٣ أخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال: طلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حفصة فأتت أهلها، فأنزل اللّه {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} فقيل له: راجعها فإنها صوامة قوامة وإنها من أزواجك في الجنة. وأخرج ابن المنذر عن ابن سيرين في قوله: {لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا} قال: في حفصة بنت عمر طلقها النبي صلى اللّه عليه وسلم واحدة فنزلت {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} إلى قوله: {يحدث بعد ذلك أمرا} قال: فراجعها. وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: طلق عبد بن يزيد أبو ركانة أم ركانة ثم نكح امرأة من مزينة، فجاءت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالت: يا رسول اللّه ما يغني عني إلا ما تغني هذه الشعرة - لشعرة أخذتها من رأسها - فأخذت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حمية عند ذلك، فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ركانة وإخوته ثم قال لجلسائه: أترون كذا من كذا؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعبد يزيد: طلقها ففعل، فقال لأبي ركانة: ارتجعها فقال: يا رسول اللّه إني طلقتها. قال: قد علمت ذلك فارتجعها، فنزلت {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} قال: الذهبي إسناده واه، والخبر خطأ، فإن عبد يزيد لم يدرك الإسلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: بلغنا في قوله: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} إنها نزلت في عبد اللّه بن عمرو بن العاص وطفيل بن الحارث وعمرو بن سعيد بن العاص. وأخرج ابن مردويه من طريق أبي الزبير عن ابن عمر أنه طلق امرأته، وهي حائض، على عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم، فانطلق عمر، فذكر ذلك له فقال: مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم يطلقها إن بدا له، فأنزل اللّه عند ذلك {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن} قال أبو الزبير: هكذا سمعت ابن عمر يقرأها. وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق في المصنف وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فتغيظ فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال: ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر اللّه أن يطلق لها النساء، وقرأ النبي صلى اللّه عليه وسلم: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن}. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قرأ "فطلقوهن في قبل عدتهن" وأخرج ابن الأنباري عن ابن عمر أنه قرأ "فطلقوهن لقبل عدتهن". وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد في فضائله وسعيد وعبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي عن مجاهد أنه كان يقرأ "فطلقونن لقبل عدتهن". وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم {فطلقوهن لعدتهن} قال: طاهر من غير جماع. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر {فطلقوهن لعدتهن} قال: في الطهر في غير جماع. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود {فطلقوهن لعدتهن} قال: الطهر في غير جماع. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني والبيهقي وابن مردويه عن ابن مسعود قال: من أراد أن يطلق للسنة كما أمره اللّه فليطلقها طاهرا في غير جماع. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله: {فطلقوهن لعدتهن} قال: طاهرا من غير جماع. وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن أبي موسى رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لا يقل أحدكم لامرأته قد طلقتك، قد راجعتك، ليس هذا بطلاق المسلمين، طلقوا المرأة في قبل طهراها". وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي اللّه عنه {فطلقوهن لعدتهن} قال: طهرهن، وفي لفظ قال: طاهرا في غير جماع. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي اللّه عنه {فطلقوهن لعدتهن} قال: العدة أن يطلقها طاهرا من غير جماع، فأما الرجل يخالط امرأته، حتى إذا أقلع عنها طلقها عند ذلك فلا يدري أحاملا هي أم غير حامل، فإن ذلك لا يصلح. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والطبراني وابن مردويه عن مجاهد رضي اللّه عنه قال: سأل ابن عباس يوما رجل فقال: يا أبا عباس إني طلقت امرأتي ثلاثا فقال ابن عباس: عصيت ربك وحرمت عليك امرأتك ولم تتق اللّه ليجعل لك مخرجا، يطلق أحدكم، ثم يقول: يا أبا عباس، قال اللّه: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن} وهكذا كان ابن عباس يقرأ هذا الحرف. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي اللّه عنهما {فطلقوهن لعدتهن} قال: لا يطلقها وهي حائض، ولا في طهر قد جامعها فيه، ولكن يتركها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة، فإن كانت تحيض فعدتها ثلاث حيض، وإن كانت لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر، وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها، وإذا أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها أشهد على ذلك رجلين، كما قال اللّه: {وأشهد ذوي عدل منكم} عند الطلاق وعند المراجعة، فإن راجعها فهي عنده على تطليقتين، وإن لم يراجعها فإذا انقضت عدتها فقد بانت منه واحدة وهي أملك بنفسها، ثم تتزوج من شاءت هو أوغيره. وأخرج عبد بن حميد والطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود رضي اللّه عنه {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} قال: طلاق العدة أن يطلق الرجل امرأته وهي طاهر، ثم يدعها حتى تنقضي عدتها، أو يراجعها إن شاء. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي وابن مردويه عن مجاهد عن ابن عباس رضي اللّه عنه أنه سئل عن رجل طلق امرأته مائة قال: عصيت ربك، من يتق اللّه يجعل له مخرجا ثم تلا {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن}. قوله تعالى: {وأحصوا العدة}. أخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود رضي اللّه عنه {وأحصوا العدة} قال: الطلاق طاهرا في غير جماع. أخرج عبد بن حميد عن الشعبي رضي اللّه عنه أن شريحا طلق امرأته واحدة، ثم سكت عنها حتى انقضت العدة، ثم أتاها فاستأذن، ففزعت فدخل، فقال: "إني أردت أن يطاع اللّه {لا تخرجوهن من بيوتهن} ولا يخرجن". وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين رضي اللّه عنه أن شريحا، طلق امرأته وأشهد، وقال للشاهدين: اكتما علي فكتما عليه حتى انقضت العدة ثم أخبرها، فنقلت متاعها، فقال شريح: إني كرهت أن تأثم. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عمر رضي اللّه عنه قال: المطلقة والمتوفى عنها زوجها يخرجان بالنهار ولا يبيتان ليلة تامة عن بيوتهما وأخرج عبد بن حميد عن عامر رضي اللّه عنه قال: حدثتني فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأمرها، فاعتدت عند عمها عمرو بن أم مكتوم. وأخرج عبد بن حميد عن سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن فاطمة بنت قيس أخبرته أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة فطلقها آخر ثلاث تطليقات، فزعمت أنها جاءت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في خروجها من بيتها، فأمرها أن تنتقل إلى ابن أم مكتوم الأعمى، فأبى مروان أن يصدق فاطمة في خروج المطلقة من بيتها، وقال عروة: إن عائشة رضي اللّه عنها أنكرت ذلك على فاطمة بنت قيس. وأخرج ابن مردويه عن أبي إسحق قال: كنت جالسا مع الأسود بن يزيد في المسجد الأعظم، ومعنا الشعبي فحدث بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، فأخذ الأسود كفا من حصى فحصبه ثم قال: ويلك تحدث بمثل هذا؟ قال عمر: لا نترك كتاب اللّه وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري حفظت أم نسيت له السكنى والنفقة، قال اللّه: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}. وأخرج عبد الرزاق عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة خرج مع علي إلى اليمن فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت مع طلاقها، وأمر لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقة فاستقلتها فقالا لها: واللّه مالك نفقة إلا أن تكوني حاملا، فأتت النبي صلى اللّه عليه وسلم، فذكرت له أمرها، فقال لها النبي صلى اللّه عليه وسلم: "لا نفقة لك فاستأذنيه في الإنتقال " فأذن لها، فأرسل إليها مروان يسألها عن ذلك فحدثته فقال مروان: لم أسمع بهذا الحديث إلا من امرأة سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها، فقالت فاطمة: بيني وبينكم كتاب اللّه، قال اللّه عز وجل: {ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} حتى بلغ {لا تدري لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا} قالت: هذا لمن كانت له مراجعة، فأي أمر يحدث بعد الثلاث، فكيف يقولون: لا نفقة لها إذا لم تكن حاملا، فعلام تحبسونها، ولكن يتركها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة، فإن كانت تحيض فعدتها ثلاث حيض، وإن كانت لا تحيض، فعدتها ثلاثة أشهر، وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها، وإن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها أشهد على ذلك رجلين كما قال اللّه: {وأشهدوا ذوي عدل منكم عند الطلاق وعند المراجعة} فإن راجعها فهي عنده على طلقتين أو إن لم يراجعها فإذا انقضت عدتها فقد بانت عدتها منه بواحدة، وهي أملك لنفسها، ثم تتزوج من شاءت هو أو غيره. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: الطلاق على أربعة منازل: منزلان حلال، ومنزلان حرام، فأما الحرام فأن يطلقها حين يجامعها ولا يدري اشتمل الرحم على شيء أولا، وإن يطلقها وهي حائض، وأما الحلال فأن يطلقها لأقرائها طاهرا عن غير جماع وأن يطلقها مستبينا حملها. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر رضي اللّه عنه في قوله: {ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال: خروجها قبل انقضاء العدة من بيتها الفاحشة المبينة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله: {ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال: الزنا. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن والشعبي مثله. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد رضي اللّه عنه {ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال: إلا أن يزنين. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن عطاء الخراساني رضي اللّه عنه في قوله: {ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال: كان ذلك قبل أن تنزل الحدود، وكانت المرأة إذا أتت بفاحشة أخرجت. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب {ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال: إلا أن تصيب حدا فتخرج، فيقام عليها. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن راهويه وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله: {ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال: الفاحشة المبينة أن تبذو المرأة على أهل الرجل، فإذا بذت عليهم بلسانها فقد حل لهم إخراجها. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد رضي اللّه عنه {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال: لو كان الزنا كما تقولون أخرجت فرجمت، كان ابن عباس يقول: "إلا أن يفحشن" قال: وهو النشوز. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي اللّه عنه قال: الفاحشة المبينة السوء في الخلق. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي اللّه عنه في قوله: {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال: يفحش لو زنت رجمت. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي اللّه عنه {بفاحشة مبينة} قال: هو النشوز، وفي حرف ابن مسعود "إلا أن يفحشن" وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي اللّه عنه {بفاحشة مبينة} قال: هو النشوز. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {لا تدري لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا} قال: إن بدا له أن يراجعها راجعها في بيتها هو أبعد من قذر الأخلاق وأطوع للّه أن تلزم بيتها وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يستحبون أن يطلقها واحدة ثم يدعها حتى يحل أجلها، وكانوا يقولون: {لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا} لعله أن يرغب فيها. وأخرج ابن أبي حاتم عن فاطمة بنت قيس رضي اللّه عنها في قوله: {لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا} قالت: هي الرجعة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يستحبون أن يطلقها واحدة، ثم يدعها حتى تنقضي عدتها، لأنه لا يدري لعله ينكحها، قال: وكانوا يتأولون هذه الآية {لا تدري لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا} لعله يرغب فيها. وأخرج ابن أبي حاتم عن فاطمة بنت قيس في قوله: {لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا} لعله يرغب في رجعتها. وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك والشعبي رضي اللّه عنه مثله. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء قال: النكاح بالشهود والطلاق بالشهود والمراجعة بالشهود.وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين رضي اللّه عنه أن رجلا سأل عمران ابن حصين عن رجل طلق ولم يشهد، وراجع ولم يشهد، قال: بئسما صنع، طلق في بدعة، وارتجع في غير سنة، فليشهد على طلاقه وعلى مراجعته، وليستغفر اللّه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن منصور وعبد بن حميد عن إبراهيم النخعي قال: العدل في المسلمين من لم تظهر منه ريبة. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك {وأقيموا الشهادة للّه} قال: إذا أشهدتم على شيء فأقيموه. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رجلا سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الشهادة فقال: "لا تشهد إلا على مثل الشمس أو دع". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا تشهد على شهادة حتى تكون عندك أضوأ من الشمس". وأخرج ابن مردويه عن أبي قتادة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "خيركم من كانت عنده شهادة لا يعلمها فتعجلها قبل أن يسألها". ١ - ٣... ... وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا} قال: مخرجه أن يعلم أنه قبل أمر اللّه، وأن اللّه هو الذي يعطيه وهو يمنعه، وهو يبتله (يبتليه؟؟)، وهو يعافيه، وهو يدفع عنه، وفي قوله: {ويرزقه من حيث لا يحتسب} قال: يقول: من حيث لا يدري. وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في شعب الإيمان عن مسروق مثله. وأخرج عبد بن حميد وأبو نعيم في الحلية عن قتادة {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا} قال: من شبهات الدنيا والكرب عند الموت وإفزاع يوم القيامة، فالزموا تقوى اللّه فإن منها الرزق من اللّه في الدنيا والثواب في الآخرة، قال اللّه: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) (سورة إبراهيم الآية ٧) وقال: ههنا {ويرزقه من حيث لا يحتسب} قال: من حيث لا يؤمل ولا يرجو. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله: {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} قال: ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة. وأخرج أبو يعلى وأبو نعيم والديلمي من طريق عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في قوله: {ومن يتق اللّه يجعله له مخرجا} قال: "من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة". وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عبادة بن الصامت قال: طلق بعض آبائي امرأته ألفا فانطلق بنوه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالوا يا رسول اللّه: إن أبانا طلق أمنا ألفا فهل له من مخرج؟ فقال: "إن أباكم لم يتق اللّه فيجعل له من أمره مخرجا، بانت منه بثلاث على غير السنة والباقي إثم في عنقه". وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي من طريق سالم بن أبي الجعد عن جابر قال: نزلت هذه الآية {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} في رجل من أشجع كان فقيرا خفيف ذات اليد كثير العيال فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسأله، فقال: "اتق اللّه واصبر" فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء ابن له يقال له أبو نعيم كان العدو أصابوه فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فسأله غيره وأخبره خبرها فنزلت {ومن يتق اللّه} الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سالم بن أبي الجعد قال: نزلت هذه الآية {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا} في رجل من أشجع أصابه جهد وبلاء وكان العدو أسروا ابنه فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: "اتق اللّه واصبر" فرجع ابن له كان أسيرا قد فكه اللّه، فأتاهم وقد أصاب أعنزا، فجاء فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم فنزلت، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: هي لك. وأخرج الخطيب في تاريخه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله: {ومن يتق اللّه يجعل له} الآية، قال: نزلت هذه الآية في ابن لعوف بن مالك الأشجعي، وكان المشركون أسروه وأوثقوه وأجاعوه، فكتب إلى أبيه أن ائت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأعلمه ما أنا فيه من الضيق والشدة، فلما أخبر رسول صلى اللّه عليه وسلم قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: اكتب إليه وأخبره ومره بالتقوى والتوكل على اللّه، وأن يقول عند صباحه ومسائه (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) (سورة التوبة الآية ١٢٨) (فإن تولوا فقل حسبي اللّه لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) (سورة التوبة الآية ١٢٩) فلما ورد عليه الكتاب قرأه فأطلق اللّه وثاقه، فمر بواديهم التي ترعى فيه إبلهم وغنمهم فاستاقها فجاء بها إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال يا رسول اللّه: إني اغتلتهم بعد ما أطلق اللّه وثاقي فحلا هي أم حرام؟ قال: بل هي حلال إذا شئنا خمسنا، فأنزل اللّه {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب من يتوكل على اللّه فهو حسبه إن اللّه بالغ أمره قد جعل اللّه لكل شيء} من الشدة والرخاء {قدرا} يعني أجلا. وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما: من قرأ هذه الآية عن سلطان يخاف غشمه، أو عند موج يخاف الغرق، أوعند سبع لم يضره شيء من ذلك. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: جاء عوف بن مالك الأشجعي فقال يا رسول اللّه: إن ابني أسره العدو وجزعت أمه فما تأمرني؟ قال: "آمرك وإياها أن تستكثر من لا حول ولا قوة إلا باللّه" فقالت المرأة: نعم ما أمرك، فجعلا يكثران منها فتغفل عنه العدو فاستاق غنمهم فجاء بها إلى أبيه فنزلت {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا} الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن إسحق مولى أبي قيس بن مخرمة قال: جاء مالك الأشجعي إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال له: أسر ابن عوف، فقال له: "أرسل إليه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمرك أن تستكثر من لا حول ولا قوة إلا باللّه" وكانوا قد شدوه بالقد فسقط القد عنه، فخرج فإذا هو بناقتة لهم، فركبها فأقبل، فإذا بسرح للقوم الذين كانوا أسروه، فصاح بها فأتبع آخرها أولها فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب، فأتى أبوه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأخبره، فنزلت {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا} الآية. وأخرج عبد بن حميد والحاكم وابن مردويه عن أبي عيينة والبيهقي في الدلائل عنه عن ابن مسعود قال: أتى رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أراه عوف بن مالك فقال: يا رسول اللّه إن بني فلان أغاروا علي فذهبوا بابني، وبكى فقال: اسأل اللّه، فرجع إلى امرأته، فقالت له: ما رد عليك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فأخبرها، فلم يلبث الرجل أن رد اللّه إبله وابنه أوفر ما كان، فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأخبره فقام على المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، وأمرهم بمسئلة اللّه والرغبة له، وقرأ عليهم {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة في قوله: {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا} قال: يكفيه غم الدنيا وهمها. وأخرج أحمد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أبي ذر قال: جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتلو هذه الآية {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} فجعل يرددها حتى نعست، ثم قال: يا أبا ذر لو أن الناس كلهم بها لكفتهم". وأخرج الطبراني وابن مردويه عن معاذ بن جبل: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "يا أيها الناس اتخذوا تقوى اللّه تجارة يأتكم الرزق بلا بضاعة ولا تجارة، ثم قرأ {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} ". وأخرج أحمد والنسائي وابن ماجة عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا لدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر" وأخرج أحمد وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : "من أكثر من الاستغفار جعل اللّه له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب". وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والخطيب عن عمران بن بن حصين رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "من انقطع إلى اللّه كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله اللّه إليها". وأخرج البخاري في تاريخه عن إسماعيل البجي رضي اللّه عنه قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "لئن انتهنيم عندما تؤمرون لتأكلن غير زارعين". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن بالمنذر عن الربيع بن خيثم رضي اللّه عنه {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا} قال: من كل شيء ضاق على الناس. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن مسعود رضي اللّه عنه {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا} قال: نجاة. وأخرج أحمد عن أبي ذر رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له: "أوصيك بتقوى اللّه في سر أمرك وعلانيته، وإذا أسأت فأحسن ولا تسألن أحدا شيئا، ولا تقبض أمانة، ولا تقض بين أثنين". وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "أوصيك بتقوى اللّه فإنه رأس كل شيء، وعليك بالجهاد، فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر اللّه، وتلاوة القرآن فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض". وأخرج ابن سعد وأحمد عن ضرغام بن عليبة بن حرملة العنبري عن أبيه عن جده رضي اللّه عنه قال: "أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقلت يا رسول اللّه: أوصني قال: اتق اللّه، وإذا كنت في مجلس فقمت منه فسمعتهم يقولون ما يعجبك فائته، فإذا سمعتهم يقولون ما تكره فاتركه". وأخرج أحمد في الزهد عن وهب بن منبه رضي اللّه عنه قال: وجدت في كتاب من كتب اللّه المنزلة أن اللّه عز وجل يقول: إني مع عبدي المؤمن حين يطيعني أعطيه قبل أن يسألني، وأستجيب له قبل أن يدعوني، وما ترددت في شيء ترددي عن قبض عبدي المؤمن إنه يكره ذلك ويسوءه وأنا أكره أن أسوءه، وليس له منه بد وما عندي خير له إن عبدي إذا أطاعني واتبع أمري فلو أجلبت عليه السموات السبع ومن فيهن والأرضون السبع بمن فيهن جعلت له من بين ذلك المخرج، وإنه إذا عصاني ولم يتبع أمري قطعت يديه من أسباب السماء وخسفت به الأرض من تحت قدميه، وتركته في الأهواء لا ينتصر من شيء، إن سلطان الأرض موضوع خامد عندي كما يضع أحدكم سلاحه عنه، لا يقطع سيف إلا بيد، ولا يضرب سوط إلا بيد، لا يصل من ذلك إلى شيء إلا بإذني. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن رضي اللّه عنه قال: كتب زياد إلى الحكم بن عمرو الغفاري وهو على خراسان أن أمير المؤمنين كتب إلي أن يصطفى له الصفراء والبيضاء، فلا يقسم بين الناس ذهب ولا فضة، فكتب إليه: بلغني كتابك وإني وجدت كتاب اللّه قبل كتاب أمير المؤمنين، وإنه واللّه لو أن السموات والأرض كانتا رتقا على عبده ثم اتقى اللّه جعل له مخرجا والسلام عليك، ثم قال: أيها الناس اغدوا على مالكم، فقسمه بينهم. وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة أن عائشة رضي اللّه عنها كتبت إلى معاوية: أوصيك بتقوى اللّه، فإنك إن اتقيت اللّه كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لم يغنوا عنك من اللّه شيئا. وأخرج ابن حبان في الضعفاء والبيهقي في شعب الإيمان والعسكري في الأمثال عن علي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إنما تكون الصنيعة إلى ذي دين أو حسب، وجهاد الضعفاء الحج، وجهاد المرأة حسن البتعل لزوجها، والتودد نصف الإيمان، وما عال امرؤ على اقتصاد، واستنزلوا الرزق بالصدقة، وأبى اللّه أن يجعل أرزاق عباده المؤمنين إلا من حيث لا يحتسبون. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قي قوله: {ومن يتوكل على اللّه فهو حسبه} قال: ليس المتوكل الذي يقول تقضي حاجتي، وليس كل من توكل على اللّه كفاه ما أهمه، ودفع عنه ما يكره، وقضى حاجته، ولكن اللّه جعل فضل من توكل على من لم يتوكل أن يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرا، وفي قوله: {قد جعل اللّه لكل شيء قدرا} قال: يعني أجلا ومنتهى ينتهي إليه. وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لو أنكم تتوكلون على اللّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا". وأخرج ابن مردويه عن الحسن رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من رضي وقنع وتوكل كفي الطلب". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رفع الحديث إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على اللّه، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد اللّه أوثق منه بما في يده، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق اللّه". وأخرج أبو داود وزالترمذي والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها باللّه فيوشك اللّه له برزق عاجل أو آجل". وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "من جاع أو احتاج فكتمه الناس وأفضى به إلى اللّه كان حقا على اللّه أن يفتح له قوت سنة من حلال". وأخرج أحمد في الزهد عن وهب رضي اللّه عنه قال: يقول اللّه تبارك وتعالى: وإذا توكل علي عبدي لو كادته السموات والأرض جعلت له من بين ذلك المخرج. وأخرج عبد اللّه ابنه في زوائد الزهد عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: أوحى اللّه إلى عيسى اجعلني من نفسك لهمك، واجعلني ذخرا لمعادك، وتوكل علي أكفك، ولا تول غيري فأخذ لك. وأخرج أحمد في الزهد عن عمار بن ياسر قال: كفى بالموت واعظا، وكفى باليقين غنى، وكفى بالعبادة شغلا. |
﴿ ٣ ﴾