عليه السلام ألقى ذلك النور في صلبه. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فأهبطني اللّه إلى الأرض في صلب آدم عليه السلام، وجعلني في صلب نوح، وقذف بي في صلب إبراهيم، ثم لم يزل اللّه ينقلني من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة حتى أخرجني من بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط". وأخرج البيهقي عن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب قال "بلغ النبي صلى اللّه عليه وسلم أن قوما نالوا منه، فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال: أيها الناس إن اللّه خلق خلقه فجعلهم فرقتين، فجعلني في خير الفرقتين، ثم جلعهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلا، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أنا خيركم قبيلا وخيركم بيتا". وأخرج الترمذي وحسنه وابن مردويه والبيهقي عن المطلب بن أبي وداعة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبلغه بعض ما يقول الناس"فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وقال: من أنا؟ قالوا: أنت رسول اللّه. قال: أنا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب، إن اللّه خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة، وجعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، فأنا خيركم بيتا، وخيركم نفسا". وأخرجه الترمذي وصححه والنسائي عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب. وأخرج ابن سعد عن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال "إذا أراد اللّه أن يبعث نبيا نظر إلى خير أهل الأرض قبيلة فيبعث خيرها رجلا". وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن حعفر بن محمد عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"أتاني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن اللّه عز وجل بعثني فطفت شرق الأرض وغربها وسهلها وجبلها فلم أجد حيا خيرا من العرب، ثم أمرني فطفت في العرب فلم أجد حيا خيرا من مضر، ثم أمرني فطفت في مضر فلم أجد حيا خيرا من كنانة، ثم أمرني فطفت في كنانة فلم أجد حيا خيرا من قريش، ثم أمرني فطفت في قريش فلم أجد حيا خيرا من بني هاشم، ثم أمرني أن أختار من أنفسهم فلم أجد فيهم نفسا خيرا من نفسك". وأخرج ابن أبي شيبة وإسحق بن راهويه وابن منيع في مسنده وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: آخر آية أنزلت على النبي صلى اللّه عليه وسلم، وفي لفظ: إن آخر ما نزل من القرآن {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر الآية. وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن الحسن أن أبي بن كعب كان يقول: إن أحدث القرآن عهد باللّه، وفي لفظ: بالسماء هاتان الآيتان {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر السورة. وأخرج عبد اللّه بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وابن الضريس في فضائله وابن أبي داود في المصاحف وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والخطيب في تلخيص المتشابه والضياء في المختارة من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب. أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب، حتى انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة {ثم انصرفوا صرف اللّه قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون} فظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن فقال أبي بن كعب: إن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد أقرأني بعد هذا آيتين {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تولوا فقل حسبي اللّه لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} فهذا آخر ما نزل من القرآن. قال: فختم الأمر بما فتح به بلا إله إلا اللّه، يقول اللّه (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) (الأنبياء: ٢٥). وأخرج ابن سعد وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن حبان وابن المنذر والطبراني والبيهقي في سننه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني أرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر: فقلت لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقال عمر: هو - واللّه - خير. فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح اللّه لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد بن ثابت: وعمر جالس عنده لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه، فواللّه لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمراني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو - واللّه - خير. فلم أزل أراجعه حتى شرح اللّه صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر. فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والإكاف والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة بن ثابت الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} إلى آخرهما، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه اللّه، ثم عند عمر حتى توفاه اللّه، ثم عند حفصة بنت عمر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير قال: كان عمر لا يثبت آية في المصحف حتى يشهد رجلان، فجاء رجل من الأنصار بهاتين الآيتين {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخرها. فقال عمر: لا أسألك عليها بينة أبدا، كذلك كان رسول اللّه. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن عروة قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع فقال لعمر بن الخطاب، ولزيد بن ثابت: اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب اللّه فاكتباه. وأخرج ابن إسحق وأحمد بن حنبل وابن أبي داود عن عباد بن عبد اللّه بن الزبير قال: أتى الحرث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر براءة {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى قوله {وهو رب العرش العظيم} إلى عمر فقال: من معك على هذا؟ فقال: لا أدري واللّه إلا أني أشهد لسمعتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ووعيتها وحفظتها. فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة، فانظروا من القرآن فألحقوها. فألحقت في آخر براءة. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن، فقام في الناس فقال: من كان تلقى من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيئا من القرآن فليأتنا به، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان، فقتل وهو يجمع ذلك إليه، فقام عثمان بن عفان فقال: من كان عنده شيء من كتاب اللّه فليأتنا به، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد به شاهدان، فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما. فقالوا: ما هما؟ قال: تلقيت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} إلى آخر السورة فقال عثمان: وأنا أشهد بهما من عند اللّه، فأين ترى أن نجعلهما؟ قال: أختم بهما آخر ما نزلت من القرآن، فختمت بهما براءة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} الآية. قال: جعله اللّه من أنفسهم فلا يحسدونه على ما أعطاه اللّه من النبوة والكرامة، عزيز عليه عنت مؤمنهم، حريص على ضالهم أن يهديه اللّه {بالمؤمنين رؤوف رحيم}. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {عزيز عليه ما عنتم} قال: شديد عليه ما شق عليكم {حريص عليكم} أن يؤمن كفاركم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"جاء جبريل فقال لي: يا محمد إن ربك يقرئك السلام، وهذا ملك الجبال قد أرسله اللّه إليك وأمره أن لا يفعل شيئا إلا بأمرك. فقال له ملك الجبال: إن اللّه أمرني أن لا أفعل شيئا إلا بأمرك، إن شئت دمدمت عليهم الجبال، وإن شئت رميتهم بالحصباء، وإن شئت خسفت بهم الأرض. قال: يا ملك الجبال فإني آتي بهم لعله أن يخرج منهم ذرية يقولون: لا إله إلا اللّه. فقال ملك الجبال عليه السلام: أنت كما سماك ربك رؤوف رحيم". وأخرج ابن مردويه عن أبي صالح الحنفي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إن اللّه رحيم ولا يضع رحمته إلا على رحيم. قلنا: يا رسول اللّه كلنا نرحم أموالنا وأولادنا. قال: ليس بذلك ولكن كما قال اللّه {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} ". وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال "لما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة جاءته جهينة فقالوا له: إنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا نأمنك وتأمنا. قال: ولم سألتم هذا؟ قالوا: نطلب الأمن، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} الآية". وأخرج ابن سعد عن أبي صالح الحنفي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"إن اللّه رحيم يحب الرحيم، يضع رحمته على كل رحيم. قالوا: يا رسول اللّه إنا لنرحم أنفسنا وأموانا وأزواجنا. قال: ليس كذلك ولكن كونوا كما قال اللّه: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} ". ١٢٩ أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {فإن تولوا فقل حسبي اللّه} يعني الكفار، تولوا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهذه في المؤمنين. وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب قال: خرجت سرية إلى أرض الروم، فسقط رجل منهم فانكسرت فخذه، فلم يستطيعوا أن يحملوه فربطوا فرسه عنده ووضعوا عنده شيئا من ماء وزاد، فلما ولوا أتاه آت فقال له: ما لك ههنا؟ قال: انكسرت فخذي فتركني أصحابي. فقال: ضع يدك حيث تجد الألم. فقل {فإن تولوا فقل حسبي اللّه لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} قال: فوضع يده فقرأ هذه الآية، فصح مكانه وركب فرسه وأدرك أصحابه. وأخرج أبو داود عن أبي الدرداء موقوفا وابن السني عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"من قال حين يصبح وحين يمسي {حسبي اللّه لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} سبع مرات كفاه اللّه ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة. وأخرج ابن النجار في تاريخه عن الحسن قال: من قال حين يصبح سبع مرات {حسبي اللّه لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} لم يصبه ذلك اليوم ولا تلك الليلة كرب ولا سلب ولا غرق. أما قوله تعالى: {وهو رب العرش العظيم} أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إنما سمي العرش عرشا لارتفاعه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن سعد الطائي قال: العرش ياقوتة حمراء. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال: إن اللّه تعالى خلق العرش والكرسي من نوره، فالعرش ملتصق بالكرسي، والملائكة في جوف الكرسي وحوله العرش أربعة أنهار، نهر من نور يتلألأ، ونهر من نار تتلظى، ونهر من ثلج أبيض تلتمع منه الأبصار، ونهر من ماء، والملائكة قيام في تلك الأنهار يسبحون اللّه تعالى، وللعرش ألسنة بعدد ألسنة الخلق كلهم، فهو يسبح اللّه تعالى ويذكره بتلك الألسنة. وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم"العرش ياقوتة حمراء، وإن ملكا من الملائكة نظر إليه وإلى عظمه فأوحى اللّه إليه: أني قد جعلت فيك قوة سبعين ألف ملك لكل ملك سبعون ألف جناح فطر. فطار الملك بما فيه من القوة والأجنحة ما شاء اللّه أن يطير، فوقف فنظر فكأنه لم يرم". وأخرج أبو الشيخ عن حماد قال: خلق اللّه العرش من زمردة خضراء، وخلق له أربع قوائم من ياقوتة حمراء، وخلق له ألف لسان، وخلق في الأرض ألف أمة كل أمة تسبح اللّه بلسان من ألسن العرش. وأخرج الطبراني وأبو الشيخ عن عبد اللّه بن عمرو بن العاصي قال: إن العرش مطوق بحية، والوحي ينزل في السلاسل. وأخرج ابن المنذر عن عطاء قال: كانوا يرون أن العرش على الحرم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: ما يقدر قدر العرش إلا الذي خلقه، وإن السموات في خلق العرش مثل قبة في صحراء. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: ما أخذت السموات والأرض من العرش إلا كما تأخذ الحلقة من أرض الفلاة. وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب قال: إن السموات في العرش كالقنديل معلقا بين السماء والأرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن يزيد البصري قال: في كتاب ما تنبأ عليه هرون النبي عليه الصلاة والسلام: إن بحرنا هذا خليج من نبطس، ونبطس وراءه وهو محيط بالأرض، فالأرض وما فوقها من البحار عند نبطس كعين على سيف البحر، وخلف نبطس قينس محيط بالأرض، فنبطس وما دونه عنده كعين على سيف البحر، وخلف قينس الأصم محيط بالأرض، فقينس وما دونه عنده كعين على سيف البحر، وخلف الأصم المظلم محيط بالأرض، فالأصم وما دونه عنده كعين على سيف البحر: وخلف المظلم جبل من الماس محيط بالأرض، فالمظلم وما دونه عنده كعين على سيف البحر، وخلف الماس الباكي وهو ماء عذب محيط بالأرض أمر اللّه نصفه أن يكون تحت العرش، فأراد أن يستجمع فزجره فهو باك يستغفر اللّه، فالماس وما دونه عنده كعين على سيف البحر، والعرش خلف ذلك محيط بالأرض، فالباكي وما دونه عنده كعين على سيف البحر. وأخرج أبو الشيخ عن عبد الرحمن بن زيد أسلم عن أبيه "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس. قال ابن زيد: قال أبو ذر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم"ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض، والكرسي موضع القدمين". وأخرج أبو الشيخ عن وهب رضي اللّه عنه قال: خلق اللّه العرش، وللعرش سبعون ألف ساق كل ساق كاستدارة السماء والأرض. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد رضي اللّه عنه قال: بين الملائكة وبين العرش سبعون حجابا، حجاب من نور وحجاب من ظلمة، وحجاب من نور وحجاب من ظلمة... وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول عند الكرب"لا إله إلا اللّه العظيم الحليم، لا إله إلا اللّه رب العرش العظيم، لا إله إلا اللّه رب السموات ورب الأرضين ورب العرش الكريم". وأخرج النسائي والحاكم والبيهقي عن عبد اللّه بن جعفر رضي اللّه قال: علمني علي رضي اللّه عنه كلمات علمهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إياه يقولهن عند الكرب والشيء يصيبه"لا إله إلا اللّه الحليم الكريم، سبحان اللّه وتبارك اللّه رب العرش العظيم، والحمد للّه رب العالمين". وأخرج الحكيم الترمذي من طريق إسحق بن عبد اللّه بن جعفر عن أبيه قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"لقنوا موتاكملا إله إلا اللّه الحليم الكريم، سبحان اللّه رب السموات السبع ورب العرش العظيم، الحمد للّه رب العالمين. " قالوا: يا رسول اللّه فكيف هي للحي؟ قال: أجود وأجود". وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد اللّه بن جعفر، أنه زوج ابنته فخلا بها فقال: إذا نزل بك الموت أو أمر من أمور الدنيا فظيع فاستقبليه بأن تقولي"لا إله إلا اللّه الحليم الكريم، سبجان اللّه رب العرش العظيم، الحمد للّه رب العالمين.وأخرج أحمد في الزهد وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه رضي اللّه عنه. أن حزقيل كان في سبا بختنصر مع دانيال من بيت المقدس، فزعم حزقيل أنه كان نائما على شأطئ الفرات، فأتاه ملك وهو نائم فأخذ برأسه فاحتمله حتى وضعه في خزانة بيت المقدس قال: فرفعت رأسي إلى السماء فإذا السموات منفرجات دون العرش قال: فبدا لي العرش ومن حوله، فنظرت إليهم من تلك الفرجة فإذا العرش - إذا نظرت إليه - مظل على السموات والأرض، وإذا نظرت إلى السموات والأرض رأيتهن متعلقات ببطن العرش، وإذا الحملة أربعة من الملائكة لكل ملك منهم أربعة وجوه، وجه إنسان، ووجه نسر، ووجه أسد، ووجه ثور، فلما أعجبني ذلك منهم نظرت إلى أقدامهم فإذا هي في الأرض على عجل تدور بها، وإذا ملك قائم بين يدي العرش له ستة أجنحة لها لون كلون فرع، لم يزل ذلك مقامه منذ خلق اللّه الخلق إلى أن تقوم الساعة، فإذا هو جبريل عليه السلام، وإذا ملك أسفل من ذلك أعظم شيء رأيته من الخلق، فإذا هو ميكائيل وهو خليفة على ملائكة السماء، وإذا ملائكة يطوفون بالعرش منذ خلق اللّه الخلق إلى أن تقوم الساعة يقولون: قدوس قدوس ربنا اللّه القوي ملأت عظمته السموات والأرض، وإذا ملائكة أسفل من ذلك، لكل ملك منهم ستة أجنحة، جناحان يستر بهما وجهه من النور، وجناحان يغطي بهما جسده، وجناحان يطير بهما. وإذا هم الملائكة المقربون، وإذا ملائكة أسفل من ذلك سجود مذ خلق اللّه الخلق إلى أن ينفخ في الصور، فإذا نفخ في الصور رفعوا رؤوسهم، فإذا نظروا إلى العرش قالوا: سبحانك ما كنا نقدرك حق قدرتك! ثم رأيت العرش تدلى من تلك الفرجة فكان قدرها، ثم أفضى إلى ما بين السماء والأرض فكان يلي ما بينهما، ثم دخل من باب الرحمة فكان قدره، ثم أفضى إلى المسجد فكان قدره، ثم وقع على الصخرة فكان قدرها، ثم قال: يا ابن آدم. فصعقت وسمعت صوتا لم أسمع مثله قط، فذهبت أقدر ذلك الصوت فإذا قدره كعسكر اجتمعوا فأجلبوا بصوت واحد أو كفئة اجتمعت فتدافعت وأتى بعضها بعضا، أو أعظم من ذلك. قال حزقيل: فلما صعقت قال: أنعشوه فإنه ضعيف خلق من طين، ثم قال: اذهب إلى قومك فأنت طليعتي عليهم كطليعة الجيش من دعوته منهم، فأجابك واهتدى بهداك فلك مثل أجره، ومن غفلت عنه حتى يموت ضالا فعليك مثل وزره لا يخفف ذلك من أوزارهم شيئا، ثم عرج بالعرش واحتملت حتى رددت إلى شاطئ الفرات، فبينما أنا نائم على شاطئ الفرات إذ أتاني ملك فأخذ برأسي فاحتملني حتى أدخلني جنب بيت المقدس، فإذا أنا بحوض ماء لا يجوز قدمي، ثم أفضيت منه إلى الجنة فإذا شجرها على شطوط أنهارها، وإذا هو شجر لا يتناثر ورقه ولا يفنى عمره، فإذا فيه الطلع والقضيب والبيع والقطيف قلت: فما لباسها؟ قال: هو ثياب كثياب الحور يتفلق على أي لون شاء صاحبه. قلت: فما أزواجها؟ فعرضن علي فذهبت لأقيس حسن وجوههن،فإذا هن لو جمع الشمس والقمر كان وجه إحداهن أضوأ منهما، وإذا لحم إحداهن لا يواري عظمها، وإذا عظمها لا يواري مخها، وإذا هي إذا نام عنها صاحبها استيقظ وهي بكر فعجبت من ذلك...! فقيل لي: لم تعجب من هذا؟ فقلت: وما لي لا أعجب؟! قال: فإنه من أكل من هذه الثمار التي رأيت خلد، ومن تزوج من هذه الأزواج انقطع عنه الهم والحزن قال: ثم أخذ برأسي فردني حيث كنت. قال حزقيل: فبينا أنا نائم على شاطئ الفرات إذ أتاني ملك فأخذ برأسي فاحتملني حتى وضعني بقاع من الأرض قد كانت معركة، وإذا فيه عشرة آلاف قتيل قد بددت الطيور والسباع لحومهم وفرقت بين أوصالهم، ثم قال لي: إن قوما يزعمون أنه من مات منهم أو قتل فقد انفلت مني وذهبت عنه قدرتي فادعهم. قال حزقيل: فدعوتهم فإذا كل عظم قد أقبل إلى مفصله الذي منه انقطع، ما رجل بصاحبه بأعرف من العظم بمفصله الذي فارق حتى أم بعضها بعضا، ثم نبت عليها اللحم، ثم نبتت العروق، ثم انبسطت الجلود وأنا أنظر إلى ذلك، ثم قال: ادع لي أرواحهم. قال حزقيل: فدعوتها وإذا كل روح قد أقبل إلى جسده الذي فارق، فلما جلسوا سألتهم فيم كنتم؟! قالوا: إنا لما متنا وفارقنا الحياة لقينا ملك يقال له ميكائيل، قال: هلموا أعمالكم وخذوا أجوركم، كذلك سنتنا فيكم وفيمن كان قبلكم وفيمن هو كائن بعدكم. فنظر في أعمالنا فوجدنا نعبد الأوثان، فسلط الدود على أجسادنا وجعلت الأرواح تألمه، وسلط الغم على أرواحنا وجعلت أجسادنا تألمه، فلم نزل كذلك نعذب حتى دعوتنا. قال: ثم احتملني فردني حيث كنت. |
﴿ ٠ ﴾