٢

أخرج ابن جرير عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله‏:‏ ‏{‏الر‏}‏ و ‏{‏الم‏}‏ قال‏:‏ فواتح يفتتح بها كلامه ‏{‏تلك آيات الكتاب‏}‏ قال التوراة والإنجيل‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي اللّه عنه في قوله‏:‏ ‏{‏الر تلك آيات الكتاب‏}‏ قال‏:‏ الكتب التي كانت قبل القرآن ‏{‏وقرأن مبين‏}‏ قال‏:‏ مبين، واللّه هداه ورشده وخيره‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏‏.‏

أخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي، عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله‏:‏ ‏{‏ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏ قالوا‏:‏ ود المشركون يوم بدر حين ضربت أعناقهم حين عرضوا على النار أنهم كانوا مؤمنين بمحمد صلى اللّه عليه وسلم‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏ربما يود الذين كفروا‏}‏ قال‏:‏ ذلك يوم القيامة، يتمنى الذين كفروا ‏{‏لو كانوا مسلمين‏}‏ قال‏:‏ موحدين‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي اللّه عنه في قوله‏:‏ ‏{‏ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏ قال‏:‏ هذا في الجهنميين‏.‏ إذا رأوهم يخرجون من النار‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وهناد بن السرى في الزهد، وابن جرير وابن المنذر والحاكم في صححه، والبيهقي في البعث والنشور، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‏:‏ ما زال اللّه يشفع ويدخل الجنة ويشفع ويرحم، حتى يقول‏:‏ من كان مسلما فليدخل الجنة‏.‏ فذلك قوله‏:‏ ‏{‏ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏‏.‏

وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث، عن ابن عباس وأنس رضي اللّه عنهما، أنهما تذاكرا هذه الآية ‏{‏ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏ فقالا‏:‏ هذا حيث يجمع اللّه بين أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النار، فيقول المشركون‏:‏ ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ فيغضب اللّه لهم، فيخرجهم بفضل رحمته‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وهناد والبيهقي، عن مجاهد رضي اللّه عنه في قوله‏:‏ ‏{‏ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏ قال‏:‏ إذا خرج من النار من قال‏:‏ لا إله إلا اللّه‏.‏

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند صحيح، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صاى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن ناسا من أمتي يعذبون بذنوبهم فيكونون في النار ما شاء اللّه أن يكونوا، ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون‏:‏ ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم‏.‏ فلا يبقى موحد إلا أخرجه اللّه تعالى من النار، ثم ٌقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏ ‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي عاصم في السنة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور، عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء اللّه من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين‏:‏ ألم تكونوا مسلمين‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى‏.‏ قالوا‏:‏ فما أغنى عنكم الإسلام وقد صرتم معنا في النار‏؟‏ قالوا‏:‏ كانت لنا ذنوب فأخذنا بها‏.‏ فسمع اللّه ما قالوا، فأمر بكل من كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار قالوا‏:‏ يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا، ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ )أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم ( {‏الر تلك آيات الكتاب وقرأن مبين ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏ ‏"‏‏.‏

وأخرج إسحق بن راهويه وابن حبان والطبراني وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري أنه سئل‏:‏ هل سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في هذه الآية شيئا ‏{‏ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏ قال‏:‏ نعم، سمعته يقول‏:‏ ‏"‏يخرج اللّه أناسا من المؤمنين من النار بعدما يأخذ نقمته منهم لما أدخلهم اللّه النار مع المشركين، قال لهم المشركون‏:‏ ألستم كنتم تزعمون أنكم أولياء اللّه في الدنيا، فما بالكم معنا في النار‏؟‏ فإذا سمع اللّه ذلك منهم أذن في الشفاعة لهم، فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون حتى يخرجوا بإذن اللّه، فإذا رأى المشركون ذلك قالوا‏:‏ يا ليتنا كنا مثلهم فتدركنا الشفاعة فنخرج معهم‏.‏ فذلك قول اللّه‏:‏ ‏{‏ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏ قال‏:‏ فيسمون في الجنة الجهنميين من أجل سواد في وجوههم، فيقولون‏:‏ يا ربنا، أذهب عنا هذا الاسم، فيأمرهم فيغتسلون في نهر الجنة فيذهب ذلك الاسم عنهم‏"‏‏.‏

وأخرج هناد بن السرى والطبراني في الأوسط وأبو نعيم، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن ناسا من أهل لا إله إلا اللّه يدخلون النار بذنوبهم، فيقول لهم أهل اللات والعزى‏:‏ ما أغنى عنكم قول لا إله إلا اللّه وأنتم معنا في النار‏؟‏ فيغضب اللّه لهم فيخرجهم فيلقيهم في نهر الحياة، فيبرؤون من حرقهم كما يبرأ القمر من خسوفه، فيدخلون الجنة ويسمون فيها الجهنميين‏"‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال‏:‏ أول من يأذن اللّه عز وجل له يوم القيامة في الكلام والشفاعة، محمد صلى اللّه عليه وسلم، فيقال له‏:‏ ‏"‏قل تسمع وسل تعطه‏.‏ قال‏:‏ فيخر ساجدا فيثني على اللّه ثناء لم يثن عليه أحد، فيقال‏:‏ ارفع رأسك‏.‏ فيرفع رأسه فيقول‏:‏ أي رب، أمتي‏.‏‏.‏ أمتي‏.‏‏.‏ فيخرج له ثلث من في النار من أمته، ثم يقال‏:‏ قل تسمع، وسل تعط‏.‏ فيخر ساجدا فيثني على اللّه ثناء لم يثنه أحد‏.‏ فيقال‏:‏ ارفع رأسك‏.‏ فيرفع رأسه ويقول‏:‏ أي رب، أمتي‏.‏‏.‏ أمتي‏.‏‏.‏ فيخرج له ثلث آخر من أمته، ثم يقال له‏:‏ قل تسمع، وسل تعط‏.‏ فيخر ساجدا فيثني على اللّه ثناء لم يثنه أحد‏.‏ فيقال‏:‏ ارفع رأسك‏.‏ فيرفع رأسه ويقول‏:‏ رب، أمتي‏.‏‏.‏ أمتي‏.‏‏.‏ فيخرج له الثلث الباقي‏"‏‏.‏ فقيل للحسن‏:‏ إن أبا حمزة يحدث بكذا وكذا‏.‏ فقال‏:‏ يرحم اللّه أبا حمزة، نسي الرابعة‏.‏ قيل وما الرابعة‏؟‏ قال‏:‏ من ليست له حسنة إلا لا إله إلا اللّه‏.‏ فيقول‏:‏ رب، أمتي‏.‏‏.‏ أمتي‏.‏‏.‏ فيقال له‏:‏ يا محمد، هؤلاء ينجيهم اللّه برحمته حتى لا يبقى أحد ممن قال لا إله إلا اللّه، فعند ذلك يقول أهل جهنم ‏(‏ما لنا من شافعين، ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين‏)‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏ يقوم نبيكم رابع أربعة، فيشفع فلا يبقى في النار إلا ما شاء اللّه من المشركين، فذلك قوله‏:‏ ‏{‏ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وابن شاهين في السنة، عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن أصحاب الكبائر من موحدي الأمم كلها، الذين ماتوا على كبائرهم غير نادمين ولا تائبين، من دخل منهم جهنم لا تزرق أعينهم ولا تسود وجوههم، ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل، ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران، حرم اللّه أجسادهم على الخلود من أجل التوحيد، وصورهم على النار من أجل السجود، فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه ومنهم من تأخذه النار إلى عقبيه، ومنهم من تأخذه النار إلى فخذيه، ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته، ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه، على قدر ذنوبهم وأعمالهم، ومنهم منن يمكث فيها شهرا ثم يخرج منها، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها، وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تفنى، فإذا أراد اللّه أن يخرجهم منها، قالت اليهود والنصارى ومن في النار من أهل الأديان والأوثان، لمن في النار من أهل التوحيد‏:‏ آمنتم باللّه وكتبه ورسله، فنحن وأنتم اليوم في النار سواء‏.‏ فيغضب اللّه لهم غضبا لم يغضبه لشيء فيما مضى، فيخرجهم إلى عين بين الجنة والصراط فينبتون فيها نبات الطراثيث في حميل السيل، ثم يدخلون الجنة‏.‏‏.‏‏.‏ مكتوب في جباههم‏:‏ هؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن‏.‏ فيمكثون في الجنة ما شاء اللّه أن يمكثوا، ثم يسألون اللّه تعالى أن يمحو ذلك الاسم عنهم، فيبعث اللّه ملكا فيمحوه، ثم يبعث اللّه ملائكة معهم مسامير من نار فيطبقونها على من بقي فيها، يسمرونها بتلك المسامير فينساهم اللّه على عرشه ويشتغل عنهم أهل الجنة بنعيمهم ولذاتهم‏.‏ وذلك قوله‏:‏{‏ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏ ‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، عن زكريا بن يحيى صاحب القضيب قال‏:‏ سألت أبا غالب رضي اللّه عنه عن هذه الآية ‏{‏ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏ فقال‏:‏ حدثني أبو أمامة رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنها نزلت في الخوارج حين رأوا تجاوز اللّه عن المسلمين وعن هذه الأمة والجماعة، قالوا‏:‏ يا ليتنا كنا مسلمين‏"‏‏.‏

وأخرج الحاكم في الكنى، عن حماد رضي اللّه عنه قال‏:‏ سألت إبراهيم عن هذه الآية ‏{‏ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏ قال‏:‏ حدثت أن أهل الشرك قالوا لمن دخل النار من أهل الإسلام‏:‏ ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون‏.‏‏.‏‏.‏‏؟‏ فيغضب اللّه لهم فيقول للملائكة والنبيين‏:‏ اشفعوا لهم‏.‏ فيشفعون لهم فيخرجون، حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يدخل معهم، فعند ذلك ‏{‏يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين‏}‏‏.

﴿ ٢